ملتقى أهل العلم

ملتقى أهل العلم (https://www.ahlalalm.org/vb/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح (https://www.ahlalalm.org/vb/forumdisplay.php?f=51)
-   -   أينَ المفَـرُّ:إذا تعاظَمَني ذنبي وآيسَني..! (https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=48393)

طويلب علم مبتدئ 23 / 10 / 2011 45 : 12 PM

أينَ المفَـرُّ:إذا تعاظَمَني ذنبي وآيسَني..!
 

الْحَمدُ للهِ والصَّـلاةُ والسَّلاَمُ على رَسُول اللهِ , وبعدُ:
فعنوان هذا الموضوع هو شطرٌ شعري من قصيدة يقول فيها الشاعرُ أبو شجاع الوزير رحمه الله:

أصبحت من سيئآتي خائفاً وَجِلاً ** واللهُ يعلم إعلاني وإسراري
إذا تعاظَــمَنـي ذنبي وآيسَـني ** رجوتُ عفوَ عظيمِ العفوِ غفّارِ

إنَّ أحَـدَنا إذَا خَلاَ بِنَـفسِـهِ واستَعْـرَضَ شِريطَ حَياتِهِ , وتَراءتْ لهُ الخَلَـواتُ والجَلَـواتُ , وما فيه من البَوائقِ والسيِّـئاتِ , يأخُذهُ الخَـوفُ عَلَى نفسِهِ من خالقهِ الجبَّـار الذي بيدهِ ملكُـوتُ كل شيءٍ.
يخَافُ دعواتِ المظلومِين.!
يخَاف ما طوى عليه خزائن الليالي والأيام.!
يخَـافُ الموتَ.!
يخَافُ ضمَّةَ القَبر.!
يَخَـافُ الوحشَـةَ.!
يَخَافُ الضِّيقَ.!
يَخَافُ قلَّةَ الزَّاد.!
يخَافُ الطاعاتِ المخدوشةَ بالرياءِ.!
يخافُ أن تُردَّ العبادات ذات الخِداج.!
يخَافُ المظالمَ والمغارم.!
يخَافُ غدراتهِ مع الله وفجَراته.!
يخافُ خيانتهُ لوعوده مع الله.!
يخَافُ سؤالَ الملَكين.!
يخَافُ ..... ,يخَافُ ..... ,يخَافُ ..... ,يخَافُ ..... ,يخَافُ ..... ,يخَافُ ..... ,يخَافُ ..... ,يخَافُ ..... ,يخَافُ..!

وفي وسَطِ هذه المخَاوف التي قَد تمنعُ واحدَنا النومَ , وتُخرجهُ من سعة الدنيا إلى ضيقِ الهم والغمِّ ,
ينتهزُ عدوُّنا المُبين - الشيطــانُ - فرصتهُ ليؤجِّـجَ في نفْسِ أحدِنا نيرانَ القنوط , ويعينهُ في هاويةِ المخاوف على استكمال واستعجال الهُبُـوط , ويُسَـوِّلُ لهُ أن إجرامهُ وإسرافهُ على نفسهِ داءٌ وخيمٌ وبيلٌ , وأن من قدِم على الله بمثلِ ذنبهِ ليس لهُ إلى الرحمة من سبيل , وهنا ينالُ أبو مُرِّة بغيتهُ , ويستنجزُ وعدهُ في القعود بين يدي بني آدمَ ومن خلفهم وعن أيمانِهم وعن شَمائلهم ليَصد عن الصراطِ المُستَقيم.

من أجل كل ذلكَ خطَر بِبَال أبي زيدٍ عشيةَ هذا اليومِ - وهو يحادث بهاتفه أحد أحبابهِ حولَ تعاظم الذنوب - أن يفتح موضوعاً يبث فيه بعضَ الخَواطر ويجعلهُ على شُعبٍ وأجزاءٍ , يكونُ منهلاً يرِدُهُ القانطونَ , ويُذبَح على أعتابهِ مطمَع إبليسَ المغبون الملعون , في تقنيطنا نحن المسيئين من رحمة الله التي اتسعتْ لأقوامٍ اجترحوا من السيئات ما تكاد تنفطر لهُ السماوات , وتنشق له الأرض , وتندكُّ لهُ الجبال , ويهتز عرش الرحمن , ولكنهم لما تابوا بصدق وإخلاصٍ وجدوا أبواب الرحمة مُشرعةً مفتوحة , وأيادي التوبة والقبول مبسوطةً ممنوحة , فأحبُّـوا الله وأحبَّـهم , وأجابوهُ فأدناهم وقرَّبَـهم , وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبونَ , ومنهم من قضى نحبهُ فقُـصَّ علينا خَبرُهُ , ومنهم من ينتظر.
وأوْلى شيءٍ بالذكر في هذا الموضوع أرجى آيات القرآن وهي قوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ , وهذه الآيةُ تحتَاجُ منَّا إلى وقَفاتٍ:
قال علي بن أبي طالب ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية وصدق , ومن أوجه اتِّسَاعِـها:

أنَّ هذه الآية لا تستثني أحداً من الخليقة فالكل عبيد لله , البرُّ والفاجرُ , والذكرُ والأنثى , والهرِمُ واليافعُ , والمُقِـلُّ والمُستكثِرُ.
أنَّ هذه الآيةَ لاتستثني ذنباً ولا معصيةً إذْ كُلُّ ما خَرجَ بالعبدِ عن جادةِ الطَّاعَة فَهُو إسرافٌ على النفس.
أنَّ هذه الآية تضمَّنت تودداً من الله تعالى لعباده العاصين وتحبباً إليهم وذلكَ بإضافتهم إلى نفسه يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ رغم إسرافهم على أنفسهم وتحميلهم لها ما لا تطيقه من الأوزار, فهي ليست دعوةً مجردةً إلى التوبة ’ بل هي أوسعُ من ذلك فهي توبة وتحبُّبٌ وتودُّد , وهذا أبلغ ما يكون بهِ الترغيبُ في الإقلاع عن زواجر الله ومناهيه.

قال تعالى وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ وهذا يُطَمئِنُنَا نحنُ المسرِفينَ بجانبِ وعظهِ إيَّانا أيضاً, لأنَّ الله قدَّمَ رحمتهُ على مؤاخذته في هذه الآيةِ , ولا حظ أن تعجيل العذابِ في الآية قابلتهُ صفتانِ لله تعالى هُما: الغفورُ , وذو الرحمةِ , ولا يمكن لهُ أن يسبقهما , وهذا التأكيدُ والوفرةُ والمُبالغةُ في تقديمِ العفو على المُؤاخَذة من الظواهر القرآنية كما في قوله تعالى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَـنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى , فتأمَّل التوكيدَ بـ (إنَّ) و (لَـ) و (غَفَّارٌ) مع أنَّهُ سبحانهُ لا أحدَ أصدقُ منهُ قِيلاً , ولكنَّ كل هذا التوكيد لتحصين أنفس العصاة من تعاظم ذنوبهم أمامَ سعة رحمته وعفوه.

إذا تعاظمَك ذنبُكَ فاعلمْ يقيناً أنَّ اللهَ تعالى لمْ يُعصَ بذنبٍ أقبحَ من الشِّركِ بهِ , فالشركُ أبو الموبقاتِ وعظيمها , وكبيرُها وجَسيمُها , فنسبةُ المعَاصي إليهِ نسبةُ التابع إلى المتبوع , والعبد إلى السيد والفرعِ إلى الأصلِ , ومع ذلك فإنَّ القرآنَ الكريمَ تواترتْ آياتهُ بفتح آفاق العفو والصفحِ أمام المشركين الذين يجحدون ألوهية الله ويشركون بهِ مخلوقاته , ودخولنا نحن في هذه الآفاق الواسعة دخولٌ أوَّليٌّ لأنَّـنا نشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمداً رسول اللهِ , وإن كنا نجترحُ السيئات ونغشَى المناكر والموبقات , لكنَّنا عند الله أخفُّ جريرةً من أولئك الجاحدينَ , الذين وسعتهم رحمة الله وشملهم لطفهُ يوم خاطبهم بقوله على لسان نبيه بقوله وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ , إنَّ المُخَاطَبينَ بهذه الآيةِ أخي العاصي , يرفُضُـونَ دعوةَ التوحيدِ ويُحلدُّون اللهَ ورَسُـولهُ ومع كل ذلك قدَّم اللهُ ترغيبهم قبل التهديد بالعذاب الكبير تأكيدً على أنَّ الذنوب وإن عظمت وتكاثرت لا تقومُ أمام عفو الله إلا كما تقوم الذرّّة في مهَبِّ الريح.
بل إنَّ القتَلَةَ السَّفَّـاحينَ (أصحاب الأخدود) الَّذينَ أحرقوا المؤمنينَ والمؤمنَات وألقوهم في النَّار , لم يجعل اللهُ تعالى عذابهم أمراً محتوماً , ولم تضق عنهم رحمةُ الله تعالى , ولكنَّ الحليمَ الرحيم البرَّ التوابَ تعالى وتقدَّس علَّق عقوبتهم بعدم التوبةِ وجاءَ بالتعريضِ تَرغِيباً في التوبةِ فقال إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق .
والمَعنَى أنَّهم لو تابوا لخَرَجُوا عن هَذا الوَعِيدِ الشَّديدِ.
والتوحيدُ أيها الأخُ العاصي وسيلةٌ عظيمةٌ تُبتَغَى بها رحمةُ الله , بل هي أنفعُ الوسائل ,فاحفظ عليكَ التوحيد وخلِّص عقيدتكَ من كل شائبةٍ , وسلمِ التوحيد من الخدشِ لأنَّهُ أحبُّ العبادات وأوجبها وأعظمها أجراً , فإذا تعاظمك الذَّنبُ وتلبَّسك القُنوط فتوسَّل إلى اللهِ بهِ فإنَّـهُ يأتي على كل ما تخافُ وتحذرُ من الطوامِّ والجرائر , وإليكَ هذا الخبَرَ النَّبوي على نبينا محمد أزكى صلاة الله وسَلامه , فعن أنَسٍ قال جَاءَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تَرَكْتُ حَاجَةً وَلا دَاجَّةً إِلا قَدْ أَتَيْتُ ، قَالَ أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ ذَاكَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ قال الهيثمي: (رواه أبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني في الصغير والأوسط ورجالهم ثقات).
ومَعنى الحاجة والداجَّة: الصغائر والكبائر , وقال بعض أهل العلم معناها: القاصدونَ بيت الله والعائدونَ منهم , يعني أنه كان يقطع عليهم الطريق ويأتي معهم كل ما يفعله القطاعُ مع المسافرين.

فتأمَّل قولهُ (ذَاكَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ) فهُو مُستَمسَكٌ عظيمٌ يعتَصِمُ به العاصي إذا استحوذ عليه اليأسُ ليخاطب الشيطان الرجيم ويقول لهُ قول رسول الله (ذَاكَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ) لينقلب – إن شاء الله - مذؤوماً مدحوراً مغلوباً ولهُ ضراط.!
ولي عودةٌ بإذن الله إلى الموضوعِ لعل الوقت يتَّسع لها.

كتبه أبو زيد الشنقيطي

ابو قاسم الكبيسي 23 / 10 / 2011 58 : 09 PM

رد: أينَ المفَـرُّ:إذا تعاظَمَني ذنبي وآيسَني..!
 
جزاك الله خيراً
أللهم
إرزقنا حبك وحب من أحبك وحب عمل يقربنا الى حبك
ووفقنا لشكرك وذكرك وحسن عبادتك
وإرزقنا التأهب وألأستعداد للقائك
تقبل الله منا ومنكم صالح ألأعمال

شريف حمدان 23 / 10 / 2011 23 : 10 PM

رد: أينَ المفَـرُّ:إذا تعاظَمَني ذنبي وآيسَني..!
 
http://up.ahlalalm.info/photo1/HB860023.gif

أبوفاطمه 27 / 10 / 2011 41 : 01 PM

رد: أينَ المفَـرُّ:إذا تعاظَمَني ذنبي وآيسَني..!
 


For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي

اختصار الروابط