الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 2 | المشاهدات | 985 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
19 / 07 / 2018, 53 : 03 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح منذ أن ختم الله تعالى الأديان كلها بالإسلام، وختم الأنبياء والرسُل كلهم بمحمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وختم الكتب السماوية كلها بالقرآن الكريم، وهذا الكتاب المنزل هو محل اهتمام المسلمين، وغير المسلمين، بالتفسير والتحليل، والسعي إلى فهمه وتمثله من المسلمين، والوقوف على أسرار تأثيره في النفوس. يعترف المستشرق الفرنسي المعاصر جاك بيرك أن محاولته ترجمة معاني القرآن الكريم "ليست غير محاولة لتفسير معاني القرآن الكريم؛ لأن الترجمة الحقيقية للنص القرآني مستحيلة، فألفاظ وعبارات القرآن الكريم لها مدلولات ومؤشرات عميقة، ولا تستطيع اللغة (القابلة) أن تنقلها بكل ما تحتويه من معان ظاهرة وخافية"[1]. وفي هذا الأمر جدالٌ سابق بين علماء المسلمين، من أمثال أبي حنيفة، ومالك بن أنس، وابن حزم، والغزالي، وابن تيمية، والزركشي، والسيوطي، والزرقاني، والحجوي، ومشيخة الأزهر الشريف[2]، يرجع هذا الجدال إلى ما قبل فكرة الترجمة، من حيث التأويل والتفسيرُ، وبيانُ معناه للعامة، والنظرُ إلى المعاني الأصلية، والمعاني التابعة الخادمة، كما يقول الشاطبي (ت: 790هـ / 1388م) في "الموافقات في أصول الأحكام"[3]. لذا، اصطلح المسلمون على أن يُطلقوا على عملية نقل القرآن الكريم، وترجمته من اللغة العربية إلى أي لغة أخرى، ترجمة معاني القرآن الكريم[4]، ويتحرَّج المسلم العالِم من إطلاق الترجمة على القرآن الكريم، دون أن تكون مقيَّدة بترجمة المعنى[5]. كان هذا مخرجًا حَفظَ للقرآن الكريم مكانته، بلغته العربية، ودفع كثيرين إلى تعلم اللغة العربية؛ ليستطيعوا تذوق القرآن الكريم، باللغة التي نزل بها، كما أنه كان مخرجًا لتعدُّد ترجمات المعاني في اللغة الواحدة، على أيدي أبنائها وغير أبنائها، بل ربما تعددت ترجمة المعاني باللغة الواحدة على يد مترجم واحد؛ حيث يتبين له دائمًا التقصير الذي يعتريه، مع كل ترجمة للمعاني، وهذا من طبع البشر[6]. يقول عبدالله بن عبدالمحسن التركي في مقدمته للتفسير الميسَّر: "كان غير العرب - بمجرد دخولهم في الإسلام - يتعلمون لغة العرب، ليقرؤوا القرآن ويفهموه ويعملوا به، وحينما انحسر المدُّ الإسلامي، وضعف المسلمون، وقل الاهتمام بالعلوم الإسلامية ولغتها العربية، ظهرت الحاجة إلى ترجمة معاني كتاب الله لمن لا يتكلم اللغة العربية ولا يفهمها، إسهامًا في تبليغ رسالة الإسلام للناس كافة، ودعوة لهم إلى هدي الله وصراطه المستقيم. وتعدَّدت الترجمات، ودخل في الميدان من ليس أهلًا له، بل قام بذلك أناسٌ من غير المسلمين، مما جعل الحاجة ملحَّة إلى أن يعتني المسلمون بتوفير ترجمات صحيحة لمعاني كتاب الله، وبيان ما في بعض الترجمات من أخطاء وافتراء ودسٍّ على كتاب الله الكريم، ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم[7]. من العجيب أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات اللاتينية، وإلى اللغات الأوربية الأخرى، (اللغات الغربية)؛ كالجرمانية، قد بدأت على أيدي غربيين، غير مسلمين، ورغم كثرتها إلا أن أبرزها ترجمة المستشرق الإنجليزي جورج سيل (1697 - 1736م) إلى اللغة الإنجليزية، التي وضع لها مقدمة، قرَّر فيها أن رسولنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هو الذي ألَّف القرآن الكريم - كما سيأتي ذكره - وإن كان لم يستبعد أن يكون قد عاونه أحد من حكماء عصره من بني قومه، أو من اليهود والنصارى[8]! ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103]. أعقب ذلك نقولٌ أخرى عن هذه الترجمة، وكان هذا التأثير سلبيًّا، ولعله كان مقصودًا لصرف الآخر عن التعلُّق بالإسلام، من خلال تقديم المعلومة الشرعية الصحيحة، بالترجمة الدقيقة للمصدر الأول لهذه المعلومة، هذا في ضوء غياب جهود المسلمين القادرين على تقديم المعلومة الصحيحة، من خلال الترجمة الدقيقة لمعاني القرآن الكريم، وانشغال المسلمين، في حينها، في النظر في مشروعية النقل والترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى. وما دمنا ندور حول إسهامات غير المسلمين في التأثير في المعلومة الشرعية، فإن هذا التأثير لم يَقتصِر على ترجمات معاني القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة، بل إن الدراسات حول هذه المعلومة تتعذَّر اليوم على الحَصر، بما في ذلك الدعوة إلى كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاتينية، التي تقدم بها عبدالعزيز فهمي لمجمع فؤاد الأول للغة العربية بالقاهرة في 6 / 1 / 1360هـ الموافق 2 / 2 / 1941م، التي دعا بها إلى أن تكتب اللغة العربية بالحروف اللاتينية، إلا أن أعضاء المجمع آنذاك، اعترضوا على هذا الاقتراح، "حتى اندثر هذا الموضوع، وطَواه النسيان منذ عام 1944م"[9]، وكان ذلك في جلستي 24 و31 من شهر المحرم 1363هـ الموافق يناير من سنة 1944م. وقد سعى الأستاذ الدكتور فؤاد سزكين - مدير معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بفرانكفورت بألمانيا - إلى حصر ما كُتب حول الموضوع باللغة الألمانية فقط، وكنت أراه يجمع البحوث والدراسات، يستعيرها من مكتبات أوروبا العامة والجامعية والبحثية، ثم يقوم بتصويرها وتجليدها، والاحتفاظ بها في مكتبة المعهد القيمة، وقد أصدر لذلك قائمة وراقية (ببليوجرافية)، تزيد على خمسة مجلدات ضخمة، بمعاونة الباحث البوسنوي إسماعيل بالتش، وآخرين. ولا يزال الأستاذ الدكتور فؤاد سزكين يواصل هذا المشروع، ويصدر قائمة وراقية (ببليوجرافية) جديدة، بين الفينة والفينة، ولا يزال يجمع هذه الدراسات من الدوريات العلمية، ومن الكتب، ووقائع المؤتمرات، حتى تكونت عنده في مكتبة المعهد، ثروة علمية من هذه الدراسات، ربما كانت مجالًا للدرس والتحليل، ولا سيما أن معظمها جاء من المستشرقين الألمان، أو ممن أرادوا البحث والدراسة والكتابة باللغة الألمانية، التي تُعد لغة الاستشراق الأولى، وبالتالي، تُعدُّ اللغات الأوروبية الأخرى عالةً عليها. يمكن القول دون تعميم: إن هذه الدراسات حول المعلومة الشرعية لا تكاد تخلو من الخلل المتعمَّد، في مجمله، وغير المقصود في قليل منه؛ ذلك أن هؤلاء الدارسين للمعلومة قد افتقدوا إلى عاملين مهمين؛ أولهما: الافتقار إلى الانتماء إلى هذه المعلومة، وما تمثِّلُه من ثقافة، وبالتالي أعطاهم عدم الانتماء الجرأة على الحكم والتحليل، دون النظر إلى التأثير، ولو كان هذا التأثير سلبيًّا. يقول مصطفى عبدالغني: "إن مراجعة ترجمة جاك بيرك، هنا، تشير إلى أنه - مثل عدد من المستشرقين - رغم استخدامه لعدد من المناهج الغربية الجديدة على النص، فإنه ما زال يحمل رواسب تاريخية واجتماعية خاصة في التفسير أكثر من محاولة صارمة في المنهج"[10]. العامل الثاني: هو افتقارهم إلى الإلمام باللغة التي جاءت بها المعلومة الشرعية، وهي هنا، اللغة العربية، رغم محاولاتهم الجادة للسيطرة عليها[11]. هذا العامل الثاني أخفُّ بكثير من العامل الأول، ولكن تأثيره بدا واضحًا، من خلال اضطرار المستشرقين إلى الاستعانة بالضليعين باللغة العربية من العلماء والأدباء العرب، يقرؤون لهم، وينسخون ما يكتبون، وقد حرصوا على أصحاب الخطوط الجميلة، في ضوء تعميم المطبعة ووسائل الاستنساخ الحديثة، ومن هؤلاء العلماء والأدباء (مرتبة أسماؤهم هجائيًّا): إبراهيم شبُّوح، وابن أبي شنب، وأحمد تيمور، وأحمد زكي، وأحمد عبيد، وإحسان عباس، والقاضي إسماعيل الأكوع، وحسن حسني عبدالوهاب، وحمد الجاسر، وصلاح الدين المنجد، والشيخ طاهر الجزائري، والعابد الفاسي، وعبدالحي الكتاني، وفؤاد سيد، والفقيه التطواني، وقاسم الرجب، وكوركيس عواد، ومحمد إبراهيم الكتاني، ومحمد رشاد عبدالمطلب، ومحمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي، ومحمد المنوني، ومحمد يوسف نجم، ومحمود محمد الطناحي[12]. لا شك في أن هذا الموقف من المعلومة الشرعية كان له في مجتمع هؤلاء الدارسين، تأثيره السلبي فيها؛ إذ أسهم هذا الأسلوب في إبعاد الناس عن المعلومة الشرعية الصحيحة، وبالتالي أسهم في ضعف فهم الإسلام، أو في سوء فهمه، مما كان له تأثيره في الإقبال على هذا الدين، الذي يقوم على المعلومة الشرعية الصحيحة. إذا كان هذا الخلل قد اعترى نقل المعلومة الشرعية من مصدرها الأول - وهو القرآن الكريم - إلى اللغات الأخرى، فمِن المتوقع أن يَعتريَ الخلل نقل السنة النبوية الشريفة عن طريق الترجمة، ولا سيما أن في الحديث الشريف ما هو صحيح، وما هو حسن، وما هو ضعيف، وما هو موضوع، والضعيف والموضوع يختلفان في درجة قبولهما، على ما بينه علماء السنة النبوية المطهرة في مصطلح الحديث، لما فيهما من المعلومات الشرعية، مما لم يثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما أن فيهما من المعلومات مما لا يمكن أن يُعدَّ من المعلومات الشرعية، لتعارُضه مع النقل الصحيح أولًا، ثم العقل السليم ثانيًا. كان هذا مجالًا رحبًا للخلط في نقل المعلومة، مما كان مجالًا رحبًا كذلك لتشويه الإسلام وسيرة المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي للمعلومة الشرعية المستقاة من المصدر الثاني الرئيسي من مصادر التشريع الإسلامي، سنة المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. التركيز هنا مخصص لمحاولات فهم القرآن الكريم من أولئك الذين لا يَنتمون إليه، ولا يتحدثون لغته العربية؛ مما أدى إلى قيام محاولات لترجمة معانيه إلى لغاتهم، تعود إلى القرن السادس الهجري (سنة 536هـ)، الثاني عشر الميلادي (سنة 1143م)، حينما بدأ بطرس المحترم الكلوني هذا الجهد، وتولى الترجمة له الراهب الإنجليزي روبرت (روبرتوس كيتينيسيس) الكلوني، وكان هو والراهب الآخر هيرمان الدالماتي الذي ترجم النبذة المختصرة، ملمِّين باللغة العربية، وكانت هذه الترجمة "تزخر بأخطاء جسيمة، سواءٌ في المعنى أو في المبنى، ولم يكن أمينًا؛ إذ أغفل ترجمة العديد من المفردات، كما لم يتقيَّد بأصل السياق، ولم يُقم وزنًا لخصوصيات الأدب"، كما يقول يوهان فوك[13]. يضيف عبدالرحمن بدوي إليهما كلًّا من روبرت كينت، وعربي مسلم يُدعى محمدًا، "ولا يُعرف له لقب ولا كنية ولا اسم آخر"[14]، ويذكر محمد عبدالواحد العسري أن من التراجمة أحد المسلمين المنقلبين عن دينهم الأصلي إلى النصرانية[15]، كما يذكر محمد عوني عبدالرؤوف "أن أحد المغاربة من المتفقِّهين في التفسير والدين كان يمدُّ له يد المساعدة دائمًا"[16]، ومع هذا فلم تكن هذه الترجمة أمينةً، "فقد كانت تعاني من نقص شديد في مواطن كثيرة، فهي شرح للقرآن أكثر من كونها ترجمةً، لم يعن بأمانة الترجمة ولا بتركيب الجملة، ولم يُعِر البيان القرآني أي التفات، بل اجتهد في ترجمة معاني السور وتلخيصها، بصرف النظر عن موضوع الآيات التي تعبِّر عن هذه المعاني بالسورة نفسها"[17]. إلا أن هذه الترجمة لم يتم طبعها إلا بعد أربعمائة سنة من ترجمتها؛ أي في منتصف القرن العاشر الهجري، (سنة 950هـ)، منتصف القرن السادس عشر الميلادي (سنة 1543هـ)، إذ طبعت في بازل بسويسرا، وتولَّد جدل لدى رجال الدين في الكنيسة حول جواز نشر القرآن الكريم بين رعايا الكنيسة، ومدى تأثيره في مشروع حماية النصارى من الإسلام[18]، ثم صدرت الطبعة الثانية منها، في بازل بسويسرا كذلك، سنة (957هـ / 1550م)[19]. تلاها مباشرة محاولة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية، وقام بها جمعٌ من رهبان ريتينا، وقيل: إن هذه الترجمة قد أُحرقَت[20]. تعاقبت الترجمات مستندة إلى ترجمة روبرتوس الكلوني، وعلى أيدي المستشرقين، فقد صدرت أقدم ترجمة إلى الإيطالية سنة (954هـ / 1547م)، ثم صدرت عن الترجمة الإيطالية ترجمة ألمانية (سنة 1025هـ / 1616م)، على يد سالومون شفايجر، وعن الألمانية صدرت ترجمة إلى الهولندية سنة (1051هـ / 1641م)، ولا يُعرف اسم المترجم، وكلها كانت عالة على ترجمة روبرتوس، حتى ظهرت ترجمة لودفيجو ماراتشي إلى الإيطالية سنة (1110هـ / 1698م)، "التي لا سبيل إلى مقارنتها، من حيث صحتها، مع أي ترجمة أخرى قبلها"[21]، ثم إلى الفرنسية، فقد ترجمها رير سنة (1647م)[22]. توالت بعد ذلك ترجمات معاني القرآن الكريم، دون تدخُّل مباشر من الأديرة والكنائس والمنصِّرين، ولكن بقدر من الإيحاء الذي أملته العودة إلى الترجمات السابقة، حتى أتى جورج سيل سنة (1149هـ / 1734م)، الذي أثنى على القرآن الكريم، وترجم معانيه إلى اللغة الإنجليزية، لكنه نفى أن يكون وحيًا من عند الله، بل أكَّد أنه من صنع محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: "أما أن محمدًا كان في الحقيقة مؤلف القرآن المخترع الرئيسي له فأمرٌ لا يقبل الجدل، وإن كان المرجح - مع ذلك - أن المعاونة التي حصل عليها من غيره، في خطته هذه، لم تكن معاونة يسيرة، وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك"[23]؛ ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103]. يقول نجيب العقيقي عن هذه الترجمة: "وقد نجح في ترجمته، فذكرها فولتير في القاموس الفلسفي، وأُعيد طبعها مرارًا، إلا أنها اشتملت على شروح وحواش ومقدمة مسهبة، هي في الحقيقة بمثابة مقالة إضافية عن الدين الإسلامي عامة، حشاها بالإفك واللغو والتجريح"[24]، وجاءت ترجمات معاني القرآن الكريم التالية له في معظمها عالة عليه، متأثرة به. وتعاقبت الردود على القول بأن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول المستشرق شيبس: "يعتقد بعض العلماء أن القرآن كلام محمد، وهذا هو الخطأ المحضُ، فالقرآن هو كلام الله تعالى الموحى على لسان رسوله محمد، وليس في استطاعة محمد، ذلك الرجل الأمي في تلك العصور الغابرة أن يأتينا بكلام تحار فيه عقول الحكماء ويَهدي به الناس من الظلمات إلى النور، وربما تعجبون من اعتراف رجل أوروبي بهذه الحقيقة، لا تعجبوا فإني درست القرآن، فوجدت فيه تلك المعاني العالية والنُّظُم المحكمة، وتلك البلاغة التي لم أرَ مثلها قطُّ، فجملة واحدةٌ تغني عن مؤلفات"[25]، وهذه لورا فيشيا فاغليري تقول في كتابها: دفاع عن الإسلام: "كيف يكون هذا الكتاب المُعجِز من عمل محمد وهو العربي الأمي....". وعلى الرغم أن محمدًا دعا خصوم الإسلام إلى أن يأتوا بكتاب مثل كتابه، أو على الأقل مثل سورة من سوره؛ ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23]، وعلى الرغم من أن أصحاب البلاغة والبيان الساحر كانوا غير قلائل في بلاد العرب، فإن أحدًا لم يتمكن من أن يأتي بأي أثر يضاهي القرآن، لقد قاتلوا النبي بالأسلحة، ولكنهم عجزوا عن مضاهاة السمو القرآني"[26]. وقُرئت الآية الكريمة: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، على الأستاذ جيمس جينز أستاذ الفلك في جامعة كامبردج، "فصرخ السير جيمس قائلًا: ماذا قلت؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء؟ مدهش! وغريب، وعجيب جدًّا! إنَّ الأمر الذي كشفت عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، مَن أنبأ محمدًا به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله، ويستطرد السير جيمس جينز قائلًا: لقد كان محمد أميًّا، ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه، ولكن "الله" هو الذي أخبره بهذا السر، مدهش! وغريب، وعجيبٌ جدًّا"[27]. كون القرآن الكريم من تأليف رسول الله صلى الله عليه وسلم هي فرية استشراقية قديمة في إطلاقها، ولكنها أثَّرت كثيرًا في قراء ترجمة المعاني باللغة الإنجليزية، دون شك، بل إن التأثير قد امتد إلى قراء ترجمة المعاني باللغة الفرنسية، عندما تبنَّى المستشرق البولوني ألبر كازميرسكي (1801 - 1887م) نقل ترجمة المعاني من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الفرنسية (سنة 1256هـ / 1840 - 1841م)، بالأسلوب الذي ترجمها به جورج سيل، التي "تعوزها بعض الأمانة العلمية"، كما يقول نجيب العقيقي[28]. يقول محمد خليفة حسن: "أدَّت وفرة الترجمات الاستشراقية في اللغات الأوروبية إلى نتيجة سلبية في الدراسات القرآنية عند المستشرقين، وهي أن معظم هذه الدراسات اعتمدت على الترجمات، ولم تعتمد على النص العربي للقرآن الكريم"[29]. على أي حال فالبحث في تاريخ الترجمات، التي قام بها الرهبان، ثم الرهبان المستشرقون، ثم المستشرقون من غير الرهبان بحثٌ شائق، وليس هذا مجال التوسع فيه، إلا أنه غلب على ترجمات معاني القرآن الكريم من قِبل غير أهله، أنها ترجمات اتَّسمت بالنظرة السلبية تجاه الوحي، وتجاه من نزل عليه الوحي، سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. هذه النظرة التي قال عنها واحد منهم، وهو روم لاندو: "إننا لم نعرف إلى وقت قريب ترجمة جيدة استطاعت أن تتلقف من روح الوحي، والواقع أن كثيرًا من المترجمين الأوائل لم يعجزوا عن الاحتفاظ بجمال الأصل فحسب، بل كانوا إلى ذلك مُفعمين بالحقد على الإسلام، إلى درجة جعلت ترجماتهم تنوء بالتحامُل والتغرُّض، ولكن حتى أفضل ترجمة ممكنة للقرآن في شكل مكتوب لا تستطيع أن تحتفظ بإيقاع السور الموسيقي الآسر على الوجه الذي يرتِّلها به المسلم، ولا يستطيع الغربي أن يدرك شيئًا من روعة كلمات القرآن وقوتها إلا عندما يسمع مقاطع منه مرتلةً بلغته الأصلية"[30]. يعلِّق مصطفى نصر المسلاتي على هذا النص بقوله: "إن اعتراف روم لاندو (R.Landau) ليعطي فهمًا مبدئيًّا بأن بعضًا من المستشرقين عندما حاولوا ترجمة القرآن، في أفضل ترجمة ممكنة، أفقدوا القرآن روعته، وأساؤوا إليه، سواء عن قصد أو عن غير قصد. إننا نشير هنا إلى أن جولدزيهر (Goldziher) قد تمسك بروايات شاذة جاء بها دليلًا وبرهانًا على أن القراءات السبع عندما نشأت كانت أصلًا عن طريق الكتابة وعدم نطقها، وقد علم المسلم - بما لا يدع مجالًا للشك - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أقرأ صحابته بعدة وجوه، وليس بوجه واحد"[31]. الوقفات النقدية لرؤى جولدزيهر في القراءات الخاصة من خلال كتابه: مذاهب التفسير الإسلامي كثيرة، يُرجع فيها إلى مناقشات عبدالفتاح عبدالغني القاضي (رئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف الأسبق) في مجلة الأزهر في أعداد متوالية، من العدد (9) المجلد (42) إلى العدد (1) من المجلد (45) (11 / 1390هـ - 1 / 1393هـ الموافق 1 / 1971 - 2 / 1973م)، ثم جمعها في كتاب طبع عدة طبعات[32]. [1] انظر: مصطفى عبدالغني: ترجمة جاك بيرك للقرآن من القراءة إلى التفسير، الاجتهاد، (ص: 115 - 137)، والنصُّ من (ص: 119)، نقلًا عن: سعيد اللاوندي، محاكمة جاك بيرك إشكالية ترجمة معاني القرآن الكريم، مخطوطة. [2] انظر: عبدالنبي ذاكر: قضايا ترجمة القرآن، (ص: 87). [3] انظر: إبراهيم بن موسى الشاطبي: الموافقات في أصول الأحكام، نقلًا عن: محمد مصطفى المراغي، بحث في ترجمة القرآن الكريم وأحكامها، (ص: 53). [4] انظر: مصطفى صبري: مسألة ترجمة القرآن. [5] انظر: محمد سليمان: كتاب حدث الأحداث في الإسلام الإقدام على ترجمة القرآن. [6] انظر: محمد صالح البنداق: المستشرقون وترجمة القرآن الكريم؛ عرض موجز بالمستندات لمواقف وآراء وفتاوى بشأن ترجمة القرآن الكريم مع نماذج لترجمة تفسير معاني الفاتحة في ست وثلاثين لغة شرقية وغربية، (ص: 338). [7] انظر: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مشرف التفسير الميسَّر، تأليف نخبة من العلماء (ص: و). [8] انظر: عبدالحكيم فرحات: إشكالية تأثر القرآن الكريم بالأناجيل في الفكر الاستشراقي الحديث، في ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، (ص: 23). [9] انظر: عبدالحي حسين الفرماوي: كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاتينية: اقتراح مرفوض، (ص: 391 - 416). [10] انظر: مصطفى عبدالغني: ترجمة جاك بيرك للقرآن: من القراءة إلى التفسير، (ص: 129). [11] انظر: مناقشة البُعد اللغوي لترجمة آخر ما ظهر لمعاني القرآن الكريم لدى مصطفى عبدالغني، ترجمة جاك بيرك للقرآن: من القراءة إلى التفسير، (ص: 129 - 135). [12] انظر: محمود محمد الطناحي: مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي مع محاضرة عن التصحيف والتحريف، (ص: 223 - 224). [13] انظر: يوهان فوك: تاريخ حركة الاستشراق؛ الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين، (ص: 18). [14] انظر: عبدالرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ط 4، (ص: 441). [15] انظر: محمد عبدالواحد العسري: الإسلام في تصورات الاستشراق الإسباني، (ص: 122). [16] انظر: عبدالرؤوف، محمد عوني: فريدريش ريكرت عاشق الأدب العربي، (ص: 67). [17] انظر: عبدالرؤوف، محمد عوني: فريدريش ريكرت عاشق الأدب العربي، (ص: 67). [18] انظر: قاسم السامرائي: الطباعة العربية في أوروبا، في ندوة تاريخ الطباعة العربية حتى انتهاء القرن التاسع عشر، (ص: 45 - 108). [19] انظر: يوهان فوك، تاريخ حركة الاستشراق، (ص: 15 - 20). [20] انظر: عبدالرحمن بدوي: موسوعة المستشرقين، (ص: 438 - 445). [21] انظر: يوهان فوك: تاريخ حركة الاستشراق، (ص: 20، وانظر: (ص: 97 - 98). [22] انظر: عبدالرؤوف، محمد عوني: فريدريش ريكرت عاشق الأدب العربي، (ص: 67). [23] انظر: إبراهيم اللبَّان: المستشرقون والإسلام، (ص: 44)، وانظر: محمد مهر علي: ترجمة معاني القرآن الكريم والمستشرقون؛ لمحات تاريخية وتحليلية. (ص: 12 - 17). [24] انظر: نجيب العقيقي: المستشرقون، (2: 47). [25] انظر: محمد أمين حسن محمد بني عامر: المستشرقون والقرآن الكريم (ص: 223)، نقلًا عن محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني: سيرة سيد المرسلين، (ص: 18 - 19). [26] انظر: لورا فيشيا فاغليري: دفاع عن الإسلام - (ص: 57). [27] انظر: وحيد الدين خان: الإسلام يتحدَّى (ص: 133 - 134). [28] انظر: نجيب العقيقي: المستشرقون، (2: 498 - 499). [29] انظر: محمد خليفة: حسن دراسة القرآن الكريم عند المستشرقين في ضوء علم نقد الكتاب المقدس، (ص: 45). [30] انظر: روم لاندو: الإسلام والعرب (ص: 36 - 37). [31] انظر: مصطفى نصر المسلاتي: الاستشراق السياسي في النصف الأول من القرن العشرين، (ص: 58). [32] انظر: عبدالفتاح عبدالغني القاضي: القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، (ص: 174). hghsjavhr ,jv[lm luhkd hgrvNk hg;vdl | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
30 / 10 / 2018, 01 : 04 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
01 / 11 / 2018, 31 : 12 AM | المشاركة رقم: 3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018