أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات



الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: خطبة الجمعة بعنوان (أيام المنافع) لفضيلة الشيخ عبدالله الحقيل بتاريخ 8-12-1445 جامع الشاب عبدالله بن بدر السويدان رحمه الله (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة وخطبة عيد الأضحى المبارك للشيخ خالد المهنا 10 ذو الحجة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة وخطبة عيد الأضحى المبارك للشيخ عبدالرحمن السديس 10 ذو الحجة 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: حصرياً تكبيرات عيد الأضحى كاملة لمؤذني المسجد النبوي من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة العيد 10-12-1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ خالد المهنا 10 ذو الحجة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ ياسر الدوسري 10 ذو الحجة 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان الفجر عيد الأضحى للمؤذن د. سامي ديولي الأحد 10 ذو الحجة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان الفجر عيد الأضحى للمؤذن أحمد نحاس الأحد 10 ذو الحجة 1445هـ تعليق مباشر سامي عنبر من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ عبدالباري الثبيتي 9 ذو الحجة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ عبدالمحسن القاسم 9 ذو الحجة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع طويلب علم مبتدئ مشاركات 0 المشاهدات 509  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 29 / 09 / 2017, 20 : 02 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
طويلب علم مبتدئ
اللقب:
عضو ملتقى ماسي


البيانات
التسجيل: 21 / 01 / 2008
العضوية: 19
المشاركات: 30,241 [+]
بمعدل : 5.05 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 295
طويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the rough

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
طويلب علم مبتدئ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
صفات المصلحين (4)
الصدع بالحق


الحمد لله، نحمَده ونستعينه، ونصلي على محمد وآله وصحبه، وبعد:
فالصراع بين أهل الحقِّ والباطل صراعٌ دائم، لا ينقطع إلا بانقطاع هذه الحياة وأحيائها؛ فهو أصل سرِّ الإيجاد والكون، ومعيار الفصل بين العباد يوم البَعْث والجزاء.

وببُغْض الباطل ودَفْعه يميز الرب سبحانه الخبيثَ من الطيب، وبه يسمو الأخيارُ على الأشرار، وهو علامة الصلاح الجلية الظاهرة، والسمة التي لا تخفى من سمات الصالحين، متى ضعف دلَّ على خَوَر العزائم، وفساد الأفئدة، وتعلقها بالمتع الفانية، والمصالح الدنيوية الآنية، وإذا كان الاشتغال بدفع الباطل علامة أهل الآخرة الأعزة الأتقياء، فإن الانغماس فيه أو استساغته علامةُ أهل الدنيا الأذلَّة الأشقياء.

ولم يشتدَّ الصراع بين الحق والباطل في زمن من الأزمان كما هو الحال في زمننا؛ فقد حشد شياطين الجن والإنس حشودهم وعساكرهم، وتسلَّطوا على أهل الحق بالإبادة والاستئصال، حتى ضعفت العزائم، وخارت النفوس والهِمَم، ولم يبقَ في الناس مَن يرفع رأسه بكلمة حقٍّ إلا قُطِف، فأدى كل ذلك إلى صمت رهيب، ومداراة خبيثة، ومجاراةٍ لأهل الزيف في زيفهم، وقبول جُرمهم وظلمهم، بدعوى المصالح ودفع الضرر.

ولما كانت الحال بهذا الوجه، كان لزامًا إعادة النظر في منقَبة الصدع بالحق، وإزالة ما بات يعلوها من نقع الذل والهوان، وتجديد هذا المعنى الذي تسلط عليه أهل الخبث حتى أوشك أن يفنى.
والكلام فيه من وجهينِ؛ فإن الناس لما تركوا الصدع بكلمة الحق في وجه طغيان الباطل تعلَّلوا بعِلَل، فيكون الوجه الأول بالكلام عن هذه العلل، وبيان ما يحتمل منها الصواب وما يجانبه.
والوجه الثاني: في الكلام عن أمر الله تعالى بالصدع بالحق في كتابه.

أما العِلل التي تعلَّل بها الناس فنذكر منها علتين، أُولاهما: علة العجز والضعف، واستدلوا لها بأدلة نفي التكليف عما لا يُطاق؛ كقوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، فجعلوا الصدع الذي ينبني عليه الأذى في النفس والأهل والمال والمصالح عامة - مِن جملة ما لا يطاق، وبنَوْا عليه أن الحكمة والعقل في تَرْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حال خوف حصول ضررٍ أشد من الضرر الحاصل عند الترك، وأن الصبر على الضرر الحاصل بترك الصدع أَوْلى من الوقوع فيما هو أشد منه عند القيام به.

والذي يلزم بعد سياق هذا المعنى الذي بنَوْا عليه اختيارهم: التنبيهُ إلى صفة الضرر، والعموم غالبًا ما يشوبه الباطل، ولا يرفع الشبهة إلا التعيين والتخصيص؛ فإن الضرر الذي ينبغي تجنُّب الصدع بالحق خشية حصوله، هو الضررُ الحاصل في الدِّين نفسه، لا في ذات الصادع، وعدم التفريق بينهما هو الوهم الواقع عند أرباب الزمان.

وإن جَعْل الأذى الذي يستلزم الكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - هو الأذى الذي يلحق ذات المنكِر؛ في ذاته، أو عِرضه، أو ماله، أو ولده؛ من سجنٍ، أو استخلاص مالٍ، أو فقد وظيفةٍ، أو نفيٍ، أو قتلٍ، إن جَعْل هذا النوع من الأذى في محل الضرر الحاصل في الدِّين مغالطةٌ عظيمة، وفِرْية من صنيع النفس والهوى، بل المؤمن مأمور أن يبذُلَ نفسه، وماله، وولده، ووالده، حتى يقوم الدِّين على أساس بذل النفوس والمُهَج، فلا يقدم على الملة غيرها من المصالح، والقاعدة التي تحدو المؤمنين في هذا السرى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111].

وهذا الذي ذكرناه هنا ليس بغريبٍ على أهل الإسلام؛ فواقع القرون الأولى لقيام الدولة الإسلامية يدلُّ عليه؛ بدءًا من أحوال الصحابة والتابعين، ومرورًا بالأبدال الذين اصطفاهم اللهُ للقيام بالشِّرعة في كل أوانٍ وكل حين، وهم شموع هذه الأمة التي لا تنطفئ مهما تعاقب المَلَوانِ.
فيتبيَّن به أن جَعْل الأذى الواقع بالنفس من موانع القيام بواجب الصدع - تخليطٌ قبيح، وذَنْب يحمله الداعي إليه، ويحاسب عليه أمام رب العالمين.

وإن كان الحق وسطًا بين الجفاء والغلو، فمن المبالغة أن ننفي كون الضرر الحاصل بهذه الجهات مسقطًا للصدع من الإيجاب إلى الاستحباب، لكنه لا يسقطه مطلقًا، وإيمان الناس ليس مرتبةً واحدةً، بل هم متفاوتون في منازل اليقين، فإذا تعيَّن هذا علم أن الذي أنكرناه إنما هو الدعوة لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حال خوف حصول الضرر أو التعلل بذلك؛ إذ إن التاركَ له في تلك الحال يلزمه التعلُّل بعَجْزه وضعفه ونقص إيمانه، لا بوجود المانع الشرعي.

وينبني على هذه المسألة أمر مهم في غاية الأهمية؛ فإن مِن الأزمان أزمنةً يشتد فيها البلاء، ويضعف فيها أهل الحق إلى حد يورث الذل والخنوع، إلى حد يصير فيه المنافق المداهن سيدًا، والمؤمن المدافع عن حمى الإسلام قِنًّا ذليلًا مهانًا، كما هو الحال اليوم في أمة الإسلام - رفع الله عنا الكروب برحمته، وأعاد علينا سلطان العدل والحق بنعمته، فإذا أظلمت أيام الأُمَم بمثل هذه الأحوال، برزت إلى الوجود ظواهرُ وعللٌ كثيرة، كلها تحمل شعار الإصلاح، والدعوة إلى الحق، وكلها تستبسل في الدفاع عن كونها منافحةً عن الحق، ولا ترضى وصف الخيانة أو الغدر أو الخنوع، ولو تأملت هذه الشعارات والأعلام المحلاة بسموم الكذب والزور، وجدتها كلها منافقةً كاذبة مداهنة مخادعة، كل همها الحفاظ على اسمها لامعًا برَّاقًا جذابًا، تهوي إليه أفئدةُ المغفَّلين الجهلة، وتسجد إليه جموع الهمَج الرعاع السفلة.

والذي يقتضيه الحق في مثل هذه الأحوال أمورٌ نجملها؛ فأولها: استصحاب الحذر غاية ما يكون، والرهبة من الوقوع في مكيدة تزيين الباطل؛ فإن المرء لا يلبث يتنازل عن اعتقاد الحق حتى يتشبع بالباطل، إلى أن يدعو إليه وهو في سَكْرة الغفلة وضَيْعةِ الهوى.
ثانيًا: لزوم الذل لله في القول والفعل، والاعتراف بمنزلة الهوان، لا الظهور في صفة الغالب القاهر، كما هو حال الطوائف التي تزعم الإصلاح في عصرنا؛ فإنك إن رأيتهم من بعيد، حسبت كل شيء في موضعه، وظننت الأمة ترفل في غاية العز والتمكين، وأصلُ ذلك مرض العُجْب، وحمأة الهوى، ولو علموا لعلموا أن الفارس الخاسر في المعركة، يخرج منها مطأطِئَ الرأس، فإن تبختر دلَّ على خَلَل في عقله ونفسه.

ولا يفهم منه التحلي بسمت الذل والمسكنة، وإنما أن يظهر على الداعي حزن القلب، وتألم النفس، مما يعكس التألم لمآل المسلمين، فإذا تجاوز إلى استعمال كثرة المزاح والدعابة، أو التشبع برداء العز والفَخَار الكاذب، عكس حال القلوب، وأكد أن ما أنزله الله من الهوان على المسلمين، إنما هو من عند أنفسهم، ولو كانوا أهلَ تمكين لمكَّنهم، ولو نصروه بصِدق لنصرهم، لكنه حب الدنيا والتعلق بها.

ولو تحلى الداعي بسمت الحزن، لكان أدعى إلى سلوك سبيل النصر؛ إذ سرور القلب الدائم يعرضه للاطمئنان بالحال، ويؤدي إلى استساغته، بخلاف الحزن، فإنه يدعو للنظر إلى مواطن الخلل وتصحيحها، والكشف عن العيوب وتجنبها، وهو الأمر المعدوم في نفوس المصلحين المسلمين - إلا من رحم الله تعالى، وإذا كان الحزن يهدي إلى الخلل وطرق تقويمه، فإنه أيضًا يصفي العلائق مع الرب جل وعلا؛ فالقلب الفرِح المعجَب لا طريق له إلى الوصل بالرب، ومَن انقطعت به العلائق مع مولاه، كان إلى الذل والمهانة والضياع أقربَ منه إلى التمكين والنصر.

وهذا الكلامُ هنا إنما هو موجَّه لمن يُحس في نفسه بذر الصدق، ممن يحركه وازع الإيمان والتقوى، أما مَن باع دِينه من أجل عرَض زائل، وركَن إلى الدنيا واطمأن بها، فلا محلَّ له فيما سِيق الكلام له.
ثالثًا: نزع غطاء الكمال، وتغيير الخطاب من خطاب التعالي إلى خطاب الاعتراف والإقرار بالحال؛ فإن العامة إذا رأوا شموخ الدعاة المزور توهَّموا استقرار الأمر، وظنوا الكائن من جملة ما أباحه الشرع وجوزه، وأكثر من هذا الاشتغال بأمور فرعية وتضخيمها إلى حد يجعلها من المطالب العظيمة المقدمة، والغفلة عن الأهم من قضايا الأمة، والمطلوب والحال هكذا أن يصمت الداعي؛ فترك الدعوة مع أمن التلبيس خيرٌ من دعوة تلبس على الناس، وتصرفهم عن الحق الأعظم، والمطلب الرئيس.

وهذا الباب من أعظم بنيات الطريق، وهو تهويل المطالب الفرعية، وتضخيم المسائل الجزئية، لتغطية المقاصد الأساسية، وحتى أكون صادقًا، فإن غالب أو كل الحركات الإصلاحية اليوم - جماعات وأفرادًا - تنهج هذا المنهج وتسلكه، إما عمدًا أو تغافلًا، ولا شيء يمنع من القدوم في طريق الإصلاح كهذه الدعاوى المزيفة، وهي المسيطرة على منابر الدعوة - للأسف الشديد - وخطابها ينخر الأمة منذ عقود كثيرة، باسم الدعوة ونصرة الإسلام، وقد زاد عليها في العقدين الأخيرين طائفة تحتكر الحق، وتُلقي غيرها في سلَّة البدعة والضلال، وقد أكملت هذه الطائفة ما بقي، وهدمت آخر الجدران؛ فلعل الله يخرج الحي من الميت، ويبعث هذه الأمة المحتضرة إلى الحياة من جديد.

وأما العلة الثانية فهي التعلل بالمآلات، وقد قرروا أن أمر الحاكم بالحق وحثه عليه، يؤدي إلى مفاسد الفوضى، وحصلوا منه قضية وهمية، وهي أن أمر الحاكم بالحق يهيج العامة، ويؤدي إلى الفوضى والتناحر، وزادوا على ذلك أن المطلوب من المسلمين الصبر على أولياء الأمور، وعدم النطق بكلمة الحق، وزادوا عليه أن الذي ينكر منكَر الحاكم خارجيٌّ، حُكمه القتل، وأنت ترى أين وصل العبث بالمسلمين؟! وهذا الكلام من قبيح الخَلْط، ولا يصدر إلا من أحد رجلين: شيطانٍ ماردٍ يريد إسقاط هذه الأمة في أيدي أهل الفجور، ويقتل فيها كل ذرة خير، أو غبيٍّ جاهل يتسلق منازل الإرشاد بغباء وجهل.

وحتى لا نكون من هذا الصنف الذي يلقي الكلام على عواهنه، ولا يقيده بقيوده وشروطه وأسبابه - وجب تبيينُ هذه الدقائق، وطرد التلبيس الذي أنزله بها هؤلاء الشرذمة، حتى يتم المعنى على وجهه المراد له.
ليعلم أنه ما جعلت المنابر إلا لبيان الحق، وإرشاد العامة، سواء تعلق الأمر بأحكام الإسلام العقدية أو العملية، فإذا انتقل الأمر من بيان الأحكام على وجهها، إلى مداراة الحكَّام، وتصوير الإسلام في القالب الذي يرضاه الحاكم، فقد انتقلت هذه المنابر من منابر حق، إلى أبواقِ باطل وطبول شرٍّ، وبيان الحق لا صلة له بتهييج الناس كما تتوهمه تلك الفئة، بل هو من واجب العلماء الذي أوجبه الله تعالى عليهم، ومتى ترك بيان الحق، استوى الداعي بدعاة الشر، هذا إن لم يكن أشرَّ؛ فدعاة الشر مقرون بخبثهم في أنفسهم، وعقلاء الناس لا يغترون بهم، أما الظهور في عمامة المصلح التقي، وحقيقة الحال أنك من أعوان الظلمة على ظلمهم، وحارس من حراس المجرمين، فهو من التلبيس الذي يفتن العباد، ويجعل صاحبه مع أصحاب الدرك الأسفل - والعياذ بالله - نسأل الله تعالى السلامة والعافية.

فهذا هو وجهُ الخَلْط عند هؤلاء، فرقٌ بين أن تدعوَ الناس للخروج على الحاكم، وتثير الفوضى وتدعو إليها، وبين بيان الحق الذي أوجب الله على كل متصدر للدعوة بيانه، وتلك سنَّة العلماء الراسخين منذ القرون الأولى، وقصصهم وأخبارهم في ذلك معلومة، ولا يستطيع أحد إنكارها، حتى هؤلاء الشرذمة من الخانعين المذلولين الجبناء، الذين فرقوا كلمة المسلمين، وأثاروا الفتن بعظم جهلهم، لا كثَّر الله من أمثالهم، ولا بارك في أقوالهم وأفعالهم!

فالصَّدْع بالحق إذًا سنَّة قائمة مذ خلَق الله الخلق، ولا يحابي فيه إلا جبان أو بائع دينه، فإن لم يقدر الداعي على القيام به، لزمه الصمت والاعتزال، أو الخوض في أمور التعليم، واجتناب قضايا الإرشاد والتوجيه، وإلا كان من الخائنين، الموهمين الناس بالوهم، المسارعين في إذلال الأمة وتأخير استيقاظها من سُباتها.

وفي القائمين بأمر الشريعة صِنف يعرف الحق ويستحضره، لكنه يخاف على نفسه من قول كلمة الحق، والذي يعاب على هؤلاء خروجُهم للناس بوجوه صُلبة، لا تقبل التجعد أبدًا، وكأنهم قاموا بما عليهم، فانساق خلفهم جموع من الأغمار المغرر بهم، ولا ريب أنهم يحملون وزرهم ووزر التلبيس عليهم، فإنهم إن لم يكونوا قادرين على الصدع، لزمهم الإقرار بالعجز والضعف، والانسحاب من ساحة التوجيه إلى ساحة التعليم، وفرق بينهما؛ فالتعليم مطلب لا تقوم الأمة إلا به، والقائم به شيخ معلم، لا تفتتن به العامة، بل تأخذ عنه المسائل صرفة، من فقه وتفسير ولغة.. لكن العلم الذي يهتدي الناس به، ويسترشدون بتتبع كلامه، أعظم درجة من المعلِّم، ولا يرتقي هذا المنصب إلا رجلٌ نذَر نفسه لله جل وعلا، فلا يضره ما يصيبه من الأذى في ذاته تعالى، وفي قصة الإمام أحمد - رحمة الله عليه - في قضية خَلْق القرآن برهان هذا الكلام.

والمصيبة أن القائمين بأمر الشريعة لا يفرِّقون بين الأمرين، ويرون كل من استحضر المسائل قادرًا على التوجيه والإرشاد، وهو تخليط شنيع في أمر المناصب، يدل على اختلاط أمر الأمة، وأن القائدين لها ثلة من أحداث الأسنان، الذين يتمسكون بآرائهم الفاسدة، ويتسلطون على مَن دونهم بسلطة العلم؛ قمعًا وزجرًا وتكميمًا للأفواه؛ لأنهم إن لم يفعلوا طغت العامة عليهم، وأفسدت عليهم مقامهم بمناصبهم، واضطروا للإقرار بما طال بهم الزمن في إخفائه وإنكاره، وهو الخوف من الصدع بكلمة الحق.

ومما يجعل القائم بالتدريس يفتن بمنصب التوجيه والإرشاد: أن العامة يتشوَّفون ويتطلعون للقائد الذي يقودهم بكلمة الله، فإذا أبصروا المعلِّم الذي يحسن التقرير، أو الواعظ الذي يجيد ترقيق القلوب، افتتنوا بهما وفتنوهما حتى يلجوا بهما المضايق، ويكلفوهما ما لا طاقة لهما به، وهذا لا يمنع أن هناك طائفة ترتقي هذا المرتقى بتعسف، وتستبسل في الحفاظ عليه، كما تقدمت الإشارة إليه.

ولم يبقَ بعد هذه العلل السقيمة إلا الخوف والهيبة من الظالم، وخشية قول: لا، وذلك سبب ذلِّ المسلمين، وما آل إليه أمرهم، والعجب كل العجب، كيف لا تلِدُ أرحام المسلمات رجالًا يقدرون على قيادة الأمة إلى مرافئ النجاة؟! فيا نفس، بَكّي ما شئت أن تُبَكِّي؛ فما بعد الذلِّ إلا الهوان!
وأما الوجه الثاني من الكلام، ففي الآيات القرآنية الآمرة بالصدع بالحق، وهي كثيرة جدًّا، وتتبُّعها يخرج بنا عن المقام الذي نحن فيه؛ لذا نكتفي منها بالبُلْغة، وبما يؤدي المقصود - بعون الله تعالى.

قال جل وعلا: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].
وقال: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [التوبة: 71].

فهذه الآيات الثلاث دلَّت على خمسة معانٍ مهمةٍ:
أولها: أن خيريةَ هذه الأمة مرهونة بالقيام بشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الشريعةُ شرطٌ في حصول الخيرية، فإن انتفى الشرط لم يتحقق المشروط، واستوى التاركُ من هذه الأمة بغيره من أفراد الملل الأخرى؛ فالإبعاد والطردُ النازل على ملة بني إسرائيل وغيرهم من الملل الملعونة المطرودة من رحمة الله - إنما حصل بعد تركهم الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79]؛ فقد بنَتِ الآيةُ اللعنَ على المعصية، ثم بيَّنت المعصية بأنها ترك النهي عن المنكر؛ فهذه الآية تبين قيمة الصدع بالحق، وأنها صفةٌ توجب للعبد الإيمان، وحبَّ الله تعالى له، كما أن تركها يوجب له البُغْض واللعنة والطرد، وهذا الأمر كان السلفُ الأوائل - رضوان الله تعالى عليهم - على بيِّنة منه، وكانوا يتحرَّوْن المنكر وينكرونه بقلوبهم وألسنتهم وأيديهم، والآثار في ذلك كثيرة، منها: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف عن محمد بن إسحاق، عمن رأى عبدالرحمن الأعرج نظر إلى رجل يصلي في المسجد صلاة سوء، فقال له عبدالرحمن: قُمْ فصلِّ، فقال: قد صليت، قال: لا والله لا تبرح حتى تصلي، قال: ما لك ولهذا يا أعرج؟ قال: والله لتصلين أو ليكونن بيني وبينك أمر يجتمع علينا أهل المسجد، قال: فقام الرجل فصلى صلاة حسنة.

فأنت ترى كيف كان حرص القوم على تغيير المنكر، وكيف كانت شدتهم في ذلك، ولو أن أحدًا صنع اليوم مثل هذا الصنيع لاتُّهِمَ بالتهور والخبَل، وهذا جزء من المعاني الكثيرة التي لحقها التحريف، وأُمِيتَتْ بين العباد، فنجم عن إماتتها ضعف الغَيرة الدينية، وتفكك الجماعة الإسلامية، واشتغال كل فرد بشأنه وخاصة أمره.

ومِن هذا الملحظ الأخير يؤخذ أن شريعة الأمر بالمعروف هي الحرارة الذاتية التي تجمع الأمة في ذاتٍ واحدة، وتجعل أفرادها كتلة منسجمة كأنهم أهل بيت واحد، ولأجل هذا المعنى وصَف الله تعالى المؤمنين بوصف الأخوَّة؛ للدلالة على شدة التقارب الذي يجب أن يحصل بينهم، حتى تسقط بينهم الكلفة، ويبقى أمرهم على السجية، كما كان الشأن بالنسبة للصحابة رضوان الله عليهم، وهو معنى مغيب في هذا الزمن، ولا يسعى إليه فرد من أفراده إلا ظهر في عيون أصحاب الدعوة بوصف المغفل، وهذا أمر يجعل القلب يتألم من شدة الكمد والألم، جراءَ ما آل إليها حال خاصة المسلمين.

المعنى الثاني المستفاد من الآيات: أن اللهَ تعالى جعل الأمر بالمعروف في سياق ذِكر أركان الإسلام، وفيه تلميح إلى كون شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في رتبة أركان الإسلام التي يقوم الدِّين عليها، وبتركها ترك للدِّين وانسلاخ منه، بل قد رتب جل وعلا الإيمان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أمر حاصل؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمِّ الأعمال التي تقوِّي إيمان العبد وتزيده يقينًا، بل حصوله من العبد يدل على تحققه بالإيمان؛ لأن حمل هم الشيء يدل على حبه، وحبه يدل على التحقُّق به، وليس يحمل همَّ شرائع الإسلام وإقامة أحكامه امرؤٌ منافق.

المعنى الثالث في أن الله تعالى بنى حصول الاستخلاف على حصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالأمة التي تترك الأخذ على يد الظالم، وتهاب أن تغير المنكَر بالقلب والقول واللسان - أمةٌ غير جديرة بالاستخلاف في الأرض، بل حقها أن تكون في ذيل الأمم، يسومونها صنوف الذل والهوان؛ فقد بيَّن الله تعالى أنه يمكِّن للذين إذا مُكِّنوا أقاموا الصلاة، وهو حق الله تعالى، وآتَوُا الزكاة، وهو حق العباد، وأمروا بالمعروف ونهَوْا عن المنكر، وهو الميزان الذي يحفظ بقاء ودوام أداء حقوق الله تعالى وحقوق عباده؛ فاختصاصُه تعالى لهذه الثلاث بالذِّكر: فيه دلالةٌ واضحة على أن حفظ حقوقه وحقوق عباده لا يكونُ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر.

المعنى الرابع في أن ولاء المؤمنين لبعضهم بعضًا لا يكون إلا بلُحْمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تمت الإشارة إلى هذا الملحظ في معنى الخيرية؛ فإن قيامَ مجموعة من الناس على أمر واحد، لا يهمهم منه إلا حصول مقصد واحد، يجعل قلوبهم مؤتلفة، متماسكة في حصول هذا المقصد وتحقيقه، وكلما زاد هذا السعي الصادق زاد التمسك والتلاحم والأُلْفة، إلى أن تبلغ الغاية من بناء المؤمنين المرصوص في شريعة الجهاد، القائمة على وحدة الاعتقاد والهم والمبدأ، وقد يعرِض للقارئ الوهم في حركة الدعوة الإسلامية اليوم؛ حيث إن الظاهر منهم اتحادهم في المبدأ والمقصد، فكيف لم تتحقق هذه اللحمة؟! ولمَ ظل المسلمون خاصةً وعامةً متفرقين ومتنافرين كأنهم أعداء في صبغة واحدة؟!

والجواب عنه: أن هذا التوافق توافق ظاهري فقط، والذي يخالط كثيرًا من الدعاة، ويكشف أحوالهم وخبايا أمورهم، يعلم الحقيقة المرة التي تخفى تحت العمامة والبرنس، وهي اللهث وراء الدنيا وملذاتها، والتهمم لتحصيل أوساخها وفُتاتها، وإني لأعجب غاية العجب من امرئ ينظر للمسلمين في مصيرهم الدنيوي والأخروي، كيف يلهث وراء جمع الثروات لهثًا حثيثًا؟! بل ويزيد على ذلك بالشح في صرف حقوق العباد مما كنزه من الذهب والفضة، التي ستُكوَى بها جباههم وجنوبهم بوعد الله تعالى لا ريب، ويحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم!

المعنى الخامس في جمع الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإيمان به في موضع واحد، ولم يزد عليهما شيئًا، وإنما قال: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]؛ فدلَّ على الارتباط بين الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل بعد ذلك قال جل وعلا: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 110]، ثم جاء بعد سياق الآيات بأسباب كفر أهل الكتاب، وأهم هذه الأسباب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه تنبيه لأمة الإسلام ألا يتبعوا الخطوات التي وقع فيها أهل الكتاب حتى وقعوا في الكفر؛ فهذه الشريعة هي روح الإيمان وركيزته التي من دونها يذوب الإيمان في قلب العبد كما يذوب الملح في الماء، حتى يبقى شبحًا خاليًا من الحياة ونور الهداية والتوفيق، وإنما استُحِبَّتِ العزلة عند شيوع المنكَرات وذيوعها؛ لأن النظر إلى المنكر مع عدم القدرة على إنكاره يؤدي إلى فساد القلب، فشرعت العزلة وقتها للحفاظ على الغَيرة الإيمانية المتجلية في تغيير المنكر، ولو خالط المسلم أهل الفجور وصبر على منكراتهم، دل على نقص إيمانه، فإن انتقل إلى استساغة هذه المنكرات ومجالسة أهلها، دلَّ على خراب قلبه، وخُلوِّه من الغيرة على محارم الله، ويدل عليه ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((فإن لم يستطع فبقلبه، وذاك أضعف الإيمان))؛ أي: وتلك أقل درجات الإيمان، التي ليس بعدها من الإيمان شيء، وهي الإنكار القلبي.

وعلى هذا، يتبيَّن أن مخالطة أهل المنكر علامة على ضعف إيمان صاحبه، ولو كان في قلبه شيء منه لأنكر أو اعتزل، وقد اشتد البلاء في هذه الأزمان، حتى لا يكاد امرؤ يجتنب المنكرات إلا بلزوم بيته في شِعب من الشِّعاب، أو قرية من القرى الغابرة بين فِجاج الجبال، ولا يكون ذلك إلا لمن نبذ الدنيا وراء ظهره، ورضي بقليل القوت، فمَن طمع في ملذات الدنيا فحتمًا سيولج نفسه المهالك، التي يعسر الانفكاك من عظيم وِزرها في الدنيا والآخرة، وتلك حقيقة قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا؛ فطوبى للغُرَباء)).

هذا، ونرجو الله أن يكون هذا المقرر مما يست*** رضاه، ونعوذ به أن نكون ممن يرتع في غير مرتع، أو يخطئ من حيث يحسَب أنه يحسن صنعًا، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.

hgw]u fhgpr










عرض البوم صور طويلب علم مبتدئ   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018