أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 
تابعونا عبر تويتر تابعونا عبر فيس بوك

الإهداءات


العودة   ملتقى أهل العلم > الملتقيات الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح

الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مسئولية! (آخر رد :دكتور محمد فخر الدين الرمادي)       :: السيرة النبوية لابن هشام 2 كتاب الكتروني رائع (آخر رد :عادل محمد)       :: صلاة الفجر للشيخ عبدالباري الثبيتي 15 ذو القعدة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر من المسجد الحرام بمكة المكرمة - الشيخ د. عبدالله الجهني 15 ذو القعدة 1445هـ (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ 14 ذو القعدة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ خالد المهنا 14 ذو القعدة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء من المسجد الحرام بمكة المكرمة - الشيخ د. عبدالرحمن السديس الأربعاء 14 ذو القعدة 1445هـ (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب من المسجد الحرام بـ مكة المكرمة - الشيخ د. ياسر الدوسري الأربعاء 14 ذو القعدة 1445هـ (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان المغرب للمؤذن عبدالرحمن خاشقجي الأربعاء 14 ذو القعدة 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان المغرب للمؤذن توفيق خوج الأربعاء 14 ذو القعدة 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع طويلب علم مبتدئ مشاركات 0 المشاهدات 637  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 05 / 06 / 2016, 08 : 01 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
طويلب علم مبتدئ
اللقب:
عضو ملتقى ماسي


البيانات
التسجيل: 21 / 01 / 2008
العضوية: 19
المشاركات: 30,241 [+]
بمعدل : 5.07 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 295
طويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the rough

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
طويلب علم مبتدئ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح

وحث على الكسب الحلال وبين ثوابه وقيمته، وأمر بتوثيق الديون والإشهاد على التوثيق، وأوجب رد الأمانات والحقوق لأصحابها، وجعل الدفاع عنه فريضة يعد من مات دونها شهيدا عند الله، وجعل حفظه مقصدا كليا من مقاصد الشريعة الضرورية التي لا توجد الحياة بدونها.

وفي الوقت ذاته حرم أمورا أخرى للحفاظ عليه، فحرم إضاعته، وتبذيره، وإعطاءه للسفهاء، وفرض عقوبات وضمانات على من يهدره أو يسرقه أو يهمل في الحفاظ عليه أو يصرفه في غير مصارفه الشرعية؛ إذ من شأن ذلك أن يؤثر تأثيرات كبيرة على مستوى الفرد، وعلى مستوى المجتمع كذلك.

"إن ثلث الفساد المالي مركزه الوطن العربي، ونصفه في العالم الإسلامي". هذا ما قاله تقرير منظمة الشفافية العالمية الصادر عام 2005م، فقد جاء في التقرير أن حجم الفساد المالي في العالم يقدر بألف بليون دولار، منها ثلاثمائة بليون في الوطن العربي وحده، أي أن حجم الفساد المالي في الوطن العربي يساوي ثلث الفساد العالمي، فإذا أضفنا حجم الفساد في الدول القائمة في العالم الإسلامي الأخرى فإن حجم الفساد في العالم الإسلامي يتجاوز نصف الفساد العالمي، والفساد المقصود في هذا التقرير ينحصر في سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية. فكيف لو تحدث التقرير عن أنواع الفساد الأخرى الأخلاقية والبيئية والإدارية والتعسف في استغلال السلطة ومواقع المسؤولية والاجتماعية وحتى الذائقة الفنية والأدبية ؟!.

ومن أسباب الخروج من هذه الأزمة استلهام تاريخنا المجيد الذي زخر بنماذج رائعة في محاربة هذا الفساد، فلقد كان للخلفاء دور في الحفاظ على المال العام على مر التاريخ، كما كان للعلماء أيضا دور بارز في هذا المجال.

وتتحدث هذه الورقة عن الفساد المالي من حيث تعريفه، ومكانته في مقاصد الشريعة، وأسبابه، ومظاهره، وأثر هذا الفساد على الفرد والمجتمع، وتشير إشارات سريعة إلى دور الأمراء والعلماء في حفظ المال العام، والله المستعان.

تعريف الفساد المالي

عرف اللغويون الفساد عموما بأنه ضد الصلاح، والمفسدة ضد المصلحة([1]) أما في الاصطلاح فيمكننا تعريفه بأنه: استغلال أو إهمال للقانون للحصول على مكاسب مادية أو معنوية على حساب الأفراد أو المجتمع.

وعليه فإن الفساد المالي هو مخالفة القانون بانتهاج طرق ملتوية غير قانونية لتحقيق مكاسب مالية، وفي الوقت نفسه هو *** الأموال من طرق غير مشروعة، أو إنفاقها في طرق غير مشروعة بما لا يحقق العدالة والمساواة.

والواقع أن الفساد هو كل اعتداء على حق المواطن الذي يضمنه الدين والقانون الطبيعي والقانون الوضعي والقانون الإنساني، و لا ينحصر الفساد بتراكم ثروة بطريقة غير شرعية أو قانونية و إنما يتجاوز ذلك بكثير؛ لذا وجب نشر الثقافة البديلة بين المواطنين لتعرية مفهوم الفساد وفضح ضرره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي ، وثقافة تعزيز الأخلاق النبيلة.

والفساد المالي يمكن تقسيمه من حيث النظر إلى انتشاره إلى: فساد دولي، وفساد محلي، وفي الشئون الاقتصادية قسمه الباحثون إلى فساد القطاع العام، وفساد القطاع الخاص، ومن حيث نوعه فهناك الفساد المالي، والفساد الإداري، والفساد القضائي، والفساد السياسي، والفساد الأخلاقي، والفساد الاجتماعي...الخ.

حفظ المال ومقاصد الشريعة:

جعل علماء الشريعة حفظ المال من كليات الضروريات في منظومة مقاصد الشريعة الإسلامية، وكما هو شأن الإسلام دائما مع النزعات الفطرية للإنسان حيث يبيح إشباعها ويلبي مطالبها ضمن الحدود المعقولة ، مع التهذيب والترشيد حتى تستقيم وتحقق الخير للإنسان ولا تعود عليه بالشر ، كان هذا شأنه مع نزعة حب التملك الأصلية في الإنسان, فقد أباح الملكية الفردية وشرع في ذات الوقت من النظم والتدابير ما يتدارك الآثار الضارة التي قد تنجم عن طغيان هذه النزعة من فقدان للتوازن الاجتماعي ، وتداول للمال بين فئة قليلة من المجتمع ، ومن النظم التي وضعها لأجل ذلك نظم الزكاة والإرث والضمان الاجتماعي ، ومن ثم اعتبر الإسلام المال ضرورة من ضروريات الحياة الإنسانية ، وشرع من التشريعات والتوجيهات ما يشجع على اكتسابه وتحصيله ، ويكفل صيانته وحفظه وتنميته ، وحمايته عبر تشريعات رادعة، وهي عادة الشرع مع كل الكليات الضرورية في منظومة مقاصد الشريعة الإسلامية، وذلك على النحو التالي :

وسائل الحفاظ على المال إيجادا وتحصيلا :

1ـ الحث على السعي لكسب الرزق وتحصيل المعاش فقد حث الإسلام على كسب الأموال باعتبارها قوام الحياة الإنسانية واعتبر السعي لكسب المال -إذا توفرت النية الصالحة وكان من الطرق المباحة- ضربا من ضروب العبادة وطريقا للتقرب إلى الله قال تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} وقال تعالى : {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}.

2ـ أنه رفع منزلة العمل وأعلى من أقدار العمال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده » حديث صحيح ، وقرر حق العمل لكل إنسان وجعل من واجب الدولة توفير العمل لمن لا يجده ، كما قرر كرامة العامل وأوجب الوفاء بحقوقه المادية والمعنوية ، يقول صلى الله عليه وسلم : « أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه » ويقول فيما يرويه عن ربه : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا ولم يوفه حقه » وقرر أن أجر العامل يجب أن يفي بحاجياته .

قال صلى الله عليه وسلم : « من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا ، أو ليست له زوجة فليتخذ زوجة ، أو ليس له مركب فليتخذ مركبا » وهذا ما يطلق عليه في العصر " الحديث بمبدأ " تحديد الحد الأدنى للأجور .

3ـ إباحة المعاملات العادلة التي لا ظلم فيها ولا اعتداء على حقوق الآخرين ، ومن أجل ذلك أقر الإسلام أنواعا من العقود كانت موجودة بعد أن نقاها مما كانت تحمله من الظلم ، وذلك كالبيع والإجارة والرهن والشركة وغيرها ، وفتح المجال أمام ما تكشف عنه التجارب الاجتماعية من عقود شريطة أن لا تنطوي على الظلم أو الإجحاف بطرف من الأطراف أو تكون من أكل أموال الناس بالباطل .

وسائل المحافظة على المال بقاء واستمرارا :

1ـ ضبط التصرف في المال بحدود المصلحة العامة ومن ثم حرم اكتساب المال بالوسائل غير المشروعة والتي تضر بالآخرين ، ومنها الربا لما له من آثار تخل بالتوازن الاجتماعي ، قال تعالى : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقال : {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .

2ـ كما حرم الاعتداء على مال الغير بالسرقة أو السطو أو التحايل وشرع العقوبة على ذلك قال تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وأوجب الضمان على من أتلف مال غيره قال صلى الله عليه وسلم : « كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه » .

3ـ منع إنفاق المال في الوجوه غير المشروعة ، وحث على إنفاقه في سبل الخير ، وذلك مبني على قاعدة من أهم قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وهي أن المال مال الله وأن الفرد مستخلف فيه ووكيل قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} ، {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ومن ثم كان على صاحب المال أن يتصرف في ماله في حدود ما رسمه له الشرع ، فلا يجوز أن يفتن بالمال فيطغى بسببه لأن ذلك عامل فساد ودمار قال تعالى : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} ولا يجوز له أن يبذر في غير طائل قال تعالى : {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} .

4ـ سن التشريعات الكفيلة بحفظ أموال القصر والذين لا يحسنون التصرف في أموالهم ، من يتامى وصغار حتى يبلغوا سن الرشد ومن هنا شرع تنصيب الوصي عليه قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وقال تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} ومن ذلك الحجر على البالغ إذا كان سيئ التصرف في ماله قال تعالى : {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}. وعن قتادة قوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما أمر الله بهذا المال أن يخزن فيحسن خزانته ولا يملكه المرأة السفيهة والغلام السفيه"([2]).

5ـ تنظيم التعامل المالي على أساس من الرضا والعدل ومن ثم قرر الإسلام أن العقود لا تمضي على المتعاقدين إلا إذا كانت عن تراض وعدل ولذلك حرم القمار قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ .

6ـ الدعوة إلى تنمية المال واستثماره حتى يؤدي وظيفته الاجتماعية وبناء على ذلك حرم الإسلام حبس الأموال عن التداول وحارب ظاهرة الكنز قال تعالى : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وبهذه التشريعات كلها حفظ الإسلام المال وصانه عن الفساد حتى يؤدي دوره كقيمة لا غنى عنها في حفظ نظام الحياة الإنسانية ، وتحقيق أهدافها الحضارية والإنسانية، شأنه في ذلك شأن كل المصالح السابقة التي تمثل أساس الوجود الإنساني وقوام الحياة الإنسانية ومركز الحضارة البشرية ، والتي بدون مراعاتها وحفظ نظامها يخرب العالم وتستحيل الحياة الإنسانية ويقف عطاؤها واستثمارها في هذا الوجود.

حفظه بفرض عقوبات على إهداره:

وإذا كان الله سبحانه قد شرع أمورا تحفظ المال إيجادا وتحصيلا، وبقاء واستمرارا، فإنه حرَّم الاعتداء على مال الغير بأي نوع من العدوان ، وجعله من ظلمات يوم القيامة، ووضع له عقوبات دنيوية بالحد أو التعزير بما يتناسب مع حجم الاعتداء وأهميته، كما حرَّم علينا الاعتداء على الممتلكات العامة التي ليس لها مالك معين، فهي ملك للجميع ولكلّ فيها قدر ما يجب احترامه، والظلم فيه ظلم للغير وللنفس أيضا، والله لا يحب الظالمين، وقد قال الله في الغنائم التي هي مِلكُ للعامة «ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون» (اَل عمران:161 ).

وفي الصحيحين عن ابن حمير رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول هذا لكم, وهذا أهدي إلي. فهلا جلس في بيت أبيه, أو بيت أمه, فينتظر أيهدى إليه أم لا.؟والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء. أو بقرة لها خوار, أو شاة تيعر, ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه, اللهم هل بلغت ثلاثا "([3]).

وحذَّر من مجيء هذه الأموال المختلسة شاهد إدانة عليه يوم القيامة يحملها على ظهره ولا مجير له يدافع عنه، كما بيَّن أن من ولي على عمل وأخذ أجره كان ما يأخذه بعد ذلك غلولا.

أسباب الفساد المالي:

ليس الفساد المالي ـ عند تناول أسبابه ـ بمعزل عن الفساد في الجوانب الأخرى، مثل الفساد الإداري والسياسي والاجتماعي والخلقي ..الخ، فأسباب الفساد المالي كثيرا ما تختلط بأسباب فساد في مجالات أخرى، وتعود أسباب الفساد المالي بالدرجة الأولى إلى:

أولا: ضعف الوازع الديني، وهو ـ في رأيي ـ أهم الأسباب وأولاها؛ لأن قوة الوازع الديني والأخلاقي هو أساس كل فضيلة وسبب البعد عن كل رذيلة، وبضعفه ينطلق الإنسان خلف شهواته ورغباته وميوله وأهوائه بعيدا عن وازع من دين، أو رادع من خلق، فإذا صح الضمير وقوي الوازع الديني قاوم كل فساد وتلافى كل سبب من أسبابه، وإذا ضعف كان الفسادُ وإن لم توجد أسبابه الأخرى.

ثانيا: الفساد الإداري، الذي يشكل الحاضنة الرئيسية لتفريخ الفاسدين والفساد بأشكاله المختلفة وفي مقدمتها المالي، وكذلك ضعف التشريعات الخاصة بالرقابة والمساءلة، وغياب عناصر الشفافية وضعف استقلالية القضاء وتدني سقف حرية التعبير عن الرأي، مما يحد من القدرة على تشخيص هذه الظاهرة بأبعادها وتشعباتها، فيجعل بيئة الأعمال والإدارة أكثر أمانا للفاسدين وفسادهم.

ثالثا: ضعف راتب الموظف العام، مما يشجعه على أخذ الرشوة والإخلال بواجباته الوظيفية ثم الانحراف وراء الفساد الإداري، مع عدم إعفائه إعفاء كاملا من المسئولية في هذه الحالة، وقد تم إجراء دراسة ميدانية علمية أجرتها المنظمة العربية التابعة للجامعة العربية ونشرتها "المجلة العربية للإدارة" توصلت إلى أن معظم مرتكبي الفساد من الموظفين الصغار ذوي المرتبات الضعيفة من حملة المهارات العلمية المتوسطة والدنيا، لكن في كثير من الأحيان نجد المرتبات مناسبة ومع ذلك يوجد فساد، هنا يمكن القول إن الجشع وضعف الضمير والوازعِ الديني هما المحركان للفساد.

رابعا: البيروقراطية المعقدة التي تؤدي إلى إعاقة وتعطيل مصالح العملاء، مما يجبرهم على البحث عن سبيل سهل يقفز على الإجراءات البيروقراطية من أجل إنجاز مصالحهم المشروعة بطرق غير مشروعة! وهنا يكون المواطن نفسه هو المشجع للموظف على الفساد، وهذا ما نراه في كثير من الحالات عند بعض المواطنين الذين يدفعون الرشاوى من أجل تسيير أمور معاملاتهم، وهنا نجد المواطن مسئولا، لكنه مضطر إلى هذا ـ كما يقول ـ من أجل التغلب على الأنظمة البيروقراطية المعقدة، ولا شك أن في هذا جزءًا من الحقيقة! ونرى من الواجب إصلاح الأنظمة، وفي الوقت نفسه توعية المواطنين بمخاطر الرشاوى.

خامسا: ضعف الرقابة العامة على الأجهزة الإدارية، بل في بعض الأحيان فساد بعض العاملين بهذه الأجهزة، ومن الملاحظ كما سجلت كثير من الدراسات، بل الملاحظات الشخصية للأفراد، أنه كلما زادت مدة الخدمة أثر ذلك في سلوك الموظف واستعداده لارتكاب الفساد، ولذا لابد من تحريك الموظفين من مواقعهم كل فترة، وعدم بقاء قيادة في موقعها إلى أبد الآبدين، مثلما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية على مستوى كل الوظائف القيادية والصغرى.

سادسا: حدوث تحول سريع ـ في الدول العربية بشكل خاص ـ في البناء الاجتماعي التقليدي الذي كانت فيه ظروف الناس ومقاماتهم وأحوالهم متقاربة، ولم تكن هناك فجوة في البناء الاجتماعي، لكن الآن حدث اتساع كبير وفجوة من البناء الاجتماعي، حيث صار الناس طبقتين: طبقة ثرية للغاية، وطبقة متوسطة، وطبقة ثالثة فقيرة، تحاول الأخيرتان اللحاق بالطبقة الأولى الغنية، فأصبح هناك استغلال للسلطة الوظيفية، وفي بعض المجتمعات تقتصر الطبقات على الثرية والفقيرة فقط، مما يوسع ويعمق من الفساد فيها.

مظاهر الفساد المالي:

ترتبط مظاهر الفساد بأسبابه ارتباطا طرديا، فمتى وجدت الأسباب وجدت المظاهر، وتكون المظاهر في ازدياد أو قلة ، وفي قوة أو ضعف بحسب ازدياد الأسباب وقلتها وضعفها وقوتها، ومن أهم هذه المظاهر:

أولا: السرقة:

ومن عوامل ظهور السرقة ـ وغيرها من المظاهر ـ في مجتمع ما عدمُ تلافي أسباب الفساد السابقة، وهي مهمة كلها في مدى ارتباط ظاهرة السرقة وجودا وعدما.

إن السرقة آفة من الآفات التي تعرِّض أمن الأفراد والمجتمعات للخطر، ولهذا جاءت أدلة الشرع تحذر المسلم من السرقة و تزجر من تسول له نفسه سرقة أموال الآخرين ومن ذلك:

ـ أن الله تعالى فرض حد السرقة بشروطه كما بينتها السنة وشرحها العلماء، قال تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". المائدة: 38.

ـ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يأخذ البيعة على من أراد الدخول في الإسلام على أمور عظيمة منها تجنب العدوان على أموال الناس بالسرقة: " بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ..." الحديث (روه البخاري ومسلم).

ـ ومن ذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أن المؤمن الصادق القوي في إيمانه لا يجرؤ على السرقة: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن..." (رواه البخاري ومسلم).

ـ ومن هذه الزواجر ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". أي يسرق البيضة أولاً فيعتاد حتى يسرق ما قيمته ربع دينار فأكثر فتقطع يده إذا انكشف أمره، ورفع إلى الحاكم أو من يقوم مقامه.

ثانيا: قبول الرشوة والهدية:

تعتبر الرشوة من الأمراض الاجتماعية التي تهدد المجتمع, فلا يأمن أفراده على قضاء مصالحهم وإنما يكونون دائما في قلق وضيق وهذا من أخطر الأدوات ومظاهر الفساد التي تصيب الحياة العامة والخاصة فلا تؤدى الأعمال على النحو الواجب وهي نشر أنواع الفساد لأنها تكون اعتداء على مال الدافع ونشرا للظلم في المجتمع. ومن هنا كانت محرمة بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: قول الله تعالى وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). البقرة: 188. فالله سبحانه وتعالى نهى عن أكل أموال الناس بالباطل وذلك بإعطاء الرشوة إلى الحكام لمساعدتهم في أكل أموال الناس بالباطل وهم يعلمون أنه لا حق لهم فيه، ومن أجل هذا حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة للحكام وأعوانهم.

أما السنة: فعن ثوبان قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش". والرائش هو الوسيط بين الراشي والمرتشي. وفي الحديثين دلالة واضحة على تحريم الرشوة حيث صدر الحديث بلعنة الله على دافع الرشوة وعلى آخذها، ولعنة الله لا تكون إلا على أمر محرم لما في الرشوة من ظلم واستغلال لأموال الناس بدون وجه حق.

أما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على تحريم الرشوة من غير نكير..

وأما الهدية إذا كانت تعطى لمسئول أو حاكم يرجى خيره ويخشى شره فهي صورة من صور الرشوة, وتسميتها باسم الهدية لا يخرجها من دائرة الحرام إلى الحلال, ولما روى عمر بن عبد العزيز أنه حينما أهدى له هدية وهو خليفة فردها فقيل له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية. قال: كان ذلك له هدية وهو لنا رشوة.

والهدية تختلف عن الرشوة, فالرشوة تعطى لمن يعطي الحق لغير أهله أو يقدم إنسانا على إنسان في عمل من الأعمال دون وجه حق.. أما الهدية فهي تعبير صادق عن الحب والتقدير للمهدى إليه بحيث لو لم يأخذ هذه الهدية لم يقصر في عمله، فهو يؤدي واجبه على الوجه الأكمل, ولا ينتظر من أحد مقابل, فلو جاءته هذه الهدية دون أن يطلبها أو ينتظرها أو يعبث في وجه من لم يهد إليه، فهذه الهدية لا بأس بقبولها ولا سيما إن كانت من الهدايا التي اعتاد الناس أن يعطوها.

ثالثا: المحسوبية والمحاباة:

ولا يقتصر الفساد على الأشكال التقليدية منه والواضحة، كسرقة المال العام والسطو عليه، وتلقي الرشاوى، بل يتعداه إلى تفشي ظاهرة المحاباة والمحسوبية وما ينتج عنها من تسلل للعناصر الرديئة إلى مراكز صناعة القرار، وبالتالي انحدار جودة القرارات وترديها مما ينعكس سلبيا على مختلف مظاهر التنمية.

وهي تعتبر ضربا من ضروب أكل حقوق الناس، وتقديم ما من حقه التأخير، وتأخير ما من حقه التقديم، وهذا يحدث خللا في بنية المجتمع، ويعمق ويجذِّر من الفساد في المجتمع بالإضافة إلى حمل أصحاب الحقوق المضيعة على أفعال قد تؤدي إلى العنف مما يولد حالة انفلات اجتماعي وأمني في المجتمع.

أثر الفساد المالي على الفرد والمجتمع:

للفساد المالي آثار سلبية على الفرد، وإذا ما أثرت عليه عاد بدوره على المجتمع بآثار أخرى أضخم وأخطر مما يترتب على الفرد،باعتبار المجتمع مجموعة من الأفراد، ومن أهم هذه الآثار ما يلي:

أولا: إهدار حقوق ذوى الكفاءات:

وهو بفعل المحسوبية والمحاباة التي تهدر حقوق أصحاب الحقوق، وتقدم ما من حقه التأخير، وتؤخر ما من حقه التقديم، وهو نوع من أنواع أكل أموال الناس بالباطل، وقد نهانا الله تعالى عن ذلك فقال: (‏ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون‏). البقرة: 188.

ثانيا: الإحساس بالإحباط والظلم والقهر:

وهو شعور يشعر به من ضاع حقه، مترتب على الأثر السابق، كما يشعر بالظلم، وهو إحساس مر، فالله تعالى لم يحرم على نفسه سوى الظلم، ففي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا). ولم يوجب على نفسه سوى الرحمة، يقول الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة (الأنعام: 54).

ثالثا: ضعف الانتماء:

والآثار السابقة بلا شك تولد ضعف الانتماء للوطن إن لم يكن غيابه بالكلية، وهو يصادم مبادئ أساسية في الدين؛ لأن حب الوطن والانتماء له من الإسلام، فعندما خرج النبي من مكة مهاجرًا استدار إليها وقال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت). رواه الترمذي. وإن بلدا لا تحترم المتميزين فيها وتأكل حقوق أصحاب الحقوق لجديرة أن تُفقد أبناءها الانتماء إليها.

رابعا: الانصراف عن العمل المنتج:

وهو ناتج عن تبنى الحصول على الأموال بالطرق السهلة عن طريق الفساد، وما دام الحصول على الأموال سهل بهذه الطرق غير المشروعة فلا داعي للعمل المنتج الذي يكلف طاقة عقلية وبدنية ومالية، وفي ذلك ما فيه من هدر الطاقات، وتعطيل الإمكانات.

خامسا: إهدار الفرصة البديلة في توفير فرص عمل حقيقية:

وهو أثر ناتج عن الأثر السابق أو مكمل له، فإذا وجد الإنسان المال بطرق سهلة عن طريق الفساد، فإن الفرص البديلة المقابلة تنعدم لعدم الاهتمام بها والبحث عنها، ولم البحث عنها وتحصيل الأموال وغيرها بطرق سهلة ميسورة بفعل الفساد المالي والإداري؟! وهذا له خطره على أمن الوطن بانتشار الفساد أكثر، وانتشار البطالة، وانهيار الاقتصاد العام.

سادسا: تهيئة الفرد لارتكاب الجرائم:

وهذا بالنظر إلى من يقع عليه الضرر بسبب الفساد، فإذا ضاع حقه، وتم تأخيره وهو يستحق التقديم، فإنه ربما تلجئه هذه الممارسات إلى التوجه نحو العمل المحظور كرد فعل عكسي ونفسي، فيرتكب الفواحش، ويمارس المحظورات، مما يشكل خطرا على الأمن الاجتماعي.

سابعا: انتشار أنواع من الممارسات تقع تحت ظاهرة الاقتصاد الأسود:

نعم الاقتصاد الأسود، وهو أسود من جراء سواد مجالاته القذرة، مثل: الدعارة، وتجارة المخدرات، والرشوة، وتهريب السلع غير المسموح بتداولها، وتجارة السلاح غير المشروعة، وتجارة الأطفال، وتجارة الأعضاء البشرية، وغير ذلك.

ثامنا: تدمير البيئة:

وذلك من خلال فساد الزراعات والمياه والهواء عن طريق تجارة أو صناعة مستلزمات غير صالحة للاستهلاك الآدمي، أو استخدام معدلات غير مسموح بها من المواد الكيماوية.

تاسعا: انتشار ظاهرة غسيل الأموال:

في محاولة لإكساب الدخول القذرة من ممارسة الفساد صفة الشرعية

عاشرا: الاستهلاك ببذخ (التبذير):

بمعنى شيوع مظاهر استهلاكية لا تعبر عن دخول حقيقية؛ فالذي يحصل على دخله من الفساد يسعى لإنفاقه ببذخ وبسهولة كذلك.

حادي عشر: وقوع الاقتصاد الوطني في براثن العصابات الدولية:

وذلك لأن من يمارسون الفساد في بلادهم لا يأبهون بقضية الوطنية والحرص على المصلحة العليا للبلاد بل يبيعونها لعصابات دولية تسعى للتحكم في مقدراته .

ثاني عشر: إهدار دولة القانون:

حيث إن أنشطة الفساد تحكمها قوانين غير مكتوبة يتعارف عليها ممارسو الفساد، وبالتالي تتعلق البيئة بالفساد المالي، لأن الذين يفسدونها يسعون للمال السريع.

ثالث عشر: إرباك السياسات الاقتصادية:

فالفساد يربك السياسات الاقتصادية لصعوبة الوقوف على بيانات حقيقية تعتمد عليها السياسة الاقتصادية في اعتماد آلياتها.

رابع عشر: انتشار ظواهر اقتصادية سلبية:

قد تنتشر ظواهر اقتصادية سلبية مثل حرق السلع أو المضاربات في الأراضي والبورصات أو العملات للسعي من أجل غسيل أموال الفساد.

خامس عشر: عدم دقة بيانات المؤشرات الرئيسية للاقتصاد القومي:

وذلك لأن الأموال الناتجة من ممارسة الفساد لا ترتبط بالمقومات الاقتصادية الوطنية، كالناتج المحلى الإجمالي،أو المشاركة في مشروعات خطة التنمية للدولة؛ لأنه عادة ما تضر أموال الفساد بموارد الدولة لأنها تحقق في الخفاء ولا يتم محاسبتها ضريبياً، فالمقومات الرئيسية للاقتصاد يتم حسابها من خلال حسابات مدونة ومعلنة بينما أموال الفساد غير مسجلة وغير معلنة ومن هنا فإنها تخرج عن إطار الحسابات القومية.

سادس عشر: التدهور الاقتصادي:

ولا يخفى بعد كل هذه الآثار ما يحدث من تدهور عام للفساد عموما في البلد، فلا يوجد بلد تكون فيه هذه الآثار ويظل اقتصاده قائما، بل يتدهور ويتدنى ويصل لدرجة تهدد المجتمع وتضعه تحت طائلة الجوع والموت.

سابع عشر: الفساد الاجتماعي:

وقد أشرنا إلى بعضه فيما سبق، لكن التدهور الاقتصادي الذي يقع بفعل الفساد المالي يؤدي إلى تهديد أمن المجتمع الاجتماعي، ويؤدي إلى انتشار الجريمة مما يؤثر سلبا على حالة الاستقرار المادي والنفسي للمجتمع.

ثامن عشر: إهدار قيم المجتمع نحو الثروة والعمل الصالح:

وما سبق من آثار أو جزء منه كفيل أن يفقد المجتمع أخلاقه ويهدر قيمه التي يجب أن توظف لصالح الثروة العامة، وأداء العمل الصالح الذي يعود نفعه على الجميع، وفقد المجتمع لهذه القيم يؤدي إلى فساد أخلاقي وبالتالي يؤثر سلبا على استقرار المجتمع وأمنه العام.

العلماء ودورهم في رعاية المال العام

يتمثل دور العلماء بخصوص حفظ المال العام في أمور:

أولا: أن يكونوا قدوة للناس في الحفاظ على المال العام، ويقدموا من أنفسهم مثلا يحتذى في هذا الباب حتى إذا تكلموا ونصحوا ووعظوا كان كلامهم محل تقدير وامتثال، مع إدراك عميق وشامل للواقع المعيش.

ثانيا: أن يقوموا بدورهم التوعوي من حيث بيان أهمية المال العام، وخطورة إهداره فضلا عن سرقته، وإبراز عقوبات ذلك كله.

ثالثا: أن يتصدوا بكل حرية وشجاعة في الحق للحكام الفاسدين المبذرين الذين يهدرون المال العام في غير مصالح الأمة، فضلا عن إنفاقهم هذا المال في مصالحهم الخاصة، ومآربهم الشخصية، ويقوموا بواجب النصح والتوجيه لهم.

رابعا: أن يتواجدوا ـ ويحرصوا على ذلك إذا دُعوا ـفي المؤسسات المالية العامة كمراقبين ومستشارين شرعيين، في البنوك، والمؤسسات الكبيرة.

وفيما يلي نورد أمثلة لهؤلاء العلماء الربانيين الذين ضربوا الأمثال في الحرية والجرأة والشجاعة، ولم تأخذهم في الله لومة لائم:

الحسن البصري:

كان ـ رحمه الله ـ رأساً في القرآن وتفسيره، رأساً في الوعظ والتذكير، رأساً في الحلم والعبادة، رأساً في الزهد والصدق، رأساً في الفصاحة والبلاغة، رأساً في الأيد والشجاعة.

ولما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق، وطغى في ولايته وتجبَّرَ، كان الحسن البصري أحد الرجال القلائل الذين تصدَّوا لطغيانه، وجهروا بين الناس بسوء أفعاله. من ذلك أن الحجّاج بنى لنفسه بناء في واسط (وهي مدينة بين البصرة والكوفة) فلما فرغ منه، نادى في الناس أن يخرجوا للفُرجة عليه والدُّعاء له بالبركة، فلما اجتمع الناس إلى قصر الحجاج جاءهم الحسن، ووقف فيهم خطيباً وقال: لقد نظرنا فيما ابتنى أخبثُ الأخبثِين؛ فوجدنا أنَّ "فرعون" شَيَّدَ أعظم مما شَيَّدَ، وبنى أعلى مما بنى، ثم أهلك الله فرعون وأتى على ما بنى وشَيَّدَ. ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه (أي كرِهوه)، وأن أهل الأرض قد غرُّوه .

فأشفق عليه أحد السامعين من نقمة الحجاج وقال له: حسبُك يا أبا سعيد.. حسبُك!. فقال له الحسن: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليُبَيِّنُنَّهُ للناس ولا يكتمونه!.

وفي اليوم التالي دخل الحجاج إلى مجلسه غاضباً وقال لحاشيته: تبَّا لكم وسُحقاً، يقوم عبدُ من عبيد أهل البصرة، ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجدُ فيكم من يرده أو يُنكر عليه! والله لأسقينكم من دمه يا معشر الجُبناء.

ثم أمر بالسيف والنِّطع (بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بقطع الرأس)، ودعا بالجلاد؛ ثم وجَّه إلى الحسن بعض شُرطته، فلما أُدخل الحسن إلى الحجاج، ورأى الحسنُ السَّيْفَ والنِّطع والجلاد، حرَّك شفتيه، وأقبل على الحجاج وعليه وقار المؤمن، فلما رآه الحجاج على حاله هذه؛ هابه أشَدَّ الهيبة وقال له: ها هُنا يا أبا سعيد... ها هُنا.. ثم ما زال يُوسِّعُ له ويقول: ها هُنا... والناس ينظرون إليه في دهشة واستغراب حتى أجلسه على فراشه. ولما أخذ الحسن مجلسه التفت إليه الحجاج ، وجعل يسأله عن بعض أُمور الدين، والحسن يُجيبه عن كل مسألة بثبات وعلم، فقال له الحجاج: أنت سيد العُلماء يا أبا سعيد، ولما خرج الحسن من عنده، تبعهُ حاجب الحجاج وقال له:

يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك، وإني رأيتك عندما أقبلتَ، ورأيت السيف والنطع؛ قد حرَّكتَ شفتيك، فماذا قُلتَ؟. قال الحسن: لقد قُلتُ: يا وليَّ نعمتي وملاذي عند كُربتي؛ اجعل نقمته برداً وسلاماً عليَّ كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم([4]).

العز بن عبد السلام:

كان العز.بن.عبد.السلام مدافعًا أيضًا عن مصالح الناس الاقتصادية والمالية العامة، فهو يدافع عن أموالهم، ويمنع الظلم والاعتداء على حقوقهم، وإليك مثالاً يوضح ذلك:

فعندما أراد حاكم مصر أن يقاتل التتار، رأى أن أموال خزينة الدولة لا تكفي، ورأى أن يأخذ أموالاً من الناس، فجمع العلماء وقال لهم: ما رأيكم؟ نريد أن نأخذ من الناس أموالاً نستعين بها في تجهيز الجيش، والسلاح، ودفع رواتب الجند، وما أشبه ذلك من المصالح التي لابد منها، ونحن نواجه عدوًّا اجتاح بلاد العراق والشام ووصل إلينا وما في الخزينة لا يكفي لإعداد الجيش فقال له العز بن.عبد السلام: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام، وضربته سكة ونقداً وفرقته في الجيش ولم يقم بكفايتهم، في ذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا، فأحضر السلطان والعسكر كل ما عندهم من ذلك بين يدي الشيخ، وكان الشيخ له عظمة عندهم وهيبة بحيث لا يستطيعون مخالفته فامتثلوا أمره وانتصروا([5]).

وقال الذهبي: اتفق موت قاضي القضاة شرف الدّين بن عين الدولة ، فولي قاضي القضاة بدر الدّين السّنجاريّ ، وولي قضاء مصر نفسها والوجه القبلي للشيخ عز الدّين، مع خطابة جامع مصر، ثم إن بعض غلمان وزير الصالح المولى معين الدين ابن الشيخ بنى بنيانا على سطح مسجد مصر، وجعل فيه طبل خاناه معين الدين، فأنكر الشيخ عز الدين ذلك، ومضى بجماعته وهدم البناء، وعلم أن السلطان والوزير يغضب من ذلك، فأشهد عليه بإسقاط عدالة الوزير، وعزل نفسه عن القضاء، فعظم ذلك على السلطان، وقيل له: اعزله عن الخطابة وإلا شنع على المنبر كما فعل بدمشق، فعزله فأقام في بيته يشغل الناس، وكانت عند الأمير حسام الدين ابن أبي علي شهادة تتعلق بالسلطان، فجاء لأدائها عنده، فبرز يقول للسلطان: هذا ما أقبل شهادته، فتأخرت القضية ثم أثبتت على بدر الدين السنجاري. قال الذهبي بعد ذلك: "وله من هذا الجنس أفعال محمودة"([6]).

هذا الموقف تناقلته الأمة وعرفت مَنْ وراءه، وأن الذي حفظ أموالها وحماها من أن تغلب أو يؤخذ مالها بغير حق هو العز بن عبد.السلام ، ولم يكن الشيخ ليسكت عن خطأ أو يسمح بتجاوز في حق الأمة، أو تفريط في ثوابتها؛ فأفتى بحرمة بيع السلاح للفرنج بعد أن ثبت أنه يُستخدم في محاربة المسلمين، ثم أعقب ذلك بخطبة مدوية في الجامع الأموي قبح فيها الخيانة وغياب النجدة والمروءة، وذم ما فعله السلطان وقطع الدعاء له بالخطبة.

الشيخ عبد المجيد سليم (شيخ الأزهر)

في نهايات الفترة الملكية حينما قد بدأ الجو السياسي يتوتر في البلاد، وبدأت روائح الفساد الملكي تفوح، وتزكم الأنوف، تُنفق الأموال في بذخ وسرف على رحلات الملك ومتعه في أوربا وغيرها، في حين لا تجد بعض المؤسسات ما يقيم أودها، وينفق على الضروريات من مطالبها، وهذا ما جعل شيخ الأزهر العلامة الجليل الشيخ عبد المجيد سليم يقول لممثلي الحكومة حين رفضوا بعض ما يطلبه الأزهر لموازنته، كلمته الشهيرة التي كان لها دوي هائل: "تقتير هنا، وإسراف هناك!".

هذه الكلمة الموجزة القوية هزت قوائم عرش الملك، ولم يجد لها جوابا إلا أن يعفي الشيخ من منصبه، فأوصي إليه بالاستقالة، فقدمها وقُبلت.

وكانت تصدر من الشيخ بعض كلمات تحمل نقدا للأوضاع المنحرفة في البلد، فذهب إليه بعض المقربين من القصر، وقال له: إن هذه الكلمات خطر على الشيخ! فقال له: هذا الخطر يمنعني أن أتردد بين بيتي ومسجدي؟ قال: لا، قال: إذن لا خطر([7]).

([1]) انظر مثلا لسان العرب: 3/335. دار صادر. بيروت.

([2])القرطبي: 4/246.

([3])متفق عليه .

([4])من كتاب الحسن البصري لابن الجوزي.

([5])انظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/215).

([6])تاريخ الإسلام: 48/418. دار الكتاب ا لعربي. بيروت. ط2 .1990م.

([7])مذكرات القرضاوي: 1/458.

hgtsh] hglhgd ,Hevi ugn hgtv] ,hgl[jlu










عرض البوم صور طويلب علم مبتدئ   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المالي, الفرج, الفساد, على, وأثره, والمجتمع

جديد الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018