الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 0 | المشاهدات | 572 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
07 / 07 / 2018, 37 : 02 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح [399 - 422 هـ = 1009 - 1031 م]. استولى المهدى على الخلافة وقد ترتب على ذلك انطلاق ذوى الأغراض، كل يحاول نيل نصيبه من البناء المتداعى. فهناك بنو أمية يرون أنفسهم أصحاب الحق الشرعى، وهناك الفتيان العامريون والصقالبة والجند المرتزقة وهم قوة لايستهان بها، وهناك البربر الذين تضاعفت أعدادهم منذ عهد المنصور بعد أن استقدمهم من عدوة المغرب، فكسبوا المال الكثير، واتخذوا الأندلس وطنًا لهم، وأبلوا بلاء حسنًا فى الجهاد وحماية هذا الوطن، وهناك أيضًا العامة من الناس الذين التفوا حول الخليفة الجديد، دون أن تكون لهم أغراض ثابتة، وإنما نزعاتهم متباينة وأهواؤهم متقلبة. بدأ المهدى عهده بالشدة فى التعامل مع البربر واحتقارهم ونزع سلاحهم وسبهم، وانتقلت هذه الروح منه إلى العامة، فهاجموا البربر ونهبوا دورهم وآذوهم، فشحنت نفوس هؤلاء بالغضب، كما لجأ المهدى إلى نفى بعض الفتيان الصقالبة، فلجئوا إلى أطراف الأندلس وعادوه ولم يسالمه منهم إلا «واضح» الذى تولى مدينة سالم والثغر الأوسط. أما الخليفة هشام المؤيد، فقد حبسه المهدى فى القصر، ثم أخرجه وأخفاه فى بعض منازل قرطبة، وزاد فاستغل وفاة رجل ذمى يشبه هشام المؤيد إلى حد كبير، وأعلن أن الخليفة المؤيد قد مات، وأشهد على ذلك الوزراء والفقهاء، وسخر الناس من هذه الخطوة لأنهم يعلمون أن هشام الذى دفنوه لم يمت. ولما شعر «المهدى» أن الأمور قد استقرت له بالغ فى استهتاره وارتكابه الموبقات، وبلغ الأمر مداه حين قتل من كان قد اختاره وليًا للعهد ضمن آخرين، وحين أخرج من الجيش سبعة آلاف جندى وقطع رواتبهم فأصبحوا من أهم عناصر الشغب، وحين بالغ فى اضطهاده للبربر حتى أصبح ذلك حديث الناس فى كل مكان، بل وصل به الأمر إلى أن منع زعيمهم «زاوى بن زيرى الصنهاجى» من دخول القصر وأذله فخافه البربر وكسب عداوتهم، فى (رجب 399هـ = أواخر مارس1009م)، ثم أراد إخراج البربر الذين كانوا فى خدمة المنصور من قرطبة، فرفضوا، وجرى صراع بين البربر والأندلسيين وضاع جيش الدولة فى هذا الصراع، وحرمت الدولة من أن تكون لها قوة عسكرية تخصص للدفاع عنها. كان هشام بن سليمان بن الناصر على رأس الناقمين على المهدى، فقد كان يخشى مغبة تهوره على كل بنى أمية وانضم إليه جماعة يتقدمهم الفتيان العامريون والبربر وحاصروا محمد بن هشام بن عبدالجبار فى قصره، وجرى قتال بينه وبينهم انتهى بهزيمة البربر، ودمرت بيوتهم ونهبت واضطروا للانسحاب إلى بعض ضواحى قرطبة، ثم خشى المهدى سوء العاقبة فعفا عنهم وأمنهم، لكنهم اتجهوا شمالا نحو قلعة رباح وبدءوا ينظمون صفوفهم والتفوا حول أموى اسمه «سليمان بن الحكم بن عبدالرحمن الناصر» ورشحوه لتولى الخلافة بدلا من المهدى، ولقبوه بالمستعين بالله، واستعانوا على أمرهم بأمير قشتالة النصرانى، وهزموا قوات تابعة للمهدى بالتعاون مع هذا الأمير، وأصبح هناك خليفتان، واحد فى قرطبة والآخر على رأس البربر. عرف المهدى ما تعرض له جنده من هزيمة فأخذ فى تحصين قرطبة ونظم قواته وانضمت إليه قوات «واضح الفتى» وتوجه إليه سليمان ابن الحكم على رأس قوات البربر وقوات أمير قشتالة والتقى الفريقان فى (11 من ربيع الأول 400هـ = 5 من نوفمبر 1009م)، عند مكان يسمى «قنتيش» إلى الشمال من بلدة القليعة عند ملتقى نهر أرملاط بالوادى الكبير، وانتهت المعركة بهزيمة المهدى وقتل الآلاف من أعوانه وفرار نفر من الأندلسيين الصقالبة إلى شرقى الأندلس واستقرارهم فى «دانية»، وقتل البربر الكثير من أهل قرطبة، ومن بين هؤلاء العالم الجليل «أبو الوليد الفرضى» وأصبح «زاوى بن زيرى» سيد الموقف. أما المهدى فقد حاول من جانبه تدارك الأمر، فلجأ إلى حيلة سخيفة حين أظهر الخليفة هشام المؤيد الذى كان قد زعم أنه مات وأجرى مراسم دفنه، ثم بعث إلى البربر يخبرهم أن هشام هو الخليفةالشرعى وأنه هو - يعنى المهدى - نائبه، لكن البربر رفضوا ذلك وأعلنوا تمسكهم بسليمان وأدخلوه القصر وبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمستعين بالله. فر المهدى إلى طليطلة ليدبر للعودة إلى الحكم من جديد وكان معه «واضح الفتى العامرى» الذى توجه إلى «طرطوشة» من مدن الثغر الأعلى، وطلب عون أمير برشلونة وغيره من زعماء النصارى، وحصل على موافقتهم بشروط باهظة منها أن يستولوا على ما يغنمونه من سلاح وأن تسلم لهم مدينة سالم .. سار النصارى ومعهم واضح إلى قرطبة وانضم إليهم المهدى والتقوا بقوات البربر والمستعين بالله، وحدثت موقعة هائلة فى مكان يسمى «عقبة البقر» على بعد (20كم) شمالى قرطبة فى (شوال 400هـ = مايو 1010م)، وانتهى الأمر بهزيمة البربر وفرار سليمان المستعين، وعاد زاوى بن زيرى إلى قرطبة حيث أخذه أهله وانسحب إلى الجنوب وفعل البربر مثلما فعل. رجع المهدى إلى قرطبة وبدأ يحصنها ويعدها للدفاع، بينما استعد سليمان والبربر لاستئناف الصراع على قرطبة، فى هذه الآونة ضاق الفتيان العامريون - وفيهم واضح- من تصرفات المهدى وسلوكه، فتآمروا عليه وأخرجوا هشام المؤيد من محبسه وولوه الخلافة للمرة الثالثة وأتوا بالمهدى وضربوا عنقه بين يدى هشام المؤيد فى (ذى الحجة سنة 400هـ = 23 يوليو 1010م) وبذلك استرد هشام الخلافة ليكون ألعوبة فى يد الفتيان العامريين، وتولى واضح حجابته وأرسل إلى سليمان المستعين وإلى البربر يدعوهم إلى طاعة الخليفة الجديد، فلم يقبل البربر دعوته وأعلنوا تمسكهم بسليمان. حاول البربر وسليمان الاستعانة بنصارى قشتالة مرة أخرى وعرضوا على ملكها تسليمه الحصون الأمامية التى اقتحمها الخليفة الحكم والمنصور بن أبى عامر، إذا وقف معهم فى خلعهم للخليفة هشام المؤيد لكن الملك النصرانى رفض ذلك. زحف البربر إلى قرطبة وأخذوا يقتلون الجند ويعيثون فيها فسادًا وامتد تخريبهم إلى الجنوب حتى وصلوا إلى ضواحى غرناطة ومالقة،ولم يبق فى طاعة هشام إلا قرطبة وما حولها وتمسك البربر بعودة سليمان. فى هذه الأثناء وصلت إلى العاصمة سفارة من ملك قشتالة تطلب تسليم الحصون التى فتحها المسلمون أيام الحكم المستنصر والمنصور بن أبى عامر وغيره، فعقد مجلس من الفقهاء والقضاة، وتمت كتابة محضر بتسليم ما لا يقل عن مائتى حصن بينها قواعد أمامية إسلامية وخسر المسلمون بذلك خط الدفاع الأول، وأصبحت حدودهم الشمالية مفتوحة أمام النصارى، والذى دفع «هشام» وحاجبه «واضح» إلى اتخاذ هذا الموقف المتخاذل هو الخوف من ملك قشتالة واحتمال أن يهاجمهم وأن يتحالف مع البربر ضدهم إذا رفض طلبه. واصل البربر عبثهم بقرطبة وتخريبهم لها، وفى كل يوم يزداد الحال سوءًا وتتضاعف ضدهم مشاعر الكراهية، وأدرك «واضح» أنه يواجه أمرًا يستحيل إصلاحه فقرر الهرب، لكن بعض كبار الجند عرفوا نيته، فعاتبوه على تبديد الأموال وسوء التصرف ثم قتلوه واستولوا على أموال كان ينوى الهروب بها، وتولى قاتله الحجابة، وهكذا أصبح القتل وسيلة يلجأ إليها كل من يبغى التخلص من صاحبه. بعد ذلك جرت محاولات فاشلة للصلح بين الأطراف، ثم حدث أمر جدد إشعال النار هو قيام أهل قرطبة بقتل بعض زعماء البربر، وترتب على ذلك قيام معركة هائلة فى (26 من شوال 403هـ =مايو 1013م) دخل البربر على إثرها قرطبة وقتلوا الكثيرين ولم يرحموا حتى النساء والأطفال، بل ارتكبوا أشنع ضروب الإثم حين اغتصبوا النساء والبنات وأحرقوا الدور، وتعرضت قرطبة لمحنة لاتعادلها محنة، وفى اليوم التالى دخل سليمان المستعين قصر قرطبة، واستدعى «هشام المؤيد» وعنفه على موقفه، ثم أمر بحبسه. استقر الأمر لسليمان، فأضاف إلى ألقابه «الظافر بالله» بعد «المستعين»، وأنزل كلا من «على» و «القاسم» ابنى حمود بشقندة من ضواحى قرطبة وهما قائدا الجماعة العلوية وينتميان إلى الأدارسة وهما عربيان من حيث النسب، بربريان من حيث النشأةوالعصبية واللغة، وأخذ ينظم شئون الدولة واحتل البربر المناصب الرئيسية، ثم أراد سليمان إرضاءهم من ناحية وإبعادهم عن قرطبة من ناحية أخرى، فأقطعهم كور الأندلس -وكانت ست قبائل رئيسية- كما ولى «على ابن حمود» ثغر سبتة، وأخاه القاسم على ثغور الجزيرة الخضراء وطنجة وأصيلا، ومعنى ذلك أن البربر أصبحت لهم السيطرة على ولايات الأندلس الجنوبية والوسطى. من ناحية أخرى رأى الفتيان العامريون سيطرة البربر ففر معظمهم إلى شرق الأندلس وأنشئوا هناك حكومات محلية، حيث حاول بعضهم بزعامة الفتى «خيران» الاستقرار فى ألمرية ومرسية، وحاول بعضهم الآخر الاستقرار فى دانية والجزائر الشرقية خاصة بنى برزال وبنى يغرن، أما «زاوى بن زيرى» و «حبوس بن ماكس» الصنهاجيان فقد استقرا فى غرناطة، وهكذا تمزقت البلاد وانتشرت الفوضى، وعمت الفتن طوال فترة سليمان الأخيرة التى لم تزد على ثلاث سنوات. محتويات ١ دولة بنى حمود ٢ عناصر المجتمع الأندلسى ٣ المظاهر الحضارية ٤ نظم الحكم خلال عصرى الإمارة والخلافة ٤.١ - رئاسة الإقليم ٤.٢ الوزارة فى الأندلس ٥ الجيش والأسطول ٦ الموارد الاقتصادية ٧ الحركة الفكرية دولة بنى حمود كان تمزق الأندلس بهذه الصورة فرصة يقتنصها من يريد، ولهذا كتب «على بن حمود» صاحب سبتة إلى «خيران» يزعم أنه تلقى رسالة من «هشام المؤيد» يوليه فيها عهده، ويطلب منه إنقاذه من البربر ومن سليمان المستعين والتف حول «ابن حمود» بعض الأعوان، وعبر بهم إلى الجزيرة الخضراء بناء على طلب خيران، واستوليا معًا على بعض البلاد، وقرَّرا الزحف على قرطبة يعاونهما بربر غرناطة، واستعد سليمان لقتالهم، ونشبت بينهما معركة فى مكان قريب من قرطبة وانتهى الأمر بهزيمة سليمان ووقوعه فى الأسر. بعد ذلك دخل على بن حمود قرطبة وبويع بالخلافة فى (محرم 407هـ= أول يوليو 1016م)، وأعلن وفاة هشام المؤيد، وقتل سليمان وأباه وأخاه، وتلقب بالناصر لدين الله، وبموت سليمان انتهت الخلافة الأموية بالأندلس بعد حكم دام (268) سنة منذ وصل إليها عبدالرحمن الداخل، وبدأت خلافة الحموديين الأدارسة. قبض على بن حمود على الحكم واشتد فى معاملة البربر وواجه أيةمحاولة للثورة بمنتهى الشدة سواء قام بها العرب أو البربر، وفى الوقت نفسه أحسن معاملة القرطبيين، يعاونه فى ذلك مجموعة من أعوان الخلافة السابقة من أمثال أبى الحزم بن جهور وابن برد. لكن الأمور ما لبثت أن اتخذت خطا جديدًا، ذلك أن خيران العامرى دخل قرطبة فلم يجد هشام المؤيد حيا، وخشى سطوة على بن حمود فغادر قرطبة، وأعلن العصيان واتجه ناحية شرق الأندلس، حيث يجتمع الزعماء العامريون، وأعاد دعوة بنى أمية فى شخص رجل منهم اسمه عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله من أحفاد عبدالرحمن الناصر، وبايعه خيران بالخلافة ولقب بالمرتضى، وانضمت إليه ولايات سرقسطة والثغر الأعلى وشاطبة وبلنسية وطرطوشة وغيرها، وسارت قوات هؤلاء نحو غرناطة لمواجهة قوات صنهاجة، وجرت معركة انتهت بهزيمة الأندلسيين ومقتل المرتضى، وكان «على بن حمود» قد غيَّر سلوكه، مع أهل قرطبة بسبب علمه بميلهم إلى المرتضى فنزع سلاحهم وصادر أموالهم واعتقل زعماءهم وعلى رأسهم «أبو الحزم بن جهور»، ثم تربص جماعة من الصقالبة بعلى هذا، وقتلوه فى الحمام فى (الثانى من ذى القعدة سنة 408هـ = 23من مارس 1018م) بعد خلافة دامت عامًا وتسعة أشهر. بعث زعماء زناتة بخبر مقتل «على» لأخيه القاسم الذى كان واليًا على إشبيلية، فخف مسرعًا، وبويع بالخلافة فى الثامن من الشهر نفسه وتلقب بالمأمون، وقد مال فى سياسته إلى اللين والإحسان إلى الناس وحاول التقرب إلى الفتيان العامريين، فولَّى زهير العامرى على جيان وقلعة رباح لكنه لم يستطع التخلص من سيطرة البربر عليه، فتآمر عليه أبناء أخيه، وزحف يحيى بن على بن حمود على قرطبة، وبويع بالخلافة فى جمادى الأولى سنة (412هـ = 1021م) وتلقب بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد استقر به المقام فى إشبيلية وتلقب بالخلافة أيضًا. والعجيب أن كلا الرجلين اعترف لصاحبه بالخلافة، ولم يسمع قبل ذلك بخليفتين تصالحا واعترف كل منهما بصاحبه من قبل. ثم لم يلبث أن دعا البربر القاسم إلى قرطبة، وولوه الخلافة فى (18 من ذى القعدة من العام نفسهـ)، ولقب بأمير المؤمنين، ولكن الرجل لم يكن موفقًا فى سياسته، فقد أعان البربر على أهل قرطبة فعاملوهم معاملة قاسية وطاردوهم وأهانوهم، وجرت معارك متفرقة بين الطائفتين، ثم جرت موقعة كبيرة فاصلة انتهت بانتصار القرطبيين وتمزيق البرابرة، واضطر القاسم إلى الرجوع إلى إشبيلية، وجرت تطورات عاد البربر بعدها وبايعوا يحيى بن على بن حمود ولقبوه بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد سجن وبقى فى محبسه حتى قتل خنقًا بعد ذلك بفترة سنة (431هـ = 1040م). كان أهل قرطبة قد سئموا سلوك البربر وقتالهم، وقرروا رد الأمر لبنى أمية، وعقدت جلسة لهذا الغرض فى المسجد الجامع تمت فيها مبايعة عبدالرحمن بن هشام فى (16 من رمضان سنة 414هـ= ديسمبر سنة 1023م)، ولقب بالمستظهر بالله، وتولى وزارته بعض القدامى من وزراء بنى أمية، بيد أن الخليفة الجديد استفتح عهده بإلقاء القبض على عدد من الزعماء والأكابر، واستقبل فرسان البربر وأحسن وفادتهم، فهاجت العامة وامتلئوا غيظًا، وهجموا على القصر وقتلوا كل من صادفهم، أما عبدالرحمن فقد اختفى وظهر ابن عمه «محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن الناصر» وبويع بالخلافة وتلقب بالمستكفى بالله، وأتى بعبدالرحمن المستظهر وقتله فى (3من ذى القعدة سنة 414هـ = 17 من يناير سنة 1024م). كان المستكفى سيئ التدبير ميالا إلى البطالة والمجون، وفى عهده تهدمت القصور الناصرية، وأتى على مدينة الزاهرة من أساسها، واضطهد معظم البارزين من الساسة والمفكرين، فنادى جميعهم بخلعه واضطر إلى مغادرة قرطبة فى زى امرأة، وتمكن بعض مرافقيه من قتله فى ضاحية قرطبية. وجدير بالذكر أن محمد المستكفى هذا هو والد «ولادة» الشاعرة المعروفة. رجعت الفوضى التى لا ضابط لها إلى قرطبة وجاء إليها «يحيى ابن على ابن حمود»، و «خيران» و «زهير» العامريان، وتم الاتفاق بينالجميع يقودهم أبو الحزم بن جهور على تولية أموى، ووقع اختيارهم على «هشام بن محمد» الذى بويع ولقب بالمعتد بالله، بيد أنه ألقى بمقاليد الأمور كلها إلى رجل من المستبدين تولى وزارته اسمه «سعيد القزاز» بالغ فى اضطهاد زعماء البيوت وإهانتهم وشغل الخليفة نفسه عن أمور الحكم بشرابه ومجونه، وضاعت هيبة الخلافة تمامًا. ثم اضطر القرطبيون الناقمون إلى الفتك بالوزير «سعيد» فى (ذى القعدة 422هـ = نوفمبر 1031م)، ثم ساروا إلى القصر يتزعمهم «أمية بن عبدالرحمن العراقى» من أحفاد «الناصر» ونهبوا أجنحة القصر. وانتهى الأمر باتفاق رأى الناس جميعًا بزعامة أبى الحزم بن جهور على التخلص من بنى أمية، وإبطال رسوم الخلافة كلها، وإجلاء كل الأمويين عن مدينة قرطبة، فليس هناك من يستحق الخلافة، وينبغى أن يتحول الحكم إلى شورى بأيدى الوزراء وصفوة الزعماء أو من اسماهم «ابن حزم» «الجماعة». تولى ابن جهور تنفيذ الأمر بمنتهى الحزم حتى أجلى الأمويين عن المدينة ومحا رسومهم تمامًا، وبهذا انتهت معالم الخلافة الأموية، وانقطع ذكرها فى كل من الأندلس والمغرب. عناصر المجتمع الأندلسى تكون المجتمع الأندلسى من مجموعة من العناصر المتباينة انصهرت جميعها فى بوتقة واحدة وكونت المجتمع الأندلسى وهذه العناصر هى: (1) العرب، وهم مجموعتان: المضرية، واليمنية، وقد استمر الصراع بينهما فى الأندلس مثلما كان فى المشرق، وتتفرع المجموعة المضرية إلى أربعة وعشرين فرعًا انتشرت فى بلاد الأندلس المختلفة. أما المجموعة اليمنية فقد وصل فروعها إلى واحد وعشرين فرعًا تركز وجودها فى الجنوب الشرقى من الأندلس، وكان هؤلاء العرب أقلية بين عناصر السكان الأخرى لأسباب عديدة، ويرى بعض الباحثين أن عدد العرب الذين أتوا إلى الأندلس من شمال إفريقية والشام وصل إلى ما يقرب من (30) ألفًا ارتفع هذا الرقم ليصبح نحو (300) ألف بعد سنوات. (2) البربر: وهؤلاء كونوا السواد الأعظم من الجيش الفاتح وفاقت أعدادهم أعداد العرب، وينتمى هؤلاء إلى زناتة ومكناسة وصنهاجة ومصمودة وهوازة ومديونة وكتابة وسفيلة ونقرة وهؤلاء تركز وجودهم فى المناطق الجبلية خاصة فى الشمال الغربى ووسط الأندلس وأراضى السهلة ووادى الحجارة وإشبيلية وما حولها لتشابه ظروفها مع ظروف الحياة والبيئة فى مواطنهم الأصلية، واشتغلوا بالزراعة وتربية الماشية ويسَّرت لهم مواطنهم فى مناطق الحدود وغيرها من المناطق الجبلية القيام بالثورات بعد ذلك. (3) المسالمة والمولدون: أما المسالمة أو الأسالمة أو أسالمة أهل الذمة فهم الذين دخلوا فى عقيدة الإسلام من النصارى، أما المولدون فهم فى أرجح الأقوال أبناء المسالمة أو هم نتاج الزواج المشترك بين العرب والبربر من ناحية وبين الإسبان من ناحية أخرى، ومن الطبيعى أن يكون عدد هؤلاء قليلا فى أول الأمر، ثم يتنامى نتيجة كثرة اعتناق أهل البلاد للإسلام وانتشار ظاهرة الزواج المشترك بين العرب أو البربر وبين من أسلموا حديثًا، وقد تركز وجود هذا العنصر فى الحواضر والمدن الكبرى من شبه الجزيرة. وكانوا مع العرب هم العنصر الغالب فيها، وكان هذا سببًا فى حدوث نزاع بين هاتين الطائفتين فى المستقبل. (4) الموالى: مجموعة من عناصر مختلفة تجمع بينها رابطة الولاء بين المولى وسيده أو التابع ومتبوعه، ويرجع هؤلاء إلى أصول مختلفة بعضهم رافق الشاميين الذين دخلوا الأندلس وعرفوا لذلك باسم موالى الشاميين، وبعضهم كان من البربر الذى أسلموا ووافقوا سادتهم فى دخول الأندلس فسموا باسم الموالى البلدانيين، وبعضهم يرجع لأصول محلية إسبانية، وموالى الاصطناع أو النعمة الذين أنعم عليهم الأمويون بالولاء اعتزازًا وتقديرًا، بالإضافة إلى الرقيق المشترى ممن أنعم عليه أسياده بالعتق، وتركز وجود هؤلاء فى قرطبة خاصة وفى كورة البيرة (غرناطة) وفى جهات متفرقة من أنحاء الأندلس،وقد شدوا من أزر العرب أولا ثم انقلبوا عليهم وظهر من بينهم قادة من أمثال بنى عبدة وبنى شهيد وبنى مغيث وبنى جهور. (5) الصقالبة: كان يقصد بهذه الكلمة أولا الشعوب السلافية، ثم أصبح العرب يطلقونها على الأرقاء الذين ي***ون من الأمم المسيحية ويستخدمون فى القصر أو الجيش، عن طريق الشراء بواسطة تجار اليهود أو عن طريق الحملات العسكرية، وأول من است*** الصقالبة «عبدالرحمن بن معاوية» ثم استكثر الأمراء منهم بعد ذلك حتى كونوا جماعة كان لها دور عظيم فى أحداث الأندلس، ووصلت أعدادهم إلى ثمانية عشر ألفًا فى قرطبة وحدها، وبلغوا أقصى نفوذ لهم فى عهد «عبدالرحمن الناصر». هذه هى العناصر الإسلامية، وإلى جانبها وجد فى المجتمع الأندلسى عنصران من غير المسلمين أو من أهل الذمة هما: (1) النصارى: وشكل هؤلاء عددًا كبيرًا، استوطن أعداد كبيرة منهم مدنًا وقرى كثيرة فى الأندلس واستقر فى «طليطلة» و «برشلونة» و «غرناطة» و «ماردة» وتمتعوا جميعًا بالرعاية ومنحتهم الدولة الحرية الكاملة دينية واجتماعية حتى أنشئ لهم منصب لإدارة شئونهم عرف صاحبه بالقومس. ووصل بعضهم إلى المناصب العليا فى الدولة، وتأثر هؤلاء بدورهم بثقافة العرب ولغتهم وأسلوب حياتهم وأصبحوا لهذا يسمون بالمستعربين. (2) اليهود: وقد استوطن عدد كبير منهم فى قرطبة ولهم فيها باب يعرف باسمهم، وسكن عدد كبير آخر فى «إشبيلية» ولهم مشاركة ملحوظة فى فتح الأندلس وفى أحداثها السياسية وفى إدارة المدن المفتوحة، كما استوطنت جماعة كبيرة منهم فى «طليطلة» وفى «برشلونة» وفى «طركونة»، وقد مارس جميعهم شعائرهم الدينية فى بيعهم بكل حرية، وكانت علاقاتهم بالمسلمين طيبة فاندمجوا فى المجتمع الإسلامى وتعلموا العربية وتبنوا تقاليد المسلمين، وعمل بعضهم فى بلاط الأمويين وتولوا مناصب مهمة فى الدولة الإسلامية، واحتل بعضهم الطبقات العليا فى المجتمع الأندلسى. المظاهر الحضارية نظم الحكم خلال عصرى الإمارة والخلافة - رئاسة الإقليم كانت الأندلس تتبع إفريقية عقب الفتح مباشرة، وكان والى إفريقية يقوم باختيار حاكم الأندلس، ثم رأى الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» أن تكون الأندلس ولاية مستقلة تتبع الخلافة مباشرة إدراكًا منه لأهمية الأندلس، وللدور الذى تقوم به فى الفتوحات ولصراعها مع ملوك الفرنجة. ولما توفى «عمر بن عبدالعزيز» عاد تعيين والى «الأندلس» إلى والى إفريقية لكن بمصادقة الخليفة، وبعد وقعة بلاط الشهداء عادت الخلافة إلى تعيين والى «الأندلس» من جديد، ولما اضطربت الأمور أصبح والى إفريقية هو الذى يعينه حينًا وأحيانًا جماعة الزعماء والقادة فى شبه الجزيرة، فقد استقر رأيهم مثلا على تعيين يوسف بن عبدالرحمن الفهرى سنة (129هـ= 747م) خشية تفاقم الفتن دون مصادقة لا من والى إفريقية ولا من الخلافة. ثم جاء بنو أمية لحكم الأندلس واكتفوا بلقب الإمارة، برغم أن بلاطهم كان ينافس بلاط العباسيين فى قوته وبهائه إلى أن جاء عهد «عبدالرحمن الناصر» ورأى أن الأوضاع قد تغيرت وأن الفاطميين قد أقاموا لهم خلافة فى المغرب فأصدر مرسومًا بتحويل الإمارة الأموية إلى خلافة، وتلقب هو نفسه بلقب أميرالمؤمنين، وبلغت الخلافة الأندلسية أوج نفوذها السياسى والأدبى فى عهد الناصر وابنه الحكم المستنصر، ثم جاء «محمد بن أبى عامر» فجعل نفسه حاكمًا مطلقًا على الأندلس واتخذ سمات الملك وتلقب بالحاجب المنصور، وأضحت الخلافة فى زمنه وزمن أبنائه اسمًا بلا مسمى. ثم تبوأ «محمد بن هشام» الملقب بالمهدى الخلافة لتنتهى ثنائية السلطة بين الأمويين والعامريين، لكن ذلك كان بداية فترة مشحونة بالفتن والفوضى، وقامت خلافة فى أكثر من مدينة فى مالقة وقرطبة وإشبيلية وغيرها، وانتهى الأمر بتمزق الأندلس إلى ولايات ومدن مستقلة وظهور ما يعرف بدول الطوائف. الوزارة فى الأندلس لم يلجأ الأمويون فى الأندلس إلى نظام الوزارة باختصاصاته التى يعرفها المشارقة، واعتمدوا فى تسيير أمور دولتهم على رجال من البيوت الشهيرة دون أن يمنحوهم ألقابًا بعينها، حتى قادة الجيوش حملوا لقب القائد فى زمن الحملة العسكرية فقط، ولكن ظهور شخصيات بارزة جعل من الضرورى أن تختص تلك الشخصيات بمهام وألقاب محددة، لهذا أصبح «عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث» قائد الجيوش، وحمل مع ذلك لقب الحاجب، وتولى كل اختصاصات رئيس الوزراء فى المشرق، وأضحت الحجابة هناك مثل رئاسة الوزارة وأصبح الحاجب الشخصية الثانية بعد الأمير، كذلك تم توزيع المهام الإدارية بين رجال البيوتات المشهورة، فهذا خازن (وزير المالية) وهذا للأمن (الشرطة الداخلية) وهذا للمنشآت (الأشغال العامة). وحمل هؤلاء لقب الوزير على أنه تشريف، ومنذ أيام «عبد الرحمن الأوسط» أصبح وزير الأندلس له نفس مهام واختصاصات الوزير فى المشرق، كما كان هناك وزراء دولة يكلفهم الأمير بما يشاء فى أى وقت. أما أهل البيوتات الذين شغلوا هذه المناصب فهم موالى بنى أمية وفروعهم، ثم انضمت إلى هؤلاء أسر قربها الأمراء، بعضها عربى وبعضها مولد أو مستعرب وكثير من هؤلاء من أصول بربرية من ذوى الكفاءات. وللأمويين أسلوبهم فى إقالة الوزراء، ذلك أن من ترفع وسادته من بيت الوزارة يعتبر مقالا، وأحيانًا كان يمنح بعض الموظفين الكبار مثل حاجب المدينة أى المحافظ لقب الوزير، وعندئذٍ كان يدعى الوزير صاحب المدينة. وكانت الوظيفة الكبيرة فى الأندلس يطلق عليها لقب «خطة» فيقال «خطة الوزير» أو «خطة الكتابة» (الإنشاء) أو خطة المظالم (الشكاوى) أو «خطة القيادة»، وكانت خطة القيادة من الخطط الكبرى، ويقصد بها قضاء قرطبة أو الجماعة، ولايتولى صاحبها قضاء قرطبة وحدها بل له حق تعيين القضاة أو عزلهم فى المدن والأقاليم الأخرى، وهؤلاء يعتبرون نوابًا عنه ويعتبر هو مرجعهم،وقاضى الجماعة هو الشخصية الثالثة بعد الأمير والحاجب، ولذا تطلب الأمر التدقيق عند اختياره، ورغم مكانة القاضى، فإن الكثيرين لم يرغبوا فى شغل هذا المنصب؛ لأنهم قد يجدون حرجًا فى أداء مهام وظيفتهم ضد كبار الموظفين أو مع أمير لا ترضيه أعمالهم الحريصة على العدالة وحدها. وفى أواخر عهد الدولة العامرية تولى الصقالبة الخطط الكبرى، ثم تولى الفتيان العامريون الحجابة لآخر الخلفاء الأمويين، واستبدوا بعد ذلك برئاسة المدن والولايات، وظهر فى عهد الدولة العامرية بدعة جديدة هى إسناد الحجابة إلى الأطفال، فقد استصدر عبدالملك - مثلا - أمرًا من الخليفة «هشام» المغلوب على أمره بتعيين ولده الطفل «محمد» فى منصب الحجابة ولقبه بذى الوزارتين، كذلك استحدث بالوزارة عدة خطط جديدة مثل خطة خدمة الأسلحة وخدمة الوثائق وخطة خزانة الطب والحكمة .. الخ. الجيش والأسطول عبر إلى شبه الجزيرة جيش الفتح مكونًا من العرب والبربر، وقام البربر بدور مهم فى تكوين قوى الأندلس دفاعًا وهجومًا، ولما كون عبدالرحمن الغافقى جيشه بهدف غزو بلاد الفرنج، كان البربر من عناصره المهمة، وبقيت القيادة بيد الضباط العرب، ثم ظهر خلاف بين العرب والبربر، بسبب إحساس البربر باستيلاء العرب على القيادة لأنفسهم فقط، ثم كانت ثورة البربر فى المغرب وانتقال بلج بن بشر القشيرى إلى الأندلس الشىء الذى رجح كفة العرب، غيرأن الجيش الأندلسى ما لبث أن انقسم إلى العرب الشاميين وأنصار «بلج» والعرب والبربر المحليين، وقامت الحرب الأهلية، إلى أن جاء يوسف بن عبدالرحمن الفهرى فأعاد تنظيم الجيش وأصلحه، وجعله جيشًا أندلسيا، يغزو ويرد هجمات نصارى الشمال. ثم جاء «عبدالرحمن الداخل» فاهتم بالجيش غاية الاهتمام، وبلغت جنوده المتطوعة والمرتزقة (100) ألف مقاتل، بخلاف الحرس الخاص الذى تكون من (40) ألفًا من الموالى والرقيق والبربر. وكذلك وضع «عبدالرحمن الداخل» نواة الأسطول الأندلسى؛ لأنه أقام قواعد لبناء السفن فى بعض الثغور النهرية والبحرية، أما قيام الأسطول الأندلسى فيعود إلى ما بعد ذلك عندما قام النورمانيون بغزو ثغور الأندلس فعنيت الحكومة بأمر الأسطول وإنشاء السفن وبالتحصينات البحرية، كما أقامت أكبر دار لصناعة السفن فى مياه الوادى الكبير تجاه إشبيلية. وقد اكتسب الجيش كثيرًا من الدربة والمران فى تعامله المستمر مع الثورات والغزوات، وقد بذل الناصر جهدًا كبيرًا لتقويته، ومنحه غاية الاهتمام، ووفر له الأسلحة والعتاد، وفى الوقت نفسه اهتم بالأسطول وأنشأ له وحدات جديدة، وجعل مدينة ألمرية مركزه الرئيسى، وبنى بها أكبر دار صناعة، ووصل عدد الوحدات فى زمنه إلى (200) سفينة مختلفة الأحجام والأنواع، بخلاف أسطول آخر خصص لشئون المغرب البحرية، وكان أسطول الناصر من أقوى الأساطيل، سيطر به على مياه إسبانيا الشرقية والجنوبية. وفى عهد المنصور بن أبى عامر وصل الجيش الأندلسى إلى أقصى قوته وضخامته، وقد اعتمد على البربر الذين استقدمهم من بلاد المغرب وغمرهم بعطاياه، وكان فى جيشه كثير من المرتزقة والنصارى من المستعربين، وقد بنى المنصور للأندلس قوة لم تعرفها لا من قبل ولا من بعد، وبلغ عدد الفرسان فى زمنه (12100)، وعدد الرجالة (26000) وهذا هو الجيش المرابط الذى كان يتضاعف وقت الصوائف، وقد وصل فى إحداها إلى (46000)، وزاد عدد المشاة حتى تجاوز المائة ألف. وقد نجحت القوات الإسلامية فى السيطرة على مناطق الحدود؛ بفضل ما تمتعت به من قوة واستعداد، وكانت الخلافة حريصة على أن توفر لها الأسلحة والمؤن وكل ما تحتاج إليه، وكان بعض الحصون فى هذه الأماكن أشبه ما يكون بمدينة كاملة. وإلى جانب جيش الحدود كان هناك جيش آخر يقيم فى الزهراء يسمى جيش الحضرة يقوده الخليفة بنفسه أو من ينيبه، وإذا خرج الخليفة بنفسه جمع بين قيادة الجيشين. وإذا جاء وقت النفير يأمر الخليفة بالاستعداد، فتبدأ عملية واسعة النطاق تسمى «البروز»، وتتوافد الجنود من كل ناحية وتنزل فى سهل فسيح يسمى «فحص السرادق» إلى الشمال من قرطبة، ثم يؤتى بسرادق الخليفة ويوضع وسط الفحص، وتنصب فرق الجنود خيامها ثم تقبل قوات المتطوعين حسبة لوجه الله تعالى، ويستمر البروز شهرًا، ثم يخرج الخليفة بجيشه، وينتقل من حصن إلى حصن حتى يصل إلى الحدود فينضم إليه جيش الثغور، وهنا تبدأ الصائفة- أى العملية العسكرية الصيفية التى تستمر شهرين أو نحوها- فى غزوها لأراضى العدو. الموارد الاقتصادية لما فتح المسلمون شبه الجزيرة، فرضت الضرائب على أساس المساواة بين الناس دون تمييز بين طبقة وأخرى، وكان خراج الأراضى الزراعية والجزية على أهل الذمة وأخماس الغنائم هى الموارد الرئيسية للدخل، وقد قام «يوسف الفهرى» بتقسيم الأندلس إلى خمس ولايات وفرض على كل ولاية أن تقدم ثلث دخلها ورفع الجزية عمن توفوا من النصارى، ومنحت الحكومة اهتمامًا كبيراً للزراعة، وقد نجحت زراعة المسلمين بفضل التغيرات التى أدخلوها على نظام ملكية الأراضى، وتنظيم عملية الرى فى الأندلس، والعناية بالحدائق والمتنزهات و*** المياه لها من الجبال. وقد تنوعت الأراضى فى الأندلس بين أراضى خراجية للدولة، وأراضى أحباس تتبع ولاية الأحباس (الأوقاف) ويشرف عليها قاضٍ، وأراضى إقطاع بمعنى أن جيوش الأندلس كانت تتكون من قبائل العرب والبربر التى كانت تقيم فى المدن والقرى على أساس إقطاعها أراضيها، واستمر هذا النظام معمولا به حتى آخرعهد «المنصور بن أبى عامر» وإن ظل الإقطاع سائدًا فى مناطق الثغر الأعلى خاصة. بالإضافة إلى هذا وجدت الملكيات الخاصة التى كانت تأتى عن طريق الوراثة أو الهبة أو الشراء. أما المحاصيل الزراعية فأبرزها: التمور والحبوب بأنواعها والفواكه والزيتون وقصب السكر والموز والعنب والتفاح والرمان والبرتقال،ومحاصيل أخرى مثل: القطن والكتان والتوت ونبات الحلفاء، وقد ***ت بعض هذه المحاصيل من المشرق وأدخلت تحسينات على ما كان قائمًا منها زمن الرومان. كذلك اهتمت الإدارة الأندلسية بالرعى وتربية الماشية، وعنيت بتربية البغال باعتبارها الوسيلة المثلى للنقل، والخيول والإبل والغنم والثيران والأبقار، ومما يعكس الاهتمام بالخيل وتربيتها أنه كانت هناك خطة تسمى خطة الخيل يشرف عليها صاحب الخيل، وعرفت الأندلس أيضًا مهنة صيد السمك فى السواحل الغربية والشرقية والجنوبية وفى الأنهار الداخلية، ولهذا ازدهرت تجارة السمك فى الأندلس. وعرف المجتمع الأندلسى الصناعة، وراجت فيه صناعة الحدادة والصياغة وحياكة المنسوجات والصباغة، والصناعات الجلدية والخشبية، وصناعة الورق والسفن والأسلحة والسكة والأثاث والفخار والآلات الموسيقية وصناعة ألوان معينة من الطعام كالجبن واستخراج الزيت من الزيتون، وصناعة السلال والشمع والزجاج، كما وجد أصحاب الحرف مثل: الفرانين والخياطين والنجارين والبنائين والعطارين والجزارين والحبالين .. الخ، وكان على رأس كل فرقة زعيم يسمى العريف أو الأمين يرتب أمورها وينظم العاملين فيها درجات حسب مستوى إجادتهم. ومن الطبيعى أن يكون فى الأندلس نشاط تجارى، وعناية بالأسواق التجارية، فقد كان فى كل مدينة سوق رئيسى يتألف من عدد من الأسواق، وكل طائفة من التجار تتخذ لها مكانًا يجلسون فيه متجاورين، وكانت هناك أسواق للحيوانات وأخرى للنخاسة .. الخ، وقد اهتمت الدولة بإقامة شبكة من الطرق البرية والنهرية الداخلية تربط المدن بعضها ببعض لخدمة التجارة. وتعامل التجار مع بعضهم عن طريق تبادل السلع، وأحيانًا عن طريق استخدام العملة، كما كانت الصكوك والسفاتج أو الحوالات من الوسائل الشائعة الاستخدام فى الأندلس، وكانت السمسرة من أساليب التعامل الرائجة فى الأسواق، وقام بها اليهود فى الغالب،كما كانت وحدات الكيل والميزان من أهم وسائل التعامل التجارى، وكان يشرف عليها صاحب السوق، يتفقد العمل فى الأسواق يعاونه مجموعة من الموظفين يمتحنون الباعة بأساليب مختلفة لمعرفة مدى التزامهم بالطرق المشروعة بيعًا وشراءً. وعرفت الأندلس التجارة الخارجية التى تقوم على الصادرات والواردات، فقامت بتصدير التين إلى بعض بلاد المشرق وإلى الهند والصين، والقطن إلى بلاد الشمال الإفريقى، وصدَّرت الزيت إليها وإلى الدويلات النصرانية فى الشمال ومن الصادرات الأندلسية: الحرير ومواد الصباغة وأنواع معينة من المنسوجات والعنبر والطيب وبعض المعادن وبعض الحيوانات. أما واردات الأندلس فقد تركزت على الأشياء الثمينة والتحف النادرة وبعض المنسوجات الشرقية والصمغ والمواد الغذائية وأهمها القمح. كما استوردت التمور والفستق والذهب، وكان التعامل مع المغرب خاصة يتم بحرية تامة بصرف النظر عن الاختلافات المذهبية أو السياسية أحيانًا، كما كانت العلاقات وثيقة بين الأندلس وبين بلاد المشرق الإسلامى، وتمت إقامة طرق برية وأخرى بحرية لربط الأندلس بالعالم الخارجى والاتصال به اقتصاديًا وفكريًا، وكانت الضرائب تجبى من التجارة الداخلية والخارجية. الحركة الفكرية لا يوجد فى عصر الولاة إلا بعض الآثار الشعرية القليلة التى وردت على ألسنة الزعماء أو الولاة. وجاء «عبدالرحمن الداخل» وخلف آثارًا من النثر والنظم تعكس تفوقه فى هذا الميدان، وكان الداخل فوق براعته الأدبية عالمًا بالشريعة، وجاء بعده ابنه «هشام» فكان مبرزًا فى الحديث والفقه، وغلب الطابع الدينى على النهضة العلمية فى هذه المرحلة، ثم رحل تلاميذ الأندلس إلى المشرق وتتلمذوا على الإمام مالك ونقلوا عنه كتابه «الموطأ»، وعادوا إلى الأندلس فنشروا مذهب إمامهم بتلك البلاد، وكان الأمير هشام يجل الإمام مالك فساعد ذلك على التمكين لمذهبه فى الأندلس. وفى عهد الحكم بدأت تظهر بوادر النزعة الأدبية إلى جانب العلوم الدينية، وظهر الأدباء والشعراء إلى جانب المحدثين والفقهاء، كما وجد من نبغ فى النحو والعروض والأخبار والأنساب وغيرها. وكان الأمير الحكم نفسه أديبًا شاعرًا، وعرف الأندلس فى زمنه شعراء مبرزين من أمثال العالم عباس بن فرناس ويحيى الغزال الجيانى. أما فى عهد «عبدالرحمن بن الحكم» فقد بلغت هذه الحركة الفكرية الأولى ذروتها وظهر كتاب مُبرزون ومفسرون ومحدثون وفقهاء وشعراء، وكان الأمير نفسه يتمتع بمواهب أدبية وشعرية، وانتشرت اللغة العربية بين طائفة النصارى المعاهدين، وبرز بعضهم فى الكتابة. وشهد عهد الأمير «محمد بن عبدالرحمن» نهضة أدبية وشعرية، ومن أشهر من ظهروا خلال هذه الفترة الشاعر «عباس بن فرناس» والأديب الفقيه «أبو عمر أحمد بن عبد ربه» صاحب الكتاب المشهور «العقد الفريد»، الذى يعتبر من أمتع كتب الأدب العربى، وكان الأمير عبدالله أيضًا شاعرًا بارعًا فى العربية حافظًا للغريب من الأخبار. أما عصر «عبدالرحمن الناصر» فقد زهت فيه العلوم والآداب، وراجت فيه سوق العلم، وظهر أكابر العلماء والشعراء من أمثال «ابن عبد ربه» المشار إليه آنفًا، و «محمد بن عمر بن لبانة» الذى انفرد بالفتيا وحفظ أخبار الأندلس وولى الصلاة فى المسجد الجامع، وكان له حظ موفور فى الفقه والنحو والشعر، ومن محاسن هذا العصر «أبو الحسن جعفر بن عثمان» المعروف بالمصحفى، البليغ المتميز فى النظم والنثر، ومن أعلام هذه الفترة القاضى «منذر بن سعيد البلوطى»، البارع فى علوم القرآن والسنة، والمعروف بجودة خطابته وفصاحته وجزالة شعره، وغير هؤلاء كثيرون، وقد اتخذ الناصر عددًا كبيرًا من هؤلاء العلماء والأدباء حجابًا له ووزراء، مثل موسى بن محمد بن حدير وعبدالملك بن جهور. ومن أعظم شعراء عصر «الناصر» أبو القاسم محمد بن هانئ الأزدىالإشبيلى الذى غادر الأندلس ولحق ببلاط الخليفة المعز الفاطمى فى المهدية بسبب اتهامه بالكفر والزندقة. وكان الخليفة نفسه أديبًا يهوى الشعر وينظمه ويدنى إليه العلماء والأدباء. وظهر فى عهد الناصر أعلام المؤرخين الذين وضعوا أسس الرواية التاريخية الأندلسية، وفى مقدمتهم أحمد بن محمد بن موسى الرازى، ومعاصره أبو بكر محمد بن عمر المعروف بابن القوطية وأحمد بن موسى العروى .. واستمرت النهضة الفكرية وازدادت قوة فى عهد الخليفة الحكم المستنصر، وكان نفسه أديبًا عالمًا، ولذلك أقام جامعة قرطبة، وحشد لها الأساتذة، وأنشأ المكتبة الأموية الكبرى، وبذل جهودًا خارقة وأموالاً عظيمة حتى يجمع لها آلاف الكتب فى مختلف العلوم والفنون، وظهرت أيضًا المكتبات العامة والخاصة، واحتشد حول بلاط الحكم مجموعة من أكابر العلماء منهم «أبو على القالى»، والأديب المؤرخ «محمد بن يوسف الحجارى»، والفيلسوف «ربيع بن زيد» .. الخ. ومن شعراء بلاط الحكم المعدودين: طاهر بن محمد البغدادى، ويحيى بن هذيل، ويوسف بن هارون الرمادى القرطبى، الهجَّاء المعروف بأبى جنيش. وممن نبغ فى هذه الفترة: أعظم علماء اللغة فى الأندلس «أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدى» النحوى الإشبيلى. أما المستنصر نفسه فلم يكن متمكنًا فى علم الأنساب وفى العلوم الشرعية فحسب وإنما كان أديبًا شاعرًا ينظم الشعر الجيد. أما المنصور بن أبى عامر فقد كان بحكم نشأته عالمًا متمكنًا فى علوم الشريعة والأدب، وكان محبا لمجالس العلماء والأدباء، وبلغ به الأمر أن يصطحب معه طائفة من الشعراء والأدباء فى غزواته، وكان أبو العلاء صاعد بن حسن البغدادى شاعره الأثير، وكان ذلك الرجل فوق شاعريته متمكنًا فى اللغة والأدب والتاريخ، وهو الذى أجازه المنصور بخمسة آلاف دينار على كتاب ألفه فى التاريخ والأدب وأمر بقراءة كتابه فى مسجد الزاهرة. ومن أعظم شعراء الأندلس فى عهد المنصور «أبو عمر أحمد بن محمدبن دراج القسطلى» الذى قال عنه «ابن حزم»: «لم يكن فى الأندلس أشعر من ابن دراج». ومن أكابر الفقهاء والحفاظ عبدالرحمن بن قطيس قاضى الجماعة فى قرطبة، وكان إمامًا فى الحديث والسير والأخبار، شغوفًا بجمع الكتب، مشهورًا بالصلابة فى الحق. ومن الطبيعى أن تنكمش الحركة الفكرية بعد سقوط الخلافة، لانشغال الأمة بما دهاها من الفتن، ومع ذلك فقد كان بين الخلفاء والولاة خلال هذه الفترة من يتذوق الشعر وينظمه من أمثال الخليفة المستعين، والخليفة المستظهر وغيرهما. sr,' hgoghtm hgHk]gsdm ,rdhl ],gm fkn pl,] | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018