النداء السابع والثلاثون :( التحليل والتحريم للشرع )

[زياد محمد حميدان]

النداء السابع والثلاثون:]التحليل والتحريم للشرع[
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [{المائدة 87}.
يعالج هذا النداء الربانيّ قضية من أخطر القضايا في الفكر الإسلامي،وهي قضية الزهد،التي خاض فيها الناس قديما،ولا زالوا يخوضون فيها،وإن كان الهدف ساميا،وهو التوصل إلى مرضاة الله تعالى،وهناك من يحاول أن يصل إلى الحق دون الرجوع إلى الشرع الحنيف ،فيقع في الزلل والهلكة،فيحرِّم ما أحل الله ،أو يحل ما حرَّم،فيَضل ويُضل .
والواجب على المسلم أن يعبد الله U على علم ،في كل أمر دقَّ أو جلَّ،وأن يستنير في ذلك بكتاب الله U وسنة النبي r ،إن كان عالما أو طالب علم،وإلا فيجب سؤال أهل العلم.فالعالم الرباني الذي أحاط بأحكام الشرع ومقاصده،يرشد إلى ما يقرِّب إلى حضرة الله U .وإن أزمة المسلمين اليوم أزمة فهم ،فهناك كثير من يفهم الدين فهما خاطئاً،وهناك من يرضى بجهله ويصرُّ عليه.
اختلف في سبب النزول على أقوال:
أحدها:أن جماعة من الصحابة منهم عثمان بن مظعون y ،اجتمعوا وحرموا على أنفسهم بعض الطيبات ،كاللحم والنساء والنوم.
أخرج مسلم:] عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ r عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ :لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ،وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ،وَقَالَ بَعْضُهُم:ْ لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاش.ٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ :مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ،لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي[[1]. وفي رواية البخاري عنه:]جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ r قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ،وَقَالَ آخَرُ :أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَر:ُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ،فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي[[2].
وأما السبب الذي حملهم على ذلك فعلى أقوال:
الأول: أنهم تأثروا بموعظة النبي r ،عن السدي قالكان سبب عزمهم على ذلك أن رسول الله r جلس يوما فلم يزدهم على التخويف،فرقَّ الناس وبكوا ،فعزم هؤلاء على ذلك،وحلفوا على ما عزموا عليه)[3].
الثاني:أن رجلا أتى النبي r فسأله عن أكل اللحم،عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أتى النبي r فقال:يا رسول الله،إني إذا أكلت اللحم انتشرت إلى النساء،وإني حرَّمت عليَّ اللحم فنزلت[4].
الثالث:أن عبد الله بن رواحة t حرَّم طعاما على نفسه ،عن هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله وهو عند النبي r ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي هو علي حرام فقالت امرأته هو علي حرام وقال الضيف هو علي حرام فلما رأى ذلك وضع يده وقال كلوا بسم الله ثم ذهب إلى النبي r فذكر الذي كان منهم ثم أنزل الله" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" وهذا أثر منقطع. وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيه بهذا[5].
وأرجح هذه الأقوال ؛الأول لكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك،وأخرج مسلم: ]عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا[[6].
والإسلام ينهى المسلم أن يكلِّف نفسه مشقة خارجة عن مقاصد الشريعة،ذلك أن المشقة ليست مقصودة لذاتها،وإنَّ التكاليف الشرعية لا تخلو من مشقة،ولكنها محتملة.ويحكم هذا الأمر قاعدتان فقهيتان جليلتان،المشقة ت*** التيسير،ورفع الحرج.
جاء رجل إلى الحسن البصري فقال:إن لي جارا لا يأكل الفالوذج.فقال:فقال:ولمَ ؟قال: يقول لا يؤدي شكره.فقال الحسن:أفيشرب الماء البارد؟فقال:نعم:فقال:إن جارك جاهل.فإن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذج[7].
وفي الردِّ على المتزهدين من غير شرع نقل عن الطبري لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح إذا خاف على نفسه بإحلال ذلك بها بعض العنت والمشقة. ولذلك رد النبي r التبتل على ابن مظعون فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب عباده إليه وعمل به رسول الله r وسنه لأمته واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون إذ كان خير الهدي هدي نبينا محمد r فإذا كان كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء)[8].
قوله تعالى:]وَلا تَعْتَدُوا[ الاعتداء مجاوزة الحدِّ ،والمراد منه لا تتشددوا فتحرِّموا الحلال،ولا تتساهلوا فتحلوا الحرام،ولا تعتدوا في المباح إلى حدِّ الإسراف،لأن شرع الله تعالى عدل،بين الغالي فيه والجافي عنه،فلا إفراط ولا تفريط.
وأخطر الاعتداء ما كان على سلطان الله تعالى في التشريع،وذلك بتحريم ما أحلَّ أو تحليل ما حرَّم،ومن فعل ذلك فقد كفر،إذا كان معتقدا لذلك،مع علمه بحكم الشرع.وقد استنكر الحق سبحانه على الذين يحرمون من تلقاء أنفسهم وفق أهوائهم،فقال:]قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [{الأعراف 32}.
والنداء حثٌّ على القصد والاعتدال في كل شيء،ووجوب اتباع الشرع ،بأوامره ومندوباته ومكروهاته ومحرماته،والسير على سيرة السلف الصالح y في كل مناحي الحياة

1) صحيح مسلم،كتاب النكاح،باب استحباب النكاح لمن تاقت إليه نفسه 9/178رقم 3389

2) صحيح البخاري،كتاب النكاح،باب الترغيب في النكاح 5/149 رقم 4776

3) زاد المسير 2/411 وانظر تفسير القرآن العظيم 2/121

4) تفسير القرآن العظيم 2/120 وانظر الجامع لأحكام القرآن 6/120 وزاد المسير 2/411

5) تفسير القرآن العظيم 2/120 وانظر زاد المسير 2/411

6) صحيح مسلم،كتاب النكاح،باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه 9/180 رقم 3391

7) الجامع لأحكام القرآن 6/262

8) المرجع السابق

---

hgk]hx hgshfu ,hgeghe,k :( hgjpgdg ,hgjpvdl ggavu )

[شريف حمدان]