![]() | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
![]() |
![]() |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 2 | المشاهدات | 1025 | ![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
![]() | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح لقد آمن المعتزلة بأصولهم الخمسة وما تفرع عنها من آراء وجعلوا منها القاعدة والأساس الذي تنطلق منه كل محاوراتهم ومعاملاتهم مع النصوص سواء كانت قرآناً أو سنة، فكان ما يعارض مبادئهم (من آيات يؤولونها وما يعارضها من أحاديث، ينكرونها . . . ولذلك فإن موقفهم من الحديث كثيرا ما يكون موقف المتشكك في صحته، وأحياناً موقف المنكر له لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل) (1) . وإعمال العقل كما سبق أن ذكرنا لا يتنافى إطلاقاً مع الشريعة، بل فقد دعا الإسلام إلى إعمال الرأي في أكثر من آية وأكثر من حديث، وقد استخدم علماء الجرح والتعديل من علماء الحديث العقل كذلك لتمحيص الأخبار ونقد الرواة، إلا أن العقل ينبغي أن يحسن استعماله في مواضعه المنصوص عليها في الشريعة بعيداً عن كل زندقة وتعنت وإلحاد، هذه المعاني التي تفسد العقل كأداة تقويم قيمة لنصوص الحديث وغيرها وتحوله عن وجهته الصحيحة. ولعله من المفيد أن نمهد الحديث عن موقفهم من السنة بكلمة عن مكانة وأهمية العقل عند المعتزلة: لقد أجمع السلف على أن العقل والاجتهاد عموماً يحتل المرتبة الثالثة بعد القرآن ثم السنة، إلا أن المعتزلة خالفوا هذا الإجماع ونصبوا العقل على رأس الأدلة إذ به – كما يقولون – يدركون القرآن نفسه وغيره من الأدلة. فهذا القاضي عبد الجبار في معرض حديثه عن الأدلة الشرعية يقول في تصنيفها ما يأتي: (أولها العقل لأن به يميز بين الحسن والقبح، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع). ولا شك أن مدرك مخالفته وصحبه لإجمال الأمة فقال: (وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم فيظن أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط، أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر، وليس الأمر كذلك لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل) (2) . ويواصل تمجيد العقل فيبين أنه إنما يتوصل الناس إلى معرفة الله وإدراك حكمته بالعقل . . . وهكذا فهم أول من حكم العقل في النص لدرجة سمح معها إبراهيم النظام لنفسه أن يقول: وإن جهة حجة العقل قد تنسخ الأخبار (3) كما أن عمرو بن عبيد ذكر له ذات يوم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا (4) . وبذلك أعملوا قدسية النص الصحيح قرآنا وسنة خلية عن الهوى، وأقاموا العقل حكماً لا ترد كلمته، وحملوه بالإضافة إلى مهمة التحسين والتقبيح – التي بيناها قريباً – مسؤولية (معرفة الله تعالى بجميع أحكامه وصفاته قبل ورود الشرع) (5) حتى أن الجاحظ يقرر أنه لا يجوز للعبد أن يبلغ ولا يعرف الله (6) ذلك أن أصول المرعفة عندهم واجبة وضرورية ويمكن إدراكها بالعقل قبل ورود السمع (7) . ويضيف ثمامة بن الأشرس إلى هذا أن من لم يضطر إليها فهو سخرة للعباد وغيره كسائر الحيوانات غير المكلفة (8) . بل وذهب ثمامة وتلميذه الجاحظ إلى القول أن المعارف كلها طباع رغم كونها أفعالاً للعباد، فهي تصدر عنهم دون أن يكون لهم فيها أثر ولا اختيار اذ لا يملكون إلا الإرادة (9) مما جعل البغدادي يلزمهما أن أفعال العباد من أوامر ونواهي لا توجب ثواباً ولا عقاباً لأنها طباع ليست كسباً (10) ورغم هذا فقد *** مسلكهم الممالي للعقل على حساب القرآن والسنة عطب الكثير من نقاد الغرب فكالوا لهم شهادات الاستحسان والإكبار وقد تعود الكثير من نقاد الغرب المسيحيين الإشادة بكل ما صار في ذمة التاريخ عند المسلمين حتى يشعروا الأجيال الحاضرة أن لا شيء مما يتمسكون به يدعو إلى الإكبار وبالتالي إلى الاعتزاز: فهذا شتينر Stainer أطلق عليهم اسم : "المفكرون الأحرار في الإسلام" وجعل من هذا اللقب عنوان كتابه عنهم. ووصفهم آدم ميز Adam Mez وهاملتون Hamiltion بأنهم دعاة الحرية الفكرية والاستنارة. أما جولد زيهر فيرفع عقيرته بالثناء عليهم ويصفهم بأنهم (وسعوا معين المعرفة الدينية بأن أدخلوا فيها عنصراً مهماً آخر قيماً وهو العقل الذي كان حتى ذلك الحين مبعداً بشدة عن هذه الناحية (11) . هكذا يتجاسر جولد زيهر على قلب الحقائق مسقطاً الواقع الذي يثبت اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين . . . وكتب السنة والسيرة والتاريخ والفقه والخلاف والمقارنات الفقهية حافلة بما يؤيد اجتهادهم وتعويلهم على العقل الذي لم يبق في إجازة في انتظار المعتزلة ليكتسب فعاليته. وقبل أن أختم هذا التمهيد الموجز أريد أن أشير إلى ملاحظة مهمة وهي أن المعتزلة رغم ارتمائهم في أحضان العقل بدون تروّ ورغم مجافاتهم للكثير من نصوص الحديث وتعسفهم في تأويل العديد من آي الذكر الحكيم فإنهم لا يرتاحون حين يتهمهم خصومهم بأن كتبهم ومباحثهم خالية من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ هم يدعون لأنفسهم التمسك بالسنة وبالجماعة، وكثيراً ما ينقلبون على مناوئيهم باللائمة فيتهمونهم بأنهم لا يعرفون حقيقة السنة (12) . وسوف نتتبع حقيقة موقفهم من السنة بدراسة آرائهم إزاء الموضوعات التالية: أ - موقفهم من الصحابة حملة العلم النبوي. ب - ومن الأخبار المتواترة. ج – ومن أخبار الآحاد. د – ومن عدد جم من الأحاديث النبوية. رأيهم في الصحابة: كان موقف المعتزلة من الصحابة خالياً من كل روح ديني، فهم يعرضونهم على مشرحة انتقادهم ولا أقول نقدهم دون أن يتورعوا عن إلصاق كل تهمة بهم، وهي تهم متحملة متعسفة تثبت لأصحابها سوء الطوية أكثر مما تثبته من حب البحث عن الحقيقة. ومما يلفت الانتباه أن بعض المعتزلة يعيب على الصحابة الاجتهاد اجتهاد الرأي هذا الذي جعل منه المعتزلة عنواناً لهم، والذي قدموه على القرآن نفسه كما أسلفنا، حين يطبقه الصحابة يصبح عند المعتزلة من العيوب التي لا تغتفر والتي يؤخذ بها وعليها أصحابها. فهذا النظام يقول: (إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهم، وإما أنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء في المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأي (13) وبذلك نسبهم كما يقول البغدادي (إلى إيثار الهوى على الدين (14) . بل فإن النظام ضرب المثل السيئ في الوقيعة الفاحشة في الصحابة أجمعين (15) ولم يتورع عن إيجاب الخلود في النار على أعلام الصحابة. وحين يفاضل العلماء بين الخلفاء الراشدين حسب إجماع الأمة على مبايعتهم على الخلافة أولاً بأول، نجد أبا علي الجبائي لا يبت في أيهم أفضل (16) ؟ إمعاناً في مخالفة إجماع الأمة. ولإثارة الشبه وتعميق الحزازات يميعون القول في حقيقة مقتل عثمان، فهذا أبو الهذيل يقول: (لا ندري قتل عثمان ظالماً أو مظلوماً؟) (17) ، وقبله يعلن واصل بن عطاء أنه لا يعرف، هل كان عثمان هو المخطئ أم قاتلوه وخذلوه؟ (18) . حتى إذا ما وصل الأمر إلى النظر في أصحاب الجمل وصفين نجدهم ينسبون الصحابة إلى الفسق جلت أقدارهم وعلت عن ذلك علواً كبيراً، فهذا واصل بن عطاء يجعل أحد الفريقين المتخاصمين في الجمل وفي صفين مخطئا لا يعينه تماما كالمتلاعنين فإن أحدهما فاسق لا محالة . . (وأقل درجات الفريقين أنه لا تقبل شهادتهما كما لا تقبل شهادة المتلاعنين) (19) . وبناءً على هذا فإنه لم يحكم بشهادة رجلين أحدهما من أصحاب علي والآخر من أصحاب الجمل، فهو يقول: (لو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم (20) . وقبل شهادة رجلين من أصحاب علي وشهادة رجلين من أصحاب طلحة والزبير (21) إذ قد يكون أحد الفريقين عدلا وعلى صواب، وهو رأي تبناه بعد ذلك ضرار بن عمرو وأبو الهذيل ومعمر ابن عياد السلمي حيث قالوا جميعا: (نحن نتولى كل واحد من الفريقين على انفراد (22) . وهكذا يكونون قد شكوا في عدالة علي وطلحة والزبير مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الثلاثة بالجنة ومع دخولهم في بيعة الرضوان وفي جملة الذين قال الله تعالى فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18]. وتقدم عمرو بن عبيد خطوة أخرى في تفسيق أصحاب الجمل، فقطع بفسق الطرفين المتحاربين جميعا، وقال: (لا أقبل شهادة الجماعة منهم سواء كانوا من أحد الفريقين أو كان بعضهم من حزب علي وبعضهم من حزب الجمل) (23) وبلغ به الأمر في امتهانهم إلى القول: لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان على شراك (24) نعل ما أجزت شهادتهم (25) وهذا منه متساوق مع ما جبل عليه من كراهتهم وشتمهم (26) . أما إبراهيم النظام وبشر بن المعتمر وبعض المعتزلة، فإنهم صوبوا علياً في حروبه وخطأوا من قاتله، فنسبوا طلحة والزبير وعائشة ومعاوية إلى الخطأ (27) وانتفاء العدالة عنهما. وقولهم هذا لا شك باطل مرذول ومردود، فقد قال الله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [ الحجرات:9] فسماهم مؤمنين مع الاقتتال (28) . وعديدون هم الصحابة الذين ألهبتهم ألسنة المعتزلة وأقلامهم بالقدح والتجريح فهذا أبو بكر الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من أسلم من الرجال، وصديق الرسول وحبيبه ينال منه النظام فيتهمه بالتضارب في أقواله، وذلك حين امتنع عن القول في شيء من متشابه القرآن الذي لا يعلم تأويله إلا الله فقال لما سئل عنه: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني . . إذا أنا قلت في آية من كتاب الله تعالى بغير ما أراد الله) (29) ثم سئل عن الكلالة فقال: (أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني هي ما دون الولد والوالد) (30) . وكان عمر هدفاً لتهجمات النظام وطعناته فقد زعم أنه شك يوم الحديبية في دينه وذلك ((لما سأل الرسول: ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : نعم. قال عمر: فلم نعط الدنية في ديننا؟)) (31) فغيرة عمر على الدين ورغبته المخلصة في نصرته اعتبرها النظام ترددا وشكا!! وآمن النظام بفرية الشيعة في الوصية بالخلافة لعلي وهي البدعة التي اختلقها عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم ليكون رأس الفتنة، واتهم النظام عمر بأنه كتمها وبادر بمبايعة أبي بكر ليحرم آل البيت، بل فإن عمر كما يزعم النظام (ضرب يوم البيعة بطن فاطمة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين). بل فحتى نفي عمر لشاعر المدينة الوسيم نصر بن حجاج (32) إلى البصرة مخافة فتنة النساء اعتبره النظام من مطاعن عمر، كما أخذ عليه جلده في الخمر ثمانين جلدة (33) وأعد إحياءه لسنة التراويح بدعة تذكر له بالذم (34) . ثم اتهمه بما اتهم به أبا بكر رضي الله عنه من التناقض في أقواله، حيث نسب إليه قوله (أجرؤكم على الفتيا في ميراث الجد أجرؤكم على النار) ثم قضى في الجلد بمائة قضية مختلفة (35) . وأحكام النظام كلها تصور قلة غيرته على الإسلام، وميله إلى الابتداع، وهدم ما يتميزه به أعلام الإسلام من هيبة في نفوس المسلمين لكي يزرع فيهم خيبة الأمل ويخلخل في نفوسهم كثيراً من القيم التي يمثلها صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يسلم عبد الله بن مسعود (ت 23هـ) من طعن النظام فقد عاب عليه إعماله الرأي في الفتيا (36) وتجرأ على نسبته إلى الكذب ورد عددا كبيرا من أحاديثه كحديث السعيد من سعد في بطن أمه، وحديث انشقاق القمر وغيرهما (37) . . فقد قال عن حديث انشقاق القمر: وهذا من الكذب الذي لا خفاء به، لأن الله تعالى لا يشق القمر له وحده، ولا لآخر معه وإنما يشقه ليكون آية للعالمين . . . فكيف لم يعرف بذلك العامة، وكم يؤرخ الناس بذلك العام، ولم يذكره شاعر، ولم يسلم عنده كافر ولم يحتج به مسلم على ملحد (38) ؟! وقال عن الحديث الأول: (ولو كان ابن مسعود بدل نظره في الفتيا، نظر في الشقي كيف يشقى والسعيد كيف يسعد، حتى لا يفحش قوله على الله تعالى، ولا يشتد غلطه لكان أولى به. . ) (39) . وللنظام في ثلب أمير المؤمنين عثمان بن عفان الباع الطويل، فقد عاب عليه: إيواءه الحكم بن أمية إلى المدينة وهو طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ب – ونفيه أبا ذر الغفاري إلى الربذة وهو صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ج – واستعماله الوليد بن عقبة على الكوفة وهو من أفسد الناس حتى أنه صلى بالناس وهو سكران. د – أعان سعيد بن العاص بأربعين ألف درهم على نكاح عقده. هـ - تزويجه ابنته مروان بن الحكم (40) . ونال النظام أيضا من حذيفة بن اليمان (ت 36هـ) أمين سر الرسول صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين لم يعلمهم أحد غيره (41) فشتمه واتهمه بالكذب وزعم أنه حلف لعثمان على أشياء ما قالها وقد سمعوه قالها!!؟) (42) . وحين أفتى علي برأيه قال عنه النظام: (من هو حتى يقضي برأيه (43) !؟). ولم يتورع عن الطعن في أبي هريرة والقول عنه (كان أكذب الناس (44) . وادعى أن عمر وعثمان وعليا وعائشة رضي الله عنهم أكذبوه (45) . وقد خطأ بعض المعتزلة معاوية (ت 60هـ) ولم يقولوا بإمامته (46) ، وكان عرضة لتهجم القاضي عبد الجبار حيث وسم أعماله بالباطل (47) . ولم يسلم سمرة بن جندب (ت 60هـ) من شتم عمرو بن عبيد، فقد سأله أحدهم عن حديث لسمرة فقال له: (ما تصنع بسمرة؟ قبح الله سمرة) (48) !! وموقف المعتزلة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عموما يتراوح بين شاك في عدالتهم منذ عهد الفتنة، كما فعل واصل وبين مفسق لهم جميعا كعمرو بن عبيد وبين (طاعن في أعلامهم متهم لهم بالكذب والجهل والنفاق كالنظام، وذلك يوجب ردهم للأحاديث التي جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة بناء على رأي واصل وعمرو ومن تبعهما) (49) . وما ذهب إليه المعتزلة كما يقول ابن كثير: (باطل مرذول ومردود (50) ، وهو مخالف للسنة مخالفة صريحة ذلك أن من الذين كفروهم شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير (51) . كما كان العديد من الصحابة الذين نسبوهم إلى الكذب والضلال ضمن أهل بيعة الرضوان الذين أشاد الله بذكرهم. ومما يؤيد منافاة طعنهم على الصحابة للسنة الصحيحة ما جاء في صحيح البخاري عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) (52) ويشرح ابن حجر معنى القرن فيقول: (والمراد بقرن النبي في هذا الحديث الصحابة) (53) . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) (54) . يقول الإمام الغزالي: فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب سبحانه وتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف ولو لم يرد الثناء، لكان فيما اشتهر وتواتر عن حالهم في الهجرة والجهاد وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأهل في موالاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته كفاية في القطع بعدم التهم (55) . وقد أجمع سلف الأمة وجماهير الخلف على عدالة الصحابة بما فيهم من لابس الفتن (56) ، وصار استنقاصهم آية من آيات الزندقة والمروق عن الإسلام يقول، أبو زرعة: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق (57) . ذلك أن طعنهم وتنقصهم لا يعدو كونه هذيانا بلا دليل إلا مجرد (رأي فاسد عن ذهن بارد، وهوى متبع، وهو أقل من أن يرد والبرهان على خلافه أظهر وأشهر: مما علم من امتثالهم أوامره بعده عليه الصلاة والسلام، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنواع القربات في سائر الأحيان والأوقات مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين) (58) . ب – إنكارهم للحديث المتواتر: يعتبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصل الثاني للتشريع الإسلامي بإجماع علماء الأمة الإسلامية، وتنقسم السنة باعتبار عدد رواتها إلى متواتر وآحاد. وعرف علماء المصلطح المتواتر بقولهم (هو ما رواه جمع كثير عن جمع كثير يحيل العقل تواطؤهم على الكذب عادة أو صدوره منهم اتفاقا، وأن يكون مستند انتهائهم الحس ويصيب خبرهم إفادة العلم بنفسه لسامعه) (59) . وعرفه أبو عمر يوسف بن عبد البر بأنه (إجماع تنقله الكافة عن الكافة. وهو من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم، فقد رد نصا من نصوص الله يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن لم يتب لخروجه مما أجمع عليه المسلمون، وسلوكه غير سبيل جميعهم) (60) وإن لم ينعقد الإجماع على تواتره، بل وقع الخلاف فيه، يكون منكره من الفاسقين (61) . ودرج المعتزلة على مخالفة إجماع الأمة على إفادة المتواتر القطع: وذهب النظام إلى جواز وقوع الكذب في الخبر المتواتر رغم خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر (62) بناء على ما يعتقده من أن الحجة العقلية جديرة وقادرة على نسخ الأخبار (63) ولا يستغرب إنكاره للمتواتر ما دام ينكر حجية الإجماع كما سنرى ويُجَوَّز اجتماع الأمة على الضلالة (64) . ويرى أبو الهذيل أن (الحجة لا تقوم فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام و فيما سواها، إلا بخبر عشرين فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر، ولا تخلو الأرض عن جماعة هم أولياء الله معصومون لا يكذبون، ولا يرتكبون الكبائر، فهم الحجة، لا المتواتر، إذ يجوز أن يكذب جماعة ممن لا يحصون عددا إذا لم يكونوا أولياء الله ولم يكن فيهم واحد معصوم) (65) . وفي إنكارهم للمتواتر واشتراطهم – لثبوت الخبر – أن يكون أحد رواته من أهل الجنة، تعطيل للأخبار الواردة في الأحكام الشرعية وبذلك ينقصون من الأوامر والنواهي ويتحللون من الشريعة تماما. ج - ردهم لخبر الآحاد: وخبر الآحاد هو ما رواه واحد أو اثنان أو ثلاثة فأكثر دون بلوغ عدد التواتر أو وصل ولكن فقد شرطا من شروط التواتر، وقد اشترط العلماء في راويه لقبوله العدالة والضبط (66) . ومتى توفرت فيه شروط القبول يصبح حجة معمولا به وجوبا على رأي الجمهور سواء كان خبر الآحاد صحيحا لذاته أو صحيحا لغيره حسنا لذاته أو حسنا لغيره (67) ، بل ذهب بعضهم إلى القول بأنه يوجب العلم والعمل جميعا (68) . وخالف المعتزلة ما ذهب إليه جمهور العلماء المسلمين، وردوا خبر الواحد مشترطين التعدد، فهذا أبو الحسن الخياط أنكر حجة أخبار الآحاد (69) وهذا أبو عليا الجبائي – كما ينقله عنه المازري وغيره (70) – لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا : أ – أو عضده ظاهر خبر آخر أو موافقة ظاهر الكتاب. ب – إذا نسب إليه خبر عدل آخر. ج – أو عمل به بعض الصحابة. بل فقد نسب بعضهم إلى الجبائي أنه لا يقبل الخبر إلا إذا رواه أربعة (71) . وللمعتزلة في رد خبر الواحد حجج نذكر منها: 1- قصة ذي اليدين (72) وكون النبي صلى الله عليه وسلم توقف في خبره حتى تابعه عليه غيره. 2- قصة أبي بكر حين توقف في خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى تابعه محمد بن مسلمة (73) . 3- وقصة عمر حين توقف في خبر أبي موسى في الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد الخدري (74) . وقد تناول علماء السنة التدليل على حجية خبر الواحد فعقد الإمام الشافعي بابا بهذا العنوان في رسالته (75) ، كما أن البخاري عقد في جامعه الصحيح بابا لهذا الغرض ترجم له بقوله: باب ماجاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، ولا يكاد كتاب من كتب المصطلح لا يخلو من إثبات حجية خبر الواحد ودحض الشبه التي تحوم حوله، وقد تولى ابن حجر الرد على حجج المعتزلة في خبر الآحاد، فبين أن توقف الرسول صلى الله عليه وسلم في قبول خبر ذي اليدين لا حجة فيه للمعتزلة لأن سؤال ذي اليدين عارض علم الرسول، وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل (76) . وانفراد ذي اليدين بمراجعة الرسول صلى الله عليه وسلم دون المصلين جميعا على كثرتهم وأهميتهم مما يدعو الرسول إلى استبعاد حفظ ذي اليدين وتجويز الخطأ عليه (77) وقد طفحت كتب الآثار بأمثلة عديدة تؤيد اعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم لخبر الواحد حجة فقد (بعث رسله واحدا واحدا إلى الملوك، ووفد عليه الآحاد من القبائل فأرسلهم إلى قبائلهم، وكانت الحجة قائمة بإخبارهم عنه مع عدم اشتراط التعدد (78) . أما عن قصة توقف أبي بكر في خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة، فهذا ليس منه مطردا، فهو يطلب مزيدا من التثبت والتحوط لا اتهاما للمغيرة، باعتباره راويا فردا. وقد قبل أبو بكر أخبار آحاد كثيرة (79) . وأما قصة عمر فإن أبا موسى أخبره بذلك الحديث بعد أن أنكر عليه رجوعه بعد الاستئذان ثلاثا، وتوعده: فأراد عمر أن يتثبت خشية أن يكون أبو موسى إنما أورد الحديث دفعاً عن نفسه (80) . وغاية ما يؤخذ من الحديث - على حد تعبير ابن بطال – (التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره (81) سيما وجاء في إحدى الروايات أن عمر قال لأبي موسى (أما إني لم أتهمك ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقد قبل عمر كثيرا من أخبار الآحاد العدول: أ- فقد قبل خبر عبد الرحمن بن عوف وحده في أخذ الجزية من المجوس (82) . ب – كما قبل خبره في الرجوع عن البلد الذي فيه الطاعون (83) . ج – وقبل خبر الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها (84) . د – كما قبل خبر عمرو بن حزم في أن دية الأصابع سواء (85) . هـ - وقبل أيضا خبر سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين (86) . و – وقبل خبر حمل بن مالك بن النابغة في دية الجنين، وكاد يحكم فيه باجتهاده، وقد قال: (لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره) كما قبل غيرها من الأخبار (87) . وقد يضطر المعتزلة أحيانا لقبول خبر الواحد (88) – لسبب أو لآخر – إلا أنهم حين يضطرون إليه فلا يروونه بصيغة الجزم وإنما يروونه بصيغة التمريض (89) . وردهم لخبر الآحاد يفسر هدفهم الرامي إلى إنكار أكثر أحكام الشريعة لأن أغلب الفروض والمسائل الشرعية قائمة على أخبار الآحاد (90) . د – تشكيك المعتزلة وإنكارهم للكثير من الأحاديث: لقد آمن المعتزلة بأصولهم الخمسة وما يتفرع عنها من المبادئ والمفاهيم وجعلوا منها قاعدة يخضعون لها كل النصوص سواء كانت قرآنية أو حديثية: فما يعارض مبادئهم من الآيات يؤولونه، وما يعارضها من الأحاديث يردونه وينكرونه، ولذلك كان موقفهم من الحديث كما يقول أحمد أمين: (موقف المتشكك في صحته وأحيانا موقف المفكر له لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل) (91) . ولذلك نشهد استخفافا بالحديث وجرأة على حملته بلغت بعمرو بن عبيد إلى القول حين ذكر له حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا (92) فتحكيمه للعقل جعله يعترض على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الله، وكثيرون هم هؤلاء المجترئون على الله والرسول اعتمادا على ما تزينه لهم عقولهم والشيطان من أمثال (الخوارج والمعتزلة وضعفة أهل الرأي حتى انسل أكثرهم عن الدين، وأتت فتاويهم ومذاهبهم مختلة القوانين وذلك لأنهم اتبعوا السبل وعدلوا عن الطريق، وبنوا أمرهم على غير أصل وثيق) (93) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109]. ولعزوف المعتزلة عن الحديث قابلهم أهل البينة والجماعة بامتهانهم واحتقارهم مهما كان جاههم ومنصبهم في الدولة، فهذا المعتصم الخليفة العباسي يلتفت إلى أحمد بن حنبل ويقول له: (كلم ابن أبي دؤاد (94) فأعرض عنه أحمد بوجهه وقال: كيف أكلم من لم أره على باب عالم قط؟) يريد عالم الحديث. وقد بلغ المعتزلة عداؤهم للحديث أن ردوا نصوصا كثيرة صحيحة: فقد ردوا حديث الشفاعة (95) وحديث انشقاق القمر (96) كما سنبين ذلك بعد حين وردوا حديث ((جف القلم بما أنت لاق)) (97) ، كما رد النظام حديث ((السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه)) (98) ذلك أن هذين الحديثين يتعارضان مع ما يؤمنان به من نفي القدر وهما حديثان خرجهما البخاري في (الجامع الصحيح) (99) . ورد القاضي عبد الجبار حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إذا قاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)) (100) ، وقال إن مثل (هذه الأخبار لا يجوز التصديق بها إذا كانت مخالفة للأدلة القاطعة) (101) . والعجيب هنا هو ميلهم إلى الإنكار ونكوصهم عن التأويل ذلك أن بعض الأحاديث مثلها مثل بعض الآيات المتشابهة التي تحتاج إلى فهم عميق، يوفق بين ما يبدو من الاختلاف أو التعارض بينها وبين العقل. وقد تولى أهل السنة درس هذا الحديث الذي رده القاضي عبد الجبار فقالوا: واختلف إلى ماذا يعود الضمير في (صورته): 1- فقيل إلى آدم: أي خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط وإلى أن مات دفعا لمن توهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى، - أو ابتدأ خلقه. كما وجد لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة. وقيل للرد على الدهرية إنه لم يكن إنسان إلا من نطفة ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ولا أول لذلك، فبين أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة. وقيل للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتاثيره. . . 2- وقيل: (الضمير لله . . . والمعنى أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء) (102) . هكذا أعمل أهل السنة في مثل هذه الأحاديث المختلفة والمشكلة، للتأويل المتزن المنطقي ولم يجرؤوا على ردها، لأنها أحاديث صحيحة ثابتة بينما نكص المعتزلة عن إعمال العقل، وهم من قدم العقل وكان العقل عندهم حكر على التشكيك في الشرع ونصوصه ورجاله. 5- كذبهم في الحديث: ثبت لنا أن المعتزلة يعتبرون العمل شرط صحة لثبوت الإيمان إلا أن الكثيرين من أعلامهم اشتهروا بالتهاون في أداء الفروض وقلة التدين وعدم التورع عن ارتكاب بعض المحرمات ويتضح لنا ذلك عند النظام وثمامة بن أشرس وغيرهما. كما أن زعمائهم لا يترددون عن الكذب في الحديث: جاء في مقدمة (صحيح مسلم) (كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث (103) . ومن أمثلة أكاذيبه ما نسبه للحسن البصري حول السكران بالنبيذ من أنه لا يجلد، وسئل أيوب السختياني عن صحة ذلك فقال: (كذب، أنا سمعت الحسن يقول: يجلد السكران من النبيذ) (104) . ومن أمثلة أكاذيبه أيضا ما نسبه للحسن كذلك من روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) (105) . وقد كذبه أيوب. ولا ريب أن هذا الحديث ظاهر الوضع. وكثيرة هي المسائل التي ينسب أحكامها إلى الحسن، وهي على الحقيقة من رأيه هو (106) . ولتأييد مذهبه الاعتزالي فإن عمرو بن عبيد كثيرا ما يورد الحديث دون بيان تأويله، من ذلك ما رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) (107) , وقد سئل عن ذلك عوف بن أبي جميلة فقال: (كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث). بمعنى أن عمرا أورد هذا الحديث لتأييد ما يذهب إليه المعتزلة من تفسيق مرتكب الكبيرة وتخليده في النار ولما كان مستل السيف على أخيه المسلم مرتكباً لكبيرة فهو ليس من أمة الإسلام وبالتالي فهو مخلد في النار (108) . ولهذا نجد العلماء يضعفون عمرا ويردون أحاديثه من ذلك أن الفلاس قال: (عمرو متروك صاحب بدعة) (109) . بل فإن الناس كانوا يتحاشون حتى مجالسته لإغراقه في الابتداع رغم ما يشاع عنه من ورع!! وإذا جوز النظام الكذب على المكره حيث قال: (إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزره موضوعا عنه) (110) فإن أكثر المعتزلة بما فيهم النظام لا يتورعون عن الكذب لا للإكراه ولكن لتأييد ما يذهبون إليه من آراء متعسفة كما رأينا بالنسبة لعمرو بن عبيد، وكما يروى عن القاضي عبد الجبار الذي يروي عن ابن عباس قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خمس لا يعذر بجهلهن أحد: 1- معرفة الله تعالى، أن يعرفه ولا يشبه به شيئا. 2- والحب في الله. 3- والبغض في الله. 4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 5- اجتناب الظلمة)) (111) . وهذا الحديث ينكره الرواة، وإنما تمسك به المعتزلة ليثبتوا به وجوب معرفة الله بالدليل (112) . فالحديث الشريف لم يسلم من المعتزلة حيث جرّحوا رواته من الصحابة، وأنكروا المتواتر منه وردوا الآحاد وأنكروا وشكوا في الكثير من الأحاديث وأخيرا كذبوا في الحديث لتقوية بدعتهم، فهم وإن لم يكترثوا بالحديث إلا أنهم يلجأون إليه، وإن اضطرهم ذلك إلى الوضع حين يرومون تأييد مذهبهم. موقفهم من الإجماع والقياس: يعتبر الإجماع والقياس من المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي بعد القرآن ذلك أن شريعة السماء إنما تستمد شرعيتها وأحكامها من الله تعالى، إما بطريق مباشرة وهي القرآن أو غير مباشرة وهي سنة الرسول المقبولة: صحيحة وحسنة، ثم الإجماع والقياس اللذان يستندان إلى روح القرآن والسنة. وقد عرف العلماء القياس بأنه (إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص على حكمه لاشتراكهما في علة الحكم (113) أو هو الحكم للنظير بحكم نظيره إذا كان في معناه والحكم للفرع بحكم أصله إذا قامت فيه العلة التي من أجلها وقع الحكم) (114) . والقياس مأخوذ من أكثر من آية في القرآن الكريم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] الاستنباط هو الاستخراج وهو بالقياس لأن النصر ظاهر (115) ، وكذلك مأخوذ من قياس الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حكم، وقد عقد الإمام البخاري في جامعه الصحيح بابا ترجم له بقوله: (باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين)، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل (116) أورد فيه عددا من الأحاديث التي تثبت قياس الرسول صلى الله عليه وسلم الصريح. أما الإجماع: فهو إجماع علماء الأمة الإسلامية على أمرها فيصبح بذلك حكما شرعيا والإجماع مأخوذ من قول الله تعالى: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) (117) . والعمل بالقياس معلوم عند علماء الأمة وقد ساروا عليه قديما وحديثا حتى حدث أن إبراهيم النظام، وقوم من المعتزلة سلكوا طريقه في نفي القياس (118) . . . وخالفوا ما مضى عليه السلف . . . واتبعهم من أهل السنة على نفي القياس في الأحكام داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري (ت 270هـ). أما النظام فقد رد حجية الإجماع والقياس معا ذلك أن الحجة عنده إنما تنحصر في قول الإمام المعصوم تأسياً بما يذهب إليه بعض الشيعة الذين جعلوا الدين طاعة رجل واحد وهو إمامهم (119) . وقد تصدى جمع من المعتزلة أنفسهم للرد على النظام من أمثال بشر بن المعتمر شيخ البغداديين ورئيسهم، وأبي الهذيل العلاف وهما من رؤساء المعتزلة وأهل الكلام وكان أشد الناس نصرة للقياس واجتهاد الرأي في الأحكام، وقد قمعا أبا الهذيل وأصحابه (120) . كما خلفه بشر بن غياث المريسي (ت 218هـ) وهو فقيه معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة (121) والقول بخلق القرآن، أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف وكان من المغرقين في القياس الناصرين له الدائنين به (122) وإن كان لا يرى الإجماع كما سنرى بعد حين. وإذا انقسم المعتزلة حول القياس فإن موقفهم من الإجماع يكاد يكون متحدا حول رد الإجماع، نعم، نجد القاضي عبد الجبار يقر حجة الإجماع مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على خطأ وعليكم بالجماعة)) (123) ، ولئن شرح المراد بالجماعة وهو ما أجمعت عليه الأمة وثبت ذلك من إجماعها، فإنه يجعل هذا الإجماع لا يرتبط بالعدد بقدر ما يرتبط بطاعة الله والتزام السمت السمي، فهو عنده ينطبق حتى على الفرد الواحد، مستشهدا على رأيه هذا بما ينسبه لابن مسعود: (الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كان رجلا واحدا) (124) . وعلى هذا الأساس يصف من يخالف المعتزلة من المشنعين عليهم بأنهم (عند التحقيق لا يميزون ما يقولون) (125) ويصف أصحابه بأنهم هم المتمسكون بالسنة والجماعة دون هؤلاء المشنعين عليهم (126) . وفي الحقيقة فإن الواحد لا يمكن أن يكون إجماعا، وإلا فإن المفاهيم تصبح مقلوبة منكوسة ولعل في اعتراف القاضي عبد الجبار (ت 415هـ) بالإجماع وهو من رجال القرن الرابع وأوائل الخامس، وقد شهد ما لحق المعتزلة من النكبات نتيجة غلوهم ومخالفتهم الصريحة للكثير مما يدين به المسلمون ومما هو وارد في الكتاب والسنة، لعل في اعترافه بحجية الإجماع تخفيفا عن المعتزلة بعض أوزارهم، إلا أن التوفيق جانبه لما عرف ذلك التعريف المتجافي حتى مع المعنى اللغوي للإجماع فضلا عن معناه الاصطلاحي. أما النظام فإنه أبطل صراحة حجية الإجماع وذهب إلى تجويز إجماع الأمة في جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأي والاستدلال (127) ويستدل على رأيه هذا بأن الأمة الإسلامية أجمعت (على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة دون جميع الأنبياء، وليس كذلك، وكل نبي في الأرض بعثه الله تعالى إلى جميع الخلق بعثه لأن آيات الأنبياء – لشهرتها – تبلغ آفاق الأرض، وعلى كل من بلغه ذلك أن يصدقه ويتبعه) (128) . وهذه الحجة تتنافى وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((بعثت إلى الناس كافة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة)) وقد رواه البخاري في كتابي التيمم والصلاة (129) والنسائي في كتاب الغسل (130) والدارمي في كتاب الصلاة (131) . وقد خالف النظام إجماع الأمة على وجوب الوضوء من النوم، وابتدع القول بأن النوم لا ينقض الوضوء وعلل مخالفته هذه بقوله: (وإنما أجمع الناس على الوضوء من نوم الضجعة لأنهم كانوا يرون أوائلهم إذا قاموا بالغداة من نوم الليل تطهروا، لأن عادات الناس الغائط والبول من الصبح، ولأن الرجل يستيقظ وبعينه رمص وبفيه خلوف، وهو متهيج الوجه، فيتطهر للحدث والنشرة (132) لا للنوم (133) . والنوم خلافا لما يذهب إليه النظام ينقض الوضوء سيما إذا لم يكن نعسة أو خفقة خفيفة، وقد عقد البخاري في جامعه بابا ترجم له بقوله: باب الوضوء من النوم (134) أورد فيه أحاديث كثيرة تثبت تلك الترجمة. وخالف النظام إجماع الأمة أيضا بقوله: (إن الطلاق لا يقع بشيء من الكنايات كقول الرجل لامرأته: أنت خلية أو برية أو حبلك على غاربك أو البتة أو إلحقي بأهلك أو اعتدي أو نحوها من كنايات الطلاق عند الفقهاء سواء نوى بها الطلاق أو لم ينوه) (135) . ذلك أن ما ذهب إليه المسلمون اعتبار النية. وقد عقد البخاري لهذا المعنى بابا ترجم له بقوله: (باب إذا قال فارقتك، أو سرحتك أو الخلية أو البرية أو ما عني به الطلاق، فهو على نيته) (136) . ومن لطيف ما يروى عن بشر بن غياث المريسي المعتزلي في رد الإجماع أنه سأل الإمام الشافعي في حضرة هارون الرشيد: (ادعيت الإجماع، فهل تعرف شيئا أجمع الناس عليه؟). قال الشافعي: نعم أجمعوا على أن هذا الحاضر أمير المؤمنين فمن خالفه قتل (137) . فالإجماع حقيقة تستند إلى الكتاب والسنة لا يمكن إنكارها، ولا يمكن فهمه إلا بالشكل السوي الذي فهمه به السلف الصالح. (166) الحديث الشريف هو ثاني مصادر الشريعة الإسلامية – بعد القرآن – وهو المفسر والمبين الأول لكتاب الله تعالى، ولهذا عني به أئمة المسلمين وعلماؤهم على مر العصور عناية تفوق الوصف فحرصوا على جمعه بكل طرقه، ثم لما أطلت المبتدعة برؤوسها واتخذوا وضع الأحاديث طريقا للتدليل على مذاهبهم الفاسدة، وضع سلف الأمة السند وعملوا على تمحيصه تمحيصا دقيقا ووضعوا لذلك علوما عديدة (138) تخدم هذا الغرض كعلم الجرح والتعديل وأسماء الرواة وغير ذلك. "عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" (139) . وقد أدى ذلك إلى فرز الحديث صحيحه من ضعيفه، وإلى تنقيته مما وضعه الواضعون من المبتدعة – كالرافضة وغيرهم – فظل الحديث الشريف مصفى من الشوائب مبرأ من المعايب، يأخذ عنه المسلمون أسس دينهم في العقائد النظرية وفي الشرائع العملية على حد سواء، فما دل عليه من عقيدة اتخذوها دينا يتقلدونه، وما هدى إليه من شريعة عملوا بها دون مماحكة أو جدال. وكان لابد للمبتدعة - على اختلاف أنواعهم – أن يحاولوا اختراق هذا الجدار المنيع الذي يحمي أسس العقيدة والشريعة وتفاصيلها ليتمكنوا من الزيادة في الدين أو النقص منه حسب ما يشاؤون، فذهبت المعتزلة إلى أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، بينما حكم العقل يقيني إذ أنه هو مناط التكليف – الذي بدونه لا يكون الإنسان مكلفا – وعلى ذلك يجب تقديم الحكم العقلي على خبر الآحاد مطلقا سواء في العقائد أو في الشرائع العملية، بل إنهم ردوا أخبار الآحاد في العقائد جملة بدعوى أن العقيدة يجب أن تثبت بطريق قطعي يقيني لا بطريق ظني كخبر الواحد!، ولم يفرقوا بين ما هو صحيح من الأحاديث أو غيره من درجات الحديث، بل يكفي مخالفته لما ادعوه معقولا لرده وعدم العمل به؛ بل والقدح في رواته بغاية الجرأة والوقاحة. وقد موهوا بأن التواتر – وهو رواية الخبر بطريق جمع كبير يؤمن عدم تواطئهم على الكذب أو النسيان – وحده هو الذي يفيد اليقين القطعي، وإن جعلوا الحكم العقلي مقدما عليه كذلك حين التعارض!. وكان من جراء ذلك أن رد المعتزلة الكثير من العقائد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كعذاب القبر وكالإيمان بالحوض والصراط والميزان والشفاعة (140) وما سبق ذكره كرؤية الله في الآخرة، كما ردوا الكثير من الأحكام الشرعية الصحيحة الثابتة إما بدعوى مناقضتها للعقل، أو تعارضها مع الكتاب، أو تعارضها مع أحاديث أخرى – بزعمهم -!. فمما زعموا معارضته للعقل حديثه صلى الله عليه وسلم : ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده)) (141) ، قالوا: كل الناس تعلم أين باتت يدها، وحتى إذا قصد المسلمون الحرج فالنائم مرفوع عنه الحرج ولا يؤاخذ بما يفعله في نومه "ولو أن رجلا مس فرجه في يقظته لما نقض ذلك طهارته فكيف بأن يمس وهو لا يعلم" (142) . ومما زعموا تعارضه مع الكتاب: قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا وصية لوارث)) (143) ، قالوا: هذا معارض بقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ[ البقرة: 180] (144) . والوالدان وارثان على كل حال. وكذلك نهيه صلى الله عليه وسلم : ((أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها)) (145) إذ هو معارض لقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ [ النساء: 23] ولم يذكر عمة الزوجة أو خالتها. كما روى عن أبي بكر بن محمد أنه قال: "قال عمرو بن عبيد: لا يعفى عن اللص دون السلطان – قال فحدثته بحديث صفوان بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ![]() وقد كان هذا المنهج من أحوال أهل البدعة التي جروا عليها لشدة الأحاديث عليهم بما تقرره من الحق المخالف لمبتدعات عقولهم، يقول الشاطبي في بيان مسلك أهل البدع: ". . . ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، يدعون أنها مخالفة للعقول وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردها كالمنكرين لعذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله عز وجل في الآخرة وكذلك حديث الذباب وقتله، وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء وأنه يقدم الذي فيه الداء، وحديث الذي أخذ أخاه بطنه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بسقيه العسل وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول. وربما قدحوا في الرواة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم – وحاشاهم- وفيمن اتفق من الأئمة من المحدثين على عدالتهم وإمامتهم. كل ذلك ليردوا به على من خالفهم في المذاهب وربما ردوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة لينفروا الأمة عن اتباع السنة وأهلها" (147) ، وقال بعدها: "وذهبت طائفة إلى نفي أخبار الآحاد جملة والاقتصار على ما استحسنته عقولهم في فهم القرآن . . ولما ردوها بتحكيم العقول كاد الكلام معهم راجعا إلى أصل التحسين والتقبيح" (148) . أما أهل السنة فقد وفقهم الله تعالى إلى المذهب الحق في كل تلك الأمور، فأما بالنسبة لحجية خبر الآحاد فقد أنعقد إجماع السلف من الأئمة على وجوب العمل به سواء في مجال العقيدة النظرية أو الشريعة العملية، فما دل على عقيدة اعتقدوها دينا، وما دل على شريعة عملية أطاعوها وعملوا بها. فإن خبر الآحاد "الصحيح" يفيد من الاطمئنان القلبي ما يجب بناء عليه أن يعمل بمقتضاه، وقد دلت على ذلك أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة. ففي السنة أن أهل قباء جاءهم واحد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم بتحويل القبلة فتحولوا وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم، وبمثل بعثه صلى الله عليه وسلم لعماله واحدا بعد واحد وكذلك بإرساله الرسل فرادى يدعون الناس إلى الإسلام (149) . أما عن إجماع الصحابة فقد نقلت عنهم وقائع لا تبلغ الحصر متفقة على العمل بخبر الواحد ووجوب الأخذ به. فمن ذلك ما روي عن أبي بكر الصديق أنه عمل بخبر المغيرة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدة أن النبي أطعمها السدس، فجعل لها السدس. ومن ذلك عمل عمر بن الخطاب بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) (150) . وعمل أيضا بخبر حمل ابن مالك في الجنين وهو قوله: كنت بين جاريتين لي (يعني ضرتين) فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة، فقال عمر: لو لم نسمع بهذا لقضينا غير هذا. وكذلك عمل عثمان وعلي بخبر فريعة بنت مالك في اعتداد المتوفى عنها زوجها في منزل زوجها أنها قالت: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجي أستأذنه في وضع العدة، فقال صلى الله عليه وسلم : ((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)) (151) . وغير ذلك من عمل الصحابة كعائشة وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس. . بل ويكفي إجماعهم على الأخذ بخبر أبي بكر الصديق يوم السقيفة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الأئمة من قريش)) (152) . فهذا إجماع منهم على ذلك (153) . ولا فرق هنا بين العقائد والشرائع إذ أن الاطمئنان القلبي متحقق في كليهما سواء، لهذا أجمع السلف على الاعتقاد برؤية الله في الآخرة والصراط والميزان والحوض والشفاعة وعذاب القبر (154) . أما عن الخبر المتواتر فقد ذهب أهل السنة إلى إفادته "العلم" أي اليقين القلبي القاطع الذي لا تشوبه شائبة من أي ناحية. وقد ذهبت طوائف من أهل السنة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وطوائف من المحدثين والفقهاء إلى أن خبر الواحد يفيد العمل ولا يفيد "العلم" (155) ، وقد قصدوا "بالعلم" هو ذلك اليقين القلبي الجازم الحاصل بمثل التواتر. ولا شك أن الفارق موجود بين يقين القلب بخبر التواتر والجزم باستحالة كذبه، وبين الاطمئنان القلبي القريب من اليقين بخبر الواحد الصحيح إلا أن ذلك فرق لا معول عليه بدليل إجماعهم على وجوب العمل به عملا واعتقادا. كما أن طوائف من المحدثين والفقهاء قالوا فإفادته للعلم كأحمد بن حنبل وابن تيمية وحكاه ابن حزم عن داود الظاهري والحسين بن علي الكرابيسي، وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وجزم به (156) . وأما ما أوردوه من تعارض بين الحديث والعقل أو الكتاب أو الأحاديث الأخرى، فليس فيه تعارض إلا من جهة عقولهم الفاسدة ومناهجهم السقيمة. فحديث ((إذا قام أحدكم من نومه. . )) (157) . ليس المقصود بقوله ((أين باتت يده)) هو عدم معرفة مكانها بالليل! "بل لعله في منامه مس بها فرجه أو دبره وليس يؤمن أن يصيب يده قاطر بول أو بقية مني إن كان جامع قبل المنام فإذا أدخلها في الإناء قبل أن يغسلها أنجس الماء وأفسده وخص النائم بهذا لأن النائم قد تقع يده على هذه المواقع وعلى دبره وهو لا يشعر، فأما اليقظان فإنه إذا لمس شيئا من هذه المواضع فأصاب يده منه أذى، وعلم به ولم يذهب عليه فغسلها قبل أن يدخلها في الإناء أو يأكل أو يصافح" (158) . وأما عن حديث ((لا وصية لوارث)) (159) . فقد ذهب أهل السنة إلى أن الآية كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ منسوخة بآية المواريث في سورة النساء في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ [ النساء: 11] . "قال ابن عباس والحسن: نسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء وثبتت للأقربين الذين لا يرثون وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكية وجماعة من أهل العلم". كذلك "قال ابن عمر وابن عباس وابن زيد: الآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندبا، ونحو هذا قول مالك رحمه الله". وقد كان من الممكن الجمع بين الآيتين "بأن يأخذا – أي الأبوان – المال عن المورث بالوصية وبالميراث إن لم يوص، أو ما بقي من الوصية لكن منع هذا الحديث والإجماع"، "فنسخ الآية إنما كان بالسنة الثانية لا بالإرث على الصحيح من أقوال العلماء" (160) . أما عن حديث: ((نكاح المرأة على عمتها أو خالتها)) (161) . فقد قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [ الحشر:7]، وقال تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ [النساء:80]، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((ألا أني قد أوتيت الكتاب ومثله معه)) (162) . أي من الأحكام التشريعية فيجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما حلل وحرم لأمر الله تعالى بذلك. قال القرطبي: "فإن الله تعالى قد حرم على لسان نبيه مما لم يذكر في الآية فيضم إليها" (163) . وحكمة ذلك واضحة وهي ترجع إلى أصل عام في الشريعة وهو عدم قطع الأرحام فإنه لا يخفى ما يكون بين المرأة وضرتها ولا يصح هذا بين المرأة وخالتها أو عمتها إلا بقطع الرحم وقد روي عن ابن عباس قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج الرجل المرأة على العمة أو على الخالة، وقال: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)) (164) . وروى مثله من مراسيل أبي داود عن حسين بن طلحة" (165) . ولأهل السنة منهج في ما قد يتعارض ظاهره من الأدلة وهو "الجمع بين أطراف الأدلة" والتوفيق بين الأدلة الصحيحة بأوجه التوفيق المعتبرة إذ أنه معلوم في الأصول إن إعمال الدليلين الصحيحين يقدم على إعمال أحدهما وإسقاط الآخر، يقول الشوكاني: "ومن شروط الترجيح التي لابد من اعتبارها أنه لا يمكن الجمع بين المتعارضين بوجه مقبول فإن أمكن ذلك تعين المصير إليه ولم يجز المصير إلى الترجيح، قال في المحصول: العمل بكل منهما من وجه أولى من العمل بالراجح من كل وجه وترك الآخر . اهـ، وبه قال الفقهاء جميعا". (167) l,rt hgluj.gm lk hgskm | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ![]() | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح واثابك الجنة وغفر لك ولوالديك | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
![]() |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018