ملتقى أهل العلم - قصص وفوائد من حياة سفيان الثوري (2)

الفائدة الخامسة:

عن بعض إخوان سفيان أنه أخذ بيده إلى الجبانة قال فاعتزلنا ناحية عن طريق الناس فبكى ثم قال: إن استطعت أن لا تخالط في زمانك هذا أحدًا فافعل وليكن همك مرمة جهازك وعليك بالاستغناء عن جميع الناس وارفع حوائجك إلى من لا تعظم الحوائج عنده.

عن عطاء بن مسلم الخفاف قال: قال لي سفيان يا عطاء احذر الناس واحذرني فلو خالفت رجلاً في رمانة فقال حامضة وقلت حلوة أو العكس لخشيت أن يستشيط بدمي.

وقال - رحمه الله - لا تعرفن من لا يعرفك ويقول: أقل من معرفة الناس تقل غيبتك. وقال لرجل: يأتيك ما تكره ممن تعرف منهم أو ممن لا تعرف؟ قال بل ممن أعرف. قال فما قل من هؤلاء فهو خير.

الفائدة السادسة:

كان يقول اطلب العلم لتعمل به ولا تطلبه لتباهي به العلماء وتماري به السفهاء وتأكل به الأغنياء فإن لك من علمك ما عملت به وعليك ما ضيعت منه واستقم على سبيل ربك، فإنك إن فعلت ذلك؛ كان مولاك الله- عز وجل - وجبريل وصالح المؤمنين، واشتغل بذكر عيوب نفسك عن ذكر عيوب غيرك، واحزن على ما قد مضى من عمرك في غير طلب آخرتك، وأكثر من البكاء على ما قد أوقرت به ظهرك من الذنوب، ولا تمل من الخير وأهله، ولا تباعد عنهم، ومل الجهال وباطلهم ولا تنس من لا ينساك. اهـ[1].

الفائدة السابعة:

قال سفيان الثوري:

ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ومن يخشى الله - عز وجل - وكان يقول: الملكان يجدان ريح الحسنات والسيئات إذا عقد القلب.

وسئل عن الزهد فقال سقوط المنزلة، وسئل عن الظن: فقال الذي يتكلم به هو ظن الإثم والذي لا يتكلم به فليس فيه إثم.

الفائدة الثامنة:

عن يوسف بن أسباط قال جاء نعي أبي حنيفة فقال الحمد لله كان ينقض عرى الإسلام عروةً عروة. اهـ[2]

وكان سفيان يقول:

إني لألقى الرجل أبغظه فيقول كيف أصبحت فيلين له قلبي، فكيف بمن أكل ثريدهم، ووطئ بساطهم. اهـ [3]

عن مزاحم بن زفر قال:

صلى بنا سفيان المغرب فقرأ حتى بلغ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فبكى حتى انقطعت قراءته، ثم عاد فقرأ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ.. ﴾ [الفاتحة: 2]، إلخ.

وكان سفيان رحمه الله يديم النظر في المصحف فيوم لا ينظر فيه يأخذه فيضعه على صدره.

وسئل رحمه الله عن رجلٍ عليه دين أيأكل اللحم؟ قال: لا [4].

وكان يقول ادفع الشك باليقين يسلم لك دينك ويقول: لا يحرز دين المرء إلا قبره.

الفائدة التاسعة:

كتب مبارك إلى أخيه سفيان يشكو إليه ذهاب بصره؛ فكتب إليه: يا أخي فهمت كتابك تذكر فيه شكايتك ربك، ثم قال: اذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك، والسلام.

سأل رجل سفيان قال:

على بابي مسجد يصلي بهم صاحب بدعة؟ فقال: لا تصلي خلفه. قال تكون الليلة المطيرة وأنا شيخ كبيرة.

قال: لا تصل خلفه. اهــ[5]

وكان رحمه الله يقول: من قدم علياً على أبي بكرٍ وعمر فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار.

الفائدة العاشرة:

عن الفريابي قال: قال سفيان الثوري: نسمع التشديد فنخشى، ونسمع اللين فنرجو لأهل القبلة ولا نقضي على الموتى ولا نحاسب الأحياء، ونكل ما لا نعلم إلى عالمه، ونتهم رأينا. اهـ [6]

وقال رحمه الله: بلغني أن العبد يعمل سراً فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية ثم لا يزال به حتى يحب أن يحمد عليه فيكتب في الرياء.

جاء زائدة بن قدامة إلى سفيان فلما رآه صاح به فقيل: ما شأنه؟ فقال إن شريكاً أمر بمالٍ يقسم فولاه هذا ثم قال: إنه لم يصب لدنسه غيرك.

وكان يقول: إذا أحببت رجلاً في الله ثم أحدث حدثاً في الإسلام فلم تبغضه عليه؛ فلم تحبه في الله.

الفائدة الحادية عشر:

عن سفيان الثوري قال: جلست ذات يومٍ ومعنا سعيد بن السائب الطائفي فجعل سعيد يبكي حتى رحمته فقلت له يا سعيد ما يبكيك وأنت سمعتني أذكر أهل الجنة قال سعيد: يا سفيان ما يمنعني أن أبكي وإذا ذكرت مناقب الخير رأيتني عنها بمعزل. قال سفيان: وحق له أن يبكي.

وقال بلغني أنه يأتي على الناس زمان تمتلئ قلوبهم في ذلك الزمان من حب الدنيا؛ فلا تدخله الخشية.

ويقول: الفاجر الراجي لرحمة الله أقرب إلى الله من العابد الذي يرى أنه ما ينال ما عند الله إلا بعمله