ملتقى أهل العلم

ملتقى أهل العلم (https://www.ahlalalm.org/vb/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح (https://www.ahlalalm.org/vb/forumdisplay.php?f=51)
-   -   «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل» (https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=155256)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 19 / 11 / 2022 12 : 05 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
ونسأل هل هذا الأمر على الوجوب أم الندب!؟
القرطبي يجيب على السؤال هذا في المسألة الثانية فيقول :
" هَذَا الْأَمْرُ عَلَى النَّدْبِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي كُلِّ قِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ . وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الصَّلَاةِ .
حَكَى النَّقَّاشُ عَنْ عَطَاءٍ:
" أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ وَاجِبَةٌ ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَقَوْمٌ يَتَعَوَّذُونَ فِي الصَّلَاةِ كُلَّ رَكْعَةٍ ، وَيَمْتَثِلُونَ أَمْرَ اللَّهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ عَلَى الْعُمُومِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَتَعَوَّذَانِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ وَيَرَيَانِ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا كَقِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَمَالِكٌ لَا يَرَى التَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَيَرَاهُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ " .
**
وتطلب لقراءته لقوله تعالى :
" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم"
[ النحل: 98 ]
لكنهم اختلفوا في هذا الطلب على قولين :
الأول:
أن الاستعاذة مستحبة ، وهو قول الجمهور والفقهاء وحملوا الامر في الاية على الندب.

و
هذا القول الراجح والمعمول به لما روي عن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لها.
و
كفى بهذا صارفاً للأمر من الوجوب إلى الندب.
و
هذا ما أورده الطبري في تفسيره فقال :" وليس قوله : { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } بالأمر اللازم ، وإنما هو إعلام وندب ؛ وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن من قرأ القرآن ولم يستعذ بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءته أو بعدها أنه لم يضيع فرضا واجبا .

و
كان ابن زيد يقول في ذلك نحو الذي قاله الطبري . قال ابن زيد ، في قوله :
" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " ,
قال :"
فــ هذا دليل من الله تعالىٰ دل عباده عليه ."
وقال ابن كثير في تفسيره :
" وهذا أمر ندب ليس بواجب حكى الإجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة ".
***
فــ
ذهب جمهور العلماء وأهل الأداء إلى أنها مندوبة عند ابتداء القراءة ،
و
حملوا الأمر في قوله تعالى: " فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "
على النَّدب بـ حيث لو تركها القارئ لا يكون آثمًا .

الثاني :
و
ذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة عند ابتداء القراءة ،
و
حملوا الأمر السابق على الوجوب ، وعلى مذهبهم لو تركها القارئ يكون آثمًا .
و
إلى ذلك يشير الإمام ابن الجزري بقوله :

واستحبْ * * تَعَوُّذٌ وقال بعضُهُم يجبْ
: الوجوب ، وهو قول عطاء و الثوري وابن الجزري عن داود وأصحابه ونسبه إلى الفخر الرازي.
ودليلهم أن طلب الاستعاذة جاء على صيغة الامر. والأمر يفيد الوجوب أصلاً [1] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها ولأنها تدرأ الشيطان عند القراءة وهو واجب ،
و
" ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب." وهذه قاعدة شرعية جليلة يعمل بها .
ـــــ
الهامش :
1.) وهذا يعارض ما قدمناه بدايةً ، بأن صيغة الأمر ترد لستة عشر معنى ، لذا لزم الميل إلى آحدى القولين .
قلت(الرمادي) :
" بناءً على هذه الجزيئة من البحث وجب الميل إلى رأي من الإثنين .
وإختيارك لرأي منهما هو ما يسمى في الفقه تبني مسألة شرعية على قوة الدليل .
أو
يتبقى التقليد لإمام معروف ؛ معلوم لديك .
إذ لا يوجد ثالث ..
أقصد إما تبني الحكم الشرعي في المسألة إذا وجد فيها أكثر من رأي ؛ أو تقليد إمام . "

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 19 / 11 / 2022 19 : 05 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
المسألة الخامسة : لفظ الاستعاذة وصيغها :

التفسير و التأويل لــ آيات التنزيل
[ 1 . ] « الِاسْتِعَاذَةُ »

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ الِاسْتِعَاذَةِ

لفظ الاستعاذة وصيغها :

الصيغة القرآنية :

قال تعالى ذكره : « فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ »
[ النحل: 98 ]

وقال سبحانه وتعالى : « وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ »
[ فصلت: 36]

***
يتبع بإذنه سبحانه وتعالى


****

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 19 / 11 / 2022 30 : 05 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
عُرف الإسلام بأنه الدين الذي أنزله الله ؛ علا في سماه وتقدست اسماه على سيدنا محمد ؛ صلى الله عليه وآله وسلم بتنظيم علاقات الإنسان الثلاث ؛
ألا وهي :
1.]
علاقة الإنسان بربه ؛ وتشمل العقائد والعبادات ،

2.]
علاقة الإنسان بغيره ، تشمل المعاملات والعقوبات ،

3.]
علاقة الإنسان بنفسه ؛ وتشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات .

و
كيف يتم تنظيمها دون فهم احكامها الشرعية المتعلقة بها من خلال :
1.] قراءة القرآن الكريم والفرقان المبين والذكر الحكيم .. قراءة تدبر وتفسير وتأويل وفهم وإدراك وتبصر .. وليس فقط بقراءة تعبد ... دون فهم أو إدراك ..
2.] السنة المحمدية العطرة على صاحبها الصلاة والسلام والتكريم والانعام ... فالمسلم والمسلمة يحتاجا قراءة آيات الذكر الحكيم بفهم وتدبر ثم تطبيق ومن هنا جاءت أهمية :
- تفسير
و
- تأويل آيات الذكر الحكيم
و
- ما جاء من النبي محمد خاتم الأنبياء وآخر المصطفين ومتمم المبتعثين ...وأحاديث المصطفى المجتبى المحتبى المرتضى ...

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 48 : 05 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل» التَّكَلُّمُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ!
 
قال صاحب المنار :
" التَّكَلُّمُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ السَّهْلِ ، وَرُبَّمَا كَانَ مِنْ أَصْعَبِ الْأُمُورِ وَأَهَمِّهَا ، وَمَا كُلُّ صَعْبٍ يُتْرَكُ . وَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ طَلَبِهِ ".

وَ
وُجُوهُ الصُّعُوبَةِ كَثِيرَةٌ .
أَهَمُّهَا :
" أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ سَمَاوِيٌّ تَنَزَّلَ مِنْ حَضْرَةِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي لَا يَكْتَنِهُ كُنْهَهَا عَلَى قَلْبِ أَكْمَلِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعَارِفَ عَالِيَةٍ ، وَمَطَالِبَ سَامِيَّةٍ ، لَا يُشْرِفُ عَلَيْهَا إِلَّا أَصْحَابُ النُّفُوسِ الزَّاكِيَةِ ، وَالْعُقُولِ الصَّافِيَةِ ، وَإِنَّ الطَّالِبَ لَهُ يَجِدُ أَمَامَهُ مِنَ الْهَيْبَةِ وَالْجَلَالِ الْفَائِضَيْنِ مِنْ حَضْرَةِ الْكَمَالِ مَا يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ ، وَيَكَادُ يَحُولُ دُونَ مَطْلُوبِهِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَفَّفَ عَلَيْنَا الْأَمْرَ بِأَنْ أَمَرَنَا بِالْفَهْمِ وَالتَّعَقُّلِ لِكَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ الْكِتَابَ نُورًا وَهُدًى ، مُبَيِّنًا لِلنَّاسِ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانُوا يَفْهَمُونَهُ " .

ثم
يقول الشيخ محمد رشيد رضا :
" وَالتَّفْسِيرُ الَّذِي نَطْلُبُهُ هُوَ
فَهْمُ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينٌ يُرْشِدُ النَّاسَ إِلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا وَحَيَاتِهِمُ الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصِدُ الْأَعْلَى مِنْهُ ، وَمَا وَرَاءَ هَذَا مِنَ الْمَبَاحِثِ تَابِعٌ لَهُ وَأَدَاةٌ أَوْ وَسِيلَةٌ لِتَحْصِيلِهِ " .

لذلك يذكر صاحب المنار بأن للتفسير وجوه :
منها :
" الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ
عِبَادَاتٍ
وَمُعَامَلَاتٍ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْهَا . وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ
آيَاتِ الْأَحْكَامِ وَفَسَّرُوهَا وَحْدَهَا .
وَمِنْ أَشْهَرِهِمْ
أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَكُلُّ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الْفِقْهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، يُعْنَوْنَ بِتَفْسِيرِ آيَاتِ أَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ أَكْثَرَ مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِسَائِرِ الْآيَاتِ " .
هذا وجه ؛

أما
الثاني :
" النَّظَرُ فِي أَسَالِيبِ الْكِتَابِ وَمَعَانِيهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ لِيُعْرَفَ بِهِ عُلُوُّ الْكَلَامِ وَامْتِيَازُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْقَوْلِ ، سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَقَدْ أَلَمَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْأُخْرَى وَنَحَا نَحْوَهُ آخَرُونَ " .

وفي العصر الحديث د. السامرائي و د. االنعيمي.

الثالث :
" الْإِعْرَابُ : وَقَدِ اعْتَنَى بِهَذَا أَقْوَامٌ تَوَسَّعُوا فِي بَيَانِ وُجُوهِهِ وَمَا تَحْتَمِلُهُ الْأَلْفَاظُ مِنْهَا ". كــ التفاسير اللغوية : فاللغوي ، والنحوي يهتم بجانب الاعراب ووجوهه ، والنحو ومسائله وفروعه وخلافياته ، ويكثر من الشواهد والشعرية ،
فَالزَّجَّاجُ وَالْوَاحِدِيُّ فِي " الْبَسِيطِ " يَغْلِبُ عَلَيْهِمَا الْغَرِيبُ وَالنَّحْوُ ؛ هذا ماقاله الزركشي في البرهان ، وأبو حيان في " البحر المحيط " كما قال الذهبي .

الرابع :
" تَتَبُّعُ الْقَصَصِ ، وَقَدْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ أَقْوَامٌ زَادُوا فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ مَا شَاءُوا مِنْ كُتُبِ التَّارِيخِ وَالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ ، بَلْ أَخَذُوا جَمِيعَ مَا سَمِعُوهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ غَثٍّ وَسَمِينٍ ، وَلَا تَنْقِيحٍ لِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَلَا يُطَابِقُ الْعَقْلَ " . أي ما أطلق عليه الذهبي :

التفاسير التاريخية :
وهي التي عني مؤلفوها بالقصص ، وأخبار الامم السابقة ، وَالثَّعْلَبِيُّ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْقَصَصُ ؛ كما قال الزركشي في البرهان ، والخازن .

الخامس :
" غَرِيبُ الْقُرْآنِ ".

السَادِسُ :
" الْكَلَامُ فِي
أُصُولِ الْعَقَائِدِ وَمُقَارَعَةِ الزَّائِغِينَ ، وَمُحَاجَّةِ الْمُخْتَلِفِينَ . وَلِلْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْعِنَايَةُ الْكُبْرَى بِهَذَا النَّوْعِ " يسميها الذهبي : التفاسير العقلية : ومنهم من عني في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة ، يذكر شبههم والرد عليهم ، كما فعل الفخر الرازي في تفسيره " مفاتيح الغيب " ؛ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ عِلْمُ الْكَلَامِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ كما قال الزركشي .

السَابِعُ :
" الْمَوَاعِظُ وَالرَّقَائِقُ ، وَقَدْ مَزَجَهَا الَّذِينَ وَلِعُوا بِهَا بِحِكَايَاتِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْعُبَّادِ ، وَخَرَجُوا بِبَعْضِ ذَلِكَ عَنْ حُدُودِ الْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ الَّتِي وَضَعَهَا الْقُرْآنُ ".
***
الثَامِنُ :
" مَا يُسَمُّونَهُ بِالْإِشَارَةِ ، وَقَدِ اشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ كَلَامُ الْبَاطِنِيَّةِ بِكَلَامِ الصُّوفِيَّةِ . وَمِنْ ذَلِكَ التَّفْسِيرُ الَّذِي يَنْسُبُونَهُ لِلشَّيْخِ الْأَكْبَرِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْقَاشَانِيِّ الْبَاطِنِيِّ الشَّهِيرِ ، وَفِيهِ مِنَ النَّزَعَاتِ مَا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ دِينُ اللَّهِ وَكِتَابُهُ الْعَزِيزُ " يسميهم الذهبي : تفاسير المتصوفة : وهي التي قصد مؤلفوها نواحي الترغيب والترهيب ، واستنباط الاسرار الباطنية والاشارت الرمزية ، كما فعل ابن عربي ، وأبو عبدالرحمن السلمي .
والذهبي يضيف نوعا تاسعاً : تفاسير الفرق : وهي التي وضعها أصحاب الفرق والعقائد المتباينة ، محاولين تأويل كلام الله حسب مذاهبهم ، كما فعل الرماني ، والجبائي ، والقاضي عبدالجبار ، والزمخشري .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 51 : 05 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
يوضح صاحب المنار مقولته السابقة بالقول :" وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الْإِكْثَارَ فِي مَقْصِدٍ خَاصٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ يَخْرُجُ بِالْكَثِيرِينَ عَنِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ ، وَيَذْهَبُ بِهِمْ فِي مَذَاهِبَ تُنْسِيهِمْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ ؛ لِهَذَا كَانَ الَّذِي نُعْنَى بِهِ مِنَ التَّفْسِيرِ هُوَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ ، أَيْ مِنْ فَهْمِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينٌ ، وَهِدَايَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْعَالِمِينَ ، جَامِعَةٌ بَيْنَ بَيَانِ مَا يَصْلُحُ بِهِ أَمْرُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَمَا يَكُونُونَ بِهِ سُعَدَاءَ فِي الْآخِرَةِ " .


والكاتب يسير على هذه الخطة في تأويل وتفسير القرآن العظيم .
-**-


-**-
يذهبُ بنا الطبري إلى غير ما ذهب إليه صاحب المنار إلا في الثالثة إذ يقول :" ... وَأَنَّ تَأْوِيلَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ :

أَحَدُهَا :

لَا سَبِيلَ إِلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ ، وَحَجْبَ عِلْمِهِ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ ، وَهُوَ أَوْقَاتُ مَا كَانَ مِنْ آجَالِ الْأُمُورِ الْحَادِثَةِ ، الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهَا كَائِنَةٌ ، مِثْلَ : وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَوَقْتِ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالنَّفْخِ فِي الصُّورِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي :

مَا خَصَّ اللَّهُ بِعِلْمِ تَأْوِيلِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ سَائِرِ أُمَّتِهِ ، وَهُوَ مَا فِيهِ مِمَّا بِعِبَادِهِ إِلَى عِلْمِ تَأْوِيلِهِ الْحَاجَةُ ، فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ تَأْوِيلَهُ .


وَالثَّالِثُ مِنْهَا :


مَا كَانَ عِلْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ ، وَذَلِكَ عِلْمُ تَأْوِيلِ عَرَبِيَّتِهِ وَإِعْرَابِهِ ، لَا يُوصَلُ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِمْ .

فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَأَحَقُّ الْمُفَسِّرِينَ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ - فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ الَّذِي إِلَى عِلْمِ تَأْوِيلِهِ لِلْعِبَادِ السَّبِيلُ - أَوْضَحُهُمْ حُجَّةً فِيمَا تَأَوَّلَ وَفَسَّرَ ، مِمَّا كَانَ تَأْوِيلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ سَائِرِ أُمَّتِهِ مِنْ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ عَنْهُ : إِمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ ، فِيمَا وُجِدَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ نَقْلِ الْعُدُولِ الْأَثْبَاتِ ، فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْهُ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى صِحَّتِهِ ؛ وَأَصَحُّهُمْ بُرْهَانًا - فِيمَا تَرْجَمَ وَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ - مِمَّا كَانَ مُدْرَكًا عِلْمُهُ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ : إِمَّا بِالشَّوَاهِدِ مِنْ أَشْعَارِهِمُ السَّائِرَةِ ، وَإِمَّا مِنْ مَنْطِقِهِمْ وَلُغَاتِهِمُ الْمُسْتَفِيضَةِ الْمَعْرُوفَةِ ، كَائِنًا مَنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُتَأَوِّلُ وَالْمُفَسِّرُ ، بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونُ خَارِجًا تَأْوِيلُهُ وَتَفْسِيرُهُ مَا تَأَوَّلَ وَفَسَّرَ مِنْ ذَلِكَ ، عَنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ ، وَالْخَلْفِ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ "


يقول صاحب المنار :" وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ : لَا حَاجَةَ إِلَى التَّفْسِيرِ وَالنَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ السَّابِقِينَ نَظَرُوا فِيَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتَنْبَطُوا الْأَحْكَامَ مِنْهُمَا ، فَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَنْظُرَ فِي كُتُبِهِمْ وَنَسْتَغْنِيَ بِهِمْ - هَكَذَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الزَّعْمُ لَكَانَ طَلَبُ التَّفْسِيرِ عَبَثًا ، يَضِيعُ بِهِ الْوَقْتُ سُدًى وَهُوَ - عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْفِقْهِ - مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخَرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَخْطُرُ هَذَا عَلَى بَالِ مُسْلِمٍ ؟ " .
ثم يقول رحمه الله :" الْأَحْكَامُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي جَرَى الِاصْطِلَاحُ عَلَى تَسْمِيَتِهَا فِقْهًا هِيَ أَقَلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ التَّهْذِيبِ وَدَعْوَةِ الْأَرْوَاحِ إِلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهَا وَرَفْعُهَا مِنْ حَضِيضِ الْجَهَالَةِ إِلَى أَوْجِ الْمَعْرِفَةِ ، وَإِرْشَادُهَا إِلَى طَرِيقَةِ الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَمَا هُوَ أَجْدَرُ بِالدُّخُولِ فِي الْفِقْهِ الْحَقِيقِيِّ ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْإِرْشَادُ إِلَّا فِي الْقُرْآنِ ، وَفِيمَا أُخِذَ مِنْهُ - كَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ - حَظٌّ عَظِيمٌ مِنْ عِلْمِ التَّهْذِيبِ ، وَلَكِنَّ سُلْطَانَ الْقُرْآنِ عَلَى نُفُوسِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَهُ وَتَأْثِيرَهُ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ لَا يُسَاهِمُهُ فِيهِ كَلَامٌ ، كَمَا أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ حِكَمِهِ وَمَعَارِفِهِ لَمْ يُكْشَفْ عَنْهَا اللِّثَامُ . وَلَمْ يُفْصِحْ عَنْهَا عَالِمٌ وَلَا إِمَامٌ . ثُمَّ إِنَّ أَئِمَّةَ الدِّينِ قَالُوا : إِنَّ الْقُرْآنَ سَيَبْقَى حُجَّةً عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَشَرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ : " وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ " وَلَا يُعْقَلُ إِلَّا بِفَهْمِهِ ، وَالْإِصَابَةِ مِنْ حِكْمَتِهِ وَحِكَمِهِ " .

ينبه صاحب المنار لقضية هامة إذ يقول :" اعْتِقَادُ ـ البعض ـ أَنَّ آيَةَ كَذَا إِذَا كُتِبَتْ وَمُحِيَتْ بِمَاءٍ وَشَرِبَهُ صَاحِبُ مَرَضِ كَذَا يُشْفَى ، وَأَنَّ مَنْ حَمَلَ الْقُرْآنَ ، لَا يَقْرَبُهُ جِنٌّ وَلَا شَيْطَانٌ ، وَيُبَارَكُ لَهُ فِي كَذَا وَكَذَا ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ وَمَعْرُوفٌ لِلْعَامَّةِ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ لِلْخَاصَّةِ ، وَمَعَ صَرْفِ النَّظَرِ عَنْ صِحَّةِ هَذَا وَعَدَمِ صِحَّتِهِ ، نَقُولُ ـ صاحب المنار ـ :" إِنَّ فِيهِ مُبَالَغَةً فِي التَّعْظِيمِ عَظِيمَةً جِدًّا وَلَكِنَّهَا - وَيَا لَلْأَسَفِ - لَا تَزِيدُ عَنْ تَعْظِيمِ التُّرَابِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ الْأَضْرِحَةِ ابْتِغَاءَ هَذِهِ الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ نَفْسِهَا " .

ويكمل رحمه الله فيقول :" وَنَحْوُ هَذَا مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْأَطْفَالِ مِنَ التَّعَاوِيذِ وَالتَّنَاجِيسِ كَالْخِرَقِ وَالْعِظَامِ وَالتَّمَائِمِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الطَّلْسَمَاتِ وَالْكَلِمَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ ، الْمَنْقُولَةِ عَنْ بَعْضِ الْأُمَمِ الْوَثَنِيَّةِ ، هَذَا الضَّرْبُ مِنْ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ نُسَمِّيهِ - إِذَا جَرَيْنَا عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ - عِبَادَةً لِلْقُرْآنِ لَا عِبَادَةً لِلَّهِ بِهِ " .

ثم يتعرض لجزئية آخرى حين يقول :" الْهِزَّةُ وَالْحَرَكَةُ الْمَخْصُوصَةُ وَالْكَلِمَاتُ الْمَعْلُومَةُ الَّتِي تَصْدُرُ مِمَّنْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ ، إِذَا كَانَ الْقَارِئُ رَخِيمَ الصَّوْتِ حَسَنَ الْأَدَاءِ عَارِفًا بِالتَّطْرِيبِ عَلَى أُصُولِ النَّغَمِ . وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ اللَّذَّةِ وَالنَّشْوَةِ هُوَ حُسْنُ الصَّوْتِ وَالنَّغَمِ ، بَلْ أَقْوَى سَبَبٍ لِذَلِكَ هُوَ بُعْدُ السَّامِعِ عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ " .

يوضح المعنى صاحب المنار فيقول :" وَأَعْنِي بِالْفَهْمِ مَا يَكُونُ عَنْ ذَوْقٍ سَلِيمٍ تُصِيبُهُ أَسَالِيبُ الْقُرْآنِ بِعَجَائِبِهَا ، وَتَمْلِكُهُ مَوَاعِظُهُ فَتَشْغَلُهُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ . لَا أُرِيدُ الْفَهْمَ الْمَأْخُوذَ بِالتَّسْلِيمِ الْأَعْمَى مِنَ الْكُتُبِ أَخْذًا جَافًّا لَمْ يَصْحَبْهُ ذَلِكَ الذَّوْقُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ رِقَّةِ الشُّعُورِ وَلُطْفِ الْوِجْدَانِ ، اللَّذَيْنِ هُمَا مَدَارُ التَّعَقُّلِ وَالتَّأَثُّرِ وَالْفَهْمِ وَالتَّدَبُّرِ " .




**

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 03 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
« التأويل لما جاء من التنزيل »
مقدمة التفسير
*****
الآيات الكريمات التي ذكر فيها لفظة " التأويل "
عبارة " تأويل " وردت 15 مرة في المصحف الشريف
1 . ، 2 . ) « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ » (آية 7) [ 3 سورة ال عمران ]
2
تابع
الآيات الكريمات التي ذكر فيها لفظة " التأويل "
3 . ) « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا » .
3
4 . 5 . ) « وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ » (53)
( الآيتان 52 ؛ 53) [ 3 سورة الاعراف ]
4
6 . ) « بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ »
( الآية 39 ) [ 10 سورة يونس ]
5
تابع .. آيات ال تأويل
****
7 . ) « وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »
( الآية 6 ) [ 12سورة يوسف ]
**
8 . ) « وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ »
( الآية 21 ) [ 12سورة يوسف ]
**
9 . ) « وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ »
( الآية 36) [ 12سورة يوسف ]
***
10 . ) « قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ »
( الآية 37 ) [ 12 سورة يوسف ]
**
11 . ؛ 12 . ) « وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ »
(الآيات 43 ؛ 44 و 45) [ 12 سورة يوسف ]
**
13 . ؛ 14 . ) « وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ »
(الآيتان 100 ؛ 101) [سورة 12 يوسف]
15 . ) « وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا »
( الآية 35 ) [ 17 سور ة الإسراء ]
16. ) « قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا »
( الآية 78 ) [ سورة الكهف ]
***
17 . ) « وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا »
( الآية 82 ) [ 18 سور ة الكهف ]
**
ثم بالرجوع إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وجدتُ أن اللفظ ورد " 17 " مرة ، على النحو التالي : " تأويل : و " تأويلاً " ، و " تأويله " ، وهذا ما أثبته عند الترقيم .

[ عبد الباقي ؛ محمد فؤاد ، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم دارالحديث ، القاهرة ـ الطبعة الأولى ~ 1406 هـ ~ 1986 م ]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 06 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
عبارة " تفسير " عثر عليها في المصحف الشريف ( 1 ) آية
1 .* ] « وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا »

( الآية 33 ) [ 25 سورة الفرقان ]
****
وسوف أعرض نبذة عن معنى كلمة التأويل ، ثم أعرض مرة ثانية للفظة عند موضعها في كتاب الله رب العالمين ، إذ صار التأويل علماً وفناً ؛ وله كتبه ومراجعه ثم صار للقرآن العظيم تنزيل رب العرش العظيم تراجم لمعانيه ، أصاب فيها مَن أصاب وفلح في فهم المعنى المراد فاختار الكلمة القريبة من الصواب في ظنه وعلى قدر علمه ؛ وله الجزاء الأوفى على حسن الإختيار والإجتهاد ، وهذا يعني أن المترجِم له قدرة خاصة عالية على فهم لغة القرآن ـ اللغة العربية وكذلك يملك إحساسا عميقا باللغة المترجَم إليها ، فالإسلام إنتشر وذاع في كل الأنحاء والأصقاع ، ومَن لم تمكنه أعجمية لسانه في الفهم أدرك المعنى من ترجمة اللفظة للغته الأم التي يعرفها ويفهمها ، ثم صارت الشبكة العنكبوتية ـ الإنترنت ـ الفضاء الواسع لمن اراد توصيل رسالة الإسلام ، وينقسم المتواجدون إلى جهات رسمية حكومية ؛ هذا أولاً ، وإلى أهل العلم ؛ وهذا ثانياً ، وإلى فريق ثالث يكتب ما يراه على قدر إستطاعته ؛ وهذا يحتاج إلى تدقيق ومراجعة ... وإني أظن نفسي من الفريق الثالث ولا أدعي علما بل كل ما عندي نقل من آراء العلماء وحسن ربط بين أقوالهم ... فإن أحسنت فما توفيقي إلا بالله وإن كانت الآخرى فمني ومن الشيطان وأعود إلى جادة الصواب ، ويرحم الله أستاذي الدكتور محمود عبده حين قال في قاعة الدرس :" مَن كان أستاذه الكتاب فـ خطئه أكثر من الصواب " .. وإني لأرجو السميع العليم إن يجازي الجميع على نواياهم الصالحة وإعمالهم النيرة في إرساء قواعد الدين المتين ؛ فنبدء بالعقيدة والإيمان ثم معرفة ألأحكام الشرعية العملية ثم ذكر القصص وأخذ العبرة مِن مَن مضي وسلف .
والله من وراء القصد عليه توكلت وإليه أنبت ، اللهم وفقني لما فيه صلاح أمري في الدنيا لأنعم بنعيم الآخرة .

****

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 08 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
. * ] مقدمة التفسير
ذكر الحق تبارك وتعالى كلمة " التأويل " ثم ذكر كلمة " التفسير " ، ثم جاءت كلمة " الترتيل " ، وبمراجعة النص القرآني وجدتُ قوله تعالى :« وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا » (32) [ 25 الفرقان ]
فيورد الطبري في جامعه قول مَن قال بأن مَعْنَى التَّرْتِيلِ : التَّبْيِينُ وَالتَّفْسِيرُ ، و ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
منهم ابْنُ زَيْدٍ ، قَالَ : فَسَّرْنَاهُ تَفْسِيرًا ، وَقَرَأَ :« وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ».
[جامع البيان عن تأويل آي القرآن ؛ مرجع سابق ]
***
ثم ذكر ابن كثير قول قَتَادَة : " وَبَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا ". وَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ :" وَفَسَّرْنَاهُ تَفْسِيرًا " .
[ تفسير ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ، دار طيبة ، سنة النشر: 1422هـ / 2002م ]

فجاءت ثلاث كلمات تعبر عن معنى حقيقي أراده سبحانه وتعالى الا وهو تدبر القرآن وفهمه ليترتب على الفهم والعلم عمل ، وإلا فما الداعي لهذا الجهد في العلم والدرس والفهم !!؟.
***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :« وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا » ( 33) [ 25 الفرقان ؛ 33 ]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَأْتِيكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِمَثَلٍ يَضْرِبُونَهُ إِلَّا جِئْنَاكَ مِنَ الْحَقِّ ، بِمَا نُبْطِلُ بِهِ مَا جَاءُوا بِهِ ، وَأَحْسَنَ مِنْهُ تَفْسِيرًا .
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ :« وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ » ، قَالَ : الْكِتَابُ بِمَا تَرُدُّ بِهِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْأَمْثَالِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا .
وَعَنَى بِقَوْلِهِ :« وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا » ؛ وَأَحْسَنَ مِمَّا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْمَثَلِ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا ـ أي الطبري ـ فِي ذَلِكَ ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ : " أَحْسَنُ تَفْصِيلًا ". وأيضاً الضَّحَّاكَ
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ " بَيَانًا " .
[ المصدر تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، محمد بن جرير الطبري ، دار المعارف ، دون ذكر سنة النشر ]

***


ومالَ إلى ما ذهب إليه الطبري الإمامُ البغوي فقال :« وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا » أَيْ : بَيَانًا وَتَفْصِيلًا وَ " التَّفْسِيرُ :" تَفْعِيلٌ ، مِنَ الْفَسْرِ ، وَهُوَ كَشْفُ مَا قَدْ غُطِّيَ ".
[ تفسير البغوي ، الحسين بن مسعود البغوي ، دار طيبة ، دون ذكر سنة النشر ]

***


يقول ابن كثير :" « وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ » أَيْ : بِحُجَّةٍ وَشُبْهَةٍ ، « إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا » أَيْ : وَلَا يَقُولُونَ قَوْلًا يُعَارِضُونَ بِهِ الْحَقَّ ، إِلَّا أَجَبْنَاهُمْ بِمَا هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَأَبْيَنُ وَأَوْضَحُ وَأَفْصَحُ مِنْ مَقَالَتِهِمْ .
[ تفسير ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ، دار طيبة ، سنة النشر: 1422هـ / 2002م ]

وَالتَّفْسِيرُ : الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ عَنِ الْمَعْنَى ، وَالْمُرَادُ هُنَا كَشْفُ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ .
[ التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور ، دار سحنون ، دون ذكر سنة النشر ]

***


ومما يظهر لي : أن القرآن العظيم ؛ وإن نزل بلسان عربي مبين إلا أنه يحتاج إلى بيان وكشف عن المعنى وتفصيل ، وهذا ما نراه وضوح الشمس في رابعة النهار في يوم لا غيوم فيه ولا أمطار حين شمر العلماء عن ساعد الجد ، فنجد ـ والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ونقرأ هذا التراث الندي الثري والذي لا مثيل له عند بقية القبائل والأمم وبقية شعوب أهل الأرض ؛ نقرأ عن علوم عدة وفنون شتى تتعلق بالقرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة العطرة ـ وقد نذكرها في موضعها ؛ إن شاء الله تعالى .
وهذه المراجعة محاولة مني أضعها بين يدي القارئـ (ــ)ـة الكريمـ (ــ)ـة لنتدارس معاً كتاب رب العالمين ، ليس القصد منها العلم بما عند الإجداد والإفتخار بما سطروا وقدرتهم على الإجتهاد بل القصد منها العلم والعمل لنضع نحن لبنة في صرح الأمجاد ونبني مستقبل أمة على وعي ونمهد الطريق للأحفاد .

****

الرمادي من الْإِسْكَنْدَرِيَّة

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 10 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
الْحَاجَةُ إِلَى التَّفْسِيرِ ] .
وَأَمَّا وَجْهُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ :


فقد قَالَ صاحب الإتقان :" إِنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فِي زَمَنِ أَفْصَحِ الْعَرَبِ وَكَانُوا يَعْلَمُونَ ظَوَاهِرَهُ وَأَحْكَامَهُ ".
ثم يقول :" أَمَّا دَقَائِقُ بَاطِنِهِ : فَإِنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ لَهُمْ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ مَعَ سُؤَالِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَكْثَرِ ، كَسُؤَالِهِمْ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ :" وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ " [ الْأَنْعَامِ : 82 ] . فَقَالُوا : وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ . فَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " [ لُقْمَانَ : 13 . ] وَكَسُؤَالِ عَائِشَةَ عَنِ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ ، فَقَالَ : ذَلِكَ الْعَرُضُ . وَكَقِصَّةِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَأَلُوا عَنْ آحَادٍ مِنْهُ ، وَنَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى مَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، وَزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الظَّوَاهِرِ ، لِقُصُورِنَا عَنْ مَدَارِكِ أَحْكَامِ اللُّغَةِ بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ ، فَنَحْنُ أَشَدُّ النَّاسِ احْتِيَاجًا إِلَى التَّفْسِيرِ ." وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَفْسِيرَ بَعْضِهِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأَلْفَاظِ الْوَجِيزَةِ وَكَشْفِ مَعَانِيهَا ، وَبَعْضُهُ مِنْ قِبَلِ تَرْجِيحِ بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى بَعْضٍ .


[ الإتقان في علوم القرآن جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي دار الكتاب العربي سنة النشر: 1419هـ / 1999م ]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 11 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
ثم يقول صاحب المنار :" وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ : لَا حَاجَةَ إِلَى التَّفْسِيرِ وَالنَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ السَّابِقِينَ نَظَرُوا فِيَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتَنْبَطُوا الْأَحْكَامَ مِنْهُمَا ، فَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَنْظُرَ فِي كُتُبِهِمْ وَنَسْتَغْنِيَ بِهِمْ - هَكَذَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الزَّعْمُ لَكَانَ طَلَبُ التَّفْسِيرِ عَبَثًا ، يَضِيعُ بِهِ الْوَقْتُ سُدًى وَهُوَ - عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْفِقْهِ - مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخَرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَخْطُرُ هَذَا عَلَى بَالِ مُسْلِمٍ ؟ " .

ثم يقول رحمه الله :" الْأَحْكَامُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي جَرَى الِاصْطِلَاحُ عَلَى تَسْمِيَتِهَا فِقْهًا هِيَ أَقَلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ التَّهْذِيبِ وَدَعْوَةِ الْأَرْوَاحِ إِلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهَا وَرَفْعُهَا مِنْ حَضِيضِ الْجَهَالَةِ إِلَى أَوْجِ الْمَعْرِفَةِ ، وَإِرْشَادُهَا إِلَى طَرِيقَةِ الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَمَا هُوَ أَجْدَرُ بِالدُّخُولِ فِي الْفِقْهِ الْحَقِيقِيِّ ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْإِرْشَادُ إِلَّا فِي الْقُرْآنِ ، وَفِيمَا أُخِذَ مِنْهُ - كَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ - حَظٌّ عَظِيمٌ مِنْ عِلْمِ التَّهْذِيبِ ، وَلَكِنَّ سُلْطَانَ الْقُرْآنِ عَلَى نُفُوسِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَهُ وَتَأْثِيرَهُ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ لَا يُسَاهِمُهُ فِيهِ كَلَامٌ ، كَمَا أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ حِكَمِهِ وَمَعَارِفِهِ لَمْ يُكْشَفْ عَنْهَا اللِّثَامُ . وَلَمْ يُفْصِحْ عَنْهَا عَالِمٌ وَلَا إِمَامٌ . ثُمَّ إِنَّ أَئِمَّةَ الدِّينِ قَالُوا : إِنَّ الْقُرْآنَ سَيَبْقَى حُجَّةً عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَشَرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ : " وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ " وَلَا يُعْقَلُ إِلَّا بِفَهْمِهِ ، وَالْإِصَابَةِ مِنْ حِكْمَتِهِ وَحِكَمِهِ " .

ينبه صاحب المنار لقضية هامة إذ يقول :" اعْتِقَادُ ـ البعض ـ أَنَّ آيَةَ كَذَا إِذَا كُتِبَتْ وَمُحِيَتْ بِمَاءٍ وَشَرِبَهُ صَاحِبُ مَرَضِ كَذَا يُشْفَى ، وَأَنَّ مَنْ حَمَلَ الْقُرْآنَ ، لَا يَقْرَبُهُ جِنٌّ وَلَا شَيْطَانٌ ، وَيُبَارَكُ لَهُ فِي كَذَا وَكَذَا ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ وَمَعْرُوفٌ لِلْعَامَّةِ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ لِلْخَاصَّةِ ، وَمَعَ صَرْفِ النَّظَرِ عَنْ صِحَّةِ هَذَا وَعَدَمِ صِحَّتِهِ ، نَقُولُ ـ صاحب المنار ـ :" إِنَّ فِيهِ مُبَالَغَةً فِي التَّعْظِيمِ عَظِيمَةً جِدًّا وَلَكِنَّهَا - وَيَا لَلْأَسَفِ - لَا تَزِيدُ عَنْ تَعْظِيمِ التُّرَابِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ الْأَضْرِحَةِ ابْتِغَاءَ هَذِهِ الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ نَفْسِهَا " .

**

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 14 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
كتبتُ في مقدمة بحث عن بولس الرسول ما نصه :
" التصفية والتربية :

إن الأساس الذي بنيت عليه هذه الدراسة " التصفية ":

هو دعوتنا أن نعود للحق ، وأن نخلِّص معتقدات البشرية مما تسرب لها من أخطاء وما قادها لإنحراف ، ليحلَّ الوفاق محل الخلاف ، والوئام محل الصراع .

ونحن نعتقد أن العقيدة الصـحيحة معروفة لكثيرين من قادة " الأديان " ، ولكن الاحتراف وحب الدنيا وزينتها يُزَيِّنان الباطل ويدفعان لتأييد الإنـحراف (1).



ولهذه التصفية شقان:


الشق الأول:

متعلق بما يطلق عليه " الأديان " كاليهودية والمسيحية وغيرهما ، والإنحراف الذي تم في العقيدة والعبادة عند معتنقي هذه الديانات!!.



أما الشق الثاني:


فمتعلق بعقول المسلمين وقلوبهم وما علق في عقيدتهم من أنواع الشرك والتقرب إلى الله بما لم يشرعه ، وجحد الصفات الإلهية وتأويلها ، والسلوكيات الخاطئة التي تمارس مع مخالفتها للهدي النبوي (2).

وهذه " التصفية " وحدها لا تكفي، بل يجب أن يضاف إليها واجب آخر، ألا وهو " التربية " ، فيجب تربية الجيل الناشئ ـ خاصة الجيل الثاني والثالث ... - على هذا الإسلام المصفى من أي شائبة - سواء في العقيدة الإسلامية أو الفقه الإسلامي ـ تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره ، دون أي تأثر بالتربية الغربية.

وإني لأرجو ... أن أكون من المشاركين ـ مع ضعفي وقلة علمي ـ في القيام بهذين الواجبين: أعني " التصفية والتربية ". فإذا كنا نعمل على استئناف الحياة الإسلامية في زمن الصحوة الإسلامية ، فلابد اليوم من القيام بهذين الواجبين معاً. "


ـــــــ

مراجع :

1 . يراجع: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية، ص297، ط 10، 1998م.

2 . يراجع: الشيخ محمد ناصرالدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السئ في الأمة، صفحة ترقيم "د"، المجلد الثاني، ط 5، 1412هـ - 1992م.
ــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 15 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
ويكمل رحمه الله فيقول :

" وَنَحْوُ هَذَا مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْأَطْفَالِ مِنَ التَّعَاوِيذِ وَالتَّنَاجِيسِ كَالْخِرَقِ وَالْعِظَامِ وَالتَّمَائِمِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الطَّلْسَمَاتِ وَالْكَلِمَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ ، الْمَنْقُولَةِ عَنْ بَعْضِ الْأُمَمِ الْوَثَنِيَّةِ ، هَذَا الضَّرْبُ مِنْ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ نُسَمِّيهِ - إِذَا جَرَيْنَا عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ - عِبَادَةً لِلْقُرْآنِ لَا عِبَادَةً لِلَّهِ بِهِ " .
ثم يتعرض لجزئية آخرى حين يقول :" الْهِزَّةُ وَالْحَرَكَةُ الْمَخْصُوصَةُ وَالْكَلِمَاتُ الْمَعْلُومَةُ الَّتِي تَصْدُرُ مِمَّنْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ ، إِذَا كَانَ الْقَارِئُ رَخِيمَ الصَّوْتِ حَسَنَ الْأَدَاءِ عَارِفًا بِالتَّطْرِيبِ عَلَى أُصُولِ النَّغَمِ . وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ اللَّذَّةِ وَالنَّشْوَةِ هُوَ حُسْنُ الصَّوْتِ وَالنَّغَمِ ، بَلْ أَقْوَى سَبَبٍ لِذَلِكَ هُوَ بُعْدُ السَّامِعِ عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ " .

يوضح المعنى صاحب المنار فيقول :" وَأَعْنِي بِالْفَهْمِ مَا يَكُونُ عَنْ ذَوْقٍ سَلِيمٍ تُصِيبُهُ أَسَالِيبُ الْقُرْآنِ بِعَجَائِبِهَا ، وَتَمْلِكُهُ مَوَاعِظُهُ فَتَشْغَلُهُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ . لَا أُرِيدُ الْفَهْمَ الْمَأْخُوذَ بِالتَّسْلِيمِ الْأَعْمَى مِنَ الْكُتُبِ أَخْذًا جَافًّا لَمْ يَصْحَبْهُ ذَلِكَ الذَّوْقُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ رِقَّةِ الشُّعُورِ وَلُطْفِ الْوِجْدَانِ ، اللَّذَيْنِ هُمَا مَدَارُ التَّعَقُّلِ وَالتَّأَثُّرِ وَالْفَهْمِ وَالتَّدَبُّرِ " .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 19 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
3 نشأة التفسير وتطوره :
نزل القرآن الكريم بلغه العرب ، وعلى أساليبهم في الكلام ، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ " [ سورة إبراهيم ، الاية 4 ] ، لذلك كان الصحابة الكرام يفهمون القرآن في جملته ، أي بالنسبة لظاهره وأحكامه ، أما فهمه تفصيلا ، ومعرفة دقائقه بحيث لا يغيب عنهم منه شئ فقد تفاوتوا في ذلك ، بسبب اختلافهم في العلم بلغتهم ، وبمعرفة أسباب النزول ، فكانوا يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يفهموه فيفسره لهم ؛ لذا فقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم عدد كبير من الاحاديث تتناول تفسير القرآن . وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اشتهر عدد كبير من الصحابة بالتفسير ، وقد عد منهم السيوطي في " الاتقان " :
أبا بكر ،
وعمر ،
وعثمان ،
وعلي ،
وابن مسعود ،
وابن عباس ،
وأبي بن كعب ،
وزيد بن ثابت ،
وأبا موسى الاشعري ،
وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين .

ــــــ
مرجع :
الذهبي ؛ الدكتور محمد حسين ، التفسير والمفسرون ، صفحة 16 .
ــــــ

4 مصادر التفسير في عهد الصحابة :


1 - القران الكريم نفسه حيث أن آياته يفسر بعضها بعضا ، وما أجمل في موضع منه قد يبين في موضع آخر ، فمن ذلك تفسير قوله تعالى :" وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ " [ 40 سورة غافر الاية 28 ] بأنه العذاب الادنى المعجل في الدنيا ، لقوله تعالى في آخر السورة :" فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " الاية ( 77 ).

2 - السنة النبوية الشريفة ، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من آيات القران ، قال تعالى :" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " [ 16 سورة النحل ، الاية 44 ] ، والذي يرجع إلى كتب الحديث يجدها حافلة بأبواب التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من ذلك ما رواه الترمذي ، وابن حبان في " صحيحه " عن ابن مسعود قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الصلاة الوسطى ؛ صلاة العصر " ، وقد اعتمد كثير من مؤلفي التفسير على الحديث في تفسره ، فسمي هذا النوع بالتفسير بالمأثور ، ومنها تفسير ابن كثير .

3 - أقوال الصحابة : كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا لم يجدوا التفسير في القران ، ولم يسمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجعوا في ذلك إلى اجتهادهم لانهم عاينوا نزول القران ، ولانهم كانوا من خلص العرب ، يعرفون عاداتهم والالفاظ ومعانيها ، ومناحي العرب في كلامهم ، ومعتمدين في ذلك على الشعر الذي هو ديوان العرب كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وقد كان الصحابي الجليل ابن عباس صاحب النصيب الاكبر من ذلك ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا له فقال :" اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل " ولذلك لقب بــ " ترجمان القرآن " .

5 مدراس التفسير على عهد الصحابة :

فتح الله على المسلمين كثير من بلاد العالم ، وتوزع الصحابة في البلاد المفتوحة ، وحملوا معهم علومهم وجلس إليهم كثير من التابعين يتتلمذون عليهم ، فقامت في هذه البلاد مدارس علمية أساتذتها الصحابة وتلاميذها التابعون ، واشتهرت من بين هذه المدارس ثلاث هي :



1 - مدرسة مكة المكرمة :

أستاذها الصحابي الجليل ابن عباس ، وتلاميذها : سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وطاوس ، وعطاء .



2 - مدرسة المدينة المنورة :

أستاذها الصحابي أبي بن كعب ، وتلاميذها : زيد بن أسلم ، وأبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي .



3 - مدرسة العراق :

أستاذها الصحابي عبدالله بن مسعود ، وتلاميذها : علقمة ، ومسروق ، والاسود ، ومرة ، وعامر ، والحسن ، وقتادة . وقد أضيف للتفسير في هذا العهد أقوال التابعين ، وبدأ الخلاف يظهر فيه ، كما بدأ يتسرب إليه الروايات الاسرائيليات بسبب رجوع بعض المفسرين لاهل الكتابين اليهود والنصارى .

٦ تدوين التفسير :




قال صاحب فتح الباري ، العسقلاني :

" فَمِمَّا حَدَثَ تَدْوِينُ الْحَدِيثِ ثُمَّ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ ثُمَّ تَدْوِينُ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُوَلَّدَةِ عَنِ الرَّأْيِ الْمَحْضِ ثُمَّ تَدْوِينُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْكَرَهُ عُمَرُ وَأَبُو مُوسَى وَطَائِفَةٌ وَرَخَّصَ فِيهِ الْأَكْثَرُونَ وَأَمَّا الثَّانِي فَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ كَالشَّعْبِيِّ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ ، وَكَذَا اشْتَدَّ إِنْكَارُ أَحْمَدَ لِلَّذِي بَعْدَهُ "



] العسقلاني ؛ أحمد بن علي بن حجر ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، دارالريان للتراث ، سنة النشر: 1407هـ / 1986م]

على عهد التابعين مع بداية القرن الثاني للهجرة ، بدأ المسلمون بتدوين علومهم ، بعد أن كانوا يعتمدون على الرواية في حفظها وتبليغها ، وأصدر الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز ( ت 101 هـ ) أمره لعماله في الافاق بجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان التفسير بابا من أبواب الحديث ، ولم يفرد له أول الامر تأليف خاص يفسر القران سورة سورة من مبدئه إلى منتهاه ، ثم انفصل التفسير تدريجيا عن الحديث ، وبدأت تظهر المحاولات الاولى للتاليف في تفسير القران تمثلت بـ كتب " غريب القران " التي تناولت ألفاظه فقط كـ كتب الرؤاسي ( ت 170 هـ‍ ) والكسائي ( ت 189 هـ‍ ) والفراء ( ت 207 هـ‍ ) ، ثم ظهرت التفاسير الاولى التي تناولت السور والايات كـ تفسير ابن ماجه ( ت 273 هـ‍ ) وابن جرير الطبري ( ت 310 هـ ) ، وابن المنذر النيسابوري ( ت 318 هـ‍ ) وابن أبي حاتم ( ت 327 هـ‍ ) . وتناولت هذه التفاسير الاولى غريب الالفاظ ، وإيراد ما ورد من الحديث وأقوال الصحابة والتابعين في تفسير بعض الايات .

أنواع التفسير

كانت المحاولات الاولى للتفسير تعتمد على المأثور من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما نقل عن السلف ، ثم تدرج التفسير بعد ذلك لتدوين العلوم العقلية إضافة للتفسير النقلي ، وبدأ هذا الجانب يتضخم شيئا فشيئا متأثرا بالمعارف العامة ، والعلوم المتنوعة ، والاراء المتشعبة ، والعقائد المتباينة ، وامتزج كل ذلك بالتفسير وتحكمت الاصطلاحات العلمية والعقائد المذهبية بـ عبارات القران الكريم ، وظهرت آثار الثقافات والفلسفات في تفاسير القران ، وراح كل من برع في فن من الفنون يفسر القران على الفن الذي برع فيه.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 37 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
التفسير بالمأثور :
تفسير بالمأثور - أو التفسير النقلي - هو تفسير القران بما جاء في القرآن نفسه من تبيان لبعض آياته ، وبما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
وقد كان هذا النوع من التفاسير أولها ظهورا كما تدرج خلال تطور هذا العلم من الرواية في عصر الصحابة والتابعين إلى التدوين في القرن الثاني ، لان الحديث كان أول ما اهتم العلماء بتدوينه ، ثم لما انفصل التفسير عن الحديث وأفرد بتأليف خاص كان أول ما ظهر فيه صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، ثم ظهرت أجزاء في التفسير كـ جزء أبي روق ، وأجزاء محمد بن ثور عن ابن جريج ( 1 ) ، ثم ظهر التأليف الموسوعي في التفسير الذي جمع أصحابه فيه كل ما روي من التفسير المأثور كـ تفسير ابن جرير الطبري ، وتوسع أصحابها في النقل وأكثروا منه بالاسانيد المتصلة حتى استقاض .
ثم وجد بعد ذلك أقوام دونوا التفسير بالمأثور بدون ذكر الاسانيد ، وأكثروا من نقل الاقوال بدون التفرقة بين الصحيح وغيره ، مما أفقد الثقة بها ، وبخاصة عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب ، حتى نقل عن الامام الشافعي قوله :" لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث " ( 2 ) وهو عدد لا يكاد يذكر أمام ما يروى عن ابن عباس في التفسير ، وهذا يدل على مبلغ ما دخل في التفسير بالمأثور من الروايات الموضوعة والاسرائيلية ، ولقد كانت كثرة المرويات أكبر عامل في صرف همة العلماء إلى البحث والتمحيص ، والنقد والتعديل والتجريح ، وترجع أسباب الضعف في رواية التفسير بالمأثور إلى كثرة الوضع ، ودخول الاسرائيليات .
أما الوضع فقد كان مصدره أهل البدع والاهواء والفرق ، والاقوام الذي دخلوا في الاسلام ظاهرا وهم يبطنون الكفر بقصد الكيد له وتضليل أهله ، فوضعوا الروايات الباطلة في تفسير القران ليصلوا إلى أغراضهم ، فكثرت الروايات ، وضمن مؤلفوا التفاسير هذه الروايات في كتبهم دون تحر منهم لصحة أسانيدها ، لان منهجهم في التأليف كان إيراد كل ما ورد من الروايات في الاية الواحدة تاركين أمر تمحيصها لثقافة القارئ .
ولقد بذل المحدثون في هذه الفترة جهودا جبارة في مقاومة الوضع وتمييز الصحيح من الروايات عن غيره ، ووضعوا في ذلك التصانيف ، وأنشأوا علم مصطلح الحديث ، ووضعوا قواعد دقيقة جدا لمعرفة الصحيح من غيره ، حتى ميزوا الصحيح من الموضوع فحفظ الله بهم دينه ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
التفسير والاسرائيليات
* وأما الاسرائيليات :
فيمكن تعريفها بـ : أنها الروايات المأخوذة عن اليهود والنصارى في أخبار أممهم السابقة وقصص أنبيائهم ، وإن كان الجانب اليهودي هو الذي اشتهر أمره ، وغلب على الجانب النصراني بسبب أغلبية اليهود في ذلك الوقت واختلاطهم مع المسلمين في بلادهم ، ولقد نزل القرآن بموضوعات وردت في التوراة والانجيل ، كـ قصة آدم عليه السلام ونزوله إلى الارض ، وقصة موسى عليه السلام مع قومه اليهود ، وقصة عيسى عليه السلام وأمه مريم ، كل ذلك ورد في القرآن الكريم موجزا يقتصر على ذكر العظة والعبرة من قصصهم دون التعرض لتفاصيل قصصهم ، وقد وجد المسلمون تفصيل هذا الايجاز عند أهل الديانات السابقة بما لا يتعارض مع شريعتهم ، فلجاوا إليهم ، واقتبسوا منهم ، دون تحر منهم لصحة هذه الاخبار .
وقد أخبر الله تعالى في القرآن أن أهل الكتاب قد حرفوا كتبهم فقال :" يحرفون الكلم عن مواضعه " ( 1 ) وقال :" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " ( 2 ) . كما بين النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه الموقف الواجب اتخاذه تجاه أهل الكتاب فــ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا : آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ " . ( 3 ) ولكن المسلمين تساهلوا في الاخذ عن أهل الكتاب وهكذا دخلت الاسرائيليات في كتب التفسير ، وكانت مصادر الاسرائيليات تدور حول أربعة أشخاص هم :
عبدالله بن سلام ،
و
كعب الاحبار ،
و
وهب بن منبه ،
و
عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريح .
الاسرائيليات وأثرها في التفسير بالمأثور قسم العلماء الاسرائيليات إلى ثلاثة أقسام :
( الاول )
مقبول وهو ما علم صحته بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك كـ تعيين اسم الخصر عليه السلام ، إذ ورد فيه حديث صحيح عند البخاري في صحيحه ، في كتاب التفسير ، أو ما كان له شاهد من الشرع يؤيده .
( والثاني )
مسكوت عنه : وهو ما لم يعلم صحته ولا كذبه ، وهذا القسم تجوز حكايته للعظة والعبرة ، ولا نؤمن بصدقه ولا كذبه امتثالا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا . "
( والثالث )
مرفوض : وهو ما علم كذبه لتناقضه مع شريعتنا أو مخالفته للعقل ، ولا يصح تصديقه ولا قبوله ولا روايته ، وإذا رواه المفسر في تفسيره وجب عليه بيانه .
وقد كان لهذه الاسرائيليات أثر سئ في التفسير ، إذ أدخلت فيه كثيرا من القصص الخيالي المخترع ، والاخبار المكذوبة ، وهذا ما دفع العلماء لمقاومتها ، وإخضاعها لمعايير نقد الرواية ، وموازين الشريعة لتمييز المقبول من المردود .
وبسبب هذه الاسرائيليات تفاوتت الثقة في كثير من التفاسير التي وضعها كبار الائمة .
أشهر من بين هذه الكتب ثمانية ، تفاوتت قيمتها عند الامة بين القبول والرفض ، وسنذكرها مع تبيان قيمة كل واحد منها :
1 - جامع البيان ؛ لـ ابن جرير الطبري ( ت 310 هـ‍ ) ( 4 ) : وهو من أقدم التفاسير وأشهرها ، كما يعتبر المرجع الاول عند المفسرين بالنقل والعقل ، نظرا لما فيه من الروايات والاستنباطات ، وترجيح بعضها على بعض ، ويقع في ثلاثين جزئا من الحجم الكبير ، وهو مطبوع ، وتقوم دار المعرفة في بيروت بنشره ، كما قام العلامة أحمد شاكر ورحمه الله بتحقيق نصفه واخترته المنية قبل إتمامه .
2 - بحر العلوم ؛ لـ السمرقندي ( ت 373 هـ ) ( 5 ) : صاحبه هو الامام أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم ، الفقيه الحنفي المعروف بإمام الهدى ، وهو تفسير لطيف مفيد لكنه يذكر الروايات مجردة عن أسانيدها ، دون ترجيح ، وقد خرج أحاديثه قاسم بن قطلوبغا ( ت 854 هـ‍ ) ، وهذا التفسير مخطوط في ثلاث مجلدات كبار بدار الكتب المصرية .

ـــــ
مراجع :
( 1 ) سورة النساء ( 4 ) ، الاية ( 46 ) .
( 2 ) سورة البقرة ( 2 ) ، الاية ( 79 ) .
( 3 ) حديث صحيح أخرجه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه . وعَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَبَا نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ : أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجِنَازَةُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" اللَّهُ أَعْلَمُ " ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : إِنَّهَا تَتَكَلَّمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تَصْدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ " .
( 4 ) الذهبي ، التفسير والمفسرون 1 / 205 .
( 5 ) حاجي خليفة ، كشف الظنون 1 / 324 .
3 -
-
الكشف والبيان لـ الثعلبي - أو الثعالبي - ( ت 427 هـ ) ( 1 ) : صاحبه أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم النيسابوري المقرئ ، المفسر ، الحافظ ، الواعظ ، رأس التفسير والعربية ، قال ابن خلكان :" وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير "، وقد ذكر الثعالبي في مقدمته لتفسيره منهجه ومصادره وأسانيدها إلى من يروي عنه ، واكتفى بذلك عن ذكر الاسانيد أثناء الكتاب وهو كتاب حافل بالاسرائيليات دون التنبيه عليها ، ويوجد منه مخطوط غير كامل في مكتبة الازهر ينتهي عند أواخر سورة الفرقان .
4 -
معالم التنزيل ؛ لـ البغوي ( ت 516 هـ‍ ) ( 2 ) : صاحبه أبو محمد الحسين بن مسعود ، الفراء ، البغوي ، الفقيه الشافعي ، المحدث ، وقد وصف الخازن هذا التفسير فقال :" من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها ، وأنبلها وأسناها ، جامع للصحيح من الاقاويل ، عار عن الشبه والتصحيف والتبديل ، محلى بالاحاديث النبوية . " ، وقال عنه ابن تيمية في أصول التفسير :" والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي ، لكنه صان تفسيره عن الاحاديث الموضوعة والاراء المبتدعة " ، وسئل في فتاواه عن أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة : الزمخشري أم القرطبي أم البغوي ؟ فأجاب :" وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها ، فأسلمها من البدعة والاحاديث الضعيفة البغوي . " . وقد طبع هذا التفسير مؤخرا بدار المعرفة في بيروت في ( 4 ) مجلدات بتحقيق خالد العك ومروان سوار .
5 -
المحرر الوجيز ؛ لـ ابن عطية ( ت 546 هـ) : ( 3 ) مؤلفه أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عطية الاندلسي المغربي الغرناطي ، الحافظ ، القاضي ، من بيت علم وأدب ، قال عنه أبو حيان :" أجل من صنف في علم التفسير ، وأفضل من تعرض فيه للتنقيح والتحرير " ، ويقارن بين تفسيره وتفسير الزمخشري فيقول :" وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص ، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص " . وقد طبع من هذا التفسير الجزء الاول في القاهرة ، ولا يزال الباقي مخطوطا ، وهو يقع في عشرة مجلدات كبار يوجد منه أجزاء بدار الكتب المصرية .
6 -
تفسير القرآن العظيم ؛ لـ ابن كثير ( ت 774 هـ‍ ) .
7 -
الجواهر الحسان لـ الثعالبي ( ت 876 هـ‍ ) . مؤلفه أبو زيد عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الجزائري المغربي المالكي ، الامام الحجة ، العالم ، الزاهد الورع ، وقد اعتمد في تفسيره على تفسير ابن عطية وأبي حيان وزاد عليهما ، وهو يذكر الروايات المأثورة بدون أسانيدها ، وإذا ذكر الاسرائيليات تعقبها بالنقد والتمحيص . وقد طبق الكتاب في الجزائر في أربعة أجزاء .
8 -
الدر المنثور لـ السيوطي ( ت 911 هـ ) . اختصر السيوطي في هذا التفسير كتابا مسندا ألفه قبله هو " ترجمان القرآن " جمع فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف بأسانيدها . ثم رأى حذف أسانيدها والاقتصار على متونها فقط وذكر من خرجها ، فوضع الدر المنثور ، وهو حافل بالاحاديث دونما تمييز بين صحيحها وسقيمها ويقتصر من بين سائر الكتب المذكورة سابقا على الحديث دون غيره ، وهو يحتاج لجهود كبيرة في الحكم على أحاديثه ، وقد طبع بدار المعرفة في بيروت في ست مجلدات كبار .

ـــــــــ
مراجع :
( 1 ) ياقوت الحموي ، معجم الادباء 5 / 37 .
( 2 ) الذهبي ، التفسير والمفسرون 1 / 234 .
( 3 ) أبو حيان ، البحر المحيط 1 / 10 .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 39 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
فَصْلٌ فِي شُرُوطِ التَّأْوِيلِ :


وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَضْعِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ عَادَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ .

وَكُلُّ تَأْوِيلٍ خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَبَاطِلٌ .

وَقَدْ فَتَحَ الشَّافِعِيُّ الْبَابَ فِي التَّأْوِيلِ فَقَالَ : الْكَلَامُ قَدْ يُحْمَلُ فِي غَيْرِ مَقْصُودِهِ . وَيُفْصَلُ فِي مَقْصُودِهِ .

وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِي التَّأْوِيلِ ، وَمَدَارُهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، فَيُضَعَّفُ التَّأْوِيلُ لِقُوَّةِ ظُهُورِ اللَّفْظِ ، أَوْ لِضَعْفِ دَلِيلِهِ أَوْ لَهُمَا .

[ الزركشي ، بدر الدين بن محمد بهادر ، البحر المحيط ؛ فقه ، دار الكتبي ، سنة النشر: 1414هـ/1994م ، رقم الطبعة: ط1 ]

وَقَسَّمَ شَارِحُ " اللُّمَعِ " تَأْوِيلَ الظَّاهِرِ إلَى ثَلَاثِهِ أَقْسَامٍ :

أَحَدُهَا :

تَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنًى يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا ، فَهَذَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي :

تَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنًى لَا يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا ، فَهَذَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَمْرَيْنِ :

أَحَدُهُمَا :
بَيَانُ قَبُولِ اللَّفْظِ لِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي اللُّغَةِ .
وَ
الثَّانِي :
إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ هُنَا يَقْتَضِيهِ .

وَ
الثَّالِثُ :

حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنًى لَا يُسْتَعْمَلُ أَصْلًا ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ التَّأْوِيلِ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ .

قَالَ : وَهَلْ يَجُوزُ التَّأْوِيلُ بِالْقِيَاسِ ؟

فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ، ذَكَرَهَا فِي الْإِرْشَادِ :

أَحَدُهَا :

الْمَنْعُ .

وَ
الثَّانِي
، وَهُوَ الصَّحِيحُ :
الْجَوَازُ ، لِأَنَّ مَا جَازَ التَّخْصِيصُ بِهِ جَازَ التَّأْوِيلُ بِهِ ، كَأَخْبَارِ الْآحَادِ .

وَالثَّالِثُ
:
بِالْجَلِيِّ دُونَ الْخَفِيِّ ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأُصُولِيِّينَ بِذِكْرِ ضُرُوبٍ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ هَاهُنَا كَالرِّيَاضَةِ لِلْأَفْهَامِ لِيَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ مِنْهَا عَنْ الْفَاسِدِ ، حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهَا وَيَتَمَرَّنَ النَّاظِرُ فِيهَا .


[ الزركشي ، بدر الدين بن محمد بهادر ، البحر المحيط ؛ فقه ، دار الكتبي ، سنة النشر: 1414هـ/1994م ، رقم الطبعة: ط1 ]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 42 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
7 . * ]

التفسير و التأويل بمعنى
،
أم

يختلفان؟

اختلف العلماء : هل التفسير والتأويل بمعنى ، أم يختلفان؟
فذهب قوم يميلون الى العربية إلى أنهما بمعنى ، وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين .
وذهب قوم يميلون الى الفقه الى اختلافهما ، فقالوا :

التفسير:

إخراج الشيء من مقام الخفاء الى مقام التجلى .
و
التأويل:
نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج فى إثباته الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ ، فهو مأخوذ من قولك : آل الشيء الى كذا ، أي صار إليه.


[ ابن الجوزي ]

9 علم التفسير


التَّفْسِيرُ :
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:
التَّفْسِيرُ :
عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ فَهْمُ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَيَانُ مَعَانِيهِ ، وَاسْتِخْرَاجُ أَحْكَامِهِ وَحِكَمِهِ ، وَاسْتِمْدَادُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَعِلْمِ الْبَيَانِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَاتِ ، وَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ .



[ الزركشي ؛ بدر الدين محمد بن عبدالله ، البرهان في علوم القرآن ، دار المعرفة ، سنة النشر: 1410هـ ~ 1990م ]

وَ
قَالَ أَبُو حَيَّانَ ؛ التَّفْسِيرُ :

عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ .
فَقَوْلُه :" عِلْمٌ " : جِنْسٌ .
وَ قَوْلُه :" يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ " : هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَةِ .
وَ قَوْلُه :" وَمَدْلُولَاتِهَا " أَيْ : مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ ، وَهَذَا مَتْنُ عِلْمِ اللُّغَةِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ .
وقَوْلُه :" وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ " : هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ .
وَ قَوْلُه :" وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ " : يَشْمَلُ مَا دَلَالَتُهُ بِالْحَقِيقَةِ ، وَمَا دَلَالَتُهُ بِالْمَجَازِ ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا ، وَيَصُدُّ عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ صَادٌّ ، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَجَازُ .
وَ قَوْلُه :" وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ " : هُوَ مِثْلَ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ ، وَسَبَبِ النُّزُولِ ، وَقِصَّةٍ تُوَضِّحُ بَعْضَ مَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 46 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
« مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ لِأَجْلِهِ »



قال الزركشي كما جاء في البرهان :
" وَأُمُّ [ عُلُومِ ] الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ :
1 . )
تَوْحِيدٌ ، فَالتَّوْحِيدُ تَدْخُلُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَعْرِفَةُ الْخَالِقِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ . لقول مَن تعالى في سماه وتقدس اسماه :" وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " [ الْبَقَرَةِ : 163 ] ، فِيهِ التَّوْحِيدُ كُلُّهُ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ ،
وَ
2 . )
تَذْكِيرٌ ، وَمِنْهُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، وَتَصْفِيَةُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ؛ لقوله تعالى ذكره : " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " [ الذَّارِيَاتِ : 55 ] ،
وَ
3 . )
أَحْكَامٌ ، وَمِنْهَا التَّكَالِيفُ كُلُّهَا وَتَبْيِينُ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالنَّدْبُ ؛ لقول الحق تبارك وتعالى : " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ " [ الْمَائِدَةِ : 49 ] .


[ الزركشي ؛ بدر الدين محمد بن عبدالله ، علوم القرآن ، البرهان في علوم القرآن ، ، دار المعرفة ، سنة النشر: 1410هـ / 1990م ] .

2

فــ قال صاحب المنار :

" مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ لِأَجْلِهِ أُمُورٌ :

أَحَدُهَا :
التَّوْحِيدُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا كُلُّهُمْ وَثَنِيِّينَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ .

ثَانِيهَا :
وَعْدُ مَنْ أَخَذَ بِهِ وَتَبْشِيرُهُ بِحُسْنِ الْمَثُوبَةِ ، وَوَعِيدُ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَإِنْذَارُهُ بِسُوءِ الْعُقُوبَةِ . وَالْوَعْدُ يَشْمَلُ مَا لِلْأُمَّةِ وَمَا لِلْأَفْرَادِ فَيَعُمُّ نِعَمَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسَعَادَتَهُمَا ، وَالْوَعِيدُ كَذَلِكَ يَشْمَلُ نِقَمَهُمَا وَشَقَاءَهُمَا ، فَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ ، وَالْعِزَّةِ وَالسُّلْطَانِ وَالسِّيَادَةِ ، وَأَوْعَدَ الْمُخَالِفِينَ بِالْخِزْيِ وَالشَّقَاءِ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا وَعَدَ بِالنَّعِيمِ . وَأَوْعَدَ بِنَارِ الْجَحِيمِ فِي الْآخِرَةِ .

ثَالِثُهَا :
الْعِبَادَةُ الَّتِي تُحْيِي التَّوْحِيدَ فِي الْقُلُوبِ وَتُثْبِتُهُ فِي النُّفُوسِ .

رَابِعُهَا :
بَيَانُ سَبِيلِ السَّعَادَةِ وَكَيْفِيَّةِ السَّيْرِ فِيهِ الْمُوصِّلِ إِلَى نِعَمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .

خَامِسُهَا :
قَصَصُ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَخَذَ بِأَحْكَامِ دِينِهِ ، وَأَخْبَارُ الَّذِينَ تَعَدَّوْا حُدُودَهُ وَنَبَذُوا أَحْكَامَ دِينِهِ ظِهْرِيًّا لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ ، وَاخْتِيَارُ طَرِيقِ الْمُحْسِنِينَ وَمَعْرِفَةُ سُنَنِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ .

هَذِهِ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا الْقُرْآنُ ، وَفِيهَا حَيَاةُ النَّاسِ وَسَعَادَتُهُمُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ .


[ رضا ؛ محمد رشيد ، تفسير المنار ، الهيئة المصرية للكتاب ، دون ذكر سنة النشر ]

*..*..*..*

3


وَقَالَ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ بَرَّجَانَ فِي كِتَابِ " الْإِرْشَادِ " :


" وَجُمْلَةُ الْقُرْآنِ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ عُلُومٍ :
1. )
عِلْمِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ،


ثُمَّ

2. )

عِلْمِ النُّبُوَّةِ وَبَرَاهِينِهَا ،

ثُمَّ


3. )
عِلْمِ التَّكْلِيفِ وَالْمِحْنَةِ " . قَالَ : " وَهُوَ أَعْسَرُ لِإِغْرَابِهِ وَقِلَّةِ انْصِرَافِ الْهِمَمِ إِلَى تَطَلُّبِهِ مِنْ مَكَانِهِ " . .
ثم
يقول الزركشي في برهانه :
وَ
قَالَ غَيْرُهُ :
الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ :
أَمْرٍ ،
وَ
نَهْيٍ ،
وَ
خَبَرٍ
وَ
اسْتِخْبَارٍ
- وَ
قِيلَ سِتَّةٌ -
وَ
زَادَ
الْوَعْدَ
وَ
الْوَعِيدَ .



وَ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ :

" يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ :


1. )
التَّوْحِيدِ ،

وَ

2. )
الْأَخْبَارِ ،
وَ
3. )
الدِّيَانَاتِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " [ الْإِخْلَاصِ : 1 ] : تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ". وَهَذِهِ السُّورَةُ تَشْمَلُ التَّوْحِيدَ كُلَّهُ " .



وَ

قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى :

" الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِينَ شَيْئًا :
1. )
الْإِعْلَامِ
وَ
2. )
التَّنْبِيهِ ،
وَ
3. )
الْأَمْرِ
وَ
4 . )
النَّهْيِ ،
وَ
5. )
الْوَعْدِ
وَ
6 . )
الْوَعِيدِ ،
وَ
7 . )
وَصْفِ الْجَنَّةِ
وَ
8 . )
النَّارِ ،
وَ
9 . )
تَعْلِيمِ الْإِقْرَارِ بِاسْمِ اللَّهِ
وَ
10 . )
صِفَاتِهِ
وَ
11 . )
أَفْعَالِهِ ،
وَ
12 . )
تَعْلِيمِ الِاعْتِرَافِ بِإِنْعَامِهِ ،




وَ
13 . )
الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ ،
وَ
14 . )
الرَّدِّ عَلَى الْمُلْحِدِينَ ،


وَ
15 . )
الْبَيَانِ عَنِ الرَّغْبَةِ
وَ
16 . )
الرَّهْبَةِ ،
وَ
17 . )
الْخَيْرِ
وَ
18 . )
الشَّرِّ ،
وَ
19 . )
الْحَسَنِ
وَ
20 . )
الْقَبِيحِ ،
وَ
21 . )
نَعْتِ الْحِكْمَةِ ،
وَ
22 . )
فَضْلِ الْمَعْرِفَةِ ،
وَ
23 . )
مَدْحِ الْأَبْرَارِ
وَ
24 . )
ذَمِّ الْفُجَّارِ ،
وَ
25 . )

التَّسْلِيمِ

وَ

26 . ) التَّحْسِينِ ،
وَ
27 . )
التَّوْكِيدِ
وَ
28 . )
التَّقْرِيعِ ،


وَ
29 . )
الْبَيَانِ عَنْ ذَمِّ الْإِخْلَافِ


وَ 30. )
شَرَفِ الْأَدَاءِ " .





قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَعَالِي عَزِيزِي :
" وَعَلَى التَّحْقِيقِ أَنَّ تِلْكَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي قَالَهَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ تَشْمَلُ هَذِهِ كُلَّهَا بَلْ أَضْعَافَهَا ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُسْتَدْرَكُ وَلَا تُحْصَى غَرَائِبُهُ وَعَجَائِبُهُ ؛ قَالَ تَعَالَى :" وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ " [ الْأَنْعَامِ : 59 ]



قال الزركشي :
و
َقَالَ غَيْرُهُ :
عُلُومُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَةٌ :


1 . )
الْإِعْرَابُ ؛ وَهُوَ فِي الْخَبَرِ .
وَ
2. )
النَّظْمُ ؛ وَهُوَ الْقَصْدُ ، نَحْوَ :" وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ " [ الطَّلَاقِ : 4 ] ، مَعْنًى بَاطِنٌ نُظِمَ بِمَعْنًى ظَاهِرٍ . وَقَوْلُهُ :" قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ " [ يُونُسَ : 34 ] ، كَأَنَّهُ قِيلَ : قَالُوا : وَمَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ؟ فَأُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ :" اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ " [ يُونُسَ : 34 ] ، لَفْظٌ ظَاهِرٌ نُظِمَ بِمَعْنًى بَاطِنٍ .

وَ

3 . )
التَّصْرِيفُ فِي الْكَلِمَةِ ؛ كَأَقْسَطَ : عَدَلَ ، وَقَسَطَ : جَارَ . وَبَعُدَ : ضِدُّ قَرُبَ ، وَبَعِدَ : هَلَكَ .
وَ

4 . )
الِاعْتِبَارُ ؛ وَهُوَ مِعْيَارُ الْأَنْحَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَبِهِ يَكُونُ الِاسْتِنْبَاطُ وَالِاسْتِدْلَالُ ، وَهُوَ كَثِيرٌ ، مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِفَحْوَى الْخِطَابِ . وَمَعْنَى اعْتَبَرْتُ الشَّيْءَ طَلَبْتُ بَيَانَهُ ، عَبَّرْتُ الرُّؤْيَا : بَيَّنْتُهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :" فَاعْتَبِرُوا " [ الْحَشْرِ : 2 ]


[ الزركشي ؛ بدر الدين محمد بن عبد الله ، البرهان في علوم القرآن ، دار المعرفة ، سنة النشر: 1410هـ / 1990م ]



الرَّمَادِيُ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 48 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
[ 1 مقدمة القرآن ، أَوَّلُ مَا نَزَلَ ]

« التفسير والتأويل لما جاء في محكم التنزيل »

أول ما نزل من القرآن

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 58 : 06 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
قال القرطبي :" ذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ الطَّيِّبِ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ " .

فَقِيلَ : الْمُدَّثِّرُ .

وَ

قِيلَ : اقْرَأْ .

وَ

قِيلَ : الْفَاتِحَةُ .

تأصيل المسألة :

قال صاحب المنار :" ذَكَرَ الْحَافِظُ السَّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ فِي أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ :

أَحَدُهَا :
وَهُوَ الصَّحِيحُ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " ( 96 ) ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .

وما يؤكد هذا القول ما ذكره العسقلاني في فتح الباري ، فقد بوَّب البخاري في صحيحه " بدء الوحي " ، فــ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :
" أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ [ الصَّادِقَةُ ] فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ ـ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ :" اقْرَأْ ! "
قَالَ :" مَا أَنَا بِقَارِئٍ "
قَالَ :" فَأَخَذَنِي ؛ فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ " ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي
فَــ قَالَ :" اقْرَأْ "
قُلْتُ :" مَا أَنَا بِقَارِئٍ " ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي
فَقَالَ : " اقْرَأْ "
فَقُلْتُ :" مَا أَنَا بِقَارِئٍ " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي
فَقَالَ :" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [ حَتَّى بَلَغَ " مَا لَمْ يَعْلَمْ " ] .
فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
فَقَالَ : " زَمِّلُونِي ؛ زَمِّلُونِي "
فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ
فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ :" لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ".

فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : " كَلَّا ، [ أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ ] وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، [ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ] ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " [ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ .] ...
فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؛ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ؛ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ :
" يَا ابْنَ عَمِّ ؛ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ "
فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : " يَا ابْنَ أَخِي ؛ مَاذَا تَرَى !"
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى
فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : " هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ؛ لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ "
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ !!!"
قَالَ : " نَعَمْ ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا " . ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ .

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ :
" بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ؛ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ :
" زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي !! "
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
" يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ .. " إِلَى قَوْلِهِ :" وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ " ؛ فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ تَابَعَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ بَوَادِرُهُ " .

كما وجاء في الإتقان : " وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ." وآكد على هذه الرواية الواحدي .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ : عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ : كَانَ أَبُومُوسَى يُقْرِئُنَا فَيُجْلِسُنَا حِلَقًا ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ ، فَإِذَا تَلَا هَذِهِ السُّورَةَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . " [ الْعَلَقِ : 1 ] قَالَ : " هَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ لَهُ : " اقْرَأْ ! "
قَالَ : " وَمَا أَقْرَأُ ؟ فَوَالِلَّهِ مَا أَنَا بِقَارِئٍ "
فَقَالَ :" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ الْعَلَقِ : 1 ] ، فَكَانَ يَقُولُ : هُوَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ.
وَقَالَ أَبُوعُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ : عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ، وَ " ن وَالْقَلَمِ " [ الْقَلَمِ : 1 ] .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ " الْمَصَاحِفِ " عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَمَطٍ .
فَقَالَ : " اقْرَأْ " .
قَالَ : " مَا أَنَا بِقَارِئٍ " .
قَالَ : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " [ الْعَلَقِ : 1 ] ، فَيَرَوْنَ أَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ .
وَأَخْرَجَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِحِرَاءَ ، إِذْ أَتَى مَلَكٌ بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إِلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ " [ الْعَلَقِ : 1 - 5 ] .

وذكر الواحدي :" عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " . فَهُوَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ ، وَأَوَّلُ سُورَةٍ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " .
وقال الواحدي " عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ يَقُولُ : كَانَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " فَقَالُوا : هَذَا صَدْرُهَا [ الَّذِي ] أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حِرَاءٍ ، ثُمَّ أُنْزِلَ آخِرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ .
***

قال الواحدي : وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رُوِيَ : " أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ" فَهُوَ مَا : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ: " أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ ؟ ، قَالَ :" يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " ، قُلْتُ : أَوْ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ؟ " ، قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ: " أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ ؟ " ، قَالَ : " يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " ، قَالَ : قُلْتُ : " أَوْ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ؟ " ، قَالَ جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي ، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ - يَعْنِي جِبْرِيلَ - فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ . فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرْتُهُمْ فَدَثَّرُونِي ثُمَّ صَبُّوا عَلَيَّ الْمَاءَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ؛ عَلَيَّ : " يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ .

قلت ؛ الرمادي :
وهذا القول الثاني كما ذكر في الإتقان ونقله صاحب المنار ، ثم قال الواحدي :" وَهَذَا لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا ، وَذَلِكَ : أَنَّ جَابِرًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ هَذِهِ ] الْقِصَّةَ الْأَخِيرَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهَا فَتَوَهَّمَ أَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَكِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ سُورَةِ " اقْرَأْ " وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا . "

قال صاحب المنار :

و

ثَانِيهَا :" يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " ( 74 ) [ الْمُدَّثِّرِ : 1 ] ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ ، كما ذكرت أنفاً.
يقول السيوطي في الإتقان :" وَأَجَابَ الْأَوَّلُ ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ :
يقول السيوطي في الإتقان :" وَأَجَابَ الْأَوَّلُ ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ ، عَنْ نُزُولِ سُورَةٍ كَامِلَةٍ ، فَبَيَّنَ أَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ نَزَلَتْ بِكَمَالِهَا قَبْلَ نُزُولِ تَمَامِ السُّورَةِ اقْرَأْ ، فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا صَدْرُهَا .
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ - أَيْضًا - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ ، عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ ... " الحديث.
فَقَوْلُهُ " الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ ، عَنْ قِصَّةِ حِرَاءَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ .
ثَانِيهَا : أَنَّ مُرَادَ جَابِرٍ بِالْأَوَّلِيَّةِ أَوَّلِيَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِمَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ ، لَا أَوَّلِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ .
ثَالِثُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلِيَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ ، عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ لِلنُّبُوَّةِ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " [ الْعَلَقِ : 1 ] ، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ لِلرِّسَالَةِ " يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ "[ الْمُدَّثِّرِ : 1 ] .
رَابِعُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ ، وَهُوَ مَا وَقَعَ مِنَ التَّدَثُّرِ النَّاشِئِ ، عَنِ الرُّعْبِ ، وَأَمَّا " اقْرَأْ " ابْتِدَاءً فَنَزَلَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ . ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ .
خَامِسُهَا : أَنَّ جَابِرًا اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ رِوَايَتِهِ ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ. قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ. ثم يعلق السيوطي بوقاه :" وَأَحْسَنُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ " .

قال الواحدي تعليقا على الرواية التي :" عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ - فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : " فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ "قال : رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، فَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ قَدْ فَتَرَ بَعْدَ نُزُولِ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " . ثُمَّ نَزَلَ " يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " ، وَالَّذِي يُوَضِّحُ مَا قُلْنَا ـ الحديث مازال مع الواحدي ـ إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي جَاءَ بِحِرَاءٍ جَالِسٌ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ نُزُولِ " اقْرَأْ " .
***

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 04 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
الْقَوْلُ الثَّالِثُ :


سُورَةُ الْفَاتِحَةِ ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ : ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ " اقْرَأْ " ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْأَوَّلُ . وَأَمَّا الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى الْأَكْثَرِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَا عَدَدٌ أَقَلُّ مِنَ الْقَلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ قَالَ . بِالْأَوَّلِ وَحُجَّتُهُ : مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ، وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لِخَدِيجَةَ :
" إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً ، فَقَدْ وَالِلَّهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا ".
فَقَالَتْ : " مَعَاذَ الِلَّهِ ، مَا كَانَ الِلَّهُ لِيَفْعَلَ بِكَ ، فَوَالِلَّهِ إِنَّكَ لَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ " .
فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَّ ، ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ حَدِيثَهُ لَهُ
قَالَتْ :" يَا عَتِيقُ ، اذْهَبْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ." ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ
فَقَالَ :" انْطَلِقْ بِنَا إِلَى وَرَقَةَ "
فَقَالَ : " وَمَنْ أَخْبَرَكَ " .
قَالَ : " خَدِيجَةُ "
وَ قَالَتْ : " اذْهَبْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ ".
فَانْطَلَقَا فَقَصَّا عَلَيْهِ
فَقَالَ : " إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً خَلْفِي : يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَنْطَلِقُ هَارِبًا فِي الْأُفُقِ "
فَقَالَ ورقة : " لَا تَفْعَلْ ، إِذَا أَتَاكَ فَاثْبُتْ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي " .
فَلَمَّا خَلَا نَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ قُلْ : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "... حَتَّى بَلَغَ " وَلَا الضَّالِّينَ . . . قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " . فَأَتَى وَرَقَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ؛ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : " أَبْشِرْ ثُمَّ أَبْشِرْ ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَأَنَّكَ عَلَى مِثْلِ نَامُوسِ مُوسَى ، وَأَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَأَنَّكَ سَوْفَ تُؤْمَرُ بِالْجِهَادِ بَعْدَ يَوْمِكَ هَذَا ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي ذَلِكَ لَأُجَاهِدَنَّ مَعَكَ " .

فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَرَقَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ رَأَيْتُ الْقَسَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ ثِيَابُ الْحَرِيرِ ، لِأَنَّهُ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي ؛ يَعْنِي وَرَقَةَ " " الْحَدِيثَ .
هَذَا مُرْسَلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هَذَا مُنْقَطِعٌ . يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نُزُولِهَا بَعْدَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " وَ " يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " . وقال السُّيُوطِيُّ فِي الْحَدِيثِ : هَذَا مُرْسَلٌ ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ .

يقول صاحب المنار :" وَجَمَعُوا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَهُوَ صَدْرُ سُورَةِ " اقْرَأْ " . وَالثَّانِي أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِتَمَامِهَا ، أَوِ الثَّانِي أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ آمِرًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ . وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي " الْإِتْقَانِ " .
*

جاء في المنار :" هَذَا - وَأَمَّا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ ؛ الشيخ محمد عبده فَقَدْ رَجَّحَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ قَوْلَهُ تَعَالَى :" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ" وَنَزَعَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ مَنْزَعًا غَرِيبًا فِي حِكْمَةِ الْقُرْآنِ وَفِقْهِ الدِّينِ فَقَالَ مَا مِثَالُهُ . وَمِنْ آيَةِ ذَلِكَ : أَنَّ السُّنَّةَ الْإِلَهِيَّةَ فِي هَذَا الْكَوْنِ - سَوَاءٌ أَكَانَ كَوْنَ إِيجَادٍ أَوْ كَوْنَ تَشْرِيعٍ - أَنْ يُظْهِرَ سُبْحَانَهُ الشَّيْءَ مُجْمَلًا ثُمَّ يَتْبَعُهُ التَّفْصِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ تَدْرِيجًا ، وَمَا مَثَلُ الْهِدَايَاتِ الْإِلَهِيَّةِ : إِلَّا مَثَلُ الْبَذْرَةِ وَالشَّجَرَةِ الْعَظِيمَةِ ، فَهِيَ فِي بِدَايَتِهَا مَادَّةُ حَيَاةٍ تَحْتَوِي عَلَى جَمِيعِ أُصُولِهَا ثُمَّ تَنْمُو بِالتَّدْرِيجِ حَتَّى تَبَسُقَ فُرُوعُهَا بَعْدَ أَنْ تَعْظُمَ دَوْحَتُهَا ثُمَّ تَجُودُ عَلَيْكَ بِثَمَرِهَا .



****

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 06 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
****

الْقَوْلُ الرَّابِعُ ؛ كما قال صاحب الإتقان :


" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ".
حَكَاهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ قَوْلًا زَائِدًا .
وَأَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ ، قَالَا : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَأَوَّلُ سُورَةٍ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ ، ثُمَّ قُلْ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ".

وَعِنْدِي ؛ أي صاحب الإتقان : أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ قَوْلًا بِرَأْسِهِ ، فَإِنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ نُزُولِ السُّورَةِ نُزُولُ الْبَسْمَلَةِ مَعَهَا فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ .

***
وَ وَرَدَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ حَدِيثٌ آخَرُ : رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ ، فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ".
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا : بِأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ " اقْرَأْ " وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ " مِنْ " مُقَدَّرَةٌ : أَيْ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ . وَالْمُرَادُ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ ، فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ ، وَفِي آخِرِهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَلَعَلَّ آخِرَهَا قَبْلَ نُزُولِ بَقِيَّةَ " اقْرَأْ " .


***

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 08 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
***

و الصَّحِيحُ بِأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ الْعَلَقِ : 1 ] .


*****
[ 1 مقدمة القرآن ، أَوَّلُ مَا نَزَلَ ]

الرَّمَادِيُ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 13 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
الجزء الثاني من بحث :" أول ما نزل من القرآن "
فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ :


[ 1 ]
أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْأَطْعِمَةِ بِمَكَّةَ:


آيَةُ الْأَنْعَامِ : " قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا " [ 145 ] ،

ثُمَّ

آيَةُ النَّحْلِ : " فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا " [ 114 ] إِلَى آخِرِهَا .

[ الإتقان للإمام السيوطي ]

[ 2 . ]

وَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْأَطْعِمَةِ بِالْمَدِينَةِ :

آيَةُ الْبَقَرَةِ : " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ " الْآيَةَ [ 173 ] ،

ثُمَّ

آيَةُ الْمَائِدَةِ: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ " الْآيَةَ [ 3 ]
قَالَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ.



[ كما جاء عند السيوطي ، الإتقان ]

فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ:

[ 1 ]
أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَالِ:
رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَال: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا "
[ الْحَجِّ : 39 ] .

[ 2 ]

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، قَالَ : أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَةِ : " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ "
[ الْبَقَرَةِ : 190 ] .

[ 3 ]
وَفِي الْإِكْلِيلِ لِلْحَاكِمِ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَالِ : " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " [ التَّوْبَةَ : 111 ] .
[ 4 ]
أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ : آيَةُ الْإِسْرَاءِ : " وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا "[ 33 ] الْآيَةَ ، أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ .


**
[ الإتقان في علوم القرآن ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، دار الكتاب العربي ، سنة النشر: 1419هـ / 1999م ]

فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ :


[ 5 ]

أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْخَمْرِ:

رَوَى الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : نَزَلَ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ : فَأَوَّلُ شَيْءٍ : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ "
[ الْبَقَرَةُ : 219 ] . الْآيَةَ ،

فَقِيلَ : حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ الِلَّهِ ، دَعْنَا نَنْتَفِعْ بِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمْ ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : " لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى "
[ النِّسَاءِ : 43 ]
فَقِيلَ : حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ الِلَّهِ ، لَا نَشْرَبُهَا قُرْبَ الصَّلَاةِ ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ ، ثُمَّ نَزَلَتْ : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ "
[ الْمَائِدَةِ : 90 ] ،
فَقَالَ رَسُولُ الِلَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : حُرِّمَتِ الْخَمْرُ.


فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ :[ 7 ]
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ : عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ النَّجْمُ .

[ 8 ]

وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ : حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ :" لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ "[ التَّوْبَةِ : 25 ] قَالَ : هِيَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ .[ 8 ]
وَقَالَ أَيْضًا : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، نَبَّأَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، قَالَ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ بَرَاءَةٍ : انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [ التَّوْبَةُ : 41 ] ، ثُمَّ نَزَلَ أَوَّلُهَا ، ثُمَّ نَزَلَ آخِرُهَا .

[ 9 ]
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ : كَانَ أَوَّلُ بَرَاءَةَ : انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا سَنَوَاتٍ ، ثُمَّ أُنْزِلَتْ " بَرَاءَةٌ " أَوَّلُ السُّورَةِ فَأَلْفَتْ بِهَا أَرْبَعُونَ آيَةً .
[ 10 ]
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ ، عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِهِ : انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا قَالَ : هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَرَاءَةٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ ، إِلَا ثَمَانٌ وَثَلَاثِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِهَا .
[ 11 ]
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ آلِ عِمْرَانَ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [ 138 ] ، ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَقِيَّتُهَا يَوْمَ أُحُدٍ .
**

[ 1 مقدمة القرآن ، أَوَّلُ مَا نَزَلَ ؛ فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ ]

الرَّمَادِيُ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 19 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
ا لتفسير والتأويل لما جاء في محكم التنزيل
[ 3 مقدمة القرآن ، أَوَّلُ مَا نَزَلَ ]

فَرْعٌ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ بــ مكة المكرمة والمدينة المنورة وآخر مانزل فيهما .

قال السيوطي :

" أَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " ، وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا " الْمُؤْمِنُونَ " . وَيُقَالُ " الْعَنْكَبُوتُ " . وَأَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ " وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ". وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا " بَرَاءَةٌ " وَأَوَّلُ سُورَةٍ أَعْلَنَهَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ " النَّجْمُ " .

و بالعودة إلى ما قاله الواحدي نقرأ التالي :

" قَالَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ: أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ: " " ، وَآخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ " الْمُؤْمِنُونَ " . وَيُقَالُ : " الْعَنْكَبُوتُ " ؛ وَأَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ : " " ، وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ : " بَرَاءَةٌ " ، وَأَوَّلُ سُورَةٍ أَعْلَنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ " وَالنَّجْمِ " . وَأَشَدُّ آيَةٍ عَلَى أَهْلِ النَّارِ " " . وَأَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ " " الْآيَةَ . وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " ، وَعَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا تِسْعَ لَيَالٍ " .

قال السيوطي :
" وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَابْنِ حَجَرٍ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ . وَفِي دَعْوَى الَاتِّفَاقِ نَظَرٌ ، لِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورِ .
وَفِي تَفْسِيرِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ : أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ " الَقَدْرِ " .

وَقَالَ أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبْيَضَ فِي جُزْئِهِ الْمَشْهُورِ : حَدَّثَنَا أَبُوالْعَبَّاسِ عُبَيْدُالِلَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ الْأَزْدِيُّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ :

" أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " ،
ثُمَّ " ن وَالْقَلَمِ " ،
ثُمَّ " يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ " ،
ثُمَّ " يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " ،
ثُمَّ الْفَاتِحَةَ ،
ثُمَّ " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ " ،
ثُمَّ " إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " ،
ثُمَّ " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " ،
ثُمَّ " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى " ،
ثُمَّ " وَالْفَجْرِ " ،
ثُمَّ " وَالضُّحَى " ،
ثُمَّ " أَلَمْ نَشْرَحْ " ،
ثُمَّ " وَالْعَصْرِ " ،
ثُمَّ " الْكَوْثَرَ " ،
ثُمَّ " أَلْهَاكُمُ " ،
ثُمَّ " أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ " ،
ثُمَّ " الْكَافِرُونَ " ،
ثُمَّ " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ " ،
ثُمَّ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " ،
ثُمَّ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " ،
ثُمَّ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ،
ثُمَّ " وَالنَّجْمِ " ،
ثُمَّ " عَبَسَ " ،
ثُمَّ " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ " ،
ثُمَّ " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " ،
ثُمَّ " الْبُرُوجَ " ،
ثُمَّ " وَالتِّينِ " ،
ثُمَّ " لِإِيلَافِ " ،
ثُمَّ " الْقَارِعَةَ " ،
ثُمَّ " الْقِيَامَةَ " ،
ثُمَّ " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ " ،
ثُمَّ " وَالْمُرْسَلَاتِ " ،
ثُمَّ " ق~ " ، ثُمَّ " الْبَلَدُ " ،
ثُمَّ " الطَّارِقُ " ،
ثُمَّ " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ " ،
ثُمَّ " ص " ، ثُمَّ " الْأَعْرَافَ " ،
ثُمَّ " الْجِنَّ " ،
ثُمَّ " يس " ،
ثُمَّ " الْفُرْقَانَ " ،
ثُمَّ " الْمَلَائِكَةَ " ،
ثُمَّ " كهيعص " ،
ثُمَّ " طه "
ثُمَّ
:" الْوَاقِعَةَ " ،
ثُمَّ " الشُّعَرَاءَ " ،
ثُمَّ " طس سُلَيْمَانَ " ،
ثُمَّ " طسم الْقِصَصِ " ،
ثُمَّ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " ،
ثُمَّ التَّاسِعَةَ - يَعْنِي " يُونُسَ " -
ثُمَّ " هُودًا " ،
ثُمَّ " يُوسُفَ " ،
ثُمَّ " الْحِجْرَ " ،
ثُمَّ " الْأَنْعَامَ " ،
ثُمَّ " الصَّافَّاتِ " ،
ثُمَّ " لُقْمَانَ " ،
ثُمَّ " سَبَأً " ،
ثُمَّ " الزُّمَرَ " ،
ثُمَّ " حم الْمُؤْمِنِ " ،
ثُمَّ " حم السَّجْدَةِ " ،
ثُمَّ " حم الزُّخْرُفِ " ،
ثُمَّ " حم الدُّخَانِ " ،
ثُمَّ " حم الْجَاثِيَةِ " ،
ثُمَّ " حم الْأَحْقَافِ " ،
ثُمَّ : " الذَّارِيَاتَ " ،
ثُمَّ " الْغَاشِيَةَ " ، ثُمَّ " الْكَهْفَ " ،
ثُمَّ " حم عسق " ،
ثُمَّ " تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ " ،
ثُمَّ " الْأَنْبِيَاءَ " ،
ثُمَّ " النَّحْلَ " أَرْبَعِينَ وَبَقِيَّتَهَا بِالْمَدِينَةِ ،
ثُمَّ " إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا " ،
ثُمَّ " الطَّوْرَ " ،
ثُمَّ " الْمُؤْمِنُونَ " ،
ثُمَّ " تَبَارَكَ " ،
ثُمَّ " الْحَاقَّةَ " ،
ثُمَّ " سَأَلَ " ،
ثُمَّ " عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ " ،
ثُمَّ " وَالنَّازِعَاتِ " ،
ثُمَّ " إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ " ،
ثُمَّ " إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " ،
ثُمَّ " الرُّومَ " ، ثُمَّ " الْعَنْكَبُوتَ " ،
ثُمَّ " وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ " .... فَذَاكَ مَا أُنْزِلَ بِمَكَّةَ.


وَأُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ:

سُورَةَ " الْبَقَرَةِ " ،
ثُمَّ " آلَ عِمْرَانَ " ،
ثُمَّ " الْأَنْفَالَ " ،
ثُمَّ " الْأَحْزَابَ " ،

ثُمَّ " الْمَائِدَةَ " ،
ثُمَّ " الْمُمْتَحَنَةَ " ،
ثُمَّ " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ " ،
ثُمَّ " الْحَجَّ " ،
ثُمَّ " الْمُنَافِقُونَ " ،
ثُمَّ " الْمُجَادَلَةَ " ،
ثُمَّ " التَّحْرِيمَ " ،
ثُمَّ " الْجُمُعَةَ " ،
ثُمَّ " التَّغَابُنَ " ،
ثُمَّ " سَبَّحَ الْحَوَارِيِّينَ " ،
ثُمَّ " الْفَتْحَ " ،
ثُمَّ " التَّوْبَةَ " ،
ثُمَّ خَاتِمَةَ الْقُرْآنِ .


قال صاحب الإتقان : هَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ ، وَفِي هَذَا التَّرْتِيبِ نَظَرٌ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ بالْقُرْآنِ ، وَقَدِ اعْتَمَدَ الْبُرْهَانُ الْجَعْبَرِيُّ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا : " تَقْرِيبُ الْمَأْمُولِ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ " ،



فَقَالَ :

مَكِّيُهَا سِتٌّ ثَمَانُونَ اعْتَلَتْ * * نُظِمَتْ عَلَى وَفْقِ النُّزُولِ لِمَنْ تَلَا * *
اقْرَأْ وَنُونٌ مُزَّمِّلٌ مُدَّثِّرٌ * * وَالْحَمْدُ تَبَّتْ كُوِّرَتِ الْأَعْلَى عَلَا * *
لَيْلٌ وَفَجْرٌ وَالضُّحَى شَرْحٌ وَعَصْــ * * ـــرُ الْعَادِيَّاتِ وَكَوْثَرٌ أَلْهَاكُمْ تَلَا * *
أَرَأَيْتَ قُلْ بِالْفِيلِ مَعْ فَلَقٍ كَذَا * * نَاسٌ وَقُلْ هُوَ نَجْمُهَا عَبَسٌ جَلَا * *
قَدْرٌ وَشَمْسٌ وَالْبُرُوجُ وَتِينُهَا * * لِإِيلَافِ قَارِعَةً قِيَامَةَ أَقْبَلَا * *
وَيْلٌ لِكُلِّ الْمُرْسَلَاتِ وَقَافُ مَعْ * * بَلَدٌ وَطَارِقُهَا مَعَ اقْتَرَبَتْ كِلَا * *
صَادٌ وَأَعْرَافٌ وَجِنٌّ ثُمَّ يَا * * سِينٌ وَفُرْقَانٌ وَفَاطِرٌ اعْتَلَى * *
كَافٌ وَطه ثُلَّةُ الشِّعْرِ وَنَمْـــ * * ـــلُ قَصُّ الْإِسْرَا يُونُسُ هُودٌ وَلَا * *
قُلْ يُوسُفُ حِجْرٌ وَأَنْعَامٌ وَذَبْـــ * * ـــحٌ ثُمَّ لُقْمَانُ سَبَأْ زُمَرٌ خَلَا * *
مَعَ غَافِرٍ مَعَ فُصِّلَتْ مَعَ زُخْرُفٍ * * وَدُخَانُ جَاثِيَةٍ وَأَحْقَافٌ تَلَا * *
ذَرَوٌ وَغَاشِيَةٌ وَكَهْفٌ ، ثُمَّ شُو * * ــرَى وَالْخَلِيلُ وَالْأَنْبِيَاءُ نَحْلٌ حَلَا * *
وَمَضَاجِعٌ نُوحٌ وَطُورٌ وَالْفَلَا * * ـــحُ الْمُلْكِ وَاعِيَةٌ وَسَالَ وَعَمَّ لَا * *
غَرَقٌ مَعَ انْفَطَرَتْ وَكَدْحٌ ، ثُمَّ رُو * * ــــمُ الْعَنْكَبُوتِ وَطُفِّفَتْ فَتَكَمَّلَا * *
وَبِطَيِّبَةٍ عِشْرُونَ ثُمَّ ثَمَانٌ الطُّو * * لَى وَعِمْرَانٌ وَأَنْفَالٌ جَلَا * *
لِأَحْزَابِ مَائِدَةِ امْتِحَانٌ وَالنِّسَا * * مَعَ زُلْزِلَتْ ثُمَّ الْحَدِيدِ تَأَمَّلَا * *
وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ وَالرَّحْمَنُ الْإِنْسَ * * انُ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ حَشْرٌ مَلَا * *
نَصْرٌ وَنُوحٌ ثُمَّ حَجَّ وَالْمُنَا * * فِقُ مَعْ مُجَادَلَةٍ وَحُجْرَاتٍ وَلَا * *
تَحْرِيمُهَا مَعَ جُمْعَةٍ وَتَغَابُنٍ * * صَفٌّ وَفَتْحٌ تَوْبَةٌ خُتِمَتْ أُولَى * *
أَمَّا الَّذِي قَدْ جَاءَنَا سَفَرِيُّهُ * *عُرْفِيٌ اكْمَلْتُ لَكُمْ قَدْ كُمِّلَا * *
لَكِنْ إِذَا قُمْتُمْ فَجَيْشِيٌّ بَدَا * * وَاسْأَلْ مَنَ ارْسَلْنَا الشَّآمِيُّ اقْبَلَا * *
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ انْتَمَى جُحْفِيُّهَا * * وَهُوَ الَّذِي كَفَّ الْحُدَيْبِيُّ انْجَلَى * *



قُلْتُ ؛ الرمادي : وإذا سلمنا بما قاله جَابِر بْنِ زَيْدٍ وراعينا ما قرره السيوطي فإن المسألة تحتاج إلى بحث جديد ومزيد تحقيق ، ولعلي أعود مرة ثانية لبحثها وتحقيقها والله المستعان . هذا واحدة .
أما الثانية فيراعي ترتيب سور القرآن الكريم كما جاءت في " مصحف المدينة المنورة " الصادر من " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ؛ بالمدينة المنورة " . كما كنتُ أود ترقيم السور وفق مصحف المدينة المنورة ؛ الذي بين ايدينا الأن وأخرتُ الترقيم للبحث القادم .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 21 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
[ 3 مقدمة القرآن ، أَوَّلُ مَا نَزَلَ ]
ــــــــــ
المراجع : علوم القرآن :
1.) الواحدي ؛ أبوالحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي ، أسباب النزول ، دار الكتب العلمية ، سنة النشر: 1421هـ / 2000م .
2 . ) السيوطي ؛ جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر ، الإتقان في علوم القرآن ، دار الكتاب العربي ، سنة النشر: 1419هـ / 1999م .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 22 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
البحث القادم
« المكي و المدني »

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 24 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
« المكي و المدني »

قال المنجد :

" عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة ، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن ، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به ، كان من أهمها علم :

" المكي والمدني ".

ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية :

أولا : بيان معنى مصطلح : " المكي و المدني ".


***
هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم ، وجعلوا مناطه ومداره على الزمان ، وليس على المكان ، قال صاحب المنار :

" وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ مِنَ السُّوَرِ.

فَــ

قِيلَ : الْمَكِّيُّ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَإِنْ كَانَ نُزُولُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَالْمَدَنِيُّ غَيْرُهُ .

وَ

قِيلَ: الْمَكِّيُّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ، كَالَّذِي نَزَلَ فِي عَامِ الْفَتْحِ وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
فــ المكي من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها.
والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم .


قال محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى :

" وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ : أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، وَالْمَدَنِيَّ مَا نَزَلَ بَعْدَهَا ، سَوَاءٌ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ نَفْسِهَا أَوْ ضَوَاحِيهَا أَوْ فِي مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، أَوْ فِي غَزْوَةٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ " .


****

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 28 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
ثانيا : أهمية هذا العلم و فوائده :


[ 1 ] معرفة الناسخ من المنسوخ : وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه ، فالنسخ – وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن ، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها ، هل هو قديم في بداية الإسلام ، أو متأخر ، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية ، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها .

[ 2 ] معرفة تاريخ التشريع ومراحله ، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته ، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي ، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته .

[ 3 ] الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره ، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها ، فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم .

[ 4 ] ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم ، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط ، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه ، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم .



[ 5 ] التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم ، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد ، وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع ، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان .


[ 6 ] معرفة السيرة النبوية ، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما ، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فهم " المكي والمدني " رافدا من روافد علم السيرة النبوية ، ومكملا لدراساته .

ثم يقول صاحب المنار عند تفسيره سورة النساء :

" يُنْظَرُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا :

بَيَانُ الْوَاقِعِ ، وَتَحْدِيدُ التَّارِيخِ بِالتَّفْصِيلِ إِنْ أَمْكَنَ ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَبَعْدَهَا .


ثَانِيهِمَا :

بَيَانُ شَأْنِ الدِّينِ ، وَسُنَّةِ التَّشْرِيعِ وَأُسْلُوبِ الْقُرْآنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، وَبَعْدَهَا ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ رَجَّحَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ كُلَّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَهُوَ مَدَنِيٌّ ، وَلَا يَعْنُونَ بِهَذَا أَنَّهُ نَزَلَ فِي نَفْسِ الْمَدِينَةِ بِالتَّفْصِيلِ كُلُّ آيَةٍ آيَةٍ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ نَزَلَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي كَانَتِ الْمَدِينَةُ فِيهِ هِيَ عَاصِمَةَ الْإِسْلَامِ ، وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ قُوَّةٌ تَمْنَعُهُمْ وَنِظَامٌ يَجْمَعُ شَمْلَهُمْ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ ، أَوْ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَحُكْمِ مَا نَزَلَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَبَدْرٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوٍ أَوْ نُسُكٍ عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ إِلَى الْمَدِينَةِ " .

وهذا
ثالثا : الْفَرْقُ بَيْنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَ الْمَدَنِيَّةِ:

قال صاحب المنار :

" الْفَرْقُ بَيْنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ:

هُوَ أَنَّ الْمَكِّيَّةَ أَكْثَرُ إِيجَازًا ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا هُمْ أَبْلَغُ الْعَرَبِ وَأَفْصَحُهُمْ ، وَعَلَى الْإِيجَازِ مَدَارُ الْبَلَاغَةِ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ إِنَّ مُعْظَمَهَا تَنْبِيهَاتٌ وَزَوَاجِرُ وَبَيَانٌ لِأُصُولِ الدِّينِ بِالْإِجْمَالِ ."


يكمل صاحب المنار فيقول :

" إِنَّ أَكْثَرَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ لَا سِيَّمَا الْمُنَزَّلَةُ فِي أَوَائِلِ الْبِعْثَةِ قَوَارِعُ تَصُخُّ الْجَنَانَ ، وَتَصْدَعُ الْوِجْدَانَ ، وَتُفْزِعُ الْقُلُوبَ إِلَى اسْتِشْعَارِ الْخَوْفِ ، وَتَدُعُّ الْعُقُولَ إِلَى إِطَالَةِ الْفِكْرِ فِي الْخَطْبَيْنِ الْغَائِبِ وَالْعَتِيدِ ، وَالْخَطَرَيْنِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، وَهُمَا عَذَابُ الدُّنْيَا بِالْإِبَادَةِ وَالِاسْتِئْصَالِ ، أَوِ الْفَتْحُ الذَّاهِبُ بِالِاسْتِقْلَالِ ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ وَهُوَ أَشَدُّ وَأَقْوَى ، وَأَنْكَى وَأَخْزَى - بِكُلٍّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ أَنْذَرَتِ السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ إِذْ أَصَرُّوا عَلَى شِرْكِهِمْ ، وَلَمْ يَرْجِعُوا بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ عَنْ ضَلَالِهِمْ وَإِفْكِهِمْ ، وَيَأْخُذُوا بِتِلْكَ الْأُصُولِ الْمُجْمَلَةِ ، الَّتِي هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ ، وَلَيْسَتْ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُنْكِرُهُ الْعَقْلُ ، أَوْ يَسْتَثْقِلُهُ الطَّبْعُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَقْلِيدُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ ، يَصْرِفُ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ .


رَاجِعْ تِلْكَ السُّوَرَ الْعَزِيزَةَ ، وَلَا سِيَّمَا قِصَارُ الْمُفَصَّلِ مِنْهَا كَـ


« الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ » ،

وَ « الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ » ،

وَ « إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ » ،

وَ « إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ » ،

وَ « إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ » ،

وَ « إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ » ،

وَ« إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا »،

و « وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا » ،

و « وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا » ،

و« وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ».


تِلْكَ السُّوَرُ الَّتِي كَانَتْ بِنَذْرِهَا ، وَفَهْمِ الْقَوْمِ لِبَلَاغَتِهَا وَعِبَرِهَا ، وَتَفَزُّعِهِمْ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ ، حَتَّى يَفِرُّوا مِنَ الدَّاعِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ « كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ » [ 74 المدثر ؛ الآيات 50-51 ]
، « أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ » [ 11 هود ، الآية 5 ] ،
ثُمَّ إِلَى السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ الطِّوَالِ ، فَلَا نَجِدُهَا تَخْرُجُ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي عَنْ حَدِّ الْإِجْمَالِ ، كَـ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ « وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا » [ 17 الإسراء ؛ آية 23 ] ؛ إِلَى – الآية 37 مِنْهَا ، وَقَوْلِهِ بَعْدَ إِبَاحَةِ الزِّينَةِ وَإِنْكَارِ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ « قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ » [ 7 الأعراف ؛ الأية 33 ] .

ثم يفصل صاحب المنار في موضع آخر من المنار عند تفسيره لسورة النساء ؛ فيقول :

" يَغْلِبُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ الْإِيجَازُ فِي الْعِبَارَةِ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا لِمَا فِي التَّكْرَارِ مِنَ الْفَوَائِدِ ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَا أَوَّلًا هُمْ أَبْلَغُ الْعَرَبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَإِنَّمَا يَتَبَارَى الْبُلَغَاءُ بِالْإِيجَازِ ، وَيَغْلِبُ فِي مَعَانِيهَا تَقْرِيرُ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ ، وَالِاحْتِجَاجُ لَهَا ، وَالنِّضَالُ عَنْهَا ، وَهِيَ التَّوْحِيدُ ، وَالْبَعْثُ ، وَعَمَلُ الْخَيْرِ ، وَتَرْكُ الشَّرِّ ، وَمُعْظَمُ الْحِجَاجِ فِيهَا مُوَجَّهٌ إِلَى دَحْضِ الشِّرْكِ ، وَإِقْنَاعِ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَمَّا السُّوَرُ الْمَدَنِيَّةُ فَحِجَاجُهَا فِي الْغَالِبِ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَالْمُنَافِقِينَ ، وَفِيهَا تَفْصِيلُ الْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ ، وَالْمَدَنِيَّةِ لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُحْتَاجِينَ إِلَيْهَا . فَإِذَا فَطِنْتَ لِهَذَا تَجَلَّى لَكَ أَفَنُ رَأْيِ مَنْ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ ، وَمَنْ قَالَ أَيْضًا : إِنَّ أَوَائِلَهَا نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ ، فَلَا شَيْءَ مِنْ أَحْكَامِهَا كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ."

فَالسُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ عند محمد رشيد رضا :

هِيَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِأَجْلِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ ، وَلِبَيَانِ أَسَاسِ الدِّينِ وَكُلِّيَّاتِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ، وَمِنْ تَرْكِ الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ الْمَعْرُوفَةِ لِلنَّاسِ بِعُقُولِهِمْ وَفِطْرَتِهِمْ ، وَفِعْلِ الْخَيِّرَاتِ وَالْمَعْرُوفِ بِحَسْبِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ الْمَوْكُولِ إِلَى الْقُلُوبِ وَالضَّمَائِرِ .

وَأَمَّا السُّوَرُ الْمَدَنِيَّةُ فَفِي أُسْلُوبِهَا شَيْءٌ مِنَ الْإِسْهَابِ ، وَلَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ بَلَاغَةً وَفَهْمًا مِنَ الْعَرَبِ الْأُصَلَاءِ ، وَلَا سِيَّمَا قُرَيْشٌ وَمَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَكْثَرُهُ مُحَاجَّةٌ لَهُمْ - لِأَهْلِ الْكِتَابِ - وَنَعْيٌ عَلَيْهِمْ ، وَإِثْبَاتٌ لِتَحْرِيفِهِمْ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ، وَابْتِدَاعِهِمْ فِيهِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ هِدَايَتِهِ ، وَنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ، وَدَعْوَةٌ لَهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ ، وَبَيَانٌ لِكَوْنِ الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ ، هُوَ دِينُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .

وَفِي هَذِهِ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ أَيْضًا بَيَانٌ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ ، وَلِأُصُولِ الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِ فِيهَا ، كَمَا تَرَاهُ فِي طِوَالِ الْمُفَصَّلِ مِنْهَا ، كَـ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ .

وَالسُّوَرُ الْمَدَنِيَّةُ هِيَ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ، وَكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَكُوُّنِ جَمَاعَتِهِمْ ، بِبَيَانِ الْأَحْكَامِ التَّفْصِيلِيَّةِ كَمَا قُلْنَا آنِفًا .

تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين : المضمون ، والأسلوب .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :

[ أ ] أما من حيث الأسلوب فهو :

[ 1 ] الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون ، ولا يليق بهم إلا ذلك ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .

أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، أقرا سورة المائدة .

[ 2 ] الغالب في المكي قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، أقرا سورة الطور .

أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، أقرأ آية الدين في سورة البقرة .

[ ب ] وأما من حيث الموضوع فهو :

[ 1 ] الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك .

أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.

[ 2 ] الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى.

[ أصول التفسير ، ص/13 ] .


و يقول القطان رحمه الله :

" استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية ، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني ، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها ، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات :


ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية :

[ 1 ] كل سورة فيها سجدة فهي مكية .

[ 2 ] كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية ، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن . وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة .

[ 3 ] كل سورة فيها : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، وليس فيها : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ) فهي مكية ، إلا سورة الحج ، ففي أواخرها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك .
[ 4 ] كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية ، سوى البقرة .

[ 5 ] كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة كذلك .


[ الدكتور مناع القطان ]


ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية :

[ 1 ] كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية .

[ 2 ] كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، سوى العنكبوت ، فإنها مكية .

[ 3 ] كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية .


هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية ، وخصائص الأسلوب ، فيمكن إجمالها فيما يأتي :

[ 1 ] بيان العبادات ، والمعاملات ، والحدود ، ونظام الأسرة ، والمواريث ، وفضيلة الجهاد ، والصلات الاجتماعية ، والعلاقات الدولية في السلم والحرب ، وقواعد الحكم ، ومسائل التشريع .

[ 2 ] مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وبيان تحريفهم لكتب الله ، وتجنيهم على الحق ، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم .

[ 3 ] الكشف عن سلوك المنافقين ، وتحليل نفسيتهم ، وإزاحة الستار عن خباياهم ، وبيان خطرهم على الدين .

[ 4 ] طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " .


[ القطان ؛ د. مناع ، مباحث في علوم القرآن ، ص :62-64 ]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 30 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
الطبري :
تَلَا الْحَسَنُ :

" وَقُرْآنًا فَرَّقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا " ، قَالَ: كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنَزِّلُ هَذَا الْقُرْآنَ بَعْضَهُ قَبْلَ بَعْضٍ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ وَيَحْدُثُ فِي النَّاسِ ، لَقَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً ، قَالَ : فَسَأَلَتْهُ يَوْمًا عَلَى سَخْطَةٍ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا سَعِيدٍ " وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ" فَثَقَّلَهَا أَبُو رَجَاءٍ ، فَقَالَ الْحَسَنُ : لَيْسَ فَرَّقْنَاهُ ، وَلَكِنْ فَرَقْنَاهُ ، فَقَرَأَ الْحَسَنُ مُخَفَّفَةً ، قُلْتُ : مَنْ يُحَدِّثُكَ هَذَا يَا أَبَا سَعِيدٍ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : فَمَنْ يُحَدِّثُنِيهِ ، قَالَ : أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثَمَانِي سِنِينَ ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ " وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا " لَمْ يَنْزِلْ فِي لَيْلَةٍ وَلَا لَيْلَتَيْنِ ، وَلَا شَهْرٍ وَلَا شَهْرَيْنِ ، وَلَا سَنَةٍ وَلَا سَنَتَيْنِ ، وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ .


حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : كَانَ يَقُولُ : أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ الْقُرْآنُ ثَمَانِي سِنِينَ ، وَعَشْرًا بَعْدَ مَا هَاجَرَ . وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ : عَشْرًا بِمَكَّةَ ، وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ ."

****

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ

وأخيرا :

من أراد معرفة الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها


المستشرقون

حول هذا الموضوع ، فنحيله إلى المراجع الآتية :
[ البرهان في علوم القرآن ؛ للزركشي (1/187-206) ] ،

[ الإتقان في علوم القرآن؛ السيوطي (1/34-59) ] ،

[ مناهل العرفان في علوم القرآن؛ محمد عبدالعظيم الزرقاني (1/135-167) ]



الرَّمَادِيُ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 32 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
**********
*********
********
*******
******
*****

****
***
**
*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي 30 / 11 / 2022 36 : 07 PM

رد: «بحوث التفسير والتأويل لآيات التنزيل»
 
سورة الفاتحة

النص القرآني

وهذا الرواية ؛ هي المعتمدة كما جاء في » مصحف المدينة المنورة « ؛ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، و يرجى مراجعة الصفحات " أ " و " ب " في نهاية المصحف الشريف ؛ إذ يتبين لنا : كيف كتب هذا المصحف الكريم ، و كيف ضبط ، و كيف أخذ هجاؤه ، و طريقة ضبطه ، و عدّ آياته ، و بيان أجزائه الثلاثين ، و أحزابه الستين ، و أنصافها وأرباعها ، و بيان مكيّه ومدنيّه ...



-*/*-
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ 1 ]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 2 ]
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ 3 ]
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [ 4 ]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ 5 ]
اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [ 6 ]
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [ 7 ] .


For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي

اختصار الروابط