ملتقى أهل العلم - النداء الحادي عشر : لم ينقم منا أهل الكتاب ؟

النداء الحادي عشر : ] لم ينقم منَّا أهل الكتاب ؟ [
] قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [{المائدة 59}.
حذَّر الحق سبحانه أهل الإيمان ،ونهاهم عن موالاة أهل الكتاب الذين يستهزئون بالمسلمين وعبادتهم،وخاصة الأذان والصلاة،تقدم ذلك في النداء السادس والثلاثين لأهل الإيمان.وما فعلوا ذلك إلا من حنقهم وغيظهم على المسلمين.
وفي هذا النداء الربانيّ يوجه بالتوجه إلى أهل الكتاب لسؤالهم عن سبب هذا الحقد. وفي سبب النزول:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( أتى رسول الله r من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وعازر وخالد وزيد وأزار بن أبي أزار وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال:أؤمن بالله وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتى النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بعيسى، ولا نؤمن بمن آمن به. فأنزل الله فيهم:( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ)[1]. وعند القرطبي:( وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم؛ فنزلت هذه الآية وما بعدها، وهي متصلة بما سبقها من إنكارهم الأذان؛ فهو جامع للشهادة لله بالتوحيد، ولمحمد بالنبوة)[2].
قوله تعالى :] قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا [ تسخطون وتنكرون علينا،وما سبب ذلك ] إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ [ ليس لكم سبب في عداوتكم وكراهيتكم ،إلا إفرادنا لله بالألوهية،ومثل ذلك قوله تعالى(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج:8).
قوله تعالى :] وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ[ في ترك متابعة النبي r ،فإن قيل اليهود على ذلك كلهم فسقة وكفرة،فلم خصَّ الأكثر بصفة الفسق؟ يجيب الفخر الرازي على ذلك من وجهين:
الأول:يعني أنَّ أكثرهم إنما يقولون ما يقولون،ويفعلون ما يفعلون طلبا للرئاسة والجاه،وأخذ الرشوة والتقرُّب إلى الملوك،فأنتم في دينكم فساق لا عدول،فإن الكافر والمبتدع،قد يكون عدل في دينه،وقد يكون فاسق في دينه،ومعلوم أن كلهم ما كانوا كذلك.فلذلك خصَّ أكثرهم بهذا الحكم.
الثاني:ذكر أكثرهم لئلا يظن أن من آمن منهم،داخل في ذلك [3].
وفي الآية تسرية عن الدعاة إلى الله U ،فإن أصحاب القلوب المريضة،أعداء لأصحاب الدعوة إلى الله تعالى.وإنك لتجد الرجل لا يذكر بخير أو شر،فإذا هُدي إلى طريق الحق،انهالت عليه سهام الباطل،بالتشكيك والتشهير،يريدون ثنيهم وصدهم عن طريق النور والهداية.وفي السيرة العطرة خير شاهد على ذلك ،فهذا حبيب ربِّ العالمين r كان موضع احترام وتقدير في قومه، حتى لقِّب الصادق الأمين،ولما بدأ يتحنث في غار حراء قالوا :عشق محمدٌ ربَّه.ولما صدع بالحق ثارت ثائرة أهل الأهواء ،وحاولوا أن يطفئوا نور الله بتدبير المكائد والمؤامرات.ولكن لا بدَّ أن يعلو الحقُّ ويندحر الباطل.

1) جامع البيان 4/632 والدر المنثور 2/522

2) الجامع لأحكام القرآن 6/233

1) التفسير الكبير 12/390