أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات


العودة   ملتقى أهل العلم > الملتقيات العامة > الملتقى العام

الملتقى العام المواضيع العامة التي لا يريد كاتبها أن يدرجها تحت تصنيف معين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: من آداب الدعاء وشروطه وأسباب إجابته ... (آخر رد :السليماني)       :: تأملات في خلق الإبل رؤية علمية وقرآنية كتاب الكتروني رائع (آخر رد :عادل محمد)       :: القدر المستحب في ختم القرآن .... (آخر رد :السليماني)       :: شرح رسالة العبودية ... الشيخ الدكتور يوسف الغفيص حفظه الله (آخر رد :السليماني)       :: حصريا : الشيخ / محمد عبدالوهاب الطنطاوى - القمر والرحمن والانشقاق - أحمد حسين أبوزيد - أمسية من المسجد الكبير بقرية الروضة مركز فارسكور دمياط الاثنين 5شوال1415هـ- 6مارس 1995م. (آخر رد :مهاودي سليمان)       :: معلومات مهمة عن الرافضة أعداء الأمة ... (آخر رد :السليماني)       :: وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد في الدنيا ... (آخر رد :السليماني)       :: من تسجيلاتنا النادرة للقارئ الشيخ / أحمد أحمد نعينع - الجن والمزمل - قرآن الجمعة من مسجد الامام الحسين - الجمعة 16جمادأول 1420هـ - 27 أغسطس 1999م (آخر رد :رفعـت)       :: لأول مرة نلتقى مع فضيلة القارئ الشيخ / محمد عبدالوهاب الطنطاوى - القصص + الانسان - السنبلاوين 18-5-2007 (آخر رد :رفعـت)       :: حصريا باذن الله تعالى نقدم لكم الختمة القرآنية اعتبارا من يوم الثلاثاء الموافق 14 ذو الحجة 1446هـ - 10 يونيه 2025م (آخر رد :رفعـت)      

إضافة رد
كاتب الموضوع شريف حمدان مشاركات 2 المشاهدات 981  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 20 / 04 / 2017, 54 : 12 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان


البيانات
التسجيل: 26 / 01 / 2008
العضوية: 38
العمر: 66
المشاركات: 191,714 [+]
بمعدل : 30.17 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 19422
نقاط التقييم: 791
شريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to behold
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 38
عدد المشاركات : 191,714
بمعدل : 30.17 يوميا
عدد المواضيع : 95241
عدد الردود : 96473
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى العام





أحبتي في الله

..الِاعْتِكَافُ:

الِاعْتِكَافُ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَالْإِضَافَةُ إلَى الْمَسَاجِدِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْقُرْبِ وَتَرْكُ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ لَأَجْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَالسُّنَّةُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَجَبًا مِنْ النَّاسِ كَيْفَ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَيَتْرُكُهُ وَمَا تَرَكَ الِاعْتِكَافَ حَتَّى قُبِضَ وَفِي الِاعْتِكَافِ تَفْرِيغُ الْقَلْبِ عَنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى بَارِئِهَا وَالتَّحَصُّنُ بِحِصْنٍ حَصِينٍ وَمُلَازَمَةُ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى (قَالَ) عَطَاءٌ مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ حَاجَةٌ إلَى عَظِيمٍ فَيَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ، وَيَقُولُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتِي وَالْمُعْتَكِفُ يَجْلِسُ فِي بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَغْفِرَ لِي فَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ إذَا كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ ثُمَّ جَوَازُهُ يَخْتَصُّ بِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَتُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَكَفُ فِيهِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدَيْنِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، وَضَمُّوا إلَى هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ» يَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَعَمَّ الْمَسَاجِدَ فِي الذِّكْرِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَى أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ عَجَبًا مِنْ قَوْمٍ عُكُوفٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى وَأَنْتَ لَا تَمْنَعُهُمْ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رُبَّمَا حَفِظُوا وَنَسِيت وَأَصَابُوا وَأَخْطَأْت كُلُّ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يُعْتَكَفُ فِيهِ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَرَّ بِقَوْمٍ مُعْتَكِفِينَ فَقَالَ: لِحُذَيْفَةَ وَهَلْ يَكُونُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَة: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ فَإِنَّهُ يُعْتَكَفُ فِيهِ» وَفِي الْكِتَابِ ذَكَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ هَذَا بَيَانُ حُكْمِ الْجَوَازِ فَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَالِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْجِوَارَ بِمَكَّةَ وَيَقُولُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ هِجْرَةٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ مِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ.
ثُمَّ الِاعْتِكَافُ غَيْرُ وَاجِبٍ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ الْعَبْدُ بِنَذْرِهِ فَيَلْزَمُهُ لِحَدِيثِ «عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ قَالَ: لَيْلَةً أَوْ قَالَ: يَوْمَيْنِ فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِك».
وَمِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ الصَّوْمُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَهِمَا قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ عَلِيٍّ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مِثْلُ قَوْلِنَا وَالثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلَّ بِهَذَا وَبِحَدِيثِ «عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُؤَالِهِ إنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ» وَاللَّيْلُ لَا يُصَامُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الِاعْتِكَافِ مِنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي حَقِّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَمَا يَكُونُ شَرْطُ الْعِبَادَةِ شَرْطَ اقْتِرَانِهِ بِأَوَّلِهِ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ بِدَوَامِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَا صَوْمَ بِاللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطَ الِاعْتِكَافِ وَلَا هُوَ رُكْنَهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَحَدُ أَرْكَانِ الدِّينِ وَالِاعْتِكَافُ نَفْلٌ زَائِدٌ فَلَا يَكُونُ الْأَقْوَى رُكْنًا لِلْأَضْعَفِ بَلْ هُوَ زَائِدٌ فِي مَعْنَى الْقُرْبَةِ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الِاعْتِكَافُ فَيَلْزَمُهُ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ وَالْقِرَانُ فِي الْحَجِّ.
(وَلَنَا) «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اعْتَكَفَ إلَّا صَائِمًا» وَالْأَفْعَالُ الْمُتَّفِقَةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ لَا تَجْرِي عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ إلَّا لِدَاعٍ يَدْعُو إلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بَيَانِ أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الِاعْتِكَافِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ صَائِمًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ نَصَبًا عَلَى الْمَصْدَرِ كَمَا يُقَالُ ضَرَبْته وَجِيعًا أَيْ ضَرْبًا وَجِيعًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْتَكِفُ اعْتِكَافًا صَائِمًا وَالصَّوْمُ لَا يَكُونُ صِفَةً لِلِاعْتِكَافِ فَالِاعْتِكَافُ لَبْثٌ فِي مَقَامٍ لِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْمَقَامِ وَالصَّوْمُ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ إتْعَابًا لِلْبَدَنِ فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلِاعْتِكَافِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ كَمَا يُقَالُ: دَخَلَ الدَّارَ رَاكِبًا وَالْحَالُ خُلُوٌّ عَنْ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْمُوجِبِ لَا الْوَاجِبِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ كَمَنْ يَقُولُ: أُصَلِّي طَاهِرًا وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ فَيَثْبُتُ بِثُبُوتِهِ سَوَاءٌ ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَصُومُ مُتَتَابِعًا فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ صِفَةُ الصَّوْمِ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أُصَلِّي قَائِمًا فَإِنَّهُ يَنْصِبُ قَائِمًا عَلَى الْمَصْدَرِ يُقَالُ: صَلَاةً قَائِمَةً وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَحُجُّ قَارِنًا فَإِنَّ الْعُمْرَةَ بِالِانْضِمَامِ إلَى الْحَجِّ يَزْدَادُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَلِهَذَا لَزِمَهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ وَعَنْ كَلَامِهِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ وَالشَّرَائِطُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا يُمْكِنُ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ لَيْلًا فَسَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ، وَجُعِلَ اللَّيْلُ تَبَعًا لِلْأَيَّامِ كَمَا أَنَّ الشِّرْبَ وَالطَّرِيقَ يُجْعَلُ تَبَعًا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَالثَّانِي أَنَّ شَرْطَ الِاعْتِكَافِ أَنْ يَكُونَ مُؤَدًّى فِي وَقْتِ الصَّوْمِ وَبِوُجُودِ الصَّوْمِ فِي النَّهَارِ يَتَّصِفُ جَمِيعُ الشَّهْرِ بِأَنَّهُ وَقْتُ الصَّوْمِ وَدَلِيلُهُ شَهْرُ رَمَضَانَ فَصَارَ الشَّرْطُ بِهِ مَوْجُودًا كَمَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُومَ إلَيْهَا طَاهِرًا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَلِيلُنَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اعْتَكَفَ وَصُمْ» وَبِلَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الرِّوَايَةِ إنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا.
فَأَمَّا التَّطَوُّعُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ إلَّا بِصَوْمٍ وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَجُعِلَ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ حَتَّى تَجُوزَ صَلَاةُ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَالْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ.
(قَالَ): وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِجُمُعَةٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَمَّا الْخُرُوجُ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكِفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ»؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةِ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فِي زَمَانِ الِاعْتِكَافِ، وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا فِي الْمَسْجِدِ فَالْخُرُوجُ لِأَجْلِهَا صَارَ مُسْتَثْنًى بِطَرِيقِ الْعَادَةِ وَكَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفٍ فَإِنْ آوَاهُ سَقْفٌ غَيْرُ سَقْفِ الْمَسْجِدِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَدْخُلُ حُجْرَتَهُ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ» وَإِذَا خَرَجَ لِلْحَاجَةِ لَمْ يَمْكُثْ فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدَرِهَا وَأَمَّا إذَا خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ فَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ دُونَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ اعْتَكَفَ فِي أَيْ مَسْجِدٍ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ: لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِكَافِ هُوَ الْمَقَامُ وَالْخُرُوجُ ضِدُّهُ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فِيهِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَامِعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الْخُرُوجِ فَهُوَ، وَالْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ سَوَاءٌ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْخُرُوجَ لِلْجُمُعَةِ مَعْلُومٌ وُقُوعُهُ فِي زَمَانِ الِاعْتِكَافِ فَصَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ نَذْرِهِ كَالْخُرُوجِ لِلْحَاجَةِ وَالْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وُقُوعُهُ فِي زَمَانِ الِاعْتِكَافِ لَا مَحَالَةَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ يَقْصِدُ الْتِزَامَ الْقُرْبَةِ لَا الْمَعْصِيَةَ وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَعْصِيَةٌ فَيُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِنَذْرِهِ فَإِذَا اعْتَكَفَ فِي الْجَامِعِ كَانَ خُرُوجُهُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الْخُرُوجِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى بَيْتِهِ وَاذَا كَانَ بَيْتُهُ بَعِيدًا عَنْ الْجَامِعِ يَزْدَادُ خُرُوجُهُ إذَا اعْتَكَفَ فِي الْجَامِعِ عَلَى مَا إذَا اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ: يَخْرُجُ حِينَ تَزُولَ الشَّمْسُ فَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ وَلَا الْجُمُعَةُ فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ لَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الشَّمْسِ، وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْجَامِعَ فَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتَّ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةً وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ مِقْدَار مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوَسِتًّا بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَالسُّنَنِ تَبَعٌ لِلْفَرَائِضِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السُّنَّةِ فَإِنْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يُتِمَّ اعْتِكَافَهُ فِي الْجَامِعِ جَازَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلِاعْتِكَافِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ الِاعْتِكَافِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُتِمَّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ.
(قَالَ): وَلَا يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّهُ يَرْوِي حَدِيثًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ».
(وَلَنَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ فِي اعْتِكَافِهِ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ وَلَا يَعْرُجُ عَلَيْهِ»؛ وَلِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وُقُوعُهُ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فَالْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَثْنًى كَالْخُرُوجِ لِتَلَقِّي الْحَاجِّ وَتَشْيِيعِهِمْ.
وَمَا كَانَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي مُعْتَكَفِهِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ لِأَجْلِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْحَاجَةَ يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا فِي مُعْتَكَفِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا مَرِضَ الْمُعْتَكِفُ فِي اعْتِكَافٍ وَاجِبٍ فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا اسْتَقْبَلَ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ وَقَدْ فَاتَ وَالْعِبَادَةُ لَا تَبْقَى بِدُونِ شُرُوطِهَا كَمَا لَا تَبْقَى بِدُونِ رُكْنِهَا (قَالَ): وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِكَافِ قَدْ فَاتَ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ سَاعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقِيسُ وَقَوْلُهُمَا أَوْسَعُ قَالَا: الْيَسِيرُ مِنْ الْخُرُوجِ عَفْوٌ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُسْرِعَ الْمَشْيَ، وَلَهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى التُّؤَدَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْخُرُوجِ عَفْوٌ وَالْكَثِيرَ لَيْسَ بِعَفْوٍ فَجَعَلْنَا الْحَدَّ الْفَاصِلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَإِنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ فَإِذَا كَانَ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ فِي الْمَسْجِدِ جُعِلَ كَأَنَّهُ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا قُلْنَا فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ إذَا وُجِدَتْ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ جُعِلَ كَوُجُودِهَا فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: رُكْنُ الِاعْتِكَافِ هُوَ الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجُ ضِدُّهُ فَيَكُونُ مُفَوِّتًا رُكْنَ الْعِبَادَةِ، وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ فِي الطَّهَارَةِ.
(قَالَ): وَلَا تَعْتَكِفُ الْمَرْأَةُ إلَّا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ: لِأَنَّ مَسْجِدَ الْبَيْتِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَالنَّوْمِ فِيهِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ فَيُخْتَصُّ بِبُقْعَةِ مُعْظَمِهِ شَرْعًا، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ.
(وَلَنَا) أَنَّ مَوْضِعَ أَدَاءِ الِاعْتِكَافِ فِي حَقِّهَا الْمَوْضِعُ الَّذِي تَكُونُ صَلَاتُهَا فِيهِ أَفْضَلَ كَمَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَصَلَاتُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا «سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ: فِي أَشَدِّ مَكَان مِنْ بَيْتِهَا ظُلْمَةً» وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ الِاعْتِكَافَ أَمَرَ بِقُبَّةٍ فَضُرِبَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ رَأَى قِبَابًا مَضْرُوبَةً فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ فَقِيلَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَغَضِبَ وَقَالَ: آلْبِرَّ يُرِدْنَ بِهِنَّ وَفِي رِوَايَةٍ يُرِدْنَ بِهَذَا، وَأَمَرَ بِقُبَّتِهِ فَنُقِضَتْ فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي ذَلِكَ الْعَشْرِ» فَإِذَا كَرِهَ لَهُنَّ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ فَلَأَنْ يُمْنَعْنَ فِي زَمَانِنَا أَوْلَى، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا إذَا اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ ذَلِكَ، وَاعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ يَدْخُلُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَهِيَ طُولُ النَّهَارِ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَتِرَةً وَيُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ مِنْ الْفَسَقَةِ فَالْمَنْعُ لِهَذَا، وَهُوَ لَيْسَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى عَيْنِ الِاعْتِكَافِ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ الِاعْتِكَافِ وَإِذَا اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا فَتِلْكَ الْبُقْعَةُ فِي حَقِّهَا كَمَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا تَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَإِذَا حَاضَتْ خَرَجَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا بِهِ الِاسْتِقْبَالُ إذَا كَانَ اعْتِكَافُهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَكِنَّهَا تَصِلُ قَضَاءَ أَيَّامِ الْحَيْضِ لِحِينِ طُهْرِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ فِي حَقِّهَا.
وَمَسْجِدُ بَيْتِهَا الْمَوْضِعُ الَّذِي تُصَلِّي فِيهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مِنْ بَيْتِهَا.
(قَالَ): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فَعَلَيْهِ اعْتِكَافُ شَهْرٍ مُتَتَابَعٍ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ قَالَ: لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فَرْعٌ عَنْ الصَّوْمِ فَإِنَّ مَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْفَرَائِضِ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَلَا أَصْلَ لِلِاعْتِكَافِ فِي الْفَرَائِضِ سِوَى الصَّوْمِ ثُمَّ التَّتَابُعُ فِي الصَّوْمِ لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ النَّذْرِ فَكَذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّسْوِيَةِ أَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ إلَيْهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لِأَدَائِهِ الشَّهْرُ الَّذِي يَعْقُبُ نَذْرَهُ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ وَالْآجَالِ وَالْإِجَارَاتِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهَا الشَّهْرُ الَّذِي يَعْقُبُ السَّبَبَ.
(وَلَنَا) أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَدُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ جَمِيعًا فَبِمُطْلَقِ ذِكْرِ الشَّهْرِ فِيهِ يَكُونُ مُتَتَابِعًا كَالْيَمِينِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا وَالْآجَالُ وَالْإِجَارَاتُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَدُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ مَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الْوَصْلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَمَا كَانَ مُتَّصِلَ الْجَزَاءِ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ ثُمَّ الِاعْتِكَافُ مِنْ حَيْثُ الِابْتِدَاءِ يُشْبِهُ الصَّوْمَ فَإِنَّ أَدَاءَهُ يَسْتَدْعِي فِعْلًا مِنْ جِهَتِهِ وَكُلُّ وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ كَالْيَوْمِ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ بِمُوجِبِ الْيَمِينِ لَا يَسْتَدْعِي فِعْلًا مِنْ جِهَتِهِ، وَكُلُّ وَقْتٍ يَصْلُحُ لَهُ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَعْقُبُ السَّبَبَ وَمِنْ حَيْثُ الدَّوَامِ الِاعْتِكَافُ يُشْبِهُ الْأَيْمَانَ وَالْآجَالُ دُونَ الصَّوْمِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَيْمَانَ وَالْآجَالَ وَالْإِجَارَاتِ عَامَّةٌ فِي الْوَقْتِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا، وَالصَّوْمُ خَاصٌّ بِالْوَقْتِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَالِاعْتِكَافُ خَاصٌّ بِالْوَقْتِ ابْتِدَاءً عَامٌّ بِالْوَقْتِ دَوَامًا فَمِنْ حَيْثُ الِابْتِدَاءُ أَلْحَقْنَاهُ بِالصَّوْمِ فَكَانَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ إلَيْهِ وَمِنْ حَيْثُ الدَّوَامُ أَلْحَقْنَاهُ بِالْآجَالِ وَالْأَيْمَانِ فَكَانَ مُتَتَابِعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فِي نَذْرِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَهَذَا وَقَوْلُهُ شَهْرًا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مِنْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} وَفِي تِلْكَ الْقِصَّةِ قَالَ: فِي مَوْضِعِ آخَرَ {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا} فَقَوْلُهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَيِّ بِلَيَالِيِهَا فَكَانَ مُتَتَابِعًا (قَالَ): وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِالنَّهَارِ فَهُوَ كَمَا قَالَ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّتَابُعِ لِاتِّصَالِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ بِالْبَعْضِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِتَنْصِيصِهِ عَلَى النَّهَارِ دُونَ اللَّيَالِي وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالنَّهَارِ وَنَوَاهُ فَنِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ حِينِ يَهِلُّ الْهِلَالُ إلَى أَنْ يُهِلَّ الْهِلَالُ فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ الشَّهْرُ وَلَا اللَّيَالِي فَإِنَّمَا نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ فِي لَفْظِهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَنْ قَالَ: لَا آكُلُ وَنَوَى مَأْكُولًا دُونَ مَأْكُولٍ؛ وَلِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِبَعْضِ الْوَقْتِ الَّذِي سَمَّاهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ لَا يَحْصُلُ كَمَا لَوْ قَالَ: شَهْرًا وَنَوَى نِصْفَ شَهْرٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَوَى النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ هُنَا إنَّمَا نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَإِنَّ الْيَوْمَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ فَلِهَذَا أَعْمَلْنَا نِيَّتَهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا فِي لَفْظِهِ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرِ كَذَا فَمَضَى، وَلَمْ يَعْتَكِفْهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ النَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ إلَى زَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَإِضَافَةِ النَّذْرِ بِالصَّوْمِ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ، وَاذَا فَوَّتَ الْأَدَاءَ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَهَذَا فِي شَهْرٍ سِوَى رَمَضَانَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَمَضَى وَلَمْ يَعْتَكِفْ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فِي الشَّهْرِ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ قَضَى اعْتِكَافَهُ بِقَضَاءِ صَوْمِ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ صَامَ الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِصَوْمٍ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُهُ أَنَّ اعْتِكَافَهُ تَعَلَّقَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَإِذَا صَامَ رَمَضَانَ وَلَمْ يَعْتَكِفْ بَقِيَ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَالِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ لَا يَكُونُ إلَّا بِصَوْمٍ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ نَذْرَهُ قَدْ صَحَّ وَتَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ فَإِذَا لَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ انْقَطَعَ هَذَا التَّعْيِينُ وَصَارَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ وَالْتِزَامُ الِاعْتِكَافِ يَكُونُ الْتِزَامًا لِشَرْطِهِ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ الْقَابِلِ قَضَاءً عَمَّا الْتَزَمَهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِين إنْ كَانَ أَرَادَ يَمِينًا لِوُجُودِ شَرْطِ حِنْثِهِ وَإِنْ اعْتَكَفَ ذَلِكَ الشَّهْرَ الَّذِي سَمَّاهُ إلَّا أَنَّهُ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْمُتَعَيِّنَ مُتَجَاوِرُ الْأَيَّامِ لَا مُتَتَابِعٌ فَصِفَةُ التَّتَابُعِ فِي الِاعْتِكَافِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى شَهْرٍ بِعَيْنِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ اعْتِكَافَ شَهْرٍ فَحَاضَتْ فِيهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَتَصِلَهَا بِالشَّهْرِ فَإِنْ لَمْ تَصِلْهَا بِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَقْبِلَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّتَابُعِ فِي وُسْعِهَا وَمَا سَقَطَ عَنْهَا مَعْلُومٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهَا وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَتْ اعْتِكَافَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَحَاضَتْ فِيهَا فَعَلَيْهَا الِاسْتِقْبَالُ.
(قَالَ): وَإِذَا اعْتَكَفَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ قَطَعَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَبِثَ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ مُقَدَّرًا بِالْيَوْمِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَعْضِ الْيَوْمِ وَقَدْ يُنَافِي هَذَا رِوَايَةَ الْحَسَنِ.
(قَالَ): وَاذَا اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ فَانْهَدَمَ فَهَذَا عُذْرٌ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَهْدُومَ لَا يُمْكِنُ الْمَقَامُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكَفًا فَالْمُعْتَكَفُ مَسْجِدٌ تُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالْجَمَاعَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْمَهْدُومِ فَكَانَ عُذْرًا فِي التَّحَوُّلِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُعْتَكِفُ وَيَبِيعَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَتَحَدَّثَ بِمَا بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْثَمًا فَإِنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَ النَّاسِ فِي اعْتِكَافِهِ» وَصَوْمُ الصَّمْتِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فِي شَرِيعَتِنَا وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُعْتَكِفِ قَالُوا: وَهَذَا إذَا لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَمَّا إحْضَارُ السِّلْعَةِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «جَنَّبُوا مَسَاجِدَكُمْ» إلَى قَوْلِهِ «وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ»؛ وَلِأَنَّ بُقْعَةَ الْمَسْجِدِ تَحَرَّرَتْ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَصَارَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَيُكْرَهُ شَغْلُهَا بِالْبَيْعِ وَالتِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ فَقَدْ انْعَدَمَ هُنَاكَ شَغْلُ الْبُقْعَةِ.
(قَالَ): وَاذَا أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ مِنْ الْمَسْجِدِ مُكْرَهًا فِي اعْتِكَافٍ وَاجِبٍ فَإِنْ دَخَلَ مَسْجِدًا آخَرَ كَمَا تَخَلَّصَ؛ اسْتَحْسَنَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى اعْتِكَافِهِ وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ غَرِيمٌ فَحَبَسَهُ وَقَدْ خَرَجَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: هَذَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصَحُّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَ خُرُوجُهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ رُكْنَ الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ اللُّبْثُ قَدْ فَاتَ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُكْرَهُ وَالطَّائِعُ كَمَا إذَا فَاتَ رُكْنُ الصَّوْمِ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَكْلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيمَا صَنَعَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُقَاوَمَةُ السُّلْطَانِ وَلَا دَفْعُ الْغَرِيمِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِإِيصَالِ حَقِّهِ إلَيْهِ فَلَمْ يَصِرْ بِهَذَا تَارِكًا تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِيمَا إذَا انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ، فَقَالَ: بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْجَوَابُ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هُنَاكَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ كَانَ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ إذْ لَا صُنْعَ لِلْعِبَادِ فِي انْهِدَامِ الْمَسْجِدِ، وَهُنَا الْعُذْرُ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُسْتَقْبَلَ.
(قَالَ): وَإِذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الِاعْتِكَافَ يَوْمًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَقَامَ فِيهِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمُ اسْمٌ لِلْوَقْتِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِدَلِيلِ الصَّوْمِ.
(قَالَ): وَإِنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الزَّمَانِ، وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ، وَمَتَى دَخَلَ فِي اعْتِكَافِهِ اللَّيْلُ مَعَ النَّهَارِ فَابْتِدَاؤُهُ يَكُونُ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَالْيَوْمُ الَّذِي بَعْدَ لَيْلَتِهِ زَمَانُ الِاعْتِكَافِ فَكَذَلِكَ اللَّيْلَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ كَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَمَّا فِي شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ أَفْضَلُ.
(قَالَ): وَإِنْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَقَامَ فِيهِ لَيْلَةً وَيَوْمَهَا وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَيَوْمَهَا إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْأَيَّامِ الْكَثِيرَةِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ يَوْمَيْنِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِلَيْلَةٍ تَتَخَلَّلُهُمَا فَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ: لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ غَيْرُ الْجَمْعِ فَهَذَا وَالْمَذْكُورُ بِلَفْظِ الْفَرْدِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ اللَّيْلَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ تَدْخُلُ بِضَرُورَةِ اتِّصَالِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ بِالْبَعْضِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَا تُوجَدُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» فَكَانَ هَذَا وَالْمَذْكُورُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ سَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَيْلَتَيْنِ صَحَّ نَذْرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لَيْلَةً وَاحِدَةً (قَالَ): وَاذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ امْرَأَتَهُ فِي الْفَرْجِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ سَوَاءٌ جَامَعَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَصَارَ الْجِمَاعُ بِهَذَا النَّصِّ مَحْظُورَ الِاعْتِكَافِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ بِكُلِّ حَالٍ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ لَمَّا كَانَ مَحْظُورًا كَانَ مُفْسِدًا لِلْإِحْرَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ نَاسِيًا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ قَالَ: الِاعْتِكَافُ فَرْعٌ عَنْ الصَّوْمِ وَالْفَرْعُ يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ فَإِنْ بَاشَرَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ، وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ قَوْلٌ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَإِنْ أَنْزَلَ فَإِنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ اسْمَ الْمُبَاشَرَةِ يَتَنَاوَلُ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونِ الْفَرْجِ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْجِمَاعَ فِي الْفَرْجِ فَصَارَ ذَلِكَ مَحْظُورَ الِاعْتِكَافِ بِالنَّصِّ وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِنْزَالُ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافُ فَرْعٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْإِنْزَالُ فَهُوَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ وَلَا مُلْحَقٌ بِهِ حُكْمًا فِي إفْسَادِ الْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ فَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ لِهَذَا الْفِعْلِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَالَ): فَإِذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، وَهَذَا إذَا أَوْصَى؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فَرْعٌ عَنْ الصَّوْمِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الصَّوْمِ حُكْمَ الْفِدْيَةِ فَكَذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ فَإِنْ قِيلَ الْفِدْيَةُ عَنْ الصَّوْمِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا هُوَ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ قِسْتُمْ الِاعْتِكَافَ عَلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ قُلْتُمْ مِثْلَ هَذَا وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ قُلْنَا: أَمَّا فِي الِاعْتِكَافِ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ سَهْلٌ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ بِاعْتِبَارِ الصَّوْمِ فَإِنَّ مَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْفَرَائِضِ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ فَكَانَ التَّنْصِيصُ عَلَى الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ تَنْصِيصًا عَلَيْهِ فِي الِاعْتِكَافِ وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُطْلَقْ الْجَوَابُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ عَلَى الْفِدْيَةِ مَكَانَ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ قَالَ: فِي مَوْضِعٍ مِنْ الزِّيَادَاتِ يُجْزِيهِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَبِتَقْيِيدِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْجَوَابُ فِيهِ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ.
(قَالَ): وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا حِينَ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرِيضِ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ بِنَاءً عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِشُهُودِهِ الشَّهْرَ فَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ بِالنَّذْرِ، وَالْفِدْيَةُ تَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ عَنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُطْعِمُ عَنْهُ بِعَدَدِ مَا صَحَّ مِنْ الْأَيَّامِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ قَالَا: لَمَّا صَحَّ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ الْأَدَاءِ فَيُجْعَلُ كَالْمُجَدِّدِ لِلنَّذْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَالصَّحِيحُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ أُطْعِمَ عَنْهُ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ إنْ أَوْصَى يُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يُجْبَرْ الْوَارِثُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ إنْ أَحَبَّ فَعَلَ فَكَذَلِكَ هَذَا.
(قَالَ): وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى لَيْلَةً بِيَوْمِهَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَكِنَّ جَوَابَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَاسْم اللَّيْلِ خَاصٌّ بِزَمَانٍ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ وَشَرْطُ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ الصَّوْمُ فَإِذَا نَوَى لَيْلَةً بِيَوْمِهَا عَمِلَتْ نِيَّتُهُ اعْتِبَارًا لِلْفَرْدِ بِالْجَمْعِ فَصَارَ شَرْطَ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّتِهِ مَوْجُودًا فَصَحَّ نَذْرُهُ.
(قَالَ): وَلَوْ أَصْبَحَ فِي يَوْمٍ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَكَلَ فِيهِ أَوْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ النَّذْرَ بِالِاعْتِكَافِ إلَى وَقْتٍ لَا يُقْبَلُ الصَّوْمُ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَصِحُّ نَذْرُهُ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْخُرُوجِ يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا الْخُرُوجُ فِيمَا دُونَ نِصْفِ الْيَوْمِ لَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ وَمَا هُوَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الصَّوْمُ يَصِحُّ مِنْهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ.
(قَالَ): وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ وَقْتٍ مَاضٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يُتَعَبَّدْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَصِحَّةُ الْأَدَاءِ بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي.
(قَالَ): وَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ ثُمَّ يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ وَيَشْرَعُ فِيهِ وَأَدَاءُ الْمَنَاسِكِ يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ مَضَى فِي إحْرَامِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الْحَجِّ فَحِينَئِذٍ يَدَعُ الِاعْتِكَافَ وَيَحُجُّ؛ لِأَنَّ مَا يَخَافُ فَوْتَهُ يَكُونُ أَهَمَّ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ مُتَتَابِعًا فَإِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ لِخُرُوجِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ.
(قَالَ): وَإِنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الِاعْتِكَافُ اعْتِبَارًا لِمَا الْتَزَمَهُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا لَا يَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلْعِبَادَةِ بِكَوْنِهِ أَهْلًا لِثَوَابِهَا وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِثَوَابِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ الْتَحَقَ بِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ فَإِنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ عَمَلَهُ وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِنَذْرِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
(قَالَ): وَإِذَا نَذَرَ الْمَمْلُوكُ اعْتِكَافًا صَحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمَوْلَى إلَّا مَا صَارَ مُسْتَثْنًى شَرْعًا وَذَلِكَ مِقْدَارُ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْفَرَائِضُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَلْتَزِمُهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ فَإِذَا أُعْتِقَ قَضَاهُ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ0 مِنْ الِاعْتِكَافِ الَّذِي الْتَزَمَتْهُ بِنَذْرِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ وَاَلَّذِي بَيَّنَّا فِي النَّذْرِ كَذَلِكَ فِي الشُّرُوعِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ الْإِتْمَامِ وَلِلْمَوْلَى مَنْعُ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِالْإِذْنِ مَلَّكَهَا مَنَافِعَهَا، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَالْمَوْلَى بِالْإِذْنِ مَا مَلَّكَ الْعَبْدَ مَنَافِعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَلَكِنَّهُ وَعَدَ فَالْوَفَاءُ لَهُ وَخُلْفُ الْوَعْدِ مَذْمُومٌ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ مَنْعُهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ وَأَثِمَ، وَهُوَ قِيَاسُ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَحْرَمَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ.
(قَالَ): وَإِذَا أَكَلَ الْمُعْتَكِفُ نَهَارًا نَاسِيًا لَمْ يَضُرَّهُ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَكْلِ لِأَجَلِ الصَّوْمِ لَا لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ حَتَّى اُخْتُصَّ بِوَقْتِ الصَّوْمِ وَالْأَكْلُ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَحُرْمَةُ الْجِمَاعِ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ حَتَّى يَعُمَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ جَمِيعًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسِي وَالْعَامِدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَمَعْنَى الْفَرْقِ أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِحَالِهِ مَا يُذَكِّرُهُ لَا يُبْتَلَى فِيهِ بِالنِّسْيَانِ عَادَةً فَيُعْذَرُ لِأَجْلِهِ فَفِي الْإِحْرَامِ هَيْئَةُ الْمُحْرِمِينَ مُذَكِّرَةٌ لَهُ وَفِي الِاعْتِكَافِ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ مُذَكِّرًا لَهُ فَأَمَّا فِي الصَّوْمِ لَمْ يَقْتَرِنْ بِحَالِهِ مَا يُذَكِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الطَّعَامِ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْأَكْلِ فِي الصَّلَاةِ سَوَّى بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ.
(قَالَ): وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَيَّامًا أَوْ أَصَابَهُ لَمَمٌ فَعَلَيْهِ إذَا بَرِئَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الصَّوْمُ قَدْ انْعَدَمَ بِتَطَاوُلِ الْإِغْمَاءِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فَإِنْ صَارَ مَعْتُوهًا ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ سِنِينَ فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ لِسُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْهُ بِالْعَتَهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِالْتِزَامِ تَقَرَّرَ قَبْلَ الْعَتَهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرَائِضِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بِتَقَرُّرِ السَّبَبِ قَبْلَ الْعَتَهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَتَهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِثَوَابِهَا فَبَقِيَتْ ذِمَّتُهُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ فِيهَا فِيمَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ (قَالَ): وَيَلْبَسُ الْمُعْتَكِفُ وَيَنَامُ، وَيَأْكُلُ، وَيَدَّهِنُ وَيَتَطَيَّبُ بِمَا شَاءَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي اعْتِكَافِهِ (قَالَ): وَلَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَلَا يَفُوتُ بِهِ رُكْنُ الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ اللُّبْثُ وَلَا شَرْطُهُ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَكَذَلِكَ إنْ سَكِرَ لَيْلًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُرْمَةَ السُّكْرِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ (قَالَ): وَصُعُودُ الْمُعْتَكِفِ عَلَى الْمِئْذَنَةِ لَا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ أَمَّا إذَا كَانَ بَابُ الْمِئْذَنَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ وَالصُّعُودُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: هَذَا قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَنْبَنِي أَنْ يَفْسُدَ اعْتِكَافُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ حَاجَتِهِ فَإِنَّ مَسْجِدَهُ إنَّمَا كَانَ مُعْتَكَفًا لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْأَذَانِ وَهُوَ بِهَذَا الْخُرُوجِ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ أَصْلًا بَلْ هُوَ سَاعٍ فِيمَا يَزِيدُ فِي تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ فَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ.
(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لِيَغْسِلَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اعْتِكَافِهِ كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ فَكَانَتْ تَغْسِلُهُ وَتُرَجِّلُهُ»؛ لِأَنَّهُ بِإِخْرَاجِ رَأْسِهِ لَا يَصِيرُ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَصْبَحَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ» فَفِي هَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ أَرَادَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ نَذَرَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا.
(قَالَ): وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ الْعِيدِ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ كَانَ أَرَادَ يَمِينًا، وَإِنْ اعْتَكَفَ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَهَذَا عِنْدَنَا اعْتِبَارًا لِلِاعْتِكَافِ بِالصَّوْمِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْأَحْكَامَ فِي النَّذْرِ بِصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَتَاهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إنَّ مَا تَطَلَّبْت وَرَاءَك فَقَالَ: عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ كَانَ مُعْتَكِفًا مَعَنَا فَلِيَعُدْ إلَى مُعْتَكَفِهِ وَإِنِّي أَرَانِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمُطِرْنَا وَكَانَ عَرِيشُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدٍ فَوَكَفَ فُو الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَإِنِّي أَرَى جَبْهَتَهُ وَأَرْنَبَةَ أَنْفِهِ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ» وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ لِبَيَانِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ فَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ عُلَمَاؤُنَا لِمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ فَاتَهُ ثَلَاثُ لَيَالٍ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ لَيْلَةُ التَّاسِعِ عَشَرَ وَالْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَآخِرُهَا لَيْلَةً فَقِيلَ سِوَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: سِوَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كَبِيرُ حُجَّةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَرَانِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَنَّهَا لَيْلَةُ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ كَانَ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ».
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وَالْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنْ الْقُرْآنِ بِاتِّفَاقِ الْمُفَسَّرَيْنِ فَإِذَا جَمَعْت بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قُلْت لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَخْبَرَنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُدْرِكْهَا فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ حَثَّ النَّاسِ عَلَى الْجُهْدِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ قُلْت بِمَ عَرَفْت ذَلِكَ قَالَ بِالْعَلَامَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَبَرْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا قُلْت وَمَا تِلْكَ الْعَلَامَةُ قَالَ: تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ صَبِيحَتِهَا كَأَنَّهَا طَسْتُ لَا شُعَاعَ لَهَا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: إنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فَقِيلَ: لَهُ وَمِنْ أَيْنَ تَقُولُ: ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّ سُورَةَ الْقَدْرِ ثَلَاثُونَ كَلِمَةً وَقَوْلُهُ هِيَ الْكَلِمَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ وَفِيهَا إشَارَةٌ إلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَنْ قَالَ: لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَتَقَ إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ وَإِنْ قَالَ: ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِجَوَازِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَفِي الشَّهْرِ الْآتِي فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَضَتْ لَيْلَةٌ مِنْ الشَّهْرِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَجَاءَ مِثْلُ الْوَقْتِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ بَلْ هِيَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِذَا جَاءَ مِثْلُ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِمَجِيءِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْعِتْقُ بَعْدَ يَمِينِهِ فَلِهَذَا عَتَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ولا تنسونا من صالح الدعاء




hgAhuXjA;QhtE:










عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
قديم 03 / 05 / 2017, 00 : 05 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
محمد نصر
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية محمد نصر


البيانات
التسجيل: 24 / 12 / 2007
العضوية: 9
المشاركات: 65,897 [+]
بمعدل : 10.32 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 6810
نقاط التقييم: 164
محمد نصر has a spectacular aura aboutمحمد نصر has a spectacular aura about

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
محمد نصر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : الملتقى العام
بارك الله فيكم
وتقبل الله منكم صالح الاعمال
اللهم بلغنا رمضان









عرض البوم صور محمد نصر   رد مع اقتباس
قديم 03 / 05 / 2017, 40 : 05 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
ابراهيم عبدالله
اللقب:
المراقب العام للملتقى
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية ابراهيم عبدالله


البيانات
التسجيل: 28 / 01 / 2008
العضوية: 92
المشاركات: 26,598 [+]
بمعدل : 4.19 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 2876
نقاط التقييم: 104
ابراهيم عبدالله will become famous soon enoughابراهيم عبدالله will become famous soon enough

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابراهيم عبدالله غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : الملتقى العام
جزاك الله خيرا وبارك فيك
اخى ******
لاحرمنا الله منكم









عرض البوم صور ابراهيم عبدالله   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الِاعْتِكَافُ:

جديد الملتقى العام


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018