الهجرة والدور المشرف للصحابة الأعلام.

[أبو عادل]

تجسد الهجرة النبوية المطهرة الدور التاريخي, والديني, والاجتماعي, والجهادي, والثقافي, والبطولي, والاقتصادي لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة السابقين منهم الذين اختارهم الله لأهم مهمة عرفتها البشرية عملية إتمام الدين ونشره للعالمين ونقله غضاً طرياً كما تلقوه من خير البرية وخير المعلمين ورسول رب العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, لقد اشترك في الهجرة الرجال, والنساء, والأطفال, والفقراء, والأغنياء, والأقوياء, والضعفاء وهذا ما سنجسده في السطور التالية حسبما يتسع له المقام.

ونبدأ بالهجرة إلى الحبشة وكان أول من هاجر إليها سيدنا عثمان رضي الله عنه وزوجه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "خرج عثمان بن عفان ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة, فأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما, فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد قد رأيت ختنك ومعه امرأته قال: "على أي حال رأيتهما" قال رأيته حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صحبهما الله, إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام " رواه البيهقي والطبراني, ووصل إلى الحبشة عشرة من الصحابة وكان عليهم عثمان بن مظعون, وكان منهم ثلاثة من المبشرين بالجنة وهم عثمان بن عفان والزبير بن العوام, وعبد الرحمن بن عوف ثم هاجر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة, وللصحابة مواقف دعوية يتيه بها التاريخ في الحبشة لا يتسع المقام لذكرها.

وفي الهجرة إلى المدينة المنورة كانت الخطة التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم تتطلب أن يأخذ مكانه في البيت رجل تشغل حركته حركة الدار أبصار المحاصرين لها فأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام في فراشه تلك الليلة, ومن يفعل ذلك والأعداء حول البيت سوى فارس الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟ وتحمل من المشركين ما لاقاه من إيذاء, ورد سيدنا علي الودائع والأمانات التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابها ثم تأهب للخروج إلى المدينة, وكان يكمن بالنهار فإذا جن الليل سار حتى قدم المدينة وقد تفطرت قدماه وقد كانت هجرته تضحيةً وفداءً وتحملاً وصبراً وشجاعةً وإقداماً.

ومن قبل أرسل المصطفى صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى الأنصار في المدينة وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى المقرىء بالمدينة, وقد قام بدور إعلامي متميز في تمهيد بيئة المدينة المنورة للهجرة النبوية.

وقد تعاهد المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الصحابة الأنصار على شروط خمسة هي:

- المتابعة على السمع والطاعة في النشاط والكسل.

-النفقة في العسر واليسر.

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- تقولون في الله لا تخافون لومة لائم.

- أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم فبايعوه وأوفوا بوعدهم معه.

ويأتي الدور العظيم للصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كان كثيراً ما يستأذن رسول اله صلى الله عليه وسلم في الهجرة, فيقول له لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً, وفي رواية أخرى فإني أرجو أن يؤذن لي, قال أبو بكر: وترجو ذلك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: نعم فحبس أبو بكر نفسه لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلف ناقتين كانتا عنده ورق السمر (بضم الميم) أربعة أشهر ثم جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر, وهو الصديق.

وخرج أبو بكر مع المصطفى صلى الله عليه وسلم واشترك بيت الصديق كله زوجه, وابنتاه, وابنه, وخادمه, وماله في الهجرة النبوية وباقي الدور الصديقي معلوم لنا جميعاً.

وأما هجرة الفاروق فكانت فتحاً للإسلام فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما همّ بالهجرة تقلّد سيفه وتنكب قوسه, وانتضى في يده أسهماً واختصر عنزته (عصا لها زج كالرمح الصغير) ومضى قبل الكعبة, والملأ من قريش بفنائها, فطاف في البيت سبعاً متمكناً, ثم أتى المقام فصلى ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال لهم: شاهت الوجوه, لا يرغم الله إلا هذه المعاطيس, من أراد أن يثكل أمه, أو ييتم ولده, أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي, قال علي: فما اتبعه إلا قوم من المستضعفين علمهم ما أرشدهم ثم مضى لوجهه), ولبث عمر عند رفاعة بن المنذر (بقباء) حتى لحق به أهله, وقومه, وأخوه زيد بن الخطاب, وعمرو وعبد الله ابنا سراقة, وخنيس بن حذافة السهمي, وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل, وواقد بن عبد الله التيمي حليف لهم وآخرون ثم قدموا المدينة. وهاجر أبو سلمة ثم تبعته أم سلمة وولدها بعد قصة عذاب طويلة وهاجر عثمان رضي الله عنه, وبذلك شارك الأولون من المهاجرين مع الأنصار في بناء دولة الإسلام.

هؤلاء هم الصحابة, مخرجات مدرسة النبوة الذين قال الله تعالى عنهم: )مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا( [الفتح:29].

ومنهم في الآية لبيان الجنس أي جنس الصحابة وليست للتبعيض لأنهم كلهم بالصفة المذكورة, كما قال الدكتور وهبة الزحيلي في التفسير المنير, وقال ابن كثير (من) هنا لبيان الجنس, قال الأنباري معنى الآية (وعد الله الذين آمنوا من هذا الجنس أي من جنس الصحابة).

وقد فسرنا الآيتين السابقتين تفسيراً علمياً لبيان الإعجاز فيهما في موضوعنا القرآن والنبات يشهدان بعدالة الصحابة يمكن الرجوع إليه في موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على شبكة الانترنت (net .a.55.www) وقال الله تعالى في حق الصحابة: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( [الأنفال: 64].

وقال الله تعالى: )وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( [التوبة: 100].

فمن شك في الصحابة خاصة الصديق والفاروق وذا النورين وأبا الحسنين فقد كذب الله وكذب القرآن أو أوله تأويلاً فاسداً مردوداً عليه بشهادة الله في الآيات السابقات, والكفار فقط هم الذين يغتاظون من الصحابة بنص الآية (29) من سورة الفتح.

والصحابة هم الذين حاربوا المرتدين بقيادة الصديق, وجمعوا القرآن في عهد الصديق, وفتحوا البلدان في عهد الفاروق, ووحدوا طبعة القرآن في عهد ذي النورين, فمن خدم الإسلام مثل هؤلاء فليقدم ما قام به للإسلام.

لقد شارك الصحابة رضوان الله عليهم في الهجرة النبوية, وبناء الدولة الإسلامية ونشر عقيدة التوحيد, وتشييد الحضارة الإسلامية, فلا شيء من هذا كان سيحدث فالفضل لله ثم لرسوله ومخرجات مدرسة النبوة الصحابة الكرام.

بقلم الدكتور : نظمي خليل أبو العطا.


المصدر:


أخبار الخليج (11) الإسلامي




العدد (10535) - الجمعة 21 محرم 1428 هجري -9 فبراير 2007م,

---

hgi[vm ,hg],v hglavt ggwphfm hgHughl>

[عمرو القوصي]

بارك الله فيك

[أبو عادل]

أشكرك أخي الكريم عمرو القوصي على مرورك الراقي والرائع.