ملتقى أهل العلم

ملتقى أهل العلم (https://www.ahlalalm.org/vb/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح (https://www.ahlalalm.org/vb/forumdisplay.php?f=51)
-   -   الإنذار والتذكير بالقرآن (https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=119833)

طويلب علم مبتدئ 02 / 01 / 2018 37 : 01 PM

الإنذار والتذكير بالقرآن
 
الإنذار والتذكير بالقرآن



الحمد لله... المتأمِّل في قوَّة تأثير القرآن العظيم يجد أنه جمع بين الجزالة والسَّلاسة، والقوة والعذوبة، وحرارة الإيمان، وتدفق البلاغة، فهو النُّور الباهر، والحقُّ السَّاطع، والصِّدق المبين، ولمَّا سمعه فصحاء العرب وبلغاؤهم وأرباب البيان فيهم أقروا بعظمته وتأثيره بلسان حالهم قبل مقالهم.



وإن الإنسان ليأخذه العَجَبُ من بعض الدعاة الذين يغفلون أو يتغافلون عن آيات القرآن وتأثيرها في نفوس المدعوين، فهم يتكلمون بكل كلام يخطر ببالهم إلاَّ كلام الله تعالى حال دعوتهم، ولا يستدلون إلاَّ بالآيات القليلة، وفي بعض الأحيان لا يُسمع منهم آية واحدة، مع كثرة حديثهم وتشعبه[1].



وقد أيَّد الله سبحانه رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن الكريم، وأمره أن يدعوه به، ويعتمد عليه، وما ذاك إلاَّ لقوة تأثيره في النفوس، ولذا فإننا نجد نصوصاً قرآنية كثيرة تأمر بالدَّعوة بالقرآن العظيم نفسه وتحثُّ عليه، فمن ذلك:

1- قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19]. أخبر المولى جلَّ جلالُه أن هذا القرآن أُوحي لنفع الناس وإصلاحهم، إذ فيه النذارة لكم أيها المخاطبون، وكل مَنْ بلغه القرآن إلى يوم القيامة، ولذا كان مجاهد رحمه الله يقول: «حيثما يأتي القرآن فهو داعٍ، وهو نذير، ثم قرأ: ﴿ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾[2].



2- قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 2]. فهذا خطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لينذرَ الكافرين بالقرآن، ويُذكِّرَ به المؤمنين؛ لأنه حوى كل ما يحتاج إليه العباد في الدنيا والآخرة، ولأنَّ المؤمنين هم المنتفعون بهديه.



وعندما يقوم الدَّاعية إلى الله تعالى بدعوة الناس بالقرآن إلى القرآن، فعليه ألاَّ يكون في صدره حرج؛ أي: ضيق وشك واشتباه؛ لأنه كتاب الله سبحانه وتعالى، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلْينشرح به صدره، ولْتطمئن به نفسه، ولْيصدع بأوامره ونواهيه، ولا يخش لائماً أو مُعارضاً[3].



3- قول الله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾ [الإسراء: 106]. فالله عزّ وجل، نَزَّل القرآن مُنَجَّماً ومفرَّقاً على الوقائع والأحداث إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم، في ثلاث وعشرين سنة ليقرأه عليهم ويبلغهم إياه على مهلٍ، ليتدبروا آياته ويؤمنوا به[4].



وكذلك ينبغي على كل داعية حريص على الاقتداء بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، أن يقرأ القرآن العظيم على الناس ويدعوهم به على مهل، ليتأثروا بما فيه من حِكَمٍ وعلوم نافعة.



4- قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [الأنبياء: 45]. فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى، لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، بأن ينذر الناسَ كلَّهم ويدعوهم بالقرآن العظيم الذي هو وحي من الله، فإن استجابوا فلأنفسهم، وإن لم يستجيبوا، فذلك لأن صوت القرآن الحكيم الذي سمعوه لم يجد قلباً قابلاً للهدى، فكان كالأصم الذي لا يسمع صوتاً، ولا يدري ماذا يقول المتحدِّث إليه[5].



وكذلك الدَّاعية إلى الله عزّ وجل، يُنذر الناس بالقرآن ويخوفهم به، فمن لم يستجب منهم ولم يتأثر فذلك لأن قلبه خال من الخير والقبول به، فهو كالأصمِّ في عدم الانتفاع بما في الأصوات من معانٍ وأخبار.



5- قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلاَ تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]. فهذه الآية الكريمة نصٌّ صريح على أن الدَّعوة بالقرآن العظيم من أعظم أبواب الجهاد في سبيل الله تعالى، إذْ سمَّاه الله تعالى جهاداً، بل كبيراً، فما أعظم شرف الدعاة إلى الله تعالى، بلقب «المجاهدين جهاداً كبيراً»، وما أكبر هذه النِّعمة عليهم، التي تستحق منهم الشكر والإخلاص والعمل الدؤوب بمجاهدة الكافرين وغيرهم من عصاة المسلمين بالقرآن العظيم؛ لأن الذي يُجاهِدُ به الكفارَ، يكون مِنْ باب أَولى أن يُجاهِدَ به أهلَ المعصية من المسلمين.



وعن هذا الأمر يقول الشيخ عبد الحميد بن باديس[6] رحمه الله: «وكما يُجاهَدُ أهلُ الكفر بالقرآن العظيم الجهاد الكبير، كذلك يُجاهَدُ به أهلُ المعصية؛ لأنه كتاب الهداية لكلِّ ضال، والدَّعوة لكل مرشد، وفي ذكر الكافرين تنبيه على العصاة، من التنبيه بالأعلى على الأدنى، لاشتراكهم في العلة وهي المخالفة... وكما أن الجهاد بالقرآن العظيم هو فرض عليه - أي: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - فكذلك هو فرض على أمته، هكذا على الإجمال، وعند التفصيل تجده فرضاً على الدعاة والمرشدين الذين يقومون بهذا الفرض الكفائي على المسلمين، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم قدوة لأمته فيما اشتملت عليه الآية من نهي وأمر»[7].



والدَّعوة بالقرآن العظيم هي الميزان الذي يُعْرَفُ به صلاح الدَّاعية وصدقه وسلامة منهجه، قال الشيخ ابن بادِيس رحمه الله: «عندما يختلف عليك الدُّعاة الذين يَدَّعي كل منهم أنه يدعوك إلى الله تعالى، فانظر مَنْ يدعوك بالقرآن إلى القرآن - وَمِثْلُه ما صح من السُّنة؛ لأنها تفسيره وبيانه - فاتَّبِعْه؛ لأنه هو المتّبِعُ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، في دعوته وجهاده بالقرآن، والمتمثِّل لِمَا دلت عليه أمثال هذه الآية الكريمة من آيات القرآن»[8].



6- قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص: 59]. وهذه الآية كذلك تُبَيِّنُ أهمية الدَّعوة بالقرآن، إذْ جعل الله سبحانه، سماعَ تلاوةِ الآيات ملاذاً ومعاذاً من نزول العذاب بالكافرين، وذلك لقيام الحجة عليهم بسماعهم للقرآن العظيم الذي هو أبلغُ وسيلة، وأعظمُ سببٍ للإيمان بالله عزّ وجل، والدُّخول في دينه[9].



ومثل هذا، الآية قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 6].



فقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ﴾؛ «أي: القرآن الذي تقرؤه عليه، ويَتَدَبَّرُهُ، ويَطَّلِعُ على حقيقة الأمر، وتقوم عليه حُجَّةُ الله به، فَإِنْ أَسْلَمَ ثَبَتَ له ما للمسلمين، وإن أَبَى فإنه يُرَدُّ إلى مَأْمَنِه ودارِه التي يأمَنُ فيها، ثم قاتِلْهُ إِنْ شِئْتَ»[10].

فلو لم يكن للقرآن العظيم من تأثيرٍ بالغٍ في قلوب سامعيه، لَمَا كان هو الحد الفاصل لنهاية إجارة المشرك.



7- قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]. وذلك لأن القرآن يهزُّ القلوب، ويجعلها في خوف من شدة عذاب الله إن لم تؤمن بالقرآن، وتعمل بما فيه. فلذا كان القرآن الكريم أعظمَ سلاحٍ يستعمله الدُّعاة إلى الله سبحانه، في دعوتهم للناس، والتأثير فيهم[11].


[1] ولا يُقصد من هذا الكلام أن يكتفي الدعاة إلى الله تعالى بتلاوة الآيات فقط حال الدعوة، مع إغفالهم التوضيح والبيان، والتفصيل والتعليل، وضرب الأمثلة والشواهد، وذكر القصص والعبر...؛ لأن هذا يُخالف نَصَّ القرآن، وهديَ رسول الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].

[2] تفسير الطبري (11/ 291).

[3] انظر: تفسير الطبري (12/ 297)، تفسير القرطبي (7/ 160، 161)، تفسير السعدي (ص245، 246)، في ظلال القرآن (3/ 1254-1259).

[4] انظر: تفسير ابن كثير (3/ 69).

[5] انظر: تفسير القرطبي (11/ 292)، تفسير ابن كثير (3/ 181)، تفسير السعدي (ص473).

[6] هو: عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكِّي بن بادِيس: ولد في قسنطينة سنة (1305هـ)، وأتمَّ دراسته في الزيتونة بتونس. وأصدر مجلة «الشهاب» علمية دينية أدبية، صدر منها في حياته نحو (15) مجلداً. وكان شديد الحملات على الاستعمار، وحاولت الحكومة الفرنسية في الجزائر إغراءه بتوليته رياسة الأمور الدِّينية فامتنع واضطُّهد وأُوذي، وهو مستمر في جهاده. توفي بقسنطينة سنة (1359هـ). له: «تفسير القرآن الكريم» اشتغل به تدريساً زهاء (14) عاماً، ونُشرت نُبَذٌ منه، ثُمَّ جُمِعَ تفسيره لآيات من القرآن، باسم «مجالس التَّذكير». انظر: الأعلام (3/ 289)، معجم المؤلفين (2/ 66).

[7] تفسير ابن باديس (ص252).

[8] تفسير ابن باديس (ص253).

[9] انظر: تفسير القرطبي (13/ 301-303)، تفسير ابن كثير (3/ 397)، تفسير السعدي (ص571).

[10] تفسير القاسمي، المسمَّى: «محاسن التأويل» (4/ 90).

[11] انظر: الدعوة إلى الله بالقرآن الكريم، د. خالد القريشي (ص273-278).

شريف حمدان 03 / 01 / 2018 58 : 06 AM

رد: الإنذار والتذكير بالقرآن
 
http://up.ahlalalm.info/photo2/x1a06995.gif


For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي

اختصار الروابط