الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | دكتور محمد فخر الدين الرمادي | مشاركات | 70 | المشاهدات | 5499 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
16 / 09 / 2021, 31 : 10 PM | المشاركة رقم: 11 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح التفسير بالمأثور - أو التفسير النقلي - هو تفسير القرآن بما جاء في القرآن نفسه من تبيان لبعض آياته، وبما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . و قد كان هذا النوع من التفاسير أولها ظهورا كما تدرج خلال تطور هذا العلم من : - الرواية في عصر الصحابة والتابعين إلى - التدوين في القرن الثاني، لانالحديث كان أول ما اهتم العلماء بتدوينه، ثم لما انفصل التفسير عن الحديث وأفرد بتأليف خاص كان أول ما ظهر فيه : - صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ثم ظهرت أجزاء في التفسير كــ ـ - جزء أبي روق، و - أجزاء محمد بن ثور عن ابن جريج [ 1 :السيوطي،الاتقان 2 / 88 . ]، ثم ظهر التأليف الموسوعي في التفسير الذي جمع أصحابه فيه كل ما روي من التفسير المأثور كـــ - تفسير ابن جرير الطبري، و توسع أصحابها في النقل وأكثروا منه بالاسانيد المتصلة حتى استقاض . ثم وجد بعد ذلك أقوام دونوا التفسير بالمأثور بدون ذكر الاسانيد، وأكثروا من نقل الاقوال بدون التفرقة بين الصحيح وغيره، مما أفقد الثقة بها، وبخاصة عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب، حتى نقل عن الامام الشافعي قوله :" لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث " [السيوطي،الاتقان 2 / 189 . ( * ) / صفحة 19 / ] و هو عدد لا يكاد يذكر أمام ما يروى عن ابن عباس في التفسير، وهذا يدل على مبلغ ما دخل في التفسير بالمأثور من الروايات الموضوعة والاسرائيلية، و لقد كانت كثرة المرويات أكبر عامل في صرف همة العلماء إلى البحث والتمحيص، والنقد والتعديل والتجريح، وترجع أسباب الضعف في رواية التفسير بالمأثور إلى كثرة الوضع، ودخول الاسرائيليات . * أماالوضع فقد كان مصدره أهل البدع والاهواء والفرق، والاقوام الذين دخلوا في الاسلام ظاهرا وهم يبطنون الكفر بقصد الكيد له وتضليل أهله، فوضعوا الروايات الباطلة في تفسير القرآن ليصلوا إلى أغراضهم، فكثرت الروايات، و ضمن مؤلفوا التفاسير هذه الروايات في كتبهم دون تحرٍ منهم لصحة أسانيدها، لان منهجهم في التأليف كان إيراد كل ما ورد من الروايات في الاية الواحدة تاركين أمر تمحيصها لثقافة القارئ . و لقد بذل المحدثون في هذه الفترة جهودا جبارة في مقاومة الوضع وتمييز الصحيح من الروايات عن غيره، و وضعوا في ذلك التصانيف، و أنشأوا علم مصطلح الحديث، و وضعوا قواعد دقيقة جدا لمعرفة الصحيح من غيره، حتى ميزوا الصحيح من الموضوع فحفظ الله بهم دينه ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [آية 21؛ يوسف 12] ** ** ** ** التفسير و الاسرائيليات : * وأما الاسرائيليات : فيمكن تعريفها بـ : " أنها الروايات المأخوذة عن اليهود والنصارى في أخبار أممهم السابقة وقصص أنبيائهم، وإن كان الجانب اليهودي هو الذي اشتهر أمره، وغلب على الجانب النصراني بسبب أغلبية اليهود في ذلك الوقت واختلاطهم مع المسلمين في بلادهم، ولقد نزل القرآن بموضوعات وردت في التوراة والانجيل، كـــ - قصة آدم عليه السلام ونزوله إلى الارض، و - قصة موسى عليه السلام مع قومه اليهود، و - قصة عيسى عليه السلام وأمه مريم، كل ذلك ورد في القرآن الكريم موجزا يقتصر على ذكر العظة والعبرة من قصصهم دون التعرض لتفاصيل قصصهم، وقد وجد المسلمون تفصيل هذا الايجاز عند أهل الديانات السابقة بما لا يتعارض مع شريعتهم، فلجاوا إليهم، واقتبسوا منهم، دون تحر ٍ منهم لصحة هذه الاخبار . ـــــــ مراجع : ( 1 ) السيوطي،الاتقان 2 / 88 . ( 2 ) السيوطي،الاتقان 2 / 189 . ـــــــــ وقد أخبر الله تعالى في القرآن أن أهل الكتاب قد حرفوا كتبهم فقال :" يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ " [آية 13: المائدة 5] " ( 1 ) و قال :" فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًاۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " [آية 79: البقرة 2] " ( 2 ) . كما بين النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه الموقف الواجب اتخاذه تجاه أهل الكتاب فــ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَ لَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا : آمَنَّا بِاللَّهِ وَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ " . [ الحديث السادس 6 ] ( 3 ) ولكن المسلمين تساهلوا في الاخذ عن أهل الكتاب وهكذا دخلت الاسرائيليات في كتب التفسير، وكانت مصادر الاسرائيليات تدور حو ل أربعة أشخاصهم : ( 1 ) عبدالله بن سلام، و ( 2)كعب الاحبار، و ( 3) وهب بن منبه، و ( 4) عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريح . ** ** ** **** الاسرائيليات و أثرها في التفسير بـــ المأثور: قسم العلماء الاسرائيليات إلى ثلاثة أقسام : ( الاول ) مقبول وهو ما علم صحته بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كـــ - تعيين اسم الخصر عليه السلام، إذ ورد فيه حديث صحيح عند البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، أو - ما كان له شاهد من الشرع يؤيده . و (الثاني ) مسكوت عنه : و هو ما لم يعلم صحته و لا كذبه، و هذا القسم تجوز حكايته للعظة والعبرة، و لا نؤمن بصدقه و لا كذبه امتثالا لامر رسول الله صلى ا لله عليه وسلم:" لا تصدقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا . " [الحديث السادس 6 ] و (الثالث) مرفوض : و هو ما علم كذبه لتناقضه مع شريعتنا أو مخالفته للعقل، و لا يصح تصديقه و لا قبوله و لا روايته، و إذا رواه المفسر في تفسيره و جب عليه بيانه . و قد كان لهذه الاسرائيليات أثرسئ في التفسير، إذ أدخلت فيه كثيرا من القصص الخيالي المخترع، و الاخبار المكذوبة، و هذا ما دفع العلماء لمقاومتها، وإخضاعها لمعايير نقد الرواية، وموازين الشريعة لتمييز المقبول من المردود . و بسبب هذه الاسرائيليات تفاوتت الثقة في كثير من التفاسير التي وضعها كبار الائمة . ** ** ** ** ** أشهر من بين هذه الكتب ثمانية، تفاوتت قيمتها عند الامة بين القبول والرفض، وسنذكرها مع تبيان قيمة كل واحد منها : 1 - جامع البيان؛ لـ ابن جرير الطبري ( ت 310 هـ ) ( 4 ) : وهو من أقدم التفاسير وأشهرها، كما يعتبر المرجع الأول عند المفسرين بالنقل والعقل، نظرا لما فيه من الروايات والاستنباطات، و ترجيح بعضها على بعض، ويقع في ثلاثين جزئا من الحجم الكبير، و هو مطبوع، و تقوم دار المعرفة في بيروت بنشره، كما قام العلامة أحمد شاكر -رحمه الله- بتحقيق نصفه واخترته المنية قبل إتمامه . 2 - بحر العلوم؛ لـ السمرقندي ( ت 373 هـ ) ( 5 ) : صاحبه هو الامام أبوالليث نصر بن محمد بن إبراهيم، الفقيه الحنفي المعروف بإمام الهدى، و هو تفسير لطيف مفيد لكنه يذكر الروايات مجردة عن أسانيدها، دون ترجيح، و قد خرج أحاديثه قاسم بن قطلوبغا ( ت 854 هـ ) ، وهذا التفسير مخطوط في ثلاث مجلدات كبار بدار الكتب المصرية . ـــــ مراجع : ( 1 ) سورة النساء ( 4 ) ،الاية ( 46 ) . ( 2 ) سورة البقرة ( 2 ) ،الاية ( 79 ) . ( 3 ) حديث صحيح أخرجه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه . وعَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيّ ُأَنَّ أَبَاهُ أَبَا نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ : أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجِنَازَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" اللَّهُ أَعْلَمُ " ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : إِنَّهَا تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تَصْدِّقُوهُمْ وَ لَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ وَ إِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ " . ( 4 ) الذهبي، التفسير والمفسرون 1 / 205 . ( 5 ) حاجي خليفة،كشف الظنون 1 / 324 . ــــــ 3 - الكشف والبيان لـ الثعلبي - أو الثعالبي - ( ت 427 هـ ) ( 1 ) : صاحبه أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم النيسابوري المقرئ، المفسر، الحافظ، الواعظ، رأس التفسير والعربية، قال ابن خلكان :" وصنف التفسير الكبير ا لذي فاق غيره من التفاسير "، و قد ذكر الثعالبي في مقدمته لتفسيره منهجه ومصادره وأسانيدها إلى من يروي عنه، واكتفى بذلك عن ذكر الاسانيد أثناء الكتاب وهو كتاب حافل بالاسرائيليات دون التنبيه عليها، و يوجد منه مخطوط غير كامل فيمكتبة الازهر ينتهي عند أواخر سورة الفرقان . 4 - معالم التنزيل؛ لـ البغوي ( ت 516 هـ ) ( 2 ) : صاحبه أبو محمد الحسين بن مسعود، الفراء، البغوي، الفقيه الشافعي، المحدث، وقد وصف الخازن هذا التفسير فقال :" من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها، وأنبلها وأسناها، جامع للصحيح من الاقاويل، عار عن الشبه والتصحيف والتبديل، محلى بالاحاديث النبوية . " ، و قال عنه ابن تيمية في أصول التفسير :" و البغوي تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الاحاديث الموضوعة و الاراء المبتدعة " ، و سئل في فتاواه عن أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة : الزمخشري أم القرطبي أم البغوي؟ ف أجاب :" و أما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها، فأسلمها من البدعة والاحاديث الضعيفة البغوي . " . و قد طبع هذا التفسير مؤخرا بدار المعرفة في بيروت في ( 4 ) مجلدات بتحقيق خالد العك و مروان سوار . 5 - المحرر الوجيز؛ لـ ابن عطية ( ت 546 هـ) : ( 3 ) مؤلفه أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عطية الاندلسي المغربي الغرناطي، الحافظ، القاضي، من بيت علم وأدب، قال عنه أبو حيان :" أجل من صنف في علم التفسير، وأفضل من تعرض فيه للتنقيح والتحرير " ، و يقارن بين تفسيره وتفسير الزمخشري فيقول :" وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص " . وقد طبع من هذا التفسير الجزء الاول في القاهرة، ولا يزال الباقي مخطوطا، وهو يقع في عشرة مجلدات كبار يوجد منه أجزاء بدار الكتب المصرية . 6 - تفسير القرآن العظيم؛ لـ ابن كثير ( ت 774 هـ ) . 7 - الجواهر الحسان لـ الثعالبي ( ت 876 هـ ) . مؤلفه أبو زيد عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الجزائري المغربي المالكي، الامام الحجة، العالم، الزاهد الورع، وقد اعتمد في تفسيره على تفسير ابن عطية وأبي حيان وزاد عليهما، وهو يذكر الروايات المأثورة بدون أسانيدها، وإذا ذكر الاسرائيليات تعقبها بالنقد والتمحيص . و قد طبع ا لكتاب في الجزائر في أربعة أجزاء . 8 - الدر المنثور لـ السيوطي ( ت 911 هـ ) . اختصر السيوطي في هذا التفسير كتابا مسندا ألفه قبله هو " ترجمان القرآن " جمع فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف بأسانيدها . ثم رأى حذف أسانيدها والاقتصار على متونها فقط وذكر من خرجها، فوضع الدر المنثور، وهو حافل بالاحاديث دون ما تمييز بين صحيحها وسقيمها ويقتصر من بين سائر الكتب المذكورة سابقا على الحديث دون غيره، وهو يحتاج لجهود كبيرة في الحكم على أحاديثه، وقد طبع بدار المعرفة في بيروت في ست مجلدات كبار . ـــــــــ مراجع : ( 1 ) ياقوت الحموي، معجم الادباء 5 / 37 . ( 2 ) الذهبي، التفسير والمفسرون 1 / 234 . ( 3 ) أبو حيان،البحر المحيط 1 / 10 . ـــــ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
16 / 09 / 2021, 39 : 10 PM | المشاركة رقم: 12 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح 10 ) . علم التفسير قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : التَّفْسِيرُ: عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ : - فَهْمُ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَ - بَيَانُ مَعَانِيهِ ، وَ - اسْتِخْرَاجُ أَحْكَامِهِ وَحِكَمِهِ ، وَاسْتِمْدَادُ ذَلِكَ مِنْ : - عِلْمِ اللُّغَةِ وَ - النَّحْوِ وَ - التَّصْرِيفِ وَ - عِلْمِ الْبَيَانِ وَ - أُصُولِ الْفِقْهِ وَ - الْقِرَاءَاتِ ، وَ يَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ : - أَسْبَابِ النُّزُولِ وَ - النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. [ الزركشي ؛ بدر الدين محمد بن عبدالله ،البرهان في علوم القرآن ، دار المعرفة ، سنة النشر: 1410هـ ~ 1990م ] ** ** ** ** وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ ؛ التَّفْسِيرُ : عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ : - كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَ - مَدْلُولَاتِهَا وَ - أَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ وَ - مَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ وَ - تَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ . فَقَوْلُه : " عِلْمٌ ": جِنْسٌ . وَ قَوْلُه : " يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ " : هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَةِ . وَ قَوْلُه : "وَمَدْلُولَاتِهَا " أَيْ: مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ ، وَهَذَا مَتْنُ عِلْمِ اللُّغَةِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ . وقَوْلُه: "وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ " : هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ . وَ قَوْلُه : " وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ " : يَشْمَلُ مَا دَلَالَتُهُ بِالْحَقِيقَةِ، وَمَا دَلَالَتُهُ بِالْمَجَازِ ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا ، وَيَصُدُّ عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ صَادٌّ ، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَجَازُ . وَ قَوْلُه: "وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ ": هُوَ مِثْلَ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ ، وَسَبَبِ النُّزُولِ ، وَقِصَّةٍ تُوَضِّحُ بَعْضَ مَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ . | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
18 / 09 / 2021, 30 : 11 PM | المشاركة رقم: 13 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
19 / 09 / 2021, 21 : 10 AM | المشاركة رقم: 14 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
19 / 09 / 2021, 31 : 10 AM | المشاركة رقم: 15 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
20 / 09 / 2021, 01 : 11 AM | المشاركة رقم: 16 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
20 / 09 / 2021, 05 : 11 AM | المشاركة رقم: 17 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح التفسيروالتأويل لــ آيات محكم التنزيل | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
20 / 09 / 2021, 21 : 03 PM | المشاركة رقم: 18 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملحق : ( 1 . ) التفسير بالرواية الذي يعتمد على مصادر التفسير المأثور الأربعة :
- اللغة العربية و وقوفه على - أسباب النزول و - درايته بالناسخ والمنسوخ و - العام والخاص و - غير ذلك من علوم القرآن.. إلى جانب رجوعه إلى التفسير بالمأثور الذي يعد المرجع الأساسي للمفسر. ــــــــــــــــــــــــــــــ د. أحمد بن محمد الشرقاوي؛ أستاذ مشارك بجامعة الأزهر، وكلية التربية للبنات عنيزة؛ القصيم؛ 11 شوال 1423هـ (مع تصرف يسير من طرفي) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
07 / 05 / 2022, 48 : 08 PM | المشاركة رقم: 19 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح » سنن الأنبياء؛ و سبل العلماء؛ و بساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل وتفسير آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ 11 . * ] بَيَانِ حَقِيقَةِ التَّأْوِيلِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ « » الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العلي العظيم ، الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَأَقَامَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ قَالُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا- . * * * عَنْ عُثْمَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :« خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » . [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] . و الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَقَدْ أَدْرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى إِلَيْهِ » . وَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ « أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ » . [علي بن سلطان محمد القاري ، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، دار الفكر ، سنة النشر: 1422هـ / 2002م ] * * * * وقال إياس بن معاوية : « مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم ، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا ، وليس عندهم مصباح ، فتداخلهم لمجىء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه ، فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه » . * * * * « التَّأْوِيلُ » وَ أَصْلُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ ، فَكَأَنَّهُ صَرَفَ الْآيَةَ إِلَى مَا تَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي . وَقِيلَ : مِنَ الْإِيَالَةِ ، وَهِيَ السِّيَاسَةُ كَأَنَّ الْمُؤَوِّلَ لِلْكَلَامِ سَاسَ الْكَلَامَ ، وَوَضَعَ الْمَعْنَى فِيهِ مَوْضِعَهُ . قال الفيروز آبادي في " القاموس المحيط " أول : « أول الكلام تأويلا وتأوله : دبره وقدره وفسره ، والتأويل : عبارة الرؤيا » . فكأن المؤول أرجع الكلام إلى ما يحتمله من المعاني . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ : « وَأَصْلُ التَّأْوِيلُ مِنْ آلَ الشَّيْءُ إِلَى كَذَا إِذَا صَارَ إِلَيْهِ ، وَرَجَعَ يَئُولُ أَوْ لَا ، وَأَوَّلْتُهُ أَنَا صَيَّرْتُهُ إِلَيْهِ » ، وَ مِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ : وَلَسْتُ بِذِي رَثْيَةٍ إِمَّرٍ* * إِذَا قِيدَ مُسْتَكْرَهًا أَصْحَبَا وَالرَّثْيَةُ : وَجَعُ الْمَفَاصِلِ ، وَالْإِمَّرُ : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَفْتُوحَةً بَعْدَهَا رَاءٌ ، هُوَ الَّذِي يَأْتَمِرُ لِكُلِّ أَحَدٍ ؛ لِضَعْفِهِ . فهُوَ « تَفْعِيلٌ مِنْ آلَ يَئُولُ إِلَى كَذَا إِذَا صَارَ إِلَيْهِ ، فَالتَّأْوِيلُ التَّصْيِيرُ ، وَأَوَّلْتُهُ تَأْوِيلًا إِذَا صَيَّرْتُهُ إِلَيْهِ ، قَالَ : وَتَأَوَّلَ وَهُوَ مُطَاوعُ أَوَّلْتُهُ » . وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : « التَّأْوِيلُ تَفْسِيرُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ » ، وَ « قَدْ أَوَّلْتُهُ وَتَأَوَّلْتُهُ بِمَعْنًى » ، قَالَ الْأَعْشَى : عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَأَوَّلُ حُبَّهَا * * تَأَوُّلَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فَأَصْحَبَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : تَأَوُّلُ حُبِّهَا أَيْ : تَفْسِيرُهُ وَمَرْجِعُهُ ، أَيْ إِنَّ حُبَّهَا كَانَ صَغِيرًا فِي قَلْبِهِ فَلَمْ يَزَلْ يَشِبُّ حَتَّى أَصْحَبَ فَصَارَ قَدِيمًا ، كَهَذَا السَّقْبِ الصَّغِيرِ لَمْ يَزَلْ يَشِبُّ حَتَّى صَارَ كَبِيرًا مِثْلَ أُمِّهِ وَصَارَ لَهُ ابْنٌ يَصْحَبُهُ ، وَالسَّقْبِ ؛ بِفَتْحِ السِّينِ ، وَلَدُ النَّاقَةِ أَوْ سَاعَةَ يُولَدُ أَوْ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ . * * * * يقول الشنقيطي في قَوْلُهُ تَعَالَى :« وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ » [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ ] ، - يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ « التَّفْسِيرُ وَإِدْرَاكُ الْمَعْنَى » ، وَ - يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ « حَقِيقَةُ أَمْرِهِ الَّتِي يَئُولُ إِلَيْهَا » ثم يقول : « وَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ أَنَّ كَوْنَ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ . يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ الْغَالِبَ هُوَ الْمُرَادُ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْأَغْلَبِ أَوْلَى مِنَ الْحَمْلِ عَلَى غَيْرِهِ » . وَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ التَّأْوِيلِ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الَّتِي يَئُولُ إِلَيْهَا كَقَوْلِهِ :" هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ " [سورة يوسف: 12 ؛ آية 100] ، وَ قَوْلِهِ :" هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ " [ الآية 52 ؛ سورة الاعراف : 3] ، وَ قَوْلِهِ :" بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ " [ سورة يونس : 10 ؛ الآية39]، وَ قَوْلِهِ :" ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " [ 4 سورة النساء ؛ آية 59] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ . [ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد بن المختار الجنكي الشنقيطي ، دار الفكر ، سنة النشر: 1415هـ / 1995م ] ** ** ** أَمَّا التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ الْخَاصِّ بِهِ فِي " مُخْتَصَرِهِ " ، فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ « اخْتِلَافِ شُرُوحِ " الْمُدَوَّنَةِ " فِي الْمُرَادِ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ »، وَأَشَارَ لَهُ فِي " الْمَرَاقِي " بِقَوْلِهِ : وَالْخَلْفُ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ صَيَّرَ * * إِيَّاهُ تَأْوِيلًا لَدَى الْمُخْتَصَرِ وَالْكِتَابُ فِي اصْطِلَاحِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ" الْمُدَوَّنَةُ " [ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، محمد الأمين بن محمد بن المختار الجنكي الشنقيطي ، دار الفكر ، سنة النشر: 1415هـ / 1995م ]**** وَالتَّأْوِيلُ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ : « هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الْاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إِلَى الْاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ لِدَلَالَةٍ تُوجِبُ ذَلِكَ . وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي يَتَنَازَعُ النَّاسُ فِيهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْخَبَرِيَّةِ وَالطَّلَبِيَّةِ . [ شرح العقيدة الطحاوية ، علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي ، مؤسسة الرسالة ، سنة النشر: 1417هـ / 1997م ] فَالتَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ مِنْهُ : الَّذِي يُوَافِقُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ فَهُوَ التَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ . [ شرح العقيدة الطحاوية ، علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي ، مؤسسة الرسالة ، سنة النشر: 1417هـ / 1997م ] وَذُكِرَ فِي " التَّبْصِرَةِ " أَنَّ نُصَيْرَ بْنَ يَحْيَى الْبَلْخِيَّ رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُؤَدِّي ظَاهِرُهُ إِلَى التَّشْبِيهِ ؟ فَــ قَالَ : نُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ ، وَنُؤْمِنُ بِهَا ، وَلَا نَقُولُ : كَيْفَ وَكَيْفَ . وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَعْنَى الْفَاسِدَ الْكُفْرِيَّ لَيْسَ هُوَ ظَاهِرَ النَّصِّ وَلَا مُقْتَضَاهُ ، وَأَنَّ مَنْ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْهُ فَهُوَ لِقُصُورِ فَهْمِهِ وَنَقْصِ عِلْمِهِ ، وَإِذَا كَانَ قَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ : وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا * * وَآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ عَلَيَّ نَحْتُ الْقَوَافِي مِنْ أَمَاكِنِهَا * * وَمَا عَلَيَّ إِذَا لَمْ تَفْهَمِ الْبَقَرُ ، فَكَيْفَ يُقَالُ فِي قَوْلِ اللَّهِ ، الَّذِي هُوَ أَصْدَقُ الْكَلَامِ وَأَحْسَنُ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ، [ هُودٍ : 1 ] . إِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ إِنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ هُوَ الْكُفْرُ وَالضَّلَالُ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِمَا يَصْلُحُ مِنَ الْاعْتِقَادِ ، وَلَا فِيهِ بَيَانُ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ ؟ ! هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ الْمُتَأَوِّلِينَ . وَالْحَقُّ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَهُوَ حَقٌّ ، وَمَا كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ . وَالْمُنَازِعُونَ يَدَّعُونَ دَلَالَتَهُ عَلَى الْبَاطِلِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ ! فَــ يُقَالُ لَهُمْ : هَذَا الْبَابُ الَّذِي فَتَحْتُمُوهُ ، وَإِنْ كُنْتُمْ -تَزْعُمُونَ- أَنَّكُمْ تَنْتَصِرُونَ بِهِ عَلَى إِخْوَانِكُمُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَوَاضِعَ قَلِيلَةٍ حَقِيقَةً ، فَقَدْ فَتَحْتُمْ عَلَيْكُمْ بَابًا لِأَنْوَاعِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُبْتَدِعِينَ ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى سَدِّهِ ، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَوَّغْتُمْ صَرْفَ الْقُرْآنِ عَنْ دَلَالَتِهِ الْمَفْهُومَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ، فَمَا الضَّابِطُ فِيمَا يَسُوغُ تَأْوِيلُهُ وَمَا لَا يَسُوغُ ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ : مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَتِهِ تَأَوَّلْنَاهُ ، وَإِلَّا أَقْرَرْنَاهُ ! قِيلَ لَكُمْ : وَبِأَيِّ عَقْلٍ نَزِنُ الْقَاطِعَ الْعَقْلِيَّ ؟ فَإِنَّ الْقِرْمِطِيَّ الْبَاطِنِيَّ يَزْعُمُ قِيَامَ الْقَوَاطِعِ عَلَى بُطْلَانِ ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ ! وَيَزْعُمُ الْفَيْلَسُوفُ قِيَامَ الْقَوَاطِعِ عَلَى بُطْلَانِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ ! وَيَزْعُمُ الْمُعْتَزِلِيُّ قِيَامَ الْقَوَاطِعِ عَلَى امْتِنَاعِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ عِلْمٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ رَحْمَةٍ بِهِ تَعَالَى ! ! وَبَابُ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي يَدَّعِي أَصْحَابُهَا وُجُوبَهَا بِالْمَعْقُولَاتِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَنْحَصِرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ . وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ مَحْذُورَانِ عَظِيمَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا نُقِرَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى نَبْحَثَ قَبْلَ ذَلِكَ بُحُوثًا طَوِيلَةً عَرِيضَةً فِي إِمْكَانِ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ ! وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْكِتَابِ يَدَّعُونَ أَنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ ، فَيَؤُولُ الْأَمْرُ إِلَى الْحَيْرَةِ . الْمَحْذُورُ الثَّانِي : أَنَّ الْقُلُوبَ تَنْحَلُّ عَنِ الْجَزْمِ بِشَيْءٍ تَعْتَقِدُهُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ . إِذْ لَا يُوثَقُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْمُرَادُ ، وَالتَّأْوِيلَاتُ مُضْطَرِبَةٌ ، فَيَلْزَمُ عَزْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنِ الدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى مَا أَنْبَأَ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ ، وَخَاصَّةُ النَّبِيِّ هِيَ الْإِنْبَاءُ ، وَالْقُرْآنُ هُوَ النَّبَأُ الْعَظِيمُ . وَلِهَذَا نَجِدُ أَهْلَ التَّأْوِيلِ إِنَّمَا يَذْكُرُونَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلِاعْتِضَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ ، إِنْ وَافَقَتْ مَا ادَّعَوْا أَنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ خَالَفَتْهُ أَوَّلُوهُ ! وَهَذَا فَتْحُ بَابِ الزَّنْدَقَةِ ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ . [ شرح العقيدة الطحاوية ، علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي ، مؤسسة الرسالة ، سنة النشر: 1417هـ / 1997م ] **** معنى التفسير : التَّفْسِيرُ : تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ ، تَقُولُ : فَسَرْتَ الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَفْسُرُهُ فَسْرًا وَفَسَّرْته بِالتَّشْدِيدِ ، أُفَسِّرُهُ تَفْسِيرًا إِذَا بَيَّنْته ، وَيُقَالَ هُوَ مَقْلُوبٌ السَّفَرِ . تَقُولُ : أَسْفَرَ الصُّبْحُ : إِذَا أَضَاءَ . وَأَصْلُ الْفَسْرِ نَظَرُ الطَّبِيبِ إِلَى الْمَاءِ لِيَعْرِفَ الْعِلَّةَ ، فــ قِيلَ : مَأْخُوذٌ مِنَ التَّفْسِرَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يَعْرِفُ بِهِ الطَّبِيبُ الْمَرَضِ . وَاخْتُلِفَ فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ . التفسير في اللغة هو الايضاح والتبيين ، ومنه قوله تعالى في سورة الفرقان ، آية ( 33 ) : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) ، أي بيانا وتفصيلا ، وهو مأخوذ من الفسر أي الابانة والكشف . قال الفيروز آبادي : " الفسر : البيان ، وكشف المغطى ، والتفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل " . قال صاحب فتح الباري :": التَّفْسِيرُ تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ ، تَقُولُ : فَسَرْتُ الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَفْسِرُهُ فَسْرًا ، وَفَسَّرْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أُفَسِّرُهُ تَفْسِيرًا إِذَا بَيَّنْتَهُ . وَ أَصْلُ الْفَسْرِ نَظَرُ الطَّبِيبِ إِلَى الْمَاءِ لِيَعْرِفَ الْعِلَّةَ . وَ قِيلَ : هُوَ مِنْ فَسَرَتِ الْفَرَسَ إِذَا رَكَضْتَهَا مَحْصُورَةً لِيَنْطَلِقَ حَصْرُهَا . وَ قِيلَ هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ سَفَرَ كَجَذَبَ وَجَبَذَ ، تَقُولُ : سَفَرَ إِذَا كَشَفَ وَجْهَهَ ، وَ مِنْهُ أَسْفَرَ الصُّبْحُ إِذَا أَضَاءَ . وَ اخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ : هُمَا بِمَعْنًى . وَ قِيلَ : التَّفْسِيرُ بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ ، وَالتَّأْوِيلُ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْمَعْنَى ، وَ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ ." ثُمَّ تُسَمَّى " الْعَاقِبَةُ " تَأْوِيلًا لِأَنَّ الْأَمْرَ يَصِيرُ إِلَيْهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :« فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا » ، وَتُسَمَّى حَقِيقَةُ الشَّيْءِ الْمُخْبَرِ بِهِ تَأْوِيلًا ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ ، وَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :« هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ » ، فَمَجِيءُ تَأْوِيلِهِ مَجِيءُ نَفْسِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَالْمَعَادِ وَتَفَاصِيلِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ . وَيُسَمَّى " تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا " تَأْوِيلَهَا بِالِاعْتِبَارَيْنِ ، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهَا وَهُوَ عَاقِبَتُهَا وَمَا تَئُولُ إِلَيْهِ ، وَقَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ :« يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ » . أَيْ حَقِيقَتُهَا وَمَصِيرُهَا إِلَى هَاهُنَا . وَتُسَمَّى " الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ وَالْحِكْمَةُ الْمَطْلُوبَةُ بِالْفِعْلِ " تَأْوِيلًا ؛ لِأَنَّهَا بَيَانٌ لِمَقْصُودِ الْفَاعِلِ وَغَرَضِهِ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفِ الرَّائِي لَهُ غَرَضَهُ بِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَضِرِ لِمُوسَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَهُ الْحِكْمَةَ الْمَقْصُودَةَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ تَخْرِيقِ السَّفِينَةِ وَقَتْلِ الْغُلَامِ وَإِقَامَةِ الْجِدَارِ بِلَا عِوَضٍ :« سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا » ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِالْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا فِعْلُهُ قَالَ :« ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا » ، فَــ التَّأْوِيلُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى الَّذِي يَئُولُ اللَّفْظُ إِلَيْهِ ، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ ، فَــ إِنَّ الْكَلَامَ نَوْعَانِ : - خَبَرٌ وَ - طَلَبٌ ، فَــ تَأْوِيلُ الْخَبَرِ هُوَ الْحَقِيقَةُ ، وَتَأْوِيلُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ هُوَ نَفْسُ الْمَوْعُودِ وَالْمُتَوَعَّدِ بِهِ ، وَتَأْوِيلُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ الْعُلَى وَأَفْعَالِهِ نَفْسُ مَا هُوَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ ، وَمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْعُلَى ، وَتَأْوِيلُ الْأَمْرِ هُوَ نَفْسُ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- :« كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ » ، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ . فَــ هَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ فِعْلُ نَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ . فَــ هَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . [ ابن قيم الجوزية ؛ أبو عبدالله محمد بن أبي بكر ، مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ، دار الحديث ، سنة النشر: 1422هـ / 2001م ] **** وأما التفسير في الاصطلاح ، فقد عرفه أبو حيان النحوي ( ت 754 هـ ) في " البحر المحيط " بأنه :" علم يبحث عن كيفية النطق بالفاظ القرآن ، ومدلولاتها ، وأحكامها الافرادية والتركيبية ، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب ، وتتمات لذلك " . و التأويل في الاصطلاح : تفسير الكلام وبيان معناه ، سواء أوافق ظاهره أو خالفه ، و هذا ما يعينه ابن جرير الطبري بقوله في تفسيره :" القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا ... " ، وبقوله :" اختلف أهل التأويل في هذه الاية " ونحو ذلك ، فــ إن مراده التفسير . و فرق بعض العلماء بين التفسير والتأويل . بعد هذا التجوال بين آراء العلماء أقفُ أمام ماقاله أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي في تفسيره الكبير مذهولا إذ يقول :" وَقَدْ آنَ أَنْ نَشْرَعَ فِيمَا قَصَدْنَا وَنُنْجِزَ مَا بِهِ وَعَدْنَا ، وَنَبْدَأَ بِرَسْمٍ لِعِلْمِ التَّفْسِيرِ ، فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ عَلَى رَسْمٍ لَهُ " ثم يعقب بقوله :" التَّفْسِيرُ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِبَانَةُ وَالْكَشْفُ ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ :" وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْمَاءِ الَّذِي يَنْظُرُ فِيهِ الطَّبِيبُ تَفْسِرَةٌ ، وَكَأَنَّهُ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّ مَصْدَرَ فَعَّلَ جَاءَ أَيْضًا عَلَى تَفْعِلَةٍ نَحْوَ جَرَّبَ تَجْرِبَةً وَكَرَّمَ تَكْرِمَةً ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ فَعَّلَ التَّفْعِيلَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا " ، وَ يَنْطَلِقُ أَيْضًا التَّفْسِيرُ عَلَى التَّعْرِيَةِ لِلِانْطِلَاقِ ، قَالَ ثَعْلَبٌ: تَقُولُ : فَسَّرْتُ الْفَرَسَ عَرَّيْتُهُ لِيَنْطَلِقَ فِي حَصْرِهِ ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَعْنَى الْكَشْفِ فَكَأَنَّهُ كَشَفَ ظَهْرَهُ لِهَذَا الَّذِي يُرِيدُهُ مِنْهُ مِنَ الْجَرْيِ . وَ أَمَّا الرَّسْمُ فِي الِاصْطِلَاحِ : فَيقُولُ الأندلسي:" التَّفْسِيرُ عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ " . فَـ قَوْلُه :" عُلِمٌ " : هُوَ جِنْسٌ يَشْمَلُ سَائِرَ الْعُلُومِ ، وَ قَوْلُه :" يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ " : هَذَا هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَاتِ ، وَ قَوْلُه :" وَمَدْلُولَاتِهَا " : أَيْ مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا هُوَ عِلْمُ اللُّغَةِ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ ، وَ قَوْلُه :" وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ " : هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَعِلْمَ الْإِعْرَابِ وَعِلْمَ الْبَيَانِ وَعِلْمَ الْبَدِيعِ وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ ، شَمِلَ بُقُولِهِ الَّتِي ( تُحْمَلُ عَلَيْهَا ) مَا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ وَمَا دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ بِالْمَجَازِ ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا وَيَصُدُّ عَنِ الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ صَادٌ ، فَيَحْتَاجُ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمَجَازُ ، وَقَوْلُه :" وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ " : هُوَ مَعْرِفَةُ النَّسْخِ وَسَبَبِ النُّزُولِ وَقِصَّةٍ تُوَضِّحُ بَعْضَ مَا انْبَهَمَ فِي الْقُرْآنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ." . [ التفسير الكبير المسمى البحر المحيط ، أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي ، دار إحياء التراث العربي ، دون ذكر سنة النشر] * * * قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ ابْنُ تيمية :" لَفْظَ " التَّأْوِيلِ " قَدْ صَارَ بِسَبَبِ تَعَدُّدِ الِاصْطِلَاحَاتِ لَهُ ثَلَاثُ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ حَقِيقَةُ مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْكَلَامُ وَإِنْ وَافَقَ ظَاهِرَهُ . وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُرَادُ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ " ، وَ مِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ :" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ " . وَ الثَّانِي : يُرَادُ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ : التَّفْسِيرُ وَالْبَيَانُ وَهُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ - إمَامُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ - : إنَّ " الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ " يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَفْسِيرَهُ وَبَيَانَ مَعَانِيهِ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ . وَ مِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ :" اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ " . وَ قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : كَذَا وَكَذَا أَيْ : تَفْسِيرُهُ وَبَيَانُهُ . وَ قَوْلُ عَائِشَةَ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ :" سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" ، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ ، تَعْنِي يَمْتَثِلُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَ الثَّالِثُ : هُوَ مَعْنَاهُ الْمُتَعَارَفُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ ، أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ " التَّأْوِيلِ " صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ إلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِدَلِيلِ مُنْفَصِلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ . وَ هَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَكُونُ إلَّا مُخَالِفًا لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَيُبَيِّنُهُ . وَتَسْمِيَةُ هَذَا تَأْوِيلًا لَمْ يَكُنْ فِي عُرْفِ السَّلَفِ وَإِنَّمَا سَمَّى هَذَا وَحْدَهُ تَأْوِيلًا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخَائِضِينَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَالْكَلَامِ وَظَنَّ هَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى " وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ " ، يُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ صَارُوا فِي هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى طَرِيقَيْنِ : - قَوْمٌ يَقُولُونَ : إنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ . وَ - قَوْمٌ يَقُولُونَ : إنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ . فَــ إِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ - أَوْ أَكْثَرِهَا وَعَامَّتِهَا - مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ . وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى ذَمِّهِ وَصَاحُوا بِأَهْلِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَرُمُوا فِي آثَارِهِمْ بِالشُّهُبِ . وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ مَسْأَلَةِ التَّأْوِيلِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثِ حَالَاتٍ بِالتَّقْسِيمِ الصَّحِيحِ : الْأُولَى : أَنْ يَكُونَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالتَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ ، وَالتَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ :" الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقْبِهِ" ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ ، وَحَمْلُ الْجَارِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خُصُوصِ الشَّرِيكِ الْمُقَاسِمِ حَمْلٌ لَهُ عَلَى مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ ، إِلَّا أَنَّهُ دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إِذَا صُرِّفَتِ الطُّرُقُ وَضُرِبَتِ الْحُدُودُ ، فَلَا شُفْعَةَ . الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِأَمْرٍ يَظُنُّهُ الصَّارِفُ دَلِيلًا وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ ، وَالتَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ ، وَمَثَّلَ لَهُ الشَّافِعِيَّةُ ، وَالْمَالِكِيَّةُ ، وَالْحَنَابِلَةُ بِحَمْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّهُ ، الْمَرْأَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، بَاطِلٌ" عَلَى الْمُكَاتَبَةِ ، وَالصَّغِيرَةِ ، وَحَمْلِهِ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ ، لِمِسْكِينٍ فِي قَوْلِهِ : سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَى الْمُدِّ ، فَأَجَازَ إِعْطَاءَ سِتِّينَ مُدًّا لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ . الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ لَا لِدَلِيلٍ أَصْلًا ، وَهَذَا يُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ لَعِبًا ، كَقَوْلِ بَعْضِ الشِّيعَةِ :" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً " [ البقرة 2 ؛67 ] ، يَعْنِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَأَشَارَ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " إِلَى حَدِّ التَّأْوِيلِ ، وَبَيَانِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ مُعَرِّفًا لِلتَّأْوِيلِ . حَمْلٌ لِظَاهِرٍ عَلَى الْمَرْجُوحِ * * وَاقْسِمْهُ لِلْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ إِلَى أَنْ قَالَ : صَحِيحُهُ وَهُوَ الْقَرِيبُ مَا حَمَلَ * * مَعَ قُوَّةِ الدَّلِيلِ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ وَغَيْرُهُ الْفَاسِدُ وَالْبَعِيدُ * * وَمَا خَلَا فَلَعِبًا يُفِيدُ فَجَعْلُ مِسْكِينٍ بِمَعْنَى الْمُدِّ * * عَلَيْهِ لَائِحُ سِمَاتِ الْبُعْدِ كَحَمْلِ امَرْأَةٍ عَلَى الصَّغِيرَةِ * * وَمَا يُنَافِي الْحُرَّةَ الْكَبِيرَةَ وَحَمْلُ مَا وَرَدَ فِي الصِّيَامِ * * عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ الِالْتِزَامِ وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَسَمَّاهُ : " الرَّدُّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ والجهمية فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " فَعَابَ أَحْمَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مَعْنَاهُ . وَلَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ : إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَعَانِيَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا وَلَا قَالُوا : إنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ لَمْ يَعْرِفُوا تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ . كَيْفَ ؟ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِتَدَبُّرِ كِتَابِهِ قَالَ تَعَالَى :" كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ " ، وَلَمْ يَقُلْ : بَعْضَ آيَاتِهِ وَقَالَ :" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ " ، وَقَالَ :" أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ " ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فِي النُّصُوصِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَتَدَبَّرَ النَّاسُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَأَنَّهُ جَعَلَهُ نُورًا وَهُدًى لِعِبَادِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ . * * * * * التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَمَّا التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالسَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَمُرَادُهُمْ بِهِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ . وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ :" الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا " ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ :" فِيمَا تَأَوَّلَتْهُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " ، فَــ أَبْطَلَ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُوَ تَفْسِيرُهَا الْمُرَادُ بِهَا وَهُوَ تَأْوِيلُهَا عِنْدَهُ ، فَهَذَا التَّأْوِيلُ يَرْجِعُ إِلَى فَهْمِ الْمُؤْمِنِ وَيَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ وَالْأَوَّلُ يَعُودُ إِلَى وُقُوعِ حَقِيقَتِهِ فِي الْخَارِجِ . وَ أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَمُرَادُهُمْ بِالتَّأْوِيلِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ ، وَهَذَا هُوَ الشَّائِعُ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ . وَلِهَذَا يَقُولُونَ :" التَّأْوِيلُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ " . وَ التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الَّذِي صَنَّفَ فِي تَسْوِيغِهِ وَإِبْطَالِهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ ، فَمَنْ صَنَّفَ فِي إِبْطَالِ التَّأْوِيلِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ ، وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ إِجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ . وَمِنَ التَّأْوِيلِ الْبَاطِلِ تَأْوِيلُ أَهْلِ الشَّامِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ :" تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " ، فَقَالُوا :" نَحْنُ لَمْ نَقْتُلْهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَعَهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا " ، وَ هَذَا التَّأْوِيلُ مُخَالِفٌ لِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَظَاهِرِهِ فَإِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ لَا مَنِ اسْتَنْصَرَ بِهِ ، وَ لِهَذَا رَدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ مِنْهُمْ فَقَالُوا: " أَفَيــَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا حَمْزَةَ وَالشُّهَدَاءَ مَعَهُ لِأَنَّهُمْ أَتَوْا بِهِمْ حَتَّى أَوْقَعُوهُمْ تَحْتَ سُيُوفِ الْمُشْرِكِينَ !؟ " . وَ مِنْ هَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا رَوَى حَدِيثَ عَائِشَةَ :" فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، فَـ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ " ، فَــ قِيلَ لَهُ :" فَمَا بَالُ عَائِشَةَ أَتَمَّتْ فِي السَّفَرِ ؟ " ؛ قَالَ :" تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ " ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ تَأَوَّلَا آيَةَ الْقَصْرِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُمَا تَأَوَّلَا دَلِيلًا قَامَ عِنْدَهُمَا اقْتَضَى جَوَازَ الْإِتْمَامِ فَعَمِلَا بِهِ ، فَكَانَ عَمَلُهُمَا بِهِ هُوَ تَأْوِيلُهُ ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ هُوَ تَأْوِيلُهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى :« فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ »، بِامْتِثَالِهِ بِقَوْلِهِ :" سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " ، فَــ كَأَنَّ عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ تَأَوَّلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: « فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ » ، فَإِنَّ إِتْمَامَهَا مِنْ إِقَامَتِهَا ، وَ قِيلَ : تَأَوَّلَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ أُمَّهُمْ حَيْثُ كَانَتْ فَكَأَنَّهَا مُقِيمَةٌ بَيْنَهُمْ ، وَأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ فَحَيْثُ كَانَ فَهُوَ مَنْزِلُهُ ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الِاسْتِيطَانِ بِمِنًى أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِهَا ، وَمَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ ، أَوْ أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا قَدْ كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا أَرْبَعُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ظَنَّاهَا أَدِلَّةً مُقَيِّدَةً لِمُطْلِقِ الْقَصْرِ أَوْ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِهِ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ضَعِيفَةً . وَالصَّوَابُ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ ، وَقَدْ قَصَرَتْ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ عُثْمَانُ لِيُقِيمَ بِمَكَّةَ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَخَّصَ فِي الْإِقَامَةِ بِهِ لِلْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِمْ ثَلَاثًا ، وَالْمُسَافِرُ إِذَا تَزَوَّجَ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِمُجَرَّدِ التَّزَوُّجِ مَا لَمْ يُزْمِعِ الْإِقَامَةَ . وَ بِالْجُمْلَةِ فَالتَّأْوِيلُ الَّذِي يُوَافِقُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ وَغَيْرُهُ هُوَ الْفَاسِدُ . [ ابن قيم الجوزية ؛ أبو عبدالله محمد بن أبي بكر ، مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ، دار الحديث ، سنة النشر: 1422هـ / 2001م ] * *** *فضيلة علم التفسير : وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ السلمي : حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ ؛ عُثْمَانُ بْنُ عفان وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُمْ قَالُوا :" كُنَّا إذَا تَعَلَّمْنَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ نُجَاوِزْهَا حَتَّى نَتَعَلَّمَ مَا فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ " قَالُوا :" فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا ". وَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ فِي مَاذَا نَزَلَتْ وَمَاذَا عُنِيَ بِهَا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ " وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا فُهِمَ . وَقَالَ :" إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " . [ تقي الدين ابن تيمية ، مجموع فتاوى ابن تيمية ، الآداب والتصوف ، تفسير سورة هود ، مسألة تفسير قوله تعالى :" وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها "، مجمع الملك فهد ، سنة النشر: 1416هـ/1995م ، انظر أيضاً : [ السيوطي ؛ جلال الدين عبدالرحمن بن ابي بكر ، الإتقان في علوم القرآن،دار الكتاب العربي ، سنة النشر : 1419هـ / 1999م ]. * .*.* .*وَ اخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ : هُمَا بِمَعْنًى ؛ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَوْمٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا آخَرُونَ ، حَتَّى بَالَغَ ابْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فَقَالَ : قَدْ نَبَغَ فِي زَمَانِنَا مُفَسِّرُونَ لَوْ سُئِلُوا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ . فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ : التَّأْوِيلُ رَدُّ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ إِلَى مَا يُطَابِقُ الظَّاهِرَ ، وَالتَّفْسِيرُ كَشْفُ الْمُرَادِ عَنِ اللَّفْظِ الْمُشْكِلِ . وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ التَّأْوِيلَ نَقْلُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَنْ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ لَوْلَاهُ مَا تُرِكَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ ، وَقِيلَ التَّأْوِيلُ إِبْدَاءُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ مُعْتَضَدٌ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْهُ ، وَمَثَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَا رَيْبَ فِيهِ " قَالَ مَنْ قَالَ لَا شَكَّ فِيهِ فَهُوَ التَّفْسِيرُ وَمَنْ قَالَ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ ، فَهُوَ التَّأْوِيلُ كَذَا فِي الْفَتْحِ .[ سنن الترمذي تحفة الأحوذي، محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ، دار الكتب العلمية ، دون ذكر سنة النشر] وَ قَالَ الرَّاغِبُ : التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ التَّأْوِيلِ ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَلْفَاظِ وَمُفْرَدَاتِهَا ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَلِ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَالتَّفْسِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا . وَ قَالَ غَيْرُهُ : التَّفْسِيرُ بَيَانُ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَالتَّأْوِيلُ تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُتَوَجِّهٍ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ، بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ . وَ قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ : التَّفْسِيرُ الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ اللَّفْظِ هَذَا ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ عَنَى بِاللَّفْظِ هَذَا ، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَصَحِيحٌ ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرٌ بِالرَّأْيِ ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ . وَالتَّأْوِيلُ : تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُحْتَمِلَاتِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ . وَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ التَّغْلِبِيُّ : التَّفْسِيرُ بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا ، كَتَفْسِيرِ الصِّرَاطِ بِالطَّرِيقِ ، وَالصَّيِّبِ بِالْمَطَرِ . وَالتَّأْوِيلُ : تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ ، فَالتَّأْوِيلُ إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ ، وَالتَّفْسِيرُ إِخْبَارٌ عَنْ دَلِيلِ الْمُرَادِ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَكْشِفُ عَنِ الْمُرَادِ ، وَالْكَاشِفُ دَلِيلٌ ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :" إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ " [ الْفَجْرَ : 4 ] ؛ تَفْسِيرُهُ : أَنَّهُ مِنَ الرَّصْدِ ، يُقَالَ : رَصَدْتُهُ رَقَبْتُهُ ، وَالْمِرْصَادُ مِفْعَالٌ مِنْهُ . وَتَأْوِيلُهُ : التَّحْذِيرُ مِنَ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْأُهْبَةِ ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ عَلَيْهِ . وَقَوَاطِعُ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ . وَقَالَ الْأَصْبِهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : اعْلَمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ كَشْفُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْمُشْكَلِ وَغَيْرِهِ ، وَبِحَسَبِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ . وَالتَّأْوِيلُ أَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ . وَالتَّفْسِيرُ : إِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ ، نَحْوَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ ، أَوْ فِي وَجِيزٍ يَتَبَيَّنُ بِشَرْحٍ نَحْوَ : أَقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ ، وَإِمَّا فِي كَلَامٍ مُتَضَمِّنٍ لِقِصَّةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهَا كَقَوْلِهِ : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ " التَّوْبَةِ : 37 ] . وَقَوْلُهُ : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى "[ الْبَقَرَةِ : 189 ] . وَ أَمَّا التَّأْوِيلُ : فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً عَامًا ، وَمَرَّةً خَاصًّا نَحْوَ : الْكُفْرُ الْمُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي الْجُحُودِ الْمُطْلَقِ ، وَتَارَةً فِي جُحُودِ الْبَارِئِ عَزَّ وَجَلَّ خَاصَّةً . وَالْإِيمَانُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ الْمُطْلَقِ تَارَةً ، وَفِي تَصْدِيقِ الْحَقِّ أُخْرَى . وَإِمَّا فِي لَفْظٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، نَحْوَ لَفْظِ ( وَجَدَ ) الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْجِدَّةِ وَالْوَجْدِ وَالْوُجُودِ . وَ قَالَ غَيْرُهُ : التَّفْسِيرُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّوَايَةِ وَالتَّأْوِيلِ يَتَعَلَّقُ بِالدِّرَايَةِ . وَ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ : التَّفْسِيرُ مَقْصُورٌ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَالسَّمَاعِ ، وَالِاسْتِنْبَاطُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْوِيلِ . وَ قَالَ قَوْمٌ : مَا وَقَعَ مُبِينًا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمُعَيَّنًا فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ سُمِّيَ تَفْسِيرًا ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ ظَهَرَ وَوَضَحَ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ وَلَا غَيْرِهِ ، بَلْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ لَا يَتَعَدَّاهُ . وَ التَّأْوِيلُ : مَا اسْتَنْبَطَهُ الْعُلَمَاءُ الْعَالِمُونَ لِمَعَانِي الْخِطَابِ ، الْمَاهِرُونَ فِي آلَاتِ الْعُلُومِ . وَ قَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْبَغْوَيُّ وَالْكَوَاشِيُّ : التَّأْوِيلُ : صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنَى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ، تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ ، غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسَّنَةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ . وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : التَّفْسِيرُ فِي الِاصْطِلَاحِ عِلْمُ نُزُولِ الْآيَاتِ وَشُؤُونِهَا وَأَقَاصِيصِهَا ، وَالْأَسْبَابِ النَّازِلَةِ فِيهَا ، ثُمَّ تَرْتِيبِ مَكِّيِّهَا وَمَدَنِيِّهَا ، وَمُحَكِّمِهَا وَمُتَشَابِهِهَا ، وَنَاسِخِهَا وَ مَنْسُوخِهَا ، وَخَاصِّهَا وَعَامِّهَا ، وَمُطْلِقِهَا وَمُقَيَّدِهَا ، وَمُجَمِّلِهَا وَمُفَسَّرِهَا ، وَحَلَالِهَا وَحَرَامِهَا ، وَوَعْدِهَا وَوَعِيدِهَا ، وَأَمْرِهَا وَنَهْيِهَا ، وَعِبَرِهَا وَأَمْثَالِهَا . * * *شَرَفُ عِلْمِ التَّفْسِيرِ. وَأَمَّا شَرَفُهُ فَلَا يَخْفَى ، قَالَ تَعَالَى : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [ الْبَقَرَةِ : 269 ] . أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :" يُؤْتِي الْحِكْمَةَ " قَالَ : الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ ، نَاسِخُهُ وَمَنْسُوخُهُ ، وَمُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ ، وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ ، وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ ، وَأَمْثَالُهُ . وَ أَخْرَجَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ ، مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، مَرْفُوعًا : " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ " ؛ قَالَ : الْقُرْآنَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي تَفْسِيرَهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. وَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ :" يُؤْتِي الْحِكْمَةَ " ؛ قَالَ : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْفِكْرَةُ فِيهِ . وَ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، وَقَتَادَةَ. وَ قَالَ تَعَالَى :" وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ " [ الْعَنْكَبُوتِ : 43 ] . أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ :" مَا مَرَرْتُ بِآيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا أَعْرِفُهَا إِلَّا أَحْزَنَتْنِي ، لِأَنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ :" وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ". وَ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ تُعْلَمَ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَمَا أَرَادَ بِهَا . وَ أَخْرَجَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :" الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يُحْسِنُ تَفْسِيرَهُ ، كَالْأَعْرَابِيِّ يَهُذُّ الشِّعْرَ هَذًّا . وَ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ وَالْتَمِسُوا غَرَائِبَهُ . وَ أَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ :" لِأَنْ أُعْرِبَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْفَظَ آيَةً ". وَ أَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ إِذَا سَافَرْتُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَعْرَبْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَفَعَلْتُ ". وَ أَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ :" مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُ شَهِيدٍ ". قُلْتُ : مَعْنَى هَذِهِ الْآثَارِ عِنْدِي إِرَادَةُ الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِعْرَابِ عَلَى الْحُكْمِ النَّحْوِيِّ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ ، وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي سَلِيقَتِهِمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَعَلُّمِهِ . ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ النَّقِيبِ جَنَحَ إِلَى مَا ذَكَرْتُهُ ، وَقَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِعْرَابَ الصِّنَاعِيَّ ، وَفِيهِ بُعْدٌ . وَقَدْ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ السِّلَفِيُّ فِي الطُّيُورِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا :" أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ يَدُلَّكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ " ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ، وَأَجَلُّ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ الشَّرْعِيَّةِ . قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ : أَشْرَفُ صِنَاعَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْإِنْسَانُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ شَرَفَ الصِّنَاعَةِ إِمَّا بِشَرَفِ مَوْضُوعِهَا مِثْلَ الصِّيَاغَةِ ، فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنَ الدِّبَاغَةِ ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الصِّيَاغَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْ مَوْضُوعِ الدِّبَاغَةِ الَّذِي هُوَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ . وَإِمَّا بِشَرَفِ غَرَضِهَا مِثْلَ صِنَاعَةِ الطِّبِّ ، فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ صِنَاعَةِ الْكُنَاسَةِ ، لِأَنَّ غَرَضَ الطِّبِّ إِفَادَةُ الصِّحَّةِ ، وَغَرَضَ الْكُنَاسَةِ تَنْظِيفُ الْمُسْتَرَاحِ . وَ إِمَّا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَالْفِقْهِ ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الطِّبِّ ، إِذْ مَا مِنْ وَاقِعَةٍ فِي الْكَوْنِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْفِقْهِ ، لِأَنَّ بِهِ انْتِظَامُ صَلَاحِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ ، بِخِلَافِ الطِّبِّ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ . إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَصِنَاعَةُ التَّفْسِيرِ قَدْ حَازَتِ الشَّرَفَ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ. أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعِ فَلِأَنَّ مَوْضُوعَهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ يَنْبُوعُ كُلِّ حِكْمَةٍ ، وَمَعْدِنُ كُلِّ فَضِيلَةٍ ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبِلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، لَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ . وَ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْغَرَضِ : فَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ، وَالْوُصُولُ إِلَى السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْنَى . وَ أَمَّا مِنْ جِهَةِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ : فَلِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلِيٍّ أَوْ آجِلِيٍّ ، مُفْتَقِرٌ إِلَى الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى . ***** يتبع بإذنه سبحانه وتعالى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) السبت، 06 شوال، 1443هــ ~ 07 مايو، 2022م | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
07 / 05 / 2022, 27 : 09 PM | المشاركة رقم: 20 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح فَالْجَوَابُ إِنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ فَمَا أُجْمِلَ فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ أَعْيَاكَ ذَلِكَ فَعَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ بَلْ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :" إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا " [ النِّسَاءِ 105 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " [ النَّحْلِ 44 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :" وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [ النَّحْلِ : 64 ] . وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " ، يَعْنِي : السُّنَّةَ وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى الْقُرْآنُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ وَالْغَرَضُ أَنَّكَ تَطْلُبُ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَمِنَ السُّنَّةِ ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ ؛ " بِمَ تَحْكُمُ ؟ " ، قَالَ :" بِكِتَابِ اللَّهِ "، قَالَ :" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ؟ " ، قَالَ :" بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " ، قَالَ :" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ " ، قَالَ :" أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي " . قَالَ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ ، وَقَالَ :" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ " وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ وَحِينَئِذٍ إِذَا لَمْ نَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا وَلِمَا لَهُمْ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ؛ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُاللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ :" وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَنَالُهُ الْمَطَايَا لَأَتَيْتُهُ " . وَقَالَ الْأَعْمَشُ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :" كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يَعْرِفَ مَعَانِيَهُنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ " كما ذكرتُ ذلك من قبل . فــ قَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْرِئُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَخْلُفُوهَا حَتَّى يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَمَلِ فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا . وَمِنْهُمُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ وَبِبَرَكَةِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ حَيْثُ قَالَ :" اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ " . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ ؛ قَالَ عَبْدُاللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ :" نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ ". ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ دَاوُدَ عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ :" نِعْمَ التُّرْجُمَانُ لِلْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ ". ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بُنْدَارٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ كَذَلِكَ . فَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَقَدْ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَعُمِّرَ بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا ظَنُّكَ بِمَا كَسَبَهُ مِنَ الْعُلُومِ بَعْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ اسْتَخْلَفَ عَلِيٌّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْمَوْسِمِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَرَأَ فِي خُطْبَتِهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ سُورَةَ النُّورِ فَفَسَّرَهَا تَفْسِيرًا لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا . وَلِهَذَا غَالِبُ مَا يَرْوِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُود وَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَنْقُلُ عَنْهُمْ مَا يَحْكُونَهُ مِنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّتِي أَبَاحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ :" بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " ؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ الْيَرْمُوكِ قَدْ أَصَابَ زَامِلَتَيْنِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا بِمَا فَهِمَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ . الإسرائيليات : وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْإِسْرَائِيلِيَّةَ تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِضَادِ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ فَذَاكَ صَحِيحٌ . وَالثَّانِي مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ وَالثَّالِثُ مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَغَالِبُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ تَعُودُ إِلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذَا كَثِيرًا وَيَأْتِي عَنِ الْمُفَسِّرِينَ خِلَافٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَمَا يَذْكُرُونَ فِي مِثْلِ هَذَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَلَوْنَ كَلْبِهِمْ ، وَعِدَّتِهِمْ وَعَصَا مُوسَى مِنْ أَيِّ الشَّجَرِ كَانَتْ وَأَسْمَاءَ الطُّيُورِ الَّتِي أَحْيَاهَا اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ وَتَعْيِينَ الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيلُ مِنَ الْبَقَرَةِ وَنَوْعَ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَلَّمَ اللَّهُ مِنْهَا مُوسَى إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَبْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَلَا دِينِهِمْ وَلَكِنَّ نَقْلَ الْخِلَافِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا " [ الْكَهْفِ : 22 ] ،نُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ فَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الْأَدَبِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَتَعْلِيمِ مَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ضَعَّفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ إِذْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَرَدَّهُ كَمَا رَدَّهُمَا ثُمَّ أَرْشَدَ عَلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى عِدَّتِهِمْ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلِهَذَا قَالَ ( فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ، أَيْ لَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِيمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا تَسْأَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا رَجْمَ الْغَيْبِ فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَكُونُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْأَقْوَالَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَأَنْ تُنَبِّهَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا وَتُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَتَذْكُرَ فَائِدَةَ الْخِلَافِ وَثَمَرَتَهُ لِئَلَّا يَطُولَ الْنِزَاعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ فَتَشْتَغِلُ بِهِ عَنِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فَأَمَّا مَنْ حَكَى خِلَافًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَقْوَالَ النَّاسِ فِيهَا فَهُوَ نَاقِصٌ إِذْ قَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ فِي الَّذِي تَرَكَهُ أَوْ يَحْكِي الْخِلَافَ وَيُطْلِقُهُ وَلَا يُنَبِّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ أَيْضًا فَإِنْ صَحَّحَ غَيْرَ الصَّحِيحِ عَامِدًا فَقَدْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَلِكَ مَنْ نَصَبَ الْخِلَافَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ ، أَوْ حَكَى أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً لَفْظًا وَيَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ مَعْنًى فَقَدْ ضَيَّعَ الزَّمَانَ وَتَكَثَّرَ بِمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ [ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنِ اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ . فَصْلٌ إِذَا لَمْ تَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا وَجَدْتَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ التَّابِعِينَ كَــ " مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ " فَإِنَّهُ كَانَ آيَةً فِي التَّفْسِيرِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْ عَنْهَا . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ عَنْ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ رَأَيْتُ مُجَاهِدًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعَهُ أَلْوَاحُهُ قَالَ فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ اكْتُبْ حَتَّى سَأَلَهُ عَنِ التَّفْسِيرِ كُلِّهِ . وَلِهَذَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ إِذَا جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ . وَكَـ " سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ " وَ " عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ " وَ " عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ " وَ " الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " وَ " مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ وَ " سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ " وَ " أَبِي الْعَالِيَةِ " وَ " الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ " وَ" قَتَادَةَ " وَ" الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ " وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَتُذْكَرُ أَقْوَالُهُمْ فِي الْآيَةِ فَيَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ تَبَايُنٌ فِي الْأَلْفَاظِ يَحْسَبُهَا مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ اخْتِلَافًا فَيَحْكِيهَا أَقْوَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ أَوْ بِنَظِيرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنُصُّ عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ وَالْكُلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمَاكِنِ فَلْيَتَفَطَّنِ اللَّبِيبُ لِذَلِكَ وَاللَّهُ الْهَادِي . وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَغَيْرُهُ أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ لَيْسَتْ حُجَّةً فَكَيْفَ تَكُونُ حُجَّةً فِي التَّفْسِيرِ ؟ يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَهُمْ وَهَذَا صَحِيحٌ أَمَّا إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى الشَّيْءِ فَلَا يُرْتَابُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَلَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ وَلَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى لُغَةِ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ عُمُومِ لُغَةِ الْعَرَبِ أَوْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَحَرَامٌ لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ : سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ": مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " . وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِهِ . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيِّ عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِهِ مَرْفُوعًا . وَلَكِنْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَقَفَهُ . وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ بَكْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ " . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ الْقُطَعِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي سُهَيْلٍ . وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ " مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ " ، أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ جُرْمًا مِمَّنْ أَخْطَأَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَكَذَا سَمَّى اللَّهُ الْقَذَفَةَ كَاذِبِينَ فَقَالَ ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ " [ النُّورِ : 13 ] ، فَالْقَاذِفُ كَاذِبٌ وَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَ مَنْ زَنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ وَلَوْ كَانَ أَخْبَرَ بِمَا يَعْلَمُ لِأَنَّهُ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِهَذَا تَحَرَّجَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَنْ تَفْسِيرِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ كَمَا رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :" أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي ؛ وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ ". وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ " وَفَاكِهَةً وَأَبًّا " [ عَبَسَ 31 ] ، فَقَالَ :" أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي ؛ وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا أَنَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ " مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ " وَفَاكِهَةً وَأَبًّا " [ عَبَسَ 31 ] ، فَقَالَ :" هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا ؛ فَمَا الْأَبُّ !!؟ " ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ :" إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ يَا عُمَرُ ". وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي ظَهْرِ قَمِيصِهِ أَرْبَعُ رِقَاعٍ فَقَرَأَ " وَفَاكِهَةً وَأَبًّا " فَقَالَ :" مَا الْأَبُّ !!؟ " ، ثُمَّ قَالَ :" إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ فَمَا عَلَيْكَ أَلَّا تَدْرِيَهُ " . وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّمَا أَرَادَا اسْتِكْشَافَ عِلْمِ كَيْفِيَّةِ الْأَبِّ وَإِلَّا فَكَوْنُهُ نَبْتًا مِنَ الْأَرْضِ ظَاهِرٌ لَا يُجْهَلُ لِقَوْلِهِ :" فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا " ، الْآيَةَ [ عَبَسَ 27 28 ] وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ آيَةٍ ، لَوْ سُئِلَ عَنْهَا بَعْضُكُمْ لَقَالَ فِيهَا فَأَبَى أَنْ يَقُولَ فِيهَا . إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ . وعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ " يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ " [ السَّجْدَةِ 5 ] ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ :" فَمَا يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ " [ الْمَعَارِجِ 4 ] ؟ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ :" إِنَّمَا سَأَلْتُكَ لِتُحَدِّثَنِي !!" ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" هُمَا يَوْمَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ؛ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا ، فَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ . وَقَالَ أَيْضًا ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : جَاءَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ إِلَى جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ فَسَأَلَهُ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ ؟ ، فَقَالَ أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمًا إِلَّا مَا قُمْتَ عَنِّي أَوْ قَالَ أَنْ تُجَالِسَنِي . وَقَالَ مَالِكٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ إِنَّا لَا نَقُولُ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا . وَقَالَ اللَّيْثُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِنَّهُ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِي الْمَعْلُومِ مِنَ الْقُرْآنِ . وَقَالَ شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ :" لَا تَسْأَلْنِي عَنِ الْقُرْآنِ وَسَلْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ " ، يَعْنِي : عِكْرِمَةَ . وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نَسْأَلُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ فَإِذَا سَأَلْنَاهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ سَكَتَ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ لَقَدْ أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ وَإِنَّهُمْ لَيُعَظِّمُونِ الْقَوْلَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْهُمْ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَنَافِعٌ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، قَالَ مَا سَمِعْتُ أَبِي تَأَوَّلَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَطُّ . وَقَالَ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوائِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ سَأَلْتُ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ ، عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِيمَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فَاتَّقِ اللَّهَ وَعَلَيْكَ بِالسَّدَادِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ إِذَا حَدَّثْتَ عَنِ اللَّهِ فَقِفْ حَتَّى تَنْظُرَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ . حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ كَانَ أَصْحَابُنَا يَتَّقُونَ التَّفْسِيرَ وَيَهَابُونَهُ . وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَاللَّهِ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا وَلَكِنَّهَا الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ اتَّقُوا التَّفْسِيرَ فَإِنَّمَا هُوَ الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ . فَهَذِهِ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ وَمَا شَاكَلَهَا عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَحَرُّجِهِمْ عَنِ الْكَلَامِ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ فَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لُغَةً وَشَرْعًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَقْوَالٌ فِي التَّفْسِيرِ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا عَلِمُوهُ وَسَكَتُوا عَمَّا جَهِلُوهُ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ كَمَا يَجِبُ السُّكُوتُ عَمَّا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ الْقَوْلُ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا يَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ " [ آلِ عِمْرَانَ : 187 ، وَلِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ . فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ " حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِيِّ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ :" مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَسِّرُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا آيًا تُعَدُّ عَلَّمَهُنَّ إِيَّاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْطَرَسُوسِيِّ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ ، بِهِ . فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَرِيبٌ وَجَعْفَرٌ هَذَا هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا وَقَّفَهُ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَإِنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ وَمِنْهُ مَا تَعْلَمُهُ الْعَرَبُ مِنْ لُغَاتِهَا وَمِنْهُ مَا لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي جَهْلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَجْهٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ فِي حَدِيثٍ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ حَلَالٌ وَحَرَامٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِالْجَهَالَةِ بِهِ وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ [ الْعَرَبُ وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ . وَالنَّظَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ فَإِنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ إِنَّمَا وَهِمَ فِي رَفْعِهِ وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ ، سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " . وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ : وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا . وَقَدْ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ هَذَا الْحَدِيثَ سِوَى مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ السُّلَمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ . وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ كَمَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ ، وَهَذَا الْمَقَامُ مِمَّا حُكِمَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيهِ عَلَى شُعْبَةَ ، وَخَطَّأَ بُنْدَارٌ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ ذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ : رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْهُ بِإِسْقَاطِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ أَصَحُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِصِنَاعَةِ الْإِسْنَادِ ، وَفِي ذِكْرِهِ طُولٌ لَوْلَا الْمَلَالَةُ لَذَكَرْنَاهُ ، وَفِيمَا ذُكِرَ كِفَايَةٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى مَا تُرِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَالْغَرَضُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ :" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " ، وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِلرُّسُلِ ، وَهُمُ الْكُمَّلُ فِي أَنْفُسِهِمُ ، الْمُكَمِّلُونَ لِغَيْرِهِمْ ، وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّفْعِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي ، وَهَذَا بِخِلَافِ صِفَةِ الْكُفَّارِ الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ لَا يَنْفَعُونَ ، وَلَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا مِمَّنْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ " [ النَّحْلِ : 88 ] ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ " [ الْأَنْعَامِ : 26 ] ، فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ مَعَ نَأْيِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنْهُ ، فَجَمَعُوا بَيْنَ التَّكْذِيبِ وَالصَّدِّ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا " [ الْأَنْعَامِ : 157 ] ، فَهَذَا شَأْنُ الْكُفَّارِ ، كَمَا أَنَّ شَأْنَ خِيَارِ الْأَبْرَارِ أَنْ يَكْمُلَ فِي نَفْسِهِ وَأَنْ يَسْعَى فِي تَكْمِيلِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ، وَكَمَا قَالَ [ اللَّهُ ] تَعَالَى :" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [ فُصِّلَتْ : 33 ] ، فَجَمَعَ بَيْنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْأَذَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعْوَةِ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ ، وَعَمِلَ هُوَ فِي نَفْسِهِ صَالِحًا ، وَقَالَ قَوْلًا صَالِحًا ، فَلَا أَحَدَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ هَذَا . وَقَدْ كَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَشَايِخِهِمْ - مِمَّنْ رَغِبَ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، فَقَعَدَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ إِلَى أَيَّامِ الْحَجَّاجِ قَالُوا : وَكَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الَّذِي مَكَثَ فِيهِ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ سَبْعِينَ سَنَةً ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَآتَاهُ اللَّهُ مَا طَلَبَهُ وَدَامَهُ . آمِينَ . قَالَ الْبُخَارِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ :" أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ :" إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ " ، فَقَالَ :" مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ " . فَقَالَ رَجُلٌ :" زَوِّجْنِيهَا قَالَ : [ أَعْطِهَا ثَوْبًا ، قَالَ : لَا أَجِدُ ، قَالَ : أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، فَاعْتَلَّ لَهُ ، فَقَالَ ] مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ . قَالَ : كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ :" قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي قَصَدَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ تَعَلَّمَ الَّذِي تَعَلَّمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ ، وَيَكُونَ ذَلِكَ صَدَاقًا لَهَا عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُ هَذَا صَدَاقًا ؟ أَوْ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ؟ وَهَلْ هَذَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ ؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ؟ أَبِسَبَبِ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ؟ كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نُكْرِمُكَ بِذَلِكَ . أَوْ بِعِوَضِ مَا مَعَكَ ، وَهَذَا أَقْوَى ، لِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ : فَعَلِّمْهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا وَتَحْرِيرُ بَاقِي الْخِلَافِ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.[ تفسير ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ، دار طيبة ، سنة النشر: 1422هـ / 2002م ] " . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ . * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * . --------------------------------------- (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) السبت، 06 شوال، 1443هــ ~ 07 مايو، 2022م | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018