ملتقى أهل العلم

ملتقى أهل العلم (https://www.ahlalalm.org/vb/index.php)
-   ملتقى السيرة النبويه (https://www.ahlalalm.org/vb/forumdisplay.php?f=50)
-   -   بُحُوثُ السيرة النبوية (https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=119091)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 09 / 12 / 2019 46 : 06 PM

بِشَارَاتُ و عَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
 


-** -**-** -**-**-


البحث القادم :


بِشَارَاتُ
و
عَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ


-**- **-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-
نال شرف قراءة النصوص الشرعية والمراجع والمصادر وإخراجها وإعادة ترتيبها :


محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي


الأثنين: 12 ربيع آخر 1441 ه ~ 09 ديسمبر 2019م


دكتور محمد فخر الدين الرمادي 10 / 12 / 2019 32 : 06 PM

إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ !
 
﴿ ٤ . ــــــــــــــــــــــــــــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ :
إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ

أثبتُ بالحجَّة والدَّليل والبرهان نبوةَ خاتمِ المرسلين وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين مِن قَبل إيجاد آدم وخلقه من عدم إلىٰ عهد ابن العذراء البتول - عليهم جميعا سلام الله -.. كلمة الله وروح منه.. معجزة خلقه مِن بعد أن كان عدما.. والرابط بينهما قوله تعالىٰ في سورة [آل عمران] ﴿. إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٥٩) -عليهما السلام- .



فما زلتُ أبحث قضية « ما قبل النبوة المحمدية » وتمحيص[(87)] مسائلها؛ وخاصة مسألة البشارة بمجيئه في الكتب التي يؤمن أصحابها بها، ومَن يَتْبع نصوصَها بأنها كتب مقدسة.. أو جاءت علىٰ لسان نبي مرسل أو رؤيا كرؤية النبي دانيال.. خاصةً وإن : ( موضوع البشارات بالرسول -ﷺ- لا يعدو إلا أن يكون فصلا صغيرا من كتاب أدلة الإيمان). [(88)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(87)] مَحَصَ الذَّهَبَ بِالنَّارِ : صَفّاهُ بِالنَّارِ وَأَزَالَ مِنْهُ كُلَّ مَا خالَطَهُ مِنْ شَوْبٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والبشارات في الكتب السابقة [(89)] هي تلك الأنباء والأوصاف التي وردت عن مَقدم محمد -صلى الله عليه وسلم- مبينة :
"1" اسمه و
"2" صفاته البدنية و
"3" المعنوية و
"4" نسبه و
"5" مكان بعثته، و
"6" صفة أصحابه و
"7" صفة أعدائه ، و
"8" معالم الدين الذي يدعو إليه، و
"9" الحوادث التي تواجهه، و
"10" الزمن الذي يبعث فيه، لـ يكون ذلك دليلاً علىٰ صدقه عند ظهوره بانطباق تلك الأوصاف عليه، وهي أوصاف وبشارات تلقاها أهل تلك الأديان نقلاً عن رهبانهم وأحبارهم وكهنتهم قبل ولادة محمد -ﷺ- بقرون كثيرة. و

قد أشار القرآن الكريم إلى تلك البشارات، ودلل بها على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- . فـ قال تعالى ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾
[الرعد:43].
و قال -تعالىٰ-﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ءَايَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
[الشعراء:197].
و قال -تعالىٰ-﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾
[الشعراء:196].
و قال -تعالىٰ- عن محمد صلى الله عليه وسلم :﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾
[البقرة:146].
و هذا يعني أن انطباق البشارات علىٰ محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يدل علىٰ أنه المقصود بها، وأنه الرسول الذي أخبر الله بمقدمه، ومن هذه البشارات ما يأتي:

شريف حمدان 23 / 01 / 2020 04 : 05 AM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 58 : 06 PM

النبيُّ الأمي 1
 
الفصل الأول :
﴿ ٤ . ١ . النبي الأمي في الكتب السابقة:
لقد أشار القرآن الكريم إلىٰ أمية الرسول -ﷺ- وأنها مذكورة عند أهل التوراة والإنجيل.

قال تعالىٰ ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾
[الأعراف:157].
إن أمية النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيفية بدء الوحي إليه لأول مرة موجود عند أهل الكتاب إلىٰ يومنا هذا .

فـ
قد جاء في سفر أشعيا:

قال إشعياء النبي بالروح:
" ويدفع الكتاب للأمي ويقال له : اقرأ هذا.. أرجوك.. فيقول: أنا أمي "[(90)].
و

لكنك تجد النص : ".. وَيُقَالُ لَهُ : " اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ:" لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ "
(أشعياء29/10-12).

أي لست بقارئ [(91)] .



أقول :
(أ) وهذا ترجمة للنص الذي ورد في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس المعتمدة عند النصارىٰ وهي أوثق النسخ للتوراة والإنجيل عندهم [(92)].

و
في النسخة المسماة „Bible Good News " ورد ما ترجمته كالآتي:

" إذاً تعطيه إلىٰ شخص لا يستطيع القراءة وتطلب إليه أن يقرأه عليك سيجيب بأنه لا يعرف كيف ."

(ب) وبينما نجد هذا النص الواضح في الطبعات الإنجليزية ... نرى أن القسس العرب قد حرفوا هذا النص في نسخته العربية فجعلوا العبارة كالآتي :

" أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: اقرأ هذا فيقول : لا أعرف الكتابة "[(93)]



(ت) فالسائل يطلب القراءة والنبي ينفي عن نفسه معرفة الكتابة !

هذا..
لئلا تتطابق الحادثة المذكورة في النص السابق مع قصة نزول جبريل -عليه السلام- علىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم-ومطالبته له بالقراءة فنفىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه القدرة علىٰ القراءة.







قال الحافظ ابن حجر : وقد وقع في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :
" أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ"[(94)].





و
كم من الزمن قد مر بعد عيسى ابن مريم -عليه السلام؛ وعلى أمه الرحمة والبركات-، وما نزل وحي علىٰ نبي أمي إلا علىٰ النبي الأمي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صلى الله عليه وسلم- الذي يجدون أميته مكتوبةً عندهم حتىٰ يومنا هذا.[(95)].

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 05 : 07 PM

اسم النبي!
 
2 . ] اسم النبي:
أ - لا تزال نسخ التوراة باللغة العبرية تحمل اسم محمد جلياً واضحاً إلىٰ يومنا هذا.

فـ
في نشيد الأنشاد من التوراة في الاصحاح الخامس الفقرة السادسة عشر وردت هذه الكلمات:
" حِكو مَمْتَكيم فِكلّو محمديم زيه دُودي فَزيه ريعي.".
(ث ) ومعنى هذا : " كلامه أحلىٰ الكلام إنه محمد العظيم هذا حبيبي وهذا خليلي ".
فــ

اللفظ العبري يذكر اسم محمد جلياً واضحاً ويلحقه بــ :




"يم"






التي تستعمل في العبرية للتعظيم.
واسم محمد مذكور أيضاً في المعجم المفهرس للتوراة . [(96)].



(ث) عند بيانه هذا اللفظ المتعلق بالنص السابق "محمديم" .[(97)] .


لكن عنداليهود والنصارى لم يتم التسليم بأن لفظ "محمد" هو اسم النبي وتصر علىٰ أنه صفة للنبي وليس اسماً له .



فـــ




يقولون إن معنىٰ لفظ "محمد يم" هو "المتصف بالصفات الحميدة "
كما جاء في نسخة الملك جيمس المعتمدة عند النصارىٰ .
(ج) وعليه فيكون المعنىٰ لهذه الإشارة عندهم "كلامه أحلىٰ الكلام . [(98)] إنه صاحب الصفات الحميدة ".





(ح) فمن هو(!!!).. يا أهل الكتاب.. غير "محمد يم" محمد العظيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي كلامه أحسن الكلام وهو المحمود في صفاته كلها، وهو حبيب الله وخليله كما جاء ذلك في نفس النشيد عقب ذكر اسمه .

" هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي ".
ب- وأما ما جاء عن اسمه عند النصارىٰ ، فقد ورد في عدة أماكن،





منها :
ما جاء في إنجيل يوحنا [(99)] في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه :
" لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي الفارقليط."

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 14 : 07 PM

"المعزي"
 
وكلمة


"المعزي"


أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني محمد أو أحمد.
" إن التفاوت بين اللفظين يسير جداً ، وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة ، وإن تصحيف "بيركلوطوس" إلى "باراكلي طوس" من الكاتب في بعض النسخ قريب من القياس ،
ثم
رجحوا هذه النسخة على النسخ الأخرى."[(100)]





جـ . ] وهناك إنجيل اسمه إنجيل
"برنابا"
استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م
بــــ
أمر من البابا جلاسيوس ،
و
حرّمت قراءته
و
صودر من كل مكان،
لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب.
و
شاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه
"فرامرينو"
الذي عثر على رسائل
"الإبريانوس"
و
فيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به،
فــ
دفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا
و
توصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا "سكتش الخامس" فوجد في هذا الإنجيل أنه سَيُزعم أن عيسى هو ابن الله وسيبقى ذلك إلى أن يأتي محمد رسول الله فيصحح هذا الخطأ.

















يقول إنجيل برنابا في الباب "22":
" وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله ".
و

قد اسلم فرامرينو
و
عمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس[(101)].
د- هذا وقد كان اسم النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً بجلاء في كتب اليهود والنصارى عبر التاريخ ،

و
كان علماء المسلمين يحاجون الأحبار والرهبان بما هو موجود من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم،
قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
(لأعراف:157)



و
من ذلك:
• جاء في سفر أشعيا :" إني جعلت اسمك محمداً ، يا محمد يا قدوس الرب ، اسمك موجود من الأبد "

ذكر هذه الفقرة علي بن ربّن الطبري الذي كان نصرانياً فهداه الله للإسلام في كتابه : " الدين والدولة "،
و
قد توفي عام 247هـ[(102)] .
• وجاء في سفر أشعيا أيضاً : " سمعنا من أطراف الأرض صوت محمد "[(103)].
• وجاء في سفر حبقوق :" إن الله جاء من التيمان ، والقدوس من جبل فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده " .

ذكره علي بن ربن الطبري في كتابه :" الدين والدولة ". [(104)] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 36 : 07 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
وذكره إبراهيم خليل احمد، الذي كان قساً نصرانياً فاسلم في عصرنا ونشر العبارة السابقة في كتاب له عام 1409هـ .


• وجاء في سفر أشعيا أيضاً :
" وما أعطيه لا أعطيه لغيره ، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً ، يأتي من أفضل الأرض ، فتفرح به البَرّية وسكانها ، ويوحدون الله على كل شرف ، ويعظمونه على كل رابية"[(106)] .


وذكره عبدالله الترجمان الذي كان اسمه : [ انسلم تورميدا ] ،
و
كان قساً من أسبانيا فأسلم وتوفي عام 832 هـ .


و لقد روى جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله يقول : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ [(107)] .


قال الله تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين﴾
(الصف:6).


• ويقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام ، وهو البروفيسور: [ عبدالأحد داود ] الآشوري في كتابه:
" محمد في الكتاب المقدس[(108)] :
" إن العبارة الشائعة عند النصارى :
" المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة "
لم تكن هكذا ،
بل
كانت:
" المجد لله في الأعالي ،
و
على الأرض إسلام ،
و
للناس أحمد "








* * * * * * * *









هـ - و لقد جاء ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة عند
الهندوس فقد جاء في كتاب "السامافيدا"[(109)] ما نصه :
" أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس".


و- وجاء في كتاب أدروافيدم أدهروويدم وهو كتاب مقدس عند الهندوس[(110)] :
" أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس ... وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد"[(111)]


ز- وجاء في كتاب هندوسي آخر هو بفوشيا برانم "بهوشى بهوشى برانم"[(112)] :
" في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم[(113)] ، والملك يطهره بالخمس المطهرات" .
و
في قوله:
" الخمس المطهرات "....
إشارة إلى الصلوات الخمس التي يتطهر بها المسلم من ذنوبه كل يوم[(114)].


و:" وأما البشارات التي كانت في كتب الأولين؛ فــ
منها :
ما ثبت بإسناد صحيح؛ ففي صحيح البخاري عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قلت :" أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة !!!؟.
قال: " أجل والله، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } . وحزرا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.[(115)]


والبشارات ....
منها :
ما له إسناد ضعيف، أو مختلف فيه؛ فــ
في مسند أحمد عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال: جــلــبــتُ جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما فرغت من بيعتي قلت: " لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟
فقال برأسه هكذا،أي لا.
فقال ابنه: " إي والذي أنزل التوراة، إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
فقال: أقيموا اليهود عن أخيكم، ثم ولي كفنه وحنطه،
وصلى عليه.
قال ابن كثير: هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي الصَّحِيحِ.
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط :إسناده ضعيف لجهالة أبي صخر العقيلي.


وبعض هذه البشارات لم يصح، وبعضها قد حُرِّف فيما بعد..


وقد ذكر ابن كثير في السيرة النبوية (1/233) (وهو جزء من البداية والنهاية) جُملاً من هذه البشارات.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 47 : 07 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
الخميس: ١٧رجب ١٤٤١ هــ ~ ١٢ مارس ٢٠٢٠م
"البحث القادم :
بشارة نسبه -صلى الله عليه وآله وسلم

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 52 : 07 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
﴿ ٤ ﴾ ـــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــ:
إِرَهَاصَاتُ
وَ
بِشَارَاتُ
وَ
عَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ(!)
بشارةُ نَسَبِه - صلى الله عليه وآله وسلم-

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 58 : 07 PM

بشارةُ نَسَبِه!
 
بشارةُ نَسَبِه
﴿ ٤ . ٢ . الفصل الثاني:" نسبه صلى الله عليه وآله وسلم
لقد دعا خليل الرحمن إبراهيم [ الجد الأعلى لمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ] وابنه إسماعيل [ الأب الأعلى ]-عليهم جميعاً الصلاة والسلام- دعا اللهَ -جلَّ جلاله- وهما بمكةَ المكرمة أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له، وأن يبعث فيهم رسولاً منهم، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- دعاءهما كما جاء نصاً في القرآن الكريم والذكر الحكيم فنطق القرآن المجيد بقوله تعالى :

﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [128] .. و
الشاهد قوله تعالى في سماه وتقدست اسماه :
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (سورةالبقرة: الايتان : 128 و 129).
هذا ما اثبته الله تعالى في العهد الحديث(!) -القرآن الكريم والذكر الحكيم-؛

و
إليك البيان من بشارات العهد العتيق -التوراة - و العهد الجديد - الإنجيل-:

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 03 / 2020 12 : 08 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 

أ . ] جاء في توراة موسى -عليه السلام- وهي آحدى الكتب السماوية؛ والتي يعترف بها أتباع النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ذكر للوعد الإلهي لإبراهيم أن يجعل من ذرية إسماعيل أمة هداية عظيمة.
فـــ

لنقرأ معاً كما ورد في سفر التكوين [(116)] ما يأتي :
« وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً»
[الأصحاح: (17) من سفر التكوين: آية : (20)].





ب . ] وورد فيها أيضاً وفي نفس السفر: « وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ ».

[ الأصحاح: (21) من سفر التكوين:آية : (13)].[(117)]





و
لم تكن هناك أمة هداية من نسل إسماعيل إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي قال الله عنها :
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
( آل عمران:110 ).





ج . ] وجاء في التوراة - أيضاً-؛ ولكن في سفر التثنية [(118)] على لسان موسى -عليه السلام- :« (17) قَالَ لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. (18) أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ »

[سفر التثنية؛ أصحاح: (18)؛ الايتان(*): (17 و 18)]..
و المقصود باخوتهم أبناء إسماعيل لأنه أخو إسحاق -صلوات الله وسلامه عليهما- الذي ينسب إليه بنو إسرائيل، حيث هما ابنا إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ومحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من ذرية إسماعيل ولو كانت البشارة تخص أحداً من بني إسرائيل لقالت: « منهم » [(119)] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نبهني أحد السادة الفضلاء من كبار العلماء بأنه لا يصح استخدام لفظ : " آ ية " لجملة من الكتاب المقدس عند النصارى [ الإنجيل ] على أساس وجود تحريف وتعديل وتبديل وإضافة وحذف من عند أنفسهم... فاستأذنته متفضلا بالرد عليه بأنه يوجد حديث :" إذا حدثتكم بني إسرائيل فلا تكذبوهم ولا تصدقوكم ...! "... فنبهني مرة ثانية على أنه لابد من الدقة في الكلام من طرفي... ولم ينتهي البحث من عندي... ثم شكرته راجيا منه يسعفني بلفظة آخرى.. فوعد .. وانصرفنا.
وكتبه محرره: محمدفخرالدين الرمادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 07 / 04 / 2020 56 : 03 PM

نبي الإسلام وخاتم الأنبياء وآخر المرسلين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- متمم المبتعثين
 
... فنبي الإسلام وخاتم الأنبياء وآخر المرسلين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- متمم المبتعثين هو من وسط أخوتهم، وهو مثل موسى -عليه السلام-
- نبي و
- رسول و
- صاحب شريعة جديدة، و
- حارب المشركين و
- تزوج و
- كان راعي غنم، ولا تنطبق هذه البشارة على يوشع كما يزعم اليهود لأن يوشع لم يوح إليه بكتاب، كما جاء في سفر التثنية :
« وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ ».
[سفر التثنية؛ أصحاح: (34)؛ آية : (10)] [(120)] .











كما أن البشارة لا تنطبق على عيسى -عليه السلام- كما يزعم النصارى، إذ لم يكن مثل موسى -عليه السلام- من وجوه ، فقد :
- ولد من غير أب؛ و
- تكلم في المهد؛ و
- لم تكن له شريعة كما لموسى -عليه السلام-، و
- لم يمت بل
- رفعه الله تعالى إليه .









د . ] وفي إنجيل متى
[(121)] جاء ما يلي: «(42) قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ[(122)]:
« أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!.» «(43) لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَه ُ».
وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى ، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل؛ فــ

اثبت القرآن المجيد هذه البشارة على لسان ابن العذراء البتول فقال :
«. وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد ُ... »
[ سورة الصف: آية رقم ٦]















التبشير هو: الإخبار بحادث يسر، وأطلق هنا على الإخبار بأمر عظيم النفع لهم؛ لأنه يلزمه السرور الحق، فإن مجيء الرسول إلى الناس نعمة عظيمة. ووجه إيثار هذا اللفظ:الإشارة إلى ما وقع في الإنجيل من وصف رسالة الرسول الموعود به بأنها "بشارة الملكوت"[(123)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
البحث القادم : البشارة بـ مكان بعثته صلى الله عليه وآله وسلم :

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 07 / 04 / 2020 45 : 04 PM

الْبَابُ الرَّابِعُ : إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
 
﴿ ٤ ﴾ ـــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــ: إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
﴿ ٤ . ٣ . الفصل - مكان بعثته صلى الله عليه وآله وسلم :
أ- تذكر التوراة المكان الذي نشأ فيه إسماعيل -عليه السلام-، فقد جاء في سفر التكوين [(124)] :" وفتح الله عينيها[(125)] ".( فأبصرت بئر ماء[.([1]).] [(126)] (35:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 35 ) بئر زمزم .
". فذهبت وملأت القربة ماءً وسقت الغلام") [.([2]).] [(127)] (36:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 36 ) إسماعيل عليه السلام .".
وكان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس. وسكن في برية فاران"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[تقرأ عند موقع تكلا]
:" 19 وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ. 20 وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. 21 وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.". ] (ظ) وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن إسماعيل -عليه السلام- كان رامياً، فقد مر على نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم:
( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا )[.([3]).] [(128)] (37:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
( 37 ) أخرجه البخاري كتاب: ( الجهاد والسير )؛ باب: ( التحريض على الرمي )، و
انظر ايضا : ابن ماجه في السنن كتاب: ( الجهاد ) باب: ( الرمي في سبيل الله ) ، و
انظر أيضا : أحمد في مسنده (1/364) و ( 4/50 ) ؛ و
انظر : ابن حبان في صحيحه : ( 10/ 548) وغيرهم .".).



دكتور محمد فخر الدين الرمادي 07 / 04 / 2020 10 : 05 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
ب- كما جاء في التوراة في سفر أشعيا[.([1]).] [(129)] (38:"( 38 ) الإصحاح 21الفقرة 12.".):
" وحي من جهة بلاد العرب" (ع) وهذا إعلان عن المكان والأُمة التي سيخرج منها الرسول حاملاً الوحي من الله إلى الناس .





ج- ويأتي تحديد آخر للمكان الذي سترتفع فيه الدعوة الجديدة بشعاراتها الجديدة التي ترفع من رؤوس الجبال ويهتف بها الناس، فتقول التوراة في سفر أشعيا[.([2]).] [(130)] (39:"( 39 ) الإصحاح 42 الفقرة 10-11.".):


" غنوا للرب أغنية جديدة ، تسبيحهُ من أقصى الأرض ، أيها المنحدرون في البحر وملؤه، والجزائر وسكانها ، لترفع البرّية ومدنها صوتها[.([3]).] [(131)] (40:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
( 40 ) رفع الصوت بالأذان.".)


الديار التي سكنها قيدار[.([4]).] [(132)] (41:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
( 41 ) هو أحد أبناء إسماعيل -عليه السلام- كما تذكر ذلك التوراة في سفر التكوين إصحاح 25 فقرة 12-13 ".).





لتترنم سكان سالع[.([5]).] [(133)] (42:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
( 42 ) جبل سلع بالمدينة .".)



من رؤوس الجبال ليهتفوا[.([6]).] [(134)] (43:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 43 ) رفع الصوت بالأذان .".)"(غ) و


الأغنية عندهم هي الهتاف بذكر الله الذي يرفع به الصوت من رؤوس الجبال ، وهذا لا ينطبق إلا على الأذان عند المسلمين،
كما
أن سكان سالع ، والديار التي سكنها قيدار هي أماكن في جزيرة العرب،وكل ذلك يدل على أن مكان الرسالة الجديدة والرسول المبشر به هو جزيرة العرب.











د- وجاء في التوراة في سفر التثنية[.([7]).] [(135)] (44:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
( 44 ) الإصحاح 33 الفقرة 2."):
"جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلالأ من جبل فاران".(ف)
و







يرى بعض شراح التوراة ممن أسلم أن هذه العبارة الموجودة في التوراة تشير إلى أماكن نزول الهدى الإلهي إلى الأرض ....
..... فمجيئه من :



- سيناء : إعطاؤه التوراة لموسى -عليه السلام- . و
إشراقه من


- ساعير : إعطاؤه الإنجيل للمسيح عيسى -عليه السلام-. و
ساعير : سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة في فلسطين وهي الأرض التي عاش فيها عيسى -عليه السلام- . و
تلألؤه من


- جبل فاران : إنزاله القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم- . و
فاران هو الاسم القديم لأرض مكة التي سكنها إسماعيل -عليه السلام- .











هـ وجاء في التوراة أن داود -عليه السلام- يترنم ببيت الله ويتمنى أن يكون فيه ، ويعلل ذلك بمضاعفة الأجر هناك
[.([8]).] [(136)] (45:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
( 45 ) المزمور 84 الفقرة 1-2-3-4 وَ 10 .".)





وتقول التوراة نقلاً عنه[.([9]).] [(137)] (46:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 46 ) المزمور 84 الفقرة 6 .".):



" ما أسعد أولئك الذين يتلقون قوتهم منك، الذين يتوقون لأداء الحج إلى جبل المجتمع الديني الذي خَلُصَ لعبادة الله[.([10]).] [(138)] (47:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 47 ) هو بالنص الإنجليزي جبل (Zion)، و
معنى : ( Zion ) : المجتمع الديني الذي خلص لعبادة الله ،
أو

المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس :


Webste s Seventh New Collegiate Dictiona


وقد ذكر معاني أخرى لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص. و




عند الرجوع إلى أصل الكلمة ( Zion ) العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني :
- جفاف ....
- صحراوي ....
- أجرد (أرض أو مكان)
- جاف ....
- مكان مقفر .....
- برية. و
هذا كله يشير إلى أن المكان المعبر عنه بكلمه : ( Zion ) في النص الإنجليزي هو :
برية مكة الجرداء المقفرة الجافة،





(راجع كتاب


The New St)
ong Exhaustive Conco dance of the Bible, James St ong, LL.D. 5.T.D
و


المعجم العبري ص99 فقره: رقم 6723 . أنظر نهاية المبحث ".)




وهم يمرون عبروادي بكه الجاف فيصبح مكاناً للينابيع "[.([11]).] [(139)] (48:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 48 ) ص585 Good News Bible.".).(ق) و







في نسخة أخرى : " فيصيرونه بئراً[.([12]).] [(140)] (49:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ"
(49) وادي بكه يصيرونه بئراً من المعجم سترونغ المفهرس الشامل للكتاب المقدس ص95 .".)


أو ينبوعاً [.([13]).] [(141)] (50:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 50 ) الكتاب المقدس الذي تصدره جمعية الكتاب المقدس بالشرق الأدنى .".)


" ووادي بكة قد ورد ذكره في القرآن الكريم وأنه هو الذي فيه البيت الحرام قال تعالى:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(97) ﴾
(آل عمران:96-97).




و
قد ذكر الله جفاف هذا الوادي بقوله سبحانه وهو يذكر دعاء إبراهيم -عليه السلام-:
﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ …﴾
(إبراهيم:37).
و




معلوم أن هذا الوادي الجاف قد جعل الله فيه بئر زمزم عندما سكنت هاجر فيه مع ابنها إسماعيل -عليه السلام -.


دكتور محمد فخر الدين الرمادي 07 / 04 / 2020 19 : 05 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
وقد أُخرج النصارى العرب بالنص على وادي بكة ! فحرفوه كما في الكتاب المقدس عندهم في الطبعة العربية فقالوا : " عابرين في وادي البكاء"(ل) و




حذفوا أيضاً لفظ "الحجاج" الذي ورد في النص الإنجليزي المذكورة ترجمته سابقاً . ولا توجد صلة بين وادي بكة والبكاء ، وقد


ورد اسم"بكة" في النص الإنجليزي مبتدئاً بحرف كبير مما يدل على أنه علم غير قابل للترجمة (Baca). و
كما جاء في الكتب الزرادشتية[.([1]).] [(142)] (51:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
( 51 ) يذهب بعض الباحثين إلى أن الزرادشتية هي المجوسية ، وقيل بل المجوسية أسبق من الزرادشتية ، وإنما زرادشت أظهر المجوسية وحددها في القرن الثالث الميلادي .
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب"
[أخرجه :
- ابن أبي شيبة في المصنف : ( 2 /435 ) و
- مالك في الموطأ : ( 1 /278 ) ، ومن طريقه الشافعي في مسنده : ( 1 /209 ) ومن طريق الشافعي البيهقي في السنن الكبرى ، و
كذلك :
- رواه الطبراني في المعجم الكبير : ( 19 /437 )
قال في مجمع الزوائد : ( 6 /13 ) : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم ،


وقال في تلخيص الحبير : ورواه (يعني الحديث) ابن أبي عاصم في كتاب النكاح بسند حسن .
أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة :0 2 /1149 ) .




" .) بشارات تشير إلى المكان الذي تظهر فيه دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ، و
من ذلك :
" إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام "[.([2]).] [(143)] (52:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 52 ) من كتاب " محمد في الأسفار العالمية " للأستاذ عبدالحق.".) (ن).













البحث القادم : البشارة بـ صفاته صلى الله عليه وآله وسلم :


محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
الثلاثاء: 14 شعبان 1441 هــ ~ 07 ابريل 2020م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 08 / 04 / 2020 46 : 06 PM

صفاته صلى الله عليه وآله وسلم !
 
﴿ ٤ . ٤ . - صفاته صلى الله عليه وآله وسلم :
** - ** - ** - **
من صفاته صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمي .
أ . ] كما وصف في سفر أشعيا[(143)](53:"( 53 ) الإصحاح : 21 الفقرة : 6.".)بأنه راكب الجمل وفي هذا إشارة إلى أنه من الصحراء و
هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم .
ب . ] ووصف في المزامير[(144)](54:"( 54 ) في مزمور : 72 الفقرة :10 .".) بـأن : "ملوك شبا وسبأ يقدمون هدية "(هـ)، و
قد انتهىٰ ملوك اليمن ولم يظهر نبي دان له ملوك اليمن إلا محمد صلى الله عليه وسلم .
جـ . ] ووصف فيها أيضاً[(145)](55:"( 55 ) مزمور :72 الفقرة :15.". ) بأنه " يصلىٰ عليه ويبارك عليه كل وقت " و
هكذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم فالمسلمون يباركون عليه كل يوم عدة مرات في صلاتهم .
د . ] ووصف فيها أيضاً
[(146)](56:"( 56 ) مزمور :45 الفقرة :3 .".) بأنه "متقلد سيفاً" ، و
فيها أيضاً[(147)](57:"( 57 ) الفقرة : 5 من المزمور السابق .".) مايلي:
" وأنه يرمي بالنبل " .
هـ . ] وجاء في إنجيل متى[(148)](58:"( 58 ) الإصحاح : 21 الفقرات : 41-44 .".) وصفه بأنه الحجر الذي أتم بناء النبوة ، فــ
فيه : " قال لهم يسوع[(149)](59:"( 59 ) هو عيسى ابن مريم -عليهما السلام- .".) أما قرأتم قط في الكتب. :" الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب ... كان هذا .. وهو عجيب في أعيننا .. لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره"(ط) و
أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم أمةٌ أمية ، لم يكن لها شأن بين الأمم ، و
كان من العجيب أن يكون الرسول الذي يخرج منها هو رأس الزاوية في بناء النبوة. و








قد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: « إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ .... قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »[(150)](60:"( 60 ) أخرجه البخاري كتاب : ( المناقب ) ؛ باب : ( خاتم النبيين ) ، و مسلم ؛ كتاب : ( الفضائل ) ؛ باب : ( ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ) ، وابن حبان في صحيحه : ( 14 /315 ) .".)و
تذكر هذه البشارة على لسان عيسى ابن مريم -عليهما السلام- أن صاحب هذا الوصف ليس من بني إسرائيل ، وأن النبوة ستنزع من بني إسرائيل وتعطى لأمة أخرى "تعمل أثماره" ... أي تحقق ثماره، فــ
كانت هذه الأمة التي كانت مزدراة في أعين الناس هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، و
هي الأمة الجديدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس
و . ] وجاء في سفر أشعيا[(151)](61:"( 61 ) الإصحاح 21 الفقرة 13-17 .".) : " وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين[(152)] (:"(62 ) ددان : بلد أقرب من تيماء إلى المدينة النبوية المنورة .".). هاتوا ماءً لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه. فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب. فــ
إنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد "قيدار" وبقية عدد قِسِيّ أبطال بني قيدار تقل، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم ".(ع)


تفيد هذه البشارة أن الله أوحىٰ إلى أشعيا :" لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " بأن وحياً سيأتي من جهة بلاد العرب : " وحي من جهة بلاد العرب " و
أن تلك الجهة من بلاد العرب هي الوعر التي تبيت فيها قوافل الددانيين .
و
ددان قرب ( يثرب ) المدينة النبوية المنورة - والتي طيّب الله تعالى ثراها بمرقده بها وبجواره صاحبيه ووزيريه- كما تدل على ذلك الخرائط الكنسية القديمة . و


يأمر الوحي الذي تلقاه أشعيا أهل تيماء أن يقدموا الشراب والطعام لهارب يهرب من أمام السيوف ، ومجيئ الأمر بعد الإخبار عن الوحي الذي يكون من جهة بلاد العرب قرينة بأن الهارب هو صاحب ذلك الوحي الذي يأمر الله أهل تيماء بمناصرته : " هاتوا ماءً لملاقاة العطشان ، يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه " و


أرض تيماء منطقة من أعمال المدينة ، وفيها يهود تيماء الذين انتقل معظمهم إلى يثرب.
ويذكر المؤرخون الإخباريون العرب نقلا عن اليهود في الجزيرةالعربية أن أول قدوم اليهود إلى الحجاز كان في زمن موسى -عليه وعلى أخيه السلام- عندما أرسلهم في حملة ضد العماليق في تيماء، وبعد قضائهم على العماليق وعودتهم إلى الشام بعد موت موسى -عليه السلام- منعوا من دخول الشام بحجة مخالفتهم لشريعة موسى لاستبقائهم إبناً لملك العماليق. فاضطروا للعودة إلى الحجاز والاستقرار في تيماء
[(153)] (63:"( 63 )كان ذلك منذ اثني عشر قرناً قبل الميلاد .".)ثم انتقل معظمهم إلى يثرب[(154)] (64:"( 64 ) الروض المعطار في خبر الأقطار ، معجم جغرافي ، محمد بن عبدالمنعم الحميري ، مكتبة لبنان ، 1984م ص 146-147. وجاء مثل ذلك في : وفاء الوفاء بأخبار المصطفى ، للسمهودي ، دار احياء التراث العربي؛ بيروت : ( ج1 ؛ ص 159.".). فــ


أهل يثرب من اليهود هم من أهل تيماء المخاطبين في النص. وكان تاريخ مخاطبة اشعياء لاهل تيماء في هذا الاصحاح هو النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد. و


يفيد الوحي إلى أشعيا أن الهارب هرب ومعه آخرون :" فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ".
ثم
يذكر الوحي الخراب الذي يحل بمجد " قيدار " بعد سنة من هذه الحادثة ، مما يدل على أن الهروب كان منهم ، وأن عقابهم كان بسبب تلك الحادثة : " فإنه هكذا قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد " قيدار " ، و
بقية عدد قسي أبطال بني " قيدار " تقل " و
تنطبق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلم وهجرته تمام الانطباق ، فقد
- نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب ، و
- في الوعر من بلاد العرب، في مكة والمدينة. و
- هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من أرض بني " قيدار " [(155)] (65:"( 65 ) سبق البيان أن :" قيدار " أحد أبناء إسماعيل الذي سكن برية فاران (مكة) .".) قريش الذين كانوا قد عينوا من كل بطن من بطونهم شاباً جلداً ليجتمعوا لقتل محمد صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته ، فجاء الشباب ومعهم أسلحتهم فخرج الرسول مهاجراً هارباً ، فتعقبته قريش بسيوفها وقسيها كما تذكر العبارة : " فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ، من أمام السيف المسلول ، ومن أمام القوس المشدودة ".
ثم
عاقب الله قريشاً أبناء " قيدار " بعد سنة ونيف من هجرته صلى الله عليه وسلم بما حدث في غزوة بدر من هزيمة نكراء أذهبت مجد قريش ، وقتلت عدداً من أبطالهم : " كما قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد " قيدار " ، وبقية عدد قسي أبطال بني " قيدار " تقل " . و


تؤكد العبارة أن هذا الإخبار وأن هذا التبشير بنزول الوحي في بلاد العرب ، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما يجري له من هجرة ونصر هو بوحي من الله : " لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " إن ما حملته هذه البشارة من معانٍ لابد أن يكون قد وقع ، لأنه يقع في عصرٍ آلة الحرب فيه السيف والنبل ، وقدانتهى عصر الحرب بالسيف والنبل .‍‍‍‍
فهل نزل وحي في بلاد العرب غير القرآن ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!
•‍‍‍ و هل هناك نبي هاجر من مكة إلى المدينة واستقبله أهل تيماءغير محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
• وهل هناك هزيمة لقريش بعد عام من الهجرة إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ؟!
إن هذه البشارة تدل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ،وأنها إعلان إلهي عن مقدمه ينقلها أحد أنبياء بني إسرائيل أشعيا
[(156)] (66:"( 66 ) عاش في النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد. كما ورد فيGood News Bible ؛ ص : ( 665) ".) ،
وبقي
هذا
النص
إلى
يومنا
هذا
على
الرغم
من
حرص
كفرة
أهل الكتاب
على
التحريف
و
التبديل .
ز- وجاء في صفته في المزامير[(157)] (67:"( 67 ) المزمور 45 الفقرة 3 .".) :" انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد تقلد سيفك " (و)
ح- وجاء في التوراة في سفر أشعيا[(158)] (68:"( 68 ) الإصحاح 42 الفقرة 1.".) في وصفه: " هو ذاعبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي ، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لايصيح ولا يرفع ولا يُسمع في الشارع صوته " (ي) و




هذا يتطابق مع ما نقله الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنه من التوراة التي قرأها في زمنه ، فقد قال عطاء بن يسار له : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ[(159)] (69:"( 69 ) السخب ويقال فيه الصخب هو رفع الصوت بالخصام .".) فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا[(160)] (70:"( 70 ) أخرجه البخاري: كتاب : ( البيوع ) ؛ باب : ( كراهية السخب في الأسواق ) ، والبيهقي في السنن الكبرى : ( 7 /45 ) وأحمد في المسند : ( 2 /678 ) .".).
ط . ] وجاء في صفة الدين الذي يأتي به ما يأتي :
أولاً : الأذان للصلاة كما سبق بيانه .
ثانياً : الصلاة كتفاً إلى كتف : فقد جاء في التوراة في سفر صفنيا
[(161)] (71:"( 71 ) الإصحاح 3 الفقرة 9-10 .".) ما يأتي:
"لأني حينئذ أحول الشعوب إلى شَفة نقية ليدعوا كلهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة"(أً)
و

بالإسلام توحدت لغة العبادة لله ، فيقرأ القرآن في الصلاة بلغة واحدة هي العربية، ويصفون كتفاً إلى كتف .





ثالثاً : تحويل القبلة : فقد جاء في إنجيل يوحنا[(162)] (72:"( 72 ) الإصحاح 4 الفقرة 20-21 .".) ما يأتي : إن امرأة سامرية تقول لعيسى -عليه السلام- : " آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم[(163)] (73:"( 73 ) هي القدس .".) الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ، قال لها يسوع[(164)] (74:"( 74 ) هو عيسى ابن مريم -عليهما السلام- .".) يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون " (بً) وهذا إعلان بأن القبلة ستتحول من بيت المقدس. ولا يكون ذلك إلا على يد رسول، كما حدث على يد النبي صلى الله عليه وسلم وفقاً لأمر الله القائل :
﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِالْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة:144).





رابعاً : الهداية إلى جميع الدين الحق : فقد جاء في إنجيل يوحنا[(165)] (75:"( 75 ) الإصحاح 16 الفقرة 12-13 .".) ما يأتي: يقول عيسى -عليه السلام- :" إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتيه " (تً) قال الله تعالى:
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ (النحل:89). و
قال تعالى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)(النجم:3-4).



خامساً : ذكر بعض شعائر دينه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة : فقد جاء في كتاب: بفوشيا برانم[(166)] (76:"( 76 ) ( الجزء 3 - ؛ فصل 3 ) ، وهو من كتب الهندوس كما سبق ذلك .".) وصفٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم:
" هم الذين يختتنون ، ولا يربون القزع، ويربون اللحى ،وهم مجاهدون وينادون الناس للدعاء[(167)] (77:"( 77 ) ينادون للدعاء : أي ينادون للصلاة لأن الصلاة دعاء.".) بصوت عال،ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء.[(168)] (78:"( 78 ) الدرباء نبات يخرج به الهنود الدم من جسم الإنسان ويعدون هذا العمل تطهيراً من الخطايا.". ) للتطهير بل الشهداء هم المتطهرون ، ويسمون بــ" مسلي"[(169)] (79:"( 79 )" مسلي" أي يسمون بالمسلمين، دخل عليها شئ من التحريف.".) بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل ، ودينهم هذا يخرج منا وأنا الخالق".(ثً)
وجاء في كتاب "محمد في الأسفار العالمية" ما ترجمه الأستاذ عبدالحق من كتب الزرادشتية بشأن محمد وأصحابه" إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويومئذ يصبحون هم أتباع النبي رحمة للعالمين، وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ.[(170)] (80:"( 80 ) وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم.".) وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات" [(171)] (81:"( 81 )"محمد في الأسفار العالمية"ص 47".). (ن)






دكتور محمد فخر الدين الرمادي 08 / 04 / 2020 06 : 07 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بُحُوثُ
السِيرَةِ النَّبوية
- علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات وعظيم التحيات -
« الرسالة النبوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والدلائل الإعجازية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية لـــــسيدنا محمد بن عبدالله خير البرية - صلىٰ الله عليه وآله وسلم - »
« سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء
أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة.. ذات حضارة»

**
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
١٥ شعبان ١٤٤١هـ ~ 08 ابريل 2020م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 11 / 10 / 2020 57 : 10 PM

مقدمة المجلد الثالث
 
﴿ سُنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وأحاديث الأحكام المنبثقة من سنة خاتم الأنبياء ﴾
[ ١ . ] مقدمة المجلد الثالث
العنوان العريض للمجلد :

حصوله -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- علىٰ بعثة خاتم الأنبياء.. وتكليفه برسالة آخر المرسلين.. وارتقاءه منصب نبوة متمم المبتعثين
[ أ . ] السلسلة الأولىٰ: « خاتم الأنبياء » صلى الله عليه وآله وسلم
« الرسالة النبوية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والدلائل الإعجازية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية لـسيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلىٰ الله عليه وآله وسلم « ..

سلسلة بُحُوث السِيرَةِ النَّبوية -علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات..
أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة.. ذات حضارة .
**
حضرات السيدات القارئات المربيات.. والسادة المتابعين القوامين.. وطلاب العلم..!
عشنا ما يزيد عن عامين سواء وفق التقويم الهجري الإسلامي [ف
بداية نشر هذه السلسلة الطيبة علىٰ موقع ملتقىٰ أهل العلم كان يوم الإثنين ٢١ صفر ١٤٣٨ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ] أو ميلادياً حسب واضع عدَّ السنين الراهب الأرمني دنيسيوس الصغير؛ أو وفقاً للتقويم الغريغوري نسبة إلىٰ غريغوريوس الثالث عشر بابا روما في القرن السادس عشر الذي قام بتعديل نظام الكبس في التقويم اليولياني ليصبح علىٰ النظام المتعارف عليه حاليًا مع فارق اربع سنوات لم تحسب [ بدءً من ٦ من شهر ديسمبر عام ٢٠١٧ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن النذيرة مريم العذراء الزهراء البتول عليهما السلام ]..















اقولُ: عشنا ما يزيد عن عامين مع تمهيدات بعثة السيد الجليل؛ والنبي النبيل؛ وتعايشنا ارهاصات رسالة خاتم الأنبياء الكريم ومقدمات آخر المرسلين الموثقين ومداخلات عامة لمتمم المبتعثين من رب الأولين وإله الآخرين لكافة الخلق أجمعين .. ولعل ما أطال الفترة مع هذه المقدمة التمهيدية والمدخل إلىٰ سيرته العطرة -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- والتي استوعبت مجلدين [لهما - بإذنه تعالى ومن بعد مشيئته- استدراكات وزيادات]؛ استعرضتُ فيهما بشارات مجيئه -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- منذ عهدِ أبي البشر آدم؛ ومروراً بأبي الأنبياء إبراهيم الخليل؛ وماذكر من بشارات في العهد العتيق [توراة سيدنا موسى الكليم -عليه السلام-] فالعهدالجديد [انجيل كلمة الله وروح منه؛ المعجزة في ولادته؛ والمعجزة في حياته.. عبد الله ونبيه ورسوله عيسى ابن مريم بنت عمران النذيرة العذراء الزهراء البتول -عليهما السلام-] فالعهد الحديث [كتاب الله (سما في علاه وعلا في سماه وتقدست اسماه): القرآن المجيد والذكر الحكيم والمصحف الشريف]..











اقولُ: استعرضتُ بشارات مجيئه؛ وأوضحها:
- بشرىٰ كلمة الله وروح منه السيد الجليل صاحب المعجزات بإذن ربه العلي القدير : المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -صلى الله عليه وآله وسلم- فـ
- نسبه و
- عائلته و
- تنشأته و
- الأحداث الهامة التي جرت قبل بعثته فــ
- زواجه من أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله تعالى عنها-..
وقد تبقت مكملات بحوث واستدركات فصول سأضعها -مِن بعد إذنه تعالىٰ وكامل توفيقه وحسن رعايته وتمام هدايته- في نهاية المجلدات والتي توقعتُ حسب خطة البحث أنها ستصل إلى عشرة مجلدات[ أو تزيد]؛ اضف الهوامش والتعليقات والترجمات للشخصيات المحورية التي ورد ذكرها إثناء البحث.. وفهرس للآيات القرآنية وموضعها من الكتاب الكريم؛ وإن تيسر ما افهمه من التفسير أو استوعبه من التأويل، والأحاديث الشريفة مع تخريجها ودرجتها.. ولعل ما أطال الفترة الزمنية في النشر الأسباب الآتية:
١ . ) وفرة المصادر والمراجع التي تتكلم وتبحث عن الفكرة الواحدة؛ فوجب قراءتها جميعاً ومِن ثم مراجعتها بتمعن وإدراك وفهم ومحاولة استخلاص المفيد منها والتوفيق بينها إذا استلزم الأمر.
٢ . )إنشغالي ببحوث آخرىٰ بعيدة عن موضوعات السيرة النبوية من حيث البحث وكذا مسائل وقضايا وتحضير خطبة الجمعة من كل إسبوع - والحمد لله رب العالمين.. أن أكرمت بهذا كله - .
٣ . )التزامات شخصية وحياتية ووظيفية يجب أن اقوم بها..
وقد ألزمتُ نفسي مِن البداية تقديم ما اطمئن إليه علمياً من حيث التدقيق والتحقيق والتوثيق.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
[٢ . ] توثيق البعثة المحمدية وتحقيق الرسالة النبوية الأحمدية من خلال النصوص القطعية الثبوت والقطعية الدلالة:
[٢ . ١ . ] واللهُ تعالى كَامِلُ الْقُدْرَةِ.. كَامِلُ الرَّحْمَةِ فَــ أَرْسِلَ رَسُولًا رَحْمَةً مِنْهُ.. كَمَا قَالَ تَعَالَى :

﴿ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إلَّا « رَحْمَةً » لِلْعَالَمِينَ [(1)] ..
فقال الطبري:" وَمَاأَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَىٰ خَلْقِنَا إِلَّا رَحْمَةً.. "..
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَىٰ هَذِهِ الْآيَةِ ، وتأويل الآية فيه تفصيل ؛ يرجع إليه في مواضعه . وَ





أَوْلَىٰ الْأقْوْالَ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ .. الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله تعالى عنهما- ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِجَمِيعِ الْعَالَمِ . [(2)]
[٢ . ٢ . ] وكونُه مبعوثاً إِلَى كافة الورىٰ، اثبت القرآن المجيد قوله تعالى:

﴿ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [(3)] و
[٢ . ٣ . ] قال تعالى:

﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [(4)] و
[٢ . ٤ . ] قال تعالى:

﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [(5)] أي: وأُنْذِرُ مَنْ بِلَغَه، و
[٢ . ٥ . ] قال تعالى:

﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً [(6)] و
[٢ . ٦ . ] قال تعالى:

﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [(7)]، و
[٢ . ٧ . ] قال تعالى:

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نـزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [(8)] و
[٢ . ٨ . ] قال تعالى:

﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ [(9)].
هذا من حيث النصوص القرآنية ...
أما حيث السنة النبوية المحمدية العطرة فــ
[٢ . ٩ . ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - « يَا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ » . [(10)]. و
جاء من طريق آخر:
عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِيهِمْ يَا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ».[(11)] . و
[٢ . ١٠ . ] يأتي جزء من حديث [(12)] يقول فيه -عليه السلام-: « وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَىٰ النَّاسِ عَامَّةً » و
[٢ . ١١ . ] يأتي جزء آخر من حديثه [(13)] عليه السلام: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أُعْطِيت خَمْسًا وَلَا أَقُولُهُ فَخْرًا » :-منها- « بُعِثْت إلَىٰ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ » . [(14)].
[٢ . ١١ . ١. ] وجاء من طريق آخر :
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَىٰ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « وَأُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ كَانَ قَبْلِي.. » : - منها- « بُعِثْت إلَىٰ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ » [(15)].
[٢ . ١١ . ٢. ]عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : خَرَجْت فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْته يُصَلِّي ، فَانْتَظَرْته حَتَّىٰ صَلَّىٰ ، فَقَالَ: « أُوتِيت اللَّيْلَةَ خَمْسًا لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي .. » .. - منها- : « وَأُرْسِلْت إلَىٰ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ » [(16)].
**
والحاصل :
أَنَّ إرْسَالَ الرَّسُولِ مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ عَلَىٰ كَمَالِ قُدْرَتِهِ- سبحانه وتعالى- وَإِحْسَانِهِ . [(17)]
-*-*
وينبغي لي أن أتحدث في تمهيدٍ عن ثلاثة محاور:
١. ] الأول: الغاية من بعثة الرسل.
أما المحور الثاني :
٢. ] حاجة الناس إلى الرسل.
أما الثالث:
٣. ] الغاية من بعثة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين النبي العربي الأمي الأمين صلىٰ الله عليه وآله أجمعين.
كما ينبغي لــ كل إنسان الإجابة عن تلكم الأسئلة :
١ .] ما هي الغاية من الخلق والإنشاء والإبداع والتقويم للإنسان؛
٢ .] ما هي الغاية من وجود الإنسان علىٰ الأرض؛
٣ .] ماذا بعد إنتهاء الحياة لكل إنسان علىٰ الأرض؛ أموتٌ بعده فناء وعدم!!؟.. بمعنىٰ أنه : لا حساب ولا مسائلة ولا جزاء!!..
أم نعيم مقيم دائم!!
أو تلك الآخرىٰ..
١ .] فإذا كان الأمر فيه محاسبة علىٰ أفعال قمنا بها؛ وأقوال تكلمنا بها، وجزاء علىٰ تصرفات في الحياة الدنيا سنحاسب عليها في الحياة الآخرة .. هنا حق لنا أن نعلم جيداً وبالتفصيل كيف نعيش وفق منهاج خالق.. وكيف نحيا وفق طريقة رازق.. وكيف نعمل ونقول وفق شريعة رب غفور رحيم.. فوجب إرسال الرسل وبعث الكتب..
فنطق القرآن الكريم بالقول الصادق:

﴿ وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَاتَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصَارَ وَ الْأَفْئِدَة َ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [(18)]
فأعطىٰ سبحانه وتعالىٰ الجميع دون استثناء أدوات التعلم .. ثم جاء الأمر بتعلم أمرين؛ أو بتعبير أدق بتعلم كتابين..
الأول منهما : ﴿ اقْرَأْ بِــ اسْمِ رَبِّكَ ﴾ وهذا قُصد به الكتاب المحفوظ في الصدور؛ القرآن الكريم والذكر الحكيم والمصحف الشريف..
وأما قراءة الكتاب الثاني فقال : ﴿ الَّذِي خَلَقَ.
ثم جاء بمثال عن كيفية خلقه -سبحانه- لآحدى مخلوقاته ... وهو أرقاهم : ﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [(19)] وهذا قصد به قراءة الكتاب الذي هو في الكون منشور.. وهذا الكتاب المنشور في الكون هو تعلم الطب لمعالجة الإنسان والحيوان؛ والصيدلة لحماية الإنسان من الأوبئة والأمراض؛ والهندسة للإعمار؛والزراعة لقوت الإنسان والحيوان... هكذا ..
لذا فقد وجب قراءة كتاب نزل من خالق الإنسان في أحسن تقويم وواجد الكون ومنشأ الحياة من عدم .. وجب قراءة كتاب نزل بواسطة أمين السماء جبريل -عليه السلام- علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا هو الكتاب الأول.. القرآن المجيد والذكر الحكيم والهدي ا لكريم والنور المبين... قراءة تطبيقية.. منهجية.. تشريعية.. عملية حياتية يومية وليس قراءة قراء المقابر...
أما
الكتاب الثاني فقراءة الكتاب المنشور في كينونة الإنسان وتركيبته النفسية والخَلقية ؛ وما هو منشور في الكون والحياة.. ثم يبين سبحانه : ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ﴿ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [(20)]
وهذه هي الآيات الخمس الْأُول .. وهي أيضا التكليف الأول لمحمد النبي الرسول ولمن يتبعه من المسلمين المؤمنين والتي هي أول ما نزل علىٰ قلب أمين السماء والأرض بواسطة أمين السماء جبريل -عليهما السلام- مِن مَن خلقهما -سبحانه وتعالى-..
وكي تتضح لنا غاية إرسال خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين نقرأ معاً ما سيقوم به معنا الرسول من دور نبوي ووظيفة رسولية..
فكان الدور الأول متعلق بـ الآيات والعلامات العقلية والذهنية والإستدراكية في الكون والحياة والإنسان ؛ فقال :
١ . ] ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وقصد هنا علامات وأدلة وجود خالق الأشياء جميعاً مِن عدم ومِن غير مثال سابق -تعالى في سماه وتقدست اسماه-؛
وَ
٢ .] ﴿ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وقصد هنا القرآن الكريم وَ
٣ . ] ﴿ الْحِكْمَةَ وقصد هنا السنة النبوية العطرة وَ
٤. ] ﴿ يُزَكِّيهِمْ [(21)] ..بمعنىٰ يطهرهم طهارة قلبية ونفسية وعقلية وروحية وجسدية وما فوق الجسد مِن ملابس ثم طهارة مكانية ..
ثم تأتي قضية هامة وجوهرية فنطق القرآن المجيد والذكر الحكيم يقول:
٥. ] ﴿ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [(22)]...
ونعيد صياغة الأسئلة؛
فما هي:
١ . ] الغاية من بعثة الرسل.!!
٢ . ] ما هي صفات الأنبياء والرسل..!!
٣ . ] ما هي وظيفة الرسل وما هو دور الأنبياء..!!
٤ . ] ما هي مميزات الأنبياء الرسل..!!
٥ . ] ما هي الكتب السماوية.. وعما تتحدث..!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بإذْنِهِ تَعَالىٰ)
نال شرف قراءة المراجع ومراجعة المصادر وكتابة هذا البحث:
مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
حُرِّرَ في يوم الإحد 24 صفر 1442 من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق 11 من شهر أكتوبر عام 2020 من الميلاد العجيب للسيد الجليل والنبي النبيل المسيح عيسى ابن مريم النذيرة العذراء الزهراء البتول عليهما السلام.
*
( د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ )

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 12 / 10 / 2020 44 : 12 PM

« وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأشْيَاءُ ».. التَّمْهِيدُ :
 
:التَّمْهِيدُ :
[ ٣ . ] المجلد الثالث «وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأشْيَاءُ »[(23)]









[٣ . ١ . ] قد يتعَّجب البعض .. وقد يستنكر من اهتمامي -في هذا التمهيد للمجلد الثالث- بالحديث عن العالم قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عموماً؛ والحديث عن حالة العرب خصوصاً علىٰ الرغم من أنهما ضرورة من ضرورات التعمُّق في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه؛ لفهمها وإدراك حتمية البعثة؛ والمدخل الطبيعي لرسالة السماء الخاتمة؛ وليس ذلك ترفًا فكريا أو إضافة من القول أُبيضُ به فازيد عدد صفحات المجلد، وإنما هو مقدِّمة تمهيدية لازمة ومدخل علمي لاكتمال فهم السيرة النبوية فهمًا دقيقاً كاملاً.. والإدراك الصحيح والفهم الواعي لضرورة وجود المنهجية القرآنية والكيفية العملية والقولية للسيد الجليل والنبي النبيل الخليل خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين.





وذلك لأنه كما قال الأولون: « بضدها تتبيَّن الأشياء »[(23)] . فلا يمكن لمتابع مدقق واع ومن ثم مؤمن عن قناعة وفهم أن يستوعب جمال السيرة المحمدية وبالتالي يدرك بفهم ووعي السنة النبوية وكمال صاحبها -صلى الله عليه وسلم-، ولا أن يُدرك سموَّ مبادئ الإسلام وعظمة تشريعاته ودقة منهجه في الحياة إدراكًا تامًّا، إلاَّ إذا رأى مدىٰ الانحطاط الذي وصل إليه العالم قبل مجئ البعثة المحمدية والرسالة المصطفوية -رسالة الإسلام- في كل مجالات الفرد والمجتمع والحياة ؛ خاصَّة في المجالات الفكرية والإنسانية، كالعقائد والتشريعات الإجتماعية والإقتصادية والقانونية والنظم الداخلية والمبادئ العامة والأخلاق التي يجب ان تسود الأفراد والمجتمع والأسرة والعلاقات السياسية بين الدول والنظم الخارجية.





فقد انحدرت كل القيم الإنسانية في طول الأرض وعرضها، ولم يبقَ علىٰ الكوكب أحد يتمسَّك بالدين والأخلاق إلا أفراد قلائل من أهل الكتاب.

**

[ ٣ . ٢ . ] العالم قبل الإسلام:"
كان العالم قبل مجيء الإسلام في ضلالٍ عقدي ، وتيهٍ فكريّ ، وظلمةٍ أخلاقيّة ؛ وفساد إجتماعي.. ففي الحديث النّبوي الشّريف يذكر أنّ الله -سبحانه وتعالىٰ- اطّلع علىٰ أهل الأرض قبل نزول رسالة الإسلام فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقيّةٌ من أهل الكتاب.
ولا شكّ أنّ المقت مِن الله -تعالىٰ ذكره وجلَّ قدره- يتضمّن كراهية حال النّاس التي كانوا عليها بابتعادهم عن منهج الله -تعالىٰ-وشريعته التي أنزلها علىٰ أنبيائه وبعث بها رسله.
فــ

عن عياض بن حمار المُجاشعيِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته فيما يرويه عن ربِّ العزَّة -عز وجل-: "... وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ[(24)] ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ[(25)] ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا. وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ[(26)] عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [(27)]. [(28)] .
لقد استحقَّ مَنْ علىٰ الأرض جميعًا مقت الله –تعالىٰ- لهم ؛ وذلك بسبب الانهيار القيمي والفساد الأخلاقي اللذين حدثا بوازع من وساوس الشياطين وأمانيهم ، التي ظلَّت تلعب بنفوس الناس علىٰ مدار قرون، حتى " اجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.



**





[ ٣ . ٣ . ] العصر الجاهلي :"
عُرف العصر الجاهليّ بكونه ضحلاً علىٰ مستوىٰ الفكر والثقافة عند مقارنته بالعصور الأخرىٰ كــ

- عصر الرومان، و
- اليونان، و
- الفرس،و
- الهنود، فــ
قد تميّزت هذه العصور بازدهار العلوم والآداب والفلسفة ، وربما كان الشعر والقصص والأمثال ما ميّز العرب في الجاهلية ، إضافة إلىٰ معرفتهم بالأنساب وبعض طرق العلاج والطبّ التي توارثوها، وبالرغم من وجود هذه المعرفة إلّا أنّها لا ترقىٰ لمرتبة العلوم:
- كونها غير منظّمة، و
- لم يوجد علماء ومختصون يدوّنونها ويثبتونها، و
لكن في أطراف الجزيرة العربية في العصر الجاهليّ برزت بعض أشكال العلوم والفنون مثل :
- إرواء الأرض ، و
- هندسة البناء المميزة والفريدة من نوعها .... وخاصة بناء القصور وزخرفتها... و
في مجال الطب أيضاً ، و
في الزراعة ، و
في بيطرة الدواب والمواشي ، و
ربما يعود سبب وجود هذه العلوم إلىٰ الاتصال المباشر مع الحضارات الأخرىٰ كالرومان، والفرس، والحبشة نظراً لقربهم من هذه المناطق. [(29)].
[ ٣ . ١ . ١. ] شرعية تذاكر أحوال الجاهلية:"
وليس في الحديث عن أمر الجاهلية شيء؛ فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- يتذاكرون أمر الجاهلية في أحاديثهم ليعرفوا نعمة الله -تعالىٰ- عليهم بالإسلام، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن ذلك؛ بل كان -عليه الصلاة والسلام- يبتسم، فكان ذلك منه إقرارًا لهم علىٰ فعلهم؛ فــ







عن سِمَاكِ بن حرب قال: قلتُ لجابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه: أكنتَ تُجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟


قال:"نَعَمْ، كَثِيرًا كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيه ِالصُّبْحَ أَوِ الْغَدَاةَ حَتَّىٰ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ ... فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ "[(30)]
و





قال النووي في شرحه علىٰ صحيح مسلم :«وَفِيهِ جَوَازُ الْحَدِيثِ بِأَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ ». [(31)]
و



إذ أتناول هذه الفترة لن أكتفي بالحديث عن جزيرتهم العربية وحدها، وإنما سأتحدَّث عن العالم كله قبل الإسلام؛ وذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بُعِث للعالمين كافَّة رحمة ونورًا وهداية، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [(32)] ؛ فميدان عمل دعوته -صلى الله عليه وسلم- هو الأرض بكاملها بمَن عليها.. وفي الزمان بأكمله منذ بُعث إلىٰ أن يرث الله تعالىٰ الأرض ومن عليها.
كما أن الدعوة والدولة الإسلامية كليهما لهما تقاطعات مع هذه الحضارات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان هناك مؤيِّدون للدعوة من هذه الحضارات، وكان هناك معارضون، وكذلك كان هناك محايدون، ولن يمكن أن نفهم ردود فعلهم إلا بدراسة أحوالهم ودوافعهم لاتخاذ المواقف التي سجلتها السيرة المحمدية العطرة وسطرتها السنة النبوية الزكية البهية.
[ ٣ . ١ . ٢. ] خصائص الحضارات قبل الإسلام:"
وسنجد أن كل الحضارات الموجودة قبل الإسلام امتازت بخصائص كثيرة متشابهة ؛ لعلَّ من أبرزها ثلاثًا:
[١ . ] أولها : فــ
هو الانحراف العقائدي الكامل؛ حيث فسدت العقائد، وعبدَ الناس آلهةً شتىٰ من دون الله -جلَّ في علاه وتقدست اسماه وسما وعلا في سماه؛ سبحانه وتعالى عما يشركون- لا تملك لأنفسها -فضلاً عن أن تملك لهم - ضرًّا ولا نفعًا؛ فــ
- عبدَ العرب الأصنام، و
- عبد الصينيون بوذا، و
- عبد الفُرْس النار، و
تخبَّط الرومان بين الوثنية والمسيحية المحرَّفة التي ابتدعوها؛ بينما
- عَبَدَ المصريون القدماء آلهة متنوعة من الشمس إلىٰ أوهام أخرىٰ كحورس وبتاح وآمون. و
[ ٢ . ] ثانية الخصائص :
هي الانهيار الأخلاقي التام؛ والفساد الإجتماعي.. حيث انتشرت الفواحش، ولم يعد الناس يعرفون معروفًا أو يُنكرون منكرًا؛ بل انقلبت الأحوال حيث أصبح المنكر معروفًا يتداوله الناس جهرًا دون خشية ، وصار المعروف بينهم منكرأ.. كـ إنتشار الزنا والمخادنة وتفشي الدعارة مثلاً؛ فصارت الداعرات ذوات بيوت مُشْهَرَة ، وعلامات مرفوعة ؛ وآلوية منصوبة.. كما صارت نسبة أولاد الزنا للزناة أمرًا شائعًا مشروعًا لا ينفيه أحد ، ولا تُصيبه معرَّة بسببه.

و
أما الخاصية [ ٣ . ] الثالثة : فــ
هي التعاظم الشديد في القوة المادية؛ فقد كانت هذه الحضارات دنيوية صِرْفة، لا يهتم ملوكها وحكامها إلا بالقوة المادية التي تزيد في ملكهم؛ لذا فقد اهتمُّوا بزيادة قوتهم؛ وتكوين جيوش ضخمة يحاولون بها السيطرة علىٰ العالم واستعباد البشر.
ومن هنا تعلم -أيها القارئ الكريم- أن المسلمين حينما انطلقوا للدعوىٰ لـ عبادة الرب الواحد الأحد الفرد الصمد ؛ الذي لا تصح أن تكون له صاحبة ولا يجوز أن يكون له ولد ، وواجهوا تلك الحضارات في صراعات عسكرية ، كانوا يُواجهون في الواقع قوىٰ عظمىٰ تملك قدرات عسكرية وآلة تدمير جهنمية -حسب وقتها- ومادية هائلة ؛ ولكن نجح المسلمون –بفضل من الله تعالىٰ- في الانتصار علىٰ هذه القوىٰ بالفرق الواضح بينهم في الجانب العقائدي والجانب الأخلاقي ؛ علىٰ الرغم من التفاوت الهائل في القوى المادية. [(33)].



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(يُتْبَعُ بإذنه تعالى)
نال شرف قراءة المصادر وتكحلت عيناه باعداد البحث وكتابته :
د. مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
حُرِّرَ في يوم الإثنين ٢٥ صفر ١٤٤٢ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ١٢ من شهر أكتوبر عام ٢٠٢٠ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم النذيرة الزهراء العذراء البتول عليهما السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 14 / 10 / 2020 01 : 04 PM

«العالم قبل البعثة الأحمدية الرسولية والنبوة المحمدية»
 
«العالم قبل البعثة الأحمدية(*) الرسولية.. والنبوة المحمدية»
[٤. ] المدخل للمجلد الثالث:
[٤. ١. ] العالم قبل مبعث الرسول «محمد بن عبدالله»-صلى الله عليه وآله وسلم-:

رسول الله -صلى الله علیه وآله وسلم- بُعثَ والناس في ضلالة عمیاء، وجاھلیة جھلاء، والعالم يموج بألوان مختلفة من الشرك والظلم، والتخلف والانحدار والبعد عن الفطرةالتي فطر الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه وعلا في علاه- الناس علیھا.
وفي صدارة العالم دولتان فقدتا مقومات البقاء، وانحدرتا إلى مستوى البھائم العجماء، فــ
- الفرس مجوس يعبدون النار،ويُحِلُّون نكاح المحارم، ويغرقون في لُجِّيٍّ من الخرافات، و
- الروم حرفت المسیحیة، واعتنقت خرافة الثالوث، وعقیدة الصلب والفداء، وباتت مُخترقة من عدة وثنیات أفلحت في إضلالھا، ومن وراء ھؤلاء :
- يھود غضب الله علیھم لضیاع الدين بینھم، واتخاذھم أحبارھم أرباباً من دون الله ، يحلون لھم ما حرم عليهم ويحرمون ما أحل، و
- ھنود يُطبقون على عبادة العجول والأبقار، و
- يونان قد مسختھم الأساطیر الكلامیة والفلسفات المنطقیة، وصدتھم عن سبیل الھدى، و
- ديانات أخرى كثیرة تنتشر ھنا وھناك في أرجاءالمعمورة، وتتشابه في أوصاف التخبط والانحلال والاضطراب والحیرة.
وكان سبب شقاء ھذه الحضارات المزعومة، والمدنیات المحرومة قیامھا على أسس مادية فقط دون أن يكون لھا أي تعلق بنور الوحي الإلھي، ولا جرم أَنْ نظر الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- لأي أھل الأرض فمقتھم : عربھم وعجمھم إلا بقايا أھل الكتاب، كما قال النبي -صلى الله علیه وسلم-، فقد جاء عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته: " ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال ... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك ........"
[(34)].
وھذه البقايا تتمثل في أفراد أبت أن تنزلق في أوحال الشرك، وظلت ثابتة على منھج التوحید منتظرة خروج نبي جديد بشرت به أنبیاؤھم، وتعلقت به أحلامھم.
[٤. ١. ١. ] الحياة «الإنسانية»
كانت الحياة «الإنسانيّة» قبل مجيء الإسلام حياةَ يتخبّط أفرادها في غياهب الضّلالات وظلمات الشّرك، وقد كان منطق القوة والقبليّة يحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، فلقد كانت القبائل العربيّة وغيرها تتناحر فيما بينها وتتقاتل لأهون ِالأسباب، فــ
- حرب «البسوس»[(35)] مثلاً التي استمرت ما يقارب أربعين [40] سنة كان سببها أنّ ناقةً داست بأقدامها بيضة لطير القبّرة، وكذلك كانت :
- حرب «داحس» و
- «الغبراء»[(36)]. و
لقد ساهمت «البداوة» وظروفها الصّعبة أحيانًا كثيرة في إكساب النّاس صفات الهمجيّة وعدم الرّحمة، فقد كان همّ كثيرٍ من القبائل أن تعيش في مأمن وعيش كريم؛حيث يتوفّر الماء والكلأ بدون التّفكير في بناء علاقات حسنة مع القبائل الأخرى، ويمكن القول أنّ جميع جوانب الحياة :
- «الفكريّة» و
- «الإجتماعيّة» و
- «الإنسانيّة»و
- «العلميّة» كانت سوداء قاتمة، باستثناء قلّة من النّاس الذين تمسّكوا في عقيدتهم بدين :
- «الحنيفيّة» السّمحة، وهو دين خليل الرحمن «إبراهيم» -عليه السّلام-..
- فما هي أبرز جوانب الحياة ما قبل الإسلام ؟.
الحياة ما قبل الإسلام

[٤. ٢. ] العرب قبل الإسلام:
لم يكن حال العرب قبل الإسلام في جميع نواحي حياتهم إلاّ مثالاً على التخلّف والجهل والضّلال، فعلى الرّغم من وجود بعض الإيجابيّات وتوافر بعض الأخلاق عند العرب في الجاهليّة، إلاّ أنّ معظم أفكارهم ومعتقداتهم كانت مبنيّةً على الباطل والعرف الخاطىء، وقد أتى الإسلام بنوره حينما بُعث النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- في جزيرة العرب ليبدّد هذا الظّلام القاتم وليضع للنّاس منهجًا ربانيًّا واضحًا في الحياة الدنيا؛ وكيفية معينة من العيش ؛ وطرازاً خاصاً من الحياة .. يضمن للنّاس حياة السّعادة والطّمأنينة التي ينشدون في الحياة الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة.
- فما هي أبرز مظاهر أحوال العرب قبل مجيء الإسلام؟ [(37)].
كانت القبائل في فترة ما قبل الإسلام يغزو بعضها بعضاً، وقد كانت الحرب بدون ضوابط أخلاقيّة، فقد كانت تسمح للمتغلّب أن يقتل وأن يسرق وأن يسبي النّساء والذّراري بمنطق متوحّش، بعيد عن أيّ معنى من معاني الإنسانيّة.
أمّا بالنّسبة لأعمال النّاس وتكسبهم فقد كان كثيرٌ منهم يرعى الإبل والأغنام، كما اشتغل عددٌ منهم بالتّجارة، وعلى الصّعيد الفكري والعقدي فقد مثّل أظلم جوانب الحياة الإنسانيّة حيث كانت القبائل تتخذ أصنامًا تصنعها بيدها وتعبدها من دون الله -سبحانه وتعالى-، حتّى وصل عدد الأصنام حول الكعبة المشرفة بمكة المكرمة إلى ما يقارب من ثلاثمائة صنم.
وقد كان النّاس قبل الإسلام يتطيّرون ويتشاءمون، فعندما كان يهمّ أحدهم بسفرٍ أو عمل معيّن كان يضع طيراً ثمّ يحرّش بينها فتطير، فإذا طارت باتجاه اليمين تفاءل بذلك واستبشر ومضى في أمره، وإن طارت باتجاه الشّمال تشاءم بذلك ونكص على عقبيه فلم يعزم، كما أنّهم كانوا يتشاءمون من صوت الغراب والبومة.

**
ولم يكن العرب أحسن حالاً من ھذه الأمم، فقد بدّل لھم عمرو بن لُحِي الخزاعي[(38)] ديانة إبراھیم الخلیل التي كانوا يدينون بھا، ومن ثم انتشر الشرك بین أھل مكة وخارجھا، حیث كان أھل الحجاز أتباعاً لمكة لأنھم ولاة البیت وأھل الحرم.
وبانتشار الوثنیة بین العرب كثرت الخرافات الدينیة التي أثرت بدورھا في الحیاة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادية تأثیراً بالغاً.





" العالم قبل مبعث الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم- كان يستعد لتحول عام في جميع الكيان البشري. وقد كان الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى وبعض الكهنة يُنبئ بمقدم مثل هذا الرسول، لما وجدوه في كتبهم من صفته وزمانه.



وكانت يهود (يثرب) إذا حدثت بينهم وبين العرب (المشركين) منازعات، يتوعدونهم بظهور النبي وانهم ينصرونه، فينتقمون من أعدائهم.





قال ابن عباس: إن اليهود كانوا يستفتحون على (الأوس) و (الخزرج) برسول الله، قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب، كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه.[(39)].



وإلى هذا تشير الآية الكريمة:
﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين
[البقرة:89] [(40)].
وقد كان الكهان من العرب تأتيهم الشياطين من الجن، فتذكر بعض أمر الرسول، مما كانت تسترق السمع، فلما تقارب زمانه -صلى الله عليه وآله وسلم-، حِيلَ - في السماء - بين الشياطين وبين المقاعد التي كانت تقعد فيها وتسترق الأنباء،


وكانت إذا أرادت أن تستمع إلى الملأ الأعلى تُرمى بالشظايا والشهب.



وإلى هذا تشير الآية الكريمة ـ عن لسان الشياطين ـ
﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [*] ﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [*] ﴿ وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا[(41)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ




(*) اعتماداً على قوله تعالى
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَالتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُفَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين } [الصف:6]




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع بإذنه تعالى
محمد الرمادي
الأربعاء : 14 أكتوبر 2020~ الموافق 27 من شهر صفر 1442 ه.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 14 / 10 / 2020 40 : 06 PM

٥ . ]《 الحالة الدينية في بلاد العرب قبل الإسلام! 》
 
٥ . ]الحالة الدينية في بلاد العرب قبل الإسلام! [(41)]

٥. ١ . ]« ديانات العـرب »:

في العصر الجاهلي كانت هناك العديد من الأديان التي يتبعها العرب وغيرهم، ولكن معظمهم كانوا من عبدة الأصنام والأوثان، فقَبلَ ظهورِ الإسلامِ كانَ العرب يعبدونَ الأوثان بشكلٍ رئيسيّ[(42)]، ومن أهم الأوثان التي عرفها العرب وعبدوها في الجاهليّة.. فأشهر أصنامهم التي عبدوها:

- اللّات، و
- هُبَل، و
- العُزّى[(43)]،و
- مناة، فقد كانوا يقدّمون الذبائح لها، وفي بعض المناطق كان العرب يعبدون :
- القمر[(44)]،كما كانَ جزءٌ منهم يعبدُ :
- الشمسَ[(45)]. إضافة إلى أنّ القليل منهم اعتنقَ الديانة اليهوديّة، والمسيحيّة[(46)]، إذ قد كانت هنالك ديانات أخرى في الجاهلية كاليهودية، والحنفية التي يعبد أتباعها الله وحده، وغيرها العديد من المذاهب والديانات المختلفة[(47)]، وقد وُجِد أنّ مِن العرب أيضاً مَن يتبعُ ديانة إبراهيم -عليه السَّلام-[(48)]. و


يوجد رأي يقول بأنه كان معظم العرب يدينون بدين إبرهيم -عليه السلام- منذ أن نشأت ذريته في مكة وانتشرت في جزيرة العرب، فكانوا يعبدون الله -سبحانه وتعالى- ويوحدونه ويلتزمون بشعائر دينه الحنيف، حتى طال عليهم الأمد ونسوا حظًا مما ذكروا به، إلا أنهم بقى فيهم التوحيد وعدة شعائر من هذا الدين.

٥ . ٢ . ] إنَّ مما لاشك فيه أنَّ هاجر المِصرية؛ أم إسماعيل بن إبراهيم الخليل كانت مسلمة، وأن ولدها إسماعيل كان مسلماً كأبيه إبراهيم وأمه هاجر، وأن الله -تعالىٰ- نبّأه وأرسله رسولاً إلىٰ أهل بيته من زوجة وولد، وإلىٰ أخواله وجيرانه من قبيلة جُرهُم اليمانيَّة، وأن دين الله -وهو الإسلام بمفهومه الواسع- قد عَمَّهم وانتظمت حياتهم به زمناً طويلاً لا يُعُرف منتهاه. وكما هي سنة الله -سبحانه- في الناس إذا انقطع الوحي عليهم، جهلوا واصبحوا كالأرض إذا انقطع عنها الغيث -مطر السماء- أمحلت وأجدبت، وتحولت خضرتُها ونضارتُها إلىٰ فترة وظلام يجهل فيه الإنسان ذاته ويتنكر فيه لعقله[(49)].

٥ . ٣ . ] وأول ما بدأ الشركُ في العرب المستعربة من ولد إسماعيل أنهم كانوا إذا خرجوا من الحرم لطلب الرزق، أخذوا معهم حجارةً من الحرم، فإذا نزلوا منزلاً وضعوها عندهم، وطافوا بها طوافهم بالبيت، ودعوا الله عندها، وإذا رحلوا أخذوها معهم، وهكذا. وبموت من أحدث لهم هذا الحدث، ومع مرور الزمان، نشأ جيلٌ جاهلٌ ينظر إلىٰ تلك الأوثان من الحجارة أنها آلهة يتقرب بها إلىٰ الله -تعالى- رب البيت والحرم وخالق الناس والمخلوقات.

فكان هذا مبدأ الوثنية في أولاد إسماعيل من العدنانيين[(50)].

٥ . ٤ . ] حتى جاء عمرو بن لُحَيٍّ رئيس خزاعة، وكان قد نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس ودانوا له، ظنًا منهم أنه من الأكابر. ".

٥ . ٤ . ١. ] بداية الخلل جاء عن طريق العلماء وأفاضل الأوليـاء‏:
ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقًا؛ لأن الشام محل الرسل والكتب، فقدم معه بـ « هُبَل » وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم‏.‏‏ ثم كثر فيهم الشرك، وكثرت الأوثان في كل بُقعة‏.‏"
٥ . ٤ . ٢ . ] أما فكرة الشرك وعبادة الأصنام فقد نشأت فيهم على أساس أنهم لما رأوا الملائكة والرسل والنبيين وعباد الله الصالحين من الأولياء والأتقياء والقائمين بأعمال الخير ـ لما رأوهم أنهم أقرب خلق الله إليه، وأكرمهم درجة وأعظمهم منزلة عنده، وأنهم قد ظهرت على أيديهم بعض الخوارق(!!!) والكرامات، ظنوا أن الله أعطاهم شيئًا من القدرة والتصرف في بعض الأمور التي تختص بالله -سبحانه وتعالى-، وأنهم لأجل تصرفهم هذا ولأجل جاههم ومنزلتهم عند الله يستحقون أن يكونوا وسطاء بين الله -جلَّ وعلا- وبين عامة عباده، فلا ينبغى لأحد أن يعرض حاجته على الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم يشفعون له عند الله، وأن الله لا يرد شفاعتهم لأجل جاههم، كذلك لا ينبغى القيام بعبادة الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم بفضل مرتبتهم سوف يقربونه إلى الله زلفي‏.‏
٥ . ٤ . ٣ . ] ولما تمكن منهم هذا الظن ورسخ فيهم هذا الاعتقاد اتخذوهم أولياء، وجعلوهم وسيلة فيما بينهم وبين الله -علا في سماه وتقدست اسماه وجلَّ عن الشريك والشبيه-، وحاولوا التقرب إليهم بكل ما رأوه من أسباب التقرب؛ فنحتوا لمعظمهم صورًا وتماثيل .. وهذه الصور والتماثيل هي التي تسمى بالأصنام‏.‏
٥ . ٤ . ٤ . ] وربما لم ينحتوا لهم صورًا ولا تماثيل، بل جعلوا قبورهم وأضرحتهم وبعض مقراتهم ومواضع نزولهم واستراحتهم أماكن مقدسة، وقدموا إليها النذور والقرابين، وأتوا لها بأعمال الخضوع والطاعات، وهذه الأضرحة والمقرات والمواضع هي التي تسمى بالأوثان‏.
٥ . ٥ . ] قلتُ: أن الأصنام والتماثيل أول من أتىٰ بها من الشام إلىٰ الديار الحجازية « عمرو بن لُحي الخُزاعيٌّ »[(51)]،
ونكمل هذه المسألة : إذ أنه سافر ذات مرة من مكة إلىٰ الشام فرأى أهلَ الشام يعبدون الأصنام، فسألهم قائلاً: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ ،
قالوا: نعبدها نستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا.
فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنماً فأذهب به إلىٰ بلاد العرب فيعبدوه؟
فأعطوه صنماً يقال له: «هُبل»[(52)]، وهو الذي نصبوه حول الكعبة وبقي حولها إلىٰ يوم الفتح الإسلامي حيث حُطَّم مع ثلاثمائة وستين [360] صنماً، وأبعدت،فطُهِّر البيت الحرام، وطهرت مكة والحرم منها، والحمد لله رب العالمين.

وكان « عمروبن لُحي » محترماً في مكة عند أهلها، يشرع لهم فيقبلون شرعه، ويبتدع لهم فيُحَسِّنون بدعتَهُ، فكان أول من بدَّل دينَ إبراهيمَ وإسماعيلَ في الحجاز، ويشهد لهذا قولُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وسَلَّمَ- في حديثه الصَّحيح: "رأيت عمرو بن لُحي يجرٌّ قُصبَهُ في النار .. إنه كان أول من غَيَّر دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وبحَّر البحيرة، وسيَّب السَّائبة، ووصل الوصيلة، وحمىٰ الحامي[(53)]،[(54)].
وبمقتضىٰ بدعة «عمرو بن لُحي» في جَلبِ الأصنام إلىٰ الحجاز من الشام انتشرت الأصنامُ في بلاد العرب، وهذا بيانُ أسمائها ومواقعها، والقبائل التي كانت تعبدها، كما ذكر ذلك ابنُ إسحاق وغيرُه من المؤرِّخين:
١ . ] سُواع: بِـ :" رُهَاط بساحل ينبع، تعبده قبيلةُ هذيل المُضرية" .
٢. ] ود: بـ :" دُومة الجندل شمال المدينة قريباً من الشام، تعبده كَلبٌ القضاعيةُ".
٣. ] يغوث: بـ :"جُر ". [(55)].

٥ . ٥ . ١ . ] تحقيق هذه المسألة :"

جاء تحت عنوان :« أَوَّلُ عِبَادَةِ الْحِجَارَةِ كَانَتْ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ »
فـ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: - وَيَزْعُمُونَ - أَنَّ أَوَّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ مَكَّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ ، حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ ، وَالْتَمَسُوا الفَسَحَ فِي الْبِلَادِ ، إلَّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ ، فَحَيْثُمَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ ، حَتَّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إلَى أَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنْ الْحِجَارَةِ ، وَأَعْجَبَهُمْ ؛ حَتَّى خَلَفَ الْخُلُوفُ ، وَنَسُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ غَيْرَهُ ، فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ ، وَصَارُوا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ مِنْ الضَّلَالَاتِ ؛ وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا ، مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَالطَّوَافِ بِهِ ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ ، وَهَدْيِ الْبُدْنِ ، وَالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، مَعَ إدْخَالِهِمْ فِيهِمَا لَيْسَ مِنْهُ . فَكَانَتْ كِنَانَةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أَهَلُّوا قَالُوا : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَكَ ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ . فَيُوَحِّدُونَهُ بِالتَّلْبِيَةِ ، ثُمَّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ ، وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ . يَقُولُ الحقُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنبيه ورسوله وخاتم رسله مُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [(56)]، أَيْ مَا يُوَحِّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقِّي إلَّا جَعَلُوا مَعِي شَرِيكًا مِنْ خَلْقِي.[(57)].

٥ . ٥ . ٢ . ] « جَلَبُ الْأَصْنَامِ مِنْ الشَّامِ إلَى مَكَّةَ »

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الشَّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ - وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ . وَيُقَالُ عِمْلِيقُ بْنُ لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ - رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا لَهُ : هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا ، فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا ، ونَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا ، فَقَالَ لَهُمْ : أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا ، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ ، فَيَعْبُدُوهُ ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ هُبَلُ ، فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ.[(58)].

٥ . ٥ . ٣ . ] « قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَذِكْرُ أَصْنَامِ الْعَرَبِ» ؛ « رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ »[(59)]

" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « „ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ النَّاسِ ، فَقَالَ : هَلَكُوا »[(60)].
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَامِرٍ ،وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ : « يَا أَكْثَمُ ، رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ ، وَلَا بِكَ مِنْهُ : فَقَالَ أَكْثَمُ: عَسَى أَنْ يَضُرَّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا ، إنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ ، إنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ ، فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ[(61)] ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ[(62)] ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ[(63)] ، وَحَمَى الْحَامِي[(64)] » [(65)].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

(يُتْبَعُ بإذْنِهِ تَعَالىٰ)
﴿ سُنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وأحاديث الأحكام من سنة آخر المرسلين ومتمم المبتعثين والأنبياء
بحوث السيرة النبوية؛ على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام.







المجلدالثالث :" حصوله -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- علىٰ بعثة خاتم الأنبياء..وتكليفه برسالة آخر المرسلين.. وارتقاءه منصب نبوة متمم المبتعثين".
نال شرف قراءة المراجع ومراجعة المصادر وكتابة هذا البحث:
مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
حُرِّر َفي يوم الإربعاء ٢٧ صفر ١٤٤٢ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق ١٤ من شهر أكتوبر عام ٢٠٢٠ من الميلاد العجيب للسيد الجليل والنبي النبيل المسيح عيسى ابن مريم النذيرة العذراء الزهراء البتول عليهما السلام.


دكتور محمد فخر الدين الرمادي 17 / 10 / 2020 49 : 11 AM

6«„الجانب 《..الاجتماعي..》في العصر الجاهلي ‟»
 
6 . ] « الجانب ..الاجتماعي..في العصر الجاهلي»
١ . ] كانت في عرب الجاهلية أوساطٌ متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، كما في أي مجتمع في أي مكان مِن العالم.. فقد كانَ العرب يعيشونَ - بصفة عامة - كــ :" بَدوٍ " في شبه الجزيرة العربيّة ، وكانوا يُقيمون فيها كقبائل تنقسمُ إلى ٣ طبقاتٍ [(66)]، وهي:
[ أ . ] أبناءِ القبيلة الذينَ ينتمونَ إلى أهلِها بالدَّم [(67)]، و
[ ب . ] الموالي الذين يُعَدّونَ أقلَّ منزلةً من أبناءِ القبيلة [(68)]، و
[ ج . ] العبيد الذينَ أَسَرَتهم القبيلة عن طريق الحروب ، علماً بأنّ البيئة الاجتماعيّة كانت تحملُ مختلفَ الصِّفاتِ الكريمة، والسيِّئة، كــ

- الشجاعة، و
- الكَرَمِ،
أو
- العَصَبيّة، و
- السَّلْب [(69)].
بيدأنه بدقة النظر في مظاهر الحياة في العصر الجاهلي؛ خاصة « „ الجانب ..الاجتماعي..» نجد أنه ينقسم العرب في الجاهليّة إلى قسمين رئيسيين [(70)]:







القسم الأول :
سكان البدو: وكانت هذه الفئة هي الفئة الغالبة ، واعتمد عيش هذه الفئة على التنقّل خلف مصادر الماء والعشب، كما أنهم اتخذوا الخيام مساكن لهم، وتميزوا بقدراتهم الشعرية الفريدة، وكان طعام أهل البادية عبارة عن الحليب والتمر، فقد كانت الإبل عماد حياتهم، فقد كانوا يأكلون لحومها، ويشربون حليبها، ويلبسون من وبرها، ويُحمّلونها أثقالهم، وكانوا أيضاً يفتدون بها أسراهم ويحررونهم، وكانوا أيضاً يُقوّمون بها الأشياء، فتُقدّر أثمان السلع بالإبل أو المواشي [(71)]. أما





القسم الثاني :
سكان الحضر: وهم مَن سكن المدن، وعاشوا في الدور والقصور، وأصبحوا أقل شجاعة ومروءة ،كما أنهم عرفوا بحب المال، وتفاخروا بجمال الثياب، وأطباق الفضة والذهب التي يأكلون بها، وتزيين القصور والمنازل التي سكنوها، وقد عملوا في التجارة والزراعة، ومن أشهر الأمثلة على الحضر سكان الحجاز [(72)].
٢ . ] حال العرب قبل الإسلام ونظرتهم إلى المرأة [(73)]:
كانت في العرب أوساط متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت
٢ . ١ . ] علاقة الرجل مع أهله مِن الأشراف على درجة كبيرة من الرقى والتقدم، وكان لها من حرية الإرادة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة ؛ و

آتي بمثال :
" هند بنت عتبة العبشمية القرشية الكنانية، أبوها عتبة بن ربيعة سيد من سادات قريش وبني كنانة، عُرِف بحكمته وسداد رأيه. وهي إحدى نساء العرب اللاتي كانت لهن شهرة عالية قبل الإسلام وبعده. زوجة أبي سفيان بن حرب، وأم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. وكانت امرأةً لها نَفسٌ وأنفة، ورأي وعقل. "... والمرأة تُسَلُّ دونها السيوف، وتراق الدماء، ولـــ
نراجع قصة :" مقتل ملك العرب عمرو بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان اللخمي.. المشهور بـ عمرو ابن هند على يد عمرو بن كلثوم [(74)] فــ
ذكروا أن عمرو ابن هند، وأمه هند بنت الحارث بن حجر بن آكل المرار الكندي وأبوه المنذر بن ماء السماء اللخمي، هذا نسب أهل اليمن.
قال الملك عمرو ابن هند ذات يوم لجلسائه:

" هل تعلمون أن أحداً من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي؟ "
فقالوا :" لا ما خلا عمرو بن كلثوم فإن أمه ليلى بنت المهلهل أخي الملك كليب، وعمها الملك كليب، وهو وائل بن ربيعة وزوجها كلثوم ". فــ

سكت عمرو على ما في نفسه.
ثم
بعث عمرو ابن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره وأن تزور ليلى هنداً. فــ
قدم عمرو من البحرين في فرسان تغلب، و
معه أمه ليلى، فــ
نزل شاطئ الفرات و
بلغ عمرو ابن هند قدومه. فــ
أمر بخيمة فضربت بين الحيرة والفرات و
أرسل إلى وجوه مملكته فـــ
صنع لهم طعاماً
ثم دعا الناس إليه فــ
قرب إليهم الطعام على باب السرادق وهو وعمرو بن كلثوم وخواص من الناس في السرادق، و
لــ
أمه هند في جانب السرادق قبة .. وأم عمرو بن كلثوم معها في القبة.
وقد قال عمرو ابن هند لأمه: " إذا فرغ الناس من الطعام فلم يبق إلا الطُرَف فنحّي خدمك عنك، فإذا دعوت بالطرف، فاستخدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء "
يريد طرف الفواكه وغير ذلك من الطعام. فـــ
فعلت هند ما أمرها ابنها حتى إذا دعا بالطرف
قالت هند لـليلى: "ناوليني ذلك الطبق ".
قالت: "لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها". فــ
قالت: "ناوليني" وألحت عليها.
فقالت ليلى: " واذلاه.... يا لتغلب". فــ
سمعها ابنها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه والقوم يشربون. ونظر عمرو ابن هند إلى عمرو بن كلثوم، فعرف الشر في وجهه، و
قد سمع قول أمه: "واذلاه ... يا لتغلب"، و
نظر إلى سيف عمرو ابن هند ، وهو معلق بالسُّرادق ولم يكن بالسرادق سيفٍ غيره فثار إلى السيف مصلتاً فضرب به رأس عمرو ابن هند فقتله
ثم
خرج فنادى :" يا لتغلب". فــ
انتهبوا :
- ماله و
- خيله و
سبوا النساء و
لحقوا بالجزيرة. و




قد كان المهلهل بن ربيعة وكلثوم بن عتاب أبو عمرو بن كلثوم اجتمعوا في بيت كلثوم على شراب، قال وعمرو يومئذ غلام وليلى أم عمرو تسقيهم فبدأت بأبيها مهلهل ثم سقت زوجها كلثوم بن عتاب ثم ردت الكأس على أبيها وابنها عمرو عن يمينها فغضب عمرو من صنيعها وقال:

صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو * وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَا
وَمَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو * بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَا
فلطمه أبوه
وقال: "يا لكع (أي يا أحمق)، بلى والله شر الثلاثة. أتجتري أن تتكلم بهذا الكلام بين يديّ؟". فــ
لما قتل عمرو ابن هند قالت له أمه: " بأبي أنت وأمي، أنت والله خيرُ الثلاثة اليوم ". [(75)] و
كان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في معظم أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، و
مع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الأسرة وصاحب الكلمة فيها، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها، ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم‏.‏
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(*) قارن -اليوم- حالةَ أمةٍ يصل تعدادها إلى أكثر من مليار وسبع مائة مليون(!)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


بينما هذه حال الأشراف، كان هناك في
٢ . ٢ . ] الأوساط الأخرى : مَن لم يحترم العرب المرأة في الجاهليّة بل عاملوها كما يعامل متاع الرّجل، فهي عندهم لا ترث، وإذا مات عنها زوجها أهملت نفسها ومرّغت نفسها بالتّراب [(76)]، وكان أولياء الرّجل أحقّ أحيانًا بها من أهلها [(77)] ، وهناك أنواع من الاختلاط بين الرجل والمرأة، لا نستطيع أن نعبر عنه إلا بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة‏.‏
٢ . ٢ . ١. ] روى البخاري - في صحيحه - وغيره عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها‏ - إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء‏:

‏فــ
١. ] نكاح منها نكاح الناس اليوم؛ يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها،

ونكاح آخر‏:‏
٢. ] كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرتْ من طمثها‏:‏ أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نَجَابة الـولد، فكان هـذا النكاح ‏‏يسمى‏‏ نكاح الاستبضاع،

ونكاح آخر‏:‏
٣. ] يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت، ووضعت ومر‏‏ت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، ‏فـ‏تقول لهم‏:‏ قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان فـ‏تسمى من أحبت منهم‏ باسمه، فيلحق به ولدها‏.‏ لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل

ونكاح رابع :‏
٤. ] يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا،كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطته به، ودعى ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث‏ الله‏ محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- بالحق هدم نكاح أهل‏ الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم‏.‏



و
٢ . ٣ . ] كانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، وأسنة الرماح، فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم‏.‏

و
٢ . ٤ . ] كان من المعروف في أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، حتى حددها القرآن في أربع‏.‏

و
٢ . ٥ . ] كانوا يجمعون بين الأختين، وكانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها حتى نهى عنهما القرآن ‏{ ‏وَلاَتَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ‏} [(78)] ‏وكان الطلاق والرجعة بيد الرجال، ولم يكن لهما حد معين حتى حددهما الإسلام‏.















٢ . ٦ . ] وكانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى، فمنهم مَن كان
٢ . ٦ . ١ . ] يئد البنات خشية العار والإنفاق، كما كان أحدهم يكره أن يرزقه الله ببنت، وإذا رزق ببنتٍ تشاءم لذلك واسودّ وجهه وسارع إلى وأدها ودفنها في التّراب وهي حيّة خوفًا من الفقر والعار [(79)].

و

٢ . ٦ . ٢ . ] يقتل الأولاد خشية الفقر والإملاق‏:‏‏ { ‏قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْالْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ }‏[(80)] .
٢ . ٦ . ٢ . ١ .] ولكن لا يمكن لنا أن نعد هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة، فقد كانوا أشد الناس احتياجًا إلى البنين ليتقوا بهم العدو‏.‏

أما

٢ . ٧ . ] معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ويموتون لها، وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية، وكان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم، وكانوا يسيرون على المثل السائر‏:‏ ‏

(‏ انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ‏)‏
على المعنى الحقيقي من غير التعديل الذي جاء به الإسلام؛ من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه، إلا أن التنافس في الشرف والسؤدد كثيرًا ما كان يفضى إلى الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد، كما نرى ذلك بين :
- الأوس والخزرج، و
- عَبْس وذُبْيان، و
- بَكْر وتَغْلِب .. وغيرها‏.
أما العلاقة بين
٢ . ٨ . ] القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الأوصال تمامًا وكانت الأشهر الحرم رحمة وعونًا لهم على حياتهم وحصول معايشهم‏. ‏فقد كانوا يأمنون فيها تمام الأمن؛ لشدة التزامهم بحرمتها ..
و

قصارى الكلام أن الحالة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية، فـ يُغیر بعضھم على بعض فیقتلون ويسبون، ويخوضون الحروب الطاحنة لأتفه الأسباب، والخرافات لها جولة وصولة، والجهل ضارب أطنابه ويستمرئونه ، ويُحَكِّمون العادات.، والناس يعيشون كالأنعام، والمرأة تباع وتشترى وتعامل كالجمادات أحيانا، والعلاقة بين الأمة واهية مبتوتة، وما كان من الحكومات فجُلُّ همتها ملء الخزائن من رعيتها أو جر الحروب على مناوئيها‏.
فلما جاء الإسلام بتباشير النّور ليبدّد ظلمات السّلوك الإنساني التي سادت لفتراتٍ طويلة، وليأصّل أخلاقيّات التّعامل الإنساني، وتسود شريعة كاملة شاملة تحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم مع بعضهم البعض [(81)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
فخرالدين محمد بن إبراهيم الرمادي
01 ربيع أول 1442 ه~ 17 أكتوبر 2020م
يتبع بإذنه تعالى

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 20 / 10 / 2020 25 : 12 AM

[ ٧ . ] العصر الجاهلي ...《 الجانب الإخلاقي..》
 
[ ٧ . ] العصر الجاهلي ... الجانب الإخلاقي..

بحث عن العرب في جاهليتهم!..


* . ] لعل هذا الجانب الأخلاقي من حياة الناس في العصر الجاهلي قبل بزوغ نور الإسلام؛ وإضاءة الدنيا بشمس الهَدي القرآني الكريم؛ وسطوع أنوار السراج المنير المحمدي ... إذ هو خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين ... الذي -صلى الله عليه وآله وسلم - يحمل آخر رسالة تشريعية منهاجية تعبدية أخلاقية علوية إلهية ربانية للبشرية ... فرسالته - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - طراز خاص من العيش؛ وطريقة معينة في الحياة؛ وكيفية فريدة في معالجات مسائل وقضايا وحاجات ومتطلبات الإنسان لم يأتِ على منوالها مثال سابق؛ ولم تلحقها بعديد من السنين والأعوام ما يشابهها أو يقترب منها .. أينما وجد وفي أي زمان كان... حتى يرث الله تعالىٰ الأرض ومن وما عليها .

اقول [(الرمادي)] : هذا الجانب من جوانب الحياة الإجتماعية مِن اعقد بحوث حياة الإنسان في تاريخه القديم والحديث.. لما يحمل مِن المتناقضات.. والمتعارضات.. والمختلفات في كيان فرد ونفسيته أو تجمع بشري في مجموعه أو قبيلة وما يعلوها من أفكار ومفاهيم أو عشيرة أو دولة ما يسيطر عليها من قيم وقناعات ... وما تمليه النفس الإنسانية لحظة الإشباع علىٰ المرء من رغبات.. وميول.. ونزعات.. وشهوات تتفق - أحيانا - مع صفته الآدمية النقية الصافية الراقية العلية ... أو تهبط به كثيراً من خلال وساوس الشيطان الإنسي أو الآخر الجني الرجيم الملعون ... تهبط به إلىٰ دركات بهيمية.. ومنزلقات غير إنسانية... مع وجود العقل والإدراك والفهم.. ويستغرب المرء أن يتم تشريع فساد خُلقي وإنحلال أخلاقي من خلال برلمان دولة أو نظام حكومة أو قانون يسن لإشباغ رغبات ساقطة .

* . ] العرب في الغرب :

تظهر صورة العرب - بصورة نمطية تكاد لا تتغير - في الإعلام الغربي ومنذ زمن وما تقدمه الشاشة الفضية وما يتفوه به ساسة تلك البلاد لكسب قطيع من الجمهور وتعاطف فريق من المؤيدين لهذا الحزب الشعبوي أو ذاك ... ويضاف بجوارها تصوّر في الذهن الجمعي عند مَن يسكن القارة الأوروبية أو الأمريكتين أو كندا عن المسلم ... تظهرا - الصورة النمطية والتصور الذهني الخاطئ - العربي/ المسلم بألوان قاتمة السّواد ، تجلّلها مزاعم الإرهاب والتّخلف والرّجعيّة والجهل والسذاجة - وقد يساعد بعض الجهلة في تثبيت هذه الصورة النمطية وذلك التصور الذهني ؛ كما حدث في بارس- فرنسا خلال جمعتين متتاليتين -، والحقيقة المُرة وأنّه علىٰ الرّغم مِن أنّ العرب تأخّروا عن ركب الحضارة وتخلفوا عن التّطور والتقدم العلمي حينما أصبحوا تبعًا للغرب يسيرون خلف ركابه في التّكنولوجيا والحداثة ، إلاّ - أنه من نافلة القول ؛ إذ يحلو عند البعض التغني بأمجاد الأجداد والتباهي بما قام به الأباء والاعتماد على فتاوى صدرت منذ أكثر من 500 عام والتفاخر بما كان عليه مَن سبقنا دون النظر إلىٰ حالة - المتحدث - اليوم أو محاولة تغيير ذلك الواقع إلى الأفضل - .. نعم وصحيح أنّ الفضل يعود إليهم... وخاصّة في عصور النّهضة حينما كان الغرب يحرص علىٰ تعلّم لغتهم - العربية - حتّى ينهل مِن علمهم ومعارفهم ، وما العلماء المسلمون الذي تميّزوا في كلّ ميادين العلم قديمًا إلاّ مثالاً علىٰ هذا التّطور وتلك النّهضة العلميّة والثّقافيّة الإسلامية[(83)]...

والعام الدراسي : 2019م ~ 1440 هـ - تُدخل وزارة التعليم للمملكة العربية السعودية اللُغة الصينية في مناهجها مع أنها تحمل أكثر من ٠٠٠ ,٢٠ رمزا ... وليس لها ابجدية... تدخلها في برنامج تعلم اللغات الأجنبية باعتبارها لغة الاقتصاد العالمي... ولغة المستقبل...!!!.

كما تعتمد جمهورية مِصر العربية نظام التعليم الياباني؛ وترسل مدرسين للحصول على دورات تدريبية...!!!. وهذه القضية ليست سلبية؛ ولكنها تحتاج إلى تقييم من رجال التعليم وأهل التربية التخصصية !!!.










أعود لابحث الجانب الإخلاقي.. عند العرب في جاهليتهم!..

*. ] العرب قبل الإسلام:

يُطلَق وصف العرب علىٰ الأشخاص الذين يتحدّثونَ باللغة العربيّة - الفصحى؛ وليس اللهجة العامية لكل منطقة أو الدارجة لكل مقاطعة - باعتبارها لُغتهم الأمّ ، وقد بَيَّن باحثو التاريخ أنّ العرب ذوو أَصْلٍ ساميّ ؛ فهم ينحدرون من نَسْل سام بن نوح ، ويقطنونَ منطقة شبه الجزيرة العربيّة ...

*. ] العرب في الجاهليّة:

هم أولئك الذين عاشوا في الفترة التي سَبَقت ظهور الإسلام ، كما أنّ :



لفظة الجاهليّة تعني لغةً: ضدّ العِلم، و
الجاهليّة كمصطلح تعني: الفترة التي كانَ فيها العرب يجهلونَ وجودَ الله ، ورسوله ، وشرائع الدِّين ؛ إذ كانوا يعكفونَ علىٰ عبادة الأصنام ... و
أدق تعبير يمكنني أن استحضره كمثال ما قاله :"...جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ للــ نجاشي؛ ملك الحبشة ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ! كُنَّا قَوْمًا:
- أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ
- نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَ
- نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَ
- نَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَ
- نَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَ
- نُسِيءُ الْجِوَارَ ،
- يَأْكُل ُالْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَـــ
- كُنَّا عَلَىٰ ذَلِكَ حَتَّىٰ بَعَثَ اللَّهُ - عَزَّوَجَلَّ - إِلَيْنَا نَبِيًّا وَرَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ :
- نَسَبَهُ وَ
- صِدْقَهُ وَ
- أَمَانَتَهُ وَ
- عَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَىٰ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِــــ:
- صِدْقِ الْحَدِيثِ، وَ
- أَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَ
- صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ
- حُسْنِ الْجِوَارِ ، وَ
- الْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ ، وَ
- الدِّمَاءِ ، وَ
- نَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَ
- قَوْلِ الزُّورِ ، وَ
- أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَ
- قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَ
أَمَرَنَا:
- أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَ
أَمَرَنَا:
- بِالصَّلَاةِ وَ
- الزَّكَاةِ وَ
- الصِّيَامِ وَ
- الْحَجِّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ...




قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ ، فَصَدَّقْنَاهُ ، وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَىٰ مَا جَاءَبِهِ ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِشَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا ، لِيَرُدُّونَا إِلَىٰ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّوَجَلَّ - ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَىٰ بَلَدِكَ ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَىٰ مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ .." [(84)] ...

نقل إلينا الصحابي الجليل والخطيب البليغ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ واقع مكة - وإن كُرمت بالبيت العتيق وشرفت بالكعبة المشرفة - ، نقلاً بليغاً كاملاً لكافة مناح الحياة الجاهلية ..

وقال آخرون : إنّ اسم الجاهليّة يعني: حالة من التباهي بالأحساب ، والمُفاخَرة بالأنساب...

أمّا في القرآن الكريم فتعني لفظة الجاهليّة: الحِميّة، والطَّيْش، والغضب، كما تشير أيضاً إلىٰ أفعال العرب في تلك الفترة[(85)].

وَ

الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَىٰ : هِيَ الْقَدِيمَةُ الَّتِييُ قَالُ لَهَا :
" الْجَاهِلِيَّةُالْجَهْلَاءُ " ، وَ
هِيَ الزَّمَنُ الَّذِي وُلِدَ فيهِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الدِّرْعَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ فَتَمَشِي وَسَطَ الطَّرِيقِ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَىٰ الرِّجَالِ ، وَ




قِيلَ: مَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ. وَ






قِيلَ: بَيْنَ إِدْرِيسَ وَنُوحٍ. وَ






قِيلَ: زَمَنُ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ، وَ

الْجَاهِلِيَّةُ الْأُخْرَىٰ : مَا بَيْنَ عِيسَىٰ - ابن مريم - وَمُحَمَّدٍ بن عبدالله بن عبدالمطلب - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - . وَ

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى : جَاهِلِيَّةُ الْكُفْرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ . وَ

الْجَاهِلِيَّةُ الْأُخْرَىٰ : " جَاهِلِيَّةُ الْفُسُوقِ وَالْفُجُورِ في الْإِسْلَامِ " ، فَكَأَنَّ

الْمَعْنَىٰ في تأويل الآية :
" ... وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَىٰ ... ". :
أي وَلَا تُحْدِثْنَ بِالتَّبَرُّجِ جَاهِلِيَّةً في الْإِسْلَامِ تَتَشَبَّهْنَ بِهَا بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْكُفْرِ . وَ
يُعَضِّدُهُ مَا رُوِيَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
" إِنَّ فيكَ جَاهِلِيَّةً " ؛
قَالَ: " جَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ أَمْ إِسْلَامٍ ؟ "..
فَقَالَ : "بَلْ جَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ " .[(86)].

من المفيد من باب المقارنة أن نلقي نظرة سريعة علىٰ :

* . ] الجانب الأخلاقي: في العالم قبل الإسلام: [(87)].

كان العالم قبل الإسلام بَعيدًا عن القِيم والأخلاق التي تحكم سلوك النّاس ومعاملاتهم، فقد استحوذ الشّيطان علىٰ نفوس النّاس... والهوي علىٰ قلوبهم... فأضلّهم الأول عن شريعة الله... والثاني عن أخلاقيّات الدّين ومنهاجه ؛ فشاعت فيهم مساوئ الأخلاق ومسترذلات المنكرات كــ : الزّنا.. والبغي.. والسّرقة.. والعدوان.. والرّبا.. وشرب الخمر.... وغير ذلك الكثير. [(88)]... وهذا بصفة عامة... أما

* . ] حال العرب قبل الإسلام من ناحية الأخلاق[(89)]:

صفات العرب في الجاهليّة[(90)]..

ممّا لا شكّ فيه أنّ العرب كان لهم صفاتهم وخصائصهم الإجتماعيّة والأخلاقيّة عبر التّاريخ التي تميّزوا بها بين الحضارات وبقية الأمم[(91)]:

أخلاق العربي في الجاهلية[(92)]:

لاشك في أنّ العربي في الجاهليّة عُرف بالعديد من الأخلاق التي ميّزته عن غيره ، وبالرغم من أن بعض هذه الصفات هي من الصفات الدنيئة وبعضها من الرذائل التي ينكرها عقل الإنسان السليم ، فقد انتشر بين العرب في الجاهلية المنكرات.. والبغي.. وشتّى صنوف المعاصي والآثام ، فكانت للزّانيات دورٌ لها وتعلق راياتٍ يعرفون بها ، كما شرب العرب الخمر وتغنّوا بها ، ولكنه تميز بالعديد من المزايا والأخلاق الفاضلة، و

من أهم هذه الأخلاق[(93)] والتي صارت من :

*. ] عادات العرب قبل الإسلام[(94)]:

امتلكَ العرب قبل الإسلام مجموعة من العادات والتقاليد السلبيّة التي حرص الإسلام علىٰ إلغائها ، واستبدالها بالعادات الحسنة والنافعة[(95)] ، فمن أهمّ هذه التقاليد والعادات[(96)]:

*. ] الغزو والثأر:

وهيَ عادةٌ كانت تُؤدّي إلىٰ حروبٍ تستمرُّ لسنواتٍ طويلةٍ بين القبائلِ والعائلاتِ البدويّة ، وكانت أسباب الحروب تتمثّل أساساً بصعوبة الحياة في الصحراء ؛ فقد كانَوا يقتتلون لأبسط الأسباب ، كــ الخلاف علىٰ المراعي ؛ وذلك بسبب الجوع ، وشُحّ الامطار في المنطقة[(97)].

*. ] التعصُّب:

إذ كانَ العربيّ يفتخر بانتمائه إلىٰ قبيلته ، فيمدحها ، ويدافع عنها ، حيث كانوا مُتفرِّقين ، لا تجمعهم سُلطة عُليا مُحدَّدة ، إذ كانت القبيلة هيَ الحاكمة لكلِّ فئة من الناس؛ ممّا وَلَّد لديهم التعصُّب، والهمجيّة[(98)].

*. ] شُرب الخمر ... ولعب المَيسِر:

بالغَ العرب قبلَ الإسلامِ في شُربِ الخمرِ حتىٰ اتَّخذوا لهم " ساقياً " ، كما كانوا يمارسون لعب المَيسِرَ ، وما يتبعه من شرور ، وقد أنكرَ بعض العرب عادة شُرب الخمرِ ؛ لما يُحدِثه من ذهابٍ للعقلِ ، وخَدْشٍ للمروءة[(99)].

وعلىٰ الرّغم من تلك الصّفات الذّميمة ، إلاّ أنّ العرب كانت لهم بعض الخصال الحسنة مثل :

«النّخوة»
و
«الجود»
و
«الكرم».

تميَّز العرب منذ زمنٍ طويلٍ بمجموعةٍ مِن العادات والتقاليد ، التي تُشكل الموروث العربي الأصيل ، والمتمثل بالقيم والمبادئ السامية ، التي كانت تتجلىٰ في حياة العرب ،وخلال تعاملهم مع الآخرين ، ورغم أنّ هناك بعض العادات المُشينة ، التي بددها ظهور الإسلام في شبه جزيرتهم العربية قبل آلاف السنين ، بيد أن هناك بعض الشيم والعادات المُشرفة التي عزّزها الإسلام لدىٰ العربي ، و

من هذه الصفات تلك المتعلقة بالرجال العرب ...

صِفات العرب قَبْل الإسلام[(100)]:

اتَّصفَ العرب قَبل مجيء الإسلام بمجموعةٍ من الصِّفاتِ الحسنةِ، منها: [(101)]

صفات الرجال عند العرب[(102)]

*. ] الفَخْر:

وذلك نظراً لوقوعِ المسجدِ الحرامِ في شبة جزيرتهم... جزيرةِ العربِ ، حيث كانوا يَعتزّونَ بأنفسهم ، ويفتخرون بذلك ، حتىٰ وصل بهم الأمر إلىٰ أن يتكبَّروا به علىٰ الناسِ[(103)]

*. ] الشّهامة والنّخوة[(104)]:

فالعربي يتحلّىٰ بصفات الشّهامة والنّخوة التي تأبىٰ عليه إلاّ نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف[(105)] ... فتمثلت هاتان الصفتان بنجدة الملهوف ، وإغاثة المنكوب ، وإعانة المحتاج ، فمن استجار بالرجل العربي لم يمسه ظلم ، ولم يقربه أذىٰ ، كما أنّ الرجل العربي لا يقبل أنّ يرىٰ محتاجاً لمالٍ ، أو طعامٍ ، أو كساءٍ ، ويقف مكتوف الأيدي دون مدّ يد المساعدة.

* . ] الكرم والجود[(106)] :

وهما من الصفات المُتأصِّلة في العرب قَبل الإسلام ،



فـــــ


من عادات العرب الأصيلة إكرام الضيف ؛ باستقباله حسن استقبال ، والترحيب به بأجمل الكلام والودّ ، بالإضافة إلىٰ عمل ولائم الطعام التي تليق بالضيف ، وتُعبّر عن كرم المُستقبِل له ، وقد كانوا يُوقِدونَ النار في الليل ؛ حتىٰ يستدلَّ المسافرونَ علىٰ بيوتهم ، علماً بأنّهم كانَوا يطلقون عليها اسم «نار الضيافة» ، و

من أشهر الشخصيّات العربيّة التي ارتبطَ اسمها بالكرم «حاتم الطائيّ». [(107)]، فـــ



لاشتهار العرب قديمًا بالكرم والسّخاء رويت في ذلك القصص والحكايات الكثيرة ، فقد كان «حاتم الطائي» أحد من تميّزوا بالكرم والسّخاء الشّديد قديماً ، وممّا يروى عنه أنّه كان إذا أتاه عبده بضيفٍ من الأضياف أعتقه مكافأةً له علىٰ ذلك ، كما أنّه ذبح يومًا خيله النّفيسة وقدّمها طعامًا لضيوفه حينما لم يجد ما يضيّفهم به ،


و

من الشّخصيات التي اشتهرت بالكرم أيضًا من العرب «عقبة ابن أبي معيط» الذي يعتبر أحد وجهاء قريش وألدّ أعداء الدّعوة الإسلاميّة ؛ حيث كان يولم لكبراء قريش في كلّ مرّة يرجع فيها من أسفاره . [(108)] وقد

عُرف عن العرب قديماً عدم سؤالهم عن حاجة الضيف إلا بعد مرور ثلاثة أيام... فــ

الكرم [(109)]: ‏إذاً من الصفات التي كان العربي يتباهىٰ بها بل ويتبارز أيضاً، كما أن العديد من الأشعار العربية كانت تحكي عن الكرم التي تميز به العربي[(110)]‏.

*. ] العِزّة:

فقد كانَ العرب قبلَ الإسلام يرفضونَ العيش بذلّ ، ويعتزّون بحرّيتهم، ويرفضون الظُّلمَ[(111)].

*. ] العِفّة:

علىٰ الرغم من اتِّصاف جزءٍ من العرب بعدم اهتمامهم بالعِفّة ، وانشغالهم بالشُّرب ، ولعب المَيسِر ، إلّا أنّ فريقاً من العربِ كانوا أشدّ غيرةً علىٰ النساءِ من غيرهم من الشعوب ، وكانوا يحافظونَ علىٰ عِرْضهم ، وشَرَفهم ، حتى وصلت فيهم الغيرة إلىٰ وَأْد البنات ؛ حتىٰ لا يلحق بهم العار ، أمّا

المرأة، فقد كانت تحافظ علىٰ نفسها ، كما كانت تتَّصف بعِزّة النفس[(112)].

ويصح لي الاستدلال بــ

:"
حَدِيثِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي الْبَيْعَةِ ؛ حين قالت : {أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ ؟ ، }
فــ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي قِصَّةِ مُبَايَعَةِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ ، وَفِيهِ : { فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: :" وَلَا يَزْنِينَ "...

قَالَتْ : أَوَ تَزْنِي الْحُرَّةُ ؟ ، [والاستدلال عندي لقولها ]
لَقَدْ كُنَّا نَسْتَحِي مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ : فَكَيْفَ فِي الْإِسْلَامِ ؟ }.".







* . ] الفطنة ورجاحة العقل:

كان العربي يستبصر صفات الناس ومقاصدهم ، مِن الشكل الخارجي ، وطريقة الكلام والتصرف ، وكان قادراً علىٰ الحكم بالعدل بين الناس ، وتوظيف الحكمة بالقضاء العشائري.

* . ] طلاقة اللسان فصاحته... ومِن ثم الخطابة[(113)]:

فهذه من الصّفات التي ميّزت العرب بلا شك حتّىٰ اشتهروا بالفصاحة والبيان شهرةً بلغت الآفاق، وقد كانوا يجتمعون في أسواق ومجالس أدبيّة يتبادلون فيها القصائد والشّعر والخطابة ويتنافسون علىٰ ذلك ، وما المعلّقات السّبع [ والمذهبيات ] التي كانت تعلّق علىٰ أستار الكعبة إلاّ مثالًا علىٰ هذه الصّفة المتأصّلة فيهم[(114)]، فكان الرجل العربي مفوّهاً ، طليق اللسان ، بليغ الكلمة ، وفصيح المعنىٰ ؛ فإذا ما تحدث أصاب ، وإذا ما صمت كان ذلكٍ لحكمةٍ حقيقية ، وكان فرسان القوم من العرب شعراء يُجيدون النظم والتصور ، وكثيراً ما كانت تُقام التعاليل من أجل الاستماع لشاعر القبيلة وفارسها .

* . ] العفو عن المُخطئ:

رغم قدرة العرب علىٰ معاقبة المُخطئ ، فقد كان العفو سيّد الموقف ، في حين اشتهرت بلاد العرب بعادة :" الدخيل " الذي يقصد شيخاً أو وجيهاً من وجوه العشيرة ؛ ليحتمي به من شر ما فعل ، أو شرّ ما تم اتهامه به ، وعليه كان يحصل علىٰ العفو في أغلب المرات ، بسبب كفالته من أحد الأطراف ، وعفو الطرف الآخر عنه.

*. ] الصّدق[(115)]:

فالعربي الأصيل ... وحتّىٰ قبل الجاهليّة كان يحرص علىٰ الصّدق حتّىٰ لا يقال بين العرب أنّه كاذب ، فلقد اجتمع «أبو سفيان» وقت كان كافراً وقُبيل إسلامه – يومًا - بـ «هرقل» عظيم الرّوم فسأله بعض الأسئلة عن الرّسول - عليه الصّلاة والسلّام - فصدقه القول ولم يكذب في ذلك علىٰ الرّغم من عدواته للإسلام حتّىٰ لا يؤثر عنه الكذب بين العرب[(116)] ...

فتميَّز العرب قبلَ الإسلام بالصدق ، ونفورهم من الكذب ، وقد كانت هذه إحدىٰ أهمّ الصفات التي تميَّز بها الرسول الأعظم - عليه الصلاة والسلام -، وصاحبه «أبا بكر»الصديق[(117)].

* . ] تجنب الغدر أو الخيانة:

من صفات العربي الأصيل أنّه لا يغدر حتىٰ بعدوّه ، ولا يلجأ للخديعة ، بل يواجه الطرف الآخر بكلّ بسالة ، وإذا ما ناله ظلم وسُلب منه حق ، وما كان بالمقدور تحصيله باليد ، راعىٰ أصول ذلك بالتشكي لدىٰ رأس القبيلة ، أو قاضياً من قضاة البادية المعروفين بنزاهتهم وإنصافهم للمظلوم.

*. ] الفروسيّة والشّجاعة[(118)]:

فقد اتّسم العرب بصفات البطولة والشّجاعة حتّىٰ إنّهم كانوا يعيبون علىٰ بعضهم الفرار من المعارك ويعتبرونها سُبَّة وبالتالي سبتة علىٰ المرء لا تزول بزوال الأيّام ، وقد كان الرّجل منهم يتمنّىٰ الموت في خضم المعارك وفي ساحات الوغىٰ حيث مظنّة التحام الصّفوف وضرب الأسنة والرّماح[(119)] ... فـكانت الشجاعة صِفة غريزيّة في كلّ عربيّ ، إذ كانَ العربيّ يمتلك قوّةً تدفعُه إلىٰ القتالِ دون خوف ، ونصرة المظلومِ دونَ تردُّد، وقد ساعدَت ظروف حياتهم البدويّة علىٰ التأهُّب لأيّ خطرٍ قد يصيبهم ، فلمّا جاءَ الإسلام ، قوَّم هذه الصِّفة ؛ فأمرَ بكَفّ الأيدي عن الاعتداء علىٰ الآخرينَ دونَ وجودِ سببٍ للقتال[(120)].

*. ] عزة النفس والإباء وعدم قبول الضيم[(121)]:‏
وهذه الصفات نتيجة لفرط شجاعة العربي ، ولشدة غيرته ، وسرعة انفعاله[(122)].



* . ] تحدي المخاطر:

فها هو «الزير سالم» قد أرسلته الجليلة ، زوجة أخيه «كُليب وائل التغلبي»، إلىٰ وادي السباع ، لإحضار حليب إناثها ، سعياً منها للتخلّص من الزير للأبد ، لكنه خيّب ظنها وعاد بالفعل ، مُحضراً حليب السباع ، بمساعدة أخيه «همام» وصديقه «امرؤ القيس».

* . ] صفات أخرى:

*. ] الذود عن الحمىٰ:

حيثُ لا يقوىٰ علىٰ غزو عشيرته أحد ، وإن حصل بالفعل لقي المُعتدين ردّاً قاسياً ، تحكي فيه القبائل ، وتتباهىٰ فيه ألسن الشعراء.

*. ] حُسن الجِوار:

كانَ العرب يُؤدّونَ حقّ الجار كجزءٍ من خِصالهم النبيلة التي كانوا يحرصونَ عليها، فكانوا يُقدِّمون الحماية ، والإغاثة لجيرانهم ، ويَعدّونه جزءاً من شَرَفهم[(123)].

*. ] الصَّبر:

تُعَدّ الظروف المعيشيّة للعرب في شبه الجزيرة العربيّة ظروفاً قاسيةً، وهذا ما وَلَّد فيهم قوّةً وصَبْراً علىٰ تحمُّلِ مختلفِ المصاعبِ التي قد يواجهونها، كالجوع، والسفر ِالطويل، وغيرها[(124)].

*. ] المضي في العزائم[(125)].

*. ] الحلم، والأناة، والتؤدة[(126)].

*. ] الصدق البدوي،

وعدم التلوث بملوثات الحضارة ومكائدها‏، فقد عُرف العربي بصدقه ونقائه[(127)]

*. ] الوفاء:

وهو عكس الغَدْر ، والكذب، حيث كانَ العرب يُحافظونَ علىٰ عهودهم، ويُثنونَ علىٰ الوفيّ، ويُشهِرونه، ويرفضون الغدر، وخيانة الوعود[(128)].

* . ] الوفاء بالعهود[(129)]:

عُرف العربي بوفائه بالعهود مهما كانت ، فقد كان العهد مثل الدين الذي يتمسكون به ، وهنالك العديد من القصص الشهيرة التي تناقلتها المصادر التاريخية[(130)].

فـ إذا ما قطع علىٰ نفسه عهداً التزم به ، وكان أعزّ عليه أنّ يُجزّ رأسه عوضاً عن عدم وفائه بها.

-*-*-*

* . ] أحوالھم الخُلقیة:

كان فیھم - العرب - من الدنايا والرذائل ما ينكره العقل السلیم ، لكنھم حافظوا علىٰ جملة من الأخلاق تمیزوا بھا عن سائر الأمم حینئذ والشعوب ، كــ :

- الوفاء بالعھد.. و
- عزةالنفس.. و
- مضاء العزيمة.. و
- إباء الضیم.. و
- النخوة.. و
- المروءة.. و
- الشجاعة.. و
- الكرم . . و
- حميد الصفات التي شاع الفخر بھا في أشعارھم.

والمتأمل لحالة العرب قبل الإسلام ، وحالة الأمم الأخرىٰ من غیرھم يمكن أن يستنتج بعض الحكم التي كانت سببا في تشريفھم بحمل عبء الرسالة العامة ، وقیادة الأمة الإنسانیة والمجتمع البشري إلىٰ أعظم الرشد وأبین الھدىٰ.

- فمن حكمة اختیار العرب لھذه المھمة أنھم أقل الأمم حینئذ حضارة وأبعدھم عن المدنیة، فھم قوم أمیون كما وصفھم الله:

{ ھُوَ الَّذِي بعَثَ فِي الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْھُم } [(131)].

إذ لو كانوا متحضرين كأھل المدنیات المجاورة من فرس وروم ويونان لربما قال قائل :«أنه انفعال حضاري وارتقاء مدني» ، بل شاء الله أيضاً ان يكون رسول ھذه الأمة أمیاً كذلك تأكیداً لذات المعنى

{ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِیَمِینِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }[(132)].

لقد شاء الله أن تكون معجزة النبوة والشريعة واضحة في الأذھان لا لبس فیھا.

- ومن حكمة اختیار العرب لمھمة قیادة البشرية حفاظھم علىٰ الأخلاق التي لم تعرف لغیرھم علىٰ ھذا النحو ، خصوصاً :

- الوفاء بالعھد، و
- عزة النفس، و
- مضاء العزم، إذ لايمكن لأي أمة بدون ھذه الصفات أن تحمل أمانة ، أو تتحمل مسؤولیة ولا يمكن قمع الشر والفساد ، وإقامة العدل والخیر إلا بھذه القوة القاھرة وبھذا العزم الصمیم والذي خلت منه الأمم الأخرىٰ.

وقد ظھر ھذا البرھان العملي من خلال المواجھات التي ثبتوا فیھا أمام العالم أجمع وتحدوا فیھا أرقىٰ الأمم حضارة ، وأكثرھا عددا وأمضاھا سلاحاً لذلك أظھر النبي - صلى الله علیه وسلم * اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبادئ الحق وإقرار مكارم الأخلاق .

وقد شھد النبي - صلى الله علیه وآله وسلم - حلف «الفضول» وكان في العشرين من عمره، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :

« لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوْ أُدْعَىٰ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ »[(133)]. و
قد كانت رجولته - صلى الله علیه وسلم - في القمة، بَیْدَ أن قواه الروحیة وصفاءه النفسي جعلا ھذه الرجولة تزداد بمحامد الأدب والاستقامة والقنوع ؛ فلم تُؤثرَ عنه شھوة عارضة ، أو نزوة خادشة ، ولم تحكَ عنه مغامرة لنیل جاه أو اصطیاد ثروة ، بل علىٰ العكس بدأت سیرته تومض في أنحاء مكة بما امتاز به عن أقرانه - إن صحت الإضافة؟- - من خِلالِ شمائلَ كريمةٍ، وفكرٍ راجحٍ، ومنطقٍ صادقٍ ونھجٍ أمینٍ ... و








بعد زواج خديجة - رضي الله عنھا - تابع النبي - صلى الله علیه وسلم - حیاة العزلة وھجر ما كان علیه العرب من خمر ولغو وقمار وأوثان... وإن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته وتدبیر معاشه والضرب في الأرض والمشي في الأسواق... و

تأتي حادثة تجديد بناء الكعبة قبل البعثة بخمس سنین لتكشف عما وصل إلیه النبي - صلى الله علیه وسلم - من مكانة أدبیة بین قومه... فقد اختلفت قريش فیمن يستأثر بشرف وضع الحجر الأسود في مكانه فاتفقوا علىٰ تحكیم أول داخل من بني شیبة ، فدخل رسول الله - صلى الله علیه وسلم - ، فلما دخل ھتفوا جمیعاً: ھذا «الأمین» ارتضیناه حكماً، فأمر بثوب فأخذ الحجر ووضعه في وسطه، ثم أمرھم برفعه جمیعاً، ثم أخذه بیده الشريفة فوضعه مكانه! ... و

تتابعت إرھاصات نبوته - صلى الله علیه وسلم - ، وقد أخذ يقترب من الأربعین فكان يسمع تسلیم الحجر علیه ، وكان لا يرىٰ رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد حُبب إلیه العزلة والتعبد في غار حراء... حتىٰ جاء الیوم المشھود، أسعد يوم في تاريخ البشرية كلھا، لقد بُعث رسول الله - صلى الله علیه وسلم - .
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿ 1﴾ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿ 3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿ 4﴾ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم (5) }[(134)].

-*-*-*-*-*

أقول ([(الرَّمَادِيُّ)]) : أكتفي بهذا القول عن حياة العرب قبل الإسلام .. وقبل البعثة المحمدية وقبل الرسالة الخاتمة لسيد ولد آدم أجمعين... ومِن يريد الزيادة فالرجاء العودة إلىٰ كتب التخصص عن تاريخ العرب قبل الإسلام ؛ ولعل ما يحضرني الأن ما كتبه الأستاذ :

- الدكتور: شوقي ضيف في موسوعته «العصر الجاهلي؛ تاريخ الأدب العربي»... علىٰ سبيل المثال وليس الحصر...


-*-*-*

سلسلة بحوث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء
(يُتْبَعُ بإذنه تعالى )
نال شرف قراءة المصادر ومراجعتها وكتابة البحث:
د. مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ
حُرِّرَفي يوم الاثنين ٢ ربيع الأول ١٤٤٢ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~الموافق ١٩ من شهر أكتوبر عام ٢٠٢٠ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريمالعذراء الزهراء البتول عليهما السلام.





-*-*-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 21 / 10 / 2020 22 : 10 PM

《..زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》صلى الله عليه وآله وسلم
 
[ ٤ ] مقدمة المجلد الرابع




..زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》 -صلى الله عليه وآله وسلم-







لا يوجدُ أدنىٰ شك أو لحيظة ارتياب في أن أوان مبعث نبي آخر الزمان كان قد أوشك علىٰ الظهور؛ وقد أزف وقت مجئ الرسالة الخالدة لآخر المرسلين؛ وستهبط شريعة الخالق الواجد المبدع المصور الرازق الكاملة ...


فقد وجبت أن تنزل من السماء بلا ريب للتقييد بالتنفيذ والتطبيق؛ وصار منهاج متمم المبتعثين يلزم البشر أجمعين أن يتقيدوا به؛ فجاءت الأدلة القطعية الثبوت؛ القطعية الدلالة من نصوص وحي السماء سواء العهد العتيق [التوراة]؛ أو العهد الجديد [الأنجيل]؛ والعهد الحديث [القرآن] تثبت هذا، وتخبر كل الأتباع بالأدلة العقلية والنقلية فتؤكد على هذا ؛ كما تضافرت :
١ . ] إخْبَارُ الْكُهَّانِ مِنْ الْعَرَبِ، فَقد أَتَتْهُمْ بِهِ الشَّيَاطِينُ مِنْ الْجِنِّ فِيمَا تَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ، إذْ كَانَتْ وَهِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَذْفِ بِالنُّجُومِ. وَ
كَانَ الْكَاهِنُ وَالْكَاهِنَةُ لَا يَزَالُ يَقَعُ مِنْهُمَا ذِكْرُ بَعْضِ أُمُورِهِ، لَا تُلْقِي الْعَرَبُ لِذَلِكَ فِيهِ بَالًا، حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ -تَعَالَى ذكره وتقدس سره-، وَوَقَعَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الَّتِي كَانُوا يَذْكُرُونَ، فَعَرَفُوهَا[(1)].







١ . ١ . ] قَذْفُ الْجِنِّ بِالشُّهُبِ ، وَآيَةُ ذَلِكَ عَلَى مَبْعَثِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :





فَلَمَّا تَقَارَبَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَضَرَ مَبْعَثُهُ، حُجِبَتْ الشَّيَاطِينُ عَنْ السَّمْعِ، وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقَاعِدِ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ لِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ فِيهَا، فَرُمُوا بِالنُّجُومِ، فَعَرَفَتْ الْجِنُّ أَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ حَدَثَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي الْعِبَادِ؛ يَقُولُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْنَ بَعَثَهُ، وَهُوَ يَقُصُّ عَلَيْهِ خَبَرَ الْجِنِّ إذْ حُجِبُوا عَنْ السَّمْعِ، فَعَرَفُوا مَا عَرَفُوا، وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ حَيْنَ رَأَوْا مَا رَأَوْا:
{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }... إلَى قَوْلِهِ : {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا }[(2)].





فَلَمَّا سَمِعَتْ الْجِنُّ الْقُرْآنَ عَرَفَتْ أَنَّهَا إنَّمَا مُنِعَتْ مِنْ السَّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلَّا يُشْكِلَ الْوَحْيُ بِشَيْءٍ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَيَلْتَبِسُ عَلَى أَهْل ِالْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الْحُجَّةِ، وَقَطْعِ الشُّبْهَةِ. فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا، ثُمَّ وَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ : { قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } الْآيَةَ .







١ . ٢ . ] وتوجد رواية عن ابن هشام في السيرة النبويةتقول :
" قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- :" ... قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ... نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ الْأَوْثَانَ، حَتَّى أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ[(3)] .هذه شهادة صدق...







١ . ٣ . ] وأما الرواية الثانية فنجدها في حديث ابن عم رسول الله[(4)] مع ملك الحبشة[(5)] وقت هجرته إليها روته أُمُّ سَلَمَةَ[(6)] بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَتْ: قَالَ " جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ[(7)]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ[(8)] ،كُنَّا قَوْمًا : [ وأخذت أمنا؛ أم المؤمنين أم سلمة تعدد ما قاله سيدنا جعفر...فــ
قال: كُنَّا قَوْمًا :
1 . ] أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ
2. ] نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَ
3. ] نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَ
4 . ] نَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَ
5 . ] نَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَ
6 . ] نُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَ
7 . ] يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ...
فَـــــ
كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ :
- نَسَبَهُ وَ
- صِدْقَهُ وَ
- أَمَانَتَهُ وَ
- عَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى :
1 . ] اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِـ
2 . ] نُوَحِّدَهُ، وَ
3 . ] نَعْبُدَهُ، وَ
4 . ] نَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَ


أَمَرَنَا




بِـ
1 . ] صِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَ
2 . ] أَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَ
3 . ] صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ
4 . ] حُسْنِ الْجِوَارِ وَ
5 . ] الْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ،وَ




نَهَانَا عَنِ :
1 . ] الْفَوَاحِشِ ، وَ
2. ] شَهَادَةِ الزُّورِ ، وَ
3 . ] أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَ
4 . ] يقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَ
أَمَرَنَا




أَنْ :
- نَعْبُدَ اللَّهَ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَ
- إِقَامَ الصَّلَاةِ، وَ
- إِيتَاءَ الزَّكَاةِ[(9)]. –
قَالَتْ [أم سلمة] : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ - فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَاجَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحِلَّ لَنَا، فَغَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا؛ لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ[(10)]
و








هذه أروع شهادة صدق من جعفر بن أبي طالب أمام ملك الحبشة اصحمة النجاشي وقت الهجرة الأولى إليها وأمام أثنين من وفد قريش للوشاية بالمسلمين..
ولم يكذبه أحد منهما!!!!
وَ
تضافرت روايات :
٢ . ] الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ وَ
٣ . ] الرُّهْبَانِ مِنْ النَّصَارَى[(11)] بـمُعْرِفَةِ مَبْعَثِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فـقَدْ تَحَدَّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ مَبْعَثِهِ، لَمَّا تَقَارَبَ مِنْ زَمَانِهِ.
أَمَّا




الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ،وَالرُّهْبَانُ مِنْ النَّصَارَى، فَعَمَّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ إلَيْهِمْ فِيهِ.
و


هذه أدلة قد تعرضت لها في بحوث المجلد الأول؛ وأذكر القارئــ(ــ)ــة الكريمــ(ــ)ــة بما جاء :
* . ] عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ» :
كنتُ „ أَوَّلَ ‟ الأنبياء خلقا
و „ آخِرَهم ‟ بعثا [(12)]
** . ] وجاء في مسند الإمام أحمد؛ مسند الشاميين،حديث عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
« إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ " مكتوبٌ "لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ؛ وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ [أمري] دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ؛ وَبِشَارَةُ عِيسَىٰ بِي؛ وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ"حين وضعَتني" وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ تَرَيْنَ ».
و
لنا أن نسمع القول الصريح في سورة الصف؛ إذ نطق القرآن الكريم بالقول :
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين ﴾[(13)ٍ.
وعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:« إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ ». فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَ
زَادَ فِيهِ :« إِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ »[(14)].
وتحدثتُ من قبل عن :" بَدْءِ الْوَحْيِ„" مَبْعَثُهُ " ‟ [صلى الله عليه وآله وسلم] وجرى الحديث عن" الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ "... " الحَسَنَةِ ".
ثم كان الحديث عن :" مرحلة النبوة؛ وتحدثتُ عن إرهاصات نبوة محمد بن عبدالله عند أهل الكتاب وكهان العرب عندما قارب زمن بعثة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.. بيد أنني فضلت وضعها ضمن ملاحق بحوث السيرة. وفي بحوث سابقة تحدثت عن إرهاصات النبوة قبيل البعثة فالرجاء مراجعة ما سبق وكتبته.





قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا : إِنَّ مِمَّا دَعَانَا إِلَى الْإِسْلَامِ - مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى-، وَهَدَاهُ لَنَا -أَنْ كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ رَجُلٍ مَنْ يَهُودَ، وَكُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ؛ وكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ قَالُوا لَنَا : إِنَّهُ قَدْ تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ الْآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ فَكُّنَا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا إِلَى اللَّهِ، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَنَا بِهِ فَبَادَرْنَاهُمْ إِلَيْهِ فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرُوا بِهِ فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :" وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ[(15)] .
وَ




قَالَ وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ : اللَّهُمَّ ابْعَثْ لَنَا هَذَا النَّبِيَّ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ
[رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ][(16)].



ثُمَّ
رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَتِ الْيَهُودُ بِخَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ فَعَاذَتِ الْيَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَالُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنَّ تُخْرِجَهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ .





قَالَ : فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَزَمُوا غَطَفَانَ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفَرُوا بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الْآيَةَ[(17)].
وَ


رَوَى عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ- وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ- قَالَ كَانَ لَنَا جَارٌ مَنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنًّا عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ[(18)] وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ : فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَالُوا لَهُ : وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَوَ تَرَى هَذَا كَائِنًا أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ، يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟
قَالَ : نَعَمْ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، وَيَوَدُّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدَّارِ يَحْمُونَهُ ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ فَيُطَيِّنُونَهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا
قَالُوا لَهُ : وَيْحَكَ يَا فُلَانُ فَمَا آيَةُ ذَلِكَ ؟
قَالَ : نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ
قَالُوا : وَمَتَى تُرَاهُ ؟
قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا
فَقَالَ : إِنْ يَسْتَنْفِدَ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ
قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا، وَحَسَدًا
قَالَ : فَقُلْنَا لَهُ : وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ ؟
قَالَ : بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ.
[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ]. [(19)]
وَ




رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : لَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ إِلَّا يَهُودِيٌّ وَاحِدٌ يُقَالَ لَهُ : يُوشَعُ فَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ : - وَإِنِّي لَغُلَامٌ فِي إِزَارٍ - قَدْ أَظَلَّكُمْ خُرُوجُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْبَيْتِ- ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ- فَمَنْ أَدْرَكَهُ فَلْيُصَدِّقْهُ. فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمْنَا وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَمْ يُسْلِمْ حَسَدًا وَبَغْيًا. وَ




قَدْ قَدَّمْنَا حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي إِخْبَارِ يُوشَعَ هَذَا عَنْ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِفَتِهِ وَنَعْتِهِ، وَإِخْبَارِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا عَنْ ظُهُورِ كَوْكَبِ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .







قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ
قَالَ لِي : هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ، نَفَرٍ مِنْ بَنِي هَدْلٍ إِخْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، ثُمَّ كَانُوا سَادَتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ؟
قَالَ : قُلْتُ : لَا .
قَالَ : فَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ يُقَالَ لَهُ : ابْنُ الْهَيِّبَانِ قَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكُنَّا إِذَا قَحَطَ عَنَّا الْمَطَرُ
قُلْنَا لَهُ : اخْرُجْ يَا ابْنَ الْهَيِّبَانِ فَاسْتَسْقِ لَنَا.
فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مَخْرِجِكُمْ صَدَقَةً
فَنَقُولُ[(20)] لَهُ : كَمْ ؟
فَيَقُولُ : صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ
قَالَ : فَنُخْرِجُهَا،
ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا فَيَسْتَسْقِي لَنَا فَوَاللَّهِ مَا يَبْرَحُ مَجْلِسَهُ حَتَّى يَمُرَّ السَّحَابُ، وَنُسْقَى قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ،
قَالَ : ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عِنْدَنَا
فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ
قَالَ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَاتَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ ؟
قَالَ : قُلْنَا : أَنْتَ أَعْلَمُ
قَالَ : فَإِنِّي إِنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَتَوَكَّفُ خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، هَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ فَلَا تُسْبَقْنَ إِلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ مِمَّنْ خَالَفَهُ فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ ...... فَـــ




لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ
قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ - وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا - : يَا بَنِي قُرَيْظَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيِّبَانِ!
قَالُوا : لَيْسَ بِهِ
قَالُوا : بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ بِصِفَتِهِ فَنَزَلُوا فَأَسْلَمُوا فَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ .





قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ أَخْبَارِ يَهُودَ[(21)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
نال شرف قراءة النصوص ومراجعة المصادر وكتابة مقدمة المجلد الرابع من السيرة المحمدية العطرة : على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام :
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
4 ربيع أول 1442 هـ ~ 21 أكتوبر 2020م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش تجدها في نهاية البحوث -عن شاء الله تعالى-
". *****
(الدكتور: مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ)

شريف حمدان 31 / 10 / 2020 16 : 07 AM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 23 / 11 / 2020 53 : 12 PM

سِنُّ الْكَمَالِ...
 
《... سِنُّ الْكَمَالِ ...》
٤. بحوث المجلد الرابع:

《...زَمَانُ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم-
فصل:

سنُهُ -عليه الصلاة والسلام- حين التبليغ [(22)]
ــــــــــــــــــ
مدخل:
السيرةُ المحمديّة هي المدخل الطبيعي لمعرفة صاحب الرسالة الأخيرة العصماء ؛ والسيرةُ في الأصل : الكتاب الكريم والسنة العطرة ؛ كما أن الأصل في المسلم أن يعرف جيداً - حقا وصدقا ؛ بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة -: النبي الذي يتبعه ، والرسول الذي يسير على خطاه ويلتزم هديه ويتقيد بطريقته ، وإنك لا تعرف رسول الله الخاتم -عليه السلام- إلا إذا عرفت الكتاب -القرآن الكريم والذكر الحكيم- الذي أُنزل عليه وحياً من ربه وبلغنا من خالقنا دون تحريف أو تعديل ، فهو المصدر الأول من المنهاج الرباني ؛ والمصدر الأول في التشريع الإلهي، فهو يعطي الخطوط الأساسية الواضحة كطريقة خاصة في حياة الإنسان وطراز خاص من عيش المرء ؛ أينما كان وفي أي زمان وعلى أي حال ، فهذه هي المعرفة الأولى ، أما الثانية فهي معرفة سنته -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن السنة النبوية؛ وهي المصدر الثاني من مصدري الوحي السماوي المُنزل بواسطة أمين السماء المَلَكِ جبريل -عليه السلام- على قلبِ أمينِ السماء والأرض محمد بن عبدالله؛ فهي المصدر الثاني من التشريع الرباني والمنهاج الإلهي ، فـالسنةُ النبويّة هي مجموع أقواله وأفعاله وصفاته وتقريراته ، وهي أيضا الخطوط الأساسية العريضة لمنهاج المسلم في الحياة .
والسيرة المحمدية تُمهد -وثائقياً- للإيمان بنبوته؛ فينعقد الإيمان في قلب من يؤمن به خاتما للأنبياء ويعتقد اعتقادا جازما برسالة آخر المبتعثين ويصدق تصديقا لا شك فيه بكل ما آتى به متمم المرسلين ؛ فيصير التعريف بالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مقدم على التعريف بالرسالة ، ولأن الإيمان بالرسول -عليه السلام- هو المقدمة الموطئة لتلقي هديه وسماع أمره وفهم طريقته ؛ وإذا لم يكن الأمر هكذا اضطرب الفهم وتعطل الإدراك فدخل الغريب في صلب عقيدةٍ الأصلُ فيها أن تكون بيضاء نقية لا لبس فيها ولا إيهام. ولا ابهام.. فالعقيدةُ لا تحتاج إلى كبير تأويل والإيمان لا يحتاج إلى عناء تفسير بل يجب أن تكون سهلة يدركها الجميع ويفهمها العامة قبل الخاصة صافية من الشوائب توافق الفطرة السوية البشرية وتتفق مع النزعة الأصلية الفطرية الآدمية فتقنع العقل تماما فيطمئن إليها القلب تصديقا وترتاح إليها النفس البشرية فتهدأ
[(23)] .

مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا-



واختلفَ السَّلَفُ في سنِّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حين نُبئ كم كانت ؟ .

فقال بعضهم: نُبئَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ما بنتْ قريش الكعبة بخمس سنين، وبعد ما تمت له من مولده أربعون سنة.
[(24)] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَلَغَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعَثَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا[(25)] بجنة عرضها السموات والأرض اعدت للمتقين المؤمنين... وهاديا للطائعين الذين يبحثون عن العقيدة الصحيحة... ونذيرا للعاصين والمنافقين والكافرين الذين يخالفون أمره ويعارضون ما ثبت عقلا ونقلا.
وابن القيم يوافق ابن إسحاق فيقول:" فِي مَبْعَثِهِ
[(26)] -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ[(27)] وَهِيَ سِنُّ الْكَمَالِ (!).
بيد أنه تم اعتماد هذه السن دون تأكيد لمصدرها فــ قِيلَ : وَلَهَا تُبْعَثُ الرُّسُلُ[(28)] .

قول العلماء :
لكن أثبت محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه
[(29)] :" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : « أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ „أَرْبَعِينَ”» ...
فـ التقط خيط الصحة للحديث وأحسن لضمه فقال العسقلاني في شرحه على البخاري :" وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ".
[(30)] .
ثم ذكر :" فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثُ أَنَسٍ بن مالك «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ عَلَى رَأْسِ „أَرْبَعِينَ”» ؛ كما ذكر الترمذي[(31)] .
حديث البخاري عن ابن عباس:" في سننه :" عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أنَسًا يَقُولُ ﴿... بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ „أَرْبَعِينَ” سَنَةً ﴾...
وقال أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ؛ ورواه مسلم في صحيحه ؛ باب المناقب فنصه :" بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً "
[(32)] .
فهذا ما قال به عبدالله بن عباس ؛ وأنس بن مالك وعُروة بن الزُّبَير.

وهناك عند الطبري يوجد حديث موضوع أعرضتُ عنه فلم اذكره.
[(34)] .
وشرحَ صاحب الأحوذي في :" ( بَابِ مَا جَاءَ فِي مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ كَمْ كَانَ حِينَ بُعِثَ )... ففصَّل فقال:" الْمَبْعَثُ : مِنَ الْبَعْثِ ، وَأَصْلُهُ الْإِثَارَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّوْجِيهِ فِي أَمْرٍ مَا رِسَالَةً ، أَوْ حَاجَةً "...
ثم يأتي بمثالٍ فيقول :" وَمِنْهُ بَعَثْتُ الْبَعِيرَ إِذَا أَثَرْتُهُ مِنْ مَكَانِهِ " ؛ ويكمل بمثال ثان:" وَبَعَثْتُ الْعَسْكَرَ إِذَا وَجَّهْتُهُمْ لِلْقِتَالِ " ، ويزيد المسألة وضوحاً وتبياناً فيقول :" وَبَعَثْتُ النَّائِمَ مِنْ نَوْمِهِ إِذَا أَيْقَظْتُهُ " ، ويختم صاحب الأحوذي مقالته :" وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِرْسَالُ ".
[(35)] .
ثم يؤكد صاحب الأحوذي وينهي البحث ؛ فيقول:" وَقَدْ أَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ حِيْنَ بُعِثَ ابْنَ „أَرْبَعِينَ” سَنَةً" .
ويوضح قَوْلَهُ : ( أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ) أَيِ : الْوَحْيُ ؛ ( وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ ) أَيْ : سَنَةً ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ وَحْيِ الْيَقَظَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
[(36)].
وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَامَ بِمَكَّةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا -يعني صاحب الأحوذي- أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ[(37)] ...
ولإكمال البحث مع التحقيق والتدقيق...
قَالَ آخَرُونَ: بَلْ نُبِّئَ حِينَ نُبِّئَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً.
[(38)]
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعِثَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَالصَّوَابُ أَرْبَعُونَ سَنَة كَمَا سَبَقَ ، وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ؛ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[(39)] .
وأنهي -بعد تفضله سبحانه وتعالى عليَّ وكرمه- هذا الفصل من المجلد الرابع بما ذهب إليه العسقلاني حين يقول في الفتح :" فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَكُونُ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ ".[(40)]
ويوجد استدرك عند ابن القيم الجوزية لهذا السن مقارنة بالسيد المسيح ابن مريم العذراء الزهراء البتول فيقول:" وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ[(41)] سَنَةً فَهَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَثَرٌ مُتَّصِلٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ . "...
فتوقفتُ عن البحث إذ ليس وراء التحديد فائدة شرعية ترتجى!..
تنبيه :
تتداول بعض العامة -جهلاً- مقولة أن المرء يفعل ما يشاء إلى أن يصل إلى سن الأربعين... ثم بعدها يتوب ويقلع عن ما اقترفه ؛ وهذه لا أصل لها معلوم في دين أو رأي ينسب إلى عالِم راسخ في العلم؛ فسن التكليف هو سن بلوغ الذكر مبلغ الرجال ؛ وسن التكليف للإناث إذا وصلن إلى مبلغ النساء. والإعتماد على قوله تعالى حين نطق القرآن الكريم بالقول :" {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} وَ" الشاهد :{ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}..{ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين}
[(42)] لا دليل عليه .
كَانَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ قَبْلَهُ -صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليهم أجمعين- بِالْإِيمَانِ بِهِ ، وَالتَّصْدِيقِ لَهُ ، وَالنَّصْرِ لَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَنْ آمَنْ بِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ ، فَأَدَّوْا مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ
[(43)] .
يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ﴾ [ أَيْ ثِقَلَ مَا حَمَّلْتُكُمْ مِنْ عَهْدِي ] ... ﴿ قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾[(44)] ... فَأَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ جَمِيعًا بِالتَّصْدِيقِ لَهُ ، وَالنَّصْرِ لَهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، وَأَدَّوْا ذَلِكَ إلَى مَنْ آمَنْ بِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ مِنْ أَهْلِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ[(45)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 23 / 11 / 2020 11 : 01 PM

《 يوم „ مبعثه ‟ 》
 
《 يوم „ مبعثه ‟ 》
بحوث الفصل الرابع:

《...زَمَانِ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم-
فصل:
يوم بعثته
تمهيد :
أركان الإسلام أو أعمدته التي يبنىٰ عليها كيان الدين الحنيف يجب أن تكون قطعية الثبوت ؛ ويجب -أيضا- أن تكون قطعية الدلالة ؛ فيجب أن تثبت هذه الأركان عند تلقيها والحديث عنها بطريق لا يتطرق إليه إرتياب أو شك ؛ وهذا ما سماه السادة العلماء قطعية الثبوت ؛ أي أنه وحي من قِبل الحاكم... أي صاحب الآمر ... ومالك النهي -سبحانه وتعالى- وتم التبليغ لكافة البشر -العامة من الناس قَبل أهل التخصص وأصحاب العلم الراسخ- بطريقة لا يتطرق إليه الشك أو الإرتياب ؛ إذ هي -أركان الإسلام ؛ وعقائده- الأساس الذي سيبنىٰ عليه الأحكام الشرعية العملية التفصيلية اليومية المتعلقة بالحياة الدنيا ، والتي قد لا يدرك كنهها العقل البشري المحدود والقاصر ولكن قد يسعىٰ العالِم لشرح حكمتها واستنباط دلالتها ، وتلك الأحكام المتعلقة بالحياة الآخرة ، بجانب القَصص القرآني ؛ فجميع قضايا الإيمان وكل مسائل العقيدة يجب أن تكون قطعية الثبوت... كما يجب أن تكون كل قضية بمفردها أو مسألة بعينها قطعية الدلالة... بمعنى أنها تدل علىٰ معنىٰ واحد لا يتعداه إلىٰ آخر ولا يصح أن يفهم أمر آخر ؛ أو أمر ثان... فيحدث التباس في الذهن أو تشويش في الفهم ؛ أو تداخل بين فهمين في قضية واحدة فتضيع عقيدة أو يهتز إيمان...
لذا فــ قضايا العقيدة أو موضوعات الإيمان يجب أن تكون قطعية الثبوت وقطعية الدلالة.
أما مسائل الأحكام الشرعية العملية اليومية التفصيلية للمسلم فيكفي فيها غلبة الظن ؛ أو ما يطلق عليه العلماء شبهة دليل ؛ فــ كثير من النصوص الشرعية -سواء آيات من الذكر الحكيم أو أحاديث نبوية- قد تحتمل آكثر من معنى-كــ آية :"أو لامستم (وفي قراءة :"لمستم") النساء"- وهنا يأتي صاحب العلم الراسخ في العلوم اللُغوية والعلوم الشرعية ليستنبط حكما شرعيا في المسألة المبحوثة... ويذهب إلى ما لم يذهب إليه العالِم الآخر الراسخ في العلوم الشرعية واللُغوية... والممارس لتبيين الأحكام الشرعية العملية يجد فناً فقهيا تحت مسمىٰ "الفقه المقارن" ، كما نجد بحوث "آيات الأحكام" وبحوث "أحاديث الأحكام" ؛ فالواقع الفقهي يُظهر بوضوح وجود مذاهب... مثل مذهب النعمان بن ثابت -أبي حنيفة- ؛ ومذهب مالك بن أنس ؛ ومذهب محمد بن إدريس الشافعي ؛ ومذهب أحمد بن حنبل... وعلماء كثر -رحمهم الله تعالى جميعاً-... فهم بحثوا في المسائل الفقهية العملية .
إذاً هناك مسألتان لكل منهما أدلتها... فــ
أولاً : مسائل العقيدة وقضايا الإيمان... وهذه أدلتها قطعية الثبوت قطعية الدلالة... و
ثانياً : مسائل الأحكام الشرعية العملية اليومية التفصيلية في حياة المسلم...
**
عزيزيــ(ــتي) القارئــ(ـة) !
مازلتُ أبحث مقدمات النبوة الخاتمة لرسالة السماء الآخيرة... والحديث مازال متصل عن ارهاصات نبوة خاتم المرسلين وآخر المبتعثين وإمام الأنبياء والمتقين محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وآله وسلم.
والثابت بعثة الرسول محمد... سواء جاء الإخبار عنها علىٰ لسان السادة الأنبياء ؛ مثل :
- دعاء أبي الأنبياء الخليل إبراهيم وابنه -الذبيح ابن هاجر المصرية- النبي إسماعيل أو
- بشارة ابن العذراء البتول الزهراء مريم بنت عمران -المعجزة في الخلق والتكوين والإيجاد والتصوير: عيسى ابن مريم- ؛ أو من خلال بشارات :
- الكتب السماوية السابقة أو كما ذكرتُ من بعض
- الكتب الدينية عند بعض الأقوام...
و
الثابت -أيضا- أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- بُعث بكتاب سماوي (كلام الله تعالىٰ) تحدىٰ به الإنس والجن أن يأتوا بمثله ، فما استطاعوا ومازال التحدي قائم حتىٰ يرث الله -تعالى- الأرض ومن عليها... و
الثابت أنه -عليه السلام- أوتي القرآن ومثله معه ؛ فصار المسلم لديه بين يديه قرآنا يتلىٰ وهو منهاج حياة ؛ وطريقة معينة في العيش بغض النظر عن مكان الإنسان وزمانه وأيضا لديه سنة -طريقة- نبوية عطره وهي سلوك عملي وكيفية معينة في الحياة... وهما -القرآن الحكيم والسنة النبوية المحمدية- مصدرا التشريع لحياة المسلم ومصدرا المنهجية الحياتية...
**
والحديث عن بحوث《...زَمَانِ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم- وبعض المسائل ؛ مثل:《...الدين الذي كان عليه قبل الرسالة..》و《...بدء الوحي..》و《...سنه عند التبليغ..》و《...يوم بعثته..》تجد فيها أقوال متقاربة وليست متعارضة ؛ وهذا يحتاج مني- بحسن معونته سبحانه وتعالى وتمام توفيقه وكامله – أن أفرد في نهاية البحوث فصول حول الشبهات التي اثارها البعض ؛ إما طعناً في الدين وبعض إحكامه -ومازالت تتردد على ألسنة النقلة وأقلام الجهلة- أو طعنا بمن أرسل به للعالمين بشيرا وهاديا ونذيراً ، ويكفي الرد على تلك الخزعبلات والأوهام قوله تعالىٰ علوا كبيرا حين نطق القرآن يقول :" . أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
[(48)] "... والمعنىٰ صريح في كل النصوص القرآنية والآيات الرحمانية ؛ فيتبقىٰ أحاديث المصطفىٰ وأقوال المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ فنطق القرآن قائلاً وإننا نسمع تمام الآيات تقول : ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ﴾ [(49)].
بيد أنه توجد بعض تفصيلات... كما جاء في حديث عند مسلم في صحيحه : " وَ... عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ « كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ ». فَـ
قَالَ « مَا كُنْتُ أَحْسِبُ مِثْلَكَ مِنْ قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَاكَ
».[(50)]
والشاهد من الحديث في بعض الأمور الفرعية والنقاط التفصيلية القول :
قَالَ قُلْتُ « إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ النَّاسَ فَــ :„ اخْتَلَفُوا ‟ عَلَيَّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ »
[(51)] .
**
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ قَالَ : « إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ »
والشاهد من الحديث: « وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ »
[(52)].
وبوَّب ابن خزيمة في صحيحه : كتاب الصوم؛ جماع أبواب صوم التطوع؛ بَابُ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِذِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ، وَفِيهِ أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَفِيهِ مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " [(53)]. فجعل يوم المولد مثل يوم أوحي إليه فيه واليوم الذي مات فيه صلوات الله تعالى عليه وسلاماته وبركاته وتنعيماته.
والحديث مروي مرة عن عمر-رضي الله عنه ومرة عن رجل دون ذكر اسمه :
" عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ؟ قَالَ : « يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ ، وَيَوْمٌ أَمُوتُ فِيهِ
» [(54)] هَذَا حَدِيثُ قَتَادَةَ.
وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُذْكَرْ عُمَرَ ، وَقَالَ : « فِيهِ وُلِدْتُ ، وَفِيهِ أُوحِيَ إِلَيَّ »
[(55)].
وذكر ابن كثير في البداية :" وَقَدْ كَانَ نُزُولُ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَهِيَ : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ وَهِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا قَرَّرْنَا [ابن كثير في البداية] ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " ، وَكَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، فَقَالَ : « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ » .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وُلِدَ نَبِيُّكُمْ مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَنُبِّئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ".
[(56)] وَهَكَذَا قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، أُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ .[(57)].
ثُمَّ قِيلَ :
كَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ أَنَّهُ وُلِدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَفِيهِ بُعِثَ ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ . وَ
الْمَشْهُورُ [ كما قال صاحب البداية] :" أَنَّهُ بُعِثَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا
[(58)].
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾ [(59)] فَقِيلَ : فِي ثَانِي عَشْرِهِ . وَ
رَوَى الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ
. [(60)]
وَقِيلَ : فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لَسْتٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ . وَ
رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ " عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ
[(61)]
قَالَ [(62)]: قَوْلُ الْبُخَارِيِّ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَكَانَ النُّزُولُ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَ
قِيلَ: لِتِسْعٍ، وَ
قِيلَ: لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَ
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ،
وَ
عِنْدَ الْمَسْعُودِيِّ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَ
عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: ابْتِدَاءُ التَّنْزِيلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَعُمْرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ تَاسِعُ شُبَاطَ لِسَبْعِ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا مِنْ سِنِي ذِي الْقَرْنَيْنِ،
ونقرأ :" فجاء أمينُ الوحي الرسولَ -صلى الله عليه وآله وسلم- لأول مرة في يوم الإثنين ؛ الحادي والعشرين [٢١] من شهر رمضان من العام الأربعين لميلاده بينما كان يتحنث بغار حراء ".
واختلف العلماء في تحديد تاريخ ذلك اليوم ، ورحج المباركفوري في الرحيق أنه اليوم الحادي والعشرون ... وهو ما لم يقل به غيره ؛ حسب علمي المحدود."[(
63)] وَ
قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ : يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْفِيلِ، وَ
قِيلَ: فِي أَوَّلِ رَبِيعٍ، وَ
فِي (تَارِيخِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْفَسَوِيِّ): عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَ
عَنْ مَكْحُولٍ: أُوحِيَ إِلَيْهِ بَعْدَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالدُّولَابِيُّ فِي (تَارِيخِهِ): نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَ
عِنْدَ الْحَاكِمِ مُصَحَّحًا: إِنَّ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُكِّلَ بِهِ أَوَّلًا ثَلَاثَ سِنِينَ قَبْلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَاقِدِيُّ وَقَالَ: أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ وُكِّلَ بِهِ غَيْرُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَزَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُكِّلَ بِهِ تَدَرُّبًا وَتَدْرِيجًا لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا كَانَ أَوَّلَ نُبُوَّتِهِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ.
[(64)]
والأمانةُ العلمية الزمتني عرض ما قيل!!.. أما



* . ] خلاصة البحث:

فـ أعتمد أن أولَ ما بدء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ؛ فعلى رأس الأربعين
[(65)] في اليوم الموفي الثاني عشر من ربيع الأول يوم الإثنين [(66)] بينما هو نائم إذ اتاه جبريل بنمط من ديباج مكتوب فيه { اقرأ باسم ربك الذي خلق } إلى قوله {ما لم يعلم} .
ونكمل هذه المسألة في فصل مستقل تحت عنوان:" أول ما نزل من القرآن الكريم علىٰ قلب النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٤. ] بحوث المجلد الرابع: 《...زَمَانُ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم-
مقدمة الرسالة المحمَّدية وارهاصات البعثة الأحمَّدية.
تشرف بمراجعة وقراءة وكتابة هذا الفصل من المجلد الرابع :
د. مُحَمَّدٌ الرَّمَادِيُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 09 / 12 / 2020 30 : 08 PM

أَوَّلِ « „مَانَزَلَ عَلَيْه‟ » -صلى الله عليه وسلم-
 
أَوَّلِ « مَا نَزَلَ عَلَيْه »
-صلى الله عليه وسلم-





تمهيدٌ لـــ معرفة أول ما نزل...

التعبير عن تلقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للقرآن بنزوله عليه.. يشعر بقوة يلمسها المرء في تصور كل هبوط من أعلىٰ . ذٰلك لعلو منزلة القرآن وعظمة تعاليمه التي حولت مجرىٰ حياة البشرية وأحدثت فيها تغيرا ربط السماء بالأرض ، ووصل الدنيا بالآخرة ، ومعرفة تاريخ التشريع الإسلامي من مصدره الأول والأصيل -وهو القرآن الكريم.. الذكر الحكيم- تعطي الدارس صورة عن الانتقال [وليس التدرج؛ كما يقرأ في أدبيات بعضهم(!)] في الأحكام ومناسبة كل حكم للحالة التي نزل فيها دون تعارض بين السابق واللاحق ، وقد تناول هذا أول ما نزل من القرآن على الإطلاق وآخر ما نزل على الإطلاق ، كما تناول أول ما نزل وآخر ما نزل في كل تشريع من تعاليم الإسلام ، كالأطعمة ، والأشربة ، والقتال... ونحو ذلك . وللعلماء في أول ما نزل من القرآن على الإطلاق ، وآخر ما نزل كذلك أقوال ...". [(67)]
ومبحث :" نزول القرآن:" مهم في علوم القرآن بل هو أهم مباحثه جميعاً لأن العلم بنزول القرآن أساس للإيمان بالقرآن وأنه كلام الله وأساس للتصديق بنبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأن الإسلامَ حقٌ ثم هو أصل لسائر المباحث في علوم القرآن.. فلا جرم أن يتصدرها جمعاء ليكون مِن تقريره وتحقيقه سبيل إلىٰ تقريرها وتحقيقها.. وإلا فكيف يقوم البناء علىٰ غير أساس ودعائم ولأجل الإحاطة بهذا المطلب العزيز يجب الــ -تكلم- إن شاء الله علىٰ معنىٰ نزول القرآن ثم علىٰ مرات هذا النزول ودليل كل نزول وكيفيته وحكمته ثم علىٰ الوحي وأدلته العقلية والعلمية مع دفع الشبهات الواردة في ذلك المقام"...
... هذا ما خطه بيمينه الشيخ الأستاذ المعلم محمد عبدالعظيم الزُرقاني في عام 1943م...
و
قلتُ (الرمادي) :وهذه البحوث -على أهميتها- ستخرجنا إلىٰ بحوث علوم القرآن ؛ الحديث هنا عن فرع واحد فقط منها لذا أحيلُ القارئ -تفضلا وتكرماً- إلىٰ مصادر هامة -لمن أراد المزيد- إلىٰ ما كتبه الزركشي أو السيوطي.
-*-*-
مبحث فِي مَبْعَثِهِ[(68)] -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ - وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ:
بَعَثَهُ اللَّهُ -سبحانه في علاه وعلا في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ رَأْسِ أَرْبَعِينَ[(69)]وَهِيَ سِنُّ الْكَمَالِ(!) . وَ
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ :" الرُّؤْيَا " ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. [(70)]



قِيلَ : وَكَانَ ذَلِكَ سِتَّةَ[(71)] أَشْهُرٍ ، وَمُدَّةُ النُّبُوَّةِ[(72)] ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً[(73)]، فَهَذِهِ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقلت (الرمادي) هذه المسألة تحتاج إلى إعادة نظر وبحث!!.



ثُمَّ
أَكْرَمَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالنُّبُوَّةِ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ وَهُوَ بِغَارِ حِرَاءٍ، وَكَانَ يُحِبُّ الْخَلْوَةَ فِيهِ...
وأتوقف قليلاً لإثبات حال يحتاج إلىٰ إلقاء اضواء عليه :
١ .] الحال الأول :" قَدْ كَانَ نَبِيُّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يَرَى ضَوْءًا وَيَسْمَعُ صَوْتًا ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَتُنَادِيهِ بِالنُّبُوَّةِ ، وَهَذِهِ أُمُورٌ ابْتُدِئَ بِهَا تَدْرِيجِيًّا لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنُّبُوَّةِ ، وَاسْتِلْطَافًا لَهُ ؛ لِئَلَّا يَفْجَأَهُ صَرِيحُ الْوَحْيِ ،وَيَبْغَتَهُ الْمَلَكُ ، فَلَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ قُوَّتُهُ الْبَشَرِيَّةُ ."[(74)]
٢ . ] الحال الثاني :" السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ أَكْثَرُ إِيجَازًا ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا هُمْ أَبْلَغُ الْعَرَبِ وَأَفْصَحُهُمْ ، وَعَلَىٰ الْإِيجَازِ مَدَارُ الْبَلَاغَةِ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ إِنَّ مُعْظَمَهَا تَنْبِيهَاتٌ وَزَوَاجِرُ وَبَيَانٌ لِأُصُولِ الدِّينِ بِالْإِجْمَالِ .
٢ . ١. ] أُسْلُوبُ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ: إِنَّ أَكْثَرَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ - لَا سِيَّمَا - الْمُنَزَّلَةُ فِي أَوَائِلِ الْبِعْثَةِ قَوَارِعُ تَصُخُّ الْجَنَانَ ، وَتَصْدَعُ الْوِجْدَانَ ، وَتُفْزِعُ الْقُلُوبَ إِلَىٰ اسْتِشْعَارِ الْخَوْفِ ،وَتَدُعُّ الْعُقُولَ إِلَىٰ إِطَالَةِ الْفِكْرِ فِي الْخَطْبَيْنِ الْغَائِبِ وَالْعَتِيدِ ، وَالْخَطَرَيْنِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، وَهُمَا عَذَابُ الدُّنْيَا بِالْإِبَادَةِ وَالِاسْتِئْصَالِ ، أَوِ الْفَتْحُ الذَّاهِبُ بِالِاسْتِقْلَالِ ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ وَهُوَ أَشَدُّ وَأَقْوَىٰ ، وَأَنْكَىٰ وَأَخْزَىٰ - بِكُلٍّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ أَنْذَرَتِ السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ إِذْ أَصَرُّوا عَلَىٰ شِرْكِهِمْ ، وَلَمْ يَرْجِعُوا بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ عَنْ ضَلَالِهِمْ وَإِفْكِهِمْ ، وَيَأْخُذُوا بِتِلْكَ الْأُصُولِ الْمُجْمَلَةِ ، الَّتِي هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ، وَلَيْسَتْ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُنْكِرُهُ الْعَقْلُ ، أَوْ يَسْتَثْقِلُهُ الطَّبْعُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَقْلِيدُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ ، يَصْرِفُ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ . رَاجِعْ تِلْكَ السُّوَرَ الْعَزِيزَةَ ، وَلَا سِيَّمَا قِصَارُ الْمُفَصَّلِ مِنْهَا كَـ
( الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) ، وَ
( الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ ) ، وَ
( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) ، وَ
( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) ، وَ
( إِذَا السَّمَاءُانْفَطَرَتْ ) ، وَ ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ، وَ
( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) ،
( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) ، ( وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ) ، ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) .[(75)]
تِلْكَ السُّوَرُ الَّتِي كَانَتْ بِنَذْرِهَا ، وَفَهْمِ الْقَوْمِ لِبَلَاغَتِهَا وَعِبَرِهَا ، وَتَفَزُّعِهِمْ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، حَتَّىٰ يَفِرُّوا مِنَ الدَّاعِي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَانٍ إِلَىٰ مَكَانٍ ( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)[(76)]- ( أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَايُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )[(77)] ثُمَّ إِلَىٰ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ الطِّوَالِ ، فَلَا نَجِدُهَا تَخْرُجُ فِي الْأَوَامِرِوَالنَّوَاهِي عَنْ حَدِّ الْإِجْمَالِ ، كَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) [(78)] ، وَقَوْلِهِ بَعْدَ إِبَاحَةِ الزِّينَةِ وَإِنْكَارِ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَىٰ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) "[(79)]
... فَأَوَّلُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [(80)] هَذَا قَوْلُ -أم المؤمنين ؛ زوج النبي؛ بنت أبي بكر الصديق- عائشة[(81)] وَالْجُمْهُورِ[(82)] .
وَهَذَا أَوَّلُ مُصْحَفِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جَعَلَ فِي أَوَّلِهِ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ).[(83)]
بيد أنه قَدْ جَاءَ مَا يُعَارِضُ هَذَا ، فَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ جَابِرٍ -بن عبدالله- : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ... ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )[(84)]
وَ
الصَّحِيحُ قَوْلُ عائشة لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ :مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا .
الثَّانِي : الْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي التَّرْتِيبِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ ، فَإِنَّهُ إِذَا قَرَأَ فِي نَفْسِهِ أُنْذِرَ بِمَا قَرَأَهُ ، فَأَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَوَّلًا ، ثُمَّ بِالْإِنْذَارِ بِمَا قَرَأَهُ ثَانِيًا[(85)].
الثَّالِثُ : أَنَّ حَدِيثَ جابر[(86)]، وَقَوْلَهُ : أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)[(87)]-هذا- قَوْلُ جابر[(88)] ، وعائشة أَخْبَرَتْ عَنْ خَبَرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ[(89)]
الرَّابِعُ : أَنَّ حَدِيثَ جابر الَّذِي احْتَجَّ بِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ نُزُولُ الْمَلَكِ عَلَيْهِ أَوَّلًا قَبْلَ نُزُولِ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )[(90)] فَإِنَّهُ قَالَ :فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ ، فَرَجَعْتُ إِلَىٰ أَهْلِي فَقُلْتُ : " زَمِّلُونِي... دَثِّرُونِي " ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي جَاءَهُ بِحِرَاءٍ أَنْزَلَ عَلَيْهِ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) فَدَلَّ حَدِيثُ جابر عَلَىٰ تَأَخُّرِ نُزُولِ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ لَا فِي رَأْيِهِ[(91)] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
و
نتمم البحث بما :"ذَكَرَه الْحَافِظُ السَّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ... إذ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ فِي أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ:
أَحَدُهَا : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ( 96 ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
ثَانِيهَا: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ( 74 ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ.
وَجَمَعُوا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَىٰ الْإِطْلَاقِ ،وَهُوَ صَدْرُ سُورَةِ اقْرَأْ . وَالثَّانِي أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِتَمَامِهَا ،
أَوِ
الثَّانِي أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ آمِرًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ . وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي" الْإِتْقَانِ".
ثَالِثُهَا : سُورَةُالْفَاتِحَةِ ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ : ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ إِلَىٰ أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ ( اقْرَأْ ) وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَىٰ أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ( قَالَ السُّيُوطِيُّ ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْأَوَّلُ . وَأَمَّا الَّذِي نَسَبَهُ إِلَىٰ الْأَكْثَرِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا عَدَدٌ أَقَلُّ مِنَ الْقَلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَىٰ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ . وَحُجَّتُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلَائِلِ " وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِخَدِيجَةَ:" إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً ، فَقَدْ وَاللَّهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا " .
فَقَالَتْ : " مَعَاذَ اللَّهِ ، مَا كَانَ اللَّهُ لِيَفْعَلَ بِكَ ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ" - ...
وَ
فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخْبَرَ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ بِذَلِكَ ، وَأَنَّ وَرَقَةً أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَثْبُتَ وَيَسْمَعَ النِّدَاءَ ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَلَا نَادَاهُ - أَيِ الْمَلَكُ - " يَا مُحَمَّدُ قُلْ : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)- حَتَّى بَلَغَ - ( وَلَا الضَّالِّينَ ) ... قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْحَدِيثِ : " هَذَا مُرْسَلٌ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، وَنَقَلَ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ احْتِمَالَ أَنَّ هَذَا بَعْدَ نُزُولِ صَدْرِ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ).



هَذَا - وَأَمَّا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ -محمد عبده- فَقَدْ رَجَّحَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَىٰ الْإِطْلَاقِ ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ )... واستدرك صاحب المنار بالقول :" وَنَزَعَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَىٰ ذَلِكَ مَنْزَعًا غَرِيبًا فِي حِكْمَةِ الْقُرْآنِ وَفِقْهِ الدِّينِ فَقَالَ مَا مِثَالُهُ ... ".[(92)]
وقد بحثتُ المسألة هذه في فصل:" مرحلة النبوة ".[علىٰ صفحات موقع :" أهل العلم " فالرجاء مع الشكر مراجعته]. فالرجاء يراجع في موضعه.. والحمد لله رب العالمين!. "
-*-*-
ثم
وجدتُ مَن حاول -يائسا- أن يطعن في المسألة؛ ويبخر حولها ؛ لذا رايتُ -ومِن الله تعالىٰ ذكره- التوفيق والصلاح أن أجعل هذه المسألة ضمن شبهات حول القرآن العظيم والذكر الحكيم ؛ وهو ملحق في نهاية البحوث... فاللهم نرجو منك في علاك التوفيق والهداية.
-*-*-
وثبت في صحيح الإمامين البخاري ومسلم “ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوَحْيِ : الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ . ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ أُولَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ...حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ،فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : اقْرَأْ ، قَالَ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . قَالَ :فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ،فَقَالَ : اقْرَأْ . فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ،فَقَالَ : اقْرَأْ ، فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [(93)] . فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ، فَقَالَ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي . فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ : أَيْ خَدِيجَةُ ! مَا لِي ؟ .. وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ ، فَقَالَ :لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : كَلَّا ! أَبْشِرْ ، فَوَاللَّهِ ! لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا . وَاللَّهِ ! إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ .فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى- وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ ، وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ - ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : أَيْ عَمِّ ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ . قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ : يَا ابْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَ مَا رَآهُ ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ وَرَقَةُ : نَعَمْ ! لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا[(94)] .
وَفِي رِوَايَةٍ : فَوَاللَّهِ! لَا يُحْزِنُكَ اللَّهُ أَبَدًا. ”
وعليه فـــ :" أَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )، وَيَدُلُّ عَلَيْهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا"[(94)].وقد ذكرتُ قولها قريباً...
و
أختم هذا البحث بمقدمات في مسائل أول ما نزل من القرآن
قاعدة البحث في مسائل أوّل مانزل:
فقال محمد بن عبدالعظيم الزُرقاني (ت: 1367هـ): ( مدار هذا المبحث علىٰ النقل والتوقيف. ولا مجال للعقل فيه إلا بالترجيح بين الأدلة أو الجمع بينها فيما ظاهره التعارض منها[(95)]
وذكر الإمام عبدالله بن محمد بن أبي شيبة: في مصنفه قولاً واحداً " عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ :" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ " ، ثُمَّ نُونٌ .
كما ذكر ابن أبي شيبة قولا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ ثُمَّ نُونٌ.
وذكر عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: أَخَذْت مِنْ أَبِي مُوسَى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ وَهِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . [(96)] ".
-*-*-*-*-*-*-
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة الرسالة المحمَّدية وارهاصات البعثةالأحمَّدية :
٤. ] بحوث المجلد الرابع: ...زَمَانُ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..-صلى الله عليه وآله وسلم -
تشرف بمراجعة وقراءة وكتابة هذا الفصل من المجلد الرابع :
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
المراجع والمصادر والهوامش تجدها في نهاية البحوث؛ إن شاء الله تعالىٰ



دكتور محمد فخر الدين الرمادي 29 / 12 / 2020 31 : 08 PM

[ ٧٣ ] : " بدايات ﴿ „ البعثة المحمدية ”﴾
 

  • [ ٧٣ ] : " بدايات ﴿ البعثة المحمدية
    تمهيد :
    بعد أن عشنا - سوياً : أنت كمتابع وناقد ؛ وأنا كباحث وكاتب - في الصفحات النيرات السابقات عن بدايات السيرة المحمدية العطرة منذ أن حُرِّرَت في يوم الإثنين ١٨ ربيع الأول ١٤٣٩ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٦ من شهر ديسمبر عام ٢٠١٧ من الميلاد العجيب للسيد المسيح عيسى ابن مريم العذراء الزهراء البتول -عليهما السلام- [(97)]. فنشرت علىٰ موقع أهل العلم...
خلال تلك الفترة الزمنية عشنا مع تلك الصفحات التي كتبت بحروف مِن ذهب علىٰ صفائح من الفضة : عشنا مع :
- مقدمات ؛ و
- ارهاصات مجئ خاتم الأنبياء ؛ و
- قدوم آخر المرسلين منذ عهد أبي البشر وأول الأنبياء سيدنا آدم -عليه السلام- مروراً بأبي الأنبياء الخليل وصولا إلىٰ الرسول المعجزة ابن مريم العذراء الزهراء البتول -عليهم الصلاة والسلام-...
ثم
- تحقيق نسب هذا النبي المنتظر ، فــ
- ميلاده الكريم المرتقب ، فــ
- أخبار زمن طفولته ، فــ
- أحداث أيام شبابه ... فــ
- سنوات حياته قبل البعثة الهادية لأفضل السبل والرسالة الخالدة لإصلاح حال البشرية ؛ والتي نوَّر الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- بمنهاجها الصالح دروب الإنسانية في كل زمان ومكان ، وتأصيل طراز حياتها الموافق لبني آدم وبناته عبر الدهور والأزمان ...

-**-
وما نُشِرَ هي قراءتي الأولىٰ لجزء تمهيدي أساسي مع تلك الرحلة الضرورية ، وهي فصلٌ أصيل جوهري من السيرة المحمدية العطرة -وبالقطع - يحتاج هذا الفصل لإعادة مراجعة مع تدقيق وتحقيق ؛ ولربما إضافة وإعادة تحرير مع توثيق ؛ فكما جرىٰ العرف عند الكُتَّاب - وإني دونهم - فهم يقولون عن باكورة عملهم أنه (الطبعة الأولىٰ) ؛ وفي حالتنا : (النَشر الأول ) لبحوث السيرة النبوية العطرة ؛ وقد تكرم مدير (موقع أهل العلم ) بتثبيت الصفحة ... فجزاه الله -تعالى- عني كل الخير الجزيل وحفظه وأهله من الوباء اللعين وأطال في عمره لنفع الأمة الإسلامية...
والغالب.. إذا أُكرمت ببعض الوقت في عمري -رغبة مني- فالأجل بيده وحده -سبحانه وتعالى- ... أقول : الغالب أن يتم إعادة قراءة ما خطته يميني ، إما لتصحيح أخطاء في الفهم أو سوء إدراك لحدث أو عدم دقة في ترتيب الأبواب وحسن السرد أو حجبت معلومة أو فكرة غابت عند النظر والإستدلال أو خلط في إعمال الفكر إثناء التحضير الأول ... أو أخطاء في كتابة الجملة أو خطأ في النحو أو فساد في البلاغة ، ثم تأتي خطوة هامة - أريدها - وهي القيام بترجمة البحوث للُغة دولة جمهورية الالب التي يرويها الدانوب الأزرق نهار مساء والتي بدأت منها بذور كتابة السيرة النبوية العطرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِوَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً- ...
*-*--
قلتُ(الرمادي) عشنا مع مقدمات وارهاصات مجئ نبي آخر الزمان .. وسوف نتعايش - منذ الأن وصاعدا - مقدمات وبدايات أحداث البعثة المحمدية الخاتمة لرسالة السماء إلىٰ البشرية جمعاء ... .
ثم ... سنتواجد تعايشا وعلما وارجو أن يكون سلوكا وتطبيقا مع مراحل البعثة المحمدية الأساسية والمحورية أو ما أُطلق عليه :
- بـ العهد المكي ومفاصله المتممة له وإنتقاله من دور إلى دور آخر ؛ ومن محور إلى محور و
- العهد المدنية وأحداثه ؛ ثم
- مرحلة إنشاء الكيان - المجتمع - الإسلامي الأول و
- كيفية الإنتقال بين مفاصل المرحلة الأولى إلى الثانية فالثالثة إنتقالا سلسا مع إلقاء اضواء على المحاور ثم
- إحكام الروابط المفصلية خلال كل فترة إنزال الوحي وحياة وعمر البعثة المحمدية وسنين الرسالة الأحمدية لننتقل إلى كيفية بناء صرح الكيان - المجتمع - الإسلامي الأول بمدينته المنورة ...
وهذه المراحل وتلك المحاور والمفاصل غابت أو كادت تغيب عن مَن تقدم ببرنامج إصلاح إما سهوا وإما جهلا ... وصار الإسلام عند الغالبية طقوسا كهنوتية وشعائر روحية ومناسبات سنوية!!.



تنبيه:

وهنا ينبغي أن اركز على ملاحظة ألا وهي :
مرت الأمة الإسلامية في كافة عصورها بمراحل ضعف وفي بعض أزمانها بفترات إنكسار ولكنها ظلت باقية لأنها كانت واعية وعيا إدراكيا كاملا ومتمسكة بـ ﴿ „ أساس ”﴾ وجودها و ﴿ „ جوهر ”﴾ قيامها و ﴿ „ عماد ”﴾ كيانها و ﴿ „ عمود ”﴾ حامل فسطاطها ألا وهو الكلمة التي رفضت صناديد قريش وكبراؤها- في بدايات مرحلة الفترة المكية من الرسالة المحمدية والبعثة الأحمدية - أمام أبي طالب في بيته وهو على فراش مرضه أن يتفوهوا بها ؛ وهي الكلمة التي عبَّر عنها الرسول الكريم بقوله ﴿ „ تدين بها العرب لقريش ”﴾ و ﴿ „ بها تدفع العجم الجزية لهم”﴾ [(98)] ... وهذا تعبير محمدي بليغ يضرب على وتر حساس عند القوم يخاطب به ما تَمَلَك في صميم قلب قبيلة قريش من حب السيادة ... فهم سادة مكة وكبراؤها والتي قابع في حضنها البيت الحرام ... وهم - وهي الثانية - يخاطب الذين يملكون المال برحلة الشتاء ورحلة الصيف والتي ذكرهما القرآن الكريم ؛ فهم رفضوا قول ﴿ „ لا إله الا الله ”﴾ [(99)] وهي توأم كلمة الشهادة ... بمعنى أن الآمر -سبحانه-والناهي -تعالى- هو منزل وحي السماء إذ يأتي بعدها ﴿ „ محمد رسول الله ”﴾ [(100)] .... فتمتزجا معا بقوله : ﴿ „يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ”﴾ ﴿ „ أَطِيعُواْ اللّهَ ”﴾ ﴿ „ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ”﴾ [(101)] خاطب الرسول الكريم مَن استحوذ على المُلك وبيده السيادة كما خاطب النبي الأعظم مَن يملكون المال وبأيديهم الجاه... فرفضوا ﴿ „وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ”﴾ ﴿ „ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّاب ”﴾ ... ثم تساءلوا فقالوا : ﴿ „ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ”﴾ ثم تعجبوا فنظر بعضهم لبعض وهم يقولون ﴿ „ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب ”﴾ [(102)]







... ندخل العام الثاني عشر[(103)] ١٢ ق. هـ. قبل الهجرة المباركة ليثرب والتي سُميت بمدينته المنورة التي طيَّب الله - تعالى - ثراها بمرقده في غرفة السيدة صاحبة الفقة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بجوار صاحبيه ؛ وزيره الأول - الصديق - عبدالله بن ابي قحافة .. والثاني - الفاروق - عمر بن الخطاب العدوي في الأرض[(104)] ؛ وخليفته الأول والثاني[(105)] رضي الله تعالى عنهم أجمعين- في إدارة إصلاح الأمة وصلاح شؤون الكيان - المجتمع - الإسلامي الثاني[(106)] بعد إنتقاله [ﷺ] إلى الرفيق الأعلى وهو العام الموافق ٦١٠ من الميلاد العجيب للسيد المسيح عيسى ابن العذراء الزهراء البتول مريم أبنت عمران -عليهما السلام [(107)]





-*-*-









(*) منذ أكثر من [1440*١٤٤٠] عاماً حان قدوم بعثة رسول ومجئ رسالة نبي هو دعوة[(108)] أبي الأنبياء الخليل إبراهيم وابنه الذبيح إسماعيل مِن هاجر[(109)]-عليهم سلام الله وبركاته ورحماته- المِصرية ابنة سلالة الملوك...
(*) وآن مجئ رسول عَلمَ أهل الكتاب مِن أحبار اليهود[(110)] بقرب بزوغ فجر رسالته ... وكانوا ينتظرونه ...
(*) وبشر[(111)]برسالته كلمةُ الله وروح منه ورسوله المعجزة 《 المسيح عيسى ابن مريم أبنت عمران الزهراء العذراء البتول -عليهما من الله تعالى السلام- ؛ فقال رهبان النصارى[(112)] بما قال به سيدهم ... 《 .. ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وتقرأ هذا في مواضع[(113)] متعددة ومتفرقة من اسفار الإنجيل ؛ العهد الجديد ؛ وخاصة في إنجيل برنابا[(114)] ؛ وهو غير معترف به.
(*) وأخبر كهان العرب[(115)] بما لديهم من قرين ينقل لهم أخبار ؛ كما جاء في العديد من المصادر الدينية السماوية أو الوضعية الأرضية[(116)]...
(*) في هذا المناخ العام بما فيه ؛ وفي هذا الوسط العقائدي والديني والفكري والإجتماعي والسياسي والاقتصادي انتظر الناس قدومه 《 صلى الله عليه وآله وسلم؛ بيد أنه لم يكن التهيؤ لرسالته ؛ والاستعداد لنبوته ؛ والتأهيل لبعثته بالقدر الكافي الذي سيسهل مهمته السماوية...
(*) فعرب الجزيرة ركنوا لعبادة الأوثان .. واسترحام الأصنام ؛ وإن كانوا يدعون أنهم على بقايا دين الخليل إبراهيم - عليه السلام -؛ وقد يبدو المشهد العام كأنه خليط من العادات المتوارثة والأفكار الفاسدة والتقاليد البالية مُزجت برغبات دونية لبشر أهمهم إشباع جوعة البطن وجوعة الفرج وإشباع حاجاتهم الغريزية...
(*) واليهود- خاصةً أحبارهم - صدموا بأن الذي جاء ليس من نسل موسىٰ فضاعت عليهم النبوة ؛ كما أنه ليس من نسل أخيه هارون فضاع عليهم المُلك[(117)] ، وهما - النبوة والمُلك -لهما بريق الذهب الخالص في أعين الناس فيقتل الأخ أخاه ويستولي الابن على ميراث ابيه...
(*) علماء النصارى وأحبارهم علموا بمجيئه ؛ فتسمع ما حدث في الحبشة زمن حكم النجاشي[(118)]... ثم تسمع ما قاله القس ورقة بن نوفل[(119)]...
(*) مايهم هنا شهادة أهل العلم ورجال التخصص :
(*) فقد تكلم مَن تبحر في النصرانية وعلم بكتابها فتمكن من ترجمة النص من لغته الأم إلى لغة العرب[(120)]...
استمع إليه 《 ورقة بن نوفل ماذا قال!!؟.
(*) بيد أن هذا المشهد يتطلب مقدمة:
(*) فـمِنْ مُعْجِزَاتِهِ 《 * الْأُوَلِ "..نقرأ حين يخبرنا أنه [ﷺ] كان الحجر والشجر يسلم عليه ...
- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: " عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ ، وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ ، كَانَ إذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ حَتَّى تَحَسَّرَ عَنْهُ الْبُيُوتُ وَيُفْضِي إلَى شِعَابِ مَكَّةَ وَبُطُونِ أَوْدِيَتِهَا ، فَلَا يَمُرُّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إلَّا قَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حَوْلَهُ و َعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَخَلْفِهِ ، فَلَا يَرَى إلَّا الشَّجَرَ وَالْحِجَارَةَ . فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَذَلِكَ يَرَى وَيَسْمَعُ ، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِمَا جَاءَهُ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ ، وَهُوَ بِحِرَاءٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ [(121)]. "
و
مِنْ مُعْجِزَاتِهِ الْأُوَلِ :"
- عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ ، كَانَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ مِنْهُ ، وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حِرَاءٍ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَنْسَكُ فِيهِ .
- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَث َ . [(122)].
- وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ ،فَخَرَجَ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا ، فَمَا اسْتَقْبَلَهُ شَجَرٌ وَلَا جَبَلٌ إِلَّا قَالَ :السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ [(123)].
و مِنْ مُعْجِزَاتِهِ الْأُوَلِ :"
-
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ ، قَدْ خَضَّبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ ،

قَالَ : " مَا لَكَ؟ ".
قَالَ : « خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا »،
قَالَ :" تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟ ".
قَالَ : « نَعَمْ » .
قَالَ: " ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ " . فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
قَالَ : " مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَى مَكَانِهَا " .
قَالَ: « ارْجِعِي إِلَى مَكَانِكِ »... فَرَجَعَتْ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « حَسْبِي » [(124)]





(*)فحين سمع محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب القرشي العدناني المكي مَن يخاطبه من السماء يقول له :" أنت رسول الله وأنا المَلَك جبريل"
قال ابن إسحاق :"قَالَ : « فَخَرَجْتُ [مِن حِرَاءٍ] حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ يَقُولُ : " يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ "؛
قَالَ : « فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ : " يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ." ».
قَالَ : « فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ ، وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ ، قَالَ : فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي ، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إلَيْهَا وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ ؛ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي ». [(125)]
(*) ... نزل عليه المَلك في غار حراء حينها ...
فنتساءل : " أين ذهب !؟"...
(*) ذهب إلى صاحبة العقل الراجح والفكر المستنير ... ذهب إلى خاصةِ أهلة ﴿ „ الزوج ”﴾ ﴿ „ خديجة ”﴾ وهي المرأةُ الأولى والوحيدة في شبابه وكهولته ... وهو الذي سيصبح رسول رب العالمين للثقلين مجتمعين... وخاتم السادة النجباء المرسلين من خالق السموات والأرضين والخلائق أجمعين ومتمم المبتعثين ...
ونلاحظ في هذه الجزئية الهامة واللحظة الأولى من المخاطبة المباشرة بين إنسان وبين مَلَك تمثل له بصورة يتمكن الإنسان من رؤيته وهذه لا تحدث إلا فقط للأنبياء والرسل ... وهنا ينبغي ملاحظة أن هناك من الكائنات المخلوقة ذات طبيعة خاصة تختلف عن الطبيعة البشرية الآدمية كالملآئكة والجن والشياطين لا يتمثلون إلا مَن أذن له الرحمن كقصة سيدنا سليمان مع بلقيس ...
نكمل فهو [ﷺ] لم يذهب في هذه الحالة الحرجة إلى عمه الذي رباه سنوات مِن بعد موت جده عبدالمطلب ؛ كما لم يذهب إلى صديقه أبي بكر ... بل ذهب لامرأته...

واتساءل: اين نساء الأمة الإسلامية !.؟.؟.


﴿ تنبيه
- ويجب أن أنبه هنا إلى مسألة يعاني منها الكثير :
ففي الطبيعة البشرية : يوجد حاجات عضوية [مثل: التنفس ؛ والنوم ؛ وإخراج الفضلات] تتطلب إشباعا حتميا وإلا مات الإنسان ، وهناك مظاهر للغريزة تتطلب إشباع غير حتمي [مثل : ميل الذكر للأنثى والعكس...الأمومة... الأبوة.. ] ... إذاً الذكر يحتاج إلى أنثى ؛ ولكن يجب أن يكون هذا الذكر رجلاً ،فإذا كان - فقط - ذكر دون رجولة ... إذاً فحديثي عن اهتمامات ذكر ضئيلة ورغبات تؤرقه ... بيد أن الرجل والذي يملك فحولة الرجولة يحتاج إلى امرأة تمتلك أنوثة كاملة وعقل وفهم إدراك وليس موضع يهدئه للحظات ... والفارق بين أنثى وامرأة كبير كما أن الفارق أيضا كبير بين ذكر ورجل!!. والقراءة التشريعية والقراءة المنهجية والفهم المستنير السلوكي لقوله تعالى : ﴿ „ وَمِنْ آيَاتِهِ ”﴾ أي من علامات وبراهين ودلائل وجوده الأبدي الأزلي ؛ فيأتي بمثال : ﴿ „ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ”﴾ ثم يبين مستوى العلاقة ﴿ „ لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم ”﴾ وهذا أولاً ؛ ﴿ „ مَّوَدَّةً ”﴾ وهذا ثانياً ؛ وَ ﴿ „رَحْمَةً ”﴾ وهذا ثالثا ﴿ „ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ ”﴾ ثم يعود النص القرآني الكريم للتذكير بدلائل وبراهين الخلق والإبداع والتصوير ﴿ „ يَتَفَكَّرُون”﴾ فينهي النص القرآني الآية الكريمة بالقوى العاقلة عند الإنسان [(126)] .
(*) وننتقل إلى الموقف الثاني في بدايات البعثة ؛ فــ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُصُّ عَلَى خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ جِبْرِيلَ مَعَهُ [(127)]
... « وَانْصَرَفْتُ [ الحديث عن رسول الله محمد ] رَاجِعًا إلَى أَهْلِي حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إلَيْهَا : فَقَالَتْ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، أَيْنَ كُنْتَ؟ فَوَاَللَّهِ لَقَدْ بَعَثَتْ رُسُلِي فِي طَلَبكَ حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ ؛ وَرَجَعُوا لِي »...
ثم يكمل صلوات الله وسلامه عليه : ثُمَّ «حَدَّثْتهَا بِاَلَّذِي رَأَيْتُ »، فَقَالَتْ : أَبْشِرْ يَا ابْنَ عَمِّ وَاثْبُتْ ، فَوَاَلَّذِي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ". [(128)]
(*) هنا في هذه الرواية تخبرنا أم المؤمنين السيدة خديجة بما كنتُ تحدثتُ عنه في مسألة رغبتها في الزواج من الشاب الصادق الأمين محمد [(129)]
(*) فإلى أين ذهبت - رضي الله عنها - به -صلى الله عليه وآله وسلم - !!؟..
(*) ذهبت- رضي الله عنها - به إلى أهل العلم ورجل التخصص : ابن عم خديجة ورقة بن نوفل؛ ونعتبره:" أحد قلائل مفكري العرب الجاهليين في القرن السابع الميلادي؛ ويمكننا وصفه بأنه :" تخصص في تاريخ الأديان وعلم اللاهوت " [(130)] .
وأعود وأنبه أنه مِن مستلزمات اتمام هذه البحوث في السيرة المحمدية ملاحق متعلقة بالشخصيات المحورية [(131)] في حياة الرسول والني محمد خاصة في الأربعين عاما الأولى من حياته!!
ومن تلك الشخصيات المحورية... على سبيل المثال وليس الحصر :
(*) العم شقيق أبيه أبوطالب
(*) الزوج خديجة بنت خويلد
(*) ورقة بن نوفل
وتلك الشخصيات تتطلب دراسة مستفيضة حولها ؛ وقد أُكرمتُ بالإنتهاء من بحث عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد... وعندي بعض أوراق حول بقية الشخصيات المحورية...
(*) أعود لتلك المحادثة بين نبي آخر الزمان ورسول خاتم الرسالات وبين الزوج خديجة بنت خويلد ومن ثم ابن عمها ورقة بن نوفل:
- خَدِيجَةُ بَيْنَ يَدَيْ وَرَقَةَ تُحَدِّثُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثُمَّ “ قَامَتْ [خديجة بنت خويلد؛ زوج محمد] فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا،
ثُمَّ “ انْطَلَقَتْ إلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا،
وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ،
فَــ “ أَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ ”؛
فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ :"قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ ، لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى ، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ " ، فَـ
قُولِي لَهُ :" فَلْيَثْبُتْ ".
فَــ رَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ،





واستشهدُ بفقرة ستصاحبنا طول فترة البعثة وزمن الرسالة وجميع مراحلها:
لنسمع معاً:
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ -اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا ،
فَــ
لَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ : “ يَا ابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ،
« فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- »؛ فَــ
قَالَ لَهُ وَرَقَةُ : “ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَ



[١ .] لَتُكَذَّبَنَّهُ
وَ
[٢ . ] لَتُؤْذَيَنَّهُ
وَ
[٣ . ] لَتُخْرَجَنَّهُ
وَ
[٤ .] لَتُقَاتَلَنَّهُ ،
ثم قال القس ورقة بن نوفل :" وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ "،
ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ ،
ثم أظهر ورقة - رضي الله تعالى عنه - للنبي -عليه السلام - علامة قبوله لقوله بما يوافق ما في الكتب ؛ واعترافه بنبوته فَــ
قَبَّلَ يَافُوخَهُ ”، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى مَنْزِلِهِ . "[(132)]
(*) وأثبتُ هذه المفاصل الأربعة من مراحل البعثة من قول ابن نوفل: قَالَ وَرَقَةُ :
" وَ « لَتُكَذَّبَنَّهُ »
وَ « لَتُؤْذَيَنَّهُ »
وَ « لَتُخْرَجَنَّهُ »
وَ « لَتُقَاتَلَنَّهُ » ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
نال شرف مراجعة وقراءة وكتابة هذا الفصل :" بدايات ﴿ „ البعثة المحمدية".
محمد الرمادي
الثلاثاء : ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ ~ ٢٩ ديسمبر ٢٠٢ م

(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
《 * 》 في خطة البحث والتحضير وبإذنه تعالى تخصيص مجلد كامل عن معجزاته -صلى الله عليه وآله وسلم- فارجو منه سبحانه وتعالى التوفيق والسداد لاتمام ما أرغب فيه من خدمة موضوع السيرة النبوية .. فهو على كل شيء قدير وبالإجابة قدير سميع!

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 31 / 12 / 2020 09 : 05 PM

[ ٧٤ ] : 《 لَتُكَذَّبَنَّهُ 》... عناد «الجهل
 
[ ٧٤ ]:لَتُكَذَّبَنَّهُ... عناد « الجهل «



الْمُقَدِّمَةُ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ،حَمْدًا كَثِيرًا [طيباً مباركاً] عَلَى مَا خَصَّ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ [المرحومة] بِالْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ [أهل الأفهام] حُمَاةِ الدِّينِ ، الَّذِينَ صَرَفُوا عِنَانَ فِكْرِهِمْ [وقدحوا زناد عقلهم] فِي الذَّبِّ عَنْهُ مِنْ تَضْلِيلِ الْمُخَرِّفِينَ وَالْمُهَرَّفِينَ ، فَبَيَّنُوا لِلْعَامَّةِ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْغَثَّ مِنَ السَّمِينِ . وَ
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوقِنِينَ . وَ
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ الصَّادِقُ الْوَعْدِ الْأَمِينُ ، أَدَّى الرِّسَالَةَ وَبَلَّغَ الْأَمَانَةَ ،فَكَانَ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنِ الصَّحَابَةِ الطَّيِّبِينَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ[(134)]
وَبَعْدُ
... مازلنا نتعايش بدايات العهد الأول - العهد المَكْيَّ – ومرحلة مِن مراحل الدعوة الإسلامية - والتي نحتاج لدراستها اليوم دراسة فقهية فهمية إدراكية تشريعية منهاجية لإنزالها علىٰ واقعنا الحالي المعاش بالفعل ؛ وما أشبه تلك المرحلة بحياتنا اليوم ؛ فيجب دراستها بعد الفشل الذريع والمحبط لما قامت به بعض الحركات ذات الوشاح الإسلامي خلال السنوات الماضيات علىٰ الساحة العربية والمتواجدة في المناطق التي تسكنها غالبية[(135)] إسلامية أو الآخرىٰ - ما يطلق عليها - ذات أقلية[(136)] إسلامية(!) ؛ وأن كنتُ لا استسيغ استخدام هذا المصطلح -الأقلية- المتداول عند الكثير ؛ وخاصة مَن هم مِن السكان الأصليين - المسلمين - مع ما يعانون أو الذين يحملون جنسية الدولة التي يقيمون بها منذ سنوات - تزيد عن الخمسين - أو تحصل علىٰ أوراق ثبوتية رسمية لإقامة صحيحة -سواء أكان لاجئ أو دارس أو عامل -... تلك الجماعات التي تحمل.. وتلك الحركات التي ترفع شعارات عنوانها إسلامي لكنها جوفاء لا يتمكن حاملها مِن تطبيقها أو إنزالها علىٰ أرض الواقع ؛ وهذا في بلاد العرب والمسلمين ؛ مع ملاحظة غياب مشروع إسلامي أو تقديم نموذج صالح في ذهنية المسلم الذي تجنس بجنسية غربية ؛ وعاش في دول الغرب منذ أكثر من أربعين عاما ويزيد فالعبرة ليس ببناء وزخرفة المساجد... لكن الأصل بناء عقل ونفسية الساجد...









أقول(الرمادي) : ما زلنا في المجتمع المَكي - عهد النبوة ؛ في سنواتها الأُول - نتعايش أحداثه ومجريات أموره... بما فيه ؛ وما عنده ؛ وما عليه ؛ وما يتميز به ؛ وايضاً بما فيه من مثالب وعيوب ؛ و
أحاول... بل أريد أن أحدد الصورة الحقيقية له والتيارات الفكرية والتربية العقدية والمفاصل الإجتماعية لهذا المجتمع ؛ إذ فيه - بما فيه – ستغرس البذرة -النبتة- الإسلامية الأولىٰ :





" الدعوة إلىٰ الإسلام "






كـ عقيدة وأحكام... وكمنهاج وتشريع... وطريقة معينة في الحياة وطراز خاص من العيش... وظن أنها - أيْ مَكة - ستكون أيضا بها النبتة الإسلامية ؛ لكن ما شاء الله - تعالىٰ ذكره - كان... و


لا يفهم من هذا الطرح إنني أدعو إلىٰ الإنغلاق علىٰ الذات أو التقوقع داخل حويصلة مذهب بعينه أو التوقف عند أراء وفتاوىٰ السادة العلماء مِن السلف الصالح دون مراعاة مستجدات الأمور ومستحدثات الأحوال والتمسك بأقوالهم مع فارق الزمان مِن جهة أو اختلاف الكيان السياسي- في السابق أو اليوم - مِن جهة آخر... والمناخ العام ؛ أو يفهم البعض خطأً إني أدعو إلىٰ السكنىٰ في حارةٍ ضيقة [ غيتو ] مسدود طرفها الآخر فيدعي البعض :" مَن دخلها منا ومَن خارجها ضدنا وعلينا "...
إذ الأصل فينا التواصل مع الآخر والتقارب معه وإظهار ما لدينا فكرا وسلوكا...
لذا علينا مدارسة هذه المرحلة بعناية فائقة ثم تتلوها مرحلة ثانية مع الربط المحكم بين مفصل مرحلة والرابط إلىٰ التي تليها فنحتاج لدراسة عميقة إدراكية تفصيلية لجزئيات عدة تكون منها هذا التجمع الإسلامي الأول في مكة ومِن ثم - بعد سنوات – تكون المجتمع الإسلامي الأَول في المدينة ، وكيف قَبَلَت ثُلةٌ التواجد داخل تجمع إسلامي هش ضعيف قليل العدد عديم العداد يقوده النبي محمد والرسول المبتعث والمصطفى المختار ؛ ومَن هؤلاء!... أو ما أطلق عليهم أوائل المؤمنين من النساء والغلمان والرجال ؛ وكيف تعايشوا مع مجتمع يرفضهم فيستنكر عليهم ما هم عليه من إيمان وما يقومون به مِن أعمال وما يتلفظون به مِن أقوال فيعذبهم مَن كان بالأمس صديق ويقتل بعضهم مَن كان بالأمس رفيق طريق...
كما يجب علينا دراسة – جوانب شخصيات ومفتاح نفسيات - مَن رفض الإسلام اسما وموضوعا؛ وشكلا وتفصيلا ؛ وفكرا وأحكاما ؛ وعقيدة وأفعالا ؛ ومَن هم! ؛
يرافق هذه وتلك دراسة نفسية وعقلية والدافع عند الفريق - الأول - الذي سما في الدنيا ونجىٰ في الآخرة، وبالتوازي والفارق بعيد : ما هي الدوافع عند الفريق - الثاني - الذي خسر الدارين فرفض فكرَ رجلٍ يقول : « أنه مُرسل مِن السماء ليصحح افكار ومفاهيم وقيم وقناعات ومقاييس مَن تنكبوا الطريق المستقيم بفكر جديد ».. كما حاربوا مَن وافقوه علىٰ فكره الجديد وإن نادىٰ به مِن قبله السادة المرسلين وجم غفير من السادة الأنبياء -صلوات الله تعالىٰ عليهم أجمعين - ؛ فــ
عُذِب أهل التوحيد ؛ وقُتِل مَن وضع قدماه علىٰ بداية صراط الرب الواحد الأحد المجيد ؛وشُردَ مَن قال عنه -سبحانه- بأنه فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ،
أو
كيف حُوربت الدعوة الجديدة!؛ ولماذا حاربها الرافضون!. بيد أنه هناك فريق ثالث وقف في منتصف الطريق ونحتاج لتسليط الضوء عليه لنعلم - ايضاً - دوافعه.















دراسة مراحل الدعوة المحمَّدية ومفاصلها والروابط بينها - علىٰ صاحبها الصلاة والسلام والتبريكات والرحمات ومع تبعه بإحسان - دراستها تجب وجوب تعلم أحكام العقيدة ومبادئ الإيمان وأركان الإسلام وآيات الأحكام وأحاديث الأحكام... فالجميع وحي مِن عند الله - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه – كي نتمكن من استئناف الحياة الإسلامية بدلا من البقاء في طقوس كهنوتية ومواسم دينية وشعائر موسمية وتقاليد الآخرين.. خاصة هذا اليوم نهاية عام 20 20.










المرحلةُ -العهد- المَكْيَّة بسنواتها[(137)] تحدد لنا عدة معالم ؛ نحتاج إلىٰ إعادة طرحها علىٰ طاولة البحث وتفصيل جزئياتها علىٰ مائدة التقصي باسلوب يتناسب مع العصر الحالي ،كما نحتاج إلىٰ بلورتها بطريقة علمية عملية مستنيرة وليست تقليدية كما عودتنا مرتزقة المنابر ومَن يتمقعد علىٰ فضائيات أو مَن يقدمها بعتبارها تاريخ مضىٰ وانتهىٰ؛ فدراستها بطريقة تطبيقية ؛ وخاصة مَن يعيش في دول الغرب - الذي تعلوه أجراس الكنائس وتوجد فيه صوامع الرهبان وبجوارهم مصليات في منازل وغرف عبادة للمسلمين ؛ عدا مأذنة يتيمة تطل علىٰ الدانوب الأزرق – والتفقه في كيفية تعامل النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والــحــبــيـــب المرتضىٰ والخليل المحتبىٰ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-مع غير المسلمين كمقابلته أولا في اللحظات الأولىٰ من البعثة مع مَن تبحر في النصرانية القس « ورقة بن نوفل » ثم مقابلته الثانية وهو يطوف بالكعبة -البيت الأول للعبادة علىٰ المعمورة - ثم إخباره بالمحور الأول من عنوان هذا الفصل من سيرته العطرة ؛ وكهجرة بعضهم إلىٰ الحبشة سواء الأولى أو الثانية ؛ وما قاله عن«النجاشي» ؛ وتأثر رهبان الحبشة حين سمعوا القرآن يتلىٰ علىٰ مسامعهم من فم جعفر بن أبي طالب... فبكوا حتىٰ اخضلت لحاهم ؛ وخروج النبي... صاحب الدعوة إلىٰ الطائف ؛ وقول عداس له ؛ ثم نسرع الخطى لنشهد أحداث في المرحلة المدنية فنقرأ وثيقة المدينة المنورة ونشهد أحداث مجئ وفد نصارى نجران إلىٰ مسجده الشريف وسمح لهم بالصلاة فيه.
معالم المرحلة -العهد- المكية إجمالاً:
(١ . ) المَعْلمُ الأول : اختيار المكان :
نقطة البدء[(138)]... مركز الإبتداء لإنطلاق الدعوة.
(٢ . ) المَعْلمُ الثاني : اختيار الزمان :
توقيت بدء البعثة... وزمن بدء الرسالة ، مركز الإنطلاق لنشر الدعوة ؛ وقول السيد
المسيح عيسى ابن العذراء الزهراء البتول - عليهما السلام - :
« .. وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ.... يَأْتِي مِن بَعْدِي.... اسْمُهُ أَحْمَدُ ..»[(139)].
(٣ . ) المَعْلمُ الثالث : اصطفاء[(140)] حامل الدعوة... احتباء خاتم الأنبياء ؛ واختيار آخر المرسلين واجتباء وارتضاء متمم المبتعثين... «
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [*] {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}»[(141)]
(٤ . ) المَعْلمُ الثالث : ثلة من الأولين...
اجتباء صحابته «{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }»[(142)]
(٤ . ) المَعْلمُ الرابع : اختيار لُغة[(143)] الخطاب.
وأريد أن اربط هذا الفصل بما قاله القس ورقة بن نوفل[(144)] في الفصل السابق إذ قد أتبتُ قوله -رضي الله عنه- في تلك المفاصل الأربعة من مراحل البعثة ؛ فقد قَالَ وَرَقَةُ:
(١. ) لَتُكَذَّبَنَّهُ
وَ
(٢. ) لَتُؤْذَيَنَّهُ
وَ
(٣ . ) لَتُخْرَجَنَّهُ
وَ
(٤ . ) لَتُقَاتَلَنَّهُ[(145)]
وهذه محاور أربعة كبرىٰ تحتاج إلىٰ تفصيل منهجي وترتيب تشريعي وتوثيق إدراكي وتحقيق ذهني كامل وإعمال عقل مستنير في دعوة الإسلام بشقيها:
الأول : الذاتي مع النفس والجوارح والأعمال والأقوال والتصرفات والسلوك والأخلاق علىٰ المستوىٰ الفردي ؛
و
الثاني : علىٰ المستوىٰ الجمعي ؛ أي مع الآخر كعلاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان أو ما حوله مِن كائنات وموجودات... ثم أهم علاقة وعلىٰ رأس العلاقات جميعاً كيفية تنظيم علاقة الإنسان بخالقه...
إذ أنه قد حدثت هذه المحاور الأربعة علىٰ امتداد تاريخ الإسلام الطويل - القديم منه والحديث - مِن لدن نبي المرحمة ؛ ورسول السلام صاحب الرسالة الخالدة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-...وما جرىٰ مع السلف الصالح الكريم والخلف المبتلىٰ العظيم ، ونربط هذه المحاور بالمراحل مع روابطها ومفاصلها ربطاً محكماً مع ما جرىٰ في زمن الرسالة ووقت البعثة وإعادة قراءة لردود افعال وأقوال وتصرفات المعسكر المناوئ لنبي الهدى ورسول التقوىٰ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-واتباعه؛ ومَن جاء مِن بعده - عليه السلام -.










أبدءُ بما ثبت في الصحائف التي كُتبت بحروف مِن فضة وعلامات مِن ورِق علىٰ ألواح من ذهب خالص مرصعة بنجوم السماء:
يتحدث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-عن نفسه الذكية فيقول:
* ] كُنْتَ عِنْدَهُمُ الصَّادِقَ 》 《 الْأَمِينَ .[(146)]
ثم يزيد - عليه السلام- المسألة وضوحاً فيقول :-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
* ] وَاللَّهِ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ 》 《 أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ .[(147)]
وخلال الأربعين عاما الأُول من عمره الشريف ؛والتي عاشها مع أهل مكة وعشيرته قريش :
* ] كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً مُنْذُ كَانَ... اعْتَرَفْ لَهُ بِذَلِكَ مُحَادُّوهُ ، وَعِدَاهُ . وَكَانَ يُسَمَّى قَبْلَ نَبُّوتِهِ الْأَمِينَ .[(148)]
* ] قَال َابْنُ إِسْحَاقَ : كَانَ يُسَمَّىٰ الْأَمِينَ بِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الصَّالِحَةِ[(149)] .
* ] وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ[(150)] : « كَانَ يَتَحَاكَمُ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ».[(151)]
* ] عَنْ مُجَاهِدٍ[(151)]: قَالَ مَوْلَايَ السَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ: " كُنْتُ فِيمَنْ بَنَى الْبَيْتَ ، وَأَنَّ قُرَيْشًا اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَرِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوهُ ، حَتَّى كَادُوا يَقَعُ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِالسُّيُوفِ ، فَــ
قَالَ : " اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ "،
فَــ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأَمِينَ ". فَقَالُوا : " يَا مُحَمَّدُ ، قَدْ رَضِينَا بِكَ "[(152)].
* ] وَقَالَ - تَعَالَى » :{مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} »[(153)] ...
أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَىٰ أَنَّهُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[(154)].
* ] وَعَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: " جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَىٰ أَبِي طَالِبٍ " ؛ فَقَالُوا لَهُ : " إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَأْتِينَا فِي كَعْبَتِنَا وَنَادِينَا وَيُسْمِعُنَا مَا يُؤْذِينَا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا فَافْعَلْ " . قَالَ : فَــ
قَالَ لِي : " يَا عَقِيلُ الْتَمِسِ ابْنَ عَمِّكَ " .
قَالَ : " فَأَخْرَجْتُهُ مِنْ كِبْسٍ مِنْ أَكْبَاسِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّىٰ انْتَهَىٰ إِلَىٰ أَبِي طَالِبٍ " ، فَــ
قَالَ لَهُ : " يَا ابْنَ أَخِي ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنْ كُنْتَ لِي مُطِيعًا ، وَقَدْ جَاءَنِي قَوْمُكَ - يَزْعُمُونَ - أَنَّكَ تَأْتِيهِمْ فِي كَعْبَتِهِمْ وَنَادِيهِمْ فَتُسْمِعُهُمْ مَا يُؤْذِيهِمْ ،فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكُفَّ عَنْهُمْ !؟ " ؛
قَالَ : فَحَلَّقَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَــ
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ مَا بُعِثْتُ بِهِ مِنْ أَنْ يُشْعِلَ أَحَدُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ شُعْلَةً مِنَ النَّارِ " ، فَــ
قَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّهُ - وَاللَّهِ - مَا كَذَبَ قَطُّ " فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ ".[(155)]
* ] عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:« إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ » ، فَــ
أَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى ذكره- » {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} »[(156)]الْآيَةَ . وَ
رَوَى غَيْرُهُ : « لَا نُكَذِّبُكَ ، وَمَا أَنْتَ فِينَا بِمُكَذَّبٍ. « [(157)]
* ] وَقِيلَ : إِنَّ الْأَخْنَسَ بْنَ شُرَيْقٍ[(158)] لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ[(159)] يَوْمَ بَدْرٍ[(160)] ، فَــ
قَالَ لَهُ : " يَا أَبَا الْحَكَمِ لَيْسَ هُنَا غَيْرِي ، وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا ، تُخْبِرُنِي عَنْ مُحَمَّدٍ ، « صَادِقٌ » .. هُوَ أَوْ « كَاذِبٌ » ؟ ". فَــ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: " وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَــ « صَادِقٌ »، وَ « مَا كَذَبَ » مُحَمَّدٌ قَطُّ ".[(161)]
وَقَدْ ذَكَرْنَا[(162)] أَنَّ قَوْمَهُ الْمُعَادِينَ لَهُ غَايَةَ الْعَدَاوَةِ مَا زَالُوا مُعْتَرِفِينَ بِصِدْقِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُجَرِّبُوا عَلَيْهِ كَذِبًا ، بَلْ وَمُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ مَا يَقُولُهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ ، وَكَانُوا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يُرْسِلُونَ إِلَى الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا ذَلِكَ .
-**-
وأنتقل بحضراتكم إلىٰ خارج مكة المكرمة ؛ بل نذهب خارج جزيرة العرب كلها :
* ] فَفِي الصَّحِيحَيْنِ[(163)] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ[(164)] أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ[(165)] حَدَّثَهُ ،
قَالَ : " انْطَلَقْتُ إِلَى الشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ : " فَبَيْنَمَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هِرَقْلَ[(166)] ،
قَالَ : " وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ[(167)] جَاءَ بِهِ ، فَدَفَعَهُ إِلَىٰ عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَىٰ هِرَقْلَ " ، فَــ
قَالَ هِرَقْلُ : " هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ " ،
قَالُوا : " نَعَمْ " ،
قَالَ : " فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَىٰ هِرَقْلَ ، فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ " ،فَــ
قَالَ : " أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ " ،
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: " فَقُلْتُ أَنَا" . فَــ
أَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي . فَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَــ
قَالَ : " قُلْ لَهُمْ : إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ " .
قَالَ : فَقَالَ : " وَايْمِ اللَّهِ ! .. لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ كَذِبٌ لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ " . ثُمَّ
قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : " سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ ".
قَالَ : قُلْتُ : " هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ " .
قَالَ : " فَهَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَنْ مَلَكَ " ،
قُلْتُ : " لَا " .
قَالَ : " فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِــ « الْكَذِبِ » قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ ".
قُلْتُ : " لَا "[(168)]، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ ...







وهذا ما أكده صاحب الشفا ؛ القاضي عياض:"وَسَأَلَ هِرَقْلُ عَنْهُ أَبَا سُفْيَانَ فَــ
قَالَ : " هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ "،
قَالَ أَبَو سُفْيَانَ : " لَا".[(169)]
* . ] قَالَ مُقَاتِلٌ: " طَافَ أَبِوجَهْلٍ بِالْبَيْتِ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَمَعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ؛ وَكَانَ يُقَالُ لِلْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ[(170)] « رَيْحَانَةُ »قُرَيْشٍ[(171)] ، وكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيدُ فِي قَوْمِهِ[(172)] ...فَقد رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُلَقَّبُ بِــ « الْوَحِيدِ »، أَيْ : لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي مَالِهِ وَشَرَفِهِ فِي بَيْتِهِ[(173)]]... فَتَحَدَّثَا [أي : أَبِو جَهْلٍ و الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ] فِي شَأْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فَــ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَــ صَادِقٌ!"
فَقَالَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ لَهُ :"مَهْ! وَمَا دَلَّكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ ! ".
قَالَ أَبِو جَهْلٍ : " يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ ، كُنَّا نُسَمِّيهِ فِي صِبَاهُ الصَّادِقَ 》 《 الْأَمِينَ ، فَلَمَّا تَمَّ عَقْلُهُ وَكَمُلَ رُشْدُهُ ، نُسَمِّيهِ : « الْكَذَّابَ » «الْخَائِنَ»!! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَــ « صَادِقٌ »! ".[[(174)]
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : "فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَهُ وَتُؤْمِنَ بِهِ !!؟ ".



اقول (الرمادي) : هنا تأتي الإجابة الواضحة التي لا لبس فيها من فم أبي جهل إذ رد فــ :



قَالَ : " تَتَحَدَّثُ عَنِّي بَنَاتُ قُرَيْشٍ أَنِّي قَدِ اتَّبَعْتُ « يَتِيمَ » أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَجْلِ كِسْرَةٍ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنِ اتَّبَعْتُهُ أَبَدًا.[(175)]
يوضح لنا حقيقة أبي جهل؛ عمرو بن هشام أبو زهرة في خاتم الأنبياء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فكتب يقول:
" أن أشد الناس طغيانا علىٰ النبي -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وسلم- عمرو بن هشام الذي سماه التاريخ الإسلامي بحق " أبا جهل " فقد كان فاجرا، لا شرف في القول يقيده، ولا خلق كريم يمنعه، بل كان الحقد الدفين يدفعه، وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - يصابره ليثير عطف الناس علىٰ الدعوة المحمدية، يترك هذا الطاغوت فى اندفاعه إلىٰ الشر وصبره له[(176)]











أما مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ[(177)] فـــَقِيلَ:
أَنَّهُ اجْتِمَاعُ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ :
- أَبُو لَهَبٍ[(178)] ، وَ
- أَبُو سُفْيَانَ ، وَ
- الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَ
- النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ[(179)] ، وَ
- أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ[(180)] ، وَ
- الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ[(181)] ، و
- َالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ[(182)]... اجْتَمَعُوا... وَقَالُوا : قَدِ اجْتَمَعَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ ، وَهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ،[(183)] ...



هنا يلتقط خيط الرواية ابن كثير الدمشقي فيقول: زَعَمَ السُّدّيُّ[(184)] أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيُجْمِعُوا رَأْيَهُمْ عَلَىٰ قَوْلٍ يَقُولُونَهُ فِيهِ [أي في النبي محمد -عليه السلام-] ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ وُفُودُ الْعَرَبِ لِلْحَجِّ لِيَصُدُّوهُمْ عَنْهُ[(185)] وَقَدِ [ قال قائل منهم][(186)] اخْتَلَفْتُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ ؛ فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ [ وتوجد رواية :"
فَقَالَ قَائِلُونَ " :] [(187)]مَجْنُونٌ (!)،
وَ
آخَرُ يَقُولُ [فَقَالَ قَائِلُونَ :][(188)]كَاهِنٌ (!)،
وَ
آخَرُ يَقُولُ [فَقَالَ قَائِلُونَ :][(189)]شَاعِرٌ (!)،
[وَقَالَ آخَرُونَ : ] [(190)] [فَقَالُوا :" سَاحِرٌ (!)" ،
فرد عليهم الْوَلِيدُ فــ قَالَ:
" لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَوَسِحْرَهُمْ فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ " .... وَ
انْصَرَفَ الْوَلِيدُ إِلَىٰ بَيْتِهِ... فَــ
دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ :
" مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ أَصَبَأْتَ ؟ " ؛[و
هذه رواية وهناك آخرى أغضبته سأذكرها ]
فَــ
قَالَ الْوَلِيدُ: " فَكَّرْتُ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ تَقُولُوا : « سَاحِرٌ»... جَاءَ بِقَوْلٍ هُوَ سِحْرٌ ، يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَبِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجَتِهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ ،][(191)]
وتفصيل قولهم :
" أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيُجْمِعُوا رَأْيَهُمْ عَلَىٰ قَوْلٍ يَقُولُونَهُ فِي النبي محمد عليه السلام ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ وُفُودُ الْعَرَبِ لِلْحَجِّ لِيَصُدُّوهُمْ عَنْهُ " :
فــَ
تَعْلَمُ الْعَرَبُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ [مَجْنُونٌ ، كَاهِنٌ ، شَاعِرٌ ، سَاحِرٌ ] لَا يَجْتَمِعُ فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ ،فَسَمُّوا مُحَمَّدًا بِاسْمٍ وَاحِدٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ بِهِ "...





ونعود لما قاله الوليد بن المغيرة المخزومي ردا علىٰ أقوالهم جميعاً :
" فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ :" شَاعِرٌ (!) " ؛
فنسمع رد الوليد إذ : قَالَ : سَمِعْتُ كَلَامَ ابْنِ الْأَبْرَصِ [- يَعْنِي عَبِيدَ بْنَ الْأَبْرَصِ][(192)] ،وَأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ[(193)] [وَعَرَفْتُ الشِّعْرَ كُلَّهُ] [(194)]، وَمَا يُشْبِهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ كَلَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [ أي ليس كَلَامَ شَاعِرٍ ،] ؛ فَــ
قَالُوا : " كَاهِنٌ "(!).
فَقَالَ الْوَلِيدُ: " مَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَلَا بِسَجْعِهِ "[(195)] و
اردف فَقَالَ : الْكَاهِنُ يَصْدُقُ وَيَكْذِبُ وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ ؛ فَــ
قَامَ آخَرُ فَقَالَ : " مَجْنُونٌ"(!)؛
فَقَالَ الْوَلِيدُ: [لَقَدْ عَرَفْنَا الْجُنُونَ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ يُخْنَقُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ][(196)] فــ الْمَجْنُونُ يَخْنُقُ النَّاسَ وَمَاخَنَقَ مُحَمَّدٌ قَطُّ . وَ
انْصَرَفَ الْوَلِيدُ إِلَى بَيْتِهِ ، فَــ
قَالُوا : صَبَأَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ؛
[هذه هي الرواية الآخرى] فَــ
دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ وَقَالَ : مَالَكَ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ ! هَذِهِ قُرَيْشٌ تَجْمَعُ لَكَ شَيْئًا يُعْطُونَكَهُ[(197)] ، زَعَمُوا أَنَّكَ قَدِ احْتَجْتَ وَصَبَأْتَ .
فقد قيل كان ماله : أَرْبَعَةُ آلَافِ دِينَارٍ؛
وَ
قَالَ آخَرُونَ : كَانَ مَالُهُ أَرْضًا؛كَانَ ذَلِكَ غَلَّةَ شَهْرٍ بِشَهْرٍ .
وَ
الصَّوَابُ [كما قال الطبري؛ أبو جعفر] مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ -تعالى ذكره - » وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا » وَهُوَ الْكَثِيرُ الْمَمْدُودُ ، عَدَدُهُ أَوْ مَسَاحَتُهُ[(198)].
و
قِيلَ : هُوَ مَا يُمَدُّ بِالنَّمَاءِ كَالزَّرْعِ وَالضَّرْعِ وَالتِّجَارَةِ . ".[(199)]
فَقَالَ الْوَلِيدُ: " مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ ، وَلَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مُحَمَّدٍ " ، فَــ
قُلْتُ [ يتساءل الوليد ] : " مَا يَكُونُ مِنَ السَّاحِرِ ؟ " . فَــ
قِيلَ : " يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ ، وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا" ، فَـ
قُلْتُ [أي الوليد... بعد تفكره وتقديره -اخزاه الله تعالى -] : إِنَّهُ سَاحِرٌ . شَاعَ هَذَا فِي النَّاسِ وَصَاحُوا يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا سَاحِرٌ .[(200)] وَ
فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى توضح حال توترهم :
"
أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ، وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ فَقَالَ : إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتُقْدِمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ ،وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا ، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا وَلَا تَخْتَلِفُوا ، فَيُكَذِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَيَرُدُّ بَعْضُكُمْ قَوْلَ بَعْضٍ ، فَــ

قَالُوا : " فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ فَقُلْ ، وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُومُ بِهِ " . فَــ
قَالَ : " بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا وَأَنَا أَسْمَعُ " ، فَــ
قَالُوا : " نَقُولُ كَاهِنٌ ، فَــ
قَالَ : " مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكُهَّانِ " . فَــ
قَالُوا : " نَقُولُ مَجْنُونٌ " ،فَــ
قَالَ : " مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْمَجْنُونَ وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنَقِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ " .
قَالُوا : " فَنَقُولُ شَاعِرٌ " ،فَــ
قَالَ : " مَا هُوَ بِشَاعِرٍ ، قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ وَهَزَجِهِ وَقَرِيظِهِ وَمَقْبُوضِهِ وَمَبْسُوطِهِ فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ " .
قَالُوا : " فَنَقُولُ سَاحِرٌ " ،
قَالَ : " فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ" . فَــ
قَالُوا : " مَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ ؟ " .
قَالَ : " وَاللَّهِ إِنْ لِقَوْلِهِ حَلَاوَةً ، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَغَدِقٌ ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنَى ، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا : « سَاحِرٌ » يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَبِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَخِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجَتِهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ . فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ لِلنَّاسِ حِينَ قَدِمُوا الْمَوْسِمَ لَا يَمُرُّ بِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا حَذَّرُوهُ إِيَّاهُ ، وَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَهُ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ : « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا » . إِلَىٰ قَوْلِهِ : « سَأُصْلِيهِ سَقَرَ.«
وَ
أَنْزَلَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ : « الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ » . أَيْ أَصْنَافًا .[(201)]

-**-
وأنتقل بحضراتكم إلى ما حدث مباشرة بين النبي المصطفى عليه السلام وبين الوليد بن المغيرة
فَعَنْ عِكْرِمَةَ[(202)] ، أَنْ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَىٰ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ[(203)]
وعند البغوي في رواية آخرى :" (غَافِرٍ : 1 - 3 ) قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي الْمَسْجِدِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ مِنْهُ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ ، فَلَمَّا فَطِنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لِاسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَتِهِ [الْقُرْآنَ] أَعَادَ قِرَاءَةَ الْآيَةِ ، فَانْطَلَقَ الْوَلِيدُ حَتَّىٰ أَتَىٰ مَجْلِسَ قَوْمِهِ بَنِي مَخْزُومٍ ، فَقَالَ : [ وَاللَّهِ ] لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ آنِفًا كَلَامًا مَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِ وَلَا مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ.[(204)]
ونسمع قول الْوَلِيد حين :" نَزَلَ :»{ حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} »... إِلَىٰ قَوْلِهِ : »{ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } » سَمِعَهُ يَقْرَؤُهَا ؛ فَــ
كَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ[(205)]]فَــ
قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلَامًا مَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِ وَلَا مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ ، وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُوُ وَلَا يُعْلَىٰ عَلَيْهِ، وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ[(206)]
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: " سَحَرَهُ مُحَمَّدٌ"... صَبَأَ وَاللَّهِ الْوَلِيدُ ، وَاللَّهِ لَتَصْبُوَنَّ قُرَيْشٌ كُلُّهُمْ[(207)] .
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ[(208)]
ونتتبع الرواية من بدايتها :
رُوِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ سَمِعَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا أَعْجَبَهُ وَمَدَحَهُ ، ثُمَّ سَمِعَ كَذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى كَادَ أَنْ يُقَارِبَ الْإِسْلَامَ. وَدَخَلَ إِلَىٰ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ -مِرَارًا ، فَــ
جَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ ، فَــ
قَالَ : " يَا وَلِيدُ! ... أَشَعَرْتَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ ذَمَّتْكَ بِدُخُولِكَ إِلَىٰ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ ، وَزَعَمَتْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَقْصِدُ أَنْ تَأْكُلَ طَعَامَهُ ؟ وَقَدْ أَبْغَضَتْكَ لِمُقَارَبَتِكَ أَمْرَ مُحَمَّدٍ ، وَمَا يُخَلِّصُكَ عِنْدَهُمْ إِلَّا أَنْ تَقُولَ فِي هَذَا الْكَلَامِ قَوْلًا يُرْضِيهِمْ ، فَــ
فَتَنَهُ أَبُو جَهْلٍ فَافْتَتَنَ ، وَقَالَ: " أَفْعَلُ " [(209)].
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : « { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } » إِلَىٰ « { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } ».
قَالَ : دَخَلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَىٰ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، يَسْأَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَرَجَ عَلَىٰ قُرَيْشٍ فَقَالَ : "يَا عَجَبًا لِمَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ، وَلَا بِسَحْرٍ ، وَلَا بِهَذْيٍ مِنَ الْجُنُونِ ، وَإِنَّ قَوْلَهُ لَمِنْ كَلَامِ اللَّهِ " ، فَــ
لَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ قُرَيْشٍ ائْتَمَرُوا ؛ وَ
قَالُوا : " وَاللَّهِ لَئِنْ صَبَأَ الْوَلِيدُ لَتَصْبَأَنَّ قُرَيْشٌ " ، فَــ
لَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ :" أَنَا وَاللَّهِ أَكْفِيكُمْ شَأْنَهُ[(210)].
ونسمع رواية الطبري تقول : " فَــ
قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: "يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِتُصِيبَ مِنْ طَعَامِهِ " ،
قَالَ الْوَلِيدُ : " أَقَدْ تَحَدَّثَتْ بِهِ عَشِيرَتِي(!؟) ، فَلَا يَقْصُرُ عَنْ سَائِرِ بَنِي قَصِيٍّ ، لَا أَقْرَبُ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ (!)"...
ثم يخلص إلىٰ القول :" وَمَا قَوْلُهُ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ "[(211)]
نكمل الرواية لتوضح لنا المناخ العام والصورة التي كان عليها أهل مكة عند البعثة المحمدية:
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ .فَمَضَىٰ إِلَيْهِ حَزِينًا ؟ ؛ فَانْطَلَقَ حَتَّىٰ دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ[(212)] ، فَأَتَاهُ فَــ
قَالَ : أَيْ عَمُّ[(213)] فَــ
قَالَ ابن المغيرة لَهُ : " مَا لِي أَرَاكَ حَزِينًا ". فَــ
قَالَ : [ إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا(!!!)[(214)] . وَقَالَ لِلْوَلِيدِ: أَلَمْ تَرَ قَوْمَكَ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الصَّدَقَةَ[(215)].
أوضح الرواية بقول:
أَبُي جَهْلٍ لَهُ : " وَمَا لِي لَا أَحْزَنُ وَهَذِهِ قُرَيْشٌ يَجْمَعُونَ لَكَ نَفَقَةً يُعِينُونَكَ بِهَا عَلَىٰ كِبَرِ سِنِّكَ وَ -يَزْعُمُونَ- أَنَّكَ زَيَّنْتَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ ، وَتَدْخُلُ عَلَىٰ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ وَابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِتَنَالَ مِنْ فَضْلِ طَعَامِهِمَا ؛
[قَالَ : " لِمَ ؟ ". [يَجْمَعُونَ المَال!؟ ]
قَالَ : يُعْطُونَكَهُ ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا تَتَعَرَّضُ لِمَا قِبَلَهُ[(216)]
فَــ « غَضِبَ » الْوَلِيدُ وَ « تَكَبَّرَ »،
قلتُ(الرمادي):وهذا ما اراده عمرو بن هشام ؛ أبو جهل من إثارة النعرة الجاهلية في نفس ابن المغيرة !!.
فرد مسرعاً
وَقَالَ : أَنَا أَحْتَاجُ إِلَىٰ كِسَرِ مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِهِ ، فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ قَدْرَ مَالِي ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا بِي حَاجَةٌ إِلَىٰ ذَلِكَ ،
قلت(الرمادي) : وهذا ما اراده أبو جهل من حديثه مع الوليد... إثارة الحمية الجاهلية...
قَالَ الْوَلِيدُ : قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي أَكْثَرُهَا مَالًا[(217)]
ثم قَالَ : أَلَسْتُ أَكْثَرَهُمْ مَالًا وَوَلَدًا ؟[(218)]
قَالَ أَبِو جَهْلٍ: " فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يُعْلِمُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لِمَا قَالَ ، وَأَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ[(219)]
ثُمَّ قَامَ مَعَ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى أَتَى مَجْلِسَ قَوْمِهِ ، فَــ
قَالَ لَهُمْ[(220)] : إِنَّمَا أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ ، وتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِنٌ وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَاعِرٌ ، تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّابٌ وهم يقولون : لَا -وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَمَّى الْأَمِينُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، مِنْ صِدْقِهِ – فَــ
قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْوَلِيدِ : فَمَا هُوَ؟[(221)] .
قَالَ : " فَمَاذَا أَقُولُ فِيهِ ؟ "، فَوَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي ، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجْزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ[(222)]
قَالُوا : " لَا وَاللَّهِ " .
قَالَ : " فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّابٌ فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ كَذِبًا قَطُّ ؟ "،
قَالُوا : " لَا وَاللَّهِ " .
قَالَ : " فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِنٌ فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ تَكَهَّنَ قَطُّ "، وَلَقَدْ رَأَيْنَا لِلْكَهَنَةِ أَسْجَاعًا وَتَخَالُجًا فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ كَذَلِكَ ؟ ".
قَالُوا : " لَا وَاللَّهِ " .
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يُسَمَّى الصَّادِقَ الْأَمِينَ مِنْ كَثْرَةِ صِدْقِهِ . فَــ
قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْوَلِيدِ: " فَمَا هُوَ ؟ " ؛ فَــ
فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ ، فَــ قَالَ : " مَا هُوَ إِلَّا سَاحِرٌ ! أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَوَالِيهِ ؟ " [(223)]
مع اعترافه الكامل في عدة روايات أنه قال:" وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يَعْلَىٰ . وَ
قَالَ أَبِوجَهْلٍ: " وَاللَّهِ لَا يَرْضَى قَوْمُكَ حَتَّىٰ تَقُولَ فِيهِ ".قَالَ الوليد : " فَدَعْنِي حَتَّىٰ أُفَكِّرَ فِيهِ " ، فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ : " إِنَّ هَذَا سِحْرٌ يَأْثِرُهُ عَنْ غَيْرِهِ ". [(224)][(225)]
إلا أن
النعرة الجاهلية
و
عناد الجهل
سيطر على قلوب وأفئدة وعقول القوم فصاروا لا يبصرون !.

وعند الطبري وأثيرالدين الأندلسي رواية ؛ أذكرها كي تكتمل الصورة الذهنية لحال أهل مكة !: "
عَنْ قَتَادَةَ[(226)] قَوْلُهُ : « {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} » ، ( زَعَمُوا ) :فقد " رُوِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ حَاجَّ [اللفظ لأثير الدين] أَبَا جَهْلٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِيأَمْرِ الْقُرْآنِ ،[(227)] أَنَّهُ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ نَظَرْتُ فِيمَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ لَهُ بِشِعْرٍ ، وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً ،[ وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ ،وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنَاةٌ ، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ][(228)]وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَىٰ[(229)] ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ ،فَـــ
خَالَفُوهُ وَ
قَالُوا : " هُوَ شِعْرٌ " ، فَــ
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ ،قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ هَزَجَهُ وَبَسِيطَهُ " ،
قَالُوا : " فَهُوَ كَاهِنٌ "،
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْكُهَّانَ " ،
قَالُوا : " هُوَ مَجْنُونٌ " ،
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ ،
لَقَدْ رَأَيْنَا الْمَجْنُونَ وَخَنْقَهُ "،
قَالُوا : " هُوَ سِحْرٌ " ،
قَالَ : " أَمَّا هَذَا فَيُشْبِهُ أَنَّهُ سِحْرٌ ، وَيَقُولُ أَقْوَالَ نَفْسِهِ " .
... كُلُّ هَذَا وَالْوَلِيدُ يُفَكِّرُ فِيمَا يَقُولُهُ فِيهِ ، فَفَكَّرَ وَقَدَّرَ ، وَنَظَرَ وَعَبَسَ وَبَسَرَ ،فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ " [(230)]

-**-

وذكرتُ الروايات عمداً لنتحسس ما حدث بالتمام مع أول لحظات غرس بذرة الإسلام في المجتمع المكي فــ
قد رُوِيَ هَذَا بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ هَذِهِ وَيَقْرُبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، وَفِيهِ : "وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ ، فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْكَذِبِ ؟ " ؛ فَــ
قَالُوا : " فِي كُلِّ ذَلِكَ اللَّهُمَّ لَا "، ثُمَّ
قَالُوا : " فَمَا هُوَ ؟ ". فَــ
فَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: " مَا هُوَ إِلَّا سَاحِرٌ . أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ ، وَوَلَدِهِ وَمَوَالِيهِ ؟ وَمَا الَّذِي يَقُولُهُ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثِرُهُ عَنْ مِثْلِ مُسَيْلِمَةَ وَعَنْ أَهْلِ بَابِلَ ، فَارْتَجَّ النَّادِي فَرَحًا وَتَفَرَّقُوا مُتَعَجِّبِينَ مِنْهُ "[(231)].
ثم أكد الوليد ما فكر فيه بقوله : "وَمَا أَشُكُّ أَنَّهُ سَحْرٌ ".[(232)]
-**-
إذاً الخلاصة من هذه الروايات وتتبعها الوصول إلى القصد منها وهو :
الدعاية المغرضة وإشاعتها بين الناس خاصة لقرب قدوم موسم الحج ومجئ القبائل العربية من كل حدب وصوب لمكة فتستقبلهم وشاية أن بمكة ساحر يسحر الناس لينفضوا من حوله!...

وعند الطبري أيضا :" قَالَ ابْنُ زَيْدٍ[(233)] فِي قَوْلِهِ : » ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا » إِلَىٰ قَوْلِهِ : » إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ » ، قَالَ : هَذَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ... ثم
قَالَ : " سَأَبْتَارُ لَكُمْ هَذَا الرَّجُلَ اللَّيْلَةَ " ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي وَيَقْتَرِئُ ، وَأَتَاهُمْ فَقَالُوا : " مَهْ ! ".
قَالَ : " سَمِعْتُ قَوْلًا حُلْوًا أَخْضَرَ مُثْمِرًا يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ " ، فَــ
قَالُوا : " هُوَ شِعْرٌ !؟ " .فَـ
قَالَ : " لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ ، لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالشِّعْرِ مِنِّي ، أَلَيْسَ قَدْ عَرَضَتْ عَلَيَّ الشُّعَرَاءُ شِعْرَهُمْ نَابِغَةُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ ؟
قَالُوا : " فَهُوَ كَاهِنٌ " ،فَــ
قَالَ : " لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ عَرَضَتْ عَلَيَّ الْكَهَانَةُ " ،
قَالُوا : " فَهَذَا سِحْرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهُ "،
قَالَ : " لَا أَدْرِي إِنْ كَانَ شَيْئًا فَعَسَى هُوَ إِذًا سَحْرٌ يُؤْثَرُ "[(234)].



رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ ، لَقَدْ .... [(235)] و
أكمل الرواية من الشفا بتعريف حقوق المصطفىٰ للقاضي عياض:
كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِقُلْتُمْ : سَاحِرٌ ! لَا وَاللَّهِ ، مَا هُوَ بِسَاحِرٍ.[(236)]...



يلتقط خيط الرواية ابن تيمية:



" قُلْتُمْ : " سَاحِرٌ "..." لَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِسِحْرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ "، وَ
قُلْتُمْ : " كَاهِنٌ "... "لَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ "، وَ
قُلْتُمْ : " شَاعِرٌ "... "لَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِشَاعِرٍ ، لَقَدْ رَوَيْنَا الشِّعْرَ ، وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا ؛ هَزَجَهُ وَرَجَزَهُ وَقَرِيظَهُ "، وَ
قُلْتُمْ : " مَجْنُونٌ "..."وَلَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْمَجْنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ ، وَلَا تَخْلِيطِهِ "...
ثم يخاطبكم قائلاً: " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ :" انْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ فَإِنَّهُ - وَاللَّهِ - لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ " . وَ
كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ . ".[(237)]
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي وَصْفِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:« أَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً.« [(238)]
والمعنى قريب من سابقه لكن مع شخصيات آخرىٰ :
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْن ِالصَّامِتِ قَالَ : " قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا ، فَنَزَلْنَا عَلَىٰ خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا ، وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ "، فَــ
قَالُوا : " إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ ". فَجَاءَ خَالُنَا فَثَنَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ ، فَــ
قُلْتُ لَهُ : " أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ . فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا ، فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا ، وَتَغَطَّى خَالُنَا بِثَوْبِهِ يَبْكِي ، وَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ.
فَنَافَرَ أُنَيْسٌ رَجُلًا عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيْنَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا فَأَتَى بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا . قَالَ : وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِثَلَاثِ سِنِينَ ،
قُلْتُ : لِمَنْ ؟
قَالَ : لِلَّهِ ،
قُلْتُ : فَأَيْنَ تَوَجَّهُ ؟
قَالَ : أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي ، أُصَلِّي عِشَاءً ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ ، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ ، فَــ
قَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي . فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ عَلَيَّ ، ثُمَّ جَاءَ فَــ
قُلْتُ : مَا صَنَعْتَ ؟
قَالَ : لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ ،
قُلْتُ : فَمَا يَقُولُ النَّاسُ ؟
قَالَ : يَقُولُونَ : شَاعِرٌ ، كَاهِنٌ ، سَاحِرٌ . وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ ،
قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشُّعَرَاءِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ يُقْرِي بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لِــ صَادِقٌ ،وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .
قَالَ : قُلْتُ : " فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ "،
قَالَ : " فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ "، فَــ
قُلْتُ : " أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ ؟ ". فَــ
أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ : الصَّابِئَ ، فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ . . . " ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَصِفَةَ إِسْلَامِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِلَفْظِ مُسْلِمٍ[(239)].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَىٰ النَّبِيِّ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ : » { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} » .
قَالَ : " أَعِدْ "، فَــ
أَعَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَـ
قَالَ : " وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لِطَلَاوَةً ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لِمُثْمِرٌ ، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ ، وَمَا يَقُولُ هَذَا الْبَشَرُ[(240)]
قَالَ الزُّهْرِيُّ : " حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَأَبَا سُفْيَانَ ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ ، وَأَخَذَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ فِيهِ ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا ، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا ، وَ
قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : " لَا تَعُودُوا ، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي - نَفْسِهِ شَيْئًا "،
ثُمَّ انْصَرَفُوا ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ ، عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَىٰ مَجْلِسِهِ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ ، حَتَّىٰ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، فَعَلُوا كَذَلِكَ ، ثُمَّ جَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَعَاهَدُوا أَنْ لَايَعُودُوا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ ، ثُمَّ أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ فَــ
قَالَ : " أَخْبِرْنِي يَا أَبَاحَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ (!!؟). فَــ
قَالَ : " يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ ، وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا ، وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا" ، فَــ
قَالَ الْأَخْنَسُ: " وَأَنَا ، وَالَّذِي حَلَفْتَ بِهِ " ،
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتَىٰ أَبَا جَهْلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ ، فَــ
قَالَ : " يَا أَبَا الْحَكَمِ مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ _!!؟). فَــ
قَالَ : " مَاذَا سَمِعْتُ "، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِمُنَافٍ الشَّرَفَ ؛
- أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَ
- حَمَلُوا فَحَمَلْنَا ، وَ
- أَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا ،
ثُمَّ
إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَىٰ الرُّكَبِ ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ ،
قَالُوا :
- مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ ، فَــ
مَتَى نُدْرِكُ هَذِهِ ؟ وَاللَّهِ لَانُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُصَدِّقُهُ أَبَدًا [(241)]
قلت(الرمادي):" قول صريح ليس ما بعده من تصريح وتبيان ووضوح !!!







" نذهب لأبي زهرة إذ كتب يقول :"العصبية العربية الجاهلية التي كانت مستمكنة فى النفس العربية يتوارثونها جيلا بعد يل، فالعرب تنفس علىٰ قريش مكانتها، وقريش تنفس علىٰ بنى قصى ما لهم من مكانة، بنو قصي وغيرهم ينفسون علىٰ بنى عبدمناف، وبنو أمية ينفسون علىٰ بنى هاشم رياستهم لعرب، وكونهم فى المكانة العليا من سدانة البيت والقيام عليه، فهاشم ورث الرياسةمن عبدمناف، وعبدالمطلب أخذها عن هاشم، وأبو طالب ورثها عن عبدالمطلب.
فالدعوة الإسلامية تعرضت لعداوة من عادوا قصيا وتعرضت لمن عادوا عبدمناف، ثم تعرضت لمن كانوا أعداء لبنى هاشم،


ومن كل هؤلاءتكونت المقاومة، ولعل أمثل صورة لهذه العداوات مجتمعة هو عمرو بن هشام الذي اشتهرفى الإسلام باسم أبي جهل - وهو به جدير -. فقد كان فرعون هذه الأمة، وإن لم يكن فرعون فى مثل سفهه وحنقه ورعونته.
نسمع من عند أبي زهرة :





فناداه رسول الله-صَلَّى للَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بكنيته :" أبا الحكم ". [(242)]:" كَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ أَبَا جَهْلٍقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ، وَلَكِنَّ بَنِي قُصَيٍّ قَالُوا : فِينَا النَّدْوَةُ


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


فِينَا الْحِجَابَةُ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


فِينَا السِّقَايَةُ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ .وَذَكَرَ نَحْوَهُ[(243)] .


والرواية بتمامها «عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ : إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ رَسُولَاللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي أَنَا وَأَبُو جَهْلِ بْنِهِشَامٍ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ مَكَّةَ ، إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِوَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُاللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَآلِهِ وَسَلَّمَ- لأَبِيجَهْلٍ : " يَا أَبَا الْحَكَمِ ، هَلُمَّ إِلَىٰ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ ، وَإِلَىٰ رَسُولِهِأَدْعُوكَ إِلَىٰ اللَّهِ ،


قَالَ أَبُو جَهْلٍ :يَا مُحَمَّدُ ، هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا؟


هَلْ تُرِيدُ إِلاأَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ ،


فَوَاللَّهِ لَوْأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ مَا اتَّبَعْتُكَ ،


فَانْصَرَفَ رَسُولُاللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ ،


فَقَالَ :فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقًّا ، وَ


لَكِنَّ بَنِيقُصَيٍّ ، قَالُوا : فِينَ االْحِجَابَةُ ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


فَقَالُوا : فِينَاالنَّدْوَةُ ،


فَقُلْنَا: نَعَمْ ،


ثُمَّ قَالُوا :فِينَا اللِّوَاءُ ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


قَالُوا :فِينَاالسِّقَايَةُ ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


ثُمَّ أَطْعَمُواوَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ ،


قَالُوا : مِنَّانَبِيٌّ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ " .[(244)]


وَفِي صَحِيحِمُسْلِمٍ[(245)] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَدِمَ ضِمَادٌ[(246)] مَكَّةَوَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ ، فَسَمِعَسُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ : " إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ" ، فَــ


قَالَ : " لَوْأَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَىٰ يَدِي" ،


قَالَ : "فَلَقِيتُ مُحَمَّدًا " ،فَــ


قُلْتُ : "إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَىٰ يَدِي مَنْشَاءَ ، فَهَلُمَّ " ،فَــ


قَالَ مُحَمَّدٌ:" إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، مَنْ يَهْدِاللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، أَشْهَدُأَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًاعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَمَّا بَعْدُ " قَالَ : فَــ


قَالَ : "أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ ". فَــ


أَعَادَهُنَّعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِوَسَلَّمَ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ،فَــ


قَالَ : "وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ ، وَقَوْلَالشُّعَرَاءِ ، فَمَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ ، وَلَقَدْبَلَغْنَ نَاعُوسَ[(247)]الْبَحْرِ". فَــ


قَالَ : " هَاتِيَدَكَ أُبَايِعُكَ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ " ،


قَالَ : فَبَايَعَهُرَسُولُ اللَّهِ --صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِوَسَلَّمَ-فَــ


قَالَ : "وَعَلَىٰ قَوْمِكَ " ،فَــ


قَالَ : وَعَلَىٰقَوْمِي".[(248)]الْحَدِيثَ





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
نال شرف مراجعة وقراءة وكتابة هذاالفصل :" بدايات ﴿ „ البعثة المحمدية".
د. محمد الرمادي
الخميس ١٧ جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ ~ ٣١ديسمبر ٢٠ ٢ م


(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ ِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 02 / 01 / 2021 42 : 02 PM

[ ٧٥ ]: 《 حجر يثبت نبوته.. فما بال البشر 》
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
[ ٧٥ ]:حجر يثبت نبوته فما بال البشر !
مِنْ شَوَاهِدِ نُبُوَّتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَبَرَكَتِهِ [(249)].:
ما زلتُ مع حضراتكم اتكلم عن بدايات البعثة المحمدية وارهاصاتها ومقدمات الرسالة النبوية زمن العهد المكي؛ وهي المرحلة الأولى من مراحل الدعوة المحمدية ونقطة البداية في نشر الرسالة الإسلامية في بحثٍ عن :




آيَاتِ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ[(250)].






.. وهذا البحثُ مقدمةٌ بالغةُ الأهمية في إثبات نبوته وتحقيق رسالته فيترتب علىٰ ذلك تصديق ببعثته ثم إتباع ما جاء به وحياً من عند ربه -تعالى ذكره- أضيفها -ولي الشرف والفخر- لما سبق من بحوثٍ أثبتُ -بعون الله -تعالى ذكره- وسداده وفضله وتوفيقه- بها صدق أخباره وصحة أقواله؛ وأن القرآن الكريم؛ الذكر الحكيم مِن عند الذي أرسله-سبحانه وتعالى- وأن سُنته الطاهرة العطرة وحي من عند رافع السموات بغير عمد نراها وأنهما -آيات الذكر الحكيم والسنة النبوية العطرة- تنسبا إنزالاً إلىٰ علام الغيوب جاءه الوحي مِن ربه-تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- بها {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} {عَلَّمَهُ شَدِيدُالْقُوَى }[(251)]. و
لقوله[ﷺ] :"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ﴿„ إنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللَّهِ؛ وَ سُنَّتِي ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّىٰ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾ فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ." [(252)]. و
جاء في خُطْبَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظةٍ آخرىٰ فِي حديث حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وجاء مِن بين بنودها أنه قَالَ ﴿„ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ ؛ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ ‟﴾ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [(253)]،وَ
برواية آخرىٰ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿„ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّىٰ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾[(254)].
ولا نغفل أن رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جاءت بلفظ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ-﴿„ إِنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ اثْنَيْنِ لَنْتَضِلُّوا بَعْدَهُمَا أَبَدًا : كِتَابَ اللَّهِ وَ نَسَبِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾ [(255)]. و
تأتي إضافةٌ أثبتها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-﴿„ إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا ، مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّتِي ، وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾.[(256)].
و
خلاصةُ هذا الجزء مِن البحث أنه يجب الأخذ بكتاب الله -تعالى ذكره- والأخذ بسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهما علىٰ درجة واحدة مِن حيث الاعتماد عليهما؛ وبحوث إثباتات النبوة وتأكيد الرسالة تبدء -أصلاً- بإثبات الآلوهية؛ فتحقيق الربوبية -في عقولنا وافهامنا ومداركنا-؛ فتفعيل الحاكمية -في تصرفاتنا وأعمالنا وسلوكنا وأقوالنا-؛ ومن ثم إثبات أنه -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل جميعاً - عليهم مِن الله تعالى السلام الرحمة والبركة- بشراً مبلغين وهاديين ومنذرين، وهذا مِن مبادئ الإسلام؛ بمعنىٰ الإيمان برُسِلِه وكتبه ؛ ومَن يراجع معي تلكم البحوث -والتي نشرت علىٰ موقع أهل العلم؛ يجد أنني بدأتُ في الحديث عنها -إثباتات النبوة وتأكيد الرسالة- منذ :
- عهد آدم أبي البشر -عليه السلام- و
- عززت ذلك بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل وأبنه الذبيح إسماعيل ابن هاجر القبطية -المصرية- وما
- أثبته من قول كليم الله موسى بن عمران و
- بشرى المعجزة المسيح عيسى ابن مريم العذراء الزهراء البتول -سلام الله تعالى عليهم وصلواته وبركاته أجمعين-.





-**-







وانتقل مِن اقوال السادة الأنبياء الكبار-صلوات الله تعالى وسلامه وبركاته عليهم أجمعين- إلىٰ باب مِن مجلد جديد؛ سأكمله بمشيئته تحت عنوان عريض


«معجزات النبي المختار»






فــ:
" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [(257)] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ .[(258)].
وهناك زيادة مِن سنن الترمذي؛ باب المناقب أثبتها : كَانَ [بِمَكَّةَ حَجَرًا] يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ . [(259)]
و
بيان[(260)] الحديث :
جاء في بعض الروايات أن هذا الحَجر هو الحَجرالأسود: و
قيل غيره، وأنه هو الذي في زقاق بمكة يعرف بزقاق الحجر: أي ولعله غير الحجر الذي به أثر المرفق، فقد ذُكر أنه اتكأ عليه بمرفقه، وهو الذي يقال له زقاق المرفق وغير الحجر الذي به أثر الأصابع[(261)]؛


و


الشيخ / علي القاري-رحمه الله تعالى- [[[المُلَّا علي القاري الهروي (ت. 1014هـ - 1606م؛ غير معروف سنة الميلاد!)]]] قد حدد موضعه وإمام أي باب من أبواب الكعبة!



و:" الْمَعْنَى يَلْتَئِمُ مَعَ خَبَرِ عَائِشَةَ ﴿„ لَمَّا اسْتَقْبَلَنِي جِبْرِيلُ بِالرِّسَالَةِ؛ جَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِــحَجَرٍوَلَا مَدَرٍ وَلَا شَجَرٍإِلَّا سَلَّمَ عَلَيَّ ‟﴾ [(262)].
فــ:" قَوْلُهُ : كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ أَيْ : يَقُولُ :« السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ »؛ كَمَا فِي رِوَايَةٍ « لَيَالِيَ بُعِثْتُ »، وَ
لَفْظُ مُسْلِمٍ إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ [(263)].
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَ


هنا اتطرق إلىٰ أمر آخر ففِي هَذَا إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي بعْضِ الْجَمَادَاتِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ }[(264)].
وَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[(265)]. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً وَيَجْعَلُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ.
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالملك بن عبيدالله[(266)] بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي - وكان واعية[(267)]- عن بعض أهل العلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة، « كان إذا خرج لحاجة -أي لقضاء حاجة الإنسان- أبعد حتىٰ تحسر عنه البيوت[(268)] -حتىٰ لا يرى ببناء- ويفضي إلىٰ شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: «السلام عليك يا رسول الله » [(269)]. وكان « يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرىٰ أحدا » [(270)]. .. فلا يرىٰ إلا الشجر والحجارة.
فمكث [ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-] كذلك يرىٰ ويسمع، ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل -عليه السلام- بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في [شهر ] رمضان[(271)].
قال صاحب نور اليقين :" ليس في ذلك كبير إشكال فقد سخّر الله الجمادات للأنبياء قبله، فــ
- عصا موسى التقمت ما صنع سَحَرَة فرعون بعد أن تحوّلت حيّة تسعىٰ ثم رجعت كما كانت، ولما :
- ضرب بها الحجر نبع منه الماء اثنتي عشرة عيناً لكل سبط مِن أسباط بني إسرائيل عين. وكذلك:
- غيره مِن الأنبياء سخّر الله لهم ما شاء مِن أنواع الجمادات لتدلّ العقلاء علىٰ عظيم قدرهم وخَطَارة شأنهم. [(272)].

قلت(الرمادي) :
وبمراجعة سيرته العطره [إن صح الخبر] في بدايات عمره: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَىٰ الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ.. قَالَ : فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّىٰ جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ :« هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ؛ هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ »؛ فَــ
قَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ :"مَا عِلْمُكَ !".
وهنا الشاهد مِن سرد هذه الرواية كما ذكرها ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح : فَقَالَ : « إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ ﴿„ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ ‟﴾ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا ؛ وَلَا يَسْجُدْنَ إِلَّا لِنَبِيٍّ وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ »[(273)].
وقريب مِن هذا ما رواه جَابِرٌ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِحَجَرٍ ، وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ. [(274)].
وإلى ذلك يشير مَن قال:

لم يبق من حجر صلب ولا شجر * إلا وسلم بل هناه ما وهبا
وإلىٰ ذلك يشير أيضا صاحب الهمزية بقوله:
والجمادات أفصحت بالذي أخـ * ـرس عنه لأحمد الفصحاء
أي والجمادات التي لا روح فيها نطقت بكلام فصيح لا تلعثم فيه: أي بالشهادة له بالرسالة ، ولم تنطق به أهل الفصاحة والبلاغة وهم الكفار من قريش وغيرهم.
وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ :قَالَ » كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا[(275)] فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ » [(276)]
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ ، قَدْ خَضَّبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ ، قَالَ : مَا لَكَ ؟
قَالَ : خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا ،
قَالَ : تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ . فَــ
دَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ،فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّىٰ قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
قَالَ : مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَىٰ مَكَانِهَا .
قَالَ : ارْجِعِي إِلَىٰ مَكَانِكِ فَرَجَعَتْ، فَـــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : حَسْبِي" [(277)].



-*******-




يقول صاحب الحلبية[(278)] : وإلىٰ تسليم الحجر قبل البعثة يشير السبكي في تائيته بقوله:



وما جزت بالأحجار إلا وسلمت * عليك بنطق شاهد قبل بعثة


وأما في حديث عائشة فقد قالت: قال رسول الله: « لما أوحي إليّ جعلت لا أمرّ بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله » و
ما ذكره بعضهم أن الجن قالوا له بمكة: مَن يشهد أنك رسول الله؟
قال تلك الشجرة،
ثم قال لها مَن أنا؟ فــ
قالت: رسول الله ».. فليس من المترجم له. [(279)]
وفي الخصائص الصغرىٰ: وخُصَّ بتسليم الحجر، وبكلام الشجر، وبشهادتهما له بالنبوة، وإجابتهما دعوته. [(280)].
وفي كلام السهيلي[(281)].: يحتمل أن يكون نطق الحجر والشجر كلاما مقرونا بحياة وعلم. ويحتمل أن يكون صوتا مجردا غير مقترن بحياة وعلم. وعلىٰ كلٍ هو علم من أعلام النبوة.



وفي كلام الشيخ محيي الدين بن العربي: أكثر العقلاء، بل كلهم يقولون عن الجمادات لا تعقل، فوقفوا عند بصرهم. والأمر عندنا ليس كذلك؟ فإذا جاءهم عن نبيّ أو وليّ أن حجرا كلمه مثلا يقولون خلق الله فيه العلم والحياة في ذلك الوقت. والأمر عندنا ليس كذلك بل سر الحياة سار في جميع العالم[(282)].



وقد ورد « أن كل شيء سمع صوت المؤذن من رطب ويابس يشهد له، ولا يشهد إلا من علم وأطال في ذلك » وقال قد أخذ الله بأبصار الإنس والجن عن إدراك حياة الجماد إلا من شاء الله كنحن وأضرابنا ، فإنا لا نحتاج إلىٰ دليل في ذلك ، لكون الحق -تعالىٰ- قد كشف لنا عن حياتها عينا وأسمعنا تسبيحها ونطقها، وكذلك :
- اندكاك الجبل لما وقع التجلي إنما كان ذلك منه لمعرفته بعظمة الله -عز وجل-، ولولا ما عنده من العظمة لما تدكدك، والله أعلم. [(283)].
وعند البخاري حديث عن ابي هريرة:"فَقَالَ [رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-] بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَــ
قَالَتْ :" إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ ". وفي نفس الرواية يكمل :" رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّىٰ كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ ... فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ :" هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ .. يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي ". وينهي النبي الروايتين بقوله:" فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا". [(284)].
و " رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- : كَانَ عَلَىٰ شَطِّ مَاءٍ ، وَمَعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، فَقَالَ :" لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَادْعُ ذَلِكَ الْحَجَرَ الَّذِي هُوَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِفَلْيَسْبَحْ وَلَا يَغْرَقْ " ، فَأَشَارَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ ، فَانْقَلَعَ الْحَجَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ ، وَسَبَحَ حَتَّىٰ صَارَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-،وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَشَهِدَ لَهُ بِالرِّسَالَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " يَكْفِيكَ هَذَا ؟ ".. قَالَ : " حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ "، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ، فَرَجَعَ إِلَىٰ مَكَانِهِ ".[(285)].
و
قال القسطلانى:" ولم أره لغيره [قصد فخرالدين الرازي في تفسيره] والله أعلم بحاله".[(285)].



(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية العطرة -على ٰصاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات وكامل البركات-؛ العهد المكي؛ أحداث ما قبل البعثة المحمدية.
نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :"

﴿ „ سلام الحجر والشجر والمدر والجبل عليه قبل مبعثه ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ] .
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
السبت: ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ ~ ٢يناير ٢٠٢١م


-*-*-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 06 / 01 / 2021 23 : 04 PM

[ 76 ] : 》ابتعاث آخر رسالات السماء《
 
[ 76 ] : ابتعاث آخر رسالات السماء
اراد الله -تعالىٰ- ابتعاث آخر رسالات السماء لأهل الأرض جميعاً؛ بعد أن وصل حالهم لما وصلوا إليه رحمةً منه بهم، واراد -تعالىٰ ذكره وجل قدره- إرسال متمم رسله وخاتم أنبيائه -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- للثقلين الجن والإنس[(286)]، فاختار أفضل بقعة علىٰ وجه الأرض؛ واطهر موضع بجوار بيته العتيق الحرام، واختار أفضل قلب واطهره؛ وانبه عقل وازكاه؛ فاصطفىٰ مِن خلقه أحمدا؛ واجتبىٰ مِن ولد آدم محمدا وارتضاه للعالمين المصطفىٰ فأنزل أمين السماء جبرائيل -عليه السلام- علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد -صلى الله عليه وآله وسلم بخمس آيات ؛ الأول من سورة العلق؛ تحوي تكليفين:
- الأول: قراءة وتدبر كتابه الكريم المحفوظ في الصدور؛ الذكر الحكيم والفرقان المبين .. فيترتب علىٰ القراءة والتدبر سلوك يوافق الكتاب ومبني علىٰ سنته العطرة؛ فإنما بُعث- عليه السلام- رحمةً للعالمين : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، و
- الثاني: قراءة فهمية وتدبر عقلي للكتاب -خلق الحياة والكون والإنسان- الذي في الكون منشور له -عليه السلام- ولمن سيؤمن به ويهتدي بسنته ويسير علىٰ طريقه ويلتزم منهجه، فيترتب علىٰ القراءة الفهمية للكتاب المنشور في الكون علماً يفيد البشرية جمعاء؛ فيأتي القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين بمفردة من مفردات الخلق وآحدىٰ آيات الإيجاد من عدم والتنشأة من لا شئ والتكوين بقوله تعالى : كن فيكون وصورة من صور تنشأة الكون والحياة ألا وهي الإنسان : خلق الإنسان من علق ، إذ سبحانه وتعالىٰ اختار زمان البعثة (مِن السنة الميلادية: 671) الخاتمة؛ ومكان الرسالة (نقطة الإبتداء: مكة المكرمة / ومِن ثمَّ نقطة الارتكاز: المدينة المنورة) المتممة واختار -سبحانه- أكرمَ إنسان لدعوته وأفضلهم رتبة لعرض رسالته؛ فهو -تعالى- خالق الزمان وموجد المكان ومحي الإنسان؛ وهذه اللحظة الانبعاثية لرسالة السماء -الجديدة- الخاتمة ولحظة نزول الوحي الآلهي -حدثت- في أعلىٰ منطقة تطل علىٰ كعبة الرحمن بيته المعظم فوق جبل النور بغار حراء كأنها إطلالة علوية آخرىٰ مِن علو الرسالة وعلو المبشر بها تجاور إطلالة مَلك الملآئكة -علو جبرائيل- فمنذ تلك اللحظة سينطلق بعدها نور الهداية الإسلامية وشعاع الوحدانية الربانية ليعم نور التوحيد الكون كله وشعاع تطبيق أحكام القرآن العملية وأحكام الحديث الحياتية التفصيلية كافة المعمورة بأكملها؛ فليست خصوصية المكان -مكة المكرمة- ستوقف الدعوة في مهدها؛ إذ أن الهداية لمَن علىٰ الأرض وسكانها؛ كما وأن خصوصية مَن نزل فيهم بدءاً لن تخصهم فقط؛ وإن كانوا يملكون زمام لغة الوحي المنزل من السماء -اللغة العربية الفصحى وليست اللهجات المحلية أو العامية- وإن كان اللفيف الأول من زوجةٍ عاقلة يجاورها رجل -من عائلتها- متخصص في علم الأديان، وابن عم لصاحب الرسالة تربىٰ علىٰ عين بصيرة في بيته منذ صباه، وصديق طريق... كانوا ومازالوا أشعة ضوئية في سيرتهم العطرة لمن سيجئ من بعدهم، وغيرهم -رضوان الله تعالىٰ ورضاه عليهم جميعا- كثير، بل ستتعداهم، وعليك أن تنظر بعد ذلك لهؤلاء السادة العلماء الكبار؛ علماء أمة الإسلام تجدهم مِن كل حدب اتوا وصوب جاءوا؛ فهذا الحبشي وهذا الفارسي وهذا الرومي وهذا الأعجمي وهذا البخاري وهذا النيسابوري وهذا القرطبي وهذا الأندلسي وهذا المِصري وهذا التونسي وهذا المغربي وهذا الموريتاني وهذا النمساوي وهذا الألماني وهذا الأمريكي، وضعوا بصمة ناصعة البياض في طريق فهم وتبليغ الإسلام بشقيه: الذكر الحكيم وهدي النبي الكريم.
في لحظات البعثة الأولىٰ؛ وهي لحظات حرجة كانت -رضي الله تعالى عنها- الأُولىٰ علىٰ كل الأوائل [فأين المرأة المسلمة اليوم؛ اين الأم والزوجة أين الأخت والعمة والخالة والجارة ] : الزوجة والصاحبة فــ :
1 . ] آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ -صاحبة العقل الراجح والنفس السامية العالية – [لطفاً ورجاءً: راجع ما كتبته-الرمادي- على صفحات موقع أهل العلم؛ ونشرته تحت عنوان : أمهات المؤمنين ] وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ -صلى الله عليه وآله وسلم-مِنْ اللَّهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَىٰ أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. فَخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، لَايَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ "[(287)].
في لحظات البعثة الأولىٰ؛ يأتي دور صاحب العلم ليثبت قلب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-ويقنعه بصحة ما سمعه وما رأه


فــ :





2 .] خَدِيجَةُ بَيْنَ يَدَيْ وَرَقَةَ تُحَدِّثُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إلَىٰ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ؛ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ :
قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ ، لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَقُولِي لَهُ : « فَلْيَثْبُتْ » .
فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ. [(288)]



في لحظات البعثة الأولىٰ؛ يأتي تأكيد عقلي يلحقه تثبيت لقلب الرسول مِن رجل متخصص في علم الأديان:
فَلَمَّا قَضَىٰ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ : يَاابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ!!! فَــ


أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَلَتُكَذَّبَنَّهُ وَلَتُؤْذَيَنَّهُ وَ لَتُخْرَجَنَّهُ وَ لَتُقَاتَلَنَّهُ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ، فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى مَنْزِلِهِ . [(289)].
3 .] ابْتِدَاءُ تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- بِالتَّنْزِيلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [(290)].
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ :
إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ِ [(291)]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ :
حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين َ [(292)].
وَقَالَ تَعَالَىٰ:
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [(293)] وَ
ذَلِكَ مُلْتَقَىٰ رَسُول ِاللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ.


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ تَتَامَّ الْوَحْيُ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ مُصَّدِّقٌ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، قَدْ قَبِلَهُ بِقَبُولِهِ، وَتَحَمَّلَ مِنْهُ مَاحَمَلَهُ عَلَىٰ رِضَا الْعِبَادِ وَسَخَطِهِمْ، وَالنُّبُوَّةُ أَثْقَالٌ وَمُؤْنَةٌ، لَا يَحْمِلُهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ بِهَا إلَّا أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَىٰ وَتَوْفِيقِهِ، لَمَا يَلْقَوْنَ مِنْ النَّاسِ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مِمَّا جَاءُوا بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَىٰ.
قَالَ : فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَٰ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، عَلَىٰ مَا يَلْقَىٰ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْأَذَىٰ[(294)].
4 .] :" ذِكْرُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ[(295)] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ ذَكَرٍ أَسْلَمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ مِنْ النَّاسِ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَصَلَّىٰ مَعَهُ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَىٰ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- رِضْوَانُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. [(296)]
5 . ] :" إسْلَامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ[(297)] ثَانِيًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ الْكَلْبِيُّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ ، وَصَلَّى بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ."[(298)].
6 .] :" إسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ[(299)]الصِّدِّيقِ[(300)] -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَشَأْنُهُ
[نَسَبُهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُوبَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، وَاسْمُهُ عَتِيقٌ ، وَاسْمُ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِمُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُاللَّهِ ، وَعَتِيقٌ: لَقَبٌ لِحَسَنٍ وَجْهُهُ وَعِتْقُهُ
[إِسْلَامُهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَظْهَرَ إسْلَامَهُ ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ .
[مَنْزِلَتُهُ فِي قُرَيْشٍ وَدَعْوَتُهُ لِلْإِسْلَامِ]
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مَأْلَفًا لِقَوْمِهِ ، مُحَبَّبًا سَهْلًا ، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِهَا ، وَبِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ؛ وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا ، ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ ، فَجَعَلَ يَدْعُو إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ ، مِمَّنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إلَيْهِ . "[(301)]
7. ] :" ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِن ْالصَّحَابَةِ بِدَعْوَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[إسْلَامُ عُثْمَانَ[(302)]وَ
الزَّبِيرِ[(303)] وَ
عَبْدِالرَّحْمَنِ[(304)] وَ
سَعْدٍ[(305)] وَ
طَلْحَةَ [(306)]]
قَالَ : فَأَسْلَمَ بِدُعَائِهِ - فِيمَا بَلَغَنِي؛ الحديث لابن اسحاق –
- عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَ
- الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ . بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَ
- عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِعَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،وَ
- سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبُ بْنُ عَبْدِمَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،وَ
- طَلْحَةُبْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَجَاءَ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ اسْتَجَابُوا لَهُ فَأَسْلَمُوا وَصَلَّوْا .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا كَانَتْ فِيهِ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ ، وَنَظَرٌ وَتَرَدُّدٌ ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ ، مَا عَكَمَ عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ ، وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ".
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ : بِدُعَائِهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ : عَكَمَ : تَلَبَّثَ ، قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:



وَانْصَاعَ وَثَّابٌ بِهَا وَمَا عَكَمَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا النَّاسَ بِالْإِسْلَامِ ،فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ . "[(307)]".
8 . ] إسْلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ[(308)] ، وَ
أَبِي سَلَمَةَ[(309)]، وَ
الْأَرْقَمِ[(310)] ، وَ
أَبْنَاءِ مَظْعُونٍ[(311)] ، وَ
عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ[(312)] ، وَ
سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ[(313)] وَ
امْرَأَتِهِ[(314)] ، وَ
أَسْمَاءَ[(315)] ، وَ
عَائِشَةَ[(316)] ، وَ
خَبَّابٍ[(317)]]
ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَ
أَبُو سَلَمَةُ ، وَاسْمُهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،
وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ: وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُمَنَافِ بْنِ أَسَدٍ- وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنَّى أَبَا جُنْدُبِ -بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.

وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَ
أَخَوَاهُ قَدَامَةُ وَعَبْدُاللَّهِ ابْنَا مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ.
وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ؛ وَ
امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، أُخْتُ عُمَرَ بْن ِالْخَطَّابِ.
وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ .
وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ : هُوَ مِنْ خُزَاعَةَ ".
9. ]
إسْلَامُ عُمَيْرٍ[(318)] وَابْنِ مَسْعُودٍ[(319)] وَابْنِ الْقَارِّيِّ[(320)]]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ[(321)].
وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ . بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ
وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارِّيِّ ، وَهُو َمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلِّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ الْقَارَّةِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْقَارَّةُ : لَقَبٌ( لَهُمْ ) وَلَهُمْ يُقَالُ :

قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَّةَ مَنْ رَامَاهَا
وَكَانُوا قَوْمًا رُمَاةً [(322)]".(*)

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ـــــــــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية العطرة -علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات وكامل البركات-.
العهد المكي؛
[ 76 ] ابتعاث آخر رسالات السماء؛ وبداية نبوة خاتم الأنبياء؛ وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين
نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :" ﴿ بدايات نبوته ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ] .
د. محمد الرمادي
الأربعاء: 23 جمادى الأولى 1442 هــ ~ 06 يناير 2021م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(*) بإذنه تعالى سأكتب مجلدا عن الشخصيات المحورية !
: (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 08 / 01 / 2021 24 : 02 AM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
[ 77 ] : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين؛
نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :" ﴿ بدايات نبوته ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ] .
د. محمد الرمادي





[٥]المجلد الخامس:





الْمُقَدِّمَة:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[(1)].
{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [(2)].
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[(3)].
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[(4)].
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [(5)].
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[*]{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}[*]{وَبَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا}[(6)].
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون}[(7)].





-****-




[١.] الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: بدء الوحي(*) :







بداية العهد المكي:





لما قربت أيام الوحي حَبَّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْخَلْوَةَ وَالتَّعَبُّدَ لِرَبِّهِ [(8)].[(9)]. وَكَانَ يَخْلُو بِـ » غَارِحِرَاءٍ « يَتَعَبَّدُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ [(10)].





وَحَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يوضح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُجَاوِرُ[(11)]. بِغَارِ حِرَاءٍ[(12)] وَيَتَحَنّثُ فِيهِ[(13)]،




- الْحِنْثُ، وَهُوَ الْحِمْلُ الثّقيل، و
كذلك التّقَذّرُ، إنّمَا هُوَ تَبَاعُدٌ عَن ْالْقَذَرِ، وَأَمّا :


- التّحَنّفُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّبَرّرِ؛ لِأَنّهُ مِنْ الْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ؛ خليل الرحمن -عليه السلام-، وَإِنْ كَانَ الْفَاءُ مُبْدَلَةً مِنْ الثّاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّقَذّرِ وَالتّأَثّمِ، [(14)].[(15)]. فــ
- اللفظة من الضداد.
ثم
يرجع- ﷺ - إلىٰ أهله فيتزود لمثلها، وكانت :


- عبادته علىٰ دين إبراهيم -عليه السلام-، وَ
- بُغِّضَتْ إِلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . [(16)].







قَالَ- ﷺ -: " يَا خَدِيجَةُ ، وَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَ هَذِهِ الأَصْنَامِ شَيْئًا قَطُّ وَلا الْكُهَّانِ".[(17)].



عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ بَأَجْيَادٍ[(18)]. إِذْ رَأَى مَلَكًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَىٰ الأُخْرَىٰ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَصِيحُ:


" يَا مُحَمَّدُ أَنَا جِبْرِيلُ[(19)].، يَا مُحَمَّدُ أَنَا جِبْرِيلُ" ، فَــ


ذُعِرَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ، وَ
جَعَلَ يَرَاهُ كُلَّمَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَىٰ السَّمَاءِ ، فَــ
رَجَعَ سَرِيعًا إِلَىٰ خَدِيجَةَ فَأَخْبَرَهَا خَبَرَهُ ، وَقَالَ :


" يَا خَدِيجَةُ ، وَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَ هَذِهِ الأَصْنَامِ شَيْئًا قَطُّ وَلا الْكُهَّانِ ، وَإِنِّي لأَخْشَى أَنْ أَكُونَ كَاهِنًا "(!!!) ،



قَالَتْ : كَلا يَا ابْنَ عَمِّ لا تَقُلْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ أَبَدًا، إِنَّكَ :
1.] لَتَصِلُ الرَّحِمَ ،
وَ
2.] تَصْدُقُ الْحَدِيثَ ،
وَ
3.] تُؤَدِّي الأَمَانَةَ ، وَ
إِنَّ
4.] خُلُقَكَ لَكَرِيمٌ ،
ثُمَّ



انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَهِيَ أَوَّلُ مَرَّةٍ أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ مَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَــ


قَالَ وَرَقَةُ : « وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ عَمِّكِ لَصَادِقٌ ، وَإِنَّ هَذَا لَـــ بِدْءُ نُبُوَّةٍ ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ ، فَمُرِيهِ أَنْ لا يَجْعَلَ فِي نَفْسِهِ إِلا خَيْرًا ».
و
كان لا يرى رؤيا[(20)]. إلا جاءت مثل فلق الصبح، وكانت تلك الرؤيا الصادقة مقدمات الوحي. و


قيل مدتها ستة أشهر. [(21)].
فلما تم له أربعون [(22)]. سنة جاء جبريل [أمين وحي السماء] بالنبوة وذلك في يوم الأثنين لسبع عشرة خلت من رمضان للسنة الحادية والأربعين من ميلاده -ﷺ-، فــ


يكون عمره إذ ذاك أربعين سنة قمرية وستة أشهر وثمانية أيام، وذلك :
يوافق 6 أغسطس سنة 610 م وهو بغار حراء.





تحقيق المسألة :


جاء في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري عن أن أم المؤمنين عائشة [(23)] بنت أبي بكر الصديق . -رضي الله عنها؛ وعن أبيها- أنها قالت:
" أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي:



1.] الرؤيا الصالحة في النوم .... فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.[(24)]
ثم :
2.] حبب إليه الخلاء [(25)] . وكان يخلو بغارحراء [(26)] . فيتحنث فيه : وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله[(27)] . ويتزود لذلك [(28)] . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق [(29)] . وهو بغار حراء فجاءه الملك [(30)] . فقال له أقرأ،فــ
قال له « ما أنا بقارئ(!؟)» [(31)] .
قال« فأخذني فغطني [(32)] . حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني». فــ قال أقرأ. فــ
قلت « ما أنا بقارئ (!؟)» ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فــ قال أقرأفــ
قلت « ما أنا بقارئ (!؟)» فغطني ثالثة ثم أرسلني فقال أقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، أقرأ وربك الأكرم، فرجع بها [(33)] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة-رضي الله عنها- يرجفُ فؤادُهُ فدخل علىٰ خديجة بنت خويلد فــ
قال:« زملوني زملوني »[(34)] ، فزملوه ؛ حتىٰ ذهب عنه الرَّوعُ. فقال لـ خديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي [(35)] .فـــ


قالت خديجة :كلا والله ما يحزنك الله أبداً[(36)] إنك لـ
1.] تصل الرحم [(37)]
و
2.] تحمل الكل [(38)]
و
3.] تكسب المعدوم [(39)] .
و
4.] تقرى الضيف
و
5.] تعينُ علىٰ نوائب الحق[(40)]..... فانطلقت به خديجة حتىٰ أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى ابن عم خديجة ، وكان أمرأً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني. فيكتب من الأنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيرا قد عمى. فـــ


قالت له خديجة :" يا ابن عم(!) اسمع من ابن أخيك "[(41)] ، فــ
قال لي ورقة :" يا ابن أخي ماذا ترى(!؟). فــ
أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فــ


قال له ورقة :"هذا الناموس[(42)] . الذي نزل علىٰ موسىٰ ، يا ليتني فيها[(43)] جذعاً[(44)] ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك[(45)]. فـــ


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أومخرجي هم(!؟)»،
قال:" نعم. لم يأتِ رجلٌ قط بمثل ما جئت به الا عودي، وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزراً [(46)].
ثم
لم ينشب ورقة أن توفى
و « فتر الوحي » [(47)].
فــ أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم مِن القرآن اقرأكما صح ذلك عن عائشة؛ و
روي ذلك عن أبي موسىٰ الأشعري وعبيد بن عمير.
قال النووي:" وهو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف".



فائدة:



كان له من العمر ثلاث وستون سنة، منها: أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا رسولًا، نُبِّئَ بـ إقرأ:" نزول الوحي[(48)].
و
جاءه جبريل في غار حراء، فقال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ ، قال: اقرأ، قال: لست بقارئ ، فغتَّه[(49)]. حتى بلغ منه الجهد، فقال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ [(50)].[(51)]. وبهذه السورة كان نبيًّا، [راجع :" أَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْه".]
ثم
أرسله الله تعالىٰ بسورة المدثر إلىٰ الإنس والجن،
قال بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعتُ بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرُعبْتُ منه، فرجعت فقلت زمِّلوني، فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر[(52)].إلى قوله :{ والرجز فاهجر }.[(53)]. فحميَ الوحيُ وتتابع [(54)].[(55)].
و
بهذه السورة كان رسولًا .- فــ أُرسل بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلىٰ المدينة، بعثَهُ الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلىٰ التوحيد، أخذ علىٰ هذا عشر سنين يدعو إلىٰ التوحيد.









اقول(الرمادي): هذه سُنته وطريقته العملية وهديه في تبليغ شرع ربه وحين غابت سنته وطريقته عن اذهان المسلمين اصابنا ما نحن فيه اليوم من أضطراب في فهم الإسلام وضعف شديد طرأ على الأذهان في أدراك وفهم الإسلام(!؟).





الدعوة إلىٰ الإسلام
بدأ بالدعوة إلىٰ الله تعالىسرًا، فأسلم علىٰ يديه: السابقون الأولون، [انظر: ابتعاث آخر رسالات السماء]
لا خلاف أن مبعثه كان يوم الإثنين، و
قيل بأن الشهر كان ربيع الأول سنة إحدىٰ وأربعين لثمانٍ خلون منه، من عام الفيل وهذا قول الأكثرين[(56)].



" فَلَمَّا كَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ ، أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ بِرِسَالَتِهِ ، وَبَعَثَهُ إِلَىٰ خَلْقِهِ وَاخْتَصَّهُ بِكَرَامَتِهِ ، وَجَعَلَهُ أَمِينَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ . وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَبْعَثَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَ




اخْتُلِفَ فِي شَهْرِ الْمَبْعَثِ . فَــ
- قِيلَ : لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَىٰ وَأَرْبَعِينَ مِنْ عَام ِالْفِيلِ ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَ
- قِيلَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ،وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }[(57)] ،


قَالُوا : أَوَّلُ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ بِنُبُوَّتِهِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ، وَإِلَىٰ هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يحيىٰ الصرصري حَيْثُ يَقُولُ فِي نُونِيَّتِهِ :

وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَشْرَقَتْ *شَمْسُ النُّبْوَةِ مِنْهُ فِي رَمَضَانِ[(58)].





وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا : إِنَّمَا كَانَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَىٰ بَيْتِ الْعِزَّةِ ، ثُمَّ أُنْزِلَ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [(59)].
وَ
- قَالَتْ طَائِفَةٌ : أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، أَيْ فِي شَأْنِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَفَرْضَ صَوْمِهِ .
وَ

- قِيلَ : كَانَ ابْتِدَاءُ الْمَبْعَثِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ[(60)].
وَ
كَمَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مَرَاتِبَ الْوَحْيِ[(61)]. مَرَاتِبَ عَدِيدَةً :
إِحْدَاهَا : الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ ، وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَكَانَ لَا يَرَىٰ رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ .



الثَّانِيَةُ : مَا كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي رَوْعِهِ وَقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :« إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَىٰ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ ».



أَخْرَج عَبْدُالرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ،عَنْ عِمْرَانَ ، صَاحِبٍ لَهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:» مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا قَدْ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ ، وَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهَا لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَقْصَى رِزْقِهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقِهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَىٰ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ ».[(62)].



الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَمَثَّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُخَاطِبَهُ حَتَّىٰ يَعِيَ عَنْهُ مَا يَقُولُ لَهُ ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصَّحَابَةُ أَحْيَانًا .



الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ، وَكَانَ أَشَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَتَلَبَّسُ بِهِ الْمَلَكُ حَتَّىٰ إِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ ، وَحَتَّىٰ إِنَّ رَاحِلَتَهُ لِتَبْرُكُ بِهِ إِلَىٰ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ رَاكِبَهَا . وَلَقَدْ جَاءَ الْوَحْيُ مَرَّةً كَذَلِكَ وَفَخِذُهُ عَلَىٰ فَخِذِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ كَادَتْ تَرُضُّهَا .



الْخَامِسَةُ : أَنَّهُ يَرَىٰ الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا ، فَيُوحِي إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَهُ ، وَهَذَا وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ﷻ ذَلِكَ [(63)] .



السَّادِسَةُ : مَا أَوْحَاهُ اللَّهُوَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا .



السَّابِعَةُ : كَلَامُ اللَّهِلَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ ، كَمَا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ -سلام الله تعالى عليه- ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَثُبُوتُهَا لِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و َسَلَّمَ- هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ .
وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَةً :


ثَامِنَةً: وَهِيَ تَكْلِيمُ اللَّهِلَهُ كِفَاحًا مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ ، وَهَذَا عَلَىٰ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى....
وَ
هِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ بَلْ كُلُّهُمْ مَعَ عائشة كَمَا حَكَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ إِجْمَاعًا لِلصَّحَابَةِ [(64)].
و
كان أول مَن أسلم خديجة -رضي الله عنها-،ثم علي ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر -رضي الله عنهم-، ثم دخل الناس في دين الله واحد بعد واحد، حتىٰ فشىٰ الإسلام في مكة، ثم أمر الله تعالى نبيهبأن يجهر بالدعوة [(65)]. [(66)].، فدعاهم إلىٰ الله، وصعد علىٰ الصفا وقال: « يا بني فهر، يا بني عدي لبطون قريش، حتىٰ اجتمعوا، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج عليكم بسفح هذا الوادي أكنتم مصدقي(!؟) »
قالوا: " نعم (!) ؛ ما جرَّبنا عليك كذبًا"،
قال: « فإني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد»[(67)].
وقد ناصبه صناديد قريش ومَن معهم العداء، ولكن مع ذلك لم يستطع أحد منهم أن يتهمه بصفة الكذب أو صفة غير لائقة، وقد قال الله تعالى؛ فأنزل فيه قرآناً[(68)].... فــ لو عرفوا خُلُقًا ذميمًا فيه ما سكتوا عنه(!!!)– وقد عاش بينهم أربعين عامًا -؛ لأراحهم من التنقيب عن خصلة غير حميدة يتهمونه بها أمام الناس، فوجدوا أن كلمة (ساحر) و (كاهن) هي أنسب الصفات التي يطلقونها عليه؛ حيث يفرق بدعوته إلىٰ الله بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والزوجة وزوجها، واتهموه بالجنون (حاشا لله)؛ لأنه خالف شركهم ودعا إلىٰ عبادة الله وحده، وتابع دعوته إلىٰ الله في المواسم، والأسواق، وخرج إلىٰ الطائف، وأسلم الجن في طريقه عند رجوعه من الطائف، وحصل له من الأذىٰ الكثير فصبر واحتسب.











و اقول(الرمادي):
هذا يحتاج إلىٰ دراسة ومراجعة وتفصيل وفهم مع إدراك الجزئيات المتعلقة بسير الدعوة في مجتمع مكة لنتمكن من إنزالها على واقعنا المعاصر...

-***-


وَاللَّهُ-تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ وجَلَّ قَدْرُه - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ










أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى



الخميس: 24 جمادى الأولى 1442 هــ ~ 07 يناير 2021 م.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مِنْ فيض كرمه -سبحانه وتعالى- ومزيد فضله وعظيم توفيقه أنه -ﷻ- مكنني مِن قراءة ومراجعة أمهات الكتب وعيون الاثر ومِن ثَمَّ تحضير وكتابة ثم صياغة المجلدات الأربعة والتي نشرت تباعاً علىٰ موقع أهل العلم ؛ والذي يُبث من قلب المملكة العربية السعودية؛ المدينة المنورة؛ عاصمة النور النبوي؛ وهذا مِن تفضل وسماحة مدير الموقع/ الأستاذ الأخ: شريف حمدان؛ فـ أشكر الله تعالى أولاً ثم أشكره على تثبيت المجلدات في صدر الصفحة الرئيسة للموقع؛ ، وها أنا أشرع في بداية المجلد الخامس فــ ارجوه - خالقي ورازقي - وادعوه أن يثبت قدمي على الطريق المستقيم ويبصر عقلي بالفهم الصحيح وينور قلبي بــ فهم صحيح مستقيم لكتابه العزيز وسنة نبيه الكريم ... فمن اللهتعالى التوفيق والسداد والصلاح !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
: (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 11 / 01 / 2021 47 : 12 AM

[ 78 ]: "قُولُوالا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا".
 
[ 78 ]: " قُولُوا .. لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ .. تُفْلِحُوا ".
:" قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا[(69)]
هذه المرحلة؛ والتي ابدء الحديث عنها - أقصد المرحلة -العهد- المَكيَّة بمقدماتها وارهاصاتها وأحداثها وتقسيماتها وروابطها ومفاصلها وشخصياتها المحورية - هي المرحلة الأولىٰ مِن مراحل البعثة المحمديَّة؛ وهي بدايات الرسالة النبويَّة المصطفويَّة الأحمديَّة؛ هذه المرحلة تبدءُ تأريخيا بـ (١٣) ثلاثة عشر عاماً قبل الهجرة[(70)] المباركة مِن مَكةَ المكرمة إلىٰ يثرب والتي سيطلق عليها لاحقاً مدينة رسول الإسلام -المدينة المنورة؛ والتي طيَّب الله ثراها بمرقده ومِن بعده بجواره وزيريه في الأرض: صديق هذه الأمة وخليفته الأول في إدارة شؤون المسلمين وفق الكتاب والسُنَّة المحمديَّة، وفاروقها؛ الثاني في الخلافة الراشدة علىٰ منهاج النبوة-، وهي السَنة التي تقارب (٦٠٩) الميلادية[(71)].
لقد كان في مرحلة النبوة[(72)] يخاف من الوحي يأتيه بإحدىٰ صوره؛ ولذلك كان يأتي لخديجةَ -رضي الله عنها وارضاها- شاكيا، ويقول لها: خشيت علىٰ نفسي [(73)]، ويصف الرجل الذي يظهر أمامه ويقول: سطا عليَّ الرجل [(74)]، وكان يجري منه محاولا الهرب مِن أمامه. [(75)]
أما في مرحلة الرسالة[(76)] فكان يأنس بالوحي، ويتعجله، ويخاف أن يتركه ولا يأتيه[(77)]
ولقد اختلف الوحي مع محمد -صلى الله عليه وسلم- في فترة النبوة عن الوحي في فترة الرسالة[(78)]،يقول القاضي عياض[(79)]:«وإنما بدأ الوحي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤيا؛ لئلا يفجأة الملَك، ويأتيه بصريح النبوة بغتة، فلا تتحملها قواه البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة، وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا، وما جاء من :
* . ] رؤية الضوء[(80)]،

و
* . ] سماع الصوت[(81)]،

و
* . ] تسليم الحجر والشجر عليه بالنبوة»[(82)]، حتىٰ يستشرف عظيم ما يراد به، ويستعد لما ينتظره، فلم يأته الملَك إلا بأمر عنده مقدماته[(83)]
يقول ابن كثير[(84)] الدمشقي:« ... بدء الوحي بصورة التدرج يهدئ القلب، ويطمئن النفس..». [(85)]
ومن صور الوحي في بدايته ما يلي:
1-. ] الرؤيا الصادقة:
إذا نام الإنسان انقطع عن عالم الناس، وعاش مع باطنه وإدراكاته اللاشعورية، وخلال النوم تهيم نفس النائم في رؤىٰ تتضمن أفكارا وأحداثا، لا يمكن له أن يتصور حدوثها في حالة اليقظة؛ ولذا كانت الرؤىٰ المنامية تدريباً للإنسان وهو في عالم اللاشعور، علىٰ ما سوف يراه في عالم الإدراك والشعور[(86)].
ولقد كان من رحمة الله برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم أن بدأه الوحي بالرؤيا الصادقة، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح»[(87)]
وبذلك كان الوحي يُعْلِمُ رسول الله وهو نائم بما يريده الله تعالىٰ في رؤىٰ صادقة، صالحة، خالية من الضغث والوهم، وكانت رؤىٰ الوحي في وضوحها وظهورها تشبه ضوء الصبح في بيانه وسطوعه.
جاء في فتح الباري أنه «ثبت في مراسيل عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه أولا في المنام حتىٰ أتاه الملَك بعد ذلك في اليقظة علىٰ الصورة التي أتاه بها في المنام»[(88)]، وقد تعددت الرؤىٰ المنامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يندهش لذلك..
ومنها[(89)] :
- رأى أن آتٍ أتاه، ومعه صاحبان له، فنظروا إليه فقالوا: «هو ، هو»، ثم ذهبوا.. فهاله ذلك، وتساءل عما رأى، وعن حديثهم أمامه، فقال له عمه أبو طالب: « يابن أخي، ليس بشيء»[(90)].
- وأتاه هذا الآتي مرة أخرى، فجاء لعمه، وقال له: يا عم، سطا بي الرجل الذي ذكرت لك، فأدخل يده في جوفي حتى أني أجد بردها ، فخرج به عمه إلى رجل من أهل الكتاب يتطيب بمكة، فحدثه حديثه، وقال: عالجه، فصوب به، وصعد، وكشف عن قدميه، ونظر بين كتفيه، وقال: «يابن عبدمناف، ابنك هذا طيب طيب، للخير فيه علامات، إن ظفرت به يهود قتلته،وليس الرائي شيطانا، ولكنه من النواميس الذين يتحسسون بها القلوب للنبوة»، فرجع به[(91)]
- رأى في منامه أن سقف بيته نزعت منه خشبة، وأدخل فيه سلم من فضة، ثم نزل إليه رجلان، فأراد أن يستغيث فمنع من الكلام، فقعد أحدهما إليه، والآخر إلى جنبه، وأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، وأدخل يده في جوفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجد بردها، فأخرج قلبه، فوضعه على كفه، وقال لصاحبه: «نعم القلب قلب رجل صالح»، فطهر قلبه وغسله، ثم أدخل القلب مكانه، ورد الضلعين، ثم ارتفعا، ورفعا سلمهما، فإذا السقف كما هو، فذكر ذلك لــخديجة بنت خويلد فقالت له: «أبشر، فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا، هذا خير فأبشر»[(92)].
- ورأى في منامه جبريل ومعه نمط من ديباج فيه كتاب فقال له: اقرأ.



[وقد ذكرتُ الحديث في :" [ ٥ ] المجلد الخامس؛ { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين }"، فليراجع هناك؛ مِن منشورات موقع << أهل العلم>>.]
فقال له: "ما أقرأ؟ ".
فغته به حتى ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال: اقرأ.
قال صلى الله عليه وسلم: "ماأقرأ؟".
فغته به حتى ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال له: اقرأ.
قال صلى الله عليه وسلم: "ماذا أقرأ؟ "، قال ذلك إلا افتداء منه أن يعود إليه بمثل ما صنع.
قال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } .
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتهى فانصرف جبريل، وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه، قال: "فكأنما كتب في قلبي كتابا"، فذكر ذلك لخديجة فقالت: أبشر،فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا [(93)].
وهكذا...
تعددت الرؤى، وركزت على قضية إعلام الرسول بنبوته، وتطهيره، وإعلامه ما ينتظره من أحوال وأعمال، حتى لا يفجأه الملَك على صورته الحقيقة، فيصاب بالخوف والاضطراب. [(94)]
إن هذه المقدمة بيان لأهمية الرؤىٰ، وإبراز لدورها في تهيئة الإنسان لأحداث عالم اليقظة، وبخاصة إذا كانت الأحداث غريبة مدهشة.[(95)]
2- . ] نداءات الملائكة:
من صور الوحي الذي بدأ برسول الله نداء الملائكة عليه، وإعلامهم إياه بنبوته، وهو لا يعرف المنادِي، ولا يمكنه تحديد مصدر النداء..
من ذلك ما رواه ابن كثير بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر [(96)].
قالت: «معاذ الله، ما كان الله ليفعل ذلك بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث».
فلما دخل أبو بكر، قالت له خديجة:« يا عتيق، اذهب مع محمد إلىٰ ورقة»[(97)]
فلما دخل رسول الله صلى اللهعليه وسلم أخذ أبو بكر بيده، فقال: «انطلق بنا إلىٰ ورقة».
قال: « ومن أخبرك؟»
قال: «خديجة».
فانطلقا إليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد، يا محمد، فأنطلق هاربا في الأرض .
فقال له:« لا تفعل إذا أتاك فاثبت، حتى تسمع ما يقول لك، ثم ائتني فأخبرني».
فلما خلا ناداه: «يا محمد، قل: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } حتى بلغ { وَلا الضَّالِّينَ } قل: لا إله إلا الله»، فأتى محمدُ ورقةَ، فذكر له ذلك، فقال له ورقة: «أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر بك ابن مريم، وإنك على مثل ناموس موسى، وإنك نبي مرسل» [(98)]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: خرجت مرة حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: «يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل»، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء، فرفعت أنظر إليه فما أتقدم وما أتاخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أتأخر ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا مكة، ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك، ثم انصرفت راجعا إلى أهلي . حتى أتيت خديجة فجلست إليها فقالت: «يا أبا القاسم ،أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك، فبلغوا مكة، ورجعوا إلي!!»
ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: «أبشر يابن عم واثبت،فوالذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكون نبي هذه الأمة ».
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة، فأخبرته بما أخبرتها به، فقال ورقة: «قدوس قدوس! والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت».
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة.
وفي مرة ثالثة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره، وانصرف يصنع كما كان يصنع؛ حيث بدأ بالكعبة فطاف، فلقيه ورقة عند الكعبة، قال له: «يابن أخي، أخبرني بما رأيت وسمعت».
فلما أخبره قال له ورقة: «والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه ولتقاتلنه ولتوذينه، ولئن أدركت ذلك لأنصرن الله نصرا يعلمه»، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه.
ويقول صلى الله عليه وسلم لخديجة: لما قضيت جواري، هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أرَ شيئا، فنظرت عن شمالي فلم أرَ شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا بين السماء والأرض فقلت: دثروني دثروني، وصبوا عليَّ ماء باردا [(99)]
__________
2. 1. ] إن نداءات الملائكة لرسول الله، وتعجبه مما يسمع، دفعه إلىٰ معرفة شيء من أسرار ما يسمع؛ ولذلك كان يرجع لخديجة يقص عليها ما رأى.
وكانت خديجة رضي الله عنها خير معين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تسمع منه وتجتهد في معرفة أسباب ذلك، وتسأل أهل الكتاب عن خبر ما يسمع، وتخبر زوجها رسول الله ﷺ بما يسري عنه ويطمئنه.
وكانت تبحث عن أسرار ما يرىٰ لتطمئن عليه، وتطمئنه رضي الله عنها،
قالت له مرة: «يابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟»
قال: نعم .
قالت: «فإذا جاءك فأخبرني به».
فجاء جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني.
فقالت: «قم يابن عم، فاجلس علىٰ فخذي اليسرىٰ».
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، فقالت: «هل تراه؟»
قال: نعم.
قالت: «فتحول فاقعد علىٰ فخذي اليمنىٰ»، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس علىٰ فخذها اليمنىٰ،
فقالت: «هل تراه؟»
قال: نعم .
فحسرت فألقت خمارها ورسول الله ﷺ جالس في حجرها ثم قالت: «هل تراه؟»
قال: لا .
قالت: «يابن عم، اثبت وأبشر، فوالله إنه لملَك، ما هذا شيطان»[(100)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- . ] كلام الشجر والحجر:
يروي ابن سعد بسنده أن رسول الله حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتىٰ لا يرىٰ بيتا، ويفضي إلىٰ الشعاب، وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال:«السلام عليك يارسول الله»، وكان يلتفت عن يمينه، وشماله، وخلفه، فلا يرىٰ أحدا.([(101)]
وَروىٰ الإمام مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أعرف حجرا كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن ( [(102)]
وقال محمد بن عمر بسنده عن برة بنت تجراة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله تعالى كرامته، وابتداءه بالنبوة،كان إذا خرج لحاجته أبعد، حتىٰ تحسر عنه البيوت، ويفضي إلىٰ شعاب مكة، وبطون أوديتها، فلا يمر بحجر، ولا شجر، إلا قال:« السلام عليك يا رسول الله»، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، فلا يرى إلا الشجر، وما حوله من الحجارة، وهي تحييه بتحية النبوة: «السلام عليك يا رسول الله». [(103)]
وروى ابن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه -رحمهما الله تعالىٰ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا خديجة، إني أرى ضوءا، وأسمع صوتا، لقد خشيت أن أكون كاهنا (!!)،
فقالت:« إن الله تعالىٰ لا يفعل بك ذلك يابن عبدالله؛ إنك تصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتصل الرحم». [(104)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
4- .] لقاء الملائكة:
من رحمةِ الله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- برسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن أخذ يهيئه للقاء ملَك الوحي، وذلك بإرسال الملائكة إليه، تعلمه كلمة، أو شيئا ما؛ ليستعد بذلك علىٰ ملاقاة جبريل -عليه السلام-.
يروي ابن سعد أن رسول الله لما نزلت عليه النبوة كان يأتيه "إسرافيل" واستمر معه يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل شيء من القرآن علىٰ لسانه([(105)])، يقول أبو شامة: إن «إسرافيل" كان يأتي النبي وهو في غار حراء، فكان يلقي إليه الكلمة بسرعة، ولا يقيم معه، تدرجا وتمرينا..»
وأحيانا كان يأتيه جبريل بصحبة ملك آخر...
يقول ابن عباس رضي الله عنه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل علىٰ الصفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، والذي بعثك بالحق ما أمسىٰ لآل محمد سفة دقيق، ولا كف مِن سويق ، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدةً من السماء أفزعته.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأمر الله القيامة أن تقوم!؟.
فقال جبريل:« لا، ولكن أمر الله إسرافيل فنزل إليك، حتىٰ يسمع كلامك».
فأتاه إسرافيل فقال:« إن الله تعالىٰ بعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض إليك أن أسير معك جبال تهامة زمردا، وياقوتا، وذهبا، وفضة، فإن شئت نبياً ملكاً، وإن شئت نبياً عبداً؟»،
فأوما إليه جبريل: «أن تواضع».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نبياً عبداً ثلاثا ([(106)].
ويقول البراء بن عازب رضي الله عنه:أتاه جبريل وميكائيل، فنزل جبريل وبقي ميكائيل واقفا بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: «أهو ... هو؟»
قال: «هو ... هو
قال: «فزنه برجل»، فوزنه به فرجحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: «زنه بعشرة»، فوزنه فرجحهم.
قال: «زنه بمائة»، فوزنه فرجحهم.
قال: «زنه بألف»، فوزنه فرجحهم.
ثم جعلوا يتساقطون عليه من كفة الميزان.
فقال ميكائيل: «تبعته أمته ورب الكعبة»،
ثم أجلسني علىٰ بساط كهيئة الدرنوك، فيه الياقوت واللؤلؤ ، فقال أحدهما لصاحبه: «شق بطنه»، فشقه، فأخرج منه مغمز الشيطان، وعلق الدم فطرحها، فقال أحدهما لصاحبه: «اغسل بطنه غسل الإناء،واغسل قلبه غسل الملاء»، ثم قال أحدهما لصاحبه: «خط بطنه»، فخاطه، ثم أجلساه فبشره جبريل برسالة ربه حتى اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم.[(107)]
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال:«بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس، وعنده جبريل؛ إذ سمع نقيضاً من السماء من فوق، فرفع جبريل بصره إلىٰ السماء فقال:« يامحمد، هذا ملك قد نزل، لم ينزل إلىٰ الأرض قط». [(108)]
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك:

فاتحة الكتاب ،
و
خواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ حرفا منها إلا أوتيته»[(109)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
5- . ] مجيء جبريل -عليه السلام- بالقرآن:
استمر الوحي بالمقدمات مع رسول الله علىٰ النحو المبين، وأدرك محمد صلى الله عليه وسلم أن أمراًعظيماً ينتظره، وسمع من زوجته، ومن ورقة، ومِن غيرهما: أن الذي يراه ويسمعه هو الوحي الذي كان يأتي موسى وعيسى والأنبياء من قبله -عليهم صلوات الله وسلامه-.
وشيئا فشيئا بدأ يطمئن لما يرىٰ، ويثق فيما يسمع حتىٰ جاءه جبريل -عليه السلام- بأول آية قرآنية أمره الله تعالىٰ أن يقرئه بها، تصور السيدة عائشة رضي الله عنها نزول جبريل بأول آية قرآنية علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول رضي الله عنها: جاءه الملَك "أي جبريل" وهو في غار حراء، فقال: اقرأ.
قال: "ما أنا بقارئ"........... فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ([(110)]
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: "زملوني زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
ثم قال: "يا خديجة، ما لي؟ " وأخبرها الخبر،"لقد خشيت علىٰ نفسي".
فقالت خديجة له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَل، وتقري الضيف، وتعين علىٰ نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة لأبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي والعبراني، فكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وقد عمي في شيخوخته.
فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك.
فقال ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟
فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم؟ ".
فقال ورقة: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي.[(111)]
يخبرنا د. غلوش:" ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن الهداية التي جاءته، ومع أنه كان علىٰ يقين بالفوز العظيم بمجيء جبريل؛ ولذلك قال لخديجة: أرأيتك الذي كنت أخبرتك أن رأيته في المنام؟ فإنه جبريل، استعلن لي، وأرسله إليَّ ربي .. ومع كل ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أصيب بالروع، وخشي على نفسه.
وهذا الخوف الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء جبريل عليه السلامجعل البعض يتساءل عن سبب هذا الخوف؛ لأن المقام مقام سرور و رضىٰ، وليس مقام رهبة و هلع.
وقد تناول العلماء هذه المسألة، ورأوا أن الخوف لم يكن من النبوة، أو من الوحي، وإنما كان من تصوره أذى يأتي من الغط الشديد، أو من ثقل المسئولية، أو لأن الحوار لم يكن عاديا.. فلقد أمر جبريل -عليه السلام- محمدا صلى الله عليه وسلم بالقراءة ثلاث مرات، وغطه بشدة ثلاث مرات أيضا، والرسول يقول له: "ما أنا بقارئ"، وينتشر خبر ذلك عند خديجة، وأبي بكر، وورقة، ويتحدث عنه أهل مكة؛ ليكون حديثهم تعريفاً بمحمد، وتنبيها علىٰ منزلته عند الله، والناس، فضلا من الله ونعمة.
يقول الإسماعيلي[(112)]: « إن العادة جرت بأن الأمر الجليل إذا قضىٰ الله تعالى بإيصاله إلى الخلق أن يتقدمه ترشيح وتأسيس، وكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك، فلما جاءه الملَك فجأه بغته بصورة تخالف العادة والمألوف، نفر طبعه البشري منه، وهاله ذلك، ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال؛ لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه، وينفر وطبعه منه، حتى إذا اندرج عليه، وألفه استمر عليه، فلذلك رجع إلى خديجة التي ألف تأنيسها له، فأعلمها بما وقع له، فهونت عليه خشيته، مما عرفته من أخلاقه الكريمة، وطريقته الحسنة، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة؛ لمعرفتها بصدقه، ومعرفته وقراءته الكتب القديمة، فلما سمع كلامه أيقن بالحق، واعترف به، وأشار الإسماعيلي كذلك إلى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة: أن يكون سببا في انتشار خبره، في بطانته، ومن يستمع لقوله، ويصغى إليه، طريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا على محله[(113)] ويعرفوا مقامه صلى الله عليه وسلم.
ومع لقاء جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم وإقرائه أول سورة العلق نلاحظ بعض الملاحظات:
الأولى: غط جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات؛ ليجعل التفاته وفكره إليه وحده، دون الانشغال بغيره، ويعرفه بثقل الرسالة، وضخامة المسئولية، ويتعود على التلقي من الوحي فقط.
وليكن صبورا حين التبليغ.
ويعلم أن تكرار الطلب منهج في نشر دين الله تعالىٰ.
وليتأكد صلى الله عليه وسلم بتكرار الغط أن ما يحدث حقيقة واقعية ملموسة، وليست خيالا أو وهما.
لقد كان جبريل -عليه السلام- في أشد الاشتياق للقاء محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك ضمه إليه، وقبله أكثر من مرة.
كان من الممكن أن يلقن جبريل -عليه السلام- محمدا صلى الله عليه وسلم بما يلقنه شفاهة من بعد، ويمضي، لكنه فعل ذلك بأمر الله تعالىٰ؛ ليؤكد خطورة الأمر، وأهميته، وضرورة بذل الجهد، وتحمل المشاق في أداء الواجبات الخطيرة،

و
هل هناك أخطر من مهمة الرسالة والدعوة؟!!
وكان من الممكن أن يتم اللقاء مناما، لكن الله تعالىٰ أراد أن يطلع رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم على صورة روحه الأمين، كما أراد له أن يعرف أهم صور الوحي بعد أن عاش الرؤى، وسمع النداء، وشاهد الجمادات تناجيه، وعاش الخلوة بفكره، أراد الله له بعد ذلك أن يتعود على صورة الوحي التي ستستمر معه، وقد كان، فجاء جبريل وأقرأه أول سورة العلق.
الثانية: في بدء الوحي بـ"اقرأ" بيان لموقف الإسلام من القراءة، ومن العلم كله، فالقراءة أساس معرفة الدين، بها يحفظ القرآن، وتصان السنة، وتفهم الشريعة، وبها تكون الدعوة، وحماية الإسلام ... وبالعلم تحيا الأمة، وتحافظ على الضرورات الشرعية جميعا، وتنظم كافة جوانب الحياة.
الثالثة: قدمت خديجة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة للزوجة العظيمة المثالية، فلقد كانت تعيش حياة رسول الله لحظة بلحظة، تتمنى له الخير، تشاركه في كل ما يعن له، وتهتم بكل ما يهمه.
لقد أعطته مالها فأغنته صلى الله عليه وسلم به، وأبعدته عن متاعب الفقر ومشاغله، ولما بدأ الوحي مناما ونداء وضوءا كانت تطمئنه، ولكنها من ورائه كانت تبحث عن حقيقة ما يرى صلى الله عليه وسلم خوفا عليه وحذرا.
وكانت رضي الله عنها إذا غاب عنها ترسل في طلبه مَن يبحث عنه[(114)]
كما ذهبت وحدها إلى ورقة، وأخبرته بخبر زوجها، تريد أن تعرف شيئا عنه، فقال لها ورقة: قدوس، قدوس، والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة.[(115)]
ولم تكتفِ بما سمعت عن ابن عمها ورقة، بل ذهبت مرة أخرى إلى غلام[(116)] لعتبة بن ربيعة بن عبدشمس[(117)] -نصراني من أهل نينوى- يقال له: <<عداس>>، فقالت له: «يا عداس، أذكرك الله إلا ما أخبرتني: هل عندكم علم عن جبريل؟»
قال عداس: «قدوس، قدوس، ما شأن جبريل يُذكر هذه الأرض التي أهلها أهل أوثان(!!؟)
فقالت: «أخبرني بعلمك فيه».
قال عداس:« هو أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام».[(117)]
لقد تميزت خديجة رضي الله عنها بكمال الخِلْقَة والْخُلُق، يقول عنها صلى الله عليه وسلم: خير نسائها خديجة بنت خويلد [(118)]
وقد جعلت عقلها الكامل في خدمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، وكانت رضي الله عنها خير معين لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك بشرها الله ببيت في الجنة[(119)]
ونلحظ مدى ملاطفتها وتقديرها لزوجها في مناداته : <<يا بن عم >>.. ولذلك فقد استحقت التقدير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: إني رزقت حبها . [(120)] .

[الرجاء مع الشكر مراجعة ما بحثه الكاتب تحت عنوان عريض :" أمهات المؤمنين : السيدة خديجة بنت خوبلد.. زوجة محمد؛ النبي الرسول - عليها سحائب الرحمة والرضوان - والحمد لله تعالى نشر على موقع :"أهل العلم".]
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
أعد هذا الملف :
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
الأحد : ٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٢ هــ~ 10 يناير 2021م..
".
:
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 24 / 01 / 2021 52 : 11 PM

[79] : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )
 
[79]: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) .
{ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[(121)]
1. ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلصِينَ ؛ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَعِدَالصَّفَا[(122)] وَهَتَفَ :

يَا صَبَاحَاهُ .
فَقَالُوا : « مَنْ هَذَا ؟ » .
فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ... أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟.
قَالُوا : « مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا » ،
قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيَّ عَذَابٌ شَدِيدٌ
قَالَ أَبُو لَهَبٍ [(123)] : >> تَبًّا لَكَ ! <<؛
"مَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهَذَا ؟".
ثُمَّ قَامَ ،
فَنَزَلَتْ : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } [سورة المسد آية 1] وَقَدْ تَبَّ . هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ[(124)] يَوْمَئِذٍ.
2.] وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالا : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَضَمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلا أَعْلاهَا حَجَرًا ثُمَّ نَادَى : يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ،إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ ؛ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ ، فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ : يَا صَبَاحَاهُ ! .
3.] وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ ، قَالا : إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ : «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] قَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا . . ».
4.]. وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ :« بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَجَمِيعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ ، إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : >> أَلا يَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمَرْءِ .أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ؟<<... فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا .
فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةُ ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلاةَ قَالَ :اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ،

ثُمَّ
سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَعِمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ .
قَالَ عَبْدُاللَّهِ : «فَوَاللَّهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ »، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً ».
5.]. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما-: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ : « بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ :{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } [سورة غافر آية 28] ».
6.]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ أَبُو جَهْلٍ: >> هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ <<.
فَقِيلَ : "نَعَمْ" .
فَقَالَ: >> وَاللاتِ وَالْعُزَّى ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ،لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ ، وَلأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ <<.
قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي ،

زَعَمَ :
لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ ،قَالَ : فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : "مَا لَكَ ؟ "
فَقَالَ: >> إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلٍ وَأَجْنِحَةٍ <<، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ دَنَا لاخْتَطَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا .
7.] . وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ ».
فَقَالَ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَا لَيْلِ بْنِ عَبْدِكَلالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ، فَنَادَانِي فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ » .
قَالَ : فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ ،
ثُمَّ قَالَ :

« يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ؟
إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ » .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهْم مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا . [(125)]


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعد هذا الملف :
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
الأحد : ١١ جمادى الثانية ١٤٤٢ هــ~ ٢٤ يناير ٢٠٢١م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
( يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
: (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 28 / 01 / 2021 14 : 07 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 
80 الإيذاء علىٰ يد سفهاء المشركين
[ ٨٠ ] : الإيذاء علىٰ يد سفهاء المشركين
تمهيد :
صبر الرسول -ﷺ- علىٰ أذىٰ المشركين
اقتضت حِكمة الله-تعالىٰ- أنْ يبتلي أنبياءَه ورسلَه -صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً- بأنواعٍ شتَّى من الإيذاء علىٰ يد أعدائهم؛ ليكونوا قدوة لأتباعهم في الصبر علىٰ الإيذاء في سبيل دعوتهم، فــ
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: « يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ »؛
قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَىٰ الْعَبْدُ عَلَىٰ حَسَبِ دِينِهِ ...فــ لم يبعث الله -تعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماؤه- نبيّاً أو رسولاً إلىٰ قومٍ مِن الأقوام إلا ولاقىٰ هذا النبي والرسول الصعوبات في رحلته الدعويّة ومسيرته التبليغية؛ وشاءت مشيئة الله -جلَّ جلاله- أن تكون الدنيا دار ابتلاء، لذلك لا بدَّ أن يمتحن الإنسان فيما يكره، لا فيما يحب.
فـ
مِن شمائل النبي -ﷺ- ، صبره علىٰ أذىٰ المشركين. فقد شاء الله تعالىٰ أن تكون الدنيا دار ابتلاء { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } [سورة الملك]؛ و
جاء: { وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } [سورة المؤمنون]؛ و
نطق القرآن الكريم بالقول: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [سورةالعنكبوت]؛ و
قال تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } [سورة الأحقاف : من آية35].
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :« لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ؛ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ؛ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ»
تنبيه:
ومِن الخطأ في القول أن نقول بأنه-ﷺ- خاف علىٰ نفسه أو ماله بل كانت قولته « أُخِفْتُ »؛ وفارق بين هذه الحالة وبين «خفتُ»... ولا تظهر من سيرته العطرة حالة خوف إطلاقاً!
الإمام الشافعي - رحمه الله تعالىٰ- حينما سُئل: "ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين!؟"،
فقال: « لن تمكن قبل أن تُبتلىٰ».
*--*-*-*-*-*-*-*
السادة الكرام والسيدات العفيفات!

نتدارس اليوم صفحةً مِن حياة النبي-ﷺ- في الفترة [ العهد ] المكية قبل الهجرة؛ وفي طياتها مراحل عدة ومفاصل متشابكة، وهي صفحة مُؤلِمة علىٰ النفس الإنسانية والسَّلِيقَةِ الآدمية والطبيعة والسَجِيّة والفِطرة البشرية... فيها يتعرَّض النبي -ﷺ- لأشد أنواع الإيذاء علىٰ يد سفهاء قومه مِن المشركين الذين ناصبوه العَدَاء، فحاربوه ووقفوا في طريق دعوته.
وقد تعدَّدت وسائل محاربتهم للنبي-ﷺ- ولدعوته،فــ
منها :
- الحرب النَّفْسية و
- الدعائية و
- الإعلامية، و
منها :
- الحرب المادية و
- الإيذاء الجسدي...فـــ
النبي -ﷺ- حينما جاء بالدعوة عومل معاملة قاسيةٌ إذ إنَّ قُرَيْشًا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ لِلشَّقَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ-ﷺ- وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْهُمْ -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين-، فَــ
- أَغْرَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- سُفَهَاءَهُمْ، فَــ
- كَذَّبُوهُ وَ
- آذَوْهُ، وَ
رَمَوْهُ بِــ
- الشِّعْرِ وَ
- السِّحْرِ وَ
- الْكِهَانَةِ وَ
- الْجُنُونِ، وَ
رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- :
- مُظْهِرٌ لِأَمْرِ اللَّهِ ؛
- لَا يَسْتَخْفِي بِهِ،
- مُبَادٍ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ، وَ
- اعْتِزَالِ أَوْثَانِهِمْ، وَ
- فِرَاقِهِ إيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.
.. فشلت محاولاتُ قريشٍ الدعائية والإعلامية بين الأشخاص وعند مواسم والكاذبة في وقف دعوة النبي -ﷺ-، فاشتدَّ غضبها وازداد غيظها، وعَظُمَ حَنَقُها علىٰ النبي -ﷺ- ومَنْ معه، فلجؤوا إلىٰ الإيذاء الجسدي ولنأتي بمثالا:
« قلتُ [أي :الحارث بن الحارث الغامدي] لأبي؛ ونحنُ بمنًى ما هذِهِ الجماعةُ!؟،
قالَ:" هؤلاءِ قومٌ اجتمَعوا علىٰ صابئٍ لَهُم"،
قالَ:" فأشرَفْنا"، فــ
إذا رسولُ اللَّهِ -ﷺ- يدعو النَّاسَ،
قالوا:" يا رسولَ اللَّهِ تدعو النَّاسَ إلىٰ توحيدِ اللَّهِ -تعالىٰ- والإيمانِ بِهِ؛ وهُم يردونَ عليهِ قَولَهُ ويؤذونَهُ... حتَّى ارتفعَ النَّهارُ انصدعَ عنهُ النَّاسُ... وأقبلتِ امرأةٌ قدبدا نحرُها تبكي... تحملُ قدحًا فيه ماءً ومنديلًا... فتناولَهُ مِنها وشرِبَ وتَوضَّأَ... ثمَّ رفعَ رأسَهُ إليها فـــ
قالَ:يا بُنَيَّةُ خمِّري عليكِ نحرَكِ ولا تخافي على أبيكِ غلبةً ولا ذُلًّا ...
فقُلنا :" مَن هذِهِ!!؟"،
قالوا:" هذِهِ زينبُ ابنتُهُ"» .
[ أَشَدُّ مَا أُوذِيَ بِهِ الرَّسُولُ -ﷺ- ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : « أَنَّأَشَدَّ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا كَذَّبَهُ وَآذَاهُ، لَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إلَىٰ مَنْزِلِهِ، فَتَدَثَّرَ مِنْ شِدَّةِ مَا أَصَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- عَلَيْهِ: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ } ».
**
أولاً :" العنصر الأول: الإيذاء النفسي والمعنوي لرسول الله -ﷺ-:
يبدأ الأذىٰ من قِبل الكفار، فيُوصَف ما جاء به الرسول -ﷺ- من الهدىٰ والنور والضياء والشفاء والرحمة، يُوصَف بأنه شِعر أو سحر أو كهانة، فيُتَّهَم بأنه -ﷺ-، مجنون وشاعر وساحر وكاهن، ويأتي الاتهام بالسحر، ومثلُه في سياق العجز والهروب من العقل: { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } [الصافات:36]، وبينما يتهمه المشركون بهذه التهم ينفيها عنه رب العالمين: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } [يس: 69]، { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ } [الطور: 30، 33]، ويستمر مسلسل التعريض والسخرية به -ﷺ- : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف:31]،فيشكك في استحقاقه لرسالة ربه -سبحانه وتعالىٰ-.
ويحزن الرسول -ﷺ-، وهو يعلم أنه علىٰ الحق، وأنه يدعو إلىٰ الهدىٰ والنور، فيُواجَه بهذا السيل من التهم والافتراءات، فينزل القرآن مرة أخرىٰ علىٰ رسول الله-ﷺ-،مثَبِّتًا له ومؤيدًا وآمرًا له -ﷺ- بالصبر علىٰ ما يقول الكافرون : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَىٰ الْهُدَىٰ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [الأنعام:33 – 35].
كان المشركون يشتمون ويسبون النبي-ﷺ- فكانوا يُسمونه مُذمَّمًا بدلاً من اسمه مُحَمَّد ، فــ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: أَلَا تَعْجَبُونَ كيف يَصْرِفُ اللَّهُ عنِّي شَتْمَ قريشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا،وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ! .
ومن باب السخرية كان المشركون يسألون النبي-ﷺ- المعجزات علىٰ سبيل التعجيز والاستهزاء حينما يفاجَؤُون بالدلائل والمعجزات؛ فــ عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ:" انْشَقَّ الْقَمَرُ علىٰ عَهْدِ النَّبِيِّ -ﷺ- حَتَّىٰ صَارَ فِرْقَتَيْنِ علىٰ هذا الْجبلِ وعلىٰ هَذَا الْجبلِ "، فــ
قالوا:" سحرَنَا مُحَمَّدٌ"، فَــ
قَالَ بَعْضُهُمْ:" لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا، فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ".
استخدم المشركون السخرية والاستهزاء بالنبي-ﷺ-؛ كي يُثنوه عن دعوته، فاتَّهموه بالجنون تارة، وبالسحر تارة، وبالكذب أخرىٰ، وقد عبَّر القرآنُ عن هذه الاتهامات الباطلة، فقال -تعالىٰ-: { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحِجر: 6]، وقال - سبحانه-: { وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4].
الاستهزاء برسول الله -ﷺ-، يقول الله -عز وجل-: { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } [ الأنبياء: 36]، والعجب العجيب والأمر الغريب أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك والله أذية كبيرة تقع كالصخر علىٰ صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذىٰ... رسول الله-ﷺ- يعلم أنه علىٰ الحق وهم يستهزئون به : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا } [الفرقان:41].
يستهزئون بشخصيته -ﷺ-، ولكنه يصبر علىٰ هذا الأذىٰ، وهو يتفكر في قول الله -تعالى عز وجل- يسري عن شخص رسوله: { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِه ِيَسْتَهْزِؤُونَ} [الأنعام:10] لقد دارت دائرة السوء عليهم، وهذا الاستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالاً عليهم.
وكان لهذا الاستهزاء وتلك السخرية أثر في نفس النبي-ﷺ-، وهو الصادق المصدوق، وهو الأمين، المشهود له برجاحة العقل، فواسىٰ اللهُ -تعالىٰ- نبيَّه الكريم قائلاً:{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحِجر:97-99].
**
صبره -ﷺ- علىٰ الاتهامات.
وكان من وسائلهم في تلك الحرب المعنوية إثارة الشبهات والدعايات الكاذبة والباطلة، ولقد صبر رسول الله -ﷺ- علىٰ شتىٰ الاتهامات؛ إنهم اتهموه بالشعر فقالوا أنه شاعر، وأن هذا القرآن إنما هو شعر، وأنهم -أيضاً- شعراء ولو شاءوا أن يأتوا بمثل شعره لأتوا، يريدون أن يحولوا هذاالقرآن عن مجراه العظيم، والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس: نحن نستطيع أن نصنع مثله:{بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ}[الأنبياء: 5]، قالوا:{أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}[الصافات:36]. وقالوا:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: 30]. إنهم ينتظرون نهايته، وينتظرون موته حتىٰ تدفن دعوته في مهدها، ولا تقوم لها قائمة، ولكن الله -سبحانه وتعالىٰ - تولىٰ-بعظمته وقدرته- الدفاع عن رسوله وتثبيت نبيه -ﷺ-:{فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍكَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:38-41].وقال -عز وجل-:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِيلَهُ} [يــس:69] وكلُّ عارفٍ باللغة العربية - بنثرها وشعرها- يعرف أن هذا القرآنليس علىٰ وزن الشعر، وليس شعراً كالذي يقوله الشعراء.
وأوذي -عليه السلام- باتهامهبالسحر:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْأَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَرَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس:2]،{وَقَالَالْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4]،{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْتَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:4]، ولكن الله-تعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- رد عليهم، فقال:{كَذَلِكَمَا أَتَىٰ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْمَجْنُونٌ} [الذاريات:52].
لماذا يريد الجاهليون أن يصموا شخصية رسول الله-ﷺ- بالسحر؟
لأنهم رأوا أن لهذا القرآن الذي يتلوه -ﷺ- على الناس أثراً عظيماً علىٰ نفوس الناس؛ إنه يجذب الأنظار، ويأخذ بمجاميع القلوب، ويشد الأذهان، ويُعمل العقل والفكر في نصوصه، فإن عليه لطلاوة، وإن فيه لحلاوة، ولذلك يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن سبب هذا التأثير؛ سبب هذا التأثير أن هذاالقرآن من عند الله، أن القرآن كلام الله، سبب هذا التأثير أنه نزل من عند الله الخالق الرازق المحيّ الذي خلق هذا الكائن البشري بما فيه من جسد وروح ونفس، ويعلم -سبحانه- ما يؤثر بهذه النفس البشرية، وما تتأثر به هذه النفس الآدمية، إنهم يريدون أن يصرفوا سبب التأثير إلىٰ أي شيء؟ إلىٰ السحر الذي يؤثر كذلك في الناس؛ إنها -والله- دعاية إعلامية -رخيصة- يريدون أن يلبسوا علىٰ الناس الذين يتأثرون بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وصبر -ﷺ-علىٰ اتهامه بالجنون: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}[الحجر:6]. وقالوا:{أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات:36]؛ {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} [الدخان:14].
ليس -هناك- أصعب علىٰ صاحب الإيمان، ومالك العقل الراجح، ورب الرأي السديد، والفكر الصائب، أن يُتهم في عقله، وأن يوصف بالجنون. فتولىٰ الله الرد علىٰ هذه الفرية مثبِّتاً رسوله -ﷺ-:{قُلْإِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّتَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُمبَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:46]. وقال -عزوجل-:{وَمَاصَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22]. وقال -سبحانه وتعالى-: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:1-2].
صبره -ﷺ- علىٰ التكذيب.
وقد صبر رسول الله -ﷺ- علىٰ اتهام كفار قريش له بالتكذيب، {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4].{إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} [الفرقان:4]. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَىٰ اللَّهِ كَذِباً} [الشورى:24]. يقولون هذا من جهة في مناسبات كثيرة، في مواقف متعددة، وهم في مناسبة أخرىٰ في موقف آخر يعلمون ويعترفون بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بكذاب.
فــ
في صحيح البخاري: لما سأل هرقل أبا سفيان في بداية مقابلته له، قال:" هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال!؟"...
هرقل جاءته لحظات من التجرد والإنصاف، ولقد همَّ أن يدخل هذا الدين لولا جشع الملك، وحب الرئاسة، وخوفه من زوال سلطانه، فرجع إلىٰ الكفر، ولكنه قد رأىٰ الحق بأم عينيه. يقول هرقل لأبي سفيان:" هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟"، فرد:" لا". ثم قال له في آخر مقابلته:" وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علىٰ الناس ويكذب علىٰ الله؛ أنت تقول أن محمداً -ﷺ- ما عهدت منه الكذب علىٰ الناس قبل البعثة، ولا يكذب علىٰ الناس، فعلمتُ أنه لم يكن ليذر الكذب علىٰ الناس ثم يكذب علىٰ الله، والكذب علىٰ الله أصعب وأشد من الكذب علىٰ الناس، فعلم أنه صادق.
ولقد تولىٰ القرآن الرد علىٰ هذه المزاعم فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} -كذب-{قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13]. إذا زعمتم أنه كذاب هاتوا عشر سور مثل سور القرآن:{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [هود:13}، لكي تُألِفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل النثروالبلاغة:{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مْصَادِقِينَ} [هود:13}. ثم تنزل القرآن في الرد عليهم إلىٰ ما هو أدنىٰ من ذلك،فقال الله
-عز وجل-:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38]. عظَّم التحدي ونقص المقدار، فظهر التحدي أعظم:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه} [يونس:38}، سورة واحدة فعجزوا، ولما حاول الكذابون أن يأتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مجال سردها، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود:35}. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ}[السجدة:4]. ويُسَري القرآن الكريم والذكر الحكيم عن نفس رسول الله -ﷺ-، ويثبت الله -تعالىٰ- به قلب رسول الله-ﷺ- فيقول:{وَلَقَد ْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُواحَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34].
وقالوا عنه:{إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4]، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان: 5]،وظلُّوا يُرَوِّجون لهذه الشُّبه وتلك الدَّعاوى الباطلة، ولكن القرآن الكريم كان أعلىٰ سطوة وأقوىٰ حُجَّة في وجه هذه الشُّبه والأباطيل، فظلَّ الناس يدخلون في دين الله -تعالىٰ- أفواجاً، وظلَّ عدد المسلمين في تزايد.
فما كان منهم إلاَّ أنْ حاولوا - وبكل قوة - أنْ يمنعوا القرآنَ من الوصول إلىٰ أسماع الناس، فكانوا يطردون الناسَ ويُثيرون الشَّغَب والضَّوْضاء ويلعبون إذا رأوا النبيَّ -ﷺ- يتهيَّأُ للدعوة، قال -تعالىٰ-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26].
ومن حربهم المعنوية أيضاً:
استقبال الناس وتحذيرهم من النبيِّ-ﷺ- ودعوته، ومن هؤلاء الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي، وكان شاعراً لبيباً، رئيس قبيلة دوس، قدم مكة، فاستقبله أهلها قَبْل وصوله إليها، وبذلوا له أجَلَّ تحيَّة وأكرم تقدير، وقالوا له:" يا طفيل! إنك قدمتَ بلادَنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرَّق جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وإنما قولُه كالسِّحر، يُفرِّق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشىٰ عليك وعلىٰ قومك ما قد دخل علينا، فلا تُكلمه ولا تسمعنَّ منه شيئًا".









انظر وانتبه -أيها القارئ الكريم-
إنها الدعاية الكاذبة التي تحمل في طيَّاتها عوامل ضعفها، فهم يخشون من سماعه؛ لأنهم يُدركون أنَّ الحقَّ كل الحق في هذا القرآن العظيم.
يقول الطُّفَيل:« فواللهِ ما زالوا بي حتىٰ أجمعتُ ألاَّ أسمعَ منه شيئًا، ولا أكلمه، حتىٰ حَشَوتُ أُذني - حين غدوت إلىٰ المسجد - كُرْسُفًا (قُطْناً)؛ فَرَقًا من أنْ يبلغني شيء من قوله ».
قال:« فغدوتُ إلىٰ المسجد فإذا هو قائم يُصلِّي عند الكعبة، فقمتُ قريبًا منه، فأبىٰ الله -تعالىٰ- إلاَّ أنْ يُسمعني بعضَ قولِه، فسمعتُ كلامًا حَسَنًا »...
إلىٰ أنْ قال:« فَعَرَضَ علَيَّ الإسلامَ، وتلا عليَّ القرآنَ. فواللهِ ما سمعتُ قولاً قَطُّ أحسنَ منه، ولا أمرًا أعدلَ منه، فأسلمتُ وشهدتُ شهادةَ الحق ».







... وها هو ضِمادُ الأزْدي، وكان يرقي من هذا الريح، قدم مكة فسمع سفهاءها يقولون:" إنَّ محمدًا مجنون"، فقال:« لو إني أتيتُ هذا الرَّجلَ لعل الله يشفيه علىٰ يدي »...فلقيه، فقال:« يا محمد! إني أرقي من هذا الريح، فهل لك؟» فقال رسول الله -ﷺ-:إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد .
فقال- ضِمادُ -:« أعد عليَّ كلماتك هؤلاء »، فأعادهُنَّ عليه رسولُ الله -ﷺ- ثلاث مرات، فقال:« لقد سمعتُ قولَ الكهنة، وقولَ السَّحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مِثلَ كلماتك هؤلاء،هاتِ يدَك أبايعك علىٰ الإسلام، فبايعه ».







وهكذا -أيها القارئ الواعي المستنير- فإن المحنة تتولَّد منها المنحة، والفجر ينبثق من غسق الليل، فقد انقلبت تلك الحرب الدعائية وهذه الإشاعات الكاذبة وبالاً عليهم، إذ أنهم روَّجوا للنبي -ﷺ- وساعدوا في نشر دعوته دون أن يشعروا، ولربما لو أمسكوا ألسنتهم لَمَا علم الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي والضِّمادُ الأزْدي شيئاً عن النبي -ﷺ- ودعوته.



-**-

حادثة المساومة:



وعلىٰ الرغم من شدة هذا اللون من الإيذاء النفسي للرسول-ﷺ-، الذي أحزنهم، فإنه -صلى الله عليه وآله وسلم-، ظل صابرًا علىٰ دعوته، محتسِبًا فيما يواجهه في سبيل تبليغها، ثابتًا علىٰ مبدأ التبليغ لدعوة ربه -جلَّ في علاه وتقدست اسماه-، فسلك الكفار مسلكًا آخر؛ طمعًا منهم في التأثير علىٰ الرسول -ﷺ-، والحادثة كما روتها كتب السيرة :
-**-
حَدِيثُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ الرَّسُولِ- ﷺ -
اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ( بْنِ كَلَدَةَ )،أَخُو بَنِي عَبْدِالدَّارِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، -أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ-.
فَـــــ :
اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ:" ابْعَثُوا إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّىٰ تُعْذِرُوا فِيهِ "، فَـــ بَعَثُوا إلَيْهِ:" إنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَأْتِهِمْ"؛ فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ- سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّىٰ جَلَسَ إلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا لَهُ :" يَا مُحَمَّدُ(!)، إنَّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَىٰ قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلَّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ - أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ - فَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ [1.] مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا تَطْلُبُ بِهِ [2.] الشَّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ [3.] مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ [4.] رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ - وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنْ الْجِنِّ رِئْيًا - فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ فِيكَ.

فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :مَا بِي مَا تَقُولُونَ...مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... أَوْ كَمَا قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ - .
وهو نفس العرض والمساومة التي عرضها عتبة .. فلنراجع الحادثة :



[مَا دَارَ بَيْنَ عُتْبَةَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ-]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيِّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ،وَرَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ :" يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا ؟ " - وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ - فَقَالُوا :" بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فَكَلِّمْهُ "، فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتَّىٰ جَلَسَ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- ، فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السِّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلَامَهُمْ وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وَكَفَّرْتَ بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا. قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعْ ؛ قَالَ:" يَا ابْنَ أَخِي، إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا،حَتَّىٰ لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ - فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلَىٰ الرَّجُلِ حَتَّىٰ يُدَاوَىٰ مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ -. حَتَّىٰ إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- يَسْتَمِعُ مِنْهُ، قَالَ : أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ !؟ ؛ قَالَ :" نَعَمْ "، قَالَ : فَاسْمَعْ مِنِّي ؛ قَالَ :" أَفْعَلُ"؛ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ، أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ؛ ثُمَّ انْتَهَىٰ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إلَىٰ السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ : قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ،فَأَنْتَ وَذَاكَ .



[ مَا أَشَارَ بِهِ عُتْبَةُ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ]



فَقَامَ عُتْبَةُ إلَىٰ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :" نَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ ". فَلَمَّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا :"مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ ". قَالَ :" وَرَائِي أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ،أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَاهُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاَللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَىٰ الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ" ، قَالُوا :" سَحَرَكَ وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ " ، قَالَ :" هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ " .
ولم يتوقف المشركون عن الإيذاء النفسي للرسول -ﷺ- بل تعدوه إلىٰ الطعن في شرفه وعرضه؛ فتأتي:

حادثةالإفك”:
ولم يكتف الأعداء بأذيته في نفسه-ﷺ- بل تجاوزوا ذلك إلىٰ الطعن في شرف زوجته عائشة -رضي الله عنها-، وهو ما يسمىٰ بــ حادثةالإفكالتي روتها أمنا عائشة -رضي الله عنها-؛ فقد ورد في الصحيحين [البخاري ومسلم] وهو حديث طويل، والحادثة باختصار أن النبي -ﷺ- كان إذا أراد سفرًا أقْرَعَ بين نسائه، فلما أراد التوجه لغزوة بني المصطلق خرج سهم عائشة -رضي الله تعالىٰ عنها وعن أبيها وعن أمها وأخيها وأختها-، فتوجهت معه، وجُعِل لها هودج، فلما كان آخر ليلة من رجوعهم إلىٰ المدينة تخلفت في طلب عِقْد كان لأختها أسماء، فحُمِل الهودجُ ظنًّا منهم أنها فيه؛ لأنها كانت خفيفة كما أخبرت، فسار القوم، ورجعت فلم تجدهم، فمكثَتْ مكانها منتظرة أن يعلموا بفقدها فيعودوا ليأخذوها، فغلبها النوم، فمر بها صفوان بن الْمُعَطَّل، وكان يعرفها قبل آية الحجاب، فأناخ ناقته، وولّاها ظهره، وصار يسترجِعُ حتىٰ استيقظت، وحملها علىٰ الناقة، ولَحِق بالنبي، فأشاع عبدالله بن أُبي ابن سلولَ - لعنه الله - الإفك، وفشا ذلك بين المنافقين وضعفاء المسلمين، [ولَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ اشتكَتْ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يَخُوضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَهَيَ لا تَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فلما أُخْبِرت بذلك ازْدَادَتْ مَرَضًا إِلَىٰ مَرَضِها، واستأذنت رسول الله أن تُمَرَّض في بيت أمها، فأذن لها، فلما فشا ذلك الكلام شقع لىٰ النبي، فجمع الصحابة وقال: يا معشر المسلمين، من يَعْذِرُني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟... فوالله ما علمْتُ علىٰ أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلاً ماعلمْتُ عنه إلا خيرًا ...
فقال سعد بن معاذ سيدُ الأَوس: « أنا أعْذِرُك منه، إن كان من الأوس ضربْتُ عنقَهُ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمَرْتَنَا ففعلْنَا أَمْرَك»... فقال سعد بن عبادة سيد الخزرج:« كذَبْتَ، لا تقدِرُ علىٰ قتله»... فهمّ الأوس والخزرج بالاقتتال، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- يُخَفِّضُهُمْ حَتَّىٰ سَكَتُوا، فأنزل الله عشر الآيات من أول سورة النور يُبَرِّئ فيها السيدة عائشة، أولُها قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ } [النور: 11]،وبذلك ثبتت براءتُها في القرآن، فقرأ النبي -ﷺ- الآيات عليها وعلىٰ الصحابة ففرحوا، وأنزل الله -عزوجل- براءتها من فوق سبع سماوات، فليس مسجد يُذكر الله فيه إلاَّ وشأنها يُتلىٰ فيه آناء الليل وأطراف النهار.



-***-


محصلة هذا الجزء:





ظل -ﷺ- صابرًا محتسبًا، لم تَثْنِهِ الشدائد عن دعوته، ولم تصرفه الإغراءات عن منهجه، وظلت كلماته التي خاطب بها عمه أبا طالب حين ناقشه أمْرَ العدول عن دعوته، تُصِمُّ آذا نكل عدو؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عنه:
والله يا عَمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، علىٰ أن أترك هذا الأمر، ما تركته، حتىٰ يُظْهِرَه الله، أو أهْلِكَ دونه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول من بحث أذىٰ المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-.
الخميس-١٥ جمادى الثانية من العام الهجري ١٤٤٢ الموافق 28 يناير 2021 من الميلاد العجيب لعيسى ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-


(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعد هذا الملف :
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
: (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 02 / 02 / 2021 49 : 10 PM

[ 81 ] الإيذاء البدني لصاحب الدعوة 81*
 
: [ 81 ] الإيذاء البدني لصاحب الدعوة 81*
[ ٨١ ] ( الإيذاء البدني لصاحب الدعوة!
في خِضَمِّ ما تعيشه الأمة الإسلامية -اليوم: (02) الشهر الثاني من العام ٢٠٢١- من واقع مخجل مؤلم، يُدمي القلب، ويُبكي العين، وتراجع ملحوظ عن موقعها اللائق بها -علمياً وفقهياً- والمميز بين الأمم... كأمة : "أقرأ".. كأمة :"صاحبة مبدأ حضاري" يسعد البشرية ويثري الفكر فيتسع العقل فتدرك إدراكا كاملاً دورها الريادي في إنارة عقول الآخرين .. اسعىٰ -بقدر ما عندي مِن علم وفهم وإدراك ووعي -إلىٰ تقديم هذا النموذج الطيب لمواقف صعبة مر بها صاحب الرسالة العصماء؛ لنتمكن من إنزالها علىٰ الواقع الفعلي المُعاش اليوم... أولاً: للإشادة بمكانة النبي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتبيان عظمته، وطريقته المثلىٰ في حل معضلات سير الدعوة ومن خلال سنته العطرة في فك ما تشابك من مواقف عدائية؛ والأسباب التي أدّت إلىٰ معاداته، وكون هذه المعاداة ليست حديثة العهد بنا، بل هي قديمة قِدَم الرسالة الإسلامية؛ والبعثة المحمدية؛ بل -في حقيقة الأمر- صاحبت كل نبي وواكبت كل رسول يريد بإذن ربه رفع الغشاوة عن العين وإماطة الران من فوق القلب ليعش الإنسان سعيدا بجوار بني جلدته، فمنذ أول بزوغٍ لفجرِ الإسلام، وأعداؤه يحيكون له المكايد و المكائد، وينصبون له الفخاخ والمصايد، لا لشيء إلا لأنه الدين الذي ارتضاه الله -تعالىٰ- لجميع الخلق، إِنْسِهِم، وجِنِّهِم، عَرَبِهِم، وَعَجَمِهم... ليخرج الناس كافة من ظلمات الجهل؛ ويرفع عنهم تراب العي ويوقف حملات الدجل والتشكيك..
في الفصل السابق عشنا حالات مِن الإيذاء النفسي والمعنوي لسيد بني آدم -ولا فخر- فكان: أولاً :" العنصر الأول: الإيذاء النفسي والمعنوي لرسول الله -ﷺ-: "... ولعله من المفيد لحامل الدعوة التعايش مع السيرة المحمدية معايشة عملية وليس فقط الإطلاع على الهدي المحمدي إطلاع نظري؛ إذ يجب التأسي بالسيد الجليل والنبي النبيل - عملا وقولا وفعلا وسلوكا- فيما يعانيه في كل زمان من يحمل راية الإسلام حملا يوافق سنته-صلى الله عليه وآله وسلم-ويوافق طريقته ويلتزم هديه ...









أكمل اليوم مع : العنصر الثاني في المحاولات اليائسة لإيقاف سير الدعوة المحمدية الخاتمة والرسالة النبوية الأخيرة الفاصلة بين الحق والباطل... والحديث اليوم عن : الإيذاء البدني لصاحب الدعوة...
بحثي - إذا شاءَ اللهُ تعالىٰ؛ وإذنَ - عن معاداة صاحب الرسالة العصماء من قِبل المشركين؛ الذين ناصبوه العداء؛ إذ أنه جعل الألةَ إِلَهً واحدا، والكفار؛ الذين رفضوا سماع قولة الحق... كانت تعلو فوق رؤسهم 360 صنما ووثنا يعبد من دون الله -تعالىٰ- الواحدالقهار الرزاق الأحد الفرد الصمد؛ وقبلوا بتحكيم الهوى والنفس الأمارة بالسوء وتحقيق المصالح الوضيعة... وبحثي عن الحرب علىٰ صاحب السُّنة التي توافق النفس البشرية؛ وتتفق مع الفطرة الإنسانية؛ وتتمشى مع الكينونة الآدمية.،، حربٌ -منذ اللحظات الأولىٰ ومازالت- ضد مبادئ الإسلام وقيمه ومفاهيمه ومعالجاته، ولسوف -إذا إذن ليَّ الرحمن - أتطرق إلىٰ إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم عبر الفترة المكية ومن ثم المدنية ومراحلهما المتعددة - أو ما اصطلح عليه بــ تأريخ زمن الوحي ونزول الرسالة-، أي منذ بداية دعوته-صلى الله عليه وسلم-إلىٰ إنتقاله إلىٰ الرفيق الأعلىٰ، وسوف -علىٰ قدر الإستطاعة والطاقة- أُرَكِّز الحديث علىٰ المواقف الكبرىٰ التي تعرَّض فيها خاتم رسل الله وآخر مبتعثيه للإيذاء، سواء منه الجسدي أو النفسي والمعنوي؛ إذ أن الإيذاء يبقىٰ إيذاءً، مهما اختلفت أشكاله وتنوعت طرقه.







**





ثانياً: العنصر الثاني: ويصلح أن نسميه المرحلة الثانية من مراحل العداوة والإيذاء البدني للرسول الأعظم-صلى الله عليه وسلم-:
فَشِل الطواغيت في تخويف الرسول -ﷺ-، والذين آمنوا معه، أو إغرائهم، فصبوا جام حقدهم علىٰ إيذائه صلى الله عليه وسلم إيذاءً بدنيًّا، فقد تعرَّض النبي الرسول -- للإيذاء الجسدي علىٰ أيدي السفهاء من الكفار والمشركين وهو صابر مُحتَسِب، وعلينا جميعاً أنْ نفخر بهذه القدوة وتلك الإسوة للنبي الكريم الذي شرَّفَنا اللهُ تعالىٰ بأن انتسبنا إليه، فمن أجلنا ومن أجل إيصال الدين إلينا تحمَّل أشدَّ أنواع الإيذاء، فليس أقل من أنْ نتَّبعه ونتَّبع هديه ونتمسك بسُنَّته، ونحب مَنْ يُحِبُّه، ونُبغِض مَنْ يُبغضه.







ومن صور الإيذاء محاولة خنق الرسول--وهو يصلي، فــ







:" عن عبدِاللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - أنه قال: «بَيْنَا النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم-يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ؛ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّىٰ أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيّ ِ صلى الله عليه وسلم، وقَالَ: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } [غافر: 28] ».
وبَوّب الإمام مسلم في صحيحه: تحت عنوان : « مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ» ؛ وذكره البخاري:





فــ



يحدّثنا عَبْدُاللَّهِ بن مسعودٍ- رضي الله عنه - أن النبي--كان يُصلّي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض :" أيُّكم يجيء بسلىٰ جزور بني فلان فيضعَه علىٰ ظهر محمد إذا سجد... فانبعث أشقىٰ القوم فجاء به، قَالَ:«بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ؛ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُبْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلاَ جَزُورٍ... فَقَذَفَهُ عَلَىٰ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-[ووضعه بين كتفيه]، [قال : فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم علىٰ بعض (أي يتهم آحدهم الآخر بهذه الفعلة الشنيعة)، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم ساجد ] فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ [فرفع رأسه]، وَدَعَتْ عَلَىٰ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ»... يكمل الصحابي الجليل- عَبْدُاللَّهِ بن مسعودٍ – فيقول:« وأنا أنظر لا أُغني شيئاً، لو كانت لي مَنَعَة» [بمعنى أنه من لم يكن قدرة علىٰ فعل شئ ما!]".
ثم قال-- : اللهمَّ عليك بقريش ثلاث مرات .
فشقَّ عليهم إذ دعا عليهم، قال : «وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة»، ثم سمّىٰ : اللهمَّ عليك بأبي جهل، وعليك بعُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأُميّة بن خلف، وعقبةبن أبي مُعيط... وعدَّ السابع فلم نحفظه . قال : «فوالذي نفسي بيده، لقد رأيتُ الذين عدَّ رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، صرعى في القليب، قليب بدر»
... وفي هذا الرجل - أعني: عُقبةَ بن أبي مُعَيط - نزل قولُ الله تعالىٰ: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَاوَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً } [الفرقان: 28، 29]





.*.] الشوك على درب النبي





ومن صور إيذائه صلى الله عليه وسلم ما كانت تقوم به امرأة أبي لهب: فقد كانت تحمل الشوك، تلقي بالاشواك في طريق النبي المصطفى والرسول المجتبى والحــبــيــــــب المرتضى وتضعه أمام دربه يومياً، فتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وعلىٰ بابه ليلاً... وكانت امرأةً سليطةً تبسط فيه لسانَها، وتطيل عليه الافتراء والدَّس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بِحمَّالة الحطب... فــ نزلت بها آيات سورة المسد آيه 4،5 { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } .
ولم يتوقف الإيذاء عند هذا الحد، فلما يئس رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة خرج باحثًا عن ملاذ جديد للدعوة الإسلامية ولنصرة الدعوة، فوقع اختياره علىٰ الطائف، فقرَّر النبِيُّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَخرج بالدَّعوة مِن مكةَ إلىٰ الطائف؛ لعلَّه يجد بينهم من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة، ويطلب النُّصْرة والعونَ من أهلها، ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالىٰ، فلم يجد من يؤويه أو ينصره، فآذوه مع ذلك أشد الأذىٰ، ونالوا منه ما لم ينله قومه،
وهذه الحادثة من صور إيذائه البدني
... كان معه زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم عشرة أيام لا يَدَعُ أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلَّمَه...





ما قام به أهل الطائف:







حينما ذهب إليهم يدعوهم إلىٰ الدخول في دين الله تعالىٰ، فتحدثنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: « هَلْ أَتَىٰ عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ »، قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَىٰ ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَىٰ مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَىٰ وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِى... فَقَالَ: « إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ »، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: « يَا مُحَمَّدُ! »؛ فَقَالَ: « ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ »، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا
... قالوا له :" اخرج من بلدنا "... وأَغْرَوا به سفهاءهم، فلمَّا أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبُّونه ويصيحون به حتىٰ اجتمع عليه الناس، فوقفوا صَفَّين وجعلوا يرمونه بالحجارة، ورجموا عراقيبه حتىٰ اختضب نعلاه بالدماء... فكانوا يرمونه بالحجارة حتىٰ دَمِيَت قدماه، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتىٰ أصيب في رأسه، فانصرف راجعًا إلىٰ مكة محزونًا،
... بأبي أنت وأمي ونفسي يارسول الله ، يقذفونك بالحجارة، فترد عليهم بالدعاء لهم، وترفض أنْ يُعذِّبهم الله تعالىٰ؛ بأنْ يُطبِق عليهم الأخشبين.
فــ أيُّ رحمة هذه!
إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة مِن رب العالمين إلىٰ البشرية جمعاء، ولِمَ لا، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وفي مرجعه ذاك دعا بالدعاء المشهور، دعاء الطائف: اللَّهمَّ(!)... إليك أشكو ضَعْف قوَّتي... وقلَّة حيلتي... وهواني علىٰ النَّاس... يا أرحم الرَّاحمين(!)... أنتَ ربُّ المستضعَفِين وأنت ربِّي... إلىٰ من تَكِلُني(!) إلىٰ بعيدٍ يتجهَّمني(!)... أم إلىٰ عدوٍّ ملَّكْتَه أمري(!)... إن لم يكن بكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي... ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي... أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات... وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بيَّ غضبك... أو يحلَّ عليَّ سخطك... لك العُتْبَى حتَّىٰ ترضىٰ... ولا حول ولا قوَّة إلا بك .



...حين أوذي الرسول صلى الله عليه وسلم وسالت الدماء من قدميه الشريفتين، وأصابه من الهم والحزن ما جعله ينْطَلِقُ عَلَىٰ وَجْهِه ولم يَسْتَفِقْ إِلا وجبريل -عليه السلام- قائم عنده يقول له:« إن شئت يا محمد أن أُطْبِق عليهم الأخشبين»، فأتىٰ الجواب منه –عليه الصلاة والسلام والرحمات والبركات - بالعفو عنهم قائلاً: أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالىٰ وحده لا يشركُ به شيئًا .





هذا مُجْمَل ما ورد في حادثتي الخنق والخروج إلى الطائف، وما تعرض فيهما.









تأمَّلوا – معي... يا أتباع النبي المصطفىٰ والرسول المجتبى ٰالمجتبىٰ - يسير النبي صلى الله عليه وسلم مشياً علىٰ قدميه من مكة إلىٰ الطائف مسيرة ستين ميلاً، ليس معه إلاَّ زيد بن حارثة، يسير في صحراء قاحلة من أجل إبلاغ دعوة ربه، فيقابله أهلها بهذا الجفاء وهذه الإهانة وهذاالإيذاء، وتدمى قدماه الشريفتان، ويتسلَّط عليه السُّفهاء، ويسبُّه الأشقياء، ويؤذيه التُّعساء، فيشق علىٰ نفسه الكريمة ذلك، وهو ثابت ثبوت الجبال، واثِقٌ فيما عند الله تعالىٰ، يسير في طريق دعوته بِلا كلل ولا ملل.













فهذا نبيكم يتحمل العناء الشديد كي يخرج العباد من عبادة العباد إلىٰ عبادة رب المخلوقات والعباد... يُؤذىٰ في صبر، يجرح ويتألم ويكمل مسيرة الدعوة؛ ويعفو ويصفح، فاتخذوه أسوةً لكم وتحمَّلوا في سبيل دينكم ما قد تجدوه مِن المشقَّة والعناء.
*. ] هذه بعض مظاهر الإيذاء التي تعرَّض لها النبي الأكرم والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من قومه؛ لِيُثنوه عن دعوته، وبقيت صورة أخرىٰ من صور الإيذاء التي مارسها مشركو قريشٍ ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي المقاطعة؛ حيث تحالف المشركون علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم، وتعاهدوا علىٰ ألاَّ يُبايعوهم ولا يُجالسوهم ولا يُخالطوهم ولا يَدخلوا بيوتهم ولا يُكلِّموهم حتىٰ يُسلِموا إليهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم للقتل.

فانحاز بنو هاشم وبنو المطَّلب مؤمنهم وكافرهم إلاَّ أبا لهب، وحُبِسوا في شعب أبي طالب، واستمرَّ هذا الحِصار ثلاثة أعوام، واشتدَّ الحصارُ حتىٰ بلغهم الجَهْد، فأكلوا الأوراق والجلود، وكان يُسمع من وراء الشِّعب أصوات نسائهم وصبيانهم تصيح من الجوع...


ثلاثة أعوام يعيش فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه في مقاطعة تامة؛ من أجل الضغط عليه لتقديم تنازلات ويترك دِينه الحق، ولكنه صبر وثبت...


فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله ... إنَّ قوة الحقِّ أقوىٰ من كلِّ الصِّعاب، ومن كلِّ المِحَن، فللحق صوته وقُوَّته، فتمسَّكوا بالحق واصبروا عليه، { وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر: 1-3D.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





نستخلص العبر والدروس من الحالات السابقة ؛ فنجد :" حِلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصبره علىٰ الأذىٰ
والحِلم: هو ضبْط النفس عند هَيجان الغضب.
والغضب: هو ثورة النفس وغَليان القلب؛ لتملُّك الشيطان من النفس والعقل.
فالحلم مَلَكة تعمل علىٰ ضبْط النفس، وهو درجة سامية لا يصل إليها إلا من استطاع أن يَكبح زِمام غضبه.



وللحلم مكانة عظيمة؛ لأنه صفة من صفات العلي العظيم، الذى له صفات الكمال؛ كما أخبر -سبحانه - عن نفسه: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } [البقرة: 263].
وأيضًا من صفات الأنبياء: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114].





ودلَّنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغَّبنا في الحلم بقوله: من كظَم غيظًا وهو قادر علىٰ أن يُنفذه، دعاه الله - عز وجل - علىٰ رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ حتىٰ يُخيَّر من الحور العين ما شاء.
وحثَّ - صلى الله عليه وسلم - علىٰ الحلم حينما قال رجل:" أوصني يا رسول الله"،
قال - صلى الله عليه وسلم -: لا تَغضب، فردَّد مرارًا، قال: لا تَغضب .
فدعانا - صلى الله عليه وسلم - بقوله للحلم، كما كانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - دعوة عملية إلىٰ الحلم في مواقفَ كثيرةٍ معلومة مشهورة؛ منها:



ما حدَث حينما كُسِرت رَباعيَتُه وشُجَّ وجْهُه - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد، وقد شقَّ ذلك علىٰ أصحابه كما يروي لنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل: « يا رسول الله، ادعُ علىٰ المشركين»، قال - صلى الله عليه وسلم -: إني لم أُبعَث لعَّانًا؛ وإنما بُعثت رحمة .
وينقل ابن مسعود - رضي الله عنه - لنا ذلك؛ حيث قال: « كأني أنظر إلىٰ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء ضرَبه قومه فأدْمَوه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهمَّ اغفِر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون ».



انظر ما في هذا القول من جِماع الفضل، ودَرجات الإحسان، وحُسن الخلق، وكرَم النفس، وغاية الصبر والحلم؛ إذ لم يَقتصر -صلى الله عليه وسلم - علىٰ السكوت عنهم حتىٰ عفا عنهم، ثم أشفَق عليهم ورحِمهم، ودعا وشفَع لهم، فقال: اغفر ، أو اهدِ ، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله: لقومي ، ثم اعتذر عنهم بجهْلهم، وقال: فإنهم لايعلمون .



ويوم ذهب إلىٰ أهل الطائف يدْعوهم، فسبُّوه وآذَوه أيَّما إيذاءٍ، وسلَّطوا عليه السفهاء وقذَفوه بالحجارة، وسخِروا منه، وردُّوه...
فماذا كان منه - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي ونفسي؟!
هل دعا عليهم؟
هل طلب من ربِّه أن يَنتقم منهم؟
هل غضِب وثأَر لنفسه؟
هل تمرَّد علىٰ القيام برسالته وتقاعس عن إتمام دعوته؟
كلا وألف كلا ...




لا والله بأبي هو وأمي ونفسي، ما كان ذلك،بل كان الصبر والحلم والحرص علىٰ نجاة قومه، بل الخوف من أن يكون قد قصَّر في رسالته ودعوته.
وهذاهو ربُّهُ
-تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- قد أرسَل إليه جبريل ومعه ملك الجِبال - عليهما السلام - ليَأمره النبيُّ- صلى الله عليه وسلم - بما يشاء، فيأبىٰ إلا الدعاءَ لقومه، والأمل في الله بهدايتهم.
فما أعظمه من نبي وما أحلَمه! فمن يَملك مثل هذا الحلم من البشر؟!



وتعالَوا لنعيد علىٰ مسامعنا ما ترويه لنا أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها وعن ابيها وأمها وأختها وأخيها-؛ حيث إنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتىٰ عليك يوم أشدُّ من يوم أُحد؟؛
قال - صلى الله عليه وسلم -: لقد لَقيت من قومك ما لَقيت، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العَقبة؛ إذ عرَضت نفسي علىٰ ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يُجبني إلىٰ ما أردت، فانطلَقت وأنا مهموم علىٰ وجهي، فلم أستفِق إلا وأنا بقَرن الثعالب، فرفَعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرَتُ فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال:« إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملَك الجبال؛ لتَأمره بما شِئت فيهم»، فناداني ملك الجبال، فسلَّم علي،ثم قال:« يا محمد، ذلك فما شِئت، إن شئت أُطبق عليهم الأخْشَبين»، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ







*. . ] تعرض النبي للقتل



حاول الكفار قتل النبي وأرسلوا من يقتله، كما أطلقوا الجوائز والمال والنساء لمن يأتي برأس محمد -عليه السلام-، ولكن كان الله معه يحفظه ويُنير دربه.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ



الفصل الثاني من بحث أذى المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. الإيذاء البدني.
١٩ جمادى الثانية ١٤٤٢ هــ ~ 01 فبراير 2021 من الميلاد العجيب لعيسى ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-
نال شرف قراءة المراجع ومتابعة المصادر؛ وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث:
د. محمدالرمادي










**. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 27 / 02 / 2021 26 : 03 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 03 / 03 / 2021 44 : 01 AM

[ ٨٢ ] ( الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل )
 
[ ٨٢ ] ( الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل )
المستضعفون؛ مثالا عمار بن ياسر -رضي الله تعالىٰ عنه-
نحن ما زلنا نعيش ونتعايش مع الفترة -العهد- المكية؛ بما تحمل مِن أحداث جسام ومواقف عظام في حياة النبوة الخاتمة وزمن الرسالة المتممة لبقية رسالات رب الأرضين والسموات بما فيها من مراحل وننتقل عبر مفاصل وروابط بين كل مرحلة وآخرىٰ حتىٰ نصل بسلام إلىٰ الفترة المدنية؛

بناء أول كيان تنفيذي إسلامي:
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ

وَ
١ . ] أَبُو بَكْرٍ

وَ
٢ . ] عَمَّارٌ

وَ
٣ . ] أُمُّهُ سُمَيَّةُ ،

وَ
٤ . ] صُهَيْبٌ

وَ
٥ . ] بِلَالٌ

وَ
٦ . ] الْمِقْدَادُ

« و جاء في الحلية : خباب»؛بدلا من المقداد...













وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ :« أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مِنَ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ ؟»

قَالَ : «نَعَمْ وَاللَّهِ(!) ،
إِنْ كَانُوا
لَـــ
- يَضْرِبُونِ أَحَدَهُمْ وَ
- يُجِيعُونَهُ وَ
- يُعَطِّشُونَهُ ، حَتَّىٰ مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدَّةِ الضُّرِّ الَّذِي بِهِ ، حَتَّىٰ يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنَ الْفِتْنَةِ ، حَتَّىٰ يَقُولُوا لَهُ : " اللَّاتُ وَالْعُزَّى إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟ " ؛ فَيَقُولُ : نَعَمْ . « افْتِدَاءً مِنْهُمْ ؛ مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جُهْدِهِمْ ».
وَفِي مِثْلِ هَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. } ، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا مَعْذُورِينَ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْعَذَابِ الْبَلِيغِ . أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ .









ذكر المستضعفين
مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ :
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا تَذَامَرُوابَيْنَهُمْ عَلَىٰ مَنْ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ ، فَــ
- وَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ،
- يُعَذِّبُونَهُمْ وَ
- يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَ
- مَنَعَ اللَّهُ مِنْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ.
روى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه:

- عمار بن ياسر، و
- خباب بن الأرتّ، و
- صهيب بن سنان، و
- بلال بن رباح، و
- أبو فكيهة، و
- عامر بن فهيرة... و
أشباههم من المسلمين. فتهزأ قريش بهم ويقول بعضهم لبعض: "هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد مَنَّ الله عليهم [الأنعام(6/ 53)] من بيننا :{ وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَـٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَاۗ} . فأنزل الله -عز وجل- فيهم:{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} .
و
كانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة. فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار، ليرجعوا إلى دينهم.
و
فيهم نزلت:{ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
و











المُبَالَغَةُ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ؛




فــ أبدءُ بـــ
« ١ » ﴿ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَبُو الْيَقْظَانِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الْمُمْتَلِئُ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَالْمُطَمْئِنُ بِالْإِيقَانِ وَالْمُتَثَبِّتُ حِينَ الْمِحْنَةِ وَالِافْتِتَانِ ، وَالصَّابِرُ عَلَى الْمَذَلَّةِ وَالْهَوَانِ ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ؛ كَانَ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَ الْبَشَاشَةُ وَالتَّرْحِيبُ ،وَالْبِشَارَةُ بِالتَّطْيِيبِ .
كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ، وَبَعَثَهُ عمر عَلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ إِنَّهُ مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ، كَانَ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ تَشْتَاقُ إِلَيْهِمُ الْجَنَّةُ ، لَمْ يَزَلْ يَدْأَبُ لَهَا وَيَحِنُّ إِلَيْهَا إِلَى أَنْ لَقِيَ الْأَحِبَّةَ ، مُحَمَّدًا وَصَحْبَهُ .









عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، أحد بني عنس أخى مراد ابن مالك بن أدد بن زيد. وكان عنس يسمىٰ زيدا. وكان كُنية عمار (أبا) اليقظان، وكنية ياسر أبا عمار. و

يقال: أبا عبدالله، وكان حليفا لبني مخزوم.
عن هشام بن الكلبي وغيره قال: قدم ياسر بن عامر، وأخواه الحارث ومالك، مكةَ من اليمن يطلبون أخا لهم. فرجع الحارث ومالك إلىٰ اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْداللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أَمَةً له يقال لها ﴿ سُمَيَّة بنت خيّاط : فولدت له ﴿ عمارا : فأعتقه أبو حذيفة، ولم ياسر. وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات...
و
جاء الإسلام. فأسلم ياسر، وسُمَيَّةُ، وعمار، وأخوه عبدالله بن ياسر. وكان لياسر ابن آخر، أكبر من عمار وعبدالله، يقال له حريث. فقتله بنو الديل في الجاهلية.
وَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ ﴿ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ : « لَقِيتُ ﴿ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ عَلَىٰ بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- فِيهَا.

فَــ
قُلْتُ لَهُ: « مَا تُرِيدُ؟» فَـــ
قَالَ: « مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟»
قُلْتُ: « أُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ فَأَسْمَعَ كَلامَهُ ».
قَالَ: « وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ». فَــ
دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَــ
عَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلامَ. فَــ
أَسْلَمْنَا،
ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَىٰ ذَلِكَ حَتَّىٰ أَمْسَيْنَا.
ثُمَّ خَرَجْنَا مُسْتَخْفِينَ.







فَــ
كَانَ إِسْلامُ ﴿ عَمَّارٍ ؛ وَ ﴿ صُهَيْبٍ : بَعْدَ إِسْلامِ بِضْعَةٍ وَثَلاثِينَ رَجُلا.
وعن مجاهد قال: « أول مَن أظهر الإسلام :

- ﴿ أبو بكر ﴾ ، و
- ﴿ بلال﴾، و
- ﴿ خباب ﴾، و
- ﴿ صهيب ﴾ ، و
- ﴿ عمار ﴾.





عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : اسْتَأْذَنَ عمار عَلَى النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] فَقَالَ : «ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ » .





تَأْلِيبُ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ -وَأَصْحَابِهِ :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدِبَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَمَنَعَهُ ، وَقَامَ دُونَهُ ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] عَلَى أَمْرِ اللَّهِ مُظْهِرًا لِدِينِهِ لَا يَرُدُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ ؛ فَــ

قَالُوا : يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا ، وَعَابَ دِينَنَا ، وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا ، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا وَفَرَّقَ الْجَمَاعَةَ فــ
أما رسول الله [] ، فمنعه قومه.

و
أما الآخرون فألبسوا دروع الحديد، وصهروا في الشمس حتىٰ بلغ الجهد منهم.











تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-
فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ ، وَبِرَمْضَاءِ مَكَّةَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ ؛ مَنِ اسْتَضْعَفُوهُ مِنْهُمْ ، يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتَنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ الَّذِي يُصِيبُهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُبُ لَهُمْ ، وَيَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ...
وجاء أبو جهل إلىٰ سمية، فطعنها في قُبُلها. فهي

﴿ أول شهيد في الإسلام .
قال عبدالله بن محمد:« بلغني أنها أغلظت له في القول، فأغضبته ».
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: « أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَىٰ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ »، قَالَ: «وَنَظَرْتُ إِلَىٰ ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِيهِ حَبَطٌ ». فَــ
قُلْتُ لَهُ: « مَا هَذَا؟ »
قَالَ: « هَذَا مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَذِّبُنِي فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ ».

قال الواقدي:" كان عمار يعذب حتىٰ لا يدري ما يقول". و
" كان أبو فكيهة يعذب حتىٰ لا يدري ما يقول". و
" بلال، وعامر بن فهيرة، وقوم من المسلمين". وفيهم نزلت هذه الآية: { وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .


قال الواقدي: « إنها نزلت في أبي سلمة بن عبدالأسد، وعثمان ابن مظعون. وكان أول من قدم المدينة ».



حدث أبو مالك، في قوله: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ } ، قال: « هو عمار ».





عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: « لَمَّا أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، فَعَذَّبُوهُ لَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّىٰ سَبَّ النَّبِيَّ [] وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. فَـــ
لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ [] ، قَالَ: وَمَا وَرَاءَكَ؟
قَالَ: « شَرٌّ، وَاللَّهِ، مَا تَرَكَنِي الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ».
قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟
قَالَ: « مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ ».
قَالَ: فَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ.
.. فَنَزَلَتْ فِيهِ: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} .
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ النَّبِيَّ [] لَقِيَ عَمَّارًا وَهُوَ يَبْكِي. فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: أَخَذَكَ الْكُفَّارُ،فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ ، فَـــ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَادُوا، فَقُلْ ذَاكَ لَهُمْ .



عَنْ عَبْدِالْحَكِيمِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ:« عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا »، وَقَالُوا:" لا نُفَارِقُكَ أَبَدًا حَتَّىٰ تَشْتُمَ مُحَمَّدًا، وَحَتَّىٰ تَقُولَ اللاتُ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ".
فَفَعَلَ.
فَتَرَكُوهُ. فَأَتَىٰ النَّبِيَّ [] ، فَقَالَ: أَفْلَحَ وَجْهُكَ .
فَقَالَ:« وَاللَّهِ، مَا أَفْلَحَ».
قَالَ: وَلِمَ؟
قَالَ: « نِلْتُ مِنْكَ، وَزَعَمْتُ أَنَّ اللاتَ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِكَ ».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [] : فَكَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟
قَالَ: « وَجَدْتُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ، أَشَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ فِي دِينِي ».
قَالَ: فَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ .
قَالَ: «فَعَمَّارٌ الَّذِي أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان.»
والذى { شرح بالكفر صدرا } : عَبْداللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح.





عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، في قوله { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ } ،
قال:« ذاك عمار».
وفي قوله { وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } ، قال: عَبْداللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح.



عَنْ أُمِّ هاني: أنّ عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وَأَخَاهُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ يَاسِرٍ، وَسُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارٍ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ. فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ [] ، فَقَالَ: صَبْرًا «أبشروا» آلَ يَاسِرٍ، فَإِنْ مَوْعِدَكُمُ « فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى » الْجَنَّةُ. فَمَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ. وَأَغْلَظَتْ سُمَيَّةُ لأَبِي جَهْلٍ، فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا، فَمَاتَتْ. وَرُمِيَ عَبْدُاللَّهِ، فَسَقَطَ.





عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ [] : الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَىٰ ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِي:
«عَلِيٍّ»، وَ
«عَمَّارٍ»، وَ
«بِلالٍ» .
قلت(الرمادي): تعددت روايات هذا الحديث وكذا عدد الصحابة؛ والحديث فيه اضطراب وضعف!.

عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: « أُتِيَ النَّبِيُّ [] فَقِيلَ لَهُ: " وَقَعَ عَلَى عَمَّارٍ حَائِطٌ ، فمات "». فقال: ما مات عمار
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : « وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ إِسْلَامٍ إِذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ يُعَذِّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ مَكَّةَ ، فَيَمُرُّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ [] فَيَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي : « صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ ».



وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [] مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ ، فَقَالَ : « أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ وَآلَ يَاسِرٍ ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ » .


فَأَمَّا أُمُّهُ فَقَتَلُوهَا ؛ تَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ .
عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَتْ بَنُو عُطَارِدٍ مِنَ الْبَصْرَةِ مَاهَ، وَأَمَدُّوا بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ عَلَىٰ الْكُوفَةِ. فَخَرَجَ عَمَّارٌ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَقَدِمَ بَعْدَهَا، فَقَالَ: «نَحْنُ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْغَنِيمَةِ ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُطَارِدٍ، فَقَالَ: " أَيُّهَا الْعَبْدُ الأَجْدَعُ - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ: «الْمُجْدَعُ» ، وَكَانَتْ أُذُنُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أَتُرِيدُ أَنْ نَقْسِمَ لَكَ غَنِيمَتَنَا؟ " ، فَقَالَ عَمَّارٌ: «عَيَّرْتَنِي بِخَيْرِ أُذُنَيَّ، وَأَحَبِّ أُذُنَيَّ إِلَيَّ ». فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَىٰ عُمَرَ. فَكَتَبَ: « الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ».
عن ابن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ الْيِمَامَةِ عَلَىٰ صَخْرَةٍ وَقَدْ أَشْرَفَ، وَهُوَ يَصِيحُ: « يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَمِنَ الْجَنَّةِ تَفِرُّونَ؟ أَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. هَلُمُّوا إِلَيَّ » . وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَىٰ أُذُنِهِ قَدْ قُطِعَتْ، فَهِيَ تُذَبْذِبُ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ.
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِعَمَّارٍ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ.



عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- قَالَ:« أَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ [] آخِذٌ بِيَدَيَّ وَنَحْنُ نَتَمَاشَىٰ بِالْبَطْحَاءِ، إِذْ أَتَيْنَا عَلَىٰ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَمَّارٍ، وَأُمِّهِ. وَهُمْ يُعَذَّبُونَ ». فَقَالَ يَاسِرٌ:« أَهَكَذَا يَكُونُ الدَّهْرُ كُلُّهُ؟» فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: اصْبِرْ،اللَّهُمَّ اغفر لآل ياسر، وقد فعلت .



عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ []: اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ . أَوْ قَالَ: وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ



عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ، إِلا تَجِدْ مِنْ عِطْرِهِ، يَصِلْ إِلَيْكَ رِيحُهُ ». وَ « مَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْكِيرِ، إِنْ لَمْ يَحْرِقْكَ بِنَارِهِ، أَصَابَكَ مِنْ شَرَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، قَالَ: »كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَىٰ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ [] عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ». وَ « أَوَّلُ مَنْ بَنَىٰ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ».
حَدَّثَ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: « أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارٌ ».
عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: قُلْنَا لَهُ: « أَخْبِرْنَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ». قال: « مؤمنا نشأ، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ » .



عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: { أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَاللَّيْلِ } ، قَالَ: « نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ».
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: « أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ [] عَمَّارًا مَوْضِعَ دَارِهِ. وَشَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ []».
عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مضرب العبدى، قَالَ:« قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- بِالْكُوفَةِ: « أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ[] مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَىٰ نَفْسِي. فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا. وَقَدْ جَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَىٰ بَيْتِ مَالِكُمْ، وَحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَىٰ السَّوَادِ. وَرَزَقْتُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً » .

قَالَ: « فَجَعَلَ شَطْرَهَا وَبَطْنَهَا لِعَمَّارٍ، وَالشَّطْرَ الْبَاقِي بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ ».
عن الحسن، قَالَ: قَالَ عُمَرُ:« إِنَّمَا وَلَّيْتُ عَمَّارًا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَىٰ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} .
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:« أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا، فَأَكْثَرُوا. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ الْكُوفَةَ ».
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ:« إِنَّ عُمَرَ عَزَلَ سَعْدًا عَنِ الْعِرَاقِ، وَقَاسَمَهُ مَالَهُ » . وَ « وَلَّى عَمَّارَ بْنَ ياسر بعدّه ».
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: « أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَخْطُبُ كُلَّ خَمِيسٍ، وَيَدَعُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِلأَمِيرِ، وَهُوَ عَمَّارٌ ».

عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ سَمِعَهُ، يَقُولُ: «كَانَ عمارا عَلَيْنَا سَنَةً يَخْطُبُنَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ».


عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ:« أَنَّ عَمَّارًا كَانَ إِذَا خَطَبَ، سَلَّمَ ».
عَنْ إِبْرَاهِيمَ:« أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يَقْرَأُ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ { يس } » . فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ:«وَمَا أَرَحْنَا مِنْ يَاسِينِكَ ».
عَنْ أَبِي زُبَيْدَةَ عَبْثَرٍ، قَالَ:« خَطَبَ عَمَّارٌ بِخُطْبَةٍ وَجِيزَةٍ ». فَقِيلَ لَهُ:« لَوْ زِدْتَ فِي خُطْبَتِكَ؟» فَقَالَ: « أُمِرْنَا بِتَقْصِيرِ الْخُطَبِ وَإِطَالَةِ الصَّلاةِ».
قَالَ:« وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ: { إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ }، فَيَنْزِلُ، فَيَسْجُدُ».


عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: قَالَ عمار:« احدقوا هَذِهِ الصَّلاةَ قَبْلَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ».


عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: « رَأَيْتُ عَمَّارًا قَرَأَ يَوْمَ جُمُعَةٍ { إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ } ، فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ».



عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ:« أَنَّ عَمَّارًا كان لا يرى بأسا بالعراض إذا قتل ».[ كأنه عراض الصيد]



عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: « إِنَّا لَمَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ إِذْ عُرِضَ لَهُ حِمَارٌ وَحْشٌ، فَأَسْرَعْنَا إِلَيْهِ بِالرِّمَاحِ، فَطَعَنَّاهُ بِهَا ». فَقَالَ عَمَّارٌ: « وَاللَّهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّىٰ إِذَا رُئِيَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِهَذَا، وَحَتَّىٰ إِنَّ الرَّجُلَ ليرىٰ علىٰ أحدهم العمامة الحسينة فَتُعْجِبُهُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ ».



عن علي ابن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ:« رَأَىٰ عَمَّارٌ رَجُلا يُصَلِّي عَلَىٰ دَابَّتِهِ، فَأَخَذَ بِقَفَاهُ، فَحَطَّهُ عَلَىٰ قِرَارِ الأرض »، وقال: « صلّ ها هنا» .



عَنْ قَتَادَةَ: " أَنَّ رَجُلا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَغْشَاهَا، وَظَنَّ أَنَّهُ لا طَلاقَ إِلا طَلاقُ السُّنَّةِ " . فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: " وَيْحَكَ إِنِّي قَدْ بِنْتُ مِنْكَ ". فَأَتَىٰ الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ عَمَّارًا، فَقَالَ:"مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا دُفْعَةً، ثُمَّ غَشِيَهَا؟" فَقَالَ عَمَّارٌ:« لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، لَرَجَمْتُهُ». فَانْطَلَقَ إِلَىٰ امْرَأَتِهِ، فَسَرَّحَهَا، وَقَالَ:
كَانَتْ حَلالا أُمُّ عَبْدِاللَّهِ * لِي لَوْ لَمْ تُطَلَّقْ
حَجَزَ التُّقَىٰ عَنْهَا وَمَنْ * لا يَتَّقِ الرَّحْمَنَ يَوْبَقْ




عَنْ رِبْعِيٍّ: أَنَّ عَمَّارًا أُتِيَ بِشَاةٍ مُصْلِيَةً فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ قَبْلَ رَمَضَانَ. فَتَنَحَّىٰ رَجُلٌ. فَقَالَ لَهُ:« إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَادْنُ وَاطْعَمْ».



عن عبدالله ابن أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ:" لَمَّا بَنَى عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَارَهُ "، قَالَ لِعَمَّارٍ:« تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَىٰ مَا بَنَيْتُ ». فَنَظَرَ، وَقَالَ:« بَنَيْتَ شَدِيدًا، وَأَمَّلْتَ بَعِيدًا، وَسَتَمُوتُ قَرِيبًا».



عَنْ مَيْمُونِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ:" سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ:« لا يَضْرِبُ رَجُلٌ عَبْدَهُ ظَالِمًا إِلا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».



حَدَّثَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَبَدَتْ لَهُ حَيَّةٌ. فَنَزَلَ، فَضَرَبَهَا حَتَّىٰ قَتَلَهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ [] اقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي صَلاتِكُمْ .



عن ابن أبى هذيل قال:" رأيت عمار يَشْتَرِي قَتًّا [القت: حب بري يأكله أهل البادية؛ وكذلك علف للدواب] بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَزَادَ حَبْلا. فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَزِيدَهُ: فَجَاذَبَهُ، حَتَّىٰ قَاسَمَهُ إِيَّاهُ نِصْفَيْنِ. وَحَمَلَهُ عَمَّارٌ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِلَىٰ مَنْزِلِهِ- أَوْ قَالَ:الْقَصْرُ- وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ ".



عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:" رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقْطَعُ عَلَىٰ لِحَافِ ثَعَالِبَ ثَوْبًا ".



عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ:" سئل عمار عن مسئلة، فَقَالَ:« هَلْ كَانَ هَذَا؟ » قَالُوا:" لا". قَالَ:« فدعونا حتىٰ يكون، فإذا كان تحشّمناها لكم».
[تشجمناها. والتجشم: التكلف لحل معضلة]



عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ:" وَشَىٰ بِعَمَّارٍ رَجُلٌ إِلَىٰ عُمَرَ، فَرَفَعَ عَمَّارٌ يَدَيْهِ فَقَالَ:« اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَبَ عَلَيَّ، فَابْسُطْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَاجْعَلْهُ مَوْطُوءَ الْعَقِبِ ».



حَدَّثَ أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قال:" كأن عمارا مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ سُكُوتًا وَأَقَلِّهِمْ كَلامًا ". وَكَانَ يَقُولُ:« أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ ». ثُمَّ عُرِضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.



عن بلال بن يحيى العبسى أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: « سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ [] يَقُولُ: أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَىٰ الْفِطْرَةِ، أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَىٰ الْفِطْرَةِ. لَنْ يَدَعَهَا حَتَّىٰ يَمُوتُ أَوْ يُنْسِيَهُ الْهَرَمُ .
عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: " شَاتَمَ عَمَّارًا رَجُلٌ "، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ، فَأَنَا كَتَارِكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كُنْ تَكَاذِبًا، فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَأَوْطَأَ الرِّجَالُ عَقِبَكَ » .



حَدَّثَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:"سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّ عَمَّارًا قَالَ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- يَوْمَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ: « سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،مَا أَبْعَدَ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ [] إِلَيْكِ فِيهِ أَمَرَكِ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ ». فَــ
قَالَتْ: «مَنْ هَذَا؟ أَبُو الْيَقْظَانِ؟ » ،
قَالَ:« نَعَمْ ».
قَالَتْ:« وَاللَّهِ إِنَّكَ، مَا علمت، تقول الحقّ ». فَــ
قَالَ:« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَىٰ لِي عَلَىٰ لِسَانِكِ ».



وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ:" أَحْرَقَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِالنَّارِ "، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ [] يَمُرُّ بِهِ، فَيَمُرُّ يَدَهُ عَلَىٰ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً علىٰ عَمَّارٍ كَمَا كُنْتِ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ .
تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَا عَمَّارُ .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عنه-، قال:" لما اتخذ النَّبِيُّ [] فِي بِنَاءِالْمَسْجِدِ، جَعَلَ يَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً. وَجَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ النَّبِيَّ [] جَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: وَيْحَكَ، يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلك الفئة الباغية .



حدث علي بن مجاهد، قال: " وقع بين عبدالله بن مسعود وبين عمار بن ياسر تشاجر في شيء. فعجل عمار. فجلس ابن مسعود. فبلغ ذلك عمر-رضي الله تعالى عنه-، فقال:« أتجلس ابن أم عبد؟ »؛ فعزل عمارا، وولى الكوفة المغيرة بن شعبة.



حدث دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لعمار رضى الله تعالى عَنْهُمَا:« أَسَاءَكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ؟ »
قَالَ:«لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ سَاءَنِي اسْتِعْمَالُكَ إِيَّايَ، وَسَاءَنِي عَزْلُكَ ».



عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: مَا عُرِضَ عَلَى ابْنِ سُمَيَّةَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلا اخْتَارَ الأَرْشَدَ مِنْهُمَا .
عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: « ثَلاثٌ مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ فِي الإِقْتَارِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ ». وجاء من طريق آخر قَالَ : ثَلَاثُ خِلَالٍ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ خِلَالَ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ:« يَا أبا اليقظان ، وَمَا هَذِهِ الْخِلَالُ الَّتِي زَعَمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] قَالَ : مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ خِلَالَ الْإِيمَانِ ؟ ؛ فَقَالَ عمار عِنْدَ ذَلِكَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : الْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ ، وَالْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ » .
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَتَى عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ بِلَبَنٍ، فَضَحِكَ وَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ تَشْرَبُهُ حَتَّى تَمُوتَ شَرْبَةُ لَبَنٍ » .
وقال علي -عليه السلام-:« إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار و (لم) يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ما يذكر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس. وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين فهنيئا الجنة. عمار مع الحق أين دار. وقاتل عمار في النار » .



عن حبيب ابن أبي ثابت قال: « قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل».
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ عَمَّارٌ آدَمَ،طُوَالا، مُضْطَرِبًا، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ فِي صَفَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَدُفِنَ بِصِفِّينَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.



عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ صَلَّى عَلَى عمار وهاشم بن عتبة، فجعل عمار مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَ ذَلِكَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تكبيرا واحدا.
عَنْ عاصم ابن ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُ.
عَنْ مُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ شَهِدُوا عَمَّارًا قَالَ: لا تُغَسِّلُوا عَنِّي دَمًا فَإِنِّي مُخَاصِمٌ.



وروي عن الأصبغ بن نباته أنه قال: « رحم الله أبا اليقظان، فإني أرى أنه لو شارك أيوب عليه السلام في بلائه، صبر معه».
عَنْ عَبْداللَّهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْدَمَ فِي الْمِيلادِ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ.





قلت(الرمادي) تتبعت مسيرة أبا اليقظان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كاملة إذ انتقل من حالة الضعف والتعذيب إلى أن صار أميراً ثم تحققت نبؤة النبي الخاتم الصادق فيه... وإن كان هناك بعض المسائل معلقة!...
إذا تيسر لي الأمر من بعد إذنه تعالى وهدايته وتوفيقه فسوف ابحث الأمر في ملف خاص حول شخصيات محورية في السيرة النبوية الشريفة العطرة البهية السنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بحوث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾
السيرة النبوية العطرة صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ
مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
١٩ رجب مضر ١٤٤٢ هــ ~ 02 مارس 2021م
~ ‏الثلاثاء‏، 19‏ رجب‏، 1442 هــ

(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 16 / 03 / 2021 18 : 10 PM

رد: بُحُوثُ السيرة النبوية
 





« مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ».




« سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء »؛


„أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة؛ ذات حضارةâ€ں


سلسلة بحوث عن :


« الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرى العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛
لـــــ
خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم »


واختصرته بـ :



« خاتم الأنبياء »
صلى الله عليه وآله وسلم.





-**-





« مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ».




For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي

اختصار الروابط