أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 
تابعونا عبر تويتر تابعونا عبر فيس بوك

الإهداءات



ملتقى السيرة النبويه ملتقى خاص بسيرته ... سنته ... آل بيته ... أصحابه ... نصرته والدفاع عنه .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: صلاة الفجر للشيخ عبدالله البعيجان الثلاثاء 21 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ ياسر الدوسري الثلاثاء 21 شوال 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 20 | باب صلاة التطوع | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 19 | باب سجود السهو | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 18 | باب صفة الصلاة 2 | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 17 | باب صفة الصلاة | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 16 | باب شروط الصلاة 4 | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 15 | باب شروط الصلاة 3 | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 14 | باب شروط الصلاة 2 | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: شرح زاد المستقنع | 13 | باب شروط الصلاة 1 | للشيخ د. خالد الجريسي جامع الراجحي بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع أبو عادل مشاركات 20 المشاهدات 4678  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 28 / 09 / 2010, 28 : 07 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
وقد حدث في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن تزوج شيخ كبير يخضب بالسواد بفتاة شابة حسناء وبعد حين ظهر البياض على شعر الزوج ولحيته، فكرهته العروس وقالت إنها خدعت بشبابه .. وما هو بشاب. وشكاه أهلها إلى عمر قائلين: "حسبناه شابا". فضربه عمر ضربا موجعا وقال له. "غررت بالقوم". وفرق بينهما.
ـ الغاية ترتبط بالوسيلة المؤدية إليها، وترتبط المقدمة بالنتيجة، فما هو سبيل إلى المباح مباح، وما هو وسيلة إلى المحظور محظور، وإذا فسدت إحداهما فسدت الأخرى، فإثبات الحق مباح بل هو مطلوب، على ألا تكون الوسيلة محظورة كشهادة الزور.
وتستثني من القاعدة حالات الضرورة أو الحاجة .. فيجوز للطبيب الإطلاع على عورة المريضة لعلاجها وإنقاذ حياتها.
ـ من الواجب توفير كل ما فيه صلاح الناس، وفتح الطريق للتوبة وإصلاح ذات البين وصيانة كيان الأسرة.
وروى أحمد: "جاءت إلى علي بن أبي طالب" امرأة فقالت: "إن زوجي وقع على جارتي بغير أمري". فقال للرجل: "ما تقول؟". قال: ما وقعت عليها إلا بأمرها. فقال: "إن كنت صادقة رجمته (بالزنا) وإن كنت كاذبة جلدتك الحد (للقذف). "وإقيمت الصلاة فقام أمير المؤمنين علي يصلي وفكرت المرأة فلم تر لها فرجا في أن يرجم زوجها، ولا في أن تجلد فولت هاربة ولم يسأل عنها أمير المؤمنين".
وقد قيل للإمام أحمد "فلان يشرب". فقال: "هو أعلمكم شرب أم لم يشرب". وقال عن جماعة من العلماء يشربون النبيذ: "تلك سقطاتهم لكنها لا تذهب حسناتهم".
على القادر أن ينفق على كل ذوي الأرحام الفقراء قربوا منه أو بعدوا. وعلى الموسرين من المسلمين أن يخرجوا من أموالهم إلى بيت المال صدقات، حتى لا يكون في أرض الإسلام صاحب حاجة مسلما كان أم غير مسلم.
ـ يجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذا أمر لا تختص به جماعة منهم، بل هو فرض على الجميع، ويجب اتباع الحسنى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فكما جاء في الحديث الشريف: "كل من رأي سيئة فسكت عليها فهو شريك في تلك السيئة". على أن يكون النصح يقول التي هي أحسن. والمسلمون مطالبون شرعا إذا كلم بعضهم بعضا بأن يقولوا التي هي أحسن "فرب حرب أهاجها قبيح الكلام". فإن لم يتحدثوا بالحسن من القول، وقعوا في المعصية بمخالفتهم قوله تعالى: "قل لعبادي يقولوا التي هي احسن. إن الشيطان ينزع بينهم".
بهذا الفقه خالف الإمام أحمد في كثير من المسائل كل من سبقه من الأئمة وبصفة خاصة الإمامين أبا حنيفة ومالك بن أنس .. ولكنه كان أكثر اقتداء بالشافعي في مذهبه المصري الذي تأثر فيه بالإمام الليث بن سعد. على أن الإمام أحمد اختلف مع الشافعي اختلافا كاملا في الأخذ بالاستحسان وفي شروط العقود، فقد وقع لأحمد من الحديث والآثار ما لم يقع للشافعي، وقد صح نظر الشافعي حين قال لأحمد هو ومن معه من أهل الحديث: "أنتم أعلم بالحديث والأخبار مني فإن كان صحيحا فأعلموني".
سار الإمام أحمد في أكثر اجتهاده على طريق الإمام الشافعي، حتى لقد رفض الإمام الطبري اعتبار ابن حنبل فقيها أو مجتهدا، وعده متبعا وراوية للحديث ومقلدا! .. وقد خوطب الإمام أحمد في التزامه طريق الشافعي فقال: "لم نكن نعرف الخصوص ولا العموم حتى ورد الشافعي، وكان الفقه قفلا ففتحه الشافعي. وهو فيلسوف في أربع في اللغة واختلاف الناس والمعاني والفقه".
تابع الإمام أحمد طريقه: فهو يجيب على المسائل، ويعلم التفسير والحديث، ويرجع ما جمع من الأحاديث ويراجع ما جمع من الأحاديث، وفي مراجعاته لما حفظ وجمع من أحاديث، حذف كل ما حفظه عن عالم ذي مكانة من أهل الحديث، لأنه شتم معاوية بن أبي سفيان وأرسل إليه أحمد بذلك .. فعجب المحدث لأنه يعرف أن أحمد بن حنبل يرى معاوية من أهل البغي امتحن ببغيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه!!
إن أحمد وصاحبه حفظا الأحاديث معا من شيخهما عبد الرازق في اليمن، ولقد سمعاه معا يشتم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه .. وعثمان افضل من معاوية!! .. وإذن فما ينبغي لابن حنبل، أن يروي الأحاديث الكثار التي حفظها عن شيخهما عبد الرازق! أرس المحدث إلى صاحبه أحمد يذكره بذلك لكه! ..
فلم يشأ الإمام أحمد أن يحاور صاحبه، فقد شغله فقهه، واستنفره غلبة أصحاب الكلام على قصر الخليفة وعلى الحياة الفكرية، فشدد النكير عليهم، وشرع يهاجمهم في حلقاته العامة بالمسجد، وأخذ يحذر منهم طلابه ومريدي حلقته قائلا: "لا نكاد نرى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه رغل (أي فساد)". ولم يتهيب أصحاب الكلام هجوم أحمد، بل مضوا يحاجون في القضية التي كانت تضنيهم منذ زمن بعيد وهي قضية خلق القرآن.
والقضية ليست بنت العصر .. ولكن أصحاب الكلام من المعتزلة أثاروها من قبل في عصر بني أمية، وأصابهم منها عنت شديد وعذاب عظيم! فقد بدأ المعتزلة في حكم هشام بن عبد الملك يتكلمون في حرية الاختيار وفي البيعة والشورى، فهزموا أركان السلطان! ..
ثم تكلموا في خلق القرآن. فانتهز الحاكمون الفرصة، واتهموا أصحاب هذا الرأي بالكفر .. ولم يجادلوهم في غيره من الآراء. وقبضت الدولة على أول من قال بهذا الرأي وهو "الجعد بن درهم". فحبس وعذب في فجر عيد الأضحى .. وخطب والي العراق في الناس العيد وقال في آخر خطبته: "انصرفوا وضحوا تقبل الله منكم، فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد ابن درهم". ونزل من على المنبر فذبح الجعد كما تذبح الأضحية!!
ثم إن حكام بني أمية طاردوا المعتزلة والمتكلمين بتهمة الكفر، وأثاروا عليهم العامة، حتى جاء وقت لم يستطع فيه مفكر منهم أن يجهر بفكره .. ولكن هذا الفكر استعرونما تحت المطاردة والاستبداد، كما عاش وميض نار الثورة على بني أمية تحت الرماد، حتى أصبح له ضرام، وقوده جثث وهام! ..
وإذ سقطت دولة بني أمية وخلفها بنو العباس، ظهر المعتزلة بفكرهم واهتموا أكثر ما اهتموا بالقضية التي ذبح أول من أثارها والتي لاقوا النكال في سبيلها وهي قضية خلق القرآن!. وكان بوسع الإمام أحمد أن يشهر بهؤلاء، فقد دعي إلى عشاء عند أحدهم ووجد في داره كثيرا من الفقهاء يشربون وقد بلغ بهم السكر مبلغه .. وأمامهم ترقص الإماء ويغنين عاريات، فخرج أحمد من المكان، وعندما سئل من غده عما رأى لم يقل شيئا، وقيل له أن مخالفيه كانوا سكارى، لم ينطق ذلك أنه وهب نفسه للعلم ونأى بنفسه عن السياسة، وأخذ الخصوم بعوراتهم!
ولكنه ما كان يستطيع أن يبعد .. فالسياسة هي فن الحياة وهي "ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي. وعلوم الدين ترسم ملامح المجتمع الذي أراده الشارع الحكيم بما نفهمه من روح النصوص. فسر الإمام أحمد قوله تعالى في سورة النور: "وأتوهم من مال الله الذي أتاكم" بقوله تعالى في سورة الحديد: "آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا له أجر كبير".
فالأغنياء مستخلفون فيما يملكون ولا ينبغي أن يقول الواحد منهم "هذا ملكي" بل عليه أن يقول: "هذا ملك الله عندي" .. وإذن فللمال وظيفة اجتماعية ، وإنفاق المال للصالح العام واجب شرعي، جعله الله جزاء من الإيمان .. من أجل ذلك حرم الله الربا، واعتبر المرابين كفارا، وحرم الرشوة: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون، وحرم كل أنواع الكسب بلا عمل، وحرم الوساطة في التجارة والصفقات (أي السمسرة). أو العمولة بلغة العصر!
ثم إن الإمام أحمد أخذ يعلم الآلاف الذين يرتادون حلقته أن الذين يستغلون مواقعهم ليكسبوا بغير الحق لهم الويل كل الويل وكان أنذرهم بذلك من قبل، فرفضوا قوله لأنهم حبسوه من اجتهاده، ولكنه روى حديثا صحيحا قوي الإسناد محقق الثبوت..: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه أحد الولاة فقسم ما جمع من مال قسمين ثم قال للنبي عليه الصلاة والسلام: هذا لكم وهذا أهدي إلى فغضب النبي وقال يخطب في الناس (أما بعد... فإني استعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه أهديت إلى. فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدي إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد فيه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، وكان أبو ذر الغفاري حاضرا فقال للرجل: لا تحزن. إن الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يسعى من لا يقين له. اذهب اعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم.
وروى أحمد عن السلف الصالح أن عمر بن الخطاب خصص أرضا إلى جوار المدينة، جعل كلأها لماشية الفقراء وحرمها على أنعام الأغنياء وقال: "إن تهلك ماشية الغني يرجع إلى ماله وإن تهلك ماشية الفقير يأتني بأولاده متضورا طالبا الذهب والفضة، فبذل العشب اليوم أيسر علي من بذل الذهب والفضة يومئذ". ثم أخرج الإمام الأحاديث الشريفة التي تأثم الاحتفاظ بالمال وفي الأمة فقيرا.
وتحرز في رواية آثار علي بن أبي طالب التي تحكي عن جهاده في إعادة توزيع ثروة الأمة، وأخذ ما فاض عن حاجة الأغنياء ورده على الفقراء .. تحرز الإمام أحمد في ضرب الأمثال بسيرة علي بن أبي طالب عندما كان أميرا للمؤمنين، وفي اختياره لدار الخلافة بيتا في الكوفة هو من أدنى بيوت الفقراء، ليضرب الأمثال لأولياء الأمر في عصره ومن بعده .. تحرج الإمام أحمد من الحديث عن سيرة الإمام علي لكيلا يجدوا عليه سبيلا فيتهموا أحمد ابن حنبل شيخ أهل السنة بأنه شيعي .. ويثور عليه أمراء البيت العباسي الحاكم!..
وعلى الرغم من تحرزه، أوغرت فتاواه وآراؤه صدور هؤلاء الحكام .. وتربصوا به، وزعموا أنه بما يفسر من آيات، وبما يخرج من أحاديث، وبما يرى من آثار الصحابة، إنما يثير الفقراء ضد الأغنياء، ويهين الصوفية ويحرض العامة على الخاصة!!. وأغروا به بعض المنافقين ليجرحوه! .. ولكنهم ما كانوا لينالوا منه .. فقد عرف الناس من هو الإمام أحمد!! .. وما يزال في أعماق أحمد جراح من قصة الفتاة التي كانت تبحث عن القوت في مزبلة قومها، وعلى مقربة منها ينثر الدر والذهب لتمشي عليه المحظيات .. وعلماء يمجدون الفقر ويدعون إليه الأمة!!
ثم جاء عصر المأمون..
وقد استولى المأمون على الحكم بعد معركة مريرة مع أخيه الأمين. ذلك أن الرشيد استخلف ابنه الأمين، وهو ابنه من زوجته العباسية بنت عمه زبيدة، وأوصى بولاية العهد من بعد الأمين للمأمون، وهو ابن الرشيد من جارية فارسية. ولم يكد الأمين يتولى الخلافة، حتى عزل أخاه المأمون من ولاية العهد مستنهضا التعصب العربي ضد الموالي ومنهم الفرس. وأيد الأمين في هذا عدد من فقهاء بغداد من أهل السنة .. إلا أحمد ابن حنبل شيخ أهل السنة، فقد كان لا يعني بغير العلم!
وخرج المأمون على أخيه الأمين بالسيف، وغلبه، وقتل الأمين، وأصبح المأمون هو أمير المؤمنين. وكان الأمين والمأمون على طرفي نقيض: فالأمين يعتمد على نسبه الهاشمي أبا وأما، فحسبه هذا النسب!. أما المأمون فقد عرف أنه يجب أن يعتز بنفسه لا بنسبه، ومن أجل ذلك حرص على أن يتعلم ويتثقف، وقد كان معلمه يضربه وهو صغير فلا يشكو، على نقيض الأمين الذي كان مدللا من معلمه ومن الحاشية، لاحظ له من الثقافة، ولا هم له إلا التوفر على المتاع الذي تقدمه له حاشيته! ..
كان المأمون واسع الثقافة، يولع بالفقه وآداب اللغة والفلسفة وعلوم الطبيعة والطب والفلك والرياضيات .. ويدرس معطيات كل الثقافات .. فشجع على نقلها إلى العربية عندما أصبح خليفة..
ونظر المأمون في أمر الدولة فوجد أن الصراع يكاد يمزقها: صراع بين العلويين والعباسيين، وبين أصحاب الفرق من أهل السنة، وأهل الرأي، والمعتزلة وغيرهم من الفرق .. ووجد أن بعض أفراد أهل البيت المالك يشتطون في ظلم الرعية مهددين كل شيء، فيعشق أحد كبارهم امرأة حسناء متزوجة، ويحاول، تطليقها وحين يرفض زوجها أن يطلقها، يرسل الهاشمي الكبير من يخفونها من زوجها عنوة، ويغتصبونها قبل أن يهدوها إليه!
ويعجب رجل آخر منهم بغلام مليح فيخطفه من أبيه وأمه، ويضعه أمامه على الحصان ويطير به إلى بيته! .. وهذان الرجلان من أهل البيت المالك العباسي يصنعان هاتين الفاحشتين بامرأة وغلام من أهل مكة والمدينة ولا يجدان أدنى مقاومة! .. أما بغداد . فما أبشع ما يغشاها من فساد .. وإلى جوار هذا كله ينتفض فكر عظيم يعيشه فقهاء البلاد، ومثقفون شرفاء يعانون من غاشية الظلم والفحشاء! ..
والدولة تتسع، وقد خلف هارون الرشيد ملكا عظيما ضم أكثر بلاد الدنيا، حتى أصبح الرجل في أي مكان في العالم لا يعتبر مثقفا أو متحضرا، إلا إذا أتقن اللغة العربية..! ثم إن المظالم التي كابدا الناس فجرت الثورات، فقامت في أطراف الدولة ثورات تطالب بالمساواة في كل شيء وتطرفت حتى طالبت بشيوع النساء!! كما حدث في الأطراف الشرقية، وقامت ثورات أخرى تطالب باحترام تعاليم الإسلام كثورة أهل مصر!!
والخلافات الفقهية والفكرية تستعر حتى للتحول إلى عداء! وبعض العلويين ينهضون مطالبين بحقهم في الإمامة والخلافة!. ونفر من المتشددين يقطعون الطريق على أهل البدع، ويضربون لاعبي الشطرنج، أهل الطرب، ومن يلبس الحرير أو الذهب، ويريقون الخمور، ويحطمون آلات الغناء!! كان على المأمون أن يواجه هذا كله .. وأن يرفع مظالم أسلافه من الخلفاء، وبصفة خاصة مظالم أربعة سنوات حكمها أخوه الأمين، الذي ترك أمور الدولة لحاشية فاسدة، أغرقته في الملذات، حتى لقد حارب معركته الأخيرة التي قتل فيها وهو سكران يجرع الخمر من قدح ذهبي يسع أربعة أرطال..!
ورأى المأمون أن أخطر ما يهدد الدولة هو سلطان قادة البيت العباسي .. والصراع بين العلويين والعباسيين، والخلاف بين الفرق المختلفة. أما الثورات في الأطراف، فقد أنفذ إليها جيوشا يقمعها. ثم رأى أن يوفق بين أبناء العمومة من شيعه علويين وعباسيين، فنظر فيمن يوليه العهد ليكون خليفة من بعده، فلم يجد أحكم ولا أتقى من الإمام علي بن موسى وهو إمام الشيعة.
وأخذ يضرب رؤوس الفساد في البيت المالك العباسي ممن يخطفون الزوجات والغلمان ويستغلون قرابتهم من السلطان لابتزاز الأموال، أو لإرهاب الناس. وأمر بأن يغلي السواد من أعلام الدولة وهو شعار العباسيين، ليحل بدلا منه اللون الأخضر شعار العلويين. وحاول أن يرد بعض أموال الأغنياء إلى الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات..
وثار عله العباسيون وأغنياء الدولة واجتمعوا في بغداد، وكان هو ما يزال بعيدا عنها، فخلعوه وأفتى عدد كبير من فقهاء السنة بأن المأمون خارج على الإسلام، وبايعوا بدلا منه إبراهيم بن المهدي وهو أحد كبار المغنين والمحنين. وبايعه الذين كانوا يكسرون آلات الغناء، ويضربون المغنين والمغنيات!! وزحف المأمون على بغداد، وحين أوشكت أن تستسلم، اختفى إبراهيم ابن المهدي، وتسلل إليه الذين خلعوه نم قبل، فبايعوه! ودخل المأمون بغداد، فخضع له الجميع! وعفا عنهم إلا قليلا منهم، قتلهم وصلبهم على أبواب بغداد مدينة السلام!
وكان ولي عهده علي بن موسى، قد مات من قبل فجأة في ظروف مشبوهة! .. وقيل إن أعداء الشيعة دسوا له السم في الطعام!. أما أحمد بن حنبل فقد ظل بعيدا عن كل هذا المضطرب، مشغول القلب بعلمه وفقه، لا يراه الناس إلا في حلقته يعلم الناس ويجيب على المسائل. وحين دخل المأمون بغداد واستقر بها، أسرع بترجمة كل ما لم يترجم بعد من الثقافات والحضارات الأخرى ورصد لذلك أموالا طائلة، واستعان بمثقفين مسيحيين ويهود. وإذ أمر بترجمة ما عند اليونان والمصريين، واتهموه بأنه يروج للوثنية، ففي ذلك التراث الحضاري كلام عن الآلهة المتعددين..!
من أجل ذلك توقف المأمون عن ترجمة المسرح المصري والأدب المصري القديم، فضاعت آثاره، إذ لم يجد من يترجمه من بعد. وتوقف عن ترجمة المسرح اليوناني والأدب اليوناني، ولكن هذا التراث وجد من الأوربيين من ينقله عبر الأجيال .. كان نفر من أهل السنة في بغداد يلعنون الفلسفة والمنطق، وكل ما لم يعرفه السلم من معارف وعلوم .. ولكن المأمون شجع هذه العلوم والمعارف، ومنح تلاميذ جابر بن حيان تلميذ الإمام الصادق كل ما يريدون من أموال ومعامل ليطوروا علم الكيمياء.
واعتبر بعض أهل السنة هذا العلم شعوذة وبدعة، وشجعهم على ذلك أن نفرا من المشتغلين بالكيمياء، أخذوا يعملون لتحويل بعض المعادن الخسيسة إلى الذهب النفيس..! ثم إن الصراع احتدم حول خلق القرآن بين المعتزلة وأهل السنة. وما كان الإمام أحمد بن حنبل على صلة بكل هذا المضطرب، واكتفى بأن يحض الناس على أن يهتموا من الدين بما فيه نفع للناس، وبما يقيم المجتمع الأمثل.

.../...









عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 30 : 07 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
وجد المأمون أن الفتنة توشك أن تنفجر بين أهل السنة والمعتزلة، وكان هو نفسه يدين بآراء المعتزلة، وبصفة خاصة بطرائقهم الفلسفية وباستخدامهم المنطق في مجادلة الملحدين والزنادقة .. وكان راعيا لأصحاب الفلسفة، مؤمنا إيمانا عميقا بأن القرآن مخلوق، وبأن الجدل وسيلة صالحة للوصول إلى الحقيقة. واصطنع لنفسه أعوانا من الجانبين .. فجعل الرجل الأول في قصره من كبار أهل السنة، وهو يحيى بن أكثم، وقرب إليه في الوقت نفسه عددا من مفكري المعتزلة على رأسهم الجاحظ شيخ كتاب ذلك الزمان، وأحمد بن أبي دؤاد شيخ المعتزلة.
ولكن أحمد بن أبي دؤاد كان عنيفا على أهل السنة، يتهمهم بالكفر لأنهم ينكرون خلق القرآن. فإن لم يكن القرآن مخلوقا وكان قديما فهو إذن شريك الله تعالى في القدم .. وهذا شرك! أما المعتزلة فكانوا يرون أن الله كل شيء فالقرآن عن الأشياء التي خلقها الله تعالى .. وحاول أحمد بن دؤاد أن يقنع المأمون بقهر مخالفيه على اعتناق رأيه، ولكنه أبى ذلك فالمأمون يرى أن غلبة الحجة خير من غلبة القوة .. فالقوة تزول، أما الحجة فباقية ما بقى العقل.
وجمع المأمون أربعين من المفكرين والقضاة والعلماء والفقهاء فتناظروا عنه، غير أنهم لم ينتهوا إلى اتفاق! .. لم يشهد أحمد بن حنبل هذا الاجتماع، وإذ كان لا يغشى مجالس الحكام، ولا يقبل عطاءهم، مهما تكن شدة حاجته .. كان مشغولا عن كل هذا بما هو فيه من تدريس وعلم وجمع للأحاديث. ثم إن رأيه معروف لا يجادل فيه بعد .. فقد نهى عن الخوض فيما لم يخض فيه السلف والسلف لم، يخوضوا في خلق القرآن .. ولقد أعلن أكثر من مرة: "ما أفلح صاحب كلام".
بعد المناظرة خرج أهل السنة يهاجمون أصحاب الكلام في الحلقات، ويتهمون من يقولون بخلق القرآن بأنهم كفار .. أو بالقليل أصحاب بدعة!! ولم يستطع يحيى بن أكثم وهو من شيوخ أهل السنة أن يسكت أصحابه، فعرضوا بالمأمون نفسه! وشجع انشغال المأمون بالخلافات الداخلية جيوش الروم فهددت أطراف الدولة، فخرج المأمون بالخلافات الداخلية جيوش الروم فهددت أطراف الدولة، فخرج المأمون بجيشه مجاهدا، وأخذ معه الجاحظ وأحمد ابن دؤاد مستشاره الأول ..
وحين استقر الخليفة على رأس جيشه في طرطوس، داهمه المرض، فانتهز أحمد بن أبي دؤاد الفرصة وأنبأه أن أهل السنة في بغداد قد انتهزوا فرصة غيابه ومرضه ليشعلوا الفتنة ضده، فهم يكفرون من يقول إن القرآن مخلوق وعلى رأسهم الخليفة..!!
وإذن فالخليفة مطالب بأن يصنع شيئا لإنقاذ الدولة! وأمر الخليفة بأن يتولى أحمد بن دؤاد عنه أمر الذين يكفرون من يقول بخلق القرآن .. فأرسل إلى نائب الخليفة في بغداد بأن يجمع كل الفقهاء والعلماء والقضاء وأهل الرأي ليمتحنهم في خلق القرآن. فمن أنكر خلق القرآن فليعزل من منصبه، ولينذر من ليس في منصب منهم أنه لن يتولى منصبا أبداً، ولن تقبل له شهادة، وليأمر القضاة منهم بأن يمتحنوا الشهود في خلق القرآن، فمن خالف رأي الخليفة فلا تقبل شهادته .. وسمى له أسماء من يجب أن يمتحنهم وفيهم أحمد بن حنبل!
ورفضوا جميعا القول بخلق القرآن.
فأرسل الخليفة يطلب سبعة منهم، فأجابوه إلى ما أراد، فأعادهم إلى بغداد، طلب إعلان اعترافهم، وطلب إعادة سؤال الباقين في بغداد. وجاء نائب الخليفة بهؤلاء .. فمنهم من أبى الخوض في الموضوع كالإمام أحمد بن حنبل، ومنهم من قال إن الرأي ما يراه الخليفة، ومنهم من أنكر خلق القرآن، ومنهم من أقر بأن القرآن مخلوق .. وأرسل نائب الخليفة في بغداد إلى أحمد بن دؤاد بما حدث .. فأرسل أحمد ابن أبي دؤاد باسم المأمون رسالة طويلة، يسب فيها الجميع ويتهمهم بالرشوة والفساد، والسرقة، والنفاق والتظاهر وحب الرياسة .. لم يترك أحدا منهم إلا الإمام أحمد بن حنبل، فقد اتهمه بالجهل!.
ثم إنه أمر نائب الخليفة بأن يهددهم بالقتل، إذا لم يوافقوا على أن القرآن مخلوق .. فمن وافق منهم فليشهر أمره في الناس، ومن لم يوافق فليرسله في الأصفاد والأغلال إلى أمير المؤمنين!. وأمير المؤمنين إذ ذاك قد ثقل عليه المرض .. فقد اشتهى رطبا غسله في ماء جدول بارد، فأصابته حمى زادته مرضا على مرض، حتى كان يفقد الوعي فترات طويلة، ولم ينفعه طب!
قال أحمد بن حنبل حين سئل أول الأمر عن القرآن: "هو كلام الله". فسأله نائب الخليفة أمخلوق هو؟ قال: "هو كلام الله لا أزيد عليها". وسئل ما معنى "سميع بصير، أهو سميع من أذن يبصر عن عين؟" قال الإمام أحمد: "ما أدري، هو كما وصف نفسه" .. دعا نائب الخليفة كل العلماء والفقهاء والقضاة، وعرض عليهم رسالة أحمد بن دؤاد التي يهددهم فيها الخليفة بالقتل إن لم يوافقوا على أن القرآن مخلوق ..
وأحضرهم جميعا فإذا بهم كلهم يجيبون بأن القرآن مخلوق..! وكان الإمام أحمد رجلا لينا، فلما سمع العلماء يجيبون، انتفخت أوداجه، واحمرت عيناه، وذهب ذلك اللين الذي كان فيه ..
وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "سيصيبك بعدي بلاء شديد" فقال أبو ذر: "أفي الله يا رسول الله؟" قال: "نعم" "فاغرورقت عينا أبي ذر، وأدرك أنه من أهل الجنة!!
اغرورقت عينا الإمام أحمد .. ورفض الإذعان. وتابعه تلميذ له من جيرانه، وهو طالب علم شاب، رقيق الحال اسمه محمد بن نوح. وإذ رأى الحاضرون أن جميع الفقهاء والعلماء والقضاة في العراق قد وافقا أحمد بن أبي دؤاد على رأيه قال قائل منهم للإمام أحمد: "ألا ترى أن الباطل ظهر على الحق؟" قال الإمام أحمد: "كلا. إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحق".
وضعت الأغلال والأصفاد على الإمام أحمد، وتلميذه الشاب محمد ابن نوح .. وحملا معا في دابة واحدة، وسيقا من بغداد إلى طرطوس!!. وانتشر الخبر في كل أنحاء العراق. وسخط الناس على المعاملة التي يلقاها الإمام أحمد حتى إذا كان في بعض الطريق قابله رجل فقال له: "يا هذا .. ما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة!" .. ثم قابله أعرابي فقال له: "إن يقتلك الحق مت شهيدا، وإن عشت عشت حميدا" ..
تسامح الناس بما كانوا من أمر الإمام أحمد .. وتناقلت خبره الركبان إلى خارج العراق، فغضب له حتى الذين ليسوا على رأيه وما لقيه أحد إلا قوى قلبه وشد أزره. وشرد أحمد بن حنبل وهو يعاني فوق مركب خشن تحت الأغلال، وتساءل لماذا يمتحنه الخليفة المأمون بخلق القرآن؟! إنه يمتحن الذين يتولون مناصب في الدولة كالقضاة، والذين ينالون عطائه .. والإمام لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
لقد جمع العلماء للمناظرة في هذا الأمر وهو في بغداد منذ ست سنين .. فما باله الآن بعد أن ترك بغداد مجاهدا في سبيل الله يمتحن العلماء؟! .. وما باله لا يسير على سنة أبيه هارون الرشيد الذي أنذر زعيم المعتزلة في زمانه بالقتل، إن هو جاهر بأن القرآن مخلوق، وشغل الناس بهذه القالة؟! ..
ما بال المأمون يخالف نهج أبيه، ويخالف نفسه، ويعدل عن المناظرة إلى التهديد بالقتل؟!. ماذا حدث ليتغير المأمون؟! .. ولماذا يزج بالإمام أحمد في هذه الفتنة؟!.
الذي حدث أن أحمد بن أبي دؤاد زعيم المعتزلة، قد أصبح صاحب الرأي، وله الأمر؟! وأحمد بن دؤاد هذا لن يستريح حتى يرى كل الرؤوس كرأسه .. وبصفة خاصة رأس الإمام أحمد الذي يتعذب بعفته وشموخه المنافقون! كان ابن دؤاد يلهث لينال منصبا عند المأمون، وأحمد بن حنبل رفض منصب قاضي اليمن ليسير على قدميه من بغداد إلى صنعاء ويطلب الحديث ويعمل حمالا في الطريق، ونساجا للسرويل ونساخا بصنعاء ليوفر لنفسه النفقة!! ثم إن أحمد بن أبي دؤاد ينحني متقبلا لعطاء الخليفة، وأحمد بن حنبل يأباه!
وفي حلقات المسجد الجامع ببغداد يجتمع الآلاف حول الإمام في حلقته، أما ابن أبي دؤاد فلا يجرؤ أحمد على الجلوس في حلقته ولم يكتمل لحلقته قط عشرة من طلاب العلم وأصحاب المسائل!!. فإذلال الإمام أحمد هو عزاء ابن دؤاد عما يتردى فيه من هوان! ولكن الجاحظ وهو أعظم المفكرين والكتاب في عصره، يقيم مع الخليفة هناك .. فما بال الجاحظ لا يعظ الخليفة؟!.
من الحق أن الجاحظ سخر بعدد من العلماء المتزمتين من أجل السنة، وجعلهم هزأة، وأسماهم الحمقى من معلمي الصبية، ذلك أنهم اتهموه بالزندقة افتراء عليه، ولكن الجاحظ يعرف قدر الإمام أحمد بن حنبل، فما باله يترك المأمون يطلب مثول أحمد أمامه وهو في الأصفاد! كان المأمون نفسه قبل أن يمرض كان قد دخله شيء من بعض أهلس السنة، وكان الإمام أحمد إماما لأهل السنة، فمواقفهم وأقوالهم تحسب عليه على الرغم من شقائه بهم وبعده عنهم..!
فهذا النفر من علماء أهل السنة قد سكتوا عن المظالم من قبل، وشغبوا على أهل الغناء ولاعبي الشطرنج في بغداد، ثم بايعوا زعيم أهل الغناء إبراهيم المهدي أمير للمؤمنين بدلا من المأمون ثم أنهم أهدروا دم المأمون!! حتى إذا غلب المأمون، تسللوا إليه وهو على أبواب بغداد، ينافقون ويبايعونه، سارين في الليل أو سارين في النهار! ثم إنهم أنكروا عليه اهتمامه بالفلسفة والعلوم وحرضوا عليه العامة في بغداد، لأنهم يخالفونه في القول بخلق القرآن! وهاهم أولاء بعد أن هددهم يذعنون له، ويقول قائلهم: "ما تعلمنا العلم والفقه والدين إلا من أمير المؤمنين، ويهدرون في ذلك آراءهم وكرامتهم نفسها!!
ولكن الإمام أحمد بن حنبل طراز آخر من الرجال! وهو أشد الناس ضيقا بهذا النفر وإنكارا لهم وإزراء عليهم .. إلا أنه لا يتبع عورات الآخرين!! ولقد اعتزلهم حين عاتبوه، وواجههم على الرغم من لينه بأنهم قوم لا يحسنون إلا الغيبة والمراءاة والكذب والنفاق، وأن انصرافه عنهم إلى العلم هو العمل الصالح الذي يليق بالأتقياء! .. ألأن المأمون كان يعفهم شدد عليهم النكير، فاعترفوا، فأعلن على الناس عيوبهم؟!.!
لقد أذاع المأمون على الأمة ما صح عنده من مطاعن على هذا النفر من الفقهاء: الفساد، والرشوة والنفاق والتصاغر، والحقد والوشاية إلى مثالب أخرى غليظة ذكرها الطبري بالتفصيل فيما كتب عن أحداث سنة 218 هـ؟! .. ربما..!! ثم .. لماذا يقترف المأمون هذا البغي، وهو يجاهد في سبيل الله، وأحمد ابن حنبل يدعو المسلمين إلى نصرته؟! أيمكن أن تزدهر حضارة كل هذا الازدهار وتتألق فيها عقول المفكرين والعلماء وحرية الفكر على الرغم من ذلك تنتهك؟!
لعل ابن أبي دؤاد يريد أن يقنع الناس أن كل العلماء والفقهاء، يجب أن ينحنوا، بما أنه هو نفسه قد انحنى!! .. ولكن الإمام أحمد بن حنبل، كان يدرك أنه مسئول أمام الله عن الدفاع عما يؤمن بأنه حق، فإن مات في سبيله فهو شهيد. إنه لا يعرف أن المأمون لا يأخذ بالوشاية وهو يعتبر الأخذ بالوشاية أظلم من الواشي، فما خطبه معه؟ .. وهو يعرف أن المأمون لا يشتم أحدا، فكيف طعن في كل فقهاء السنة أبشع مطاعن!؟! إنه إذن لتأثير خارق على المأمون يمارسه بن أبي دؤاد! ..
وقد ظلت الحادثات طوال رحلة الضنى من بغداد إلى طرطوس، تلح على أحمد وتواجهه بأنه مسئول عن الحقيقة .. فإن تخلى عنها لحظة، انهار كل شيء في أعماق الناس!! وهكذا سار الإمام أحمد بروح شهيد!. سيناضل عما يؤمن به، لكيلا تسقط رايات الحقيقة، ولكي تظل الفضيلة شامخة أبدا!.
أما لمشفقون على الإمام أحمد، فقد نصحوه بأن يستجيب تقية .. ولكنه رأى أن التقية في موقف كهذا لا تجوز، أيقول غير ما يراه؟ ماذا يتقي؟! .. أهو الحكم بموته؟ إنه سيموت في يوم ما ولكن الناس؟ .. لعلهم سيعتنقون الرأي الخطأ، ويبقى هو مسئولا أمام الله عن تضليلهم!
بل لا تجوز التقية إلا في زمن غاشم يعلم الناس في الحقيقة، فلا يضللهم قول أو سكوت .. أما هذا الزمان فهو زمن يعدل فيه الخليفة، ويخرج فيه مجاهدا أعداء الإسلام .. والحقيقة في حاجة إلى رماة بواسل، وإلى شموع تحترق لتضئ الظلمات .. وإلا تخبط الجاهلون في عشوات الضلال.
لقد أذعن كل الفقهاء والعلماء إلا اثنين .. هو وتلميذه محمد بن نوح .. وبالأمس كان معهما اثنان آخران .. ولكن مس الحديد وثقل الأغلال، وإهانات الأوغاد، ثقلت عليهما .. فأجابا فيما دعيا إليه، فأطلق سراحهما. وسير الإمام أحمد ابن السادسة والخمسين، وتلميذه الشاب محمد ابن نوح في الأغلال والأصفاد، تحت الإهانة، وهما على بعير واحد إلى آخر الأرض..!
وسأله رجل في الطريق وقد رأى ضعف جسمه: "أإن عرضت على السيف تجيب؟" قال: "لا". فقال الرجل: "الله اكبر .. هذا هو الإمام أحمد". وألح الشعور بالمسئولية على الإمام أحمد .. وكان جلدا، ألف مشقات الأسفار، أما تلميذه الشاب فلم يحتمل المشقة، وأنهكه ما عاناه، فاعتل .. وما كان محمد بن نوح ليمتحن لولا أنه تلميذ الإمام أحمد وجاره .. كم من الناس يعذبون من أجلك يا أحمد؟!! ولكنه بلاء في الله يا أحمد!! بلاء في الله شديد!!
حتى إذا كانا في خان على الطريق، قابل أحد رواد حلقته أحد رواد حلقته في بغداد، وكان عزيزا لديه .. فقال له الإمام أحمد: "لقد تنيت" .. فقال الرجل: "ليس هذا عناء يا إمام .. أنت اليوم رأس الناس، والناس يقتدون بك". وأطرق الإمام أحمد وهو يتأوه .. أواه .. هنا العبرة يا بني .. أنا المسئول عن موقف الناس!!
وأضاف الرجل: "فوالله لئن أجبت بخلق القرآن، ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله". وهز الإمام أحمد رأسه وما تزال الدموع تبلل لحيته .. والرجل مستمر في قوله: "إن الخليفة إن لم يقتلك فأنت تموت، ولابد من الموت، فاتق الله ولا تجبهم بشيء." .. وارتفع صوت الإمام أحمد من خلال الدموع: "ما شاء الله ما شاء الله". ثم قال: "أعد علي ما قلت" فأعاد الرجل .. وهبت على الإمام أحمد نسمة من الرضاء بقضاء الله، جففت الدموع التي بللت لحيته فانطلق صوته الندي: "ما شاء الله ما شاء الله" .. وطابت نفسه بما كان قد صمم عليه .. ألا يجيب المأمون إلى ما يدعو إليه!!
واقترب الإمام وتلميذه محمد من طرطوس .. فإذا برجل يقبل إلى أحمد متهللا: "البشرى! لقد مات المأمون". كان أحمد قد دعها الله ألا يرى المأمون!! .. فلم يره قط! وأعيد أحمد وتلميذه محمد بن نوح إلى بغداد، وترفق رجال الشرطة بهما في الطريق، فما يدرون ما يكون شأن الإمام أحمد مع الخليفة الجديد؟! ربما أكرمه فباءوا هم بغضب الخليفة الجديد!.
وأحسنوا إلى الإمام أحمد وتلميذه محمد بن نوح .. ولكن محمد بن نوح الذي أضناه السفر تضعضع وخارت قواه، وعكف عليه أمامه يعالجه بلا جدوى، فقد نفد الزيت من المصباح، وحم القضاء .. وأمسك المناضل الشاب بيد أستاذ قائلا: "الله الله !! إنك لست مثلي. إنما أنت إمام يقتدي به، وقد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله".
وسقط ميتا!!!
وما وعظ تلميذ أستاذ كما صنع محمد بن نوح مع الإمام أحمد بن حنبل..! ولكنه مات شهيدا دفاعا عما يؤمن به .. وبكاه الإمام أحمد أحر بكاء وصلى عليه .. وقال عنه: "ما رأيت أحدا على حداثة سنه وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح". عهد المأمون لأخيه المعتصم ـ وهو ابن جارية تركية ـ فتولى الأمر وكان المعتصم قوي الجسم حتى ليحمل حديدا يزن ألف رطل ويسير به خطوات! وكان على هذه القوة والبسطة في الجسم قليل الحظ من الثقافة .. حتى لقد أقصاه أبوه هارون الرشيد!
ولكن المأمون رأى أن جهاد أعداء الدولة يحتاج إلى رجل سيف في قوة المعتصم وحزمه وشدته، أوصاه بالإبقاء على ابن أبي دؤاد فترك له المعتصم شئون الدولة فأدارها الوزير على هواه .. أما المعتصم فوهب نفسه للحرب .. وكان أحمد بن أبي دؤاد حسن التأني حلو الحديث بارع النفاق، وكان على دراية بشيء من أخبار الأولين، وبأطراف من الثقافة لا يعرفها المعتصم، فاستطاع أن يستولي على عقل الخليفة، واستصدر أمرا بحبس أحمد بن حنبل في السجن الكبير ببغداد، وانشغل الخليفة المعتصم بتوطيد أركان الدولة فولى الأتراك مع أخواله.
وفي أول حكمه توالت أحداث غريبة ومبالغة: مات الإمام محمد الجواد فجأة كما ذهب من قبله إمام الشيعة أبوه الإمام علي بن موسى بن جعفر الصادق في ظروف مريبة .. ثم اتهم العباس بن المأمون بالتآمر على عمه المعتصم فقتل!
وفي السجن ترك الإمام أحمد شهورا تحت الأصفاد شهورا طوالا، ودسوا إليه خلالها عليه من يزينون له الاعتراف بخلق القرآن! .. وعادوا يذكرونه بجواز أن يقول المؤمن غير ما يؤمن به أو يسكت على ما ينكره من باب التقية فقال لهم: "إذا سكت العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يظهر الحق؟. إن من كان قبلكم كان أحدهم ينشر بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه". دسوا عليه أكثر الناس تأثيرا عليه وأقرب الناس إليه: عمه!! ولكن بلا جدوى!

.../...









عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 31 : 07 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
ثم عادوا يخوفونه بالتعذيب والضرب بالسياط .. وأنس إلى جار له بالسجن فقال له: ما أبالي بالحبس وما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلا بالسيف، وإنما أخاف فتنة السوط وأخاف ألا أصبر". فقال له جاره السجين: "لا عليك. فما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي". ومرت الشهور بعد الشهور والإمام أحمد في حبسه بين الترغيب والترهيب .. واحبه من في السجن، فأحاطوا به يلقون عليه المسائل فيجيب ويعلمهم مما علم رشدا .. وأكبره الجميع في السجن حتى السجانون.
أما خارج السجن، فقد كانت بغداد تموج بالسخط، على من سجنوا الإمام أحمد!. وتصاعدت نفثات التلاميذ والاتباع ورواد الحلقة، استنكارا لما حدث لإمامهم!. أما زملاؤه من العلماء والفقهاء الذين أجابوا المأمون لما أراد، فقد أسرعوا إلى مصانعة المعتصم، وكانوا يتمنون في أعماقهم أن يسقط الإمام أحمد كما سقطوا..! فلماذا يظل هو وحده دونهم نظيف الصفحات نقي السيرة مرتفع الهامة؟! وإن بعضهم على الرغم من كل شيء ليعاني من تأنيب الضمير .. وأرسل إليه أحد المعجبين به وهو شيخ في نحو التسعين ومن يقول له: "اثبت فقد حدثنا الليث بن سعد عن ..
عن أبي هريرة: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرادكم على معصية الله فلا تطيعوه"
وانشرحت نفس الإمام أحمد، فهاهو ذا شيخ في التسعين يرسل إليه يشد أزره لا يبالي بحديث شريف لم يعرفه من قبل! فقام في السجن يؤذن بالصلاة وعرف ابن أبي دؤاد أن خصمه قد فتن كل من في السجن: المسجونين وحتى السجانين!! فأمر بنقله إلى سجن خاص في قبو بدار والي بغداد، ليكون وحده. وضاعفوا له القيود والأغلال وأقاموا عليه سجانين من شذاذ الخلق، من مماليك أتراك، فيهم الغلظة والغباء، والجهل باللغة العربية فلا يفهمون ما يريد إن هو طلب منهم شيئا: ماء أو نحوه!
وأرسلوا إليه من الفقهاء من يناظره، ولكنه لم يزد على ما قاله من قبل، وظل يرفض القول بخلق القرآن. ثم حملوه إلى دار الخلافة وهو يرسف في أغلال وقيود وسلاسل يكاد يسقط من تحتها..! .. فقد كانوا كلما مر عليه يوم، زادوا عليه في ثقل الحديد! وكان الوزير وقاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد قد أرسل إلى كل ولاة الأمصار باسم المعتصم يأمرهم أن يمتحنوا العلماء والقضاة والفقهاء في خلق القرآن، فمن أنكر منهم، حمل في الأصفاد مهانا إلى دار الخلافة ببغداد ..
ومثل أحمد أمام الخليفة وحوله حشد من العلماء والفقهاء المنافقين وابن أبي دؤاد .. وإذ بالإمام أحمد يرى في الأصفاد صديقا له من مصر، درس معه على الشافعي في مكة وبغداد .. وهو الآن فقيه عالم تقي مسموع الكلمة في مصر .. وقد سحبوه في سلاسل الحديث لأنه رفض القول بخلق القرآن! .. وكان أحمد منهكا مما عاناه، ولكنه حين شاهد صديقه الفقيه المصري تهلل قائلا: "أي شيء تحفظ عن أستاذنا الشافعي في المسح على الحفين عند الوضوء؟!" وانفجر ابن أبي دؤاد محنقا: "انظروا رجلا هو ذا يقدم لضرب العنق يناظر في الفقه؟!".
بدأ الخليفة يحاكم أحمد بن حنبل.
يحكي الإمام أحمد ما جرى في هذه المحاكمة: (قال المعتصم لأحمد بن أبي دؤاد: "أدنه" فلم يزل يدنيني حتى قربت منه. ثم قال: "أجلس". وقد أثقلتني الأقياد. فمكثت قليلا. ثم قلت: "تأذن لي في الكلام؟" فقال: "تكلم". فقلت: "إلام دعا الله ورسوله؟." قال المعتصم: "شهادة ألا إله إلا الله." فقلت: "فأنا أشهد أن لا إله إلا الله". ثم روى الإمام أحمد أن المعتصم قال له أنه لو لم يجده في يد من قبله لما عرض له. ثم سأل أحدا ممن كانوا حوله: "ألم آمرك برفع المحنة؟!". وأمر الفقهاء الموجودين فناظروا الإمام أحمد في خلق القرآن.
قالوا له: "ما تقول في القرآن" ما تقول في علم الله عز وجل فسكت، فقال بعضهم: "أليس قد قال الله عز وجل
{ٱللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}( الرعد ،الآية : 16 )
والقرآن أليس هو بشيء؟" فرد الإمام أحمد: "قال تعالى:
أفدمرت إلا ما أراد الله عز وجل؟ والله تعالى لم يسم كلامه في القرآن شيئا. يقول الله تعالى:
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (الأحقاف ، الآية : 24 )
فالقول ليس الشيء ولكن الشيء هو الذي يقول له الله. ويقول تعالى:
{ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً}(يس ، الآية : 82 )
فالشيء ليس أمره وإنما هو ما يأمره .. وقال له بعضهم في الأثر "إن الله خلق الذكر أي القرآن". قال هذا خطأ. حدثنا غير واحد إن الله كتب (لا خلق) الذكر.
واحتجوا عليه بما رواه ابن مسعود: "ما خلق الله عز وجل من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي" فقال أحمد: "إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على القرآن. وكان أحمد بن أبي دؤاد أقنع المعتصم نم قبل، أن من رفض القول بخلق القرآن لا يحق له أن يجلس للناس، ليحدثهم أو ليفتيهم، في جامع أو في داره أو في أي مكان، بل هو مخالف للإسلام، يجعل القرآن قديما كالله تعالى، فهو مشرك يحل دمه!! وما عاد في أهل السنة بالعراق من يرفض الاعتراف بخلق القرآن إلا إمامهم أحمد بن حنبل وهو يزنهم جميعا!!
وكان الخليفة المعتصم لقلة حظه من العلم لا يريد أن يخوض في المسألة كلها، فكان يقول كلما اتهموا الإمام أحمد بن حنبل بالكفر: "ناظروه، ناظروه". فوثب أحمد بن أبي دؤاد مغيظا: "يا أمير المؤمنين هو والله ضال مضل مبتدع." وتتابع الفقهاء الحاضرون يشتمون الإمام أحمد بن حنبل فلم يعبأ الخليفة بهم وقال لهم: "ناظروه".
وكانوا كلهم قد ناظروه .. فاقبل ابن أبي دؤاد يناظره.
فلم يلتفت إليه الإمام أحمد.
فسأله الخليفة: "ألا تكلمه؟" فقال أحمد: "لا أعرفه من أهل العلم فأناظره .." ثم استطرد: "يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل". فاقبل الخليفة يغري الإمام أحمد ويقول له: "والله إني عليه لشفيق. "ثم قال للحاضرين" والله إن أجابني لأطلقن عنه يدي ولأركبن إليه بجندي.
فلم يزد جواب أحمد على أن قال: "أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل" .. وقال الخليفة لأحمد: "ما أعرفك" فقال أحد الفقهاء الحاضرين وقد أنبه ضميره: "يا أمير المؤمنين. أعرفه منذ ثلاثين سنة يرى طاعتكم والحج والجهاد معكم." فقال المعتصم: "والله إنه لعالم وإنه لعالم وإنه لفقيه. وما يسوءني أن يكون مثله معي يرد عني أهل الشرك.
ثم قال: "يا أحمد أجبني إلى شيء فيه أدني فرج لك، حتى أطلق عنك يدي" فقال أحمد: "أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل." ولم يزد على ذلك!
وقام الخليفة مهموما، وأعيد أحمد إلى السجن وأرسلوا إليه من يناظره في السجن وينذره: "أن أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس. ويقول إن أجابني أحمد أطلقت عنه يدي."
فلم يجبه أحمد..!
وفي اليوم التالي أعيد أحمد إلى مجلس الخليفة المعتصم، وكان الوقت رمضان .. وأحمد قائم ليله صائم نهاره .. وقد أوشك الخليفة أن يطلقه لتهدأ عنه الثورة التي أوشكت أن تنفجر في بغداد غضبا للإمام أحمد.
فقال ابن أبي دؤاد: "يا أمير المؤمنين أن العامة تصدقه .. والعامة تقول أن أحمد بن حنبل قد دعا على المأمون فمات، إن العامة وهم حشو الأمة يصدقونه ويتبعونه بالحق والباطل. فإن تركته شجعت عليك العامة وخالفت مذهب المأمون، فيقول العامة أن أحمد غلب الخليفتين".
واستفز هذا الكلام المعتصم فقال: "ناظروه لآخر مرة". وناظروا أحمد في خلق القرآن وفي رؤية الله تعالى فاحتج عليهم بحديث صحيح: "أما أنكم سترون الله ربكم كما ترون هذا البدر "(وكان الرسول مع صحبه في ليلة البدر)! وشك ابن أبي دؤاد في صحة الحديث، فأكد الإمام أحمد صحة الحديث واستشهد بفقيه فقير، مشهور بالأمانة والعفة، يحسن رواية الأحاديث .. ولكنه كان فقيرا جهد الفقر لا يملك قوت يومه، وقد اعتزل الناس، واختفى طوال أيام الامتحان بخلق القرآن، فتركوه. وأسرع إليه بن أبي دؤاد وقد عرف من الجواسيس أين يختفي وسأله عن حاله، فلم يجد معه درهما .. وسأله عن الحديث الذي رواه أحمد في المناظرة أمام المعتصم .. فقال الرجل أنه حديث صحيح .. وألح عليه أن يكذب الحديث وقال أن مجلس الخليفة منعقد وهو ينتظر الجواب، والخليفة في حاجة إلى من يكذب هذا الحديث .. ثم أضاف .. هذه حاجة الدهر .. وأعطاه عشرة آلاف درهم، ومازال يلح حتى قال الرجل: "في الإسناد من لا يعول عليه"!
وأسرع به ابن أبي دؤاد يروي ما سمعه على الخليفة في المجلس!! ودمعت عينا أحمد أسفا على المحدث الفقير الذي انهار أمام الحاجة!! وأرجعوا أحمد إلى السجن .. ليعودوا به في اليوم التالي إلى دار الخلافة، فيمروا به على قاعات عديدة حشد فيها سجانون وسيافون غلاظ .. عسى أن يرهبه المنظر .. ويغريه الخليفة الآخر مرة، فيأبى أن يقر بخلق القرآن فيصرخ فيه الخليفة: "عليك اللعن خذوه واسجنوه".
فأخذوا الإمام فعلقوه، وظلوا يضربونه ويقولون له: "أجب" فلا يجب. صبرا يا أحمد .. إنه بلاء في الله شديد.!
واشتد به الوجع واللظى وهو صائم .. وأغمى عليه .. حتى إذا أفاق جاءوه بماء ليشرب. فقال: "لا أفطر".
وطرحوه على وجهه وداسوه بالنعال .. حتى أغمى عليه .. ورأوا دماءه تسيل فملئوا منه رعبا! وعندما أفاق أحمد، أخذ ينظر إليهم بلا اكتراث، ولكنها نظرات يخالجها الازدراء!! ويقول أحد الذين شاهدوا تعذيبه: "ما كنا في عينه إلا كأمثال الذباب". ومن خارج دار الخلافة، اجتمع الآلاف من محبيه وتلاميذه، حتى الذين لا يرون رأيه كانوا ينكرون في صراخ غاضب ما يحدث له. وتعالى هدير الاحتجاج والاستنكار .. وأغراه أحد الحاضرين أن يعترف لينجو من العذاب ويخرج إلى محبيه فقال: اقتل نفسي ولا اقتل هؤلاء جميعا".
ودخل أحد الفقهاء داره على بناته، فوجدهن يبكين ويطالبنه أن يذهب إلى المعتصم مستشفعا للإفراج عن أحمد بن حنبل .. وقال البنات لأبيهن: "أدركوا ابن حنبل قبل أن يضعف من التعذيب. فلأن يرسل إلينا نعي أبينا أهون علينا من أن نسمع أن أحمد بن حنبل قد أذعن!!". ووقف أحد الفقهاء بباب المعتصم يصرخ "أيضرب سيدنا؟! أيضرب سيدنا!؟ لا صبر لنا"وانفجرت الهتافات تلعن ابن أبي دؤاد والمعتصم نفسه! وأوشكت الثورة أن تشغل في بغداد، وكان المعتصم يعد العدة لجهاد الروم .. فلعن الجميع، وأمر أن يعفوه من كل هذا ليفرغ هو للحرب.
وأطلق سراح الإمام أحمد ..
وأعيد إلى بيته يعالج جراحه، ولزم داره مريضا منهكا .. وقيل له: سيعذب الله المعتصم فيك لأنه ضربك وأنت ساجد .. فذكر لهم قول الله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله". وعندما علم أن المعتصم خرج ليحارب الروم فانتصر وفتح عمورية، فرح الإمام أحمد وقال!! عفا الله عنه بما جاهد في سبيله".
وقد عوتب الجاحظ عن موقفه من محنة أحمد فقال: "لو كان كل كشف هتكا، وكل امتحان تجسسا، لكان القاضي أهتك الناس لستر، وأشد الناس تتبعا لعورة". وكان تعليق أحمد على قوله الجاحظ: "عفا الله عنه". لقد ظل أحمد في سجن المعتصم نحو عامين ونصف عام، يضرب بالسياط ويعذب بالسيف، ويوطأ بالأقدام عندما يسجد في الصلاة .. ويغرونه خلال هذا التعذيب بكل طيبات الحياة إن هو .. عدل عن رأيه، وهو يهمهم لنفسه: إنه لبلاء في الله شديد.
وبعد أن شفي أحمد من آثار التعذيب، خرج إلى حلقته، فاستقبلته بغداد استقبال الفاتحين .. ولم يستطع أحد أن يمنع الناس عنه .. وعاد يحدثهم ويعلمهم كما عودهم من قبل. حتى إذا مات المعتصم، وتولى الواثق، حاول أن يسير سيرة المأمون .. وجمع إليه أهل العلم والفلسفة، وحفلت مجالسه بمناظرات علمية وفقهية خصبة .. وناظر هو نفسه في الطب والكيمياء والفلك والرياضيات. وكان مجلسه يجمع المثقفين من جميع الديانات.
ولقد حاولوا أن يغروا الواثق بالإمام أحمد ولكنه سئم هذا الأمر، وخشي الثورة، ورأى أن يترك الناس على آرائهم .. ثم أن القول بخلق القرآن صار مادة لعبث ظرفاء العصر، فقد دخل على الواثق أحدهم يقول به: "عظم الله أجركم في القرآن. فإن القرآن قد مات!". فنهره الخليفة الواثق قائلا: "ويلك! القرآن يموت؟" قال: "يا أمير المؤمنين ألستم تقولون إن القرآن مخلوق؟ فكل مخلوق يموت! فبم يصلي الناس التراويح؟". فضحك الواثق وقال: "قاتلك الله أمسك". حقا لقد سئم الناس، وسئم الحكام .. إلا أن ابن أبي دؤاد .. فمازال بالخليفة حتى استدعى الإمام أحمد فقال له: "لا تجمعن إليك أحدا ولا تساكني في بلد أنا فيه".
فاختفى الإمام أحمد، وحمل إلى الواثق فقيه من الأمصار اشتد في الهجوم على من يقولون بخلق القرآن .. وكان الرجل في الأصفاد، فأمره الخليفة أن يناظر ابن أبي دؤاد .. فقال الرجل: "شيء لم يدع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء الراشدون من بعده وأنت تدعو الناس إليه، ليس يخلو من أن تقول علموه أو جهلوه. فإن قلت علموه وسكتوا عنه، وسعني وإياك من السكوت ما وسع القوم. وإن قلت جهلوه وعلمته أنت، فيا لكع أين لكع، أيجهل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون، وتعلم أنت!!". فوثب الواثق من مجلسه، وهو يردد كلام الرجل ضاحكا، وأمر بإطلاق سراح الراجل. ولم يعد الواثق إلى امتحان في خلق القرآن .. وانصرف إلى الحرب حتى مات ..
ومات الواثق وتولى ابنه المتوكل .. فاحسن إلى الإمام أحمد وحاول أن يصله بالمال .. ولكن الإمام أحمد ظل على عهده يرفض العطاء. على أنه رخص لأولاده في قبول عطاء الخليفة، وظل يعلم الناس حتى بلغ السابعة والسبعين، فمرض واشتد به المرض، وكان قد أصبح في عصره أوحد عصره حقا .. وقد ألف كبار رجال الدولة أن يخوضوا الطين إلى بيته الواقع في شارع ضيق مترب، موفدين من الخليفة يطلبون منه الرأي. وما كان يبخل بالرأي .. وقال عنه المتوكل: "لو نشر أبي المعتصم وقال فيه شيئا لم أقبله..".
ولم يطل المرض بالإمام أحمد بن حنبل .. فمات بعد أن ترك ثروة ضخمة من الأحاديث والفقه، وهو يوصي اتباعه وأصحابه أن يدعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويذكرهم بأن الله تعالى قال لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا" .. فالقول اللين واجب في الدعوة .. على أن اتباعه اشتدوا على الناس حين أزعجوهم وجعلوا الأجيال تنسب إلى الإمام ما ليس فيه..!
ولقد أمر المتوكل بالضرب على أيدي اتباع الإمام أحمد حين هاجموا أهل البدع من أصحاب الغناء والطرب ولاعبي الشطرنج .. وحين أفسدوا ملابس النساء بالحبر .. وكان الإمام أحمد قد رخص بهذا للسلطان إن خرج النساء متعطرات متزينات .. وكان النساء قد زحمن شوارع بغداد بملابس وعطور تثير الفتنة .. وملأن ليلها بالمغامرة!! فانتزع اتباع ابن حنبل سلطة الخليفة، وأخذوا لهم يعاقبون الناس .. فأمر الخليفة بأخذ اتباع الإمام أحمد بالشدة، وزج بهم في السجن، ولكنه قال في الإمام أحمد: "لقد عرف الله لأحمد صبره وبلاءه ورفع علمه أيام حياته وبعد موته. وأنا أظن أن الله تعالى يعطي أحمد ثواب الصديقين." ..
على أن الإمام أحمد تدبر قبل موته رأيه في خلق القرآن.
فذهب إلى أن من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، وزعم أنه غير مخلوق فهو مبتدع .. فالقرآن بحروفه ومعانيه هو كلام الله غير مخلوق، وهو من علم الله، وعلمه غير خلقه، فالقرآن غير مخلوق، ولكنه حادث بحدوث التكلم ..
والأمر كله لا يستحق المحنة التي سقط بسببها شهداء كمحمد بن نوح، والبويطي الفقيه المصري تلميذ الشافعي، ونال بسببها بعض الفقهاء والعلماء تشهيرا أزرى بهم في عيون الناس، ونال فيها الإمام أحمد أبلغ الأذى .. فالقول بخلق القرآن أو عدم خلقه لا يحقق شيئا من مصالح العباد، ولا يقيم المجتمع الأمثل الذي هو هدف الشريعة!! على أن الإمام أحمد نال بسبب هذا الأذى مكانة كبيرة، فقد كان مثالا خارقا لصاحب الرأي الذي يناضل في سبيل رأيه .. فأكبره الذين يوافقونه والذين يخالفونه على السواء .. إلا الذين في قلوبهم مرض!
ومهما يكن من أمر، فقد واجه عصرا تشيع فيه البدع، فواجهه بالتشدد في الأخذ بالسنة في العقائد والعبادات. وهو عصر يطرح على العقل مستحدثات الأمور، فواجهه الإمام أحمد بالتيسير على الناس في المعاملات. وبهذا حض على الاجتهاد وحذر من التقليد. ولكن مناصريه من أهل السنة ضيقوا على الناس. ثم جاء من بعده اتباع أساءوا إليه، فافترى عليه التزمت، والتضييق وكل ما عاشه يناضل ضده!
وجاء آخرون اجتهدوا على طريقته وتمسكوا بالسنة في مواجهة البدع .. واتخذوا مثله مواقف صلبه فيما يعتقدون أنه الحق .. فأصابهم في ذلك بلاء شديد. ومن الإنصاف للإمام أحمد بن حنبل أن ينزهه الناس بما صنعه بعض الأراذل من اتباعه في العصور المتأخرة. فلا ينسب التزمت وضيق الأفق إلى هذا الإمام العظيم .. الذي كان متبعا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سماحة الخلق، ولين الجانب، والقول الحسن، والبر والورع والتقوى ونصرة المظلوم.
من الظلم أن يطلق على المتنطعين والجامدين وعلى كل فظ غليظ القلب: اسم الحنابلة .. فقد كان الإمام أحمد داعيا إلى الحركة، ومواجهة كل عصر بأحكام جديدة يقاس فيها على روح الشريعة، ويؤخذ بمقاصدها العامة .. وكان عدوا للتقليد والجمود، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، متبعا للسنة في كل شيء حتى في أخص دقائق الحياة ..
لقد ماتت أول زوجة للإمام أحمد وهو في الستين، فتزوج بعدها بأيام لأنه علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم منذ تزوج لم يعش بلا زوجة .. وماتت الثانية وهو في السبعين، فتزوج بعدها بأيام من جارية له .. ثم أنه تعلم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل يجب ألا يعيش بلا امرأة!! وقد أصابه ابن أبي دؤاد بأبلغ الأذى، ولكنه عفا عنه بعد أن خرج من المحنة، ولم يسمح لأحد أن يجرحه أمامه، وبكى الإمام أحمد عندما علم أن ابن أبي دؤاد فجع بفقد ولده!! ..
ودعا الإمام أحمد لكل الخلفاء الذين أساءوا إليه ذلك أنهم جاهدوا في سبيل الله!. وحض اتباعه على تأييدهم .. لقد كان الإمام أحمد يعلم الناس قول الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما جاء إلا ليتمم وليكمل مكارم الأخلاق .. من أجل ذلك احترم الإمام أحمد أهل الديانات السماوية التي سبقت الإسلام، لأن الرسالة المحمدية، ما جاءت إلا مكملة لها .. وأخذ نفسه وأصحابه بمكارم الأخلاق .. وعلم الناس أن هدف الشرائع جميعا ه العدل لقوله تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط".
ومن أجل ذلك طالب أهل الشرائع جميعا أن يسيروا في الناس بالعدل، وأن يناضلوا دفاعا عن العدل، فهو قوام الحياة وضمان الحرية، وحصن الإنسان. والإمام أحمد بن حنبل على الرغم من كل خلاف معه، إمام قد أغنى الفقه، ونفع الناس، وأقام السنة وردع البدع .. ولئن أساء إليه بعض اتباعه، فافترى عليه ما هو برئ منه، إنه سيظل بنصاعة سيرته، وصلابة اتباعه للسنة، علما من أعلام الفقه الإسلامي، ودعوة مستمرة إلى التجديد أخطأ أم أصاب ..
إنه واحد من أولئك العلماء العظام الذين اجتهدوا بعد عصر الصحابة والتابعين، واختلفوا في مناهجهم، فمنهم من خرج بسيفه على الحاكم الظالم كما صنع الإمام زيد بن علي .. ومنهم من دعا إلى إعمال العقل، وحض على التفكير في خلق السماوات والأرض، واستعمل معطيات العلوم والمعارف الكونية للاستدلال على حقائق الدين، كما صنع الإمام جعفر الصادق مع فهم دقيق معجز للقرآن والسنة ومقاصد الشريعة والعمل على تطبيق مبادئها في الحياة اليومية، حتى لقد رفض الخلافة ليتفرغ للعلم والفقه!
ومنهم من اتجه إلى الأخذ بالرأي وتوسع فيه وأفاد من النظر العقلي كالإمام أبي حنيفة النعمان، الذي لزم الإمام جعفر الصادق سنتين تعلم فيهما الكثير، وإن اختلفا من بعد، حتى قال أبو حنيفة النعمان "لولا السنتان لهلك النعمان". ومنهم من عول على الحديث وحده، ووجد في عمل أهل مدينة رسول الله أخذا بسنة رسول ثم اجتهد فتوسع في الأخذ بالمصلحة على خلاف غيره، كالإمام مالك بن أنس.
ومنهم من اتخذ منهجا وسطا بين الرأي والحديث في استنباط الأحكام وجعل سيرته الخاصة مثلا للبر والتقوى ولسماحة الإسلام وحضه على العدل والإحسان كالإمام الليث بن سعد إمام أهل مصر، حتى لقد كان يأتيه خراج ضيعة له بالفرما (بورسعيد الحالية وما حولها) فلا يمسه بل يضعه في صرر، ويجلس على باب داره ذات العشرين بابا ليوزعه على المحتاجين صرة بعد صرة، ويحسن إلى أقباط مصر اتباعا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فيتخذ منهم الأصدقاء، ويحضهم على نقل ثقافة مصر إلى اللغة العربية، ثم يشتري بيتا من واحد منهم لحاجته إليه، فإذا علم أن صاحب البيت باعه لأنه محتاج بكى وترك له البيت والثمن، وأجرى عليه رزقا!. ثم أعلن في الناس أن ولي الأمر آثم إن ترك أحدا في دار الإسلام له حاجة!! ثم يستنبط من منهجه الوسط بين الرأي والسنة قواعد للمعاملات تقيم العدل بين الناس ..
ومن هؤلاء الأئمة العظام محسن زاهد عبد الله المبارك يترك الحج، ويتصدق بكل ما حمل من مال وزاد لفتاة حسناء تبحث عن وقتها وسط المزابل، خشية أن يغريها الشيطان بالبحث عن الطعام في وحل الخطيئة..!.
ومنهم من وضع أصول الفقه وحمل بين جنبيه معطيات السنة والرأي جميعا، وصحح مفاهيم الناس عن السنة والرأي، وجادل أهل الزيغ بمنطق العصر كما فعل الإمام الشافعي.
عاشوا كلهم في سنوات متقاربة، بفكر خصب، كحلقات ذهبية نادرة في سلسلة نورانية .. عاشوا كلهم خلال قرن واحد من الزمان، في أواخر العصر الأموي وأواسط العباسي، وعرفوا البلاء والمحنة فما وهنوا، وما نزلوا عن رأي، وما أحنوا رأسا، بل كانوا كمعدن الحديد تزيده النار صلابة، وكالذهب يكسبه اللهيب نقاء..! ..
ويالله كم نفتقدهم في مثل هذا الزمان!!
ومهما تختلف آراء هؤلاء الأئمة العظام فيما بينهم، فقد احتفظ كل واحد منهم باحترامه لصاحبه أو لمن سبقه، وبفضيلة العرفان .. فكانوا مثالا في أدب الخلاف .. كما كانوا بحق منارات! كلهم جاهد الظلم والقهر، ودافع عن حق الإنسان في الحرية والعدل والسعادة والحياة الكريمة الفاضلة .. وكلهم قاوم قاذورات عصره: من النفاق، والكذب، والزيف والاستغلال!
ومهما نختلف نحن معهم اليوم، فينبغي علينا أن نذكر لهم أنهم سلف صالح أغنوا الحياة الفكرية والفقهية باجتهاداتهم الخصبة، وينبغي علينا أن نتخذهم مثلا رائعة لما ينبغي أن يكون عليه رجل العلم والفقه والفكر .. ذلك أنهم ناضلوا بفكرهم الثري والرائد، ليحققوا المجتمع الذي أرادته الشريعة، وليجعلوا الإنسان على الصورة التي أرادها له الله تعالى حين قال لنبيه الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } ( القلم ، الآية : 4 ).

المصدر.









عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 33 : 07 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 26028
عدد المشاركات : 10,740
بمعدل : 2.00 يوميا
عدد المواضيع : 3463
عدد الردود : 7277
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
سيرة الإمام أحمد بن حنبل


وقفات وعبر وعجائب



اسمه ومولده :



ــ هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، أصله من البصرة ، ولد عام ( 164 ) هـ ، في بغداد وتوفي والده وهو صغير ، فنشأ يتيماً ، وتولَّت رعايته أمه .


وقفة : اليتيم قد يكون ناجـحـاً في حياته :


ــ نشأ الإمام أحمد ــ رحمه الله في طلب العلم ، وبدأ في طلب الحديث وعمرهُ خمس عشرة سنة ، ورحل للعلم وعمرهُ عشرون سنة ، والـتقى بعدد من العلماء منهم : الشافعي في مكة ، ويحيى القطَّان ، ويزيد بن هارون في البصرة .
ورحل من العراق إلى اليمن مع يحيى بن مُعين ، فلمَّا وصلا إلى مكة وجدا عبد الرزاق الصنعاني أحد العلماء في اليمن ، فقال يحيى بن معين يا إمام أحمد : نحنُ الآن وجدنا الإمام ، ليس هناك ضرورة في أن نذهب إلى اليمن ، فقال الإمام أحمد : أنا نويت أن أُسافر إلى اليمن ، ثم رجع عبد الرزاق إلى اليمن ولَحِقـا به إلى اليمن ، وبَقِيَ الإمام أحمد في اليمن عشرة أشهر ، ثم رجع مشياً على الأقدام إلى العراق .


فلمَّا رجع رأوا عليه آثار التعب والسفر فقالوا له : ما الذي أصابك ؟ فقال الإمام أحمد : يهون هذا فيما استفدنا من عبد الرزاق .


* مِنْ عُلوا الهمَّـة عند الإمام أحمد وهو صغير ، يقول : ربما أردتُ الذهاب مبكراً في طلب الحديث قبل صلاة الفجر ، فتأخذ أمي بثوبي وتقول : حتى يؤذِّن المؤذِّن .


ثـناءالعلمـاء على الإمـام أحمـد :


* قال عبد الرزاق شيخ الإمام أحمد : ما رأيت أحداً أفْـقَـه ولا أوْرع من أحمد.
* قالوا : إذا رأيتَ الرجل يحبُ الإمام أحمد فاعلم أنَّـه صاحب سنة .
* قال الشافعي وهو من شيوخ الإمام أحمد : خرجتُ من بغداد فما خلَّفتُ بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفْـقَـه من أحمد بن حنبل.
* قال يحيى بن معين : أراد الناس أن يكونوا مثـل أحمد بن حنبل ! لا والله، ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ، ولا على طريقة أحمد .


* كان الإمام أحمد يحفظ ( ألف ألف ) حديث ، يعني ( مليون ) حديث .
أي مجموع الروايات والأسانيد والطرق للأحاديث .
* مِنْ حِفْـظِ الإمام أحمد للحديث كان يقول لابنـه : اقرأ عليَّ الحديث وأُخبركُ بالسند ، أو اقرأ عليَّ الإسناد لأخبرك بالحديث .


عِفَّـة الإمـام أحمـد :
* لمَّا رحل لطلب العلم لم يكن لديه مال، فـكان يحمل البضائع على الجمال وعلى الحمير فيأخذ من هذا درهم ومن هذا درهم ، فيعيش بهذه الدراهم ، وفي الصباح يطلب العلم حتى يستغني عن سؤال الناس .


كان الإمـام أحمد يكره الشُهرة والثناء :


* دخل عليه عمُّـهُ وكان الإمام أحمد حزين ، فقال عمُّـهُ : ماذا بك ؟ فقال الإمام أحمد : طُوبى لِمَنْ أخْمَد الله ذكره ، يعني من لم يكن مشهوراً ، ولا يعلم به إلاَّ اللـه .


* وقال أيضاً : أريدُ أنْ أكونَ في شِعْبِ مكـة حتى لا أُعْـرَفْ .
* وكان إذا أراد أنْ يمشي يكره أن يتبعه أحدٌ من الناس .
العمل بالعلم :


* قال الإمام أحمد ما كتبتُ حديثـ اًإلاَّ وقد عملتُ بـه , حتى أنَّ النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ احْـتَـجَـمَ وأعطى الحجَّامَ أجره ، فاحْـتَـجَـمَ الإمام أحمد وأعطى الحجَّام أجره .



أخلاق الإمـام أحمـد وآدابه :


* كان يحضر مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف طالب ، ( 5000 ) كانوا يكـتبون العلم ، والبقية ينظرون إلى أدبه وأخلاقه وسَمْتِـهِ .


* قال يحيى بن معين :
ما رأيتُ مثـل أحمد ، صحبناه خمسين سنة فما افـتخر علينا بشيء ممَّا كان فيه من الخير .
* كان الإمام أحمد مائلاً إلى الفقـراء ، وكان فيه حِلْمْ ، ولم يكن بالعجول ، وكان كثير التواضع ، وكانت تعلوه السكينة والوقار .
* قال رجل للإمام أحمد : جزاك الله عن الإسلام خيراً ، فقال الإمام أحمد : بل جزاء الله الإسلام عني خيراً ، مَنْ أنا ؟ وما أنا ؟
* كان الإمام أحمد شديد الحياء ، وأكرم الناس ، وأحسنهم عِشْرةً وأدباً ، لمْ يُسمع عنه إلاَّ المُذاكرة للحديث ، وذِكْر الصالحين ، وكان عليه وقارٌ وسكينة ، ولفْـظٌ حَسَنْ .


عبادة الإمـام أحمـد بن حنبل :


* كان يُصلِّي في اليوم والليلة ( 300 ) ركعـة ، فلمَّا سُجِنَ وضُرِبْ أصْـبَحَ لا يستطيع أنْ يُصلِّي إلاَّ ( 150 ) ركعة فـقـط .
* كان يَـخْـتِمُ القرآن كُلَّ أُسبوع .
* قال أحدُهُمْ : كُنْتُ أعرفُ أحمد بن حنبل وهو غُـلام كان يُحيي الليل بالصلاة .
* كان مِنْ عِبادته وزُهده وخوفه ،إذا ذَكَـرَ الموت خَـنَـقَـتْـهُ العَبْرة .
* كان يقول : الخوف يمنعني الطعام والشراب ، وإذا ذكرتُ الموت هانَ عليَّ كُلُّ أمْـرِ الدنيا .
* كان يصوم الإثـنين والخميس والأيام البيض ، فلمَّا رَجَعَ مِنْ السجن مُجْهَداً أَدْمَنَ الصيام حتى مات .
* حَجَّ على قَدَميـه مرتين .
* في مَرَضِ الموت بَالَ دَمَـاً كثيراً ، فقال الطبيب المُشْرف عليه : هذا رجُـلٌ قد فَـتَّتَ الخوف قلبـه .


أخبـار منوعـة في سيـرته :


* قابل الإمام أحمد بن حنبل أحدْ أبناء الإمام الشافعي فقال الإمام أحمد لابن الشافعي : أبُوكَ مِنَ السِّـتة الذينَ أدْعُـوا لهم في السَّحَـرْ .
* قيل للإمام أحمد :
كَمْ يكْفي الرجل حتى يُـفْـتِي ؟ مئـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : مائـتا ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : ثـلاثمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : أربعمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : خمسمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : أَرْجُـو .


حياته الزوجية :


تزوَّجَ وعُمْـرهُ أربعون سنة ، يقول عن زوجـتـه : مكـثـنا عِشرينَ سنة ما اختلفنا في كلمةٍ واحدة .


الفتنة التي تعرَّضَ لها الإمـام أحمـد :


لمَّا دعا المأمون الناس إلى القول بخلق القرآن ، أجابه أكثر العلماء والقضاة مُكْرهين ، واستمر الإمام أحمد ونفرٌ قليل على حمل راية السنة ، والدفاع عن معتقد أهل السنة والجماعة .
قال أبو جعفرالأنباري : لمَّا حُمِلَ الإمام أحمد بن حنبل إلى المأمون أُخْبِرتُ فعبرتُ الفُرات، فإذا هو جالس في الخان ، فسلمتُ عليه ، فقال : يا أبا جعفر تعنَّيْت ؟ فقلتُ : ليس هذا عناء .


وقلتُ له : يا هذا أنت اليوم رأس الناس، والناس يقتدون بكم، فو الله لئن أجبتَ ليُجيبُنَّ بإجابتك خلقٌ كثير من خلقِ الله تعالى ، وإنْ أنتَ لم تُجِبْ ليمتنِعُنَّ خلقٌ مِنَ الناس كثير ، ومع هذافإنَّ الرجل إنْ لم يقتلك فإنَّك تموت ، ولابدَّ مِنْ الموت ، فاتَّـقِ الله ولا تُجيبهم إلى شيء .


فجعل أحمد يبكي ويقول : ما شاء الله ، ما شاء الله.
ثم سار أحمد إلى المأمون فبلغه توعد الخليفة له بالقتل إنْ لم يُجبه إلى القول بخلقِ القرآن ، فـتوجه الإمام أحمد بالدعاء إلى الله تعالى أنْ لا يجمع بـيـنه وبين الخليفة ، فبينما هو في الطريق قبل وصوله إلى الخليفة إذ جاءه الخبر بموت المأمون ، فَرُدَّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبِس ، ثم تولَّى الخلافة المعتصم ، فامتحن الإمام أحمد .


وكان مِنْ خبر المحنـة أنَّ المعتصم لمَّا قصد إحضار الإمام أحمد ازدحم الناس على بابه كيوم العيد ، وبُسِطَ بمجلسه بساطاً ، ونُصِبَ كرسيـاً جلس عليه ، ثم قال : أحضروا أحمد بن حنبل ، فأحضروه ، فلمَّا وقف بين يديه سَلَّمَ عليه ، فقال له : يا أحمد تكلم ولا تَـخَـفْ ، فقال الإمام أحمد : والله لقد دخلتُ عليك وما في قلبي مثـقال حـبَّـةٍ من الفزع ، فقال له المعتصم : ما تقول في القرآن ؟
فقال : كلاما لله قديم غير مخلوق ، قال الله تعالى : { وَإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ } [ التوبة : 6 ]


فقال له : عندك حجة غير هذا ؟ فقال : نعم ، قول الله تعالى : { الرَّحْمَنْ * عَلَّمَ القُرْآنْ }. [ الرحمن : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : الرحمن خلق القرآن ، وقوله تعالى : { يس * والقُـرْآنِ الْحَكِيم } [ يس : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : يس والقرآن المخلوق .
فقال المعتصم : احبسوه ، فحُبِسَ وتفرَّقَ الناس .


فلمَّا كان مِنَ الغد جلس المعتصم مجلسه على كرسيه وقال : هاتوا أحمد بن حنبل ، فاجتمع الناس، وسُمعت لهم ضجة في بغداد ، فلمَّا جيء به وقف بين يديه والسيوف قد جُردت ، والرماح قد ركزت ، والأتراس قد نُصبت ، والسياط قد طرحت ، فسأله المعتصم عمَّا يقول في القرآن ؟
قال : أقول : غير مخلوق .


وأحضر المعتصم له الفقهاء والقضاة فناظروه بحضرته في مدة ثلاثة أيام ، وهو يناظرهم ويظهر عليهم بالحُجج القاطعة ،ويقول : أنا رجـل عَلِمتُ علماً ولم أعلم فيه بهذا ، أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ حتى أقول به .
وكلما ناظروه وألزموه القول بخلق القرآن يقول لهم : كيف أقول ما لم يُقـل ؟ فقال المعتصم : قهرنا أحمد .


وكان من المتعصبين عليه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم ، وأحمد بن دُوَاد القاضي ، وبشرالمريسي ، وكانوا معتزلة قالوا بخلق القرآن ، فقال ابن دُوَاد وبشر للخليفة : اقـتله حتى نستريح منه ، هذا كافر مُضِـل .
فقال : إني عاهدتُ الله ألا أقـتله بسيف ولا آمر بقـتله بسيف ، فقالا له : اضربه بالسياط ، فقال المعتصم له : وقرابتي من رسول الله ــ صلَّى الله عليه وسلم ــ لأضربنَّك بالسياط أو تقول كما أقول ، فلم يُرهبه ذلك ، فقال المعتصم : أحضروا الجلادين ، فقال المعتصم لواحد منهم : بكم سوطٍ تـقـتله ؟
قال : بعشرة ، قال : خذه إليك ، فأُخْرِجَ الإمام أحمد من أثوابه ، وشُدَّ في يديه حبلان جديدان ، ولمَّا جيء بالسياط فنظر إليها المعتصم قال : ائـتوني بغيرها ، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فلمَّا ضُرِبَ سوطاً..
قال : بسم الله ، فلمَّا ضُرِبَ الثاني قال : لا حول ولا قوةً إلاَّ بالله ، فلمَّا ضُرِبَ الثالث قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، فلمَّا ضُرِبَ الرابع قال : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا } [ التوبة : 51 ] .


وجعل الرجل يتقدَّم إلى الإمام أحمد فيضربه سوطين ، فيحرضه المعتصم على التشديد في الضرب ، ثم يـتنحَّى ، ثم يتقدَّم الآخر فيضربه سوطين ، فلمَّا ضُرِبَ تسعة عشر سوطاً قام إليه المعتصم فقال له : يا أحمد علام تقتـل نفسك ؟ إني والله عليك لشفيق .



قال أحمد : فجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه وقال : تريد أنْ تغلب هؤلاء كلهم ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك ! الخليفة على رأسك قائم ، وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقـتله ، وجعلوا يقولون : يا أمير المؤمنين : إنه صائم وأنت في الشمس قائم ، فقال لي : ويحكي ا أحمد ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله ــ صلَّى الله عليه وسلم ــ حتى أقول به.


ثم رجع الخليفة فجلس ثم قال للجلاد : تقدمَّ ، وحَرَّضه على إيجاعه بالضرب .


قال الإمام أحمد : فذهب عقلي ، فأفقت بعد ذلك ، فإذا الأقياد قد أُطلِقت عنِّي ، فأتوني بسويق فقالوا لي : اشرب وتـقيأ ، فقلت : لستُ أُفطر ، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، فحضرتُ صلاة الظهر ، فـتقدَّم ابن سماعة فصلى ، فلمَّا انفـتل من الصلاة قال لي : صليتَ والدمُ يسيل في ثوبك ، فقلت له : قد صلَّى عمر ــ رضي الله عنه ــ وجرحه يسيل دمـاً .


ولمَّا ولِّيَ الواثق بعد المعتصم ، لم يتعرض للإمام أحمد بن حنبل في شيء إلاَّ أنَّـه بعث عليه يقول : لا تساكنِّي بأرضٍ ، وقيل : أمره أنْ لا يخرج من بيتـه ، فصار الإمام أحمد يختفي في الأماكن ، ثم صار إلى منزله فاختـفى فيه عدة أشهر إلى أنْ مات الواثق .


وبعد ذلك تولَّى الخلافة المتوكل بعد الواثق ، فقد خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد ، وطعن عليهم فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن ، ونهى عن الجدال والمناظرة في الأداء ،وعاقب عليه ، وأمر بإظهار الرواية للحديث ، فأظهر الله به السُـنَّـة ، وأمات به البدعة ، وكشف عن الخلق تلك الغُمَّـة ، وأناربه تلك الظُلمة ، وأطلق من كان اعـتُـقِـلَ بسبب القول بخلق القرآن ، ورفع المحنـة عن الناس .


* قال أحد الجلادين بعد أن تاب :
لقد ضربت الإمام أحمد ( 80 ) جلدة ، لو ضربـتُها في فيل لسقـط .


فَرَحِمَاللهُ هذا الإمام الجليل أحمد بن حنبل ، الذي ابتُـليَ بالضرَّاء فصبر ، وبالسرَّاء فشكر ، ووقف هذا الموقف الإيماني كأنـه جبلٌ شامخ ، تـتكسَّرُ عليه المِحَنْ ، وضَرَبَ لنا مثـلاً في الثبات علـى الحـق .










عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 57 : 07 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
الإمام أحمد بن حنبل (164 هـ/780 م ـ 241 هـ/855 م) هو أحد أئمة أهل السنة والجماعة.

نسبه

هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
نشأته

ولد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني في بغداد في شهر ربيع الأول سنة 164 هـ780م وتنقل بين الحجازواليمنودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".

وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا.
مذهبه

مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسك بالنص القرآني ثم بالبينة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.
  • منهجه العلمي ومميزات فقهه: اشتُهِرَ الإمام أنه محدِّث أكثر من أن يشتهر أنه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما. ومن شدة ورعه ما كان يأخذ من القياس إلا الواضح وعند الضرورة فقط وذلك لأنه كان محدِّث عصره وقد جُمِعَ له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره، فقد كتب مسنده من أصل سبعمائة وخمسين حديث، وكان لا يكتب إلا القرآن والحديث من هنا عُرِفَ فقه الإمام أحمد بأنه الفقه بالمأثور، فكان لا يفتي في مسألة إلا إن وجد لها من أفتى بها من قبل صحابياً كان أو تابعياً أو إماماً. وإذا وجد للصحابة قولين أو أكثر، اختار واحداً من هذه الأقوال وقد لا يترجَّح عنده قول صحابي على الآخر فيكون للإمام أحمد في هذه المسألة قولين.
  • وهكذا فقد تميز فقهه أنه في العبادات لا يخرج عن الأثر قيد شعرة، فليس من المعقول عنده أن يعبد أحد ربه بالقياس أو بالرأي وكان رسول اللهنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة يقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ويقول في الحج: "خذوا عني مناسككم". كان الإمام أحمد شديد الورع فيما يتعلق بالعبادات التي يعتبرها حق لله على عباده وهذا الحق لا يجوز مطلقاً أن يتساهل أو يتهاون فيه.
  • أما في المعاملات فيتميز فقهه بالسهولة والمرونة والصلاح لكل بيئة وعصر، فقد تمسَّك أحمد بنصوص الشرع التي غلب عليها التيسير لا التعسير. مثال ذلك أن الأصل في العقود عنده الإباحة ما لم يعارضها نص، بينما عند بعض الأئمة الأصل في العقود الحظر ما لم يرد على إباحتها نص.
  • وكان شديد الورع في الفتاوى وكان ينهى تلامذته أن يكتبوا عنه الأحاديث فإذا رأى أحداً يكتب عنه الفتاوى، نهاه وقال له: "لعلي أطلع فيما بعد على ما لم أطلع عليه من المعلوم فأغير فتواي فأين أجدك لأخبرك؟". من شيوخه سفيان بن عيينة والقاضي أبو يوسف ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وخلق كثير.وروى عنه من شيوخه عبد الرزاق والشافعي ومن تلاميذه البخاريومسلموأبو داود. ومن أقرانه علي بن المدينيويحيى بن معين.
محنته

مقال تفصيلي :محنة خلق القرآن
اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم. وقد رأى أحمد بن حنبل أن رأي المعتزلة يحوِّل الله إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته عملا بقوله تعالي :" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان".. وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه، لأن المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد. وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم رد الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتم تعرضه للضرب بين يديه، وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً. ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق.
وحين وصل المتوكل ابن المعتصم والأخ الأصغر للواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكن الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
مواقفه

لما كانت وقفة الإمام أحمد بن حنبل في وجه الظلم وفي وجه البدع المستحدثة التي أرادت النيل من الدين خصوصا في مسألة خلق القرآن وقفة عظيمة. وقد صمد أيضاً بالرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء. قد قال بعض الاشعار أثناء حبسه. من أشعاره وهو في السجن:
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـةمن الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُهو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـهفيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُشجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌلأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُلريحانة القرَّاء تبغون عـثـرةوكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُفيا أيها الساعي ليدرك شأوهرويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُوقد قال عنه الإمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةًوبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُوإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاًفاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُمؤلفاته

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
مخطوطة تنسب إلى ابن حنبل


مقال تفصيلي :مسند الإمام أحمدخلاصة

كان الإمام أحمد عليماً بالأحاديث الأمر الذي وفر له ثروة هائلة في العلم مكنته من الاستنباط. وقد ضيق باب القياس مما جعل الأحكام أقرب إلى مرامي الشارع ومقاصده المستوحاة من أعمال الرسول وأقواله. وكانت هناك حاجة ماسة إلى أحكامه، لأن العرب تفرقوا بين الأمصار التي فتحوها وفيها أمم وشعوب مختلفة. وقد قدّم الإمام أحمد الحديث على الرأي والقياس ولو كان ضعيفاً. كما أنه أكمل مشوار الشافعي من ناحية تعظيم دور السنة في البناء الفقهي، وكانت شخصية الإمام أحمد رمزاً للصمود والثبات على الإيمان الراسخ ورفض الأفكار الدخيلة على الإسلام والعقيدة الإسلامية.
وفاته

توفي أحمد بن حنبل يوم الجمعة12 ربيع الأول سنة 241 هـ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملؤوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.
وقد دفن أحمد بن حنبل في بغداد في جانب الكرخ قرب مدينة تسمى الكاظمية، قبره بين مقابر المسلمين وغير معروف سوى مكان المقبرة، وقيل أنه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس، وأن جميع الطوائف حزنت على موته.
انظر أيضا

لدى ويكي مصدر نص أصلي يتعلق بهذا المقال: أحمد بن حنبلوصلات خارجية
المصدر.









عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 59 : 07 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
الإمام أحمد بن حنبل
(780 ـ 855 م)
هو أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المزوزي ولد في بغداد وتنقّل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".
فهو إذن، إمام أئمة الإسلام.
وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأنّ الله جمع له علم الأوّلين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا.
مذهبه
مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.
محنته
اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم.
وقد رأى أحمد بن حنبل ان رأي المعتزلة يحوِّل الله سبحانه وتعالى إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.
وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه ، لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد.
وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه.
وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً . ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق .
وحين وصل المتوكّل ابن الواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
وفاته
توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.
وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد. وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه، وأنه كانت له كرامات كثيرة وواضحة.
فعن ابنه عبد الله، قال: رأيت أبي حرّج على النمل أن تخرج من داره، ثم رأيت النمل قد خرجت نملاً أسود، فلم أرها بعد ذلك.
وعن الإمام أبي الفرج الجوزي ، قال: لما وقع الغريق ببغداد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وغرقت كتبي ، سلم لي مجلد فيه ورقات من خط الإمام أحمد بن حنبل.
الإمام ابن حنبل بين فكّي التاريخ
كانت وقفة الإمام احمد بن حنبل في وجه الظلم وفي وجه حملة تحريف الدين الإسلامي وفي وجه هرطقة المعتزلة وتخبّطهم في علوم وخفايا الدين وقفة عظيمة. وقد صمد الإمام بالرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء.
من أشعاره وهو في السجن :
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة
من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه
فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ
لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة
وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه
رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ
وقال عنه الأمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً
وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ
وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً
فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ
مؤلفاته:
- المسند. ويحوي أكثر من أربعين ألف حديث.
- الناسخ والمنسوخ.
- العلل.
- السنن في الفقه.
خلاصة
كان الإمام أحمد عليماً بالأحاديث الأمر الذي وفّر له ثروة هائلة في العلم مكّنته من الاستنباط. وقد وسّع باب القياس مما
جعل الأحكام أقرب إلى مرامي الشارع ومقاصده المستوحاة من أعمال الرسول وأقواله. وكانت هناك حاجة ماسة إلى أحكامه، لأنّ العرب تفرّقوا بين الأمصار التي فتحوها وفيها أمم وشعوب مختلفة. وقد قدّم الإمام أحمد الحديث على الرأي والقياس ولو كان ضعيفاً . كما انه أكمل مشوار الشافعي من ناحية تعظيم دور السنة في البناء الفقهي.
وكانت شخصية الإمام أحمد رمزاً للصمود والثبات على الإيمان الراسخ ورفض الأفكار الدخيلة على الإسلام والعقيدة الإسلامية.
المصدر









عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 05 : 08 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
أحمد بن حنبل

عائض بن عبد الله القرني


للتحميل أو للاستماع اضغط هنا










عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 09 : 08 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
سيرة الإمام أحمد بن حنبل

محمد بن موسى الشريف



للتحميل أو للاستماع اضغط هنا










عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 13 : 08 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
أبو عادل
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أبو عادل


البيانات
التسجيل: 09 / 08 / 2009
العضوية: 26028
العمر: 69
المشاركات: 10,740 [+]
بمعدل : 2.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1255
نقاط التقييم: 24
أبو عادل is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو عادل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
وصف جنازة أحمد بن حنبل

مرض أحمد بن حنبل في بيته ببغداد، وسمع الناس بمرضه فأتوا من كل صوب وحدب يعودونه، وتزاحموا، ولزموا بابه، يبيتون في الشوارع حتي تعطلت الأسواق، وعجز الناس عن البيع والشراء، وكانوا يدخلون عليه أفواجًا يسلمون عليه ويخرجون، ونقلت الأخبار للخليفة المتوكل، فأرسل «قواته»، فسدت الطرقات، و«حظرت» الدخول إلي الزقاق حيث يقع بيت الإمام أحمد.

وفاضت روحه إلي خالقها، وحضر غسله مائة من بني هاشم، وخرج بنعشه ثمانمائة ألف من الرجال، وستون ألفًا من النساء، أي قرابة مليون مسلم ومسلمة يشيعونه إلي مثواه الأخير بعد أن صلّوا عليه، وراع ذلك الخليفة المتوكل... أن يكون لواحد من رعيته كل هذه الشعبية، فأمر بعض رجاله أن يمسحوا (أي يقيسوا) الموضع الذي وقف الناس فيه حيث صلّوا علي الإمام أحمد، فبلغ مقاسه ألفي ألف وخمسمائة ألف (أي مليونين وخمسمائة ألف من البشر). قال عبد الوهاب الوراق: «ما بلغنا أن جمعًا في الجاهلية، ولا في الإسلام اجتمعوا في جنازة أكثر من الجمع الذي اجتمع علي جنازة أحمد بن حنبل».
وبعد وفاته تحققت له كرامتان: الكرامة الأولي: أنه أسلم أعداد لا تحصي من غير المسلمين لما رأوا مشهد جنازته، ولم يروا ما يشبه هذا من قبل.

أما الكرامة الثانية: فإنه في حياته كان يجابه رجال السلطة، والمعارضين الحاقدين عليه بقوله: «موعدنا معكم الجنائز»، أي: سيدركنا الموت، وسترون أينا صاحب المكان الأثير في قلوب الناس، وشهدت بغداد «جنازته المليونية»، أما جنازات أعدائه فلم تكن إلا «عشرية» أو «مئوية» علي أكثر تقدير.

تقدير عدد المشيعون للجنازة

- وقد يري بعضهم انه تم المبالغة في تقدير عدد الذين صلّوا علي الإمام أحمد، وشيعوه إلي مثواه الأخير . ويتساءل: كيف يصح هذا التقدير في زمن لم يعرف الكاميرات، ولا الآليات الحاسبة
وأقول: لا تنس فراسة العربي، ومن العرب من يوصف بـ(الحزوَّر) أي الفائق في «الحزٍر» أي التقدير، وفيهم «القفّاء» أي القدير علي إتباع أو اقتفاء آثار الأقدام من بشر أو حيوان، وتبلغ دقة التقدير عند هؤلاء درجة قد تعجز عنها الآليات الحديثة ومازال «حراس الحدود» عندنا يستعينون بأمثال هؤلاء في كشف المهربين واقتفاء أثرهم.

ولكن الذي يهمني في هذا المقام أن أبرز الحقائق الآتية:
1- مصداقية شهادة عبد الوهاب الوراق ونصها «ما بلغنا أن جمعًا في الجاهلية، ولا في الإسلام اجتمعوا في جنازة أكثر من الجمع الذي اجتمع علي جنازة أحمد بن حنبل». وهناك شهادات كثيرة تشبه هذه الشهادة لا يتسع المقام لعرضها.
2- أن أعدادًا كبيرة - من غير المسلمين - اعتنقوا الإسلام بعد أن اهتزت مشاعرهم لهذه التظاهرة الربانية.
3- أن الحكام باضطهادهم لابن حنبل، وإبقائه في السجن وتعذيبه وضربه ساهموا - من حيث لا يقصدون طبعًا - في التفاف الناس حول هذا الإمام الممتحَن المظلوم، وفي زيادة شعبيته. وقد رأي بعينيه ذلك، وأحس بأن له رصيدًا ضخمًا من حب الناس، فكان يقول للحكام، وأذناب السلطة: «موعدنا معكم الجنائز».
وكل ما سبق إنما هو من كرامات هذا الإمام الصالح ساقها الله بعد موته. ومن السوابق في عهد النبي - صلي الله عليه وسلم - أن سعد بن معاذ - رضي الله عنه - لما مات - وكان رجلاً بدينًا - حمله الناس لدفنه، فوجدوا له خفة، فقال بعضهم: «ما حملنا من جنازة أخف منه وهو الرجل البدين (أي الضخم ثقيل الوزن)». فقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: «إن له حملة غيركم، والذي نفسي بيده، لقد استبشرت الملائكة بروح سعد، واهتز له العرش». فقال رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش اللهً من موت هالك

وصف ابنه للجنازة
و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : توفى أبى رحمه الله يوم الجمعة ضحوة و دفناه بعد العصر لاثنتى عشرة ليلة من ربيع الآخر سنة إحدى و أربعين و مئتين ، و صلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر غلبنا على الصلاة عليه ، و قد كنا صلينا عليه نحن و الهاشميون داخل الدار ، و كان له ثمان و سبعون سنة .
قال عبد الله : و خضب أبى رأسه و لحيته بالحناء و هو ابن ثلاث و ستين سنة .
و هكذا قال نصر بن القاسم الفرائضى ، و أبو الحسن أحمد بن عمران الشيبانى إنه مات فى ربيع الآخر .

و قال أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوى ، عن بنان بن أحمد بن أبى خالد القصبانى : حضرت الصلاة على جنازة أحمد بن حنبل يوم الجمعة سنة إحدى و أربعين و مئتين ، و كان الإمام عليه محمد بن عبد الله بن طاهر ، فأخرجت جنازة أحمد بن حنبل ، فوضعت فى صحراء أبى قيراط ، و كان الناس خلفه إلى عمارة سوق الرقيق ، فلما انقضت الصلاة ، قال محمد بن عبد الله بن طاهر : انظروا كم صلى عليه و رأى ، قال : فنظروا فكانوا ثمان مئة ألف رجل ، و ستين ألف امرأة ، و نظروا من صلى فى مسجد الرصافة العصر فكانوا نيفا و عشرين ألف رجل .
و قال جعفر بن محمد بن الحسين المعروف بالترك عن فتح بن الحجاج : سمعت فى دار الأمير أبى محمد عبد الله بن طاهر أن الأمير بعث عشرين رجلا ، فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل ، قال : فحزروا ، فبلغ ألف ألف و ثمانين ألفا .
و قال غيره : و ثلاث مئة ألف سوى من كان فى السفن فى الماء .
و قال الإمام أبو عثمان الصابونى : سمعت أبا عبد الرحمن السلمى يقول : حضرت جنازة أبى الفتح القواس الزاهد مع الشيخ أبى الحسن الدارقطنى ، فلما بلغ إلى ذلك الجمع الكبير ، أقبل علينا ، و قال : سمعت أبا سهل بن زياد القطان يقول : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبى يقول : قولوا لأهل البدع : بيننا و بينكم يوم الجنائز .

و قال عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازى : حدثنى أبو بكر محمد بن عباس المكى ، قال سمعت الوركانى جار أحمد بن حنبل قال : أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفا من اليهود و النصارى و المجوس .
قال : و سمعت الوركانى يقول يوم مات أحمد بن حنبل : وقع المأتم و النوح فى أربعة أصناف من الناس : المسلمين ، و اليهود ، و النصارى ، و المجوس .

قال أبو عبد الرحمن على أثر هذه الحكاية : إنه حزر الحزارون المصلين على جنازة أحمد ، فبلغ العدد بحزرهم ألف ألف و سبع و مئة ألف سوى الذين كانوا فى السفن .
و قال الحافظ أبو نعيم فيما أخبرنا أحمد بن أبى الخير عن أبى المكارم اللبان إذنا عن أبى على الحداد ، عنه : حدثنا أبى ، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر ، حدثنى نصر بن خزيمة ، قال : ذكر ابن مجمع بن مسلم ، قال : كان لنا جار قتل بقزوين ، فلما كان الليلة التى مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه فى صبيحتها ، فقال إنى رأيت رؤيا عجيبة ; رأيت أخى الليلة فى أحسن صورة راكبا على فرس ، فقلت له : يا أخى أليس قد قتلت ؟ فما جاء لك ؟ قال إن الله عز و جل أمر الشهداء ، و أهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل ، و كنت فيمن أمر بالحضور ، فأرخنا تلك الليلة ، فإذا أحمد بن حنبل مات فيها .
المصدر









عرض البوم صور أبو عادل   رد مع اقتباس
قديم 28 / 09 / 2010, 45 : 08 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أبو عادل المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
بارك الله فيك واثابك الجنة
وتقبل الله منك ما تقوم به وجعله فى موازين حسناتك
واسال الله ان يجملك بالصحة والعافية
ويهديك الرشد والحكمة والعلم النافع
كل شكرى وتقديرى لك
اخى الكريم









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد ملتقى السيرة النبويه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018