![]() |
المُلْحَقَةُ الْأُولىٰ مِنْ مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ « سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء »؛ „أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة؛ ذات حضارة‟ سلسلة بحوث عن : « الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبد الله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم » واختصرته بـ : « خاتم الأنبياء » صلى الله عليه وآله وسلم. -**- «مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ». " الْمُلْحَقُ الْأَوَّلُ " المُلْحَقَةُ الْأُولىٰ مِنْ مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ استأذنُ السيد[ة] العزيز[ة] القارئــ[ـــــــــة] أن استقدم بعض البحوث ؛ وهي متعلقة بما نشره موقع ملتقى أهل العلم صفحة رقم : (2) ؛الفقرة رقم : (14)... من هذه السلسلة من البحوث.. ارجوه سبحانه وتعالى حسن التوفيق وسداد الخطى ومزيد من العون: [ ٢ ] [ أخبار وأحداث ما قبل ميلاد خاتم الأنبياء ] [١. ] القسم الأول : أخبار وأحداث ما قبل ميلاد خاتم الأنبياء: محمد بن عبدالله وأمنة بنت وهب! الْبَابُ الْأَوَّلُ : التنويه بذكر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ " زَمَنِ(1) آدَمَ" عَلَيْهِ السَّلَامُ ].. 1. ] جاء في أشرف الوسائل إلىٰ فهم الشّمائل؛ لــ أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) : " من تمام الإيمان به -صلى الله عليه وسلم-: اعتقاد أنه لم يجتمع فى بدن آدمي من المحاسن الظاهرة، ما اجتمع فى بدنه -صلى الله عليه وسلم-، وسِر ذلك أن المحاسن الظاهرة آيات علىٰ المحاسن الباطنة، والأخلاق الزكية، ولا أكمل منه، بل ولا مساو له فى هذا المدلول، فكذلك في الدّال، و من ثمّ نقل القرطبى عن بعضهم: أنه لم يظهر تمام حسنه -صلى الله عليه وسلم-، وإلا لما طاقت الصحابة النظر إليه. و اعلم أن الكلام علىٰ خلقه -صلى الله عليه وسلم- يستدعي الكلام علىٰ ابتداء وجوده، فاحتيج إلىٰ ذكره، و ملخصه: أنه صح فى مسلم(1) [أنه قال] : إن الله قد كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه علىٰ الماء، و في الرواية التي أثبتها ابن تيمية : قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:" « قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَىٰ الْمَاءِ» ". وَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: « كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَىٰ الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ » . و يكمل الهيتمي :" ومن جملة ما كتب فى الذّكر وهو أمّ الكتاب أن « محمدا خاتم النبيين» . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ (1) رواه مسلم فى القدر (2643)، باب كيفية الخلق الآدمى فى بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته (4/ 2036،2042). ". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصحّ أيضاً « إنى عبد الله فى أمّ الكتاب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل فى طينته ».(1) أى: طريحا ملقى قبل نفخ الروح [فيه]، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) رواه : (1 . 1. ) أحمد فى «المسند» (4/ 127،128)، و (1 . 2. ) ابن أبى عاصم فى «المسند» (1 /179)، و (1 . 3 . ) ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1 /96)، و (1 . 4 . ) الطبرانى فى «الكبير» (18/ 252)،(629،630)، و (1 . 5 . ) الحاكم فى «المستدرك» (2/ 418)، و (1 . 6 . ) البيهقى فى «الدلائل» (1/ 80،81)،و (1 . 7 . 1 . ) أبو نعيم فى «الدلائل» (ص 22،23)،و (1 . 7 . 2 . ) فى حلية الأولياء (6/ 89). قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى. وقال الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 223): رواه أحمد بأسانيد، وأحد رجالها رجال الصحيح غير سعيد بن سويدوقد وثقه ابن حبان، قلت: ولم يجرحه أحد من علماء الجرح والتعديل. (2.) انجدل مطاوع جدله إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإبقاء على الجادلة - وهي الأرض الصلبة -؛ وبهذا قال القاري :" (مُنْجَدِلٌ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ: مُلْقًى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. و استدل بما قاله الطيبي حيث قَالَ الطِّيبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَيْ مُلْقًىٰ عَلَىٰ الْجَدَالَةِ، وَهِيَ الْأَرْضُ، ثم استدل القاري بقوله :" وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « أَنَا خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَآدَمُ الْمُنْجَدِلُ فِي طِينَتِهِ ». وقبلهما قال الزمخشري في"الفائق"؛ - ولعلهما نقلا من عنده - : انجدل مطاوع جدله، إذا ألقاه علىٰ الأرض، وأصله الإلقاء علىٰ الجدالة، وهي الأرض الصلبة، و هذا علىٰ سبيل إنابة فعل مناب فعل، والجار الذي هو (في) ليس يتعلق بمنجدل. و (إنما) هو خبر ثان، لأن الواو مع ما بعدها في محل النصب على الحال من (مكتوب). و المعنىٰ : " كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء الخلقة بما يفرغ من صورته [وإجراءالروح]. ". . و الرواية التي اعتمدها القاري من شرح السنة للبغوي جاءت بالفاظ مقاربة فتجد في :" ج:9 ؛ ص: 3684:" وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُول ِاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : « إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي، دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ». [رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ]. أي حديث الباب الذي أنا (الرمادي) بصدده في هذا الملحق. و المعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم عليه الصلاة والسلام مطروح على الأرض، حاصل في أثناء الخلقة لما يفرغ من تصويره وإجراء الروح فيه. و يكمل الملا علي القاري شرح الحديث بقوله :" (وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : « إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ » : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ: مَكْتُوبٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ) مِنَ الْجَدْلِ وَهُوَ الْإِلْقَاءُ عَلَىٰ الْأَرْضِ الصَّلْبَةِ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَسَاقِطٌ وَمُلْقًىٰ (فِي طِينَتِهِ)، أَيْ: خِلْقَتِهِ وَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ (مَكْتُوبٌ) أَيْ: كُتِبْتُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْحَالِ الَّتِي آدَمُ مَطْرُوحٌ عَلَىٰ الْأَرْضِ حَاصِلٌ فِي أَثْنَاءِ خِلْقَتِهِ، لَمَّا يُفْرَغْ مِنْ تَصْوِيرِهِ وَتَعَلُّقِ الرُّوحِ بِهِ. (انتهى النقل من عند القاري). أقول(الرمادي) ثم عقب القاري على ما كتبهفقال:" كَذَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ. ". أقول(الرمادي) استدل به الطيبي : وهو شرف الدين الحسين بن عبدالله الطيبي (743هـ) في كتابه : شرح الطيبي على مشكاة المصابيح ؛ المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن) ؛ المحقق: د. عبدالحميد هنداوي ؛ الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز (مكةالمكرمة - الرياض) عدد الأجزاء: 13 ؛ الطبعة:الأولى، 1417 هـ - 1997 م ]. فــ قال صاحب شرح [عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد [الإمام السيوطي] . (مسند عدي بن عميرة -رضي الله عنه- 756 - حديث: "إني عبد الله مكتوب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته".).:ج: 2 ؛ ص: 126:" قال الطيبي: يعني لا يجوز إجراء منجدل على (أن) يكون مطاوعًا لجدل، لما يلزم منه، (أو) يكون آدم (منفصلاً) من الأرض الصلبة. بل هو ملقًى عليها. ولا يجوز أن يكون (في) متعلقًا بمنجدل، لما يلزم منه أن يكون المنجدل مظروفًا في طينته، وإنما هو ظرف له، وهو حاصل فيه ". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا أيضاً ما ذهب إليه ابن تيمية حيث قال : " في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح : ج: (3) ؛ ص: (380):" وَ فِي ".:381:" مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ،عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي، رَأَتْ حِينَ وَلَدَتْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ » . و يعلق ابن تيمية بقوله :"فَقَدْ أَخْبَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، وَكُتِبَ نَبِيًّا بَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ. وَ مُرَادُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ نُبُوَّتَهُ، وَأَظْهَرَهَا وَذَكَرَ اسْمَهُ، وَلِهَذَا جُعِلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَعْدَ خَلْقِ جَسَدِ آدَمَ وَقَبْلَ نَفْخِ " ثم يكمل في ج: 3 ؛ ص: 382:" الرُّوحِ فِيهِ، كَمَا يُكْتَبُ رِزْقُ الْمَوْلُودِ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ، وَشَقِيٌّ هُوَ أَوْ سَعِيدٌ بَعْدَ خَلْقِ جَسَدِهِ، وَقَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ. ". أما من حيث التخريج: *.]: عند القاري: " (وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مِنْ قَوْلِهِ: سَأُخْبِرُكُمْ) : إِلَخْ. قُلْتُ [أي القاري]: وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ عَنِ الْعِرْبَاضِ:( « إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِه ِ») . وَ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَلَفْظُهُ: (« أَنَا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ بَشَّرَ بِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» ) ". وقد جاء في: *.]: (فتح الباري / 6 ) قال الحافظ فى " الفتح "(ج: (6)؛ ص: 559) : صححه ابن حبان والحاكم. ". [روضة المحدثين – تفريغ لأحكام الحافظ ابن حجر وغيره علىٰ الأحاديث] *.]:" تقرأ عند :" [جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد؛ الروداني، محمد بن سليمان المغربي]؛ كتاب السير والمغازي؛ كرامة أصل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقدم نبوته ونسبه وأسماءه) . وخرج الحديث :" أحمد؛ والكبير؛ والبزار (1).". ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) رواه: (1 . ) أحمد 4/ 127، و (2 . ) الطبراني 18/ 252، والمقصود هنا بــ "الكبير". و (3 . ) البزار كما في "كشف الأستار"؛ ج: 2؛ ص: 112 (رقم 2365)، و - قال الهيثمي : ج: 8؛ ص: 223: وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وثقه ابن حبان. و - ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2091). ". *.]:" رواه الإمام أحمد، وروي معناه من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، ومن وجوه أخر مرسلة، وخرج الحاكم أيضا حديث العرباض، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي "( رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.). و عند تخريج الألباني لأحاديث:" صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته؛ لـــ: عبدالرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي(المتوفى: 911 هـ) ؛ ومع الكتاب: أحكام محمد ناصرالدين الألباني ، يمثل جميع أحاديث الجامع الصغير وزيادته للسيوطي، مع حكم ناصر من صحيح أو ضعيف الجامع الصغير، وهو متن مرتبط بشرحه، من فيض القدير للمناوي ] . 4901:" إِنِّي عندَ الله فِي أُمِّ الكِتابِ لَخاتِمُ النَّبِيّينَ وإنَّ ﴿« „ آدمَ لمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ‟»﴾.. وسأُخْبِرُكمْ بَتأْوِيل ذلكَ أَنا دَعْوَةُ أبي ابْرَاهِيمَ وبِشارَةُ عِيسَى بِي ورُؤْيا أُمّي الّتِي رأتْ حِينَ وَضَعَتْ أنهُ خَرَجَ مِنها نُورٌ أضاءَتْ لهُ قُصُورُ الشّامِ وَكذلِكَ أمَّهاتُ النّبِيّينَ يَرَيْنَ (حم .. طب .. كحل .. هَب) عَن عرباض بن سارية. ضعيف: انظر حديث رقم: 2091 في ضعيف الجامع ". فك الرموز:" *.] (حم: (مسند أحمدبن حنبل ) *.] (طب : (الطبرانيفي الكبير ) *.] (ك : (للحاكم) *.] (حل : (الحلية لأبي نعيم) *.] (هَب: (شعب الإيمان للبيهقي ) ". -**- الراوي:" وعن العِرْباض" بكسر العين وسكون الراء بعدها موحدة فألف فمعجمة "ابن سارية" السلمي، قديم الإسلام جدًا من البكائين ومن أهل الصفة، ونزل حمص، وروى عنه خالد بن معدان وأبو أمامة الباهلي وخلق، مات سنة خمس وسبعين، وقيل قبلها زمن فتنة ابن الزبير رضي الله عنهم. " . و الأصل أن اورد ملحقاً خاصاً عن السادة الرواة: [ الصحابة.. والصحابيات]؛ وبالتالي عن :" الْعِرْبَاضِ". -**- (ولم يحكم ابن تيمية على الحديث بالصحة أو الضعف ولكنه استدل به واستند عليه في بحثه في الجواب الصحيح.. -**- أما الألباني عند تخريجه لــ :[ مشكاة المصابيح لــــ: محمد بن عبدالله الخطيب العمري، أبو عبدالله، ولي الدين، التبريزي (المتوفى: 741هـ) .. المحقق: محمد ناصرالدين الألباني؛ الطبعة: الثالثة، 1985 ، وهو متن مرتبط بشرحه مرقاة المفاتيح] ؛( الإيمان : باب الإيمان بالقدر؛ الفصل الثالث) . 1. ] . فقد حكم على الحديث بالصحة فتجده : 3ج: ص: 1604:( الفضائل والشمائل [1] باب فضائل سيد المرسلين الفصل الثاني ) .قال :" 5759 -[21] (صَحِيح) وَعَن العِرْباض بن ساريةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:" إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ «.وَرَواه فِي» شرح السّنة " ". أقول (الرمادي): وبعد هذه الجولة مِن بين اقوال ونقول العلماء يمكن القول بأن الحديث صحيح يعتبر في الاستدلال به -**- الخميس، 05 شعبان، 1442 هــ الملحق: (1) (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّين ِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) |
المستضعفون: [2] ﴿أبوعبدالله؛ خَبَّابُ بْنَ الأَرَتِّ﴾ [ ٨٣ ] 83 المستضعفون! [2] ﴿﴿﴿ أبوعبدالله؛ خَبَّابُ بْنَ الأَرَتِّ ﴾﴾﴾ تمهيد : قد يتبادر إلىٰ ذهن أحد الجهلة بجغرافيا البلاد ومواقع القارات؛ فيتغاضىٰ عن أهمية المنطقة التي يطلق عليها بالخطأ «الشرق الأوسط»؛ وهي نقطة التقاء القادم مِن رحلات الشمال إلىٰ الجنوب أو مركز تجمع المسافر مِن أهل الغرب إلىٰ الشرق، ويتجاهل مقدار وتمركز الثروات الطبيعية الهائلة والتي حباها خالق الإنسان والحياة والكون؛ تلك الثروات القابعة في باطن الأرض والبحر في منطقة تطلق عليه «سُرة» العالم؛ وهنا يفهم لِمَ ذاك التكالب مِن دول استعمارية لهذه المنطقة؛ وإمبراطوريات غربت عنها شمس استعماراتها ثم تغيير شكل الاستعمار وصورة التواجد... أضف ارتفاع نسبة الخصوبة في نساء تسكن مناطق ذات موضع استراتيجي هام ومؤثر وفاعل؛ وبالتالي ارتفاع نسبة المواليد وارتفاع نسب الشباب من الجنسين مع وجود «عبقرية» بشرية تلازمها «عبقرية» المكان والمناخ والطبيعة... ففي باطن الأرض وعلىٰ وجهها توجد «عبقرية» السكان و «عبقرية» المناخ و «عبقرية» خيرات تلك البلدان... أقول (الرمادي) : قد يتبادر لذهن أحد الجهلة أن يتفوه فيقول :" نحن أمة مستضعفة! "... ثم يجتر [Wiederkaeer] ما تتناقله وسائل الإعلام لتؤكد ذلك المفهوم الخاطئ ليتحول إلىٰ قناعة عند البعض؛ فيصير بوقا للآخر الذي يريد أن يستعمره ويستنزف خيرات بلاده؛ ليشعره بحالة مِن الفقر الفكري والعوز التفكيري ليثبت -زورا- له ضحالة الإدراك وضعف الفهم وغياب القدرة علىٰ التغيير... و آحدهم ما زال يعيش ويريد أن يتعايش في مناخ قديم مِن الذكريات؛ إذ هو يرىٰ أمسه أفضل من غده - فيتغنىٰ علىٰ أطلال التاريخ؛ فيقنع نفسه بما يسميه البعض بــ „الزمن الجميل” ويكتفي بهذا القدر؛ فلا يعمل علىٰ تغيير يومه التعيس لمستقبل أفضل... فيترك ساحة العمل ومكان التغيير لغيره... فيَرْحَل أو يُرَحَل ومَن يبقىٰ فهو إما عميل أو أجير؛ أو فاسد [ راجع مقابلة قناة العربية مع السيد وزير الإعلام الأسبق الكويتي: «محمد السنعوسي» بثت يوم جمعة أمس: 19 مارس 2021م] أو مرهق بأعباء توفير وجبة طعام الفطور؛ ويدندن علىٰ أوتار الكسل :«عشاؤنا عليكَ يا كريم»... ورائحة قضايا الفساد تزكم الأنوف؛ كحارس البستان وهو لا يملك أن يتذوق طيب الثمار؛ وهو -ليس بحارس- وفي حقيقة أمره هو «مالك» البستان... و «صاحب» الدار.. . ... هذا الجزء من بحث « المستضعفين في عهد النبوة؛ وزمن نزول رسالة السماء الأخيرة إلىٰ البشرية؛ علىٰ قلب أمين السماء والأرض علىٰ وحي ربه -تعالىٰ- النبي الرسول آخر المصطفين وخاتم المرسلين ومتمم الأنبياء والمبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم- » .. هذا البحث يلزمنا إعادة النظر في الواقع الحالي المعاش بمعطيات جديدة وروافد جدت علىٰ كافة الأصعدة وفي كل المجالات... وليس فقط قراءة تاريخية مفصولة عن واقع اليوم؛ إذ ليس مِن المعقول؛ وليس مِن المفهوم أن تظل أمة وصفت بأنها خير أمة أخرجت للناس أن تظل هذه الأمة إما تابعة أو مستأجرة؛ ولا يمكنها -أو يراد لها أن لا تتمكن من - أن تتمقعد كراسي الريادة في شتى المجالات فتضع اقدامها فوق قمم العلم والتكنولوجيا والدراسات الحديثة فتقود العالم؛ وأن تعلو -بما تحمل مِن افكار صحيحة؛ ولديها مفاهيم سليمة؛ وتمتلك مبادئ راقية؛ وفي حوزتها قيم عالية إنسانية؛ وقناعات منطقية عقلية إستنارية إدراكية: وكلها توافق النفس البشرية المعذبة بأنظمة فاسدة وضعية- فتجلس علىٰ مناكب القيادة؛ سواء الفكرية أو الإصلاحية التعليمية التربوية أو الإجتماعية أو السياسية أو في أصعدة العلم ومختبرات البحث العلمي ومجالات التكنولوجيا؛ ولا يقبل عاقل مِن تلك الأمة الخيرية أن تكون مستلزمات حياته اليومية صناعة شرقية فيستوردها أو ما يحتاجه منتجات غربية فيتسولها؛ وأصبحت الأمة العربية وزميلتها الإسلامية - تلك الأمة- هي فقط أمة أستهلاك فلا تشارك في تقدم الشعوب ورفاهية الأمم... المستضعفون زمن النبوة... كان في استطاعة قائدهم الأول -محمد بن عبدالله؛ نبي الهدى والرحمة عليه السلام- أن يدعو ربه -تعالىٰ- ليرفع عنهم الأذىٰ والضيق والمطاردة مِن مَن يخالفونهم في العقيدة والإيمان ويعارضونهم في فهم ما يجب أن يكون في الحياة الدنيا ثم ما سيكون يوم القيامة وما يليه من حساب ونعيم؛ أو كان يدعو ربه -جلّ وعلا- لينزل عليهم جميعاً مائدة مِن السماء لــ : „ تَكُون عِيدًا ” وهم محشورون في شِعب أبي طالب لا يجدون طعاما يسد جوعتهم أو قطرةَ ماء تروي ظمأهم... لكنها سُنَّة حياة لمن سيأتي مِن بعدهم -سواء بسنوات معدودات أو قرون- ... والمثال قد يتكرر بذاته أو في ظروف مشابهة أو في أحوال مغايرة...والواقع المعاش اليوم يظهر غياب التقييد بالقدوة الحسنة {. لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ثم يزيد القرآن الكريم {. قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ .. } ثم يزيد القرآن العظيم : {.. فِي إِبْرَاهِيمَ.. وَالَّذِينَ مَعَهُ... } وقصد بهم بقية السادة الأنبياء والمرسلين؛ وإعادة تفعيل السنة النبوية العملية لسيد بني آدم والبرية... ... [2] ﴿ ﴿ ﴿ خباب بن الأرت ﴾ ﴾ ﴾ قالوا: كان الأرت سواديا. فأغار قوم مِن ربيعة علىٰ الناحية التي كان فيها، فسبوه وأتوا به الحجاز، فباعوه. فــ وقع إلىٰ سباع بن عبدالعزى الخزاعي، حليف بني زهرة. و ابنة عبدالله بن سباع هذا، هي أم طريح بن إسماعيل الثقفي الشاعر. فوهبه لأم أنمار بنت سباع، فأعتقته. و سباع هذا، هو الذى بارزه حمزة بن عبدالمطلب [عم النبي] -رضى الله تعالىٰ عنه-: وقال له : «... إِلىَّ يابن مقطعة البظور» . فقتله حمزة. وكانت أمه قابلة بمكة. و يقال: إن اسمها أيضا أم أنمار. وقال الهيثم بن عدي: كان أبو خباب من أهل „كسكر”. و يقال: إنه كان مِن سواد الكوفة. و -زعم- أبو اليقظان البصري: أن خباب بن الأرت كان أخا سباع لأمه. فانضم خباب إلىٰ آل سباع، فادّعىٰ حلف بنى زهرة. - وخباب- فيما يقول ولده- بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. و أنه وقع عليه سباء، فصار إلىٰ أم أنمار مولاته، فأعتقته. و أنه كانت به رتة. قال الواقدي: كان ألكن إذا تكلم بالعربية. فسمي الأرت. و قال الواقدي: أسلم خباب، وكان قينا بمكة. ويكنى أبا عبدربه. و عَنْ كُرْدُوسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَلا إِنَّ خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ أَسْلَمَ سَادِسَ ستة. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قال: أسلم خبّاب مع بني مظعون وأبى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالأَسَدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، قبل دخول دار الأرقم. وَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْطَوْهُمْ [ أى المستضعفون من المسلمين في مكة أعطوا للمشركين.] مَا أَرَادُوا. قَالَ يُوسُفُ فِي حَدِيثِهِ: حِينَ عُذِّبُوا إِلا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ، فَجَعَلُوا يُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ بِالأَرْضِ عَلَىٰ الرَّضْفِ حَتَّىٰ ذَهَبَ مَاءُ مَتْنِهِ. و قال الواقدي: جاء خباب إلىٰ النبي -ﷺ-،فشكا ما أصابه. فقال -ﷺ-: «لقد كان الرجل ممن قبلكم يمشط بأمشاط الحديد حتىٰ يخلص إلىٰ ما دون عظمه مِن لحم وعصب، ويشقّ بالمئآشير، فلا يرده ذلك عن دينه. وأنتم تعجلون. والله، ليمضين هذا الأمر حتىٰ يسير الراكب مِن صنعاء إلىٰ حضر موت لا يخاف إلا الله وحده، والذئب علىٰ غنمه:« . عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَىٰ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دين. فأتيته أقتضيه. فقال لي: „ لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّىٰ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ”. فَــ قُلْتُ: « لَنْ أَكْفُرَ حَتَّىٰ تَمُوتَ وَتُبْعَثَ ». قَالَ: «وَأَنِّي لَمَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَلَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذْ رَجَعْتَ إِلَيَّ مَالِي وَوَلَدِي» . فَـــ نَزَلَتْ فِيهِ: « أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً» ،إلىٰ قوله «فَرْداً« . وَعَنِ ابْنِ عباس بنحوه وقوله « سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ » ، يَعْنِي مَالَهُ وَوَلَدَهُ. و قال الواقدي: كان خباب ممن شهد بدرا. ولم يفارق النبي -ﷺ-.ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- وهاجر خباب، نزل والمقداد ابن عمرو علىٰ كلثوم بن الهدم، فلم يبرحا منزله حتىٰ توفي قبل بدر بيسير. فتحولا، فنزلا علىٰ سعد بن عبادة. فلم يزالا عنده حتىٰ فتحت قريظة. و آخا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ خباب وجبر بن عتيك بن (الحارث بن) قيس بن هيشة الأوسي. ولم يتخلف عن مشهد من مشاهد رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ قَالَ: جَاءَ خَبَّابٌ إِلَىٰ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالىٰ عنه-، فقال : « ادْنُهُ،ادْنُهُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ »... فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا فِي ظَهْرِهِ لَمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ. عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ عَلَىٰ عُمَر بْن الخطاب -رَضِيَ اللَّه تعالىٰ عنه-، فَأَجْلَسَهُ عَلَىٰ مَنْكِبِهِ وَ قَالَ: « مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ ». فَــ قَالَ خَبَّابٌ: « وَمَنْ هُوَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ ». قَالَ: « بِلالٌ ». قَالَ خَبَّابٌ: « لَيْسَ هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلالا كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا وَقَدْ أَوْقَدُوا لِي نَارًا، ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَىٰ صَدْرِي، فَمَا أَتَيْتُ الأَرْضَ إِلا بِظَهْرِي ». ثم كشف خباب عن ظهره له. فَإِذَا هُوَ قَدْ بَرِصَ. عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىٰ خَبَّابٍ أَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: « لَوْلا [ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: « لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ ] » ، لَتَمَنَّيْتُهُ ». قَالَ: „ وَأُتِيَ بِكَفَنِهِ قُبَاطِيٍّ.فَبَكَى”، ثُمَّ قَالَ: « لَكِنَّ حَمْزَةَ كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِذَا مُدَّتْ عَلَىٰ قَدَمَيْهِ قَصُرَتْ عَنْ رَأْسِهِ، وَإِذَا مُدَّتْ عَلَىٰ رَأْسِهِ قَصُرَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ حَتَّىٰ جُعِلَ عَلَيْهِمَاإِذْخِرٌ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُول ِاللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَمْلِكُ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّ فِي بَيْتِي فِي تَابُوتٍ لأَرْبَعِينَ أَلْفِ وَافٍ. وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ». عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىٰ خَبَّابٍ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَىٰ فِي بَطْنِهِ سَبْعًا . وَ قَالَ: « لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ ». عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «كَانَ خَبَّابٌ قَيْنًا، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْلَفُهُ وَيَأْتِيهِ. فَــــ أُخْبِرَتْ بِذَلِكَ مَوْلاتُهُ، فَكَانَتْ تَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ وَقَدْ أَحْمَتْهَا، فَــ تَضَعُهَا عَلَىٰ رَأْسِهِ. فَــ شَكَا ذَلِكَ إِلَىٰ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، [فَــ قَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّابًا.] ... فــ اشتكت مولاته رأسها - وهي أم أنمار - فَكَانَتْ تَعْوِي مَعَ الْكِلابِ. فَــ قِيلَ لَهَا: اكْتَوِي. فَكَانَ خَبَّابٌ يَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ قَدْ أَحْمَاهَا، فَكَانَ يَكْوِي بِهَا رَأْسَهَا. قال الواقدي: أتىٰ خباب الكوفة حين اختطها المسلمون، فابتنىٰ بها دارا، وتوفي بها سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وصلىٰ عليه علي بن أبي طالب منصرفه من صفين. حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: „ حَدَّثَنِي ابْنُ خَبَّابٍ قَالَ: « كَانَ النَّاسُ يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ بِالْكُوفَةِ فِي جَبَابِينِهِمْ » . فَــ لَمَّا ثَقُلَ خَبَّابٌ قَالَ: « أَيْ بُنَيَّ، إِذَا أَنَا مِتُّ، فَادْفِنِّي بِهَذَا الظَّهْرِ، فَإِنَّكَ لَوْ دفنتى بِهِ قِيلَ: دُفِنَ بِهَذَا الظَّهْرِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-، فَدَفَنَ النَّاسُ مَوْتَاهُمْ بِالظَّهْرِ ». قَالَ: „ فَلَمَّا مَاتَ، دَفَنَهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ. فَكَانَ أَوَّلَ مَدْفُونٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ”. عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده، قال: „ كان الذي يعذب خباباً حين أسلم وَلازَمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عتبة بن أبي وقاص، أخا سَعْد بْن أَبِي وقاص. واسم أَبِي وقاص مالك بن أهيب ابن عبدمناف بن زهرة. و يقال: إن الذي كان يعذّبه، وهو الثبت، الأسود ابن عبديغوث”. قال: وكان - فيما ذكر بعض ولده-: - ربعة، - جيد الألواح، - عريض ما بين المنكبين، - عظيم الهامة، - كثّ اللحية. وزعم بعض الرواة: أن خبابا كان مولىٰ لعتبة بن ربيعة. وذلك باطل. أنبأنا الأعمش، عن إبراهيم: أن خبابا كان يكنىٰ أبا عبدالله. ... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ قلت(الرمادي) : أحتاج إعادة لقراءة هذه النصوص والنقول ؛ ومحاولة استظهار فقه(فهم) هذه الروايات! -**- (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل مِن السماء ﴾ السيرة النبوية العطرة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ [ ٥ ] المجلد الخامس؛ .{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ﴿ سورة رقم : (21)؛ الأنبياء: آية رقم : ( ١٠٧)﴾ [ ٦ ] المستضعفون! [2] ﴿﴿﴿ أبوعبدالله؛ خَبَّابُ بْنَ الأَرَتِّ ﴾﴾﴾ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ نال شرف قراءة الأصول؛ وبحث المراجع؛ والمصادر.. وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث: د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ السبت: 07 شعبان، 1442 هــ ~ ١٩ مارس 2021م (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) -**- |
﴿أَبَو يَحْيَىٰ؛ صُهَيْبٌ بن سنان﴾ ﴿« „ ٨٤ ‟» ﴾ صُهَيْبٌ بن سنان: " ٨٤ " [٣] ﴿﴿﴿ أَبَو يَحْيَىٰ؛ صُهَيْبٌ بن سنان ﴾﴾﴾ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم تمهيد : مسائل تأصيل السيرة المحمدية مِن بداياتها؛ وهي تبدء -في تقديري منذ عهد أبي البشرية آدم عليه السلام .. مرورا بأنبياء الله تعالىٰ.. فدعوة أبي الأنبياءإبراهيم الخليل فبشرىٰ المعجزة في الخلق والإيجاد عيسى ابن مريم العذراء الزهراء البتول.. ثم متابعة ميلاده المبارك فسنوات عمره الزاهرة حتى وصوله لسن تبليغ رسالة ربه.. فـــ تأصيل بداية نزول رسالة وحي السماء الخاتمة لآخر الرسالات علىٰ قلب متمم المرسلين وآخر الأنبياء؛ ثم تأصيل الفترات الزمنية للهدي النبوي خلال زمن الرسالة الخاتمة؛ ومن ثم تأصيل المراحل التي مرت بها الدعوة الإسلامية وربطها ربطاً محكماً بمفاصلها بقيادة نبي الرحمة ورسول المغفرة؛ ثم تأصيل السنة النبوية -علىٰ صاحبها الصلاة والسلام والتبريكات والإنعام وآله والأصحاب الكرام ومن تبعهم بإحسان وإلتزام- بكافة موضوعاتها ومباحثها وأبوابها وفصولها.. كل هذا.. تستلزم مِن المسلم دراستها دراسة تفصيلية عملية واقعية ثم تطبيقية كي يتسنىٰ له السير في طريق الحياة بــ الإسلام وفق خطوات نلتزم منها بما هو أمر ولنا سعة في الحركة بما اباحه لنا صاحب الشرع تحت أضواء كاشفة لما جرىٰ بالأمس ليستنير بها الساري في دروب الحياة ليحسن التصرف تجاه ما يحصل ويحدث اليوم؛ إذ أن غياب التقييد بالهدي المحمدي [قضية الإسوة والقدوة] - سيرة محمدية وسنة نبوية- إثناء السير باعتباره -الهدي النبوي- أوامر وخطوط عريضة تتسع في مواضع، وضعف الإستنارة بضوء النور النبوي أوقع الكثير لما نحن جميعاً فيه اليوم؛ خاصةً -مَن يدعي حمل الدعوة- لا يعملون بما يتكلمون به ويقولون سواء في مستوىٰ المسؤولية أو دونها أو تلك الكتل والجماعات ذات الصبغة الإسلامية أو الفرق والأحزاب ذات النعرة الدينية (!) التي رفعت شعارات جوفاء سرعان ما كشفتها نسائم الصباح بفجر سافر سواء في بلاد يسكنها مسلمون أو علىٰ أرض العرب أو في بلاد الغرب؛ أو في بلاد العجم (عجمة اللسان) فقد توشح بعضهم بقطعة طويلة مِن قماشٍ بالٍ، شدها علىٰ رَّأسه -تزيناً- أو حول رَّقبته -تفاخرا- أو بين الأكتاف فظنها الجاهل أنها علامة فسار خلفه فكانت عليهما ندامة. كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حريصًا على أنْ يدخُلَ النَّاسُ جميعُهم في دِينِ اللهِ -تعالى-، وكان يَدْعو الزُّعماءَ والمُطاعينَ في أقوامِهم ويتألَّفُهم؛ رجاءَ أنْ يدخُلوا في الإسلامِ، ويدخُلَ معهم أقوامُهم... فعرض -عليه السلام- الإسلام علىٰ الجميع... نكمل المسيرة مع : ﴿﴿﴿ صهيب بن سنان ﴾﴾﴾ عن محمد بن سيرين قال: " صهيب من العرب، من النمر بن قاسط " . قال الكلبي: "صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل ابن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط." . وقال بعض الرواة:" كان اسم صهيب: « „ عميرة بن سنان ‟ ». وأمه : سلمىٰ بنت قعيد، من بني تميم. قَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ عُلَيَّةَ. وَكَانَ أَبُوهُ سِنَانُ بْنُ مَالِكٍ عاملا لكِسرىٰ علىٰ الأبلة من قبل النعمان بن المنذر. وكانت منازلهم بأرض الموصل . و يقال: كانوا في قرية علىٰ شاطئ الفرات مما يلي الجزيرةَ والْمَوْصِلِ. فــ أغارت الروم علىٰ ناحيتهم، فسبت صهيبا وهو غلام صغير. قَالَ عَمُّهُ : أَنْشُدُ بِاللَّهِ الْغُلَامَ النَّمَرِيَّ * دَجَّ بِهِ الرُّومَ وَأَهْلِي بِالنَّبِي قَالَ : وَالنَّبِي اسْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا أَهْلُهُ ، فنشأ صُهَيْبٌ بالروم، فصار ألكن(!). فابتاعه رجل من كلب، فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير؛ عَبْداللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة بن كعب. فاسترقه، ثم أعتقه. فأقام معه بِمَكَّةَ إلىٰ أن هلك. و كان مهلك ابن جدعان قبل المبعث ببضع عشرة سنة. ولم يزل صهيب مع آل جدعان إلىٰ أن بعث رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأسلم. و أما أهل صهيب وولده، فيقولون: " لم يشتره أحد من الذين سبوه، ولكنه لما ترعرع وعقل، هرب من الروم، فسقط إلىٰ مكة، فحالف ابن جدعان وأقام معه إلىٰ أن هلك " . و " أن صهيبا كان أحمر شديد الحمرة، فسمي رومياً لذلك، ولأنه سقط إلىٰ الروم.". و قال المدائني: "سبته العرب، فوقع إلىٰ مكة، ولم يدخل الروم قط. وإنما سمي رومياً لحمرته." . إسلام صهيب : قال الواقدي:" كان إسلام صهيب مع عمار في دار الأرقم بن أبي الأرقم " . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَحَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: " لَقِيتُ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ عَلَى بَابِ دَارِ الْأَرْقَمِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا ، فَقُلْتُ لَهُ : " مَا تُرِيدُ ؟ "، فَقَالَ لِي : " مَا تُرِيدُ أَنْتَ ؟" ؛ فَقُلْتُ :"أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ، فَأَسْمَعَ كَلَامَهُ "، قَالَ : " وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ ".. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا ، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَيْنَا ، ثُمَّ خَرَجْنَا وَنَحْنُ مُسْتَخْفُونَ . عن رجل من ولد صهيب، عن أشياخه: أن صهيباً مر بقريش، ومعه خباب بن الأرت، وعمار بن ياسر. فقالوا: " هؤلاء جلساء محمد " . وجعلوا يهزءون. فقال صهيب: « نحن جلساء نبي الله، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه ولا خسيسة مع الإسلام ولا عز مع الشرك ». فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: " أنتم الذين منّ الله عليكم من بيننا؟". عَنْ مُجَاهِدٍ،قَالَ: " مَرَّ صُهَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَىٰ مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: " انْظُرُوا إِلَىٰ الأرذال، أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟ "..فَنَزَلَتِ الآيَةُ فعن عروة، قال: " كان صهيب مِن المستضعفين، مِن المؤمنين الذين كانوا يعذّبون في الله -عزَّ وجلَّ-. ". فـ « أوَّلُ مَنْ أظهرَ الإسلامَ بمكةَ سبعةٌ : « „ ١ ‟ » رسولُ اللهِ ﷺ و « „ ٢ ‟ » أبوبكرٍ و « „ ٣ ‟ » بلالٌ و « „ ٤ ‟ » خبابٌ و « „ ٥ ‟ » صهيبٌ و « „ ٦ ‟ » عمَّارٌ و « „ ٧ ‟ »سميَّةٌ.. فــ أمَّا رسولُ اللهِ ﷺ وأبو بكرٍ فمنعهما قومُهما، و أمَّا الآخرونَ فَأُلْبِسُوا أدرعَ الحديدِ؛ ثمَّ صُهروا في الشَّمسِ، و جاء أبو جهلٍ إلىٰ سُميَّةَ فطعنها بحربةٍ فقتلها » . [الحديث : مرسل صحيح السند]. وجاء برواية « عن عبدِاللهِ بن مسعود قال كان أولَ من أظهر إسلامَه سبعةٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبو بكرٍ وعمارٌ وأمُّه سميةٌ وصهيبٌ وبلالٌ والمقدادُ فأما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فمنعه اللهُ بعمِّه أبي طالبٍ ... وأما أبو بكرٍ فمنعه اللهُ بقومِه وأما سائرُهم فأخذهم المشركون فألْبسوهم أدراعَ الحديدِ وصهروهم في الشمسِ فما منا إنسانٌ إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالًا فإنه هانتْ عليه نفسُه في شعابِ مكةَ وهو يقولُ أَحَدٌ أَحَدٌ » . [الحديث : كان يحيى بن أبي كثير يخطيء فيه وإنما رواه الناس عن منصور عن مجاهد] ... و جاء في رواية : ...إلَّا بلالٌ فإنَّه هانَتْ عليه نفسُه في اللهِ وهان على قومِه فأخَذوه فأعطَوْه الوِلْدانَ فجعَلوا يطوفونَ به في شِعابِ مكَّةَ وهو يقولُ : أحَدٌ أحَدٌ. [صحيح ابن حبان]. قالوا: وكناه رَسُول اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبل أن يولد له، «أبا يحيى». و ليست له كنية غيرها. بيد أن ابنُ عبَّاس قال :" صهيبُ بنُ سِنانٍ يُكنَى «أبا غسَّانَ». [تاريخ دمشق؛ الحديث : غيرمحفوظ]. «كان عَمَّارٌ يُعذَّبُ حتىٰ لا يَدري ما يقولُ، وكذا صُهَيبٌ، وفيهم نزَلَتْ: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا } [النحل: 41]. [سير أعلام النبلاء؛ الحديث فيه الوقدي متروك]. «كان عَمَّارُ بنُ ياسرٍ يُعذَّبُ حتىٰ لا يَدري ما يَقولُ، وكان صُهَيبٌ يُعذَّبُ حتى لا يَدري ما يَقولُ، في قَومٍ مِن المُسلمينَ، حتى نزَلَتْ: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا } [النحل: 110]. ». [سير أعلام النبلاء؛ الحديث : قوله (والذين هاجروا في الله من بعدما فتنوا ) هي علاوة على كونها خطأ، وصوابها (من بعد ما ظلموا)ليست هي الآية التي نزلت في حق هؤلاء، وإنما هي ما أثبته، وما أدري كيف خفي هذا على المؤلف وغيره]. { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ...} [البقرة: 207]، «نزَلَتْ في صُهَيبٍ، ونَفَرٍ مِن أصحابِه، أخَذَهم أهلُ مكَّةَ يُعذِّبونَهم؛ ليَرُدُّوهم إلى الشِّركِ ». [سير أعلام النبلاء؛ الحديث : إسناده صعيف]. «مرَّ الملأُ من قُرَيْشٍ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وعندَهُ : صُهَيْبٌ ، وبلالٌ ، وعمَّارٌ ، وخبَّابٌ، وغيرُهُم من ضعفاءِ المسلمينَ ، فقالوا : "يا محمَّدُ ، أرضيتَ بِهَؤلاءِ من قومِكَ ؟؛ أَهَؤلاءِ الَّذينَ منَّ اللَّهُ عليهِم من بيننا ؟ أنحنُ نصيرُ تبعًا لِهَؤلاءِ ؟ اطردهُم عنكَ ،فلعلَّكَ إن طردتَهُم أن نتَّبعَكَ، فنزلتْ هذِهِ الآيةُ :{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ...}... إلى آخرِ الآيةِ» . [عمدة التفسير؛ الحديث : إسناده صحيح؛ وأخرجه أحمد (3985)، والبزار (2041)، والطبراني (10/268) (10520) باختلاف يسير]. وفي قولِهِ تعالى: { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ... } إلى قولِهِ: { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } ... قالَ جاءَ الأقرعُ بنُ حابسٍ التَّميميُّ وعيينةُ بنُ حصنٍ الفزاريُّ فوجَدوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ معَ صُهيبٍ وبلالٍ وعمَّارٍ وخبَّابٍ قاعدًا في ناسٍ منَ الضُّعفاءِ منَ المؤمنينَ فلمَّا رأوْهم حولَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ حقروهم فأتوْهُ فخلوا بِهِ وقالوا :" إنَّا نريدُ أن تجعلَ لنا منْكَ مجلسًا تعرفُ لنا بِهِ العربُ فضلَنا فإنَّ وفودَ العربِ تأتيكَ فنستَحيِ أن ترانا العربُ معَ هذِهِ الأعبُدِ فإذا نحنُ جئناكَ فأقمْهم عنْكَ فإذا نحنُ فرغنا فاقعد معَهم إن شئتَ "... قالَ :" نعَم".. قالوا :" فاكتُب لنا عليْكَ كتابًا ".. قالَ فدعا بصحيفةٍ ودعا عليًّا ليَكتبَ ونحنُ قعودٌ في ناحيةٍ فنزلَ جبرائيلُ عليْهِ السَّلامُ فقالَ : { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } .. ثمَّ ذَكرَ الأقرعَ بنَ حابسٍ وعيينةَ بنَ حصنٍ فقالَ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ثمَّ قالَ وَ إِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قالَ فدنَونا منْهُ حتَّى وضعنا رُكبنا على رُكبتِهِ وَكانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يجلسُ معَنا فإذا أرادَ أن يقومَ قامَ وترَكنا فأنزلَ اللَّهُ : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ولا تجالسِ الأشرافَ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا يعني عيينةَ والأقرعَ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا قالَ هلاكًا قالَ أمرُ عيينةَ والأقرعِ ثمَّ ضربَ لَهم مثلَ الرَّجلينِ ومثلَ الحياةِ الدُّنيا قالَ خبَّابٌ فَكنَّا نقعدُ معَ النَّبيِّ فإذابلغنا السَّاعةَ الَّتي يقومُ فيها قُمنا وترَكناهُ حتَّى يقومَ ». [ابن ماجه؛ الحديث : صحيح]. وفي هذ الحديثِ تَفسيرٌ وبيانٌ لأسبابِ نُزولِ بعضِ الآياتِ الَّتي تَتناولُ هذاالموضوعَ؛ وفيه يقولُ خَبَّابُ بنُ الأرَتِّ في قولِه تعالى: { وَلَاتَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنعام:52] : "جاء الأقرعُ بنُ حابِسٍ التَّميميُّ، وعُيينةُ بنُ حِصْنٍ الفَزاريُّ "، أي: إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان الأقرعُ أحدَ المُؤلَّفةِ قُلوبُهم وأحدَ الأشرافِ، وكان عُيينةُ سيِّدَ بني فَزارةَ وفارِسَهم، " فوَجَدوا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع صُهيبٍ وبِلالٍ وعمَّارٍ وخبَّابٍ، قاعدًا في ناسٍ من الضُّعفاءِ من المُؤمنينَ، فلمَّا رَأَوهم حولَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقَروهم"،أي: استحْقَروهم وعَدُّوهم ممَّن لا يُؤْبَه بهم، وامْتَنعوا عن مُجالسَتِهم، " فأَتَوه فخَلَوا به "، أي: انفَرَدوا بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحدَهم، " وقالوا: إنَّا نُريدُأنْ تجعَلَ لنا منك مَجلِسًا "، أي: مَجلِسًا خاصًّا بنا في وقتٍ خاصٍّ، "تَعرِفُ لنا به العربُ فَضْلَنا "، أي: نُمَيَّزُ به عند القَبائلِ والوُفودِ؛ "فإنَّ وُفودَ العربِ تأتيك، فنَسْتَحي أنْ ترانا العربُ مع هذه الأعبُدِ " جَمْع عبْدٍ، و المعنى: أنَّهم فُقراءُ وضُعفاءُ، وفيهم مَن كان عبْدًا، والمُرادُ أنَّهم: يَسْتَحون من مُجالسَةِ هؤلاء؛ خَشيةً مِن إنكارِ العربِ عليهم وتقليلِ شَأْنِهم، قالوا: " فإذا نحن جِئْناك فأقِمْهم عنك "،أي: اطْرُدْهم عن مَجلِسِك وأبعِدْهم عنه، " فإذا نحن فرَغْنا فاقْعُدْ معهم إنْ شِئْتَ "، أي: جالِسْهم بعدَأنْ نَنْتِهيَ معك ونقومَ عنك، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "نعمْ"، أي: أجابَهم النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ما طَلَبوا؛ رجاءَ إيمانِ قَومِهم بإسلامِهم؛ لأنَّهما كانا سيِّدَينِ مُطاعَينِ في قَومِهم، فنظَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى هذه المصلحةِ الدَّعويَّةِ. " قالوا: فاكْتُبْ لنا عليك كتابًا "، أي: عَقدًا ورسالةً توضِّحُ مثلَ تلك الشُّروطِ، قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: " فدعا "، أي: النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "بصَحيفةٍ"،أي: ليكتُبَ لهم فيها ما شَرَطوا، والصَّحيفةُ: الورقةُ المكتوبةُ أيَّا كان نوعُها؛ مِن جِلدٍ، أو جَريدٍ، أو ما شابَه، " ودعا عليًّا ليكتُبَ"؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان لا يكتُبُ، قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: " ونحن قُعودٌ في ناحيةٍ "، أي: أنَّ الصَّحابةَ الفُقراءَ والمواليَ كانوا جالسينَ في ناحيةٍ من نواحي المكانِ الَّذي يُعْقَدُ فيه هذا العقدُ، " فنزَلَ جِبرائيلُ عليه السَّلامُ، فقال "، أي: بقولِه تعالى: { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنعام: 52]، ثمَّ ذكَرَ الأقرعَ بنَ حابسٍ وعُيينةَ بنَ حِصْنٍ فقال: { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا } [الأنعام:53] "، أي: ابْتَلَيْنا هؤلاء، "{ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } [الأنعام:53]، ثمَّ قال: { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [الأنعام: 54]"، يُريد ضُعفاءَ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم ممَّن تكابَرَ عليهم الأقرعُ وعُيينةُ، قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: " فدَنَونا منه "، أي: اقْتَربوا من رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حُضورِ الأقرعِ وعُيينةَ، " حتَّى وضَعْنا رُكَبَنا على رُكبتِه "، وفي هذا إشارةٌ إلى شِدَّةِ اقترابِهم من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يجلِسُ معنا، فإذا أراد أنْ يقومَ"، أي: يذهَبَ لبعضِ شَأنِه، "قام وترَكَنا"، أي: قد يتقدَّمُ عنَّا في القِيامِ، "فأنزَلَ اللهُ: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28]، ولا تجالِسِ الأشرافَ"، أي: في قولِه تعالى: { تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَاتُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } [الكهف: 28]، يعني: عُيينةَ والأقرعَ، { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28]، قال: هلاكًا، وهذا تفسيرُ منه لقولِه: {فُرُطًا}، وقيل معناها: ضَياعًا، أو نَدَمًا، أو سَرَفًا، أو خِلافًا للحقِّ. قال: أمْرُ عُيينةَ والأقرعِ؛ قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ ضرَبَ لهم مثَلًا لرُجلينِ ومثل الحياةِ الدُّنيا"، أي: ضرَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بهم مثلًا في القُرآنِ، وهو الَّذي في قولِه تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَاجَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف: 32] الآياتِ. قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فكنَّا نقعُدُ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا بلَغْنا السَّاعةَ الَّتي يقومُ فيها"، أي: فإذا وصَلْنا إلى الوقتِ المُعتادِ الَّذي يريدُ أنْ يذهَبَ فيه، "قُمْنا وتَرْكناه حتَّى يقومَ"، أي: فجعَلَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يتأخَّرُ عنهم في القِيامِ؛ استجابةً لأمرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وهو عند الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مِن حُسنِ الأدَبِ وعدَمِ التَّعنُّتِ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفي الحديثِ: النَّهيُّ عن أنْ يُعَظَّمَ أحدٌ لجاهِه وغِناه ومكانتِه، وأنْ يُحْتَقَرَ أحدٌ لضَعفِه أو فَقرِه. وفيه: الحثُّ على مُجالسةِ الصَّالحينَ وتَقديمِهم على غيرِهم، حتى ولو كانوا أغنياءَ. هجرته: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حين أراد الهجرة إلىٰ المدينة، قالت لَهُ قُرَيْشٌ: « أَتَيْتَنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا وَبَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُأَنْ تَنْطَلِقَ بِنَفْسِكَ وَمَالِكَ، وَاللَّهِ لا يَكُونُ ذَلِكَ. قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ تَرَكْتُ مَالِي لَكُمْ أَتُخَلُّونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَخَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ» . [فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ.] وَنَزَلَتْ فِيهِ: « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآيَةَ . عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ رضي اللهُ عنه مُهَاجِرًا نَحْوَ الْمَدِينَةِ [إلى مدينةِ رسولِ اللهِ ﷺ ] ، فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَنَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ، ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا أَرْبَعِينَ سَهْمًا ، ثُمَّ قَالَ: « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَرْمَاكُمْ رَجُلا. وَاللَّهِ [وايمُ اللهِ] لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّىٰ أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. فَافْعَلُوا ما شئتم. وإن شِئْتُمْ، دَلَلْتُكُمْ عَلَىٰ مَالِي [ وَقَدْ خَلَّفْتُ بِمَكَّةَ قَيْنَتَيْنِ فَهُمَا لَكُمْ ] وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي؟» قَالُوا: نَعَمْ. فَفَعَلَ(!) فَلَمَّا قَدِمَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالمدينةَ ، قَالَ: [رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَىٰ، رَبِحَ الْبَيْعُ ]. قَالَ: وَنَزَلَتْ: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ } » . [ إتحاف الخيرة المهرة؛ الحديث : إسناد ضعيف، وله شاهد وخرّجه : الحارث في : "مسنده"؛ (679) واللفظ له، وأبو نعيم في :"حلية الأولياء" (1 /151)] عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : "أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّةٍ ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَجَرًا أَوْ تَكُونَ يَثْرِبَ" قَالَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكُنْتُ قَدْ هَمَمْتُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ فَصَدَّنِي فِتْيَانُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُومُ وَلَا أَقْعُدُ ، فَقَالُوا : قَدْ شَغَلَهُ اللَّهُ عَنْكُمْ بِبَطْنِهِ وَلَمْ أَكُنْ شَاكِيًا ، فَقَامُوا فَلَحِقَنِي مِنْهُمْ نَاسٌ بَعْدَمَا سِرْتُ بَرِيدًا لِيَرُدُّونِي ، فَقُلْتُ لَهُمْ : هَلْلَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ أَوَاقِيَ مِنْ ذَهَبٍ وَتُخَلُّونَ سَبِيلِي ، وَتَفُونَ لِي فَتَبِعْتُهُمْ إِلَى مَكَّةَ؟ فَقُلْتُ لَهُمُ : احْفِرُوا تَحْتَ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ فَإِنَّ تَحْتَهَا الْأَوَاقِيَ ، وَاذْهَبُوا إِلَى فُلَانَةَ فَخُذُوا الْحُلَّتَيْنِ، وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا -يَعْنِي قُبَاءَ- ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ : " يَا أَبَا يَحْيَى ، رَبِحَ الْبَيْعُ " ثَلَاثًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ ، وَمَا أَخْبَرَكَ إِلَّا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ" قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قدم صهيب آخر الناس مع علي بن أبي طالب عليه السلام. وذلك للنصف من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء. ولم يرم بعد. فوافى رَسُول اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَابكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وبين أيديهم رطب قد جاءهم به كلثوم بن الهدم: أمهات جراذين . وكان صهيب رمد العين، قد رمد في الطريق، وأصابته مجاعة شديدة. فجعل يأكل الرطب أكل جائع. فقال عمر: يا رسول الله، ألا ترىٰ إلىٰ صهيب يأكل الرطب وهو رمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا صهيب، أتأكل الرطب وأنت رمد؟ فقال صهيب: إنما آكله بعيني الصحيحة. فتبسم رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال صهيب: إن قريشا أخذتني وحبستني، فاشتريت نفسي وأهلي بمالي، وبادرت للهجرة. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربح البيع] . وأنزل الله عز وجل: « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآية. - وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ . قالَ ابنُ عبَّاسٍ ، وأنسٌ : نزلت في صُهَيْبِ بنِ سنانٍ الرُّوميِّ وذلِكَ أنَّهُ لمَّا أسلَمَ بمَكَّةَ وأرادَ الهِجرةَ ، منعَهُ النَّاسُ أن يُهاجرَ بمالِهِ ، وإن أحبَّ أن يتجرَّدَ منهُ ويُهاجرَ ففَعلَ، فتخلَّصَ منهم وأعطاهم مالَهُ ، فأنزلَ اللَّهُ فيهِ هذِهِ الآيةَ ، فتلقَّاهُ عمرُ بنُ الخطَّابِ وجماعةٌ إلى طَرفِ الحرَّةِ فقالوا له : ربِحَ البيعُ فقالَ : وأنتُمْ فلا أخسَرَ اللَّهُ تجارَتَكُم وما ذاكَ ؟ فأخبَروهُ أنَّ اللَّهَ أنزلَ فيهِ هذِهِ الآيةَ ، ويُروَى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قال له: ربحَ البيعُ صُهَيْبُ ربحَ البيعُ صُهَيْبُ [عمدة التفسير الحديث أشار في المقدمة إلى صحته] عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُكَنَّى (أَبَا) يَحْيَىٰ. فَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ « يَا صُهَيْبُ، مَا بَالُكَ تَتَكَنَّىٰ، وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ؟ ». وَ « تَقُولُ إِنَّكَ مِنَ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّومِيِّ ». وَ « تُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ وَذَلِكَ سَرَفٌ فِي الْمَالِ » . فَقَالَ صُهَيْبٌ: « أَمَّا الْكُنْيَةُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّانِي أَبَا يَحْيَىٰ ». وَأَمَّا «النَّسَبُ فَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ. وَلَكِنَّ الرُّومَ سَبَوْنِي صَغِيرًا بَعْدَ أَنْ عَقِلْتُ أَهْلِي وَقَوْمِي وَعَلِمْتُ نَسَبِي ». وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي الطَّعَامِ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: « خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ النَّاسَ، وَأَفْشَى السَّلامَ ».] فَذَلِكَ الَّذِي يَحْمِلُنِي عَلَىٰ إِطْعَامِهِ» . [جامع المسانيد والسنن؛ الحديث : إسناده حسن. وانظر: فتح الباري لابن حجر؛ الحديث: جاء من طرق يقوي بعضها بعضاً] . وَأَمَّا الْقَوْلُ : إِنِّي لَا أُمْسِكُ شَيْئًا إِلَّا أَنْفَقْتُهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ، عَنِ الْحَسَنِ،قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقٌ الرُّومَ] . « صُهيبٌ سابقُ الروم ِ» [تاريخ الإسلام ؛ الحديث : مرسل صحيح؛ وتجد راوية عند: سير أعلام النبلاء؛ الحديث : إسناده جيد ". وجاء برواية « السُّبَّاقُ أربعةٌ: أنا سابقُ العربِ، وسلمانُ سابقُ فارسَ، وبلالٌ سابقُ الحبَشِ، وصُهيبٌ سابقُ الرُّومِ» . [البحر الزخار المعروف بمسند البزار؛ الحديث : لا نعلم راوه عن ثابت، عن أنس إلا عمارة بن زاذان". عَنْ عَامِرِ بن عبدالله ابن الزُّبَيْرِ،عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لأَهْلِ الشُّورَى فِيمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ: « وَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ » . عَنْ سَعِيدٍبْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لما تُوُفِّيَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-، نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا صُهَيْبٌ يُصَلِّي بِهِمُ الْمَكْتُوبَاتِ بِأَمْرِ عمر. فقدّموه. فصلىٰ علىٰ عمر. قالوا: وشهد صهيب بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : "مَا جَعَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَدُوِّ ، وَمَا كُنْتُ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ" . عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كَانَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: هَلُمُّوا: أُحَدِّثْكُمْ عَنْ مَغَازِينَا، فَأَمَّا أَنْ أَقُولَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَلا. فضائل لم تثبت بدليل " أن الصَّحابةَ تذاكروا فضلَ ما في القرآنِ فقالَ لَهم عليٌّ :" أين أنتُم من آية الكرسيِّ ؛ قالَ لي رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ « يا عليُّ سيِّدُ البشَرِ آدَمُ، وسيِّدُ العرَبِ مُحمَّدٌ؛ ولا فخرَ ، وسيِّدُ الفُرسِ سلمانُ، وسيِّدُ الرُّومِ صُهيبٌ، وسيِّدُ الحبشَةِ بلالٌ؛ وسيِّدُ الجبالِ الطُّورُ، وسيِّدُ الأيَّامِ يومُ الجمعةِ، وسيِّدُ الْكلامِ القرآنُ؛ وسيِّدُ القرآنِ البقرةُ؛ وسيِّدُ البقرةِآيةُ الْكرسيِّ » . نسبت روايته إلى: علي بن أبي طالب؛ انظر: قال ابن حجر العسقلاني؛ في : الكافي الشاف (41 ):" الحديث لم أجده". « ألَا إنَّ الجنَّةَ اشتاقَتْ إلى أربعةٍ مِن أصحابي فأمَرني ربِّي أنْ أُحِبَّهم فانتَدَب صُهَيبٌ الرُّوميُّ وبِلالُ بنُ رَباحٍ وطَلْحةُ والزُّبَيرُ وسَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ وحُذَيْفةُ بنُ اليَمَانِ وعمَّارُ بنُ ياسرٍ فقالوا يا رسولَ اللهِ مَن هؤلاءِ الأربعةُ حتَّى نُحِبَّهم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يا عمَّارُ أنتَ عرَّفكَ اللهُ المُنافِقينَ وأمَّا هؤلاءِ الأربعةُ فأحَدُهم علِيُّ بنُ أبي طالبٍ والثَّاني المِقدادُ بنُ الأسودِ الكِنديُّ والثَّالثُ سَلْمانُ الفارسيُّ والرَّابعُ أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ» [نسبت روايته إلى : علي بن أبي طالب؛ انظر: الطبراني؛ في : المعجم الأوسط ( 7 /305)؛ الحديث : لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا الضحاك ولا يروى عن قنبر إلا بهذا الإسناد تفرد به عامر] "نعمَ العبدُ صهيبٌ؛ لو لم يخفِ اللَّهَ لم يعصِهِ" تجده عند : السمهودي؛ في: الغماز على اللماز (327 )؛ الحديث : إنما هو من كلام عمر بن الخطاب في حق سالم ؛وتجده عند ملا علي قاري ؛ في : الأسرار المرفوعة (356 )؛ الحديث : قيل لا أصل له أو بأصله موضوع . وتجده عند مرعي الكرمي في : الفوائد الموضوعة ( 112 ) ؛ الحديث : لا أصل له . ونسبت روايته إلى عمر بن الخطاب؛ انظر : الزرقاني في: مختصر المقاصد (1153 )؛ الحديث : قول عمر . ذكره ابن قتيبة بلا إسناد . وابن العربي في : شرح الترمذي . وتجده عند : القاوقجي؛ في اللؤلؤ المرصوع ( 210 )؛ الحديث : لا أصل له في كتب الحديث. إنَّ اللهَ اختارَ مِنَ الملائِكةِ أربعةً: جِبريلُ ومِيكائيلُ وإسرافيلُ وعِزْرائيلُ، واختارَ مِنَ النَّبيِّينَ أربعةً: إبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمَّدٌ صلواتُ اللهِ عليهم، واختارَ مِنَ المُهاجِرينَ أربعةً: أبو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ وعليٌّ، واختارَ مِنَ المَوالي أربعةً: سَلْمانُ الفارِسيُّ وبِلالٌ الأسودُ وصُهَيْبٌ الرُّوميُّ وزيدُ بنُ حارِثةَ، واختارَ مِنَ النِّساءِ أربعةً: خَديجةُ ابنةُ خُوَيْلِدٍ ومريمُ ابنةُ عِمْرانَ وفاطِمةُ بنتُ محمَّدٍ وآسِيةُ ابنةُ مُزاحِمٍ، واختارَ مِنَ الأَهِلَّةِ أربعةً: ذو القَعدةِ وذو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبٌ، واختارَ مِنَ الأيَّامِ أربعةً: يومُ الجُمُعةِ ويومُ الفِطْرِ ويومُ النَّحْرِ ويومُ عاشُوراءَ، واختارَ مِنَ اللَّيالِي أربعةً: ليلةُ القَدْرِ وليلةُ النَّحْرِ وليلةُ الجُمُعةِ وليلةُ نِصْفِ شعبانَ، واختارَ مِنَ الشَّجَرِ أربعةً: السِّدْرةُ والنَّخْلةُ والتِّينةُ والزَّيْتونةُ، واختار مِنَ المَدائِنِ أربعةً: مكَّةُ -وهي البَلْدةُ- والمدينةُ وهي -النَّخلةُ- وبيتُ المَقدِسِ -وهي الزَّيْتونةُ- ودِمِشْقُ -وهي التِّينةُ-، واختارَ مِنَ الثُّغورِ أربعةً: إسكَنْدريَّةُ مِصرَ وقَزْوينُ خُراسانَ وعَبَّادانِ العِراقَ وعَسْقلانِ الشَّامَ، واختارَ مِنَ العُيونِ أربعةً: يقولُ في مُحكَمِ كتابِه: { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } [الرحمن: 50]، وقال: { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } [الرحمن: 66]؛ فأمَّا الَّتي { تَجْريانِ} فعَينُ بِيسانَ وعَينُ سلوان، وأمَّا {النَّضَّاخَتانِ } فعَينُ زَمْزَمٍ وعَينُ عَكَّا، واختارَ مِنَ الأنهارِ أربعةً: سيحان وجيحان والنِّيلُ والفُراتُ، واختارَ مِنَ الكلامِ أربعةً: سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ، ولا إلَه إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ. [نسبت راويته إلى: أبي هريرة؛ انظر: ابن عساكر؛ في : تاريخ دمشق (1 /221 )؛ الحديث : منكر بمرة. "خلَوتُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقلتُ: أيُّ أصحابِك أحَبُّ إليك قال : اكتَمْ عليَّ حياتي ؟ قلتُ : نعم . قال : أبو بكرٍ ثم عمرُ ، ثم عليٌّ . ثم سكت . فقلتُ : ثم من ؟ قال : مَن عسى أن يكون بعدَ هؤلاءِ إلا الزُّبيرُ، وطلحةُ وسعدٌ ، وأبو عُبَيدةُ ، ومعاذٌ ، وأبو طلحةَ ، وأبو أيوبٍ ، وأنتَ ، وأُبيُّ بنُ كعبٍ ، وأبو الدَّرداءِ ، وابنُ مسعودٍ ، وابنُ عفَّانٍ ، وابنُ عَوفٍ ، ثم هؤلاءِ الرهطُ من الموالي : سلمانُ، وصهيبُ ، وبلالُ ، وسالمٌ مَولى أبي حُذيفةَ ، هؤلاءِ خاصَّتي . نسبت روايته إلى : عبادة بن الصامت ؛ انظر: الذهبي؛ في: سير أعلام النبلاء ( 2/407 )؛ الحديث : منكر، وأخرجه الشاشي في مسنده (1215)، والطبراني كما في مجمع الزوائد للهيثمي (9/160)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء الراشدين (236) باختلاف يسير. خلوتُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلتُ: أيُّ أصحابِك أحبُّ إليك؟حتى أحبَّ من تحبُّ، قال: اكتمْه عليَّ ياعبادةُ حياتي؟ [قلتُ: نعم] ، قال: أبوبكرٍ، ثمَّ عمرُ، ثم عليٌّ. ثم سكتَ، فقلتُ: ثم من؟ قال: مَن عسى أن يكونَ بعد هؤلاءِ إلَّا الزُّبيرُ، وطلحةُ، وسعدٌ، وأبو عبيدةَ، ومعاذٌ، وأبو طلحةَ، وأبو أيوبَ، وأنت يا عبادةُ، وأبيُّ بنُ كعبٍ، وأبو الدرداءِ، وابنُ مسعودٍ، وابنُ عوفٍ ، وابنُ عفانَ، ثم هَؤُلاء الرهطُ من الموالي: سلمانُ، وبِلالٌ، وصهيبٌ، وسالمٌ: مولى أبي حذيفةَ. هؤلاء خاصتي، وكلُّ أصحابي عليَّ كريمٌ، إليَّ حبيبٌ، وإنْ كان عبدًا حبشيًّا [قال: قلتُ:] ولم نذكرْ حمزةَ ولا جعفرًا؟ فقال عبادةُ: إنهما كانا احتُسِبا يومَ سألتُ عن هذا، إنما كان هذا بأخَرةٍ، أو كما قال. رواه: عبادة بن الصامت؛ انظر : ابن كثير في : جامع المسانيد والسنن ( 5769 )؛ الحديث : غريب جدا . وأخرجه الشاشي في مسنده (1215)، والطبراني كما في مجمع الزوائد للهيثمي (9/160)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء الراشدين (236) باختلاف يسير. وفاته : قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو حُذَيْفَةَ- رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ صُهَيْبٍ- ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : " توفي صهيبٌ بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين. وكان وجلا أحمر شديد الحمرة، ليس بالقصير ولا الطويل، وهو إلىٰ القصر أقرب. وتوفي ابن سبعين سنة. وكان يخضب بالحناء. وكان كثير شعر الرأس. ودفن بالبقيع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) بحوث:﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل مِن السماء ﴾ سلسلة : السيرة النبوية العطرة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ- [ ٥ ] المجلد الخامس: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين باب : ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم- نال شرف قراءة الأصول؛ وبحث المراجع و المصادر وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث: د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ 15 شعبان 1442 هـ ~ 28 مارس 2021م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ الأحد، 15 شعبان، 1442 هــ (1) . (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
:(﴿« „٨٥‟» ﴾:" [٤]) عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ :(﴿« „٨٥‟» ﴾:" [٤]) عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ - وَيُكَنَّى أَبَاعَمْرٍو- وَسَأَلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَنْهُ فَقَالَ : « كَانَ مَنْ أَفْضَلِنَا؛ وَمِنْ أَوَّلِ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- » . ... من المفاهيم الخاطئة والتي شاعت بين العامة؛ وراجت وتقبلتها ؛ والتي يتشدق بها بعض الجهلة مفهوم : « أَوْلِيَاءُ اللَّهِ »... ويستدلون خطأً بالآية الكريمة والتي نطق بها القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين في قوله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون } [يونس:62] ... والخطأ يعود أنهم يحصرونهم [ أي : أَوْلِيَاء اللّهِ ] في فئة الدراويش أو بعض اقطاب أو مَن يتبع الطرق الصوفية؛ بيد أن الذكر الحكيم يوضح هذه القضية بقوله -تعالىٰ- : { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون } [الأنفال:34]... وهذا وصف قرآني دقيق : « أولياء الله » : هم " المتقون "... ثم يزيد القرآن الكريم المسألة وضوحاً فيقول: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } [الأنفال:72] ... وتكتمل الصورة البلاغية بقوله -تعالىٰ- : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم } [الأنفال:74] فجاء وصف قرآني بأنهم : - « المتقون » و زاد الوصف بياناً بأنهم: - « المؤمنون حقاً »... وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله، ويأتي التعبير القرآني قاطعاً وموضحاً بقوله -تعالىٰ- : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم } [التوبة:71] ... .. ثم يلتقط خيط التأويل ابن تيمية في فتاويه فيبين لنا هذا المفهوم الإسلامي قراءةً تفسيرية لآية التوبة هذه فيقول: " ... فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ 1. ] يَفْعَلُونَ مَا أَمَرَ بِهِ وَ 2.] يَنْتَهُونَ عَمَّا عَنْهُ زَجَرَ ؛ وَ 3.] يَقْتَدُونَ بِهِ فِيمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيهِ فَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ وَرُوحٍ مِنْهُ وَيَقْذِفُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَنْوَارِهِ وَلَهُمْ الْكَرَامَاتُ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ . وَخِيَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتُهُمْ لِحُجَّةِ فِي الدِّينِ أَوْ لِحَاجَةِ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَتْ مُعْجِزَاتُ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَلِكَ. وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ(!) تَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلُ : 1.] انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَ 2.] تَسْبِيحِ الْحَصَا فِي كَفِّهِ وَ 3.] إِتْيَانِ الشَّجَرِ إلَيْهِ وَ 4.] حَنِينِ الْجِذْعِ إلَيْهِ وَ 5.] إِخْبَارِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِصِفَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ 6.] إِخْبَارِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَ 7.] إِتْيَانِهِ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَ 8.] تَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً كَمَا أَشْبَعَ فِي الْخَنْدَقِ الْعَسْكَرَ مِنْ قِدْرِ طَعَامٍ وَهُوَ لَمْ يَنْقُصْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَشْهُورِ ... وَأَرْوَى الْعَسْكَرَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ مَزَادَةِ مَاءٍ وَلَمْ تَنْقُصْ ... وَمَلَأ أَوْعِيَةَ الْعَسْكَرِ عَامَ تَبُوكَ مِنْ طَعَامٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْقُصْ وَهُمْ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ... وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً حَتَّى كَفَى النَّاسَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كَمَا كَانُوا فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةَ نَحْوُ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَ 9.] رَدِّهِ لِعَيْنِ أَبِي قتادة حِينَ سَالَتْ عَلَى خَدِّهِ فَرَجَعَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ. *** .. ولعل لضيفنا في هذا الفصل الخامس -من بحثي؛ والحمد لله رب العالمين وأشكره على تفضله وكرمه - نصيب من تلك الكرامات؛ فهو من خيار أولياء الله -تعالىٰ- الذي ساروا علىٰ خطىٰ الحـــبـــيــب؛ وقاموا بدور رائع في هجرته الشريفة ... إذ لا يصح حصر مفهوم :« أَوْلِيَاءُ اللَّهِ » في فئة دون سواها أو افراد لا يتعدون غيرهم. ** عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مُوَلَّدٌ مِنْ مُوَلَّدِي الأزد، مملوكاً -أولاً- للطفيل بن عبدالله بن الحارث ابن سخبرة بن جرثومة، من ولد نصر بن زهران. وكان الطفيل أخا عائشة ابنة أبي بكر لأمها أم رومان... أَسْوَدُ اللَّوْنِ... اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنْهُمْ؛ فكان مَوْلَىٰ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- . فــ كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَزْدِيًّا صَرِيحًا؛ فَلَحِقَهُ الرِّقُّ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ فُهَيْرَةَ أَمَةَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِلطُّفَيْلِ أَخِي لأُمِّي. فَأَسْلَمَ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهِ مَنِيحَةَ غَنَمٍ لَهُ. ** إسْلَامُ عَامِرِ بْنِ فَهَيْرَةَ كان عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ قديم الإسلام قبل دخول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دار الأرقم بْن أبي الأرقم - الَّتِي [كاتت] عِنْدَ الصَّفَا - مُسْتَخْفِيًا. وقالوا: وَكَانَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ بمكة ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ حتىٰ اشتراه أبو بكر (!). ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ بِلَالٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ سِتَّ رِقَابٍ ، بِلَالٌ سَابِعُهُمْ؛ منهم: مَوْلَاهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ. * دوره في حادثة الهجرة النبوية: وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مَوْلَاهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَنْ يَرْعَىٰ غَنَمَهُ نَهَارَهُ ، ثُمَّ يُرِيحَهَا عَلَيْهِمَا لَيْلًا مَنْحَةً مِنْ غَنَمٍ ، فيَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَىٰ فِي الْغَارِ ؛ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَاجَتَهُمَا . حَتَّىٰ تَذْهَبَ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ ، وَهُوَ لَبَنُ مَنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّىٰ يَنْعَقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغِلْسٍ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ ؛ فيسقيهما مِن لبنها. ...وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَأْتِيهِمَا بِالطَّعَامِ ... وَيَأْتِيهِمَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِالْأَخْبَارِ ... ثُمَّ يَتْلُوهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِالْغَنَمِ فَيُعَفِّي آثَارَهُمَا . وهذا دورٌ آخر لسيدنا عامر! رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا [ الْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ ] وَهُوَ عَلَىٰ دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلَاثٍ فَارْتَحَلَا وَارْتَحَلَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [وكان معهما حين هاجر إلىٰ المدينة يخدمهما.] وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ طَرِيقَ السَّاحِلِ . وهذه خصوصية له -رضي الله تعالىٰ- عنه . كِتَابُ أَمْنٍ؛ كتبه عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فِي رُقْعَةٍ لــ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ : ونزل بالمدينة علىٰ سعد بن خيثمة. وآخا رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين الحارث بن أوس بن معاذ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ ، دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّىٰ قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَــ قَالَ يَا سُرَاقَةُ: " إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ "، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: " إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا "، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ ... فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّىٰ أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّىٰ دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَىٰ كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّىٰ إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّىٰ بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّىٰ جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ لَهُ: " إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيك َالدِّيَةَ "، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي، إِلَّا أَنْ قَالَ: « أَخْفِ عَنَّا...« ... فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذه خصوصية آخرىٰ له -رضي الله تعالى- عنه . قال صاحب البداية والنهاية في تاريخه: " وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِسُرَاقَةَ هَذَا الْكِتَابَ .فَاللَّهُ أَعْلَمُ. خصوصية الشهادة في سبيل الله .... وما فعلته الملآئكة معه: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا... إذَنْ استشهد عامر بن فهيرة يوم بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة. وكان يوم قتل ابن أربعين سنة. وكان يكنىٰ أبا حمد. قلت (الرمادي) : "ولعلها آخرىٰ غير الأولىٰ". وروىٰ أن جبار بن سلمىٰ الكلابي طعن عامراً يومئذ. وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَلَمَّا طُعِنَ قَالَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ:: « فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»... ! أي بالجنة!!؛ ورفع مِن رمحه، وَلَمْ تُوجَدْ جُثَّتُهُ لِتُدْفَنَ مَعَ الْقَتْلَىٰ ، فَقِيلَ : « إِنَّ الْمَلَائِكَةَ دَفَنَتْهُ «(!!!).. [فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: " إن الملائكة أخذته فوارت جثته". .. قلت(الرمادي):"لم أجده"] فأسلم جبار لما رأىٰ، وحسن إسلامه. عن ابن شهاب قال: أخبرني رجال من أهل العلم أن عامر بن فهيرة قتل يوم بئر معونة، فلم يوجد جسده... حين دفنوا القتلىٰ. قال عروة: « فكانوا يرون أن الملائكة دفنته ». ويقول ابن تيمية : وَ "عَامِرُ بْنُ فهيرة: قُتِلَ شَهِيدًا فَالْتَمَسُوا جَسَدَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ... وَكَانَ لَمَّا قُتِلَ رُفِعَ فَرَآهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَقَدْ رُفِعَ ... وَقَالَ: عُرْوَةُ: فَيَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ .". ثم تتبعتُ الرواية هذه فوجدتها عند : - ابن الأثير في الكامل في التاريخ ؛ كما ذكرها: -البخاري مرسلة و -ذكرها ابن حجر العسقلاني في شرحه لــ (فتح الباري) على الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري. ثم راجعتُ فتح الباري فوجدتُ :" رِوَايَةَ عُرْوَةَ" وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ جَبَّارُ بْنُ سَلْمَىٰ، ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ قَالَ : «فُزْتُ وَاللَّهِ» قَالَ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : "مَا قَوْلُهُ فُزْتُ؟"، فَأَتَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ :" بِالْجَنَّةِ " . قَالَ : " فَأَسْلَمْتُ ، وَدَعَانِي إِلَىٰ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ مِنْ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ ". ولعلها كرامة -اسألُ الله تعالىٰ أن يكرمنا بها- ثم .. لا أقول فيها غير :"والله اعلم ! ". (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [ ٥ ] الفصل الخامس من بحث أذىٰ المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. ومن تبعه بإحسان مِن المسلمين الأوائل المكرمين. نال شرف قراءة المراجع ومتابعة المصادر؛ وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث: (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) الإثنين، 12 شوال، من العام الهجري 1442 هــ الموافق: 24 مايو، 2021 من الميلاد العجيب لعيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-* |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
86 : أَبُو فُكَيْهَةَ! : [86 أَبُو فُكَيْهَةَ ] . ( ﴿« „٨٦‟» ﴾:" [٥]) : أَبُو فُكَيْهَةَ رجالٌ -مِن المستضعين- نزل فيهم الذكر الحكيم وذكرهم القرآن الكريم! *.] لم استطع ضبط اسمه -رضي الله تعالىٰ عنه- فقد ورد في آحدىٰ المصادر[ (1) ] : " أَبُوفَكِيهَةَ". *.] وَاسْمُهُ أَفْلَحُ ، وَ *.] قِيلَ يَسَارٌ ، وَ *.] كَانَ عَبْدًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ ، *.] أَسْلَمَ مَعَ بِلَالٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُما- ، فَأَخَذَهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَرَبَطَ فِي رِجْلِهِ حَبْلًا ، وَأَمَرَ بِهِ فَجُرَّ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الرَّمْضَاءِ ، وَ مَرَّ بِهِ جُعَلٌ[ (2) ]. فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: "أَلَيْسَ هَذَا -جُعل- رَبَّكَ ؟". فَقَالَ :« اللَّهُ رَبِّي... وَرَبُّكَ... وَرَبُّ هَذَا »، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا ، وَمَعَهُ أَخُوهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَقُولُ : زِدْهُ عَذَابًا حَتَّى يَأْتِيَ مُحَمَّدٌ فَيُخَلِّصَهُ بِسِحْرِهِ ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَىٰ تِلْكَ الْحَالِ حَتَّىٰ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- فَاشْتَرَاهُ وَأَعْتَقَهُ. وَ *.] قِيلَ[ (3) ] : إِنَّ بَنِي عَبْدِالدَّارِ كَانُوا يُعَذِّبُونَهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْلًى لَهُمْ ، وَكَانُوا يَضَعُونَ الصَّخْرَةَ عَلَىٰ صَدْرِهِ حَتَّىٰ دُلِعَ لِسَانُهُ فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْدِينِهِ ، وَهَاجَرَ وَمَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ . [ (4) ] . *.] وإذا عدنا إلىٰ ما قيل بأن اسمه - رضي الله تعالىٰ عنه - يسارا فنقرأ : "يسار أبو فكيهة" وَذَكَرَ يسارا أبا فكيهة مولىٰ صفوان بن أمية فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ ، وَقَدْ قَالَهُ مصدر[ (5 ) ]. فَــــ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ جَلَسَ إِلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ : خباب ...وعمار ... وأبو فكيهة يسار مولىٰ صفوان بن أمية ... وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ...وَأَشْبَاهُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَزَأَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ ، هَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَالْحَقِّ ، لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ بِهِ وَلَا خَصَّهُمُ اللَّهُ دُونَنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ :{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }[ (6) ]الْآيَاتِ . -*-*- ولعلي يجب عليَّ أن اثبت ما قاله صاحب حلية الأولياء؛ أبو نعيم:« قَالَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- : قَدْ أَتَيْنَا عَلَىٰ مَنْ ذَكَرَهُمُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَنَسَبَهُمْ إِلَىٰ تَوْطِينِ الصُّفَّةِ وَنُزُولِهَا وَهُوَ أَحَدُ مَنْ لَقِينَاهُ وَمِمَّنْ لَهُ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ بِتَوْطِئَةِ مَذْهَبِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَتَهْذِيبِهِ عَلَىٰ مَا بَيَّنَهُ الْأَوَائِلُ مِنَ السَّلَفِ، مُقْتَدٍ بِسِيمَتِهِمْ . مُلَازِمٌ لِطَرِيقَتِهِمْ ، مُتَّبِعٌ لِآثَارِهِمْ ،مُفَارِقٌ لِمَا يُؤْثَرُ عَنِ الْمُتَخَرِّمِينَ الْمُتَهَوِّسِينَ مِنْ جُهَّالِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ ، مُنْكِرٌ عَلَيْهِمْ ، إِذْ حَقِيقَةُ هَذَا الْمَذْهَبِ عِنْدَهُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَّغَ وَشَرَعَ ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ وَصَدَعَ ، ثُمَّ الْقُدْوَةِ الْمُتَحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَرُوَاةِ الْآثَارِ ، وَحُكَّامِ الْفُقَهَاءِ . وَلِذَلِكَ ضَمَمْتُ إِلَيْهِمَا ذَكَرَهُ الأغر الأبلج أبو سعيد بن الأعرابي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (!) وَكَانَ أَحَدَ أَعْلَامِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ ، وَلَهُ التَّصَانِيفُ الْمَشْهُورَةُ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ وَأَحْوَالِهِمْ وَالسِّيَاحَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَاقْتِبَاسِ آثَارِهِمْ . وَأَقْتَفِي فِي بَاقِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِ التَّابِعِينَ حَذْوَهُ إِذْ هُوَ شَرَعَ فِي تَأْلِيفِ طَبَقَاتِ النُّسَّاكِ ، وَأَقْتَصِرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَىٰ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ وَأَذْكُرُ لَهُمْ حَدِيثًا مُسْنَدًا إِنْ وُجِدَ ، وَحِكَايَةً وَحِكَايَتَيْنِ إِلَىٰ الثَّلَاثِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَىٰ مُسْتَعِينًا بِهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَىٰ جَمِيلِ كِفَايَتِهِ إِذْ هُوَ الْوَلِيُّ وَالْمُعِينُ» . [ (7)] ثم كتب يقول: « ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِنْ سُكَّانِ الصُّفَّةِ؛ وَقُطَّانِ الْمَسْجِدِ تَرَكَ ذِكْرَهُمُ السلمي وابن الأعرابي »[ (8) ]. وهنا ؛ قلت (الرمادي): بعد النقل يتبين حال القوم وما هم عليه اليوم وما كانوا في سابق زمانهم؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". *.] قَالَ[ (9) ] :" كَانَ أَبُو فُكَيْهَةَ يُعَذَّبُ حَتَّىٰ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ "[ (10)]. فَــ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا }.[ (11)] *.] وبخصوص ما نزل علىٰ قلب خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين محمد بن عبدالله -ﷺ- قالت قُرَيْشٌ -وَذَلِكَ أَنْ بَعْضَهُمْ قَالُوا- : هَذَا كَذِبٌ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ ، وَ *.] اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُعِينِينَ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ زَعْمِ قُرَيْشٍ -فَقَالَ مُجَاهِدٌ -رحمه الله تعالىٰ-: أَشَارُوا إِلَىٰ قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ[ (12) ] ، وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَشَارُوا إِلَىٰ عَبِيدٍ كَانُوا لِلْعَرَبِ مِنَ الْفَرَسِ[ (13) ] ، أَحَدُهُمْ : 1.]أَبُوفَكِيهَةٍ مَوْلَىٰ الْحَضْرَمِيِّينَ ، وَ 2.] جَبْرٌ ، وَ 3.] يَسَارٌ ، وَ 4.] عَدَّاسٌ ، وَغَيْرُهُمْ. ثُمْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ -من زَعْمِ قُرَيْشٍ -مَا جَاؤُوا إِلَّا إِثْمًا وَزُورًا، أَيْ: مَا قَالُوا إِلَّا بُهْتَانًا وَزُورًا[ (14) ]. وَ "الزُّورُ": تَحْسِينُ الْبَاطِلِ، هَذَا عُرْفُهُ، وَأَصْلُهُ التَّحْسِينُ مُطْلَقًا،"[ (15)]. إذاً: "اخْتُلِفَ[ (16) ] فِي اسْمِ مَنْ أَرَادَهُ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَعْلِيمِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ[ (17)]: أذكر منهم : أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا لِامْرَأَةٍ بِمَكَّةَ، يُقَالُ لَهُ أَبُو فَكِيهَةَ، كَانَ يَغْشَىٰ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ، فَــ قَالُوا لِمَوْلَاتِهِ احْبِسِيهِ فَحَبَسَتْهُ، وَ قَالَتْ لَهُ: „ اكْنِسِ الْبَيْتَ‟ ... وَ „ كُلْ كِنَاسَتَهُ ‟ ، فَــ فَعَلَ وَقَالَ: « وَاللَّهِ مَا أَكَلْتُ أَطْيَبَ مِنْهُ وَلَا أَحْلَىٰ »، وَ كَانَ يَسْأَلُ مَوْلَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَحْبِسَهُ فَلَا تَفْعَلُ. [ (18)]". وجاء في مصدر[ (19) ]." وَالرَّابِعُ :أَبُو فُكَيْهَةَ الرُّومِيُّ... [ (20)].. *.] لذا فقد قيل أنه : - رومي ... وأنه من - أهل فارس .. وأنه من - أهل الكتاب دون تحديد؛ ثم قيل أنه من - يهود... ولعلي أعود لمراجعة هذه الجزئية من البحث مع التدقيق والتحقيق إذا تيسر لي الحصول على مراجع تفيد(!!!؟). *.] ومما يتشرف به المرء أن ينزل مِن رافع السماء بغير عمد نراها بواسطة أمين السماء الملك جبريل علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله -ﷺ- قرآنا يتلىٰ إلىٰ يوم القيامة؛ فقد ذكر رجال[ (21) ] التفسير وأهل التأويل أن فِي سَبَبِ نُزُولِ: قَوْله تَعَالَىٰ : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُأَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ}: رُوِيَ أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا : إنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا يَسَارُ أَبُو فَكِيهَةَ مَوْلًى مِنْ قُرَيْشٍ ، وَسَلْمَانُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [ (22)] . وَالتحقيق[ (23) ] : هَذَا يَصِحُّ فِي يَسَارٍ ، لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ ، وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ ؛ وَ أَمَّا سَلْمَانُ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا بِالْمَدِينَةِ ، وَقَدْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ النَّاسِ. [ (24)]. *.] { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين } [ (25) ]... فقال[ (26)] : "اخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الَّذِي قَالُوا إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ علىٰ ثمان أقوال ؛ منها : « يَسَارٌ أَبُوفَكِيهَةَ» مَوْلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ ". قَالَ[ (27) ]: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تعالىٰ :{ قَوْمٌ آخَرُونَ } [ (28) ] أَبُو فَكِيهَةَ مَوْلَى بَنِي الْحَضْرَمِيِّ وَعَدَّاسٌ وَجَبْرٌ ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ[ (29)]. : {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ } [(30) ] أَيْ : عَلَىٰ الِاخْتِلَاقِ قَوْمٌ آخَرُونَ يَعْنُونَ : مِنَ الْيَهُودِ . قِيلَ وَهُمْ :أَبُو فُكَيْهَةَ يَسَارٌ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّ، وَعَدَّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى ، وَجَبْرٌ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْيَهُودِ "[ (31)]. ثم أكمل[ (32) ] البحث فقال :" { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ } أَيْ عَلَىٰ مَا يَقُولُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْمٌ آخَرُونَ لَقَّنُوهُ بَعْضَ مَا يَقُولُهُ . وَأَرَادُوا بِالْقَوْمِ الْآخَرِينَ الْيَهُودَ[ (33) ] . رُوِيَ هَذَا التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشَارُوا إِلَى عَبِيدٍ أَرْبَعَةٍ كَانُوا لِلْعَرَبِ مِنَ الْفُرْسِ وَهُمْ : عَدَّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى ، وَيَسَارٌ أَبُو فَكِيهَةَ الرُّومِيُّ مَوْلَى الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، وَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُحَرِّثٍ ، ، وَجَبْرٌ مَوْلَى عَامِرٍ. وَ كَانَ هَؤُلَاءِ مِنْ مَوَالِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ مِمَّنْ دَانُوا بِالنَّصْرَانِيَّةِ ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، ثُمَّ أَسْلَمُوا ". "فَزَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَىٰ هَؤُلَاءِ سِرًّا وَيَسْتَمِدُّ مِنْهُمْ أَخْبَارَ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ[ (34)]. -*- اضطربت الروايات في وصفه وترجمته فقد جاء[ (35) ] :" قِيلَ: أَبُو فَكِيهَةَ أَعْجَمِيٌّ : مَوْلَى لِامْرَأَةٍ بِمَكَّةَ. قِيلَ : وَاسْمُهُ يَسَارٌ وَكَانَ يَهُودِيًّا ؛ قَالَهُ : مُقَاتِلٌ ، وَابْنُ جُبَيْرٍ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَانَ يَهُودِيًّا . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ رَجُلًا حَدَّادًا نَصْرَانِيًّا اسْمُهُ عَنَسٌ . وَقَالَ حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ: “ كَانَ لَنَا غُلَامَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ ، «يَسَارٌ» وَ «حَبْرٌ» ، كَانَا يَقْرَآنِ كُتُبًا لَهُمَا بِلِسَانِهِمْ ، وَكَانَ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِهِمَا فَيَسْمَعُ قِرَاءَتَهُمَا ” [ (36)]. قِيلَ : “ وَكَانَا حَدَّادَيْنِ يَصْنَعَانِ السُّيُوفَ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : يَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا ، فَقِيلَ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ فَقَالَ : بَلْ هُوَ يُعَلِّمُنِي[ (37)].”. قلت (الرمادي) : تعددت المصادر الأصلية في ترجمة ضيف هذه الفصل من بحث المستضعفين في عهد النبوة؛ الفترة المكية من مرحلة السيرة المحمدية؛ ولي عودة إذا شاء رب العالمين ويسر لي الحصول علىٰ مراجع أصلية تنهي مسائل الخلاف؛ فاستمد منه العون وأطلب منه التوفيق وارجوه الصواب؛ فهو-سبحانه وتعالى- علىٰ كل شئ قدير. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ السيرة النبوية العطرة صَلَّىٰ اللَّهُ - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ صاحبها وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ؛ وعلىٰ من أتخذ منهاجه طريقه واستعمل سنته في حياته د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ الهوامش؛ تطلب من صاحب البحث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ [ 5 ] الفصل الخامس من بحث أذىٰ المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. ومن تبعه بإحسان مِن المسلمين الأوائل المكرمين. نال شرف قراءة المراجع ومتابعة المصادر؛ وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث: د. محمدالرمادي". الأربعاء، 16 يونيو، 2021 م * ~ 07 ذو القعدة، 1442هــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) |
[ 87جَارِيَةُ مِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ] . * [ 87 جَارِيَةُ مِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ ] . ( ﴿ « „ ٨٧ ‟» ﴾ :" [٦]) :" جَارِيَةُ مِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ ما زال كاتب هذه الأبحاث -باحثاً- يتقدمه موقع ملتقى أهل العلم - متفضلا بالنشر - يبحث وينقب ويراجع ويحقق ويدقق في مسائل الفترة المكية الزاهرة من عهد النبوة الفاخر؛ خاصة ونحن مازلنا نبحث: « الأَحْدَاثُ مِنْ نُزُولِ الوَحْي إِلَىٰ قُبيل الهِجْرَةِ » والحديث ما زال عن الأوائل الذين تقدموا بخطوات ثابتة في طريق الإيمان ودرب العقيدة مع ما لاقوا مِن عنت ومطاردة وتعذيب بل تجويع وقتل؛ وايضاً مَن وقف بجوارهم لنقدم -الباحث والموقع- نموذجاً فريدا لمَن يريد أن يسير علىٰ نفس الدرب بوعي فكري صحيح واستنارة فهمية واضحة لأحداث الأمس لإنزالها علىٰ الواقع اليومي المعاش... ونبدءُ بالقول : في تاريخ الدعوة والإيمان والصبر علىٰ الأذىٰ نسجل فيه عمالقة وأبطال وأفذاذ، وأناس صدقوا ما عاهدوا الله -تعالىٰ- عليه ... فقدموا أروع الأمثلة في القناعة التامة لهذا الدين مع حبه والتضحية مِن أجله... وقد جمع هذا الطريق بين رجال ونساء أشهدوا الله -سبحانه وتعالى- علىٰ ما في قلوبهم مِن صدق الإيمان وقوة العقيدة، وأعلنوا لله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- ثم مِن بعد للناس الذين قاموا بتعذيبهم أعلنوها قوية صريحة بالوحدانية، وأقروا له -وحده- بحق الألوهية والعبودية؛ والربوبية.. فنالتهم أيدي المجرمين بالأذىٰ والتنكيل، وجرت عليهم آلة التعذيب ليردوهم عن دينهم ويصدوهم عن عقيدتهم -إن استطاعوا-، ولكنهم صبروا أمام صنوف العذاب، وشمخوا بالإيمان، وسموا بالعقيدة، وأثبتوا في كتاب التاريخ سطورا من نور أذهلت كل مَن اطلع عليها مِن موافق أو مخالف معارض.. لقد ضم درب الصبر والثبات وطريق التضحيات رجالا أفذاذا أبطالا، راسخة عقيدتهم رسوخ الجبال، شامخة قلوبهم ونفوسهم شموخ عقيدتهم التي بين جنوبهم.. وقد ضم هذا الطريق إلىٰ جانب الرجال نساء لم يكن حظهن من الإيمان والصبر والثبات والتضحية أقل من حظوظ الرجال، وحق لنا أن نفخر بهنَّ ونفتخر، وأن نظهر بطولاتهن وجهادهن؛ ليتعلم منها أبناؤنا وبناتنا وليكون للمرأة المسلمة مثلا تحتذيه وأنموذجا تقتديه.. فلقدكانت لقريش صولة وانبساط بالأذىٰ علىٰ مَن آمن مِن أولئك الضعفاء حتىٰ لقد تجاوزوا به حد التعذيب والإيلام، إلىٰ الافتنان في التمثيل، والتأنق في التنكيل[(1)]والتقتيل... ومِن أولئك اللواتي استعذبن العذاب[(2)] : „ جَارِيَةُمِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ‟... جَارِيَةُ بَنِي مُؤَمَّلٍ -رضي الله عنها- أُثبتُ أولاً اسمها الأول : * . ] لُبَيّنَةُ جاريةُ بني المؤمل بن حبيب بن تَميم بْن عَبْدِاللَّهِ بْن قرط بْن رزاح [(3)] ابن عدي بن كعب. يقال لها[(4)] ، فيما ذكر أبو البختري، لبينة. وانها كما قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد[(5)]: « قال البلاذري: وكان يقال لها فيما ذكر أبو البختري: لَبِيبة ». [(6)] والذي في أنساب الأشراف[(7)]، ونسخة خطية من الإصابة- كما ذكر محققوه-: «لُبَيّنة»، تصغير لَبنة. [(8)] وكذا ضبطها الزرقاني في شرح المواهب؛ فقال: بــ "لام"موحدة، تصغير لبنة. نُقل عن ابن حجر أنه ذكرها في الإصابة كذلك. [(9)] في المحبر[(10)]: « أسماء من أعتقهم أبو بكر -رحمه الله- ممن كان يعذب في الله -تعالىٰ ذِكره-: - «بلال بن رباح»... - و « زنيرة » جارية بنى عمروبن مؤمل العدوى ». قلتُ[(11)]: وهو خطأ؛ فــ « زنيرة » غير « جارية » بني عمرو بن مؤمل العدوى، والظاهر أنه سقطت واو بين « زنيرة » و « جارية ». وصواب العبارة: « وزنيرة و جارية بنى عمرو بن مؤمل العدوى». [(12)] * . ] : اسم الشهرة[(13)] : جارية بني عمرو بن المؤمل. * . ]: فهي إذاً : " صحابية ". * . ] : إسلامها : أسلمت -رضي الله عنها- قبل إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه [(14)]:" فقد أسلمت بمكة قديما، في أول عهد الإسلام ". * . ] : فضائلها ومواقفها[(16)] : بسبب إسلامها -رضي الله عنها- بمكة قديما[(17)] كانت -رضي الله عنها- ممن عُذب في سبيل الله[(18)] . * . ] : قال حسان بن ثابت: " قدمتُ مكةَ معتمرا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس، وأصحابه يُؤذون ويعذبون، فوقفتُ علىٰ عمر وهو مؤتزر يخنق جاريةَ بني عمر بن المؤمل حتىٰ تسترخي في يديه، فأقولُ: قد ماتت. ثم يخلي عنها، ثم يثب علىٰ زنيرة، فيفعل بها مثل ذلك".[(19)] * . ] تَعْذِيبُ جَارِيَةِ بني عمرو بَنِ المُؤَمَّلٍ: فــ مِنَ الذِينَ عُذِّبُوا جَارِيَةٌ لِبَنِي مُؤَمَّلٍ -وهُمْ حَيٌّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ- وَكَانَ الذِي يُعَذِّبُهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- [ قبل أن يسلم -وَكَانَ عَلَىٰ الشِّرْكِ ]، فَيُعَذِّبُهَا ... فلا يزال يضربها بالسياط، حتىٰ إذا مَلّ [حتَّىٰ يَمَلَّ] [(20)] فيَقُولُ لَهَا :« إنِّي اعْتَذِرُ إلَيْكِ،إنِّي لَمْ أتْرُكْكِ إِلَّا مَلَالَةً »؛ فتَقُولُ -رضي اللَّه عنها-:« كذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ ».[(21)]. * . ]: مواقف مع الصحابة -رضي الله عنهم- : كانت -رضي الله عنها- ممن يعذب في الله -تعالىٰ-، فابتاعها أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-. [(22)] فأعتقها. [(23)] ونستدل بما روي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني هشام بن عروة بن الزبير،عن أبيه قال:... « ومر أبوبكر بجارية بني مؤمل، حي من بني عدي بن كعب، وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك، وهو يضربها حتىٰ إذامل قال: إني أعتذر إليك أني لم أتركك إلا ملالة، فعل الله بك. فتقول: كذلك فعل الله بك. فابتاعها أبو بكر فأعتقها. [(24)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ بحوث: السيرة النبوية العطرة صَلَّىٰ اللَّهُ - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ صاحبها وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ؛ وعلىٰ من أتخذ منهاجه طريقه واستعمل سنته في حياته د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الثلاثاء، 06 يوليو،2021 م ~ 27 ذو القعدة، 1442هــ (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) |
[ 88 زِنِّيرَةُ] * [ 88 زِنِّيرَةُ] ﴿« „ ٨٨‟» ﴾:" [ ٧ ] :" صحابِيَّةٌ رُومِيَّةٌ ﴿ زِنِّيرَةُ[(1)] ﴾. مدخل للموضوع وتمهيد : ما زلتُ أبحث في العهد الأول؛ المرحلة الأولىٰ للبعثة المحمدية؛ وهي خاتمة الرسالات والتي نزلت علىٰ قلبِ خاتم الأنبياء؛ وآخر المرسلين؛ ومتمم المبتعثين، رسول رب العالمين للبشر أجمعين .. وهذا العهد يطلق عليها «الفترةالمكية»؛ بما استغرقت مِن وقت يتعدىٰ عشر[(2)] سنوات... وبما فيها مِن أفكار ومبادئ وقيم ومفاهيم وقناعات ومقاييس غريبة عن المجتمع المكي بل صادمة له؛ ومعارضة لما هو موجود في بقية أجزاء العالم وقتذاك بأسره.. قيم وقناعاتومفاهيم أُنْزِلَت بواسطة أمين السماء.. مَلٰك الوحي «جبريل» -عليه السلام- مِن مالك المُلك ومُصرف الكون ؛ والذي أمره بين الكاف والنون يقول للشئ :"كن" فيكون وفق تدبيره وهو خالق الكون الإنسان والحياة -سبحانه وتعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- من العدم ترافقها أحداث وتلازمها مواقف مِن مَن أمن بالله رباً واحدا فردا صمدا؛ فلا يجوز أن يكون له صاحبةَ ولا يصح أن يكون له ولد.. إذ أن -العهد/الفترة المكية- هي الأساس المتين والركن الشديد والقاعدة الراسخة لما ستليها مِن مراحل؛ وستبنىٰ عليها، خاصةً والتي تليها مباشرة؛ أي «العهد المَدَنيّ» وإيجاد أول كيان إسلامي يطبق المنهاج المُحمدي تطبيقا عملياً؛ وينفذ الشريعة الإسلامية تنفيذاً بشرياً وفق اجتهاد أهل العلم ورجال الفقه فتتبلور فيه الطريقة المُحمدية العملية كطريقة عيش خاص؛ واسلوب متميز في/مِن الحياة؛ وكيفية معينة مِن طراز خاص لا مثيل له لمجموعة مِن الناس، أمنوا بهذه المجموعة مِن القيم والمقاييس وتلك الحزمة مِن القناعات والمفاهيم والأفكار.. جميعها تُبين وجهة النظر في الحياة المعاشة للإنسان وتعطي حكماً مفهوماً للحياة الآخرىٰ؛ أي المبدأ الإسلامي بفكرته وتلازمه طريقته والذي هو قابل للتطبيق؛ وليس مجرد نظريات (فلسفية) تسطر على صفحات الكراريس وحين تصطدم بالواقع المعاش تنهار.. أو اطروحات فكرية تُدَون في الدواوين دون أن تصاحبها طريقة عملية وتلازمها كيفية تنفيذية؛ إذ أن مَن سيأتي مِن بعد تلكما العهدين -المكي والمدني-؛ وبعد أن أنتقل صاحب الرسالة العصماء إلىٰ الرفيق الأعلىٰ ينبغي عليه بل يجب أن يدرس بعمق ويفهم بوعي ويفقه باستنارة مجموعة الأفكار ويعي حزمة القيم وتسلسل الأحداث ليتمكن مِن الإدراك التام لرسالة خاتم الأنبياء؛ فيسهل عليه إيجاد مجتمع أقرب ما يكون إلىٰ المجتمع المَدَنِيّ؛ نسبة إلىٰ مدينة المصطفى-ﷺ- المنورة مع الأخذ باسباب المدنية الحديثة والتعامل مع التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة والعلوم الحديثة في شتى مجالات العلم؛ مع إضافةٍ ضرورية بناءً علىٰ ما تحت أيدينا وما وصل إلينا من تكنولوجيا وتقدم علمي وأجهزة حديثة.. .. ومازلتُ استحضر نماذج فذة لتلك المرحلة العصيبة سواء علىٰ حامل لواء التوحيد أو مَن يسير خلفه وبجواره؛ ومعه فَهُم جميعاً -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين- فَهَمُوا الفكرة الأساسية -التوحيد- فهماً عميقاً وبوعي واستنارة؛ وادركوا تماماً ما بُنيّ عليها مِن ربوبية وألوهية وحاكمية فتحملوا في سبيلها كل ما واجههم بصبر ويقين .. -*-* ﴿زِنِّيرَةُ﴾ زِنِّيرَةُ: مَمْلوكةٌ رُومِيَّةٌ صحابِيَّةٌ [(3)]، اختلف في رسم اسمها وكيفية النطق به؛ فتقرأه مرة بالضم هكذا : 1. ]" زُنَيْرَةُ[(4)] " ؛[(5)] ؛ و مرة آخرىٰ 2. ] :" زِنِّيرَةُ [(6)] ".بالكسر وشدة النون... وهذا ما صححه صاحب < الكامل > فقال :" ( زِنِّيرَةُ بِكَسْرِ الزَّايِ ، وَالنُّونُ مُشَدَّدَةٌ[(7)] ". ثم أضاف في موضع آخر في موسوعته :" زِنِّيرَةُ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَتَسْكِينِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِهَا ، وَفَتْحِ الرَّاءِ." [(8)] . و 3. ] ثالثة:" زَنِيرَةُ".[(9)] *. ]:"يذكرنا صاحب < الكامل > بــ " تَعْذِيبِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَهُمُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، وَلَا عَشَائِرَ لَهُمْ تَمْنَعُهُمْ، وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ يُمْنَعُونَ بِهَا، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُهُ فَلَمْ يَصِلِ الْكُفَّارُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوُا امْتِنَاعَ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ، وَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنْ مُسْتَضْعَفِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَرَمْضَاءِ مَكَّةَ وَالنَّارِ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَتِنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَلَّبُ فِي دِينِهِ وَيَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ ... ... وَمِنْهُمْ : زِنِّيرَةُ ، * . ] كَانَتْ لِبَنِي عَدِيٍّ ، لذا قيل :" وَكَانَ عُمَرُ يُعَذِّبُهَا" [(10)]، وهذا هوالقول الأول؛ أما الثاني فَــ قِيلَ: * . ] كَانَتْ لَبَنِي مَخْزُومٍ ، لذا قيل:" وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ يُعَذِّبُهَا حَتَّىٰ عَمِيَتْ ، فَقَالَ لَهَا : " إِنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فَعَلَا بِكِ". فَقَالَتْ : « وَمَا يَدْرِي اللَّاتُ وَالْعُزَّى مَنْ يَعْبُدُهُمَا ؟ وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ وَرَبِّي قَادِرٌ عَلَىٰ رَدِّ بَصَرِي »،فَأَصْبَحَتْ مِنَ الْغَدِ وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ بَصَرَهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ:" هَذَا سِحْرُ مُحَمَّدٍ، فَاشْتَرَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهَا [(11)] ." *. ]:" أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ : " نَحْنُ أَعَزُّ ...وَنَحْنُ ... وَنَحْنُ، فَلَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ " . فَنَزَلَ :{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [(12)] ". <هَذَاحِكَايَةُ خَطَأٍ آخَرَ مِنْ أَخْطَاءِ حُجَجِ الْمُشْرِكِينَ الْبَاطِلَةِ وَهُوَ خَطَأٌ مَنْشَؤُهُ الْإِعْجَابُ بِأَنْفُسِهِمْ وَغُرُورُهُمْ بِدِينِهِمْ فَاسْتَدَلُّوا عَلَىٰ أَنْ لَا خَيْرَ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الَّذِينَ ابْتَدَرُوا الْأَخْذَ بِهِ ضُعَفَاءُ الْقَوْمِ وَهُمْ يَعُدُّونَهُمْ مُنْحَطِّينَ عَنْهُمْ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا { أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } كَمَا فِي الْأَنْعَامِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ قَوْمِ نُوحٍ { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } [(13)] >. * . ]:"اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ -تَعَالَىٰ في علاه وتقدست اسماه- :{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [(14)] عَلَىٰ سِتَّةِ [(15)] أَقْوَالٍ؛ أكتفي بالقول الثاني كما جاء في < الجامع لأحكام القرآن >؛ نقلا عما قَالَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ [(16)] ."؛ وهو موضع الاستدلال فَالقول الثَّانِي : < أَنَّ زِنِّيرَةَ أَسْلَمَتْ فَأُصِيبَ بَصَرُهَا [وكانت زنيرة قد عذبت حتى عميت ] فَقَالُوا [ أبوجهل؛ على اعتبار الرواية الثانية؛ أنها كانت مملوكة لبني مخزوم ] لَهَا : أَصَابَكِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى [ إن اللات والعزى فعلتا بك ما ترين ] ، [فقالت، وهي لا تبصره: وما تدري اللات والعزى، من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربي قادر على أن يرد بصري. فأصبحت من تلك الليلة وقد رد الله عليها بصرها. فقالت قريش: هذا من سحر محمد ] فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا . فَقَالَ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ: لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زِنِّيرَةُ [(17)] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَىٰ هَذِهِ الْآيَةَ [(18)] ". وما قالته دليل واضح على تمكن مسألة الإيمان والعقيدة في قلبها.. .. بيد أن الجلال السيوطي المِصري في موضعين من كتبه حصر أسباب النزول فقط في قصتها - وهذا تكريم علوي رباني ملآئكي لها - فقد :" أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ قَالَ كَانَتْ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَةٌ [ باعتبار أنها أمة لبني عدي ] أَسَلَمَتْ قَبْلَهُ يُقَالُ لَهَا زُنَيْرَةُ [(19)][زِنِّيرَةُ][(20)] فَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُهَا عَلَى إِسْلَامِهَا حَتَّىٰ يَفْتُرَ [(21)] وَكَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ:" لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زُنَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهَا [(22)][(23)] { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا } الْآيَةَ[(24)]". وذكرها الألوسي في تفسيره [(25)] . ولكنه اضاف جملة هامة :" وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا زَنِيرَةَ بِخُصُوصِهَا بَلْ مَنْ شَابَهَهَا أَيْضًا." [(26)] ... إذاً ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ [ سَبَقُونَا ] عَائِدٌ إِلَىٰ غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْآيَةِ وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ الَّذِينَ كَفَرُوا الَّذِي حَكَتْهُ الْآيَةُ أَرَادُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِثْلَ بِلَالٍ؛ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ،وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ وَسُمَيَّةَ، وَزِنِّيرَةَ بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ مَكْسُورَةٍ مُشَدَّدَةٍ مُشَبَّعَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ [(27)]، [ وهي ] أَمَةٌ رُومِيَّةٌ كَانَتْ مِنَ السَّابِقَاتِ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ وَمِمَّنْ عَذَّبَهُنَّ الْمُشْرِكُونَ وَمِمَّنْ أَعْتَقَهُنَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ [(28)] . وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: قَالَ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ: لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زِنِّيرَةُ، أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي جَمَعَهَا الْقُرْآنُ فِي ضَمِيرِ [سَبَقُونَا ] [(29)]".] . قالوا [وكان أبو جهل يقول] : ألا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمد (ا) ؟ فلو كان أمر محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه. أفسبقتنا زنيرة إلى رشد، وهي مِن ترون؟ فاشترى أبو بكر رضي الله عنه جارية بني المؤمل وزنيرة، وأعتقهما. قال ابن تيمية في فتاويه :" وَلَمَّا عُذِّبَتْ "الزَّبِيرَةُ" عَلَىٰ الْإِسْلَامِ فِي اللَّهِ فَأَبَتْ إلَّا الْإِسْلَامَ وَذَهَبَ بَصَرُهَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابَ بَصَرَهَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى قَالَتْ كَلَّا وَاَللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا .". [(30)] . ويقال: إن زنيرة لغير بني عدي. وقال الكلبي: هي لبني مخزوم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) بحوث: السيرة النبوية العطرة صَلَّى ٰاللَّهُ - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ صاحبها وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ؛ وعلىٰ مَن أتخذ منهاجه طريقه واستعمل سنته في حياته!؛ أحداث الفترة المكية ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ الثلاثاء، 20 يوليو، 2021 م ~ الثلاثاء، ١٠ ذو الحجة، 1442هــ (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّين ِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) |
﴿„ ٦ ‟ ﴾ المجلد السادس: „ علنية الدعوة سرية التكتل ‟. 89 : „ علنية الدعوة سرية التكتل ‟. ﴿ „ ٦ ‟﴾ المجلد السادس: من „ السِّيرَة النَّبَوِيَّة ‟ ؛ „ علنية الدعوة .. سرية التكتل‟ [([1])] واجب الشكر: أكرمتُ -كاتب هذه السطور- مِن جزيل عطاءه الوافر - سبحانه العاطي الوهاب؛ وتعالىٰ فهو يرزق مَن يشاء بغير حساب- أكرمتُ بتمكني مِن الحصول علىٰ مراجع نفيسة ومصادر جليلة وابحاث قيمة لسادة من خيرة علماء الأمة الإسلامية لتنير لي درب البحث وتسهل طريق الكتابة عن سيرته العطرة -عليه الصلاة والسلام والتبريكات والأنعام والإجلال والإكرام- فوجب الشكر له وحده -عزَّ وجلَّ- ولزمني الخضوع بالسجود والركوع [([2])] وتعفير وجهي بعز العبودية؛ ورفع الرأس والهامة بعز الإيمان ... لذا فقد وجب عليَّ الشكر لله تعالىٰ... ولا ينبغي لي أن تصيبني غفلة الإنسان فأنسىٰ الشكر والإمتنان لإدارة موقع: «„ ملتقىٰ أهل العلم‟ » والذي يصدر مِن قلب القارة الأسيوية؛ المدينة المنورة؛ والتي طيب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه ووزيريه -رضي الله عنهما-... للتفضل عليَّ بنشر بحوث السيرة النبوية الشريفة. والشكر موصول للسادة والسيدات القراء الكرام. -* - *- */-*/ ــــ *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) الثلاثاء، 11 ذو الحجة، 1442هــ ~* الثلاثاء، 20 تموز، 2021 م (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) [([1])] مرجع: انظر:" [([2])]انظر قوله تعالى :" {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين} [آل عمران:43] . |
﴿ „ ٦ ‟ ﴾ الْمُجَلَّدُ السَّادِسَ : „ علنية الدعوة سرية التكتل ” ﴿ « „ ٨٩ ‟» ﴾ : „ علنية الدعوة .. سرية التكتل ‟. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)﴿ „ ٦ ‟ ﴾ الْمُجَلَّدُ السَّادِسَ من „ السِّيرَة النَّبَوِيَّة ‟ ؛ „ علنية الدعوة .. سرية التكتل ‟ -* - *- التَّمْهِيدُ: „ السيرة النبوية‟ العطرة - صلوات الله تعالىٰ وسلامه وتبريكاته وانعامه علىٰ صاحبها: سيدنا وإمامنا وقدوتنا ومعلمنا النبي الرسول محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب- فالسيرة في قسمها الثاني الأعظم هي „ السُنَّة المحمدية النبوية الرسولية‟.... إذ أن القسم الأول من „ السيرة المحمدية ‟ هي كل ما كان قبل مولده الشريف؛ وبدءً مِن عهد آدم؛ ومروراً بأنبياء الله ورسله -عليهم جميعا السلام - ثم ما بعد مولده إلىٰ قُبيل البعثة الخاتمة والرسالة المتممة... وقد تحدثت عن هذا القسم في الصفحات السابقات... إذاً „ السُنَّة المحمدية ‟.... بشقها النظري؛ اي أقوال وأحاديث وتقرير الرسول الأكرم؛ وهذا هو الشق الأول منها، أما الثاني فهو الشق العملي؛ اي الطريقة الفعلية العملية التطبيقية التنفيذية... وهما [„ السُنَّة المحمدية ‟] - بمعنىٰ : الأحاديث القولية والسُنَّة العملية - معاً يجب علىٰ الأمة الإسلامية عامةً، وأهل الدعوة ورجال حملها وسيداتها - خاصةً - أن يعلموها؛ فيفرقوا بين صحيحها وحسنها وبين ضعيفها وسقيمها... فيتعلموها بالدراسة والتدريس والتمحيص والتفصيل والتطبيق والتنفيذ؛ وليس لمجرد السرد في مناسبات على مدار العام الهجري أو الوعظ والإرشاد في موسم من المواسم... وإن كان -اليوم- للأسف الشديد قد سيطر على من يعتلي المنبر هذان الصنفان من الوعظ والإرشاد على نمط الطريقة الكهنوتية، والسرد الخال من روح الإسلام وعمقه! هذه السُنَّةالمُحَمَّدية الرسولية النبوية؛ وهي القسم الثاني المنزل من السماء؛ بعد القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين... هي وحي مِن صاحب الأمر والنهي... الله -تعالىٰ - لنبيه ورسوله؛ خاتمِ الأنبياء وآخرِ المرسلين ومتممِ المبتعثين - عليه السلام - فنص القرآن الكريم نطق يقول: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } [النجم:1] { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [النجم:2].. وموضع الاستشهاد هو : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } [النجم:3] { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:4]... اقول : السُنَّةالنبوية تحتاج مِن حملة الدعوة؛ ومن يعمل في مضمار العمل الدعوي ومَن يمارس النشاط الدعوي عليه أن يفهمها فهما عميقا متسلسلا وفق الأحداث التي مرت وبوعي عقل المثقف واستنارة فؤاد المتبصر مرورا بالمواقف المتتالية والأحداث المتشابكة منذ بداية البعثة وإنزال الرسالة إلىٰ أن أنتقل -ﷺ- إلىٰ الرفيق الأعلىٰ... وعليه فيجب أن :"يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي [الإلهي] في حياة الرسول-ﷺ- [المبلغ والقدوة والقائد] قائم، وأن التخطيط جزء مِن السُنَّة؛ وهو جزء مِن التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم [([1])]..."، وعليه فــ:" إن المسلم يتعلم من المنهاج النبوي كل فنون إدارة [المواقف والأحداث؛ وكيفية تنوع المصادمة مع الآخر أو] الصراع؛ والبراعة في إدارة كل مرحلة و[الوعي باستنارة] في الانتقال من مستوىٰ إلىٰ آخر [ومن مرحلة إلىٰ آخرىٰ مع ربط المرحلة بمفصل المرحلة التي تليها]؛ وكيف واجه -ﷺ- القوىٰ المضادة مِن الكفار - وخاصةً كفار قريش ومشركي مكة - في بداية البعثة؛ ثم كيف تعامل مع المنافقين... ومِن ثم أهل الكتاب من اليهود والنصارىٰ، وبقية ما يطلق عليه بالأديان(!) [وباقي الشعوب والأمم] حين انتقل إلىٰ مدينته المنورة التي طيّب الله تعالىٰ ثراها بمرقده فيها،[بجوار صاحبيه ووزيريه-رضوان الله تعالى عليهما]، وكيف تغلب عليها كلها بسبب توفيق الله -تعالىٰ- والالتزام بشروط النصر وأسبابه التي أرشد إليها المولىٰ -عزوجل- في كتابه الكريم [([2])]...والإسترشاد بالعلوم الحديثة والنظريات العلمية الموثقة الجديدة... لذا فــ :" إننا في أشد الحاجة لمعرفة المنهاج النبوي [بشقيه النظري والعملي وايضاً السُنَّة=الطريقة العملية] في تربية الأمة [افراداً ومجتمعا] وإقامة الكيان الذي نتمكن فيه مِن تفعيل تلك الحزمة من القيم الإسلامية الراقية وإيجاد تلك الكتلة مِن المفاهيم والقناعات الإسلامية العالية، ومعرفة سنن الله [سما في علاه وتقدست اسماه] في الشعوب الآخرىٰ والأمم المغايرة لنا في العقيدة والتشريع والدول القائمة على غير أسس إسلامية، دون تصادم بل تلاق، وكيف تعامل معها النبي -ﷺ- عندما انطلق بدعوة الله [تعالى] في دنيا الناس حتىٰ نلتمس مِن هديه -ﷺ- الطريق الصحيح في دعوتنا والتمكين لديننا، ونقيم بنياننا علىٰ أساس متين ومنهجية سليمة مستمدة أصولها وفروعها مِن كتاب ربنا -عز وجل- وسنة نبينا -ﷺ- قال -تعالى-: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } [([3])] . الواقع الفعلي المنظور والمشاهد اليوم في الشهر الآخير من العام الهجري : [ ١٤٤٢ ] = النصف الأول من العام : [ ٢٠٢١ ] يظهر للجميع بوضوح أن مَن يؤمن بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا صاحبة ولا ولد له؛ وأن محمداً بن عبدالله عبده ورسوله وخاتم أنبياءه وآخر رسله... المنظور أن هذا(هـ) المؤمنــ(ــة) يـ(ـتـ)ـسكن في جميع القارات وتجدهـ(ــا) يــ(تــ)ــعمر في جميع أمهات مدن العالم وقراه بل نجوعه... وبناءً علىٰ هذا الواقع يجب أن نعلم - جميعاً - علم اليقين الطريقة العملية التي سار عليها النبي المصطفىٰ -ﷺ- في دعوته؛ خاصة في المرحلة المكية؛ إذ أن الواقع الحالي يتشابه في كثير مِن فصوله بواقع تلك المرحلة التي عاشها وتعايشها الرسول القدوة الأعظم -عليه السلام- وصحابته - المسلمون الأوائل - -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين-... وهذا ما أسعىٰ بعون منه - سبحانه - وتوفيق وهداية- إلىٰ بلورته من خلال بحوث؛ ارجو منه - سبحانه وتعالىٰ – أن أُحسن القراءة والإطلاع مع إحسان الفهم ودقة الاستيعاب كي أحسن التعبير وأتقن الكتابة. ثُمَّ فِي المجلدِ السادس مَبَاحِثُ : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ [([1])]انظر :" الصلابي؛ د. علي محمــــــد؛ السيرة النبوية : عرض وقائع وتحليل أحداث؛ ج: (1)؛ ص: (6)؛18 رجب 1421هـ ~ 16أكتوبر 2000م " [([2])]انظر :" الصلابي؛ د. علي محمــــــد؛ السيرة النبوية : عرض وقائع وتحليل أحداث؛ ج: (1)؛ ص: (6)؛18 رجب 1421هـ ~ 16أكتوبر 2000م " [([3])]آية: (21) ؛ من سورة الأحزاب: (33) . راجع؛" الصلابي؛ د. علي محمــــــد؛ السيرة النبوية : عرض وقائع وتحليل أحداث؛ ج: (1)؛ ص: (6)؛18 رجب 1421هـ ~ 16 أكتوبر 2000م " |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
شكر وتقدير! اقتباس:
[ جزاكم الله -تعالى في سماه وتقدست اسماؤه- فضيلة الأخ العزيز والشيخ القدير الأستاذ/ عبدالجواد شريف؛ خيرا كثيرا ورزقا وفيرا وعلما غزيرا .. على حسن تأيدكم لي وتشجيعي على إكمال بقية البحوث!!] |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية [ ١ . ]الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: „علنية“ الدعوة و „سرية“ التكتل : تنبيه „ ١‟ : أنتهيتُ -بتوفيقٍ مِن العلي القدير سميع الدعاء مجيب الرجاء؛ وبحسن رعاية وتمام هداية- في نهاية المجلد الخامس مِن ذكر بعض مَن هم مِن المستضعفين -رضي الله تعالىٰ عنهم أجمعين- من المسلمين الأوائل، وينبغي الحديث الأن عن علنية الدعوة وسرية أعضاء التكتل الإسلامي المحمدي الأول. والظاهر في بداية هذا الفصل مِن البعثة النبوية الخاتمة أن الدعوة الإسلامية في صورتها التكتلية [ الأفراد ] في مهدها كانت يشوبها شكل من السرية؛ وإن كان حامل لواء التوحيد -عليه السلام والتكريم والإنعام- يعيش ويمارس حياته في مجتمع وثني يقدس الأصنام ويتقرب إلى الله تعالىٰ من خلال الأوثان زلفىٰ... يظهر منذ اللحظة الأولىٰ أنه -ﷺ- يحمل قيم وقناعات ومقاييس غريبة عن مجتمعه الذي وصف بأنه جاهلي؛ بل ويدعو إلى أفكار ومبادئ شاذة في نظرهم -عبّاد الأصنام وسجدة الأوثان- القصير، وأنه - عليه السلام والصلاة التمام -يدعو إلىٰ فكر جديد؛ أساسه ما كان غائباً عن المجتمع المكي... أي فكرة وجود إله وعبادة هذا الإله والجديد أنه يصلي تجاه الكعبة المشرفة بهيئة جديدة وبجواره ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب -كرم الله تعالى وجهه- وخلفهما كانت تصلي زوج النبي -عليها رضوان الله تعالىٰ- خديجة بنت خويلد- إذ تُبين لنا بعض مصادر السيرة أن نزول جبريل -عليه السلام- علىٰ قلب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بالنبوة الخاتمة والرسالة المتممة كان يوم الإثنين وخديجة -عليها السلام- صلت خلفه عشية نفس اليوم؛ ولحق بهما علي -كرم الله وجهه- يوم الثلاثاء... وهذا يبين مدىٰ أهمية الصلاة -عبادة يومية- بأحكامها الجديدة الإسلامية وهيئتها- في المنظور الإسلامي ويضاف هنا أن النبي -عليه السلام- كان يدعو - في بداية أمره - مَن يستأنس منه القبول وبحذر ويظهر هنا مدىٰ ارتباط كيفية الدعوة في باكورة عهدها بحال المجتمع المكي؛ إذ لا ينبغي أن يوجد صدام أو صراع أو اي شكلٍ مِن صور المواجهة . وهذا ما أخطأت فيه بعض الجماعات التي ترتدي العباءة الإسلامية في زمننا المعاصر... *(يُتْبَعُبِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) |
„علنية“ الدعوة و „سرية“ التكتل..تنبيه : „ ٢ . ‟ -*-*- ﴿ „ ٦ “﴾ الْمُجَلَّدُ السَّادِسَ من „ السِّيرَة النَّبَوِيَّة ‟ [ ١ . ] الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: „علنية“ الدعوة و „سرية“ التكتل: تنبيه : „ ٢ . ‟ وفق المصادر الصحيحة والمعتمدة؛ والتدقيق في روايات أمهات المراجع عند الجميع -مسلمين وغيرهم- فقدفُهِمَأن هناك مرحلة أو وقت / فترة زمنية سِرية .. كانت في مكة -مبدء الوحي السماوي الأخير؛ وانبعاث دعوة أبي الإنبياء إبراهيم وتحقيق لــ بشارة ابن العذراء البتول؛ والتي لم يمسسها بشر؛ فنطق القرآن بــ لسان حالها : { قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا } [مريم:20] المسيح عيسىٰ -عليهما الصلاة والسلام- ... أقول(مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِبْنِ الرَّمَادِيُّ): فُهِمَ أن هناك فترة سِرية في بداية الدعوة المصطفوية؛ والرسالة المحمدية الخاتمة ومفصل في آحدىٰ مراحل نبوة آخر الأنبياء ومتمم المبتعثين.. وهذا الفَهم لا يتفق مع: ١ . ] نصوص الكتب السماوية الثلاثة -العهد العتيق:" التوراة ".. والعهد الجديد : " الإنجيل ".. والعهد الحديث:" القرآن "- وهي جميعاً وحي السماء جاءت بواسطة أمين السماء جبريل -عليه السلام - .. والكتابان الأولان بشرا بقدوم نبي قبل خلقِه بقرون مضت .. وقبل تكوينه في صلب أبيه ومن ثم إنبات بذرته الشريفة العفيفة في رحم أمه الطاهر؛ فنطق الكتاب الثالث [العهد الحديث]؛ مؤكدا لما في الكتابين الأولين [العهدين العتيق والجديد] فتسمعه يقول : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون } [البقرة:146] وهذا الكتاب الثالث : { لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد } [فُصِّلَت:42] ثم بُدء ومنذ قرون خلت في تعديل الكتابين الأول والثاني وتبديل الكلم عن مواضعه لما يراه رجال الكهنوت ويناسب منافع رجال الدين ليوافق الأهواء ويساير الرغبات.. وسار خلفهم فريق من بقية رجال الدين لمصالح دنيوية فانية .. وهنا تسمع قوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } [الحِجر:9] وهذه الآية بمفردها تكفي نعمةً من نعمِهِ -تعالىٰ ذكره وتقدس سره- وهي التي لا تعد ولا تحصىٰ .. فالحمد له علىٰ نعمة العقل والإدراك والفهم والاستيعاب ثم الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والحمد لله علىٰ بعثة خير الأنام -صلى الله عليه وآله وسلم- أكملُ (مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ الرَّمَادِيُّ) -بمشيئته وحسن توفيقه ونور هدايته وتمام رضاه- سير الأحداث بدءً بما عند أهل الكتاب بالعلم بمجئ نبي آخر الزمان محدد المكان والصفة والنعت؛ فالمناخ العام عند أهل الكتاب وأهل الجاهلية يكاد يتهيأ لمقدم نبي.. الرجاء مع الشكر تراجع أرقام البحوث من 65 ~62 وفق التقسيم العام وهذه البحوث يحويها: ٢. ] المجلدالثاني: وهي وفق هذه الأبواب والفصول وقد تحتاج إلى إعادة مراجعة وإضافات تراجع من موقعنا ملتقى (أهل العلم) بدء من صفحة : 30؛ 31 ؛ 32؛ 33 و 34 فهي تتحدث عن : *.] ميثاق النبيين *.] بشارة الكتب السابقة *.] بِشَارَات وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ وانظر: *.]﴿ ٤ ﴾ الْبَابُ الرَّابِع: إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ *.]﴿ ٤ . ٣. ﴾ الفصل الثالث مكان بعثته: -ﷺ- *.]﴿ ٤ . ٤. ﴾ الفصل الرابع البشارة بصفاته -ﷺ- ثم تراجع صفحة 35 من ترقيم ملتقى أهل العلم : https://ahlalalm.org/vb/showthread.php?p=563695 ٣. ] فهناك في عدة أماكن أحاديث عن قرب نبوة نبي آخر الزمان .. كما حدث في - يوم وضع البذرة الطاهرة في منبت رحم أمه الطاهر؛ فيقول ابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق وبالتالي أبو جعفر الطبري ومن سار خلفهم .. يقول-فيما يزعمون- أن قتيلة أخت ورقة بن نوفل"القس" أرادت مساوة عبدالله بمئة من الإبل؛ كما فُدي بها -من قبل- مقابل البضع منه .. ولكنه رفض وذهب لصاحبة الفضل والشرف ورفيع النسب :"آمنة بنت وهب الزُهرية".. أو ما حدث في - يثرب (مدينته -عليه السلام- المنورة والتي طيَّب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه -رضي الله عليهما-) في رواية نسمعها مِن مَن نال شرف خدمته -عليه السلام- أنس بن مالك -رضي الله عنه- من قول يهودي :" طلع نجم أحمد ".. - وإرهاصات ما قبل مولده وليلة مولده [مع العلم إني.. لا أعتمدها.. بل استأنس بها؛ فغالبيتها أخبار مرسلة؛ أو ضعيفة الإسناد؛ كما نبه علىٰ ذلك أهل العلم ] ٤. ] - الشاهد في مسألتي : „علنية“الدعوة.. و „سرية“التكتل.. أو ما قاله اساتذة أهل العلم „الاستخفاء“.. فهل استخفاء الدعوة !؟... أم استخفاء فردٍ من افراد الدعوة!؟.. أم استخفاء عدة افراد !؟.. وكل حسب حالته أو تمسكاً وتقيداً بما سيجئ به الوحي السماوي وما سوف يتنزل عليه -عليه السلام- من آيات حكيمات بينات تخبره -عليه السلام - عن كيفية تحركه في مجال الدعوة سواء أكان الحديث عن فترة/زمن أو العهد المكي أو من بعد الإنتقال إلى مكان آخر غير نقطة الإبتداء -مكة- إلى موضع آخر أُخبر عنه وحياً ولم يبن له حتى أنتقل إلى يثرب (المدينة المنورة)؛أو ما يسمى بالعهد المدني - ما ابحثه هو استخفاء فرد أو أفراد اي التكتل بالمصطلح الحديث - افراد التكتل -.. استخفاء افراد التكتل.. وليس استخفاء الدعوة ذاتها .. أو .. سريتها .. - كان عليه السلام يصلي مع زوجه؛ أم المؤمنين خديجة بنت خويلد-رضي الله عنها- أمام الكعبة علىٰ مرأى مِن الناس؛ - وتم تساؤل: ماذا يفعل هذا الشاب .. أو هذا الرجل!!!؟.. ومن تلك هذه المرأة!؟ وماذا تفعل!؟ ومَن ثالثهما !؟ فكان الرد[ ! ] وهذا هو الشاهد -من عدة مصادر معتمدة- علىٰ صحة ما ذهبت إليه .. أي أن الدعوة إلى اعتناق الإسلام والتقيد بما يأتي من السماء وحياً من ربه ومنذ لحظتها الأولى لم تك سرية.. أما الأفراد الذين أمنوا بهذه الدعوة في بدايتها فصحيح تم استخفائهم عن أعين كفار وصناديد قريش؛ فالدعوة في مهدها.. تم استخفاء افراد منها .. وإليك البيان : ٤ . ١ . ] نقرأ في :( مسند الإمام أحمد « ومن مسند بني هاشم»؛ « حديث العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسل-م » ؛ ج: (1) ؛ ص: (210)؛ حديث رقم : (1790)) . :" حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ عَفِيفٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: „ كُنْتُ[(*)] امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ الْحَجَّ فَــ أَتَيْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ لِأَبْتَاعَ مِنْهُ بَعْضَ التِّجَارَةِ[(1)] وَكَانَ امْرَأً تَاجِرًا فَــ وَاللَّهِ إِنَّنِي لَعِنْدَهُ بِمِنًى[(2)] إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ[(3)] قَرِيبٍ مِنْهُ فَــ نَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ فَلَمَّا رَآهَا مَالَتْ يَعْنِي قَامَ يُصَلِّي[(4)] قَالَ ثُمَّ خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ[(3)] الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَامَتْ خَلْفَهُ تُصَلِّي ثُمَّ خَرَجَ غُلَامٌ حِينَ رَاهَقَ الْحُلُمَ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ[(3)] فَقَامَ مَعَهُ يُصَلِّي قَالَ فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ مَنْ هَذَا يَا عَبَّاسُ قَالَ « هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي» قَالَ فَقُلْتُ مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ قَالَ « هَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ » قَالَ قُلْتُ مَنْ هَذَا الْفَتَى قَالَ « هَذَاعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّهِ‟» قَالَ فَقُلْتُ فَمَا هَذَا الَّذِي يَصْنَعُ[(5)] قَالَ« „ يُصَلِّي..‟» ، « „ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ[(6)]‟»، « „ وَلَمْ يَتْبَعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا امْرَأَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى[(7)]‟»، « „ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيُفْتَحُ عَلَيْهِ كُنُوزُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ‟».. قَالَ فَكَانَ عَفِيفٌ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَقُولُ -وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ- « لَوْ كَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي الْإِسْلَامَ يَوْمَئِذٍ فَأَكُونُ ثَالِثًا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-“». ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ [(*)] وهناك رواية آخرى :" وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:" عَن يحيى بن عُفَيِّفٍ قَالَ: جِئْتُ زَمَنَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّقَتْ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْكَعْبَةِ أَقْبَلَ شَابٌّ فَرَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ فَقَامَ مُسْتَقْبِلَهَا، فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ غُلَامٌ فَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ، فـَــ لَمْ يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ خَلْفَهُمَا، فَــ رَكَعَ الشَّابُّ فَــ رَكَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ، فَــ رَفَعَ الشَّابُّ فَــ رَفَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ، فَــ خَرَّ الشَّابُّ سَاجِدًا فَسَجَدَا مَعَهُ. فَقُلْتُ: يَا عَبَّاسُ أَمْرٌ عَظِيمٌ! فَقَالَ: أَمْرٌ عَظِيمٌ. فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي. أَتَدْرِي مَنِ الْغُلَامُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هَذَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَلْفَهُمَا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَةُ ابْنِ أَخِي. وَهَذَا حَدَّثَنِي أَنَّ رَبَّكَ رَبَّ السَّمَاء والارض أَمَرَهُ بِهَذَا الَّذِي تَرَاهُمْ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحَدًا عَلَى هَذَا الدِّينِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بن سوَادَة بن أَبى الْجَعْدِ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ وَأَبُو حَازِمٍ وَالْكَلْبِيُّ. قَالُوا: عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ. ". --**-- التخريج : [(1)] جاءت هذه اللفظة - . :" لأبتاع مِنْهُ بعض التحف ". (انظر : ابن أبي خيثمة؛ أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة؛ ص: (182) ) وجاءت بلفظة آخرى - . :" لأَبتاعَ مِنهُ بَعضَ التِّجارَةِ " (انظر : [البخاري؛ التاريخ الكبير... بحواشي محمود خليل؛ ج: (7) ص: ( 74)] وداءت بلفظة - . :" فَأَتَيْتُهُ أَبْتَاعُ مِنْهُ وَأَبِيعُهُ " . المصدر : (انظر : ابن كثير؛ السيرة النبوية ؛ ج: (1) ؛ ص: (427)) . [(2)] توجد إضافة [أَيَّامَ الْحَجِّ] لتوضيح المعنى من حيث الزمان . المصدر :(انظر : ابن كثير؛ السيرة النبوية؛ ج: (1)؛ ص: (427)) . وأوضح ابن كثير نقلا عن ابن جرير أنه -أي عَفِيف الْكِنْدِيّ - كان :" أَنْظُرُ إِلَى الْكَعْبَةِ ". فهو في مقابل الكعبة !! وهذا أوضح من رواية أنه كان في منى ...!!؟؟ [(3)] " خبأ ". - (انظر : ابن أبي خيثمة؛ أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة؛ ص: (182) ). [(4)]. تِجَاهَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ تُصَلِّي، وَخَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ. المصدر: (انظر : ابن كثير؛ السيرة النبوية؛ ج: (1)؛ ص: (427)) . [(5)] فَقُلْتُ: يَاعَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ؟ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَا نَدْرِي مَا هُوَ! المصدر: (انظر : ابن كثير؛ السيرة النبوية؛ ج: (1)؛ ص: (427)) . أقسم فقال الْعَبَّاسُ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ:"وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحَدًا عَلَى هَذَا الدِّينِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ.". [(6)] فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، المصدر : (انظؤ : ابن كثير؛ السيرة النبوية؛ ج: (1)؛ ص: (427)) . [(7)] وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ.، المصدر : (انظر : ابن كثير؛ السيرة النبوية؛ ج: (1)؛ ص: (427)) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اقول(مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ الرَّمَادِيُّ) : الحديث جاء بروايات عدة مِن مصادر متعددة سأذكرها وبالفاظ تقترب من بعضها وإن أختلف مكانها... واشخاص الروايات جميعاً متفق عليهم -*-*- والشاهد : قول البخاري في (التاريخ الكبير للبخاري ؛ بحواشي محمود خليل؛ ج: (7) ص: ( 74)] : " عَفيف، الكِندِيُّ. لَهُ صُحبَةٌ. ". - قول العباس عم النبي عنه أنه :" يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ". يشعرك أن المسألة في بدايتها وأنهم -كفار وصناديد قريش عبدة الأوثان وسجاد الأصنام في بداية الدعوة لم ينزعج أحد منهم .. طالما المسألة لا تتعدى شخص أو أثنين أو ثلاثة ... دون التعرض لآلهتهم أو معتقداتهم أو ديانتهم(!) أو ما عندهم من قيم ومقاييس ومبادئ - الشاهد الثاني من الرواية قول العباس عم النبي :" لَمْ يَتْبَعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا امْرَأَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى ". - الشاهد الثالث :" قَالَ عَفِيفٌ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ- يَقُولُ -وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ- لَوْ كَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي الْإِسْلَامَ يَوْمَئِذٍ فَأَكُونُ ثَالِثًا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِي َاللَّهُ عَنْهُ- ". - ما قاله العباس عم النبي وأيضا ما قاله عفيف هو إخبار عن واقع حال .. ومدى العلم عندهما - أضف لما سبق.. أنه -عليه السلام- كان يخبر من يدعوه في بدايات الدعوة في مكة المكرمة.. إذا وجد فيه تردد بأن يقول له -مَن يدعوه إلىٰ الإسلام- „اكتم ” والله أعلم ! ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ الرَّمَادِيُّ) الأحد 22 من ذي الحجة ~ 1 أغسطس |
اتمام بحوث المجلد السادس: سرية التكتل! ٦ . ] إتمام المجلد السادس - فالحديث هنا عن الفرد الذي دعاه الرسول.. وكي أوضح ما أريد قوله نأتي بأمثلة : ﴿ « „ ٦. ١ . ‟ » ﴾: "المسلمون الأوائل[([1])]: كتب وذكر جُل العلماء فتقرأ : " أخذ النبيُّ [ﷺ] يدعو إلىٰ الإسلام « „ سراً ‟» ، فكان رسول الله [ﷺ] في أول أمره يدعو إلىٰ الله -تعالى- « سرا مستخفيا ».. ثم يأتي التبرير عند هؤلاء السادة العلماء بالقول : „ لئلا يصيبه أو يصيب أحدا ممن اتبعه وآمن به الشرُّ والأذىٰ من سفهاء قريش ، فيتعطل سبيل الدعوة”، [([2])] « „ وهذا الفهم لا يستقيم مع الدعوة ومستلزماتها؛ وواقع الأحداث وتصرفات النبي المصطفى وتحمل الرعيل الأول من المؤمنين من أصناف العذاب لا يتفق مع تلك المقولة بأنه « „ لئلا يصيبه الشر والأذى ‟» وهذا ما يستلزم إعادة قراءة الأحداث والتصرفات وحسن أختيار الألفاظ وتراكيب الجمل: ... ﴿ « „ ٦. ٢ . ‟» ﴾: " تأصيل المسألة : « „ ٦. ٢ . ١.‟» : روى الطبري عن عبدالله بن عبيدة قال : « مازال النبيّ [ﷺ] مستخفياًحتى نزلت { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } فخرج هو وأصحابه»[([3])] ، و « „ ٦. ٢ . ٢.‟» : قال ابن الجوزي:« كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستر النبوة ويدعو إِلَى الإسلام سرا، وكان أَبُوبكر رضي اللَّه عنه يدعو أيضا من يثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه، فلما مضت من النبوة ثلاث سنين(*) نزل قوله عز وجل : { فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } ، فأظهر الدعوة»[([4])] . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*):" جاء في الفصل الثالث من كتاب [د. محمد الطيب النجار (المتوفى: 1411هـ)؛ القول المبين في سيرة سيد المرسلين؛ تعليق: عبدالسلام بن محمد بن عمر علوش، الناشر: دار الندوة الجديدة بيروت – لبنان] ٣ . ] " ٣ ".---الفصل الثالث:" من بدء الدعوة إلى الهجرة النبوية جاء ما نصه " وكانت الدعوة في مبدأ أمرها سرية تتم في الكتمان والخفاء، حتى لا يقاومها الأعداء وهي لم تزل في مهدها الصغير، ثم تطورت بعد ثلاثة أعوام من بدء الوحي، حينما نزلت الآية: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [( 1 )]. ". ثم علق علوش بقوله في الهامش:" [( 1 )] سورة الحجر، الآية 94. وهذا القول هو قول أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود، كما في "المواهب" 1/ 222. وذكر أن نزولها كان بعد ثلاث سنين. وكذلك جاء التصريح بالمدة عند ابن الأثير في "الكامل" 2/ 40. وأسند ذلك ابن سعد 1/ 199 عن القاسم، وسنده مرسل وضعيف. و.".لم أقف [الحديث لـ علوش] على سند صحيح، فيه كون الأمر بالجهر كان بعد ثلاث سنين.". قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):" وقارئ السيرة في عدة مصادر ومعتمدة عند الكثير يقرأ ما ليس له سند صحيح؛ وهذه آحدى الجزئيات والتي تحتاج لتعميق بحث وجلاء قول ". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ « „ ٦. ٢ . ٣.‟» : وقال المباركفوري : « كان من الحكمة تلقاء اضطهادات المشركين أن يمنع رسول الله[ﷺ] المسلمين عن إعلان إسلامهم قولا أو فعلا ، وألا يجتمع بهم إلا سرا ؛ لأنه إذا اجتمع بهم علنا فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين . ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم ، فكان من الحكمة الاختفاء ، فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، وكان رسول الله [ﷺ] يجتمع مع المسلمين سرا ؛ نظرا لصالحهم وصالح الإسلام ، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزا لدعوته ، ولاجتماعه بالمسلمين»([5])] قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"وما ذهب إليه المباركفوري جيد جداً وتعليل في محله أوضح ما قد غمض عند السابقين . « „ ٦. ٢ . ٤.‟» : يقول المنجد : «كانت دار الأرقم بن أبي الأرقم أول مركز(!) دعوي إسلامي ، انطلقت منه الدعوة ، واجتمع فيه رسول الله[ﷺ] بالمسلمين يعلمهم ويزكيهم . ولا يحسن تسميتها بالمركز السري للدعوة . والله أعلم»... قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"وقد احتاط المنجد في قوله وأحسن حين قال :"المركز السري". ولا يحسن تسميتها بالمركز السري". وهذا تنبيه جيد جدا يقوي ما قاله من قبل المباركفوري... وقبل الحديث عن دار الأرقم بن أبي الأرقم يحسن التكلم عن « „ ٦. ٣ . ‟»: ذكر إسلام السابقين الأولين واختلافهم في أول من أسلم[([6])]: « „ ٦. ٣ . ١.‟» : نظر الله - سبحانه وتعالى -في قلوب العباد بعد قلب محمد [ﷺ] فوجد قلوب أصحابه -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين- خير قلوبالعباد فجعلهم وزراء نبيه[([7])] ومن الجميل أن نراجع أسماء العظماء الأوائل الذين دخلوا الإسلام في مرحلته الأولىٰ؛ حيث لم يكن له شوكة ولا قوَّة، ولا منافع تجنى أو تحصيل مصالح ولا خدمات إجتماعية أو مستوصف صحي أو دروس تعليمية لتقوية الطلاب أو ثقافية كما تفعل بعض الجماعات التي تتوشح عباءة الإسلام... ولم يسبقهم فيه الكثير حتىٰ يقتدوا بهم، إنما وجدوا الخير فيه فاعتنقوه، وقَبِلُوا بكل المتاعب التي يمكن أن يواجهوها نتيجة ذلك، فكانوا السابقين بحقٍّ، ولهم علىٰ كل مسلم جاء بعد ذلك أو مسلمة فضلٌ ومِنَّة. وينبغي تقديم دراسة تفصيلية موثقة قدر الإمكان تستقصي أسماء السبعين السابقين الأولين في الإسلام، الذين أسلموا قبل إسلام حمزة وعمر -رضي الله عنهما- . [([8])] وهذا مفصل هام في المرحلة والفترة أو العهد المكي. -*--------*- بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله[ﷺ]يدعو إلى الله - سبحانه وتعالى -وإلى الإسلام سرًّا، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وأقرب الناس إليه.[([9])] وبتتبع المصادر نجد أن ابن إسحاق ذكر ، وكذلك ابن سعد، بأسانيد ضعيفة أسماء الصحابة والصحابيات الذين أسلموا في هذه الفترة المبكِّرة مِن عمر الدعوة([10])] وأيضا :"قائمة الذهبي في السابقين الأولين؛ فقد ذكر الذهبي-رحمه الله-في تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء أسماء الخمسين الأوائل الذين دخلوا الإسلام، [وضعتُ معكوفة [] برقم قبل الاسم]، فقال: السابقون الأولون هم([11])]:". كان أول من آمن بالنبي [ﷺ] من النساء، بل أول من آمن به علىٰ الإطلاق([12]) « [1] خديجة بنت خويلد »- رضى الله عنها - فهي أول الناس إسلامًا وإيمانًا بالله ورسوله، فـ قيل أن رسول الله[ﷺ] صلى غداة يوم الاثنين وصلت خديجة آخر اليوم[([13])]؛ فـ السيدة خديجة -رضي الله عنها، كانت أول من استمع إلىٰ الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم [ﷺ]، وكانت أول من تلا القرآن بعد أن سمعته من صوت الرسول العظيم [ﷺ]، وكانت كذلك أول من تعلم الصلاة[([14])] عن رسول الله [ﷺ]، فــ بيتها هو أول مكان تُلي فيه أول وحي نزل به جبريل علىٰ قلب المصطفىٰ الكريم [ﷺ] بعد غار حراء([15])[([16])]؛ وهذا ما يدعونا إلى النظر في بيوتنا؛ وكيفية تربية بناتنا ... ثم تلاها « [2] على بن أبى طالب بن عبدالمطلب[([17])]» -رضى الله عنه - وكان فى نحو العاشرة من عمره[([18])]، فــ قيل أن رسول الله[ﷺ] صلى يوم الاثنين؛ وصلى علي بن أبي طالب يوم الثلٰثاء[([19])]؛ فقد ضم محمد[ﷺ] علياً لنفسه لكثرة عيال أبي طالب؛ فكان غلاماً قارب التسع سنوات [قول ثان]؛ فهو ثاني مَن أسلم مِن الناس؛ وأول مَن أسلم مِن الغلمان. فإسلامه وصلاته يوم الثلٰثاء وهو اليوم التالي لنزول جبريل[([20])] قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):" وقد ذكرتُ أن أولَ صلاةٍ صلاها الرسول النبي بخديجة زوجه وابن عمه كانت تجاه الكعبة وقابل البيت الحرام وكانت صناديد قريش يرونه ولا يعترضون عليه .. طالما أنه لم يتعرض لآلهتهم أو أصنامهم أو حالتهم التي هم عليها من الشرك "... ثم « [3] زيد بن حارثة » [([21])] متبنى رسول الله[ﷺ]؛ ويدعى زيد بن محمد؛ أول من أسلم مَن الذكور البالغين؛ مولى رسول الله[ﷺ] فهو أول من أسلم من الموالي، ثم أسلم « [4] أبو بكربن [(20)] [([22])]عبدالله بن عثمان أبي قحافة[([23])] : نديم محمد؛ أول من أسلم من غير بيت النبي[ﷺ]؛ فهو أول من أسلم من الأحرار الذكور؛ سماه النبي[ﷺ]: « عتيق النار » فسمي:«عتيقاً» [قلتُ وهناك رواية آخرىٰ عن التسمية؛ سأذكرها في مجلد «الشخصيات المحورية »]، إن شاء الله تعالىٰ، أما ابن إسحاق فإنه يقول :"أول مَن ذكر مِن الناس آمن بمحمد[ﷺ] - علي بن أبي طالب -كرم الله تعالى وجهه وأرضاه- ثم - زيد بن حارثة؛ -أبوبكر الصديق وكان رجلا مألفًا لقومه، محببًا سهلا، إسلام أبي بكر الصديق[([24])]رضي الله عنه: كان أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- أول مَن آمن بالنبي [ﷺ]من الرجال الأحرار، والأشراف، فهو من أخص أصحاب رسول الله [ﷺ]قبل البعثة، وفيه قال رسول الله [ﷺ]: « ما دعوت أحدا إلىٰ الإسلام إلا كانت عنده كبوة، وتردد ونظر، إلا أبابكر، ما عكم([25]) حين دعوته ولا تردد فيه»([26])، فأبوبكر صاحب رسول الله [ﷺ]، وهو حسنة من حسناته [ﷺ]، لم يكن إسلامه إسلام رجل، بل كان إسلامه إسلام أمة [([27])]، فأسلم وأسلم بدعائه [([28])] وعلى يديه طائفة مِن كبار الصحابة[([29])]دعاهم أبوبكر وعددهم (9 أصحاب ثم سعد )، فاستجاب له صفوة من خيرة الخلق وهم[([30])]: أمثال: « [5]عثمان بن عفان»[([31])]، و كان في الرابعة والثلاثين مِن عمره[([32])].و « [6] الزبير بن العوام» [([33])]،[([34])]؛ [([35])][([36])] وكان في الثانية عشرة من عمره[([37])]، وقيل بل عمره 8 سنوات كما جاء في المجلد الأول.. فكتب الطرهوني يقول:" أسلم وعمره ست عشرة سنة اعتمادا علىٰ رواية هشام بن عروة عن أبيه؛ وفي المجلد الثاني رواية أبي الأسود عن عروة وهي أضبط، وعند الطرهوني قصة مفادها: أن صفية بنت عبدالمطلب؛ أم الزبير كانت تضربه ضرباً مبرحاً وهو يتيم، وتقول:" أضربه كي يلبي ويجر الجيش ذا الــجــلــب ". فلما ضرب رجلا كبيرا قالت له صفية : " كيف وجدت زبيرا : أأقطا حسبته(!!؟)؛أم تمرا أم مشمعلا صقرا(!!؟)"[([38])] قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"وأجدني مضطرا للوقوف أمام السيد صفية وكيفية تربيتها للزبير.. ونراقب كيف تربي أمهات اليوم أطفالهن .. رجال الغد وأمهات المستقبل... و « [9]عبدالرحمن بن عوف»[([39])]،[([40])]؛ اسمه عبدعمرو فسماه الرسول : «عبدالرحمن»؛ أسلم في الثلاثين من عمره[([41])]و « [7]سعد بن أبى وقاص »[([42])]،[([43])]] وكان في السابعة عشرة من عمره[([44])]. روى الواقدي أن سعد بن أبي وقاص قال : « لقد أتىٰ عليَّ يوم واني لثالث الإسلام»[([45])][([46])]و « [8] طلحة بن عبيدالله »[([47])]. وكان في الثالثة عشرة من عمره([48]).[([49])]. كان هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمرة من ثمار الصديق أبي بكر–رضي الله عنه-، دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا، وجاء بهم إلى رسول الله [ﷺ]فرادى،فأسلموا بين يديه، فكانوا الدعامات الأولىٰ التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدة الأولىٰ في تقوية جانب رسول الله [ﷺ]، وبهم أعزه الله وأيده[([50])] فتمام هولاء النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام[([51])] ومضت الدعوة سرية وفردية علىٰ الاصطفاء،والاختيار للعناصر التي تصلح أن تتكون منها الجماعة المؤمنة، التي ستسعىٰ لإقامة دولة الإسلام ودعوة الخلق إلى دين رب العباد والتي ستقيم حضارة ربانية ليس لها مثيل[([52])]. * . ] الدفعة الثانية[([53])]: جاء دور الدفعة الثانية، بعد إسلام الدفعة الأولىٰ، فأول من أسلم من هذه الدفعة[([54])]: جاء عن عمرو بن عنبسة أنه قال : « كنت ثالثا؛ أو رابعا في الإسلام»[([55])] و عن خالد بن سعيد بن العاص أنه قال : « كنت خامسا في الإسلام»[([56])] وهذا دليلٌ يبين أن بعضهم كانوا لا يعرفون بعضاً؛ ولعل هذا حرصاً من النبي المصطفى[ﷺ] أن لا يتأذى آحد منهم . وهذا ما قلته في البداية :" سرية التكتل!.. ثم أسلمت بعد هؤلاء طائفة أخرىٰ، وذكر ابن اسحاق، وكذلك ابن سعد، بأسانيد ضعيفة أسماء الصحابة والصحابيات الذين أسلموا في هذه الفترة المبكِّرة من عمر الدعوة[([57])]، فـ ممن سبق إسلامه[([58])] عدَّ منهم «ابن إسحاق» نحو خمسة عشر فردًا ما بين رجل وامرأة، هم: « [10] أَبُوعُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ من بَنِي فِهْرٍ»[([59])]، و « [11] أَبُوسَلَمَةَ عبدالله بْنُ عَبْدِالأَسَدِ بْنِ مَخْزُومِ» بن مرة ابن عمة رسول اللهصلى الله عليه وسلم (برة بنت عبدالمطلب)[([60])] دعاه أبو بكر للإسلام... وأخوه مِن الرضاع[([61])]، « [12]وَ الأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الأَرْقَمِ » وعند الذهبي:" ابْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالله بن عمر المخزومي.". دعاه أبوبكر للإسلام... مِن بْنِي مَخْزُومِ[([62])]،[([63])]]وَ « [13]عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ[([64])]من بَنِي جُمَحَ » الجمحي[([65])]، وَأَخَوَاهُ «قَدَامَةُ» وَ «عَبْدُاللهِ» ابْنَا مَظْعُونٍ، و « [14] وَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْمُطَّلِبِ الْمُطَّلِبِيُّ. من بَنِي عَبْدِمَنَافٍ» و « [15]سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ العدوي؛ من بَنِي عَدِيٍّ»،و « [17]خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، الخزاعي، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ([66])؛[([67])]» . * . ] الدفعة الثالثة : [([68])] أسلم « [18]عمير بن أبي وقاص » [([69])].[طرهوني: ( 599 ) ؛ ج: (2/ 64) أسلم وهو غلام صغير] أخو سعد بن أبي وقاص، ، و « [19]عبدالله بن مسعود »، بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن هذيل،من حلفاء بني زهرة[([70])]، يقول :« لقد رأيتني سادس ستة ما علىٰ ظهر الأرض مسلم غيرنا » ، وأذكرُ هنا قول النبي محمد لابن مسعود :« إنك غلام معلم»؛ فمسح رأسي وقال :« بارك الله فيك». [([71])]و « [20]مسعود ابن القارى » [([72])]، وهو مسعود بن ربيعة، بن عمرو، بن سعيد بن عبدالعزى، بن حمالة بن القارة؛ من البدريين[([73])]و أسلم:« [21] سُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِشَمْسٍ الْعَامِرِيُّ »، وأخوه؛ و « [41]حاطب بن عمرو العامري »و « [22]عياش بن أبي ربيعة بْنِ الْمُغِيرَةِ » الْمَخْزُومِيُّ، و « [23] امرأته أسماء بنت سلامة » التميمية.، « [27]جعفر بن أبي طالب » الهاشمي»[([74])]و « [26] عَبْدُاللهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ » الأَسَدِيُّ، حليف بني أمية ؛ وأخوه «(أبو) أحمد بن جحش» و « واقد بن عبدالله» و « [24] خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، و « [25] عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ» العنزي، حليف آل الخطاب. و « [37] نعيم بن عبدالله بن أسيد النحَّام العدوي» و « [38] عامر بن فهيرة » [([75])] مولى أبي بكر،[([76])]و « فهيرة » و «أمه»، وكان عبدًا للطفيل بن الحارث بن سخبرة، فاشتراه الصديق وأعتقه، و « [39] خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصي »، وامرأته « [40] أُمَينة» وعند الذهبي: « أميمة » بنت خلف الخزاعية، و « [42] أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس [العبشمي.]، و « [43] واقد بن عبدالله بن عبدمناف » التميمي اليربوعي، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، و « [44] خَالِدُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي. و « [45] وَأخوه عَامِرُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي. و « [46] وَأخوه عَاقِلُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي. « [47] وَأخوه إِيَاسُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي ، و « [48] عمار بن ياسر بن عامر » العنسي، حليف بني مخزوم بن يقظة، و قال ابن هشام: عَنْسي من مَذْحج. و دخل في الإسلام كذلك أمُّ عمَّار سمية بنت خياط، وأبوه ياسر، وبلال بن رباح الحبشي، وكان إسلامهما بعد إسلام بضعة وثلاثين رجلا[([77])]و « [49] صهيب بن سنان، بن مالك » النمري، الرومي المنشأ، و ولاؤه لعبدالله بن جدعان. هو (سابق الروم). و « [29] حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ » الجمحي،و « [30] امرأته فاطمة بنت المجلل » العامرية، و أخوه « [31] خطاب بنُ الْحَارِثِ » الجمحي., و «[32]امرأته «فُكَيهة بنت يسار » وأخوهما « [33] مَعْمَر بن الحارث » الجمحي، و « [34] السائب » ولد عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ،و « [35]الْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عبدعوف » الزهري.،و امرأته « [36] رملة بنت أبي عوف » السهمية.، - رضى الله تعالى عنهم أجمعين – ومن النساء[([78])] بنات النبي[([79])] صلى الله عليه وسلم: وكذلك سارع إلى الإسلام بنات النبي صلى الله عليه وسلم، كل من « زينب »،و « أم كلثوم »،و « فاطمة »و « رقية » و « [28] أسماء بنت عميس » الخثعمية امرأة جعفر ابن أبي طالب[([80])] و « فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ من بَنِي عَدِيّ» [([81])] أخت عمر بن الخطاب[([82])]، امرأة سعيد بن زيد بن عمر، و « [16] أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ[([83])][و « أم رومان » ز وج أبي بكر، وَ « عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ »، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ[([84])]؛ و عائشة ولدت بعد البعثة بدليل قولها -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عن نفسها :« لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ.». و مَعْنَى (يَدِينَانِ الدِّينَ) تَعْنِي: مُسْلِمَيْنِ، وَوَلَدَتْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فِي الْإِسْلَامِ؛ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، ثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: » لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ»[([85])]... فكان إسلام هؤلاء في ثلاث : ﴿٣ ﴾: سنين ورسول الله[ﷺ]يدعو في خفية قبل أن يدخل دار أرقم بن أبي الأرقم[([86])]وكان ذلك فى مرحلة الدعوة السرية[([87])][(!!!)]. واستمرَّت الدعوة السرية، ودخل في الإسلام آخرون وآخرون... نَعَمْ تسير الدعوةُ بمعدل بطيء نسبيًّا، ولا يعرف بها عامَّة الناس بعدُ؛ ولكن هذا الاستخفاء كان ألزم في هذه المرحلة كما بيَّنَّا قبل ذلك. يخبرنا عمَّار بن ياسر -رضي الله عنه- [بقول فيه بيان للحال والواقع المشاهد] فيقول:« رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُوبَكْرٍ»[([88])]، ومن السابقين إلى الإسلام: « [50] أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة »، وأخوه أنيس، وأمه([89]). « [51] وأبو نجيح عمرو بن عبسة » السلمي البجلي، لكنهما -أي أبو ذرٍّ وعمرو- رجعا إلى بلادهما.[([90])] قمتُ -بعون من الله تعالىٰ؛ والحمد لله رب العالمين- بعرض أسماء الأوائل مِن مَن أمن بالله ربا واحدا وخلع الأوثان مِن عقولهم وكسر الأصنام في أذهانهم؛ لأهمية معرفة هذه المرحلة الصعبة من حياة الرسالة الخالد : فــ هؤلاءالخمسون الذين عدهم الذهبي من السابقين الأولين: وبعدهم أسلم: - أسد الله حمزة بن عبدالمطلب،و - الفاروق عمر بن الخطاب، عز الدين، رضي الله عنهم أجمعين [([91])] [3] الذهبي: تاريخ الإسلام 3/261-263، وسير أعلام النبلاء 1 /144، 145. و من هنا يبدء فصل جديد من الفصول التي مرت على مراحل الدعوة. * . ] استدراكات : ١ . ] لكن تتبقى مسألة شُبة اثارها مَن اراد أن يطعن في الإسلام - كمايقول بعض الباحثين في السيرة-: " أن السابقين الأولين إلى الإسلام إنهم من حثالة الناس، أو من الأرقاء الذين أرادوا استعادة حريتهم أو ما شابه ذلك ". و هذه الشبهة سوف بإذنه تعالى سنرد عليها في باب خاص . قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"في خطة البحث -إن شاء الله تعالى ويسر وأعان وبتوفيقه ورعايته- سأخصص بحوث متعلقة بالرد على شبهات المستشرقين -وغالبيتهم من اليهود والنصارىٰ- للطعن في الدين وهدمه وليس كبحوث علمية نزيهة عن الغرض وبعيدة عن الهوى... ٢ . ] أما المسألة الثانية فهي أن الذهبي كما بحث د. السرجاني ذكر خمسين صحابيا وصحابية من الأوائل؛ عند حساب من ذكرهم -رحمه الله تعالى وغفر له- وجدناه [الحديث يعود إلى د. السرجاني] يتجاوز الخمسين صحابيًّا وصحابية بواحد، فصار العدد عنده واحدًا وخمسين، وقد اعتبر الذهبي -رحمه الله- أن السابقين الأولين هم مَنْ أَسْلَم قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، و د. السرجاني يتفق معه في هذا التوصيف؛ لأن المرحلة الدعوية تغيَّرت بعد إسلام البطلين حمزة وعمر -رضي الله عنهما-، وهذا سنشرحه بالتفصيل بعد ذلك إنشاء الله، و لكني أختلف[الحديث مازال لفضيلة الدكتور السرجاني] مع الذهبي رحمه الله في الأسماء التي شملتها هذه القائمة؛ حيث خلت من كثير من الأسماء التي نعرف أنها كانت من الثُّلَّة الأولى التي اعتنقت الإسلام في هذه الفترة، وبالتالي فهم من السابقين الأولين. وقد تناول د. السرجاني ذكر بعضها فيما يأتي، و قلتُ[الرمادي]وقد تحدثت عن بعضهم ونشره الموقع -أهل العلم- ويصعب الآن الإحصاء الكامل على عجل؛ فالأمر يتطلَّب دراسة خاصة مستفيضة: أولاً: « „ زينب‟» بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ذكرتها -رضي الله عنها هنا في هذا البحث] ثانيًا: « „ السيدة رقية‟» بنت رسول اللهﷺ،[ذكرتها-رضي الله عنها هنا في هذا البحث] وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه. ثالثًا: « „أم كلثوم‟» بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ذكرتها-رضي الله عنها هنا في هذا البحث] أما « „ فاطمة الزهراء‟» رضي الله عنها فكانت صغيرة جدًّا عند أول البعثة، وبالتالي فقد نشأت على الإسلام، ولم تعاصر الجاهلية. رابعًا: « „ بلال بن رباح‟» الحبشي رضي الله عنه[ذكرته -رضي الله عنه هنا في هذا البحث]، وهو لا شكَّ من السابقين للإسلام، وقد ذكر عمرو بن عبسة رضي الله عنه في قصة إسلامه في صحيح مسلم أن بلالاً كان حينها على الإسلام، فقال وهو يحكي حواره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُلْتُ لَهُ: «فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟»؛قَالَ: « حُرٌّ، وَعَبْدٌ». قَالَ: «وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ» [(96)] [مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة، (832)، والنسائي(1560)، وابن ماجه (1364)، وأحمد (17059).)]. فإذ ا كان الذهبي رحمه الله قد ذكر عمرو بن عبسة رضي الله عنه من السابقين، فكان ينبغي له أن يذكر بلالاً كذلك لأنه يسبقه حتمًا. خامسًا: « „ مصعب بن عمير‟» رضي الله عنه،[ذكرته -رضي الله عنه هنا في هذا البحث] وهو من أشراف بني عبدالدار، وإسلامه مبكر جدًّا. سادسًا: « „أم سلمة‟» رضي الله عنها، وهي هند بنت أبي أمية المخزومية، وتزوَّجت أبا سلمة بن عبدالأسد رضي الله عنه، وأنجبت له سلمة، وبه تُكَنَّى، ثم تزوَّجت لاحقًا -بعد موت زوجها- من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصارت أمَّ المؤمنين، وهي من اللاتي هاجرن إلى الحبشة قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما. سابعًا: « „ عتبة بن غزوان‟» رضي الله عنه، وهو الذي قال: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا طَعَامُنَا إِلاَّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ [الحُبْلة: ثمر يشبه اللُّوبِيَاء وقيل هو ثمر العِضَاه.)]،حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا"[ مسلم:كتاب الزهد والرقائق، (2967). ) ].[(98)]. ثامنًا: « „ أمرومان‟» رضي الله عنها، [ذكرتها-رضي الله عنها هنا في هذا البحث] زوجة الصديق رضي الله عنه. تاسعًا: « „ عبدالله بن أبي بكرالصديق‟» رضي الله عنه. عاشرًا: « „ ياسر بن مالك‟» رضي الله عنه، أبو عمار بن ياسر رضي الله عنه، وهو أول شهيد في الإسلام. حادي عشر: « „ سمية بنت خياط‟» رضي الله عنها،[ذكرتها -رضي الله عنها هنا في هذا البحث] أم عمار بن ياسر رضي الله عنه، أول شهيدة في الإسلام؛ فعَنْ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلاَلٌ، وَالْمِقْدَادُ»[(99)] . [ابن ماجه (150)، وأحمد (3832)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وابن حبان (7083)، والحاكم (5238)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وقال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات. انظر: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 1 /23، وحسنه الألباني، ]. ونلحظ فيهم بلالاً رضي الله عنه، وذكرته منذ قليل في السابقين، ولم يذكره الذهبي رحمه الله. ثاني عشر: « „ المقداد بن عمرو ‟» رضي الله عنه، وهو المعروف بالمقداد بن الأسود، وهو من الذين ذكرهم ابن مسعود رضي الله عنه -كما تقدَّم- في السبعة الذين أظهروا إسلامهم أولاً. ثالث عشر: « „ زنيرة ‟» رضي الله عنها مولاة بني مخزوم أو بني عبدالدار، وهي من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه مبكرًا جدًّا. [ذكرتها -رضي الله عنها في المجلد الخامس] رابع عشر: « „ النهدية ‟» رضي الله عنها، وهي -أيضًا- من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه. خامس عشر: « „ ابنة النهدية‟» رضي الله عنها، ولا نعرف اسمها، وهي كذلك من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه. سادس عشر: « „ أم عبيس‟» رضي الله عنها، وهي -أيضًا- من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه، وكانت جارية لبني تيم. [لم أذكرها -رضي الله تعالى عنها] سابع عشر: « „ جارية بني مؤمل‟» رضي الله عنها،[ذكرتها -رضي الله عنها في المجلد الخامس] وهي -أيضًا- من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه، ولا نعرف اسمها، وهي التي ذُكِر -بسند ضعيف- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُعَذِّبها قبل إسلامه. ثامن عشر: « „ ليلى بنت أبي حثمة ‟» رضي الله عنها زوجة عامر بن ربيعة رضي الله عنه، ولها موقف في السيرة سنأتي عليه بإذن الله، وهو موقفها مع عمر رضي الله عنه قبل إسلامه. تاسع عشر: « „ سهلة بنت سهيل بن عمرو ‟» رضي الله عنها، وهي زوجة أبي حذيفة بن عتبة رضي الله عنه، وهاجرت إلى الحبشة قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وذكر الذهبي رحمه الله زوجها أبا حذيفة في السابقين، وهو كذلك. يصل د. السرجاني بعد نهاية بحثه بالقول : « فهذه تسعة عشر اسمًا أسلموا قديمًا، وقبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وهم بذلك من السابقين الأولين الذين أسلموا في المرحلة السرية(!)، ولهم قصص مشهورة » تحدثت عن بعضها وسوف نتعرَّض لبعضها بإذن الله تعالى. ويقول د. السرجاني: « هناك أسماء أخرى كثيرة تحتاج إلى دراسة لتحقيق ما إذا كانت قد أسلمت في هذه الفترة أم تأخَّر إسلامها لما بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما؛ مثل:
رضي الله عنهم جميعًا، فهؤلاء كلهم من المسلمين الأوائل؛ لكن لا أدري إن كان إسلامهم في هذه المرحلة المبكرة من الدعوة، أم أسلموا بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما. فهؤلاء التسعة عشر بالإضافة إلى الواحد والخمسين في قائمة الذهبي رحمه الله يعطوننا سبعين اسمًا من السابقين الأولين... يخلص د. السرجاني إلى القول أنه : « يرى أن دراسة حياة هؤلاء السبعين تحتاج منا إلى جهد خاص وكبير؛ لأن تكوينهم كان فريدًا، وأثرهم كان عظيمًا، ويُضاف إليهم الصحابة الذين يظهر بالتحقيق أنهم أسلموا في هذه الفترة، ولا أشكُّ في أننا سنخرج عند دراسة سيرهم، وقصص حياتهم، بفوائد لا تحصى، وبتوجيهات مباشرة تُسهم في بناء الأمة الإسلامية»[([92])]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ -أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَىٰ آلِه و صَحْبِهِ وَسَلَّمَ سلسلة بحوث ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ „ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟ أعد هذاالملف : د. مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ؛ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى– Dr.MUHAMMADELRAMADY حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٣ من السنة الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ -هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين- السبت: ٥ محرم ~ 07 نوفمبر من سنة الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.2021 م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
[ ٢ . ] الْبَحْثُ الثَّانِي : „ دُّورٌ عَلَىٰ الْحَقِّ "... ﴿ « „ ٩٠ ‟ » ﴾ [ ٢ . ] الْبَحْثُ الثَّانِي(*) : „ دُّورٌ عَلَىٰ الْحَقِّ” ﴿ „ ٢ . ١ . ”﴾. " المرحلة الفردية " بَدْو دعاء رسول الله[ﷺ] الناس إلى الإسلام: وهذا تقريباً في حدود السنة 11 ق. هـ ~ 611 م . في أطوار دعوته[.(1).] [ﷺ]- مرت بــ ثلاثة مراحل: ١ . ]: الأولىٰ منها: المرحلة الفردية: بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله - ﷺ - يدعو إلىٰ الله - سبحانه وتعالى - وإلىٰ الإسلام سرًّا[.(2).]؛ فــ كان الأمر بالدعوة في بدايتها يشمل اصطفاء النبي [ﷺ] وانتخابه للرعيل الأول الذي يستطيع كتمان السر ودعوته كانت بلين وخفاء حتىٰ لا تشتعل مكة التي تحتفظ بجاهليتها كاملة عبر قرون مِن الشرك وتبديل دين إبراهيم الخليل؛ أبي الأنبياء -عليه السلام-، فتعجيل المواجهة - قد يترتب عليها نوع من الاحتكاك أو أنواع من المصادمة -؛ والجهر بالدعوة في هذا الوضع - قد ينتج عنه رد فعل متسرع ومدمر مِن الرافضين -؛ وبالتالي فالمفسدة المتوقعة راجحة، وهنا لزم الأمر الكثير مِن التأني والحيطة والفراسة في انتخاب مَن يحمل هذه الأمانة العظيمة في بدايتها، واستمر هذا الوضع لثلاث سنوات كاملات [وهذا التقدير علىٰ الترجيح]، يبني فيها رسول الله [ﷺ] شخصيات الرعيل الأول : النفسية منها؛ والعقلية؛ ويسعىٰ لتكوين اللبنة الأولىٰ في صرح الإسلام؛ الدين الجديد؛ بكل معنىٰ هذه الكلمة مِن أفكار وقيم جديدة ومفاهيم وقناعات ومقاييس ومبادئ لم تكن موجودة في المجتمع المكي؛ بل وغريبة عند قريش؛ مثالاً علىٰ ذلك هيئة الصلاة؛ فَــ :" كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : أَكْرَهُ أَنْ أَسْجُد َفَتَعْلُونِي اسْتِي. و الخالق سبحانه قَالَ :{ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } وَهُوَ مِمَّا كَانَ يَأْنَفُ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ الْمُتَكَبِّرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ[.(3).]، و ايضاً يؤسس[ﷺ] القاعدة البشرية الصلبة التي ستحمل معه [ﷺ] علىٰ أكتافها البناء الشاهق المرتفع، وهذه الفترة... وهذا الصبر فيه إشارة مع تنبيه إلىٰ كل متعجل أو متسرع في البناء الدعوي أن تأنىٰ وتمهل حتىٰ تأتي الدعوة ثمارها[.(4).]. وأوضح مثال علىٰ ذلك ما ذكره ابن إسحاق في السيرة :[.(5).] عند ذكر أول مَن أسلم، ثمَّ ذكر مُتَقَدِّمي الاسلام مِن الصَّحَابَة وَغَيرهم، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:" ثُمَّ إِنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ [أي : بعد بعثته[ﷺ] بِيَوْمٍ وَهُمَا [يعني : النبي وزوجه] يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: « يَا مُحَمَّد مَا هَذَا؟» قَالَ: «„ دين الله اصْطَفَىٰ لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ فَأَدْعُوكَ إِلَىٰ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَىٰ عِبَادَتِهِ، وَأَنْ تَكْفُرَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى”». فَقَالَ عَلِيٌّ: « هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرًا حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ». فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِ سَرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ أمره. فَقَالَ لَهُ: «„ يَا على إِذْ لَمْ تُسْلِمْ... وفي رواية : [( إِذْ لم تسمع)] فَاكْتُمْ”». فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَوْقَعَ فِي قَلْبِ عَلِيٍّ الْإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىٰ جَاءَهُ فَقَالَ: « مَاذَا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟ » فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «„ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ وَتَكْفُرُ بِاللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَتَبْرَأُ مِنَ الْأَنْدَادِ ”»... فَفَعَلَ عَلِيٌّ وَأَسْلَمَ، وَمَكَثَ يَأْتِيهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِنْ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَمَ عَلِيٌّ إِسْلَامَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ[.(6).] ". - " وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ:« أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَدِيجَةُ، وَأَوَّلُ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُوبَكْرٍ وَعَلِيٌّ، وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ خَوْفًا مِنْ أَبِيهِ، حَتَّىٰ لَقِيَهُ أَبُوهُ قَالَ: «أَسْلَمْتَ؟» قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: « وَآزِرِ ابْنَ عَمِّكَ وَانْصُرْهُ[.(7).]».". ومن هذا المثال؛ يوضح تماماً ما قصدت من التعبير الذي استخدمته من قبل حين تحدثتُ عن „ سرية التكتل ‟ ؛ و „ علنية الدعوة ‟! -*/-* ﴿ «٢ . ٢ . » ﴾: “الدعوةالسرية”: كان النبى- ﷺ- يعلم تمام العلم عناد «قريش» -علىٰ عمومها؛ إلا قليلاً - وكبرياءها وإصرارها علىٰ التمسك بالقديم، واعتزازها بآبائها وأجدادها وعبادتها للأصنام؛ وتمسكها بالأوثان والأزلام، لذا فلن تُسلِّم بسهولة، أو تذعن لدعوته، بل ستقاومه حتىٰ آخر سهم في جعبتها، لأنها اعتقدت أن الإسلام يهدد مصالحها الحيوية ويقضي علىٰ سيطرتها الفعلية علىٰ «مكة» وما حولها، ولو علمت أن الإسلام - الدين الجديد - سيجعلها سيدة العالم ما قاومته لحظة واحدة ولرحَّبت بدعوته. " أدرك النبى -صلى الله عليه وسلم - ذلك تماماً، فقرَّر أن تكون دعوته لدينه سرا فى بادئ الأمر، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته[.(8).] وفي دعوة أصدقائه وأقرب الناس إليه[.(9).]؛ ومَن يأنس فيهم خيرًا واستعدادًا لقبول الحق والهُدى، ممن يعرفهم ويعرفونه، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح[.(10).]، فآمن به - إلىٰ جانب مَن ذكرتُ - عدد من رجالات «قريش» ونسائها، وطائفة مِن العبيد والفقراء والضعفاء الذين رأوا في الدين الجديد الخلاص مما هم فيه مِن شقاء وبؤس، مثل: «بلال بن رباح»، و «صهيب الرومى»، و «آل ياسر»، فأجابه مِن هؤلاء الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجلالة نفسه، وصدق خبره ـ جَمْعٌ عُرِفوا في التاريخ الإسلامى بــ « السابقين الأولين »[.(11).] "وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يجتمع بمن أسلم سرا فى دار «الأرقم بن أبى الأرقم» يتلو عليهم آيات القرآن الكريم المنزل أول بأول، ويعلمهم شرائع الإسلام، وكان الوحي يبين لهم جوانب شتىٰ مِن التوحيد والربوبية والألوهية، ويرغبهم في تزكية النفوس، ويحثهم علىٰ مكارم الأخلاق، ويصف لهم الجنة والنار كأنهما رأي عين، ويعظهم فيرشدهم بمواعظ بليغة تشرح الصدور وتغذي الروح، وتحدو بهم إلىٰ مناخ آخر غير الذي كان فيه المجتمع البشري آنذاك[.(12).]". واستمرت هذه الدعوة السرية نحو ثلاث سنوات، ازداد فيها عدد المسلمين زيادة يسيرة. ولقد تكلمتُ عنهم في المبحث الأول -السابق- من المجلد السادس؛ نشر موقع -ملتقىٰ أهل العلم- فليراجع هناك. روى عبدالرحمن بنالقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي عن أبيه « أن رسول الله[ﷺ] كان يدعو مِن أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً »[.(13).]. قلت(الرَّمَادِيُ): ويصلح هذا الأثر أن نعتمد هذا الدليل في تحديد المدة بــ ثلاث سنين! *.] " إِسْلَامُ «السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ» وصلاتهم: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ ، خَرَجَ إِلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ فَيُصَلِّيَانِ فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ عَبَرَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا يُصَلِّيَانِ ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : „يَا ابْنَ أَخِي مَا هَذَا ؟”، قَالَ :«„ أَيْ عَمِّ هَذَا دِينُ اللَّهِ؛ وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَدِينُ إِبْرَاهِيمَ، بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ رَسُولًا إِلَىٰ الْعِبَادِ، وَأَنْتَ أَيْ عَمِّ أَحَقُّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النَّصِيحَةَ وَدَعَوْتُهُ إِلَىٰ الْهُدَى، وَأَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِي وَأَعَانَنِي”». فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: „أَيِ ابْنَ أَخِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْكَ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ”، وَلَمْ يُكَلِّمْ عَلِيًّا بِشَيْءٍ يَكْرَهُ، فَــ زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ :„أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَدْعُكَ إِلَّا إِلَىٰ خَيْرٍ فَاتَّبِعْهُ”[.(14).]". ومما يشار إليه هنا أيضا الدور الذي قامت به الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- في نشر الدعوة في مهدها[.(15).] ... فــــ قال يعقوب بن عتبة : «كان أبوبكر.. وعثمان.. وسعيد بن زيد.. وأبوعبيدة بن الجراح يدعون إلىٰ الإسلام سراً »[.(16).]. تَذْكُرُ كتب السِّيرة أنَّ اتِّخاذ « دار الأرقم » مَقَراً لقيادة الرَّسول صلى الله عليه وسلم كان بعد المواجهة الأولىٰ الَّتي برز فيها سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله عنه-[.(17).]... قال ابن إسحاق: «وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلُّوا؛ ذهبوا في الشِّعاب، فاستخفَوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله عنه- في نفرٍ من أصحاب رسول الله [ﷺ] في شِعْبٍ من شِعاب مكَّة؛ إذ ظهر عليه نفرٌ من المشركين؛ وهم يصلُّون، فناكَرُوهم. وعابوا عليهم ما يصنعون حتَّىٰ قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بِلَحي بعيرٍ، فشجَّه فكان أوَّل دمٍ أُريق في الإسلام»[.(18).][.(19).]. -*/-* « دَارَ الْأَرْقَمِ » : « دَّارُ الْإِسْلَامِ » الدَارُ التي استتر رسول الله[.(20).] وكان يَدْعُوَ [ﷺ] النَّاسَ فِيهَا إِلَىٰ الْإِسْلَامِ[.(21).]، (*)" قَالَ ابْنُ عُمَرَ روايةً عَن عَمَّار بْنُ يَاسِرٍ أنه ألَتقِىٰ بــصُهَيْبٍ بْنَ سِنَانٍ عَلَىٰ بَابِ دَارِ الْأَرْقَمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا... وأَرَدْا أَنْ يدْخُلا عَلَىٰ مُحَمَّدٍ، ليَسْمَعَا كَلَامَهُ... فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ...فَعَرَضَ عَلَيْهما الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَىٰ ذَلِكَ حَتَّىٰ أَمْسَيْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا وَنَحْنُ « „ مُسْتَخْفُونَ ”»[.(22).]". وهنا موضع الشاهد : « الاستتار والاختفاء عن أعين مَن يخالفونهم في العقيدة والإيمان والعبادات والمعاملات والأخلاق؛ وهي مرحلة دقيقة استمرت وفق مصادر السيرة ما يقترب مِن ثلاث سنوات؛ بيد أن بعض مصادر السيرة تبين أنه بداية الرابعة قام الرسول الكريم بأمر من ربه بالصدع؛ وهي مرحلة دقيقة آخرىٰ تكاد تكون أشد وطأة من الأولىٰ؛ إذ فيها سيتم المواجهة والمكاشفة والإعلان والتبيان للدين الجديد وحتما سيتم مصادمة مع مَن يرفض هذه الكتلة مِن القيم وتلك المجموعة من المفاهيم وتلك الحزمة من الأفكار والمقاييس والمبادئ؛ مع إقرارهم أنه[ﷺ] الصادق الأمين» . قلت(الرَّمَادِيُّ) : وهنا التناقض في حكم هؤلاء على نفس الإنسان[ﷺ]!!! نعود مرة ثانية للمرحلة الأولىٰ من سير الدعوة الإسلامية في مكة... ولعلَّنا نلاحظ أن الأسماء السابقة -المذكورة في المجلد السادس؛ المبحث الأول- شملت رجلين من بني مخزوم؛ هما: - أبوسلمة بن عبدالأسد، و - الأرقم بن أبي الأرقم.. وهذا أمر لافت للنظر؛ لأن قبيلة بني مخزوم تتنازع لواء الشرف مع قبيلة رسول الله [ﷺ] بني هاشم، فهذا يدلُّ علىٰ أمرين جليلين: أما - الأول فهو جرأة حملة الدعوة المسلمين في إيصال دعوتهم لمن يَرَوْنَ أنه أهلٌ لها، ولمن يُتَوَقَّع منه الاستجابة، حتىٰ لو كان من عقر دار المنافسين، والأمر - الثاني هو صدق الإيمان في قلبي أبي سلمة و الأرقم، واللذين لم يمتنعا عن قبول اعتناق دينٍ أتى علىٰ يد رجلٍ من قبيلة يناصبونها العداء لسنوات وسنوات، وهذا يعطينا فكرة عن طبيعة هذه المجموعة الجليلة التي بُنِيَ الإسلام علىٰ أكتافها ". قلت(الرَّمَادِيُّ) ولنقارن بين حال أمثال هؤلاء السادة العظماء وأحوال المسلمين اليوم ! فهي الدار التي كان رسول الله محمد [ﷺ] يجتمع فيها مع اوائل المسلمين -صحابته - في مكة المكرمة في بداية دعوته، فـ :" أصبحت دار الأرقم مركزاً جديداً للدَّعوة يتجمَّع فيه المسلمون، ويتلقَّون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ جديدٍ من الوحي[.(23).]، وكانوا يتعلمون اسس الاسلام وتعاليم الدين وشرائع الإسلام في بداية الدعوة، وكان يجلس [ﷺ] فيها مع الصحابة يقيمون صلاتهم؛ وكانوا يقرئون ما ينزل الله - عزوجل - من القرآن الكريم علىٰ رسوله محمد [ﷺ]، وكانت الدعوة في ذلك الوقت سرية[.(24).]. هؤلاء الَّذِينَ هُمْ مُخْتَفُونَ مُسْتَتِرُونَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ وَنَحْوِهَا مِنَ الدُّورِ التي عَلَىٰ الْحَقِّ ؟[.(25).]. كـــــ دار ختن عمر بن الخطاب سعيدبن زيد أحد المبشرين.". -*/-* دار الأرقم بن أبي الأرقم و دورها „الدعوي ” و „ التربوي ” في بداية الدعوة أولا: التعريف بالأرقم بن أبيالأرقم[.(26).]: - هو الصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبدالله بن عمر المخزومي؛ وَ - اسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ : عَبْدُمَنَافِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوعُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَ كَانَ الْأَرْقَمُ مِنْ آخِرِ أَهْلِ بَدْرٍ وَفَاةً[.(27).]، و - كنيته: أبوعبدالله.و فهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول، أسلم بعد ستة نفر[.(28).]؛ و جاء في المستدرك للحاكم: قَالَ :" عُثْمَانُ بْنُ هِنْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ، حَدَّثَنِي جَدِّي عُثْمَانُ بْنُ الْأَرْقَمِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ :„ أَنَا ابْنُ سُبُعِ الْإِسْلَامِ ، أَسْلَمَ أَبِي سَابِعَ سَبْعَةٍ”[.(29).]". و قيل: بعد عشرة[.(30).][.(31).] ؛ وهو من الذين باعوا عَرَض الدنيا لأجل الآخرة، وآثروا تحمل الأذى والعذاب علىٰ حياة الشرك والكفر، و أمه : فهي أميمة بنت الحارث... بيد أنه جاء عندالمستدرك :" حدثنا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، قَالَ : وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّونَ : أُمُّ الْأَرْقَمِ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ «تُمَاضِرُ بِنْتُ حِذْيَمٍ مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ»[.(32).]". -*/-* موقعها ثانيا: موقع دار الأرقم بن أبي الأرقم... وأسباب اختيارها مقر اللدعوة : جغرافية الدار : تقع دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصَّفا[.(33).]، الذي اتخذت داره لتكون مقرا للدعوة السرية(!!) للدين الجديد، [.(34).].- وقال ابن الأثير في النهاية (3 /41): الصفا أحد جبلي المسعى- بمكة الذي -جبل الصفا- كان بعيدا عن أنظار المشركين أيام الدعوة الإسلامية في مرحلتها السرية(!!). و يقال لها دار الخيزران[.(35).]، والخيزران كما في أخبار مكة للأزرقي: جارية المهدي وهي التي بَنَت مسجدا في موضع هذا الدار عند الصفا[.(36).]... و يصف الفاسي في شفاء الغرام مشاهدته ذلك المسجد الذي بنتهالخيزران حين يقول:» وطول هذا المسجد ثمانية أذرع إلا قيراطين، وعرضه سبعة أذرع وثلث الجميع بذراع الحديد حرر ذلك بحضوري وفيه مكتوب: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال }[.(37).] هذا مختبأ(!)رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الخيزران، وفيه مبتدأ الاسلام، أمرت بتجديده الفقيرة إلى الله مولاة أمير الملك مفلح سنة ست... [وذهب بقية التاريخ ]وعَمّره أيضا الوزير الجواد، وعمّره أيضا المستنصر العباسي، وعُمِر أيضا في عصرنا في آخر القرن الثامن من قبل امرأة مِصرية مجاورة يقال لها »مرة العصماء«، وعُمِر أيضا في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، والذي أمر بهذه العمارة لا أعرفه، والمتولي لصرف النفقة فيها علاءالدين علي بن ناصر محمد الصارم المعروف بالقائد[.(38).]وكان النبيُّ ﷺ يدخلها ويجتمع فيها هو وأصحابه، يقرؤهم القرآن ويعلمهم فيها، وفيها أسلم عُمَرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-. -*/-* في :《 المدرسة „الدعوية” في دار الأرقم بن أبي الأرقم 》[.(39).] * . ] يجدر بنا مِن حيث دقة التعبير؛ وحسن استخدام الألفاظ والمصطلحات... يجدر بنا أن نسمي هذه الدار بأنها „ دار الدعوة ”؛ أو كما كتب مِن قبل „ دار الإسلام ” فعند صاحب المستدرك تقرأ :" وَدُعِيَتْ دَارُ الْأَرْقَمِ „ دَارُ الْإِسْلَامِ”[.(40).]". فَــــ „ دَّارُ الْإِسْلَامِ ” كانت عند الصفا، ودُعِيَت دارُ الأرقم بعد ذلك بــ „ دار الإسلام ”، وهذه الدار - دار الأرقم - جاء في المستدرك :" وَكَانَتْ دَارُهُ عَلَىٰ الصَّفَا وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكُونُ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ ، وَفِيهَا دَعَا النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمَ فِيهَا قَوْمٌ كَثِيرٌ[.(41).]". وجبل الصفا - قريبة من الكعبة - ذلك الجبل المنعزل عما يدور حوله، فهي إذن بمعزل عن أعين الأعداء والمتربصين، يجتمع بأصحابهِ بعيداً عن أعين المشركين؛ ولقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين يربطهما مفاصل: - مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، و - مرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك. وكانت طبيعة المرحلة الأولىٰ تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم، هي المكان المناسب لمثل هذه الظروف من أيام الدعوة. توافرت - لهذه الدار - صفات عدة جعلت منها منطلقاً ومناراً لهذه الدعوة الناشئة؛ تقرأ عند صاحب المستدرك:" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الْأَرْقَمِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا... وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آوَى فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا[.(42).]". فكانت أول دار للدعوة إلىٰ الإسلام. والذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لاختيار هذه الدار عدة أسباب: أسباب اختيار الدار مقرا للدعوة الإسلامية : اختار[ﷺ] دار الأرقم بن أبي الأرقم مقرا لدعوته، ومركزا لاجتماع أصحابه لأسباب استنتجها الشيخ علي محمد الصلابي في كتابه[.(43).] وذكرتها الدكتورة الفاضلة: خديجة أبوري؛ من المغرب العربي... منها: ١ . ] أن الأرقم -صاحب هذه الدار - لم يكن معروفًا بإسلامه، فما كان يخطر ببال أحد من المشركين - أو قريش- أن يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم أو يتم لقاء محمد [ﷺ] وأصحابه بداره. ٢ . ] أن الأرقم -رضي الله عنه-كان كان فتى عند إسلامه ومن السابقين الأولين دخولا في الإسلام فهو سابع سبعة دخلوا فيه كما عند الحاكم[.(44).] وغيره، فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عُمْرِه، ولم تفكر قريش أن هناك تجمع إسلامي عند أحد الفتيان؛ ويوم تفكر قريش في البحث عن هذا التجمع الإسلامي فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد[ﷺ] بل يتجه نظرها -في الغالب- وبحثها إلى ٰبيوت كبار أصحابه؛ أو بيته هو نفسه. ٣. ] أن الأرقم بن أبي الأرقم -رضي الله عنه- لم يكن معروفاً بإسلامه وأضف أنه من قبيلة بني مخزوم التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم، فلو كان الأرقم معروفا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره؛ لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو. ٤ . ] أن دار الأرقم بن أبي الأرقم على ٰالصَّفا مما يعني جودة ومناسبة موقعها... فقد كانت قريبة من الكعبة المشرفة. ٥ . ] أن الأرقم بن أبي الأرقم كان يقرأ و يكتب، فهو من كتاب النبي [ﷺ]، فكان يكتب ما ينزل من القرآن في الدار في مرحلة الدعوة السرية(!). قد يخطر علىٰ ذهنهم أن يكون مكان التَّجمُّع علىٰ الأغلب في أحد دور بني هاشم، أو في بيت أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، أو غيره؛ ومن أجل هذا نجد أنَّ اختيار هذا البيت كان في غاية الحكمة من النَّاحية الأمنيَّة، ولم نسمع أبداً: أنَّ قريشاً داهمت ذات يومٍ هذا المركز، وكشفت مكان اللِّقاء[.(45).]. ثالثا: دار الأرقم بن أبي الأرقم ودورها „الدعوي” و „ التربوي ” في بداية الدعوة كان النبي[ﷺ] في أول أ مره يدعو إلى الله سرا لئلا يصيبه أو يصيب أحدا ممن اتبعه الأذى في تعطل سبيل الدعوة حتىٰ نزل قوله تعالىٰ { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين } [.(46).]وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المركز الرئيسي لانطلاق الدعوة، وأولى المؤسسات التربوية التي ربى ٰفيها أصحابه الذين حملوا معه رسالة الإسلام؛ فكان يلتقي بهم هناك، فيعلمهم تعاليم الإسلام ويتلقوا عنه توجيهاته الكريمة؛ حيث كان يتلو عليهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويفقههم في الدين،" كان المسلمون يجتمعون سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم ولم يكونوا يؤدون كثيراً من الشرائع سوى الصلاة، ركعتين في الغداة وركعتين بالعشي مصداقاً لقوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ }[.(47).][.(48).]ويعرفهم بما يدور حول الدعوة من أمور، ليحتاطوا لها ويعدوا لها العدة، كما كان يغرس فيهم المعاني الإيمانية التي تقوي عزيمتهم. :"ويضعون بين يديه كلَّ ما في نفوسهم وواقعهم؛ فيربيهم -صلى الله عليه وسلم- علىٰ عينه كما تربَّىٰ هو على عين الله - عزَّ وجلَّ- [.(49).]". ففي هذه الدار نشأ الرعيل الأول من كبار الصحابة من المهاجرين، والسابقين الأولين إلى ٰالإسلام، على ٰتوجيهات القرآن الكريم، ويعلمهم أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة، وما وصلت إليه ، وموقف المعرضين عنها والصادين عن سبيلها. كان يسمع شكوى أصحابه وما يلقونه من أذى ٰالمشركين وكيدهم، يتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والمصابرة، ويبشرهم أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع المؤمنين، وأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وجاؤوا صورة عملية لهذه التوجيهات الربانية، فضحوا بالغالي والنفيس لأجل الدين، وصابروا وجاهدوا وثبتوا في المحن وأمام الإغراءات، ولم يتأثروا بالشبهات، وكل ذلك كان بسبب التربية التي رباهم عليها النبي [ﷺ].[.(50).]فما كان اختيار الرسول [ﷺ]لهذه الدار مجرد اجتماع المسلمين فيها لتلقي العلم وإنما كانت مركزا للقيادة ومدرسة للإعداد والتأهيل لحمل الدعوة والقيادة، وقد قام النبي [ﷺ]بتحديد لكل فرد من هؤلاء عمله بدقة وتنظيم حكيم فقاموا بدورهم أحسن قيام[.(51).].... لقد كانت رعاية الله وعنايته بالعصبة المؤمنة الأولىٰ واضحة جلية لا تفارقهم بحال، علىٰ الرغم مما كان ينالهم من أذىٰ المشركين، وكان مِن الحكمة البالغة في بداية أمر الدعوة الابتعاد بهذه العصبة المؤمنة عن كل ما يضر بها - قدر المستطاع -، وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن تبقىٰ دعوة الإسلام ضمن مجالها السري إلىٰ أن هيأ الله سبحانه لها من الأسباب ما مكنها مِن إشهار أمرها وإعلان رسالتها، { وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون }[.(52).][.(53).] حال دار الأرقم اليوم : وهي الآن خبر بعد عين دخلت في حدود المسعىٰ(**). (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ (*) تكملة بحوث: ﴿„ ٦“ ﴾ المجلد السادس مِن „ السِّيرَة النَّبَوِيَّة “ „علنية الدعوة.. ..سرية التكتل“ حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٣ من السنة الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ -هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين- الجمعة : ٢٥ من شهر محرم ~ 3 سبتمبر2021 من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام. (**) إذا تيسر الحال وانتهينا من كتابة السيرة النبوية -علىٰ صاحبها أفضل الصلاة والسلام وكامل التبريكات والرحمات والإنعام -؛ في خطتنا كتابة تأريخ؛ وكتاب آخر في التفسير والتأويل... والله -تعالىٰ -المستعان. |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّي! ﴿ « „ ٩١ ‟ » ﴾ [ ٣ . ] خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّي! الْبَحْثُ الثالث(*) خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّي! ما زلنا نتعايش أجواء المرحلة المكيّة؛ وهي تلك المرحلة التأسيسية الأولىٰ لمبدأ الإسلام بأفكاره وقيّمه وقناعاته ومقايسه؛ وبناء شخصية حملة الدعوة الأول بشقيها العقلي والنفسي؛ ومَن سيأتي مِن بعدهم، وما زلنا نعيش في مناخ علنية الدعوة مِن رسول الإسلام الخاتم للأنبياء والمتمم للمبتعثين وآخر المرسلين مِن رب العالمين لكافة البشر أجمعين.. و نعلم سِرية بعض افراد التكتل الإسلامي.. نبحث في زمن البعثة المحمدية الأَول؛ وبدايات الرسالة الخاتمة للبشرية: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: „ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَكْتُمُ أَمْرَهُ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ وَيُصَلِّي فِي شِعَابِ مَكَّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ ”[(1)]. وَ لَعَلَّ [ ممارسة أعباء ] الدَّعْوَةَ [ ومزاولة نشاطها الحركي؛ وآداء ما فُرض من بدايات أحكام عقائدية وعملية مِن تعليم مبادئ التوحيد ودارسة كيفية عبادة الواحد الأحد ] يَوْمَذَاكَ كَانَتْ مَحْصُورَةً فِي شِعَابِ مَكَّةَ [ واثناءها ما كان يحدث -أيضاً - في دار الأرقم - المدرسة الدعوية الأولى؛ والأكاديمية المحمدية الزاهرة -علىٰ جبل الصفا ] يُحِيطُ بِهَا – أي : „الدَّعْوَةَ” [ في مهدها ]- الْكَرْبُ وَالِابْتِلَاءُ؛ والاختبار والإمتحان يتلوه كرب وابتلاء واختبار بيد أنه [ يجب أن ندرك ] فِي الْقُرْآنِ الْمَكِّيِّ [ أي آيات الذكر الحكيم التي نزلت في أم القرى؛ مكةَ المكرمة ]، وَفِي أَوَائِلِ الدَّعْوَةِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِرَسُولِهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين }[(2)] ؛ وَقَالَ الخبير العليم:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون }[(3)] [(4)] !... و الآياتان تهدمان ما يدعيه بعض المستشرقين مِن خصوصية الرسالة للعرب أو لمكة وما حولها. الحال الإبتدائي : والظاهر - مع سرية الدعوة؛ والإعلان عنها فيما بعد؛ حين أُمرَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من قِبل صاحب الأمر والنهي سبحانه وتعالىٰ - أنه عليه السلام في بداية أمره-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كان يصلي أمام الكعبة مباشرة؛ وأمام أهل مكة؛ كما علمه أمين السماء المَلك جبرائيل -عليه السلام - قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: أَتَى جِبْرَائِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ مَا أَتَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ الْأَحَدِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بِرِسَالَةِ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ[(5)] ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ فَرَضَ اللَّهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَالْإِقْرَارِ بِــ : « التَّوْحِيدِ » وَ « الْبَرَاءَةِ » مِنَ « الْأَوْثَانِ » : « الصَّلَاةُ » ، وَأَنَّ « الصَّلَاةَ » لَمَّا فُرِضَتْ عَلَيْهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرَائِيلُ وَهُوَ بِأَعْلَىٰ مَكَّةَ فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي ، فَانْفَجَرَتْ فِيهِ عَيْنٌ ، فَــ « تَوَضَّأَ » جِبْرَائِيلُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ « الطَّهُورُ » لِلــ « صَّلَاةِ » ، ثُمَّ «تَوَضَّأَ » رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِوَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ ، ثُمَّ قَامَ جِبْرَائِيلُ فَــ «صَلَّىٰ » بِهِ ، وَ« صَلَّىٰ» النَّبِيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاتِهِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ . وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ خَدِيجَةَ - رضي الله تعالىٰ عنها وأرضاها - فَعَلَّمَهَا « الْوُضُوءَ » ، ثُمَّ صَلَّىٰ بِهَا فَصَلَّتْ بِصَلَاتِهِ[(6)] ويفهم مِن حيثيات الرواية أن تلك الحادثة تمت فيما بينهما فقط وفي بيت النبي محمد وزوجه؛ والله أعلم! وهنا فائدة : أنَّ مَن علم الرسول الخاتم كيفية « الوضوء » قبل « الصلاة »؛ وكيفية آداءها بعد ذلك هو أمين السماء جبرائيل؛ فنحن أمة تعلمت أحكام الإسلام بواسطة المصطفىٰ المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ كما علمه المَلك المنزل من عند الله تعالىٰ-أمين السماء : جبرائيل -؛ وهذه خصوصية : - دقة التبليغ ؛ و - صحة الآداء؛ وسأعود[مُحَمَّدٌفَخْرُالدينِ؛ الرَّمَادِيُ]-بإذنه تعالى- عند الحديث عن قضية الإسراء والمعراج في مسألة الصلاة وأحكامها .. وسوف تكون هذه المسألة في ملف خاص متعلق بمعجزات نبي الهدى ورسول الرحمة -عليه الصلاة والسلام - .. هذه هي الفائدة الأولى؛ أما : الثانية : فإنه في الدين الخاتم والرسالة المتممة لا تجد مبدأً أو فكرة؛ أو قيمة أو قناعة أو مقياس كالتوحيد - مثلا ؛ في بحثنا هذا- ؛ إلا وله تطبيق عملي في كيفية التعامل معه؛ بــ معنىٰ : وجود النظرية يرافقها التطبيق العملي مباشرة؛ كـ فكرة توحيد الإله وخلع الأوثان والتطبيق العملي في كيفية عبادته -سبحانه وتعالىٰ -... وهذا ومنذ بداية البعثة وبداية التكليف. فكان -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يصلي مع زوجه السيدة خديجة - رضي الله تعالى عنها - لقول علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه -إذ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: „ ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ ... وَهُمَا يُصَلِّيَانِ ، فَــ قَالَ عَلِيٌّ: « يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا ؟ » قَالَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ⋘ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَىٰ لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، فَأَدْعُوكَ إِلَىٰ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَىٰ عِبَادَتِهِ، وَأَنْ تَكْفُرَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى ⋙[ (7)]. وهنا فائدة : يتبين مِن هذه الحادثة أن السلوك - الفعل ؛ التصرف - الذي قام به النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وليس الكلام أو الدعوة باللسان فقط دعت علياً إلىٰ الاستفسار والتساؤل : " لماذا يفعل ذلك ابن عمه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ"... – وحين أجابه المصطفىٰ الهادي كما جاء عند ابن إسحاق في السيرة ؛أجاب عليٌّ بقوله :" فَــ قَالَ عَلِيٌّ : « هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ »[(8)]. إذ لا يوجد آحد مِن أهل مكة - ذاك الوقت - يفعل ما يفعله خاتم الأنبياء -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ويفهم مِن ذلك أيضا أن السلوك والتصرفات والأفعال تكون ابلغ مِن الحديث والكلام. وهذه فائدة خاصة لحملة الدعوة في كل عصر وزمان. [أ . ] حالةُ الصلاة أمام الكعبة : قَالَ الزُّهْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَعُمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: « أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَلْزَمَانِ النَّبِيَّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ، يَخْرُجُ إِلَىٰ الْكَعْبَةِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَىٰ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُنْكِرُهَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّىٰ غَيْرَهَا قَعَدَ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَرْصُدَانِهِ[(9)]. فائدة: من هذه الرواية نقرأ :" وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَاتُنْكِرُهَا "... وهي البداية الأولىٰ الفردية؛ والظاهر هنا أنه دون دعوة علنية؛ أما إذا انتشرت هذه الظاهرة الجديدة علىٰ المجتمع المكي، وأيضا في المجتمعات الحديثة .. أي قول أو فكر فردي لا تهتم به الجهات المعنية بمراقبة ومراجعة ما يحدث في المجتمع، أما إذا أخذت صورة جماعية تنظيمية تكتلية فلا بد من وقفة من تلك الجهات المعنية ... وسأتكلم عنها في البحوث القادمة -إن الله تعالىٰ– وفي نفس المسألة؛ أي بداية أمر البعثة المحمدية الخاتمة؛ تأتي رواية نثبتها في هذا المبحث وهي : [ب . ] حالةُ الصلاة أمام الكعبة: وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ،حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِيَاسِ بْنِ عُفَيِّفٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُفَيِّفٍ وَكَانَ عُفَيِّفٌ أَخَا الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ لِأُمِّهِ أَنَّهُ قَالَ : „ كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا، فَقَدِمْتُ مِنًىٰ أَيَّامَ الْحَجِّ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ امْرَأً تَاجِرًا ، فَأَتَيْتُهُ أَبْتَاعُ مِنْهُ وَأَبِيعُهُ ” ، قَالَ : „ فَبَيْنَا نَحْنُ.. إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مَنْ خِبَاءٍ فَقَامَ يُصَلِّي تِجَاهَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ تُصَلِّي، وَخَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ ”، فَقُلْتُ : „ يَا عَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ ؟، إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَا نَدْرِي مَا هُوَ ؟ ” ، فَقَالَ : „ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ ، وَأَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ سَتُفْتَحُ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ ”. قَالَ عُفَيِّفٌ: „ فَلَيْتَنِي كُنْتُ آمَنْتُ يَوْمَئِذٍ فَكُنْتُ أَكُونُ ثَانِيًا” . وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ : „ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ فَنَظَرَ إِلَىٰ السَّمَاءِ ، فَلَمَّا رَآهَا قَدْ مَالَتْ قَامَ يُصَلِّي . ثُمَّ ذَكَرَ قِيَامَ خَدِيجَةَ وَرَاءَهُ” [(10)] . ونستوضح هذه الرواية السابقة بالألفاظ وطريق آخر : " وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدَةَ الْبَجَلِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُفَيِّفٍ عَنْ عُفَيِّفٍ قَالَ :„ جِئْتُ زَمَنَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَىٰ مَكَّةَ فَنَزَلْتُ عَلَىٰ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّقَتْ فِي السَّمَاءِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَىٰ الْكَعْبَةِ، أَقْبَلَ شَابٌّ فــَــ رَمَىٰ بِبَصَرِهِ إِلَىٰ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ، فَــ قَامَ مُسْتَقْبِلَهَا، فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّىٰ جَاءَ غُلَامٌ فَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّىٰ جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ خَلْفَهُمَا، فَرَكَعَ الشَّابُّ فَرَكَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ، فَرَفَعَ الشَّابُّ فَرَفَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ، فَخَرَّ الشَّابُّ سَاجِدًا فَسَجَدَا مَعَهُ”. ... فَقُلْتُ : „ يَا عَبَّاسُ أَمْرٌ عَظِيمٌ ” . فَقَالَ : „ أَمْرٌ عَظِيمٌ ”. فَقَالَ : „ أَتَدْرِي مَنْ هَذَا ؟ ” فَقُلْتُ : „ لَا ”. فَقَالَ : „ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، ابْنُ أَخِي ... أَتَدْرِي مَنِ الْغُلَامُ ؟ ” قُلْتُ : „ لَا ”. قَالَ : „ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. .. أَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَلْفَهُمَا ؟ ” قُلْتُ : „ لَا ”. قَالَ : „ هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَةُ ابْنِ أَخِي ، وَهَذَا حَدَّثَنِي أَنَّ رَبَّكَ رَبَّ السَّمَاءِ أَمَرَهُ بِهَذَا الَّذِي تَرَاهُمْ عَلَيْهِ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَىٰ ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحَدًا عَلَىٰ هَذَا الدِّينِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ”[(11)]. و اختلف في أول من اسلم وكذا في أول من صلىٰ مع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي أَوَّل[(12)] مَنْ أَسْلَمَ » اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَىٰ أَنَّ خَدِيجَةَ - رضي الله تعالى عنها - أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ إِسْلَامًا[ (13)]، فَــ قَالَ قَوْمٌ : أَوَّلُ ذَكَرٍ آمَنَ عَلِيٌّ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ ، وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ لَا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلَّا كَاذِبٌ مُفْتَرٍ ، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ . قلت[مُحَمَّدٌفَخْرُالدينِ؛الرَّمَادِيُ]:" هذه الرواية فيها نظر ؛ ولا تعتبر؛ وراويها من أهل التشيع؛ فيسقط الاستدلال بها؛ مع حفظ مقام ودرجة الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله تعالى وجهه - (!)". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : „ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلِيٌّ.“ وَ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: „ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَصَلَّىٰ عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ“ [(14)] وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْأَرْقَمِ : „ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلِيٌّ”.[(15)] وَ الرواية عند الكامل :" قَالَ عُفَيْفٌ الْكِنْدِيُّ: كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ أَيَّامَ الْحَجِّ فَأَتَيْتُ الْعَبَّاسَ ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ فَقَامَ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ يُصَلِّي، ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ. فَقُلْتُ : „ يَا عَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ ؟ ” ، فَقَالَ : „ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ ابْنُ أَخِي، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ وَأَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ سَتُفْتَحُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدًا عَلَى هَذَا الدِّينِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ ! ” ، قَالَ عُفَيْفٌ: „ لَيْتَنِي كُنْتُ رَابِعًا” [(16)]. وعلىٰ هذا التساؤل: أي « ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ »... (!) فـــ : " أَجَابَ أَبُوحَنِيفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، بِالْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ - التي ذكرت في البحوث السابقة - بِأَنَّ : - أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ « أَبُوبَكْرٍ »؛ وَ - مِنَ النِّسَاءِ « خَدِيجَةُ »، وَ - مِنَ الْمَوَالِي « زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ»، وَ مِنَ الْغِلْمَانِ « عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ »-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ- [(17)]. و تأتي قصة توضح المقصود : فقد ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ : „أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَّلِ مَا بُعِثَ وَهُوَ بِمَكَّةَ [وفي رواية : بِــ „عُكَاظَ” [(18)] ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَخْفِيًا ”، فَقُلْتُ : „ مَا أَنْتَ ؟ ” ، قَالَ : ⋘ أَنَا نَبِيٌّ ⋙ . فَقُلْتُ : „ وَمَا النَّبِيُّ ؟ ” ، قَالَ : ⋘ رَسُولُ اللَّهِ ⋙ . قُلْتُ : „ آللَّهُ أَرْسَلَكَ ؟ ” ، قَالَ : ⋘ نَعَمْ ⋙ . قُلْتُ : „ بِمَ أَرْسَلَكَ ؟ ” ؛ قَالَ : ⋘ بِأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَتَكْسِرَ الْأَصْنَامَ ، وَتَصِلَ الْأَرْحَامَ ⋙ . قَالَ : قُلْتُ : „ نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ ، فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ ” ، قَالَ : ⋘ حُرٌّ وَ عَبْدٌ ⋙ . [يَعْنِي أَبَابَكْرٍ وَ بِلَالًا ] قَالَ : فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ : „ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ”. قَالَ : „ فَأَسْلَمْتُ ” . قُلْتُ : „ فَأَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ” . قَالَ : ⋘ لَا ، وَلَكِنِ الْحَقْ بِقَوْمِكَ ، فَإِذَا أُخْبِرْتَ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي ⋙[(19)]. و هنا يتدخل قلم الحافظ ابن كثير :". وَيُقَالُ : إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ⋘ حُرٌّ وَ عَبْدٌ ⋙ . اسْمُ جِنْسٍ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِــ « أَبِي بَكْرٍ » وَ « بِلَالٍ » فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ بِلَالٍ أَيْضًا، فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رُبُعُ الْإِسْلَامِ بِحَسَبِ عِلْمِهِ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذْ ذَاكَ يَسْتَسِرُّونَ بِإِسْلَامِهِمْ لَا يَطَّلِعُ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ كَثِيرُ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ، دَعِ الْأَجَانِبَ ، دَعْ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ[(20)]. الحالة الثانية : « خُرُوجُ عَلِيٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّيَانِ » ننتقل إلىٰ حال آخر؛ إذ أن الحال الأول صلاته- عليه السلام - أمام الكعبة وعلىٰ مرأى مِن قريش؛ فقد قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، خَرَجَ إِلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ فَيُصَلِّيَانِ فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا [(21)] *.] الصَّلَاةُ في شِعَابِ مَكَّةَ [(22)] [خُرُوجُ عَلِيٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إلَى شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّيَانِ، وَ وُقُوفُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَمْرِهِمَا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كَانَ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلَى شِعَابِ مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ « عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ » مُسْتَخْفِيًا مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ جَمِيعِ أَعْمَامِهِ وَسَائِرِ قَوْمِهِ، فَيُصَلِّيَانِ الصَّلَوَاتِ فِيهَا، فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا. فَمَكَثَا كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَا. ثُمَّ إنَّ أَبَاطَالِبٍ عَثَرَ عَلَيْهِمَا يَوْمًا وَهُمَا يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: „ يَا ابْنَ أَخِي مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَرَاكَ تَدِينُ بِهِ ؟ ” ، قَالَ : ⋘ أَيْ عَمِّ، هَذَا دِينُ اللَّهِ، وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ، وَدِينُ رُسُلِهِ، وَدِينُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ- أَوْ كَمَا قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-- بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ رَسُولًا إلَى الْعِبَادِ، وَأَنْتَ أَيْ عَمِّ، أَحَقُّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النَّصِيحَةَ، وَدَعَوْتُهُ إلَى الْهُدَى، وَأَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِي إلَيْهِ وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ ⋙، أَوْ كَمَا قَالَ ؛ فَــ قَالَ أَبُوطَالِبٍ: „ أَيْ ابْنَ أَخِي، إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَا يَخْلُصُ إلَيْكَ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ ” . وَذَكَرُوا أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: „ أَيْ بُنَيَّ، مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ ؟” ، فَقَالَ : « يَا أَبَتِ، آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِ اللَّهِ، وَصَدَّقْتُهُ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ لِلَّهِ وَاتَّبَعْتُهُ » . فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ لَهُ :„ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَدْعُكَ إلَّا إلَى خَيْرٍ فَالْزَمْهُ” [(23)]. وفي رواية : وَكَانَ النَّبِيُّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ انْطَلَقَ هُوَ وَعَلِيٌّ إِلَى بَعْضِ الشِّعَابِ بِمَكَّةَ فَيُصَلِّيَانِ وَيَعُودَانِ[(24)]. وعند القاري:" كَمَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَىٰ غَايَةٍ مِنَ الِاسْتِخْفَاءِ، وَكَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِصَلَاتِهِمْ فِي الشِّعَابِ[(25)] * ] (خُرُوجُ الرَّسُولِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِأَصْحَابِهِ إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إذَا صَلَّوْا،… ذَهَبُوا فِي الشِّعَابِ، فَاسْتَخْفَوْا بِصَلَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ[(26)] أما من حيث اللُغة: فــ الشِّعْبُ : انفراجٌ بين الجبلين، والجمع : شِعابٌ . والشِّعْبُ: الطريقُ. و شِعَابِ مَكَّةَ " جَمْعُ شِعْبٍ بِكَسْرِ الشِّينِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، وَ أَمَّا الشَّعْبُ بِالْفَتْحِ فَهُوَ مَا يُشَعَّبُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ[(27)]. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ بحوث: «السِّيرَة النَّبَوِيَّة» الشريفة؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل البركات والرحمات وعلى آله وصحابته الكرام؛ وعلىٰ مَن اتبع هداه واستن طريقته والتزم سنته، (*) تكملة مَبَاحِث: ﴿„ ٦ ” ﴾ المجلد السادس مِن „ علنية الدعوة .. .. سرية التكتل “ حُرِّرَ سَنَةَ 1443 مِن السنة الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ - هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين- الأربعاء، 22 صفر، ~ 29 سبتمبر، 2021م مِن الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام- الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ــــــــــــــــــــــــــــــ أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى- |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
﴿«„٩٢‟»﴾ الْهِجْرَةُ ﴿«„٩٢‟»﴾ الْهِجْرَة [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ اَلْعَطِرةِ „صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ“ ؛ قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا : د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدين بْنُ إبراهيم الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. *:" ﴿«„٩٢‟»﴾ " الْهِجْرَةُ " بُحُوثٌ ﴿سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾ :" تَمْهِيدٌ ". منذ اللحظة الأولىٰ مِن مبعثه [] وبعد حديثٍ مع القِص -ورقة بن نوفل- ؛ وفي حوار بينهما بحضور زوج النبي السيدة خديجة بنت خويلد [رضي الله عنها وأرضاها] روته لنا السيدة عائشة بنت أبي بكر [رضي الله عنها وأرضاها وعن أبيها] في صحيح البخاري.. منذ تلك اللحظة علمَ صاحبُ الرسالة العصماء: آخر المرسلين ومتمم المبتعثين وخاتم الأنبياء أنه سيخرج مِن موطنه - مكةَ - وسيغادر مسقط رأسه الشريف... فقد... * . ] انْطَلَقَتْ بِهِ [] خَدِيجَةُ [رضي الله عنها وأرضاها] حَتَّىٰ أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى -ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ-، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ؛ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ .... فَــ قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : „ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ ” ؛ فَــ قَالَ لَهُ وَرَقَةُ : „ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَىٰ ” ، فَــ أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرَ مَا رَأَىٰ .... فَــ قَالَ لَهُ وَرَقَةُ : „ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ [ﷻ] عَلَىٰ مُوسَىٰ ... يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ... لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ « يُخْرِجُكَ » قَوْمُكَ” . فَــ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ⋘أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ!!⋙ قَالَ : „ نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ .... وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا " [.(1).] . بيد أن الواقع الفعلي لِمَا حدث في المرحلة المكية لمَن أمن بالدين الجديد عقيدةً؛ أي أن الإله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد؛ فلا تصح أن تكون له صاحبة ولا يجوز أن يكون له ولد... وله سبحانه الأمر والنهي... ومَن أمن بالإسلام منهاجاً في الحياة وطريقة خاصة من العيش وطراز معين من الحياة ونظاماً لا يشبهه آخر... أقول(الرَّمَادِيُ ) الواقع الفعلي يظهر أنه سيكون لهم - رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين - نصيب من مقولة القص : « وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ » :" إِذْ « يُخْرِجُكَ » قَوْمُكَ " . * . ] وَاسْتَبْعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرِجُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي تَقَدَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ وَصْفُهَا[.(2).]. ثُمَّ اسْتَدَلَّتْ عَلَىٰ مَا أَقْسَمَتْ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ أَبَدًابِأَمْرٍ اسْتِقْرَائِيٍّ وَصَفَتْهُ بِأُصُولِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ إِمَّا إِلَىٰ الْأَقَارِبِ أَوْ إِلَىٰ الْأَجَانِبِ، وَإِمَّا بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ، وَإِمَّا عَلَىٰ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ أَوْ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَجْمُوعٌ فِيمَا وَصَفَتْهُ بِهِ . فَــ قَالَتْ خَدِيجَةُ : - „ كَلَّا ...”؛ ثم أقسمت: - „ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ”؛ - „ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ”؛ - „ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ”؛ - „ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ”؛ - „ وَتَقْرِي الضَّيْفَ ”؛ - „ وَتُعِينُ عَلَىٰ نَوَائِبِ الْحَقِّ ”[.(3).] وَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: - „ وَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ”؛[.(4).] وَ قَدِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الدُّغُنَّةِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ عَلَىٰ أَنَّ أَبَابَكْرٍ لَا يُخْرَجُ[.(5).]. وهذا ما سأبحثه في ورقة البحث القادمة ... وهي المسألة التي اصطلح عليها « الهجرة » ... و هي لغةً: * . ] ( هَجَرَ ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ يَدُلُّ عَلَىٰ قَطِيعَةٍ وَقَطْعٍ[.(6).]، * . ] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَأَصْلُ الْمُهَاجَرَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ : خُرُوجُ الْبَدَوِيِّ مِنْ بَادِيَتِهِ إِلَىٰ الْمُدُنِ؛ يُقَالُ : هَاجَرَ الرَّجُلُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مُخْلٍ بِمَسْكَنِهِ مُنْتَقِلٍ إِلَىٰ قَوْمٍ آخَرِينَ بِسُكْنَاهُ[.(7).]، فَقَدْ هَاجَرَ قَوْمَهُ . وَسُمِّيَ الْمُهَاجِرُونَ مُهَاجِرِينَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمُ الَّتِي نَشَئُوا بِهَا لِلَّهِ، وَلَحِقُوا بِدَارٍ لَيْسَ لَهُمْ بِهَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ حِينَ هَاجَرُوا إِلَىٰ الْمَدِينَةِ؛ فَكُلُّ مَنْ فَارَقَ بَلَدَهُ مِنْ بَدَوِيٍّ أَوْ حَضَرِيٍّ أَوْ سَكَنَ بَلَدًا آخَرَ، فَهُوَ مُهَاجِرٌ وَ الْاسْمُ مِنْهُ :« الْهِجْرَةُ »[.(8).]. قال الله عزَّوجلَّ : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً }[.(9).] [.(10).] . * . ] ( الهُجْرَة ) بالكسر [الْهِجْرَةُ] والضمّ[.(11).] ؛ الْهُجْرَةُ : أي الْخُرُوجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَىٰ أَرْضٍ[.(12).]أخرىٰ[.(13).] ومن فعل ذلك فقد هاجَر[.(14).]. وَالْمُهَاجِرُونَ : الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْتَقٌّ مِنْهُ[.(15).] . * . ] وَهَاجَرَ الْقَوْمُ مِنْ دَارٍ إِلَىٰ دَارٍ : تَرَكُوا الْأُولَىٰ لِلثَّانِيَةِ، كَمَا فَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ[.(16).]. * . ] قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ- { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً }[.(17).] وَ كُلُّ مَنْ أَقَامَ مِنَ الْبَوَادِي بِمَبَادِيِهِمْ وَمَحَاضِرِهِمْ فِي الْقَيْظِ وَلَمْ يَلْحَقُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَحَوَّلُوا إِلَىٰ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ، فَهُمْ غَيْرُ مُهَاجِرِينَ ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ وَيُسَمَّوْنَ الْأَعْرَابَ[.(18).. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهِجْرَتَانِ : - هِجْرَةٌ إِلَى الْحَبَشَةِ وَ - هِجْرَةٌ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ . وَالْمُهَاجَرَةُ مِنْ أَرْضٍ إِلَىٰ أَرْضٍ : تَرْكُ الْأُولَىٰ لِلثَّانِيَةِ[.(19).] . قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ : إِحْدَاهُمَا الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْجَنَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ :{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ }[.(20).] . فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدَعُ أَهْلَهُ وَيترك مَالَهُ وَلَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِهِ إِلَىٰ مُهَاجَرِهِ[.(21).]. * . ] المُهاجَرَة في الأصل مُصارَمةُ الغَيرِ ومُتارَكَتُه قال الله - عزَّوجلَّ - : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًارَّحِيمًا }[.(22).] [.(23).]. * . ] وعند الأصوليين يوجد لديهم تعريف للدار؛ وبسقوط الدولة العثمانية سقط معها هذا التعريف: ولا يغرنك ما قالت به فرقة خارجة سميت في وسائل الإعلام بـ : داعش... فــ في قَوْلُهُ تَعالى : { وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ }[.(24).]الخروجُ من دارِ الكُفر إلى دارِ الإيمان قال الله - عزَّ وجلَّ - : " ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأرضِ مُرَاغَماً كثيراً وسَعَةً "[.(25).].و الهِجْرَتان قال الله عزَّ وجلَّ : " ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأرضِ مُرَاغَماً كثيراً وسَعَةً "[.(26).] :هِجرَةٌ إلىٰ الحبَشَة وهِجرَةٌ إلىٰ المدينة وهذا هو المُراد من الهِجْرَتَيْن إذا أُطلِقَ ذِكرُهما ... قاله ابنُ الأثير . و المُهاجَرَةُ[.(27).]من أرضٍ إلىٰ أرض[.(28).]: تَرْكُ الأولىٰ للثانية ، وذو الهِجْرَتَيْن من الصَّحابة : مَن هاجَرَ إليْهما[.(29).]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ سلسلة بحوث ﴿سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾ „أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟ د. مُحَمَّدُالرَّمَادِيُّ بِـ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ- حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى– Dr. MUHAMMAD ELRAMADY حُرِّرَ في يوم الثلاثاء : 13 من شهر ربيع الأول 1442 من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق 19 من شهر أكتوبر عام 2021 من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام-. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ". الْهِجْرَةُ" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* -*-* |
عَزْمَ الصِّدِّيقِ عَلَىٰ الْهِجْرَةِ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ! ﴿«„٩٣‟»﴾ محاولة الصديق للهجرة [٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ " الْهِجْرَةُ " الْبَابُ الْأَوَّلُ : محاولة الصديق للهجرة عَزْمَ الصِّدِّيقِ عَلَىٰ الْهِجْرَةِ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ،حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ ، وَأَصَابَهُ فِيهَا الْأَذَىٰ ، وَرَأَىٰ مِنْ تَظَاهُرِ قُرَيْشٍ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مَا رَأَى ، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِجْرَةِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مُهَاجِرًا ، حَتَّى إِذَا سَارَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمًا أَوْيَوْمَيْنِ ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ ؛ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَحَابِيشِ . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ أَحَدُ بَنِي بَكْرٍ مِنْ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: ابْنُ الدَّغِنَةِ اسْمُهُ مَالِكٌ ؛ فَــ قَالَ : إِلَىٰ أَيْنَ يَاأَبَا بَكْرٍ ؟ [1] و رَوَىٰ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَاً تَفَرِّدَ بِهِ ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ [2] ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ [3] قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ : لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ [قَطُّ] إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَيَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيًّا [4]، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ [5] خَرَجَ أَبُوبَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغَمَادِ ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ ،[6] قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي[7] ، وَآذَوْنِي ، وَضَيَّقُوا عَلَيَّ[8] ، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي[9] قَالَ: وَلِمَ ؟[10] ، إِنَّ مِثْلَكَ [ يَا أَبَا بَكْرٍ ] لَا يَخْرُجُ [11] ؛ [ وَلَايُخْرَجُ مِثْلُهُ ] ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَــ - تَزِينُ الْعَشِيرَةَ[12] [13] ، وَ - تَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ [14] - تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَ - تَصِلُ الرَّحِمَ ، وَ - تَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَ - تَقْرِي الضَّيْفَ ، وَ - تُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ارْجِعْ فَإِنَّكَ فِي جِوَارِي [15] . وَأَنَا لَكَ جَارٌ [16]، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ [17]. فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَّةِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ [18]،حَتَّى إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ [19] فَطَافَ [ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً] فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، وقَامَ ابْنُ الدَّغِنَةِ ... فَقَالَ لَهُمْ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ [20] ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ مِثْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ! [21]، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَلَا يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِخَيْرٍ [22] ، [فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ ] ، قَالَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: فَكَفُّوا عَنْهُ [23]. فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَّةِ [24]، وَقَالُوا لَهُ : مُرْ أَبَا بَكْرٍ [فَلْــ ] يَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَلْيُصَلِّ [ فِيهَا ] وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ ، فَإِنَّا نَخْشَىٰ أَنْ يُفْتَنَ أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا . فَقَالَ ذَلِكَ [ ابْنُ الدَّغِنَةِ ] لِأَبِي بَكْرٍ . فَلَبِثَ [ أَبُو بَكْرٍ ] يَعْبُدُ رَبَّهُ [ فِي دَارِهِ ] وَ لَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَ لَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ [25 ] ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ ، فَابْتَنَىٰ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَ بَرَزَ ،فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ [26 ]، قَالَتْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْجِدٌ عِنْدَ بَابِ دَارِهِ فِي بَنِي جُمَحَ ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا ، إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اسْتَبْكَىٰ [27]. فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ [ فَيَتَقَذَّفُ عَلَيْهِ ] نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ [ 28 ] ؛ قَالَتْ : فَيَقِفُ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ ، يَعْجَبُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ هَيْئَتِهِ [ 29 ] ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، [وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً] فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَكَادُ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ [ 30] [الْقُرْآنَ]، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ . قَالَتْ عَائِشَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ و - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: فَمَشَى رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَىٰ ابْنِ الدَّغِنَّةِ ، وَأَرْسَلُوا إِلَيه ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ [ 31 ]، فَقَالُوا لَهُ : [ إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَىٰ أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ ، فَابْتَنَىٰ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ ، فَأَعْلَنَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتَتِنَ أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا ، فَانْهَهُ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَىٰ أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَعَلَ ، وَإِنْ أَبَىٰ إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ ، وأَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ ،فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ . و أضافوا: إِنَّكَ لَمْ تُجِرْ هَذَا الرَّجُلَ لِيُؤْذِيَنَا ، إِنَّهُ رَجُلٌ إِذَا صَلَّىٰ وَقَرَأَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ يَرِقُّ ، وَكَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ وَنَحْوٌ ، فَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ عَلَىٰ صِبْيَانِنَا وَنِسَائِنَا وَضُعَفَائِنَا أَنْ يَفْتِنَهُمْ ، فَأْتِهِ فَمُرْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ ، فَلْيَصْنَعْ فِيهِ مَا شَاءَ [32]. قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: فَمَشَىٰ ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَيْهِ [33]...فَأَتَىٰ ابْنُ الدَّغِنَّةِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي ، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ [34 ] فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي لَمْ أُجِرْكَ لِتُؤْذِيَ قَوْمَكَ ، وَقَدْ كَرِهُوا مَكَانَكَ الَّذِي أَنْتَ بِهِ ، وَتَأَذَّوْا بِذَلِكَ مِنْكَ ، فَادْخُلْ بَيْتَكَ فَاصْنَعْ فِيهِ مَا أَحْبَبْتَ [ 35 ] قَالَ أَبُوبَكْرٍ: [ فَإِنِّي ] أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَىٰ بِجِوَارِ اللَّهِ - تعالىٰ- ... وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ [ 36]. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ؛ قَالَ : لَقِيَهُ - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - حِينَ خَرَجَ مِنْ جِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَىٰ الْكَعْبَةِ ، فَحَثَا عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا ، فَمَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ... أَوِ... الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ هَذَا السَّفِيهُ ؟ ، فَقَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ . وَهُوَ- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - يَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، مَا أَحْلَمَكَ ! أَيْ رَبِّ ، مَا أَحْلَمَكَ ! أَيْ رَبِّ ، مَا أَحْلَمَكَ!. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) الثلاثاء، 13 ربيع الأول، 1443هــ ~* 19 أكتوبر، 2021 م الرَّمَادِيُّ |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية ﴿«„٩٤‟»﴾: الْهِجْرَةُ الْأُولَىٰ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَة ِ! أحداث العام: 6 قبل الهـجرة الشريفة ~ 616 بعد الميلاد العجيب ما زلنا عزيز(تــ)ـي القارئــ(ــة)مِن خلال هذه البحوث نتعايش معاً فترة العهد المكي ؛ بما تحمل هذه الفترة في صميمها مِن صخب الرفض التام لما يدعو إليه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين [(1)]، ويظهر لنا مِن بين جوانبها ارتفاع درجة الاضطهاد ؛ وما آل إليه حال المستضعفين من زيادة مقدار التعذيب لمَن أمن بالله رباً واحداً ؛ وسبب الرفض والتعذيب مِن قِبل مشركي مكة وعبَّاد أوثانها وإن كان أمام أعينهم ليل نهار البيت العتيق .. والذي هو : { أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين }[(1)] .. سبب الرفض أنهم لا يريدون الإيمان بإله واحد أحد ؛ وسبب التعذيب لأوائل مَن أمن بمحمد رسول الله [ (2)] هو قضية الأمر الإلٰهي بفعل أو قول ؛ وهذا شق ، أما الثاني : فهو النهي عن فعل أو قول أو تصرف ؛ قضية الأوامر والنواهي ؛ أي قضية التكليف مِن قِبل الخالق مبدع الإنسان وهو سبحانه القائل : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} [(2)] لكنهم كما يحدث في بعض الأزمنة يُغَلِبون الهوىٰ ؛ ويحتكمون لرغباتهم وشهواتهم فيترتب علىٰ ذلك ما اثبته القرآن الكريم فنطق يقول : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين } [(3)] ثم يأتي الاستثناء : { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون }[(4)] ... اليوم -بمشيئته وعونه وتوفيقه - أكملُ الحديث عن مفصل هام يربط بين روابط العهد المكي ومراحله وبين بداية روابط العهد المدني ومراحله .. هذا المفصل الهام : وهو «الهجرة » . ﴿ ١ ﴾ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَأَىٰ رَسُولُ اللَّهِ [(3)] مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ ، بِمَكَانِهِ مِنْ اللَّهِ [ ﷻ ] وَمِنْ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ،وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ[(5)] فلم يخل أحد من المسلمين الذين ارتقوا إلىٰ درجة المؤمنين مِن أَذِيّةٍ لحقته، ولكن كل ذٰلك ضاع سدًى تلقاء ثباتهم وعظيم إيمانهم، فإنهم لم يُسلِموا لغرض دنيوي يرجون حصوله فيسهل إرجاعهم، ولكن وفقهم الله [ ﷻ ] لإدراك حقيقة الإيمان فرأوا كل شيء دونه سهلاً. ﴿ ٢ ﴾ إشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] عَلَىٰ أَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ[(6)] رأىٰ المشركون ضعفهم عن مقاومة المسلمين بالبرهان، فــ تحولوا إلىٰ سياسة القوة التي اختارها قوم إبراهيم عندما عجزوا عنه حيث قالوا: { حَرّقُوهُ وَانصُرُواْ ءالِهَتَكُمْ }[(7)] .. أما هؤلاء فازدادوا بالأذىٰ علىٰ كل مَن أسلم رجاء صدّهم عن اتّباع الرسول [عليه الصلاة والسلام]، ولم يتركوا باباً إلا ولجوه، فقال [عليه الصلاة والسلام] لأصحابه: «تفرقوا في الأرض، فإن الله سيجمعكم » ، فسألوه عن الوجه فأشار إلىٰ الحبشة. ". لذا فــ :" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ] زَوْجِ النَّبِيِّ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] أَنَّهَا قَالَتْ : „لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ ، وَأُوذِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] وَفُتِنُوا ، وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَعَمِّهِ ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مَمَّا يَنَالُ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] : « إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ ، فَالْحَقُوا بِبِلَادِهِ حَتَّىٰ يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ » . فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالًا حَتَّىٰ اجْتَمَعْنَا بِهَا ، فَنَزَلْنَا خَيْرَ دَارٍ إِلَىٰ خَيْرِ جَارٍ أَمِنَّا عَلَىٰ دِينِنَا ، وَلَمْ نَخْشَ مِنْهُ ظُلْمًا ”. وفي رواية ثانية عَنْها أنها قَالَتْ :" لَمَّا أُمِرْنَا بِالْخُرُوجِ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] حِينَ رَأَى مَا يُصِيبُنَا مِنَ الْبَلَاءِ : « الْحَقُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، فَأَقِيمُوا بِبِلَادِهِ حَتَّىٰ يَجْعَلَ اللَّهُ مَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ». فَــ : „ قَدِمْنَا عَلَيْهِ فَاطْمَأْنَنَّا فِي بِلَادِهِ ”. الْحَدِيثَ . [(8)]". ﴿ ٣ ﴾ فعند ذلك تجهزَ ناسٌ للخروج من ديارهم وترك أموالهم فراراً بدينهم كما أشار [عليه الصلاة والسلام]، وهذه هي أول هجرة مِن مكة، وعدّة أصحابها عشرة رجال وخمس نسوة: فَخَرَجَ : - عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بن أبي العاص بن أمية ومَعَهُ امرأته : رُقَيَّةُ ابْنَةُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [(9)]، قَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ فِي" تَارِيخِهِ " : قَالَ : حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، قَالَ : „ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَىٰ اللَّهِ بِأَهْلِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ“ قَالَ : سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ: „ خَرَجَ عُثْمَانُ بِرُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] إِلَىٰ الْحَبَشَةِ ، فَأَبْطَأَ خَبَرُهُمْ ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَتْ : „ يَا مُحَمَّدُ قَدْ رَأَيْتُ خَتَنَكَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ “، فَقَالَ :« عَلَىٰ أَيِّ حَالٍ رَأَيْتِهِمَا » . قَالَتْ : „ رَأَيْتُهُ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَىٰ حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَةِ ، وَهُوَ يَسُوقُهَا“ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ]: « صَحِبَهُمَا اللَّهُ ، إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ . « [(10)]. و - أبو سلمة بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بن هلال بن عبدالله بن عمر الْمَخْزُومِيُّ ؛ ومعه زوجه أُم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم [ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ] ، و - أخوه لأمهِ أبو سَبْرة بن أبي رُهْم بْنِ عَبْدِالْعُزَّى الْعَامِرِيُّ ، وزوجه أم كلثوم، و - عامر بن ربيعة حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ وزوجه ليلىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ الْعَدَوِيَّةُ ، وَ - أَبُو حُذَيْفَةَ وَلَدُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِشَمْسٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بنت سُهَيل بْنِ عَمْرٍو؛ أحد بني عامر بن لؤي، فَوَلَدَتْ لَهُ بِالْحَبَشَةِ مُحَمَّدًا ، و - عبدالرحمٰن بن عوف بن عبدعوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، و - عثمان بن مظعون، و - من بني عبدالدار بن قصي : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار [ الْعَبْدَرِيُّ ] ، و - سُهَيْل بن البيضاء ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبٍ بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة الْحَارِثِيُّ ، وَ - الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بن خويلد بن أسد ؛ من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وجُلّهم من قريش، وكان عليهم ــــ فيما روىٰ ابن هشام ــــ عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح[(11)] ، وَغَيْرُهُمْ تَمَامَ عَشَرَةِ رِجَالٍ ؛ وهذا ما قال به ابن هشام :" فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلىٰ أرض الحبشة ". وَقِيلَ : أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ ، وَكَانَ مَسِيرُهُمْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَهِيَ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ إِظْهَارِ الدَّعْوَةِ ، فَأَقَامُوا شَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ[(12)] ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ . فساروا علىٰ بركة الله، ولما انتهوا إلىٰ البحر، استأجروا سفينة أوصلتهم إلىٰ مقصدهم، فأقاموا آمنين من أذًىٰ يلحق بهم من المشركين، ولم يبق مع النبي [عليه الصلاة والسلام] إلا القليل . ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ. ثُمَّ سَمَّىٰ ابْنُ إِسْحَاقَ جَمَاعَتَهُمْ ، وَقَالَ : „ فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، أَوْ وُلِدَ بِهَا ، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ، فَعَبَدُوا اللَّهَ وَحَمِدُوا جِوَارَ النَّجَاشِيِّ ”. وهنا يطرح السؤال نفسه : إى أين يذهبون!؟ ؛ وكيف يغادون موطنهم ومكان معاشهم وأرض أجدادهم وأبائهم وذويهم وتجاراتهم ويتركون بيوتهم وأهليهم وناسهم!؟... فتصاحبهم حالة رفض كامل مِن مَن يعيشون معهم في مكة من أقاربهم وجيرانهم ... رفض لما يعتقدونه ويؤمنون به وضاقت عليهم السبل ... فهل لم يتبقَ أمامهم سوىٰ المغادرة القَصْرية وترك خلفهم ما كانوا يستعملونه!؟. فــ [ إشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ[(13)] ] هذه المسألة : « الهجرة » صاحبت الكثير من أنبياء الله تعالىٰ ؛ وتحتاج إلىٰ تسليط الضوء عليها وأضعها - مِن بعد إذنه ومشيئته - في ملاحق السيرة النبوية! أمام التعذيب والاضطهاد وعدم مقدرة المسلمين علىٰ حماية أنفسهم ... في هذه الأجواء المشحونة برفض وغضب واستهزاء واستنكار وإهانة وتعذيب وضرب أختار الرسول الأعظم مكاناً بما لديه من معلومات سابقة عن الحاكم وعن الأرض ؛ فيقول ؛ كما قَالَ الْبَكَّائِيُّ ؛ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ [عليه الصلاة والسلام]، لَهُمْ : « لَوْ خَرَجْتُمْ[(14)] إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا[(15)]("فِيهَا") مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ ، حَتَّىٰ يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا [(16)](وَمَخْرَجًا) مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ».[(17)]". فائدة : الظاهر بوضوح - كضوء الشمس في رابعة النهار - لما قاله القائد الأعلى للمسلمين الأوائل ؛ أنه [عليه الصلاة والسلام]، يملك قدراً عالياً من الوعي السياسي وفهماً عميقا صحيحاً لما يحيط بمنطقة مكة سواء شمالها أو جنوبها أو حين يترك شبة جزيرة العرب ومغادرتها بحراً إلىٰ المنطقة المقابلة لها وتقع في قارة آخرىٰ(!) ويتكلمون لغة آخرىٰ غير لغتهم ؛بل ويدينون بدين سابق علىٰ ما يدينون هم به - « „ النصرانية ‟» أو ما يحلو للبعض منهم بتسمية « „ المسيحية ‟» ولا مشاحة في استخدام المصطلح! ؛ فمسألة الوعي الصحيح المبني علىٰ معلومات موثقة يترتب عليهما فهم جيد للواقع إثناء التعامل مع الحدث ..نحتاجها اليوم كما احتاجها النبي [عليه السلام]! فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ ، وَفِرَارًا إلَىٰ اللَّهِ بِدِينِهِمْ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ[( 18)]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* الثلاثاء، 04 ربيع الثاني، 1443 الهجري~ 09 نوفمبر، 2021م من الميلاد العجيب. [٧] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛" الْهِجْرَةُ ؛ الباب الثاني، أعد هذاالملف :د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ- حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى- |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية |
[٣.] الْبَابُ الثَّالِثُ:﴿ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةُ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ﴾ الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ [ ٣ . ] الْبَابُ الثَّالِثُ: ﴿ ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةُ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ﴾ - أحداث العام: 6 قبل الهـجرة الشريفة ~ 616 بعد الميلاد العجيب : تمهيد: اليوم .. الأمةُ الإسلاميةُ ؛ وهم الذين يعلنون إسلامهم ثم لا يتقيدون بأوامر الله - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه - ونواهيه ؛ ولا يتبعون النبي الرسول - صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وآله ومَن التزم القرآن منهاجاً والسنة المحمدية نبراساً - وهي - هذه الأمة - تزيد علىٰ المليار و 700 مليون - بمجموعها - وليس بافرادها -انظر لحال غالب بلاد المسلمين- ؛ فهناك ثلة تعلم أوامره وتنفذها وتخشى عقابه فتبتعد عن ما نهى على قدر الطاقة وبما فيهم من استطاعة - لذا تحتاج الأمة بمجموعها إلىٰ إعادة النظر بعمق مع التأني بـ قراءة صحيحةٍ وبوعي واستنارة لتلك النصوص الشرعية - ونكتفي كــ مرحلة أولى بــ آيات الأحكام وهي لا تزيد عن خمس مائة [500] آية كريمة - من الكتاب الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ لقوله تعالىٰ: { .. وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز } [*] { لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد }[(1)] ؛ مع إعادة الربط المحكم بين الكتاب العزيز - وخاصة آيات الأحكام - وبين السنة النبوية المحمدية ؛ ويرافقهما السيرة العطرة - وخاصة أحاديث الأحكام - باعتبارها الطريقة المثلىٰ لأحداث النبوة وتسلسل أحكام الرسالة ؛ ويجاور هذا الاهتداء بسيرته العطرة باعتبارها الكيفية العملية لأحداث الرسالة ؛ يرافق هذا سيرة الشخصيات المحورية التي كانت مع.. وحول الرسول الكريم - رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين - ... كي تَخْرُج الأمةُ الإسلامية مِن كبوتها وتفيق من غيبوبتها ؛ وتعود خير أمة أخرجت للناس .. وَنِعْمَ مَا قَالُوا : „ لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ ” ، وَ : „ لِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَةٌ ” ، وَ لَا غَرْوَ فَــ : „ لِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوَةٌ ”» ... و الخروج منهما - أعني الكبوة؛ وهي الْكَبْوَةُ : أي الْوَقْفَةُ كَوَقْفَةِ الْعَاثِرِ ، أَوِ الْوَقْفَةُ عِنْدَ الشَّيْءِ يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ [(2)] ؛ والغيبوبة - والخروج مِن هذا المأزق نحتاج لدراسة واعية لمثل تلك الشخصية المحورية: أمثال: ﴿ „ جعفر بن أبي طالب ”﴾ رضوان الله تعالى عليه .. فلنستمع إليه : -*-* الرواية من بدايتها : [ إرْسَالُ قُرَيْشٍ إلَىٰ الْحَبَشَةِ فِي طَلَبِ الْمُهَاجِرِينَ إليها ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَمِنُوا ، وَاطْمَأَنّوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَأَنّهُمْ قَدْ أَصَابُوا بِهَا دَارًا وَقَرَارًا ، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنّ يَبْعَثُوا فِيهِمْ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ جَلْدَيْنِ إلَىٰ النّجَاشِيّ، فَيَرُدّهُمْ عَلَيْهِمْ ؛ لِيَفْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ ، وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دَارِهِمْ ، الّتِي اطْمَأَنّوا بِهَا وَأَمِنُوا فِيهَا ، فَبَعَثُوا : „ ١ ” عَبْدَاللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَ „ ٢ ” عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَ جَمَعُوا لَهُمَا : « أ » هَدَايَا لِلــ : ﴿ ١ ﴾: نّجَاشِيّ وَلِــ : ﴿ ٢ ﴾: بَطَارِقَتِهِ، ثُمّ بَعَثُوهُمَا إلَيْهِ فِيهِمْ. -* ﴿ « „ أَبُوطَالِبٍ يَحُضّ النّجَاشِيّ على حسن جوارهم، والدّفع عنهم ” » ﴾ فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ - حِينَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ وَمَا بَعَثُوهُمَا فِيهِ - أَبْيَاتًا لِلنّجَاشِيّ يَحُضّهُ على حسن جوارهم، والدّفع عنهم: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ فِي النّأْيِ جَعْفَرٌ * وَعَمْرٌو وَأَعْدَاءُ الْعَدُوّ الْأَقَارِبُ وَهَلْ نَالَتْ أَفْعَالُ النّجَاشِيّ جَعْفَرًا ... وَأَصْحَابَهُ أَوْ عَاقَ ذَلِكَ شَاغِبُ تَعَلّمْ- أَبَيْتَ اللّعْنَ- أَنّك مَاجِدٌ ... كَرِيمٌ فَلَا يَشْقَى لَدَيْك الْمُجَانِبُ تَعَلّمْ بِأَنّ اللهَ زَادَك بَسْطَةً ... وَأَسْبَابَ خَيْرٍ كُلّهَا بِك لَازِبُ وَأَنّك فَيْضٌ ذُو سِجَالٍ غَزِيرَةٍ ... يَنَالُ الْأَعَادِي نَفْعَهَا والأقارب - * * * * قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزّهْرِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرّحْمَنِ ابن الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيّ ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ، قَالَتْ: « „ لَمّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ : ﴿ « „ النّجَاشِيّ ” » ﴾ : « أ » : أَمِنّا عَلَى دِينِنَا ، وَ : « ب : عَبَدْنَا اللهَ - تَعَالَىٰ - ، « „ ج : لَا نُؤْذَىٰ، وَ « „ د » : لَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ ، فَــ لَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إلَىٰ النّجَاشِيّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنّجَاشِيّ هَدَايَا مِمّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدْمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إلّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيّةً، ثُمّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَاللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ابن الْمُغِيرَةِ ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَأَمَرُوهُمَا بِأَمْرِهِمْ، وَ قَالُوا لَهُمَا :„ ادْفَعَا إلَىٰ كُلّ بِطْرِيقٍ هَدِيّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلّمَا النّجَاشِيّ فِيهِمْ، ثُمّ قَدّمَا إلَىٰ النّجَاشِيّ هَدَايَاهُ، ثُمّ سَلَاهُ أَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْكُمَا قَبْل أَنْ يُكَلّمَهُمْ ” . قَالَتْ: « „ فَخَرَجَا حَتّىٰ قَدِمَا علىٰ النجاشى ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بِطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إلّا دَفَعَا إلَيْهِ هَدِيّتَهُ قَبْل أَنْ يُكَلّمَا النّجَاشِيّ، وَ ﴿ « „ إحكام المقالة ضد المهاجرين المسلمين ” » ﴾ : قَالَا لِكُلّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: „ إنّهُ قَدْ : „ * ” : ضَوَى إلَىٰ بلد الملك مِنّا : „ ١ ” : غِلْمَانٌ „ ٢ ” : سُفَهَاءُ، „ ٣ ” : فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَ „ ٤ ” : لَمْ يدخلوا فى دينكم، و „ ٥ ” : جاؤا بِدِينِ مُبْتَدَعٍ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ „ بَعَثَنَا إلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ، لِيَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ ” ؛ فَــ : „ أَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْنَا، وَلَا يُكَلّمَهُمْ ” : فَإِنّ : „ قومهم أعلىٰ بهم عينا، وأعلم بما عابوا عَلَيْهِمْ ” ، فَقَالُوا لَهُمَا: „ نَعَمْ ” . ثُمّ إنّهُمَا قَدّمَا هَدَايَاهُمَا إلَىٰ النّجَاشِيّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمّ كَلّمَاهُ، فَــ قَالَا لَهُ : „ أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّهُ قَدْ ضَوَىٰ إلَىٰ بَلَدِك مِنّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قومهم، ولم يدخلوا فى دينك، وجاؤا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ، وَلَا أَنْت، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْك فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ: لِتَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَىٰ بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ ” . قَالَتْ: « „ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَىٰ عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النّجَاشِيّ ” » . قَالَتْ: فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: „ صَدَقَا أَيّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَىٰ بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ ، فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا، فَلْيَرُدّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ ” . قَالَتْ: فَغَضِبَ النّجَاشِيّ، ثُمّ قَالَ: « لَاهَا اللهِ ، ﴿ « „ قول النجاشي الملك العادل ” » ﴾ : ﴿ ١ ﴾ إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا ، وَ ﴿ ٢ ﴾ لَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي ، وَ ﴿ ٣ ﴾ نَزَلُوا بِلَادِي، وَ ﴿ ٤ ﴾ اخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ ، حَتّى أَدْعُوَهُمْ ، فَــ ﴿ ٥ ﴾ أَسْأَلَهُمْ عَمّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ ، فَــ إِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ ، أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا ، وَ رَدَدْتُهُمْ إلَى قَوْمِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاورونى. ﴿ « „ حوار بين النجاشى وبين المهاجرين ” » ﴾ إحْضَارُ النَّجَاشِيِّ الْمُهَاجِرِينَ ، وَسُؤَالُهُ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَجَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ: « ١ . » المقطع الأول : إحْضَارُ النَّجَاشِيِّ الْمُهَاجِرِينَ ، وَسُؤَالُهُ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَجَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ « ١ . ١ . » المشهد الأول : ثُمَّ أَرْسَلَ إلَىٰ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ:« مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إذَا جِئْتُمُوهُ » « ١ . ٢ . » المشهد الثاني: قَالُوا : نَقُولُ: « وَاَللَّهِ مَا عَلِمْنَا ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ ». فَلَمَّا جَاءُوا ، وَقَدْ « ١ . ٣ . » المشهد الثالث: دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ ، فَــ نَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ : « ١ . ٤. » المشهد الرابع : مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ ، وَلَمْ تَدْخُلُوا ( بِهِ ) فِي دِينِي ، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ ؟ قَالَتْ : فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ( رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) ، فَقَالَ لَهُ « ١ . ٥. » المشهد الخامس: أَيُّهَا الْمَلِكُ ، لم يقل له يا صاحب السمو والرفعة ولم يقل له يا جلالة الملك المعظم .. ولكن ناداه بصفته ... المشهد الخامس اقسمه إلى عناوين؛ استمع إلى قول جعفر بقلبك وعقلك وليس بأذنيك « ١ .» العنوان الأول : كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ كيف يا سيدنا جعفر!: ألستم أهل الحرم ! ألستم أصحاب رحلة الشتاء والصيف ! ألستم الذي أطعمكم ربكم من جوع وأمنكم من خوف ! .. أستمع إليه : كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ : « ١ . » نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَ « ٢ . » نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَ « ٣ . » نَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَ « ٤ . » نَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَ « ٥ . » نُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَ « ٦ . » يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَــ كُنَّا عَلَىٰ ذَلِكَ ، حَتَّىٰ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا : صِفه لنا يا سيدنا جعفر : « ١ . » نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَ « ٢ . » صِدْقَهُ وَ « ٣ . » أَمَانَتَهُ وَ « ٤ . » عَفَافَهُ ، فَــ إلى ما يدعوكم يا جعفر: دَعَانَا إلَىٰ اللَّهِ لِــ « ١ . » نُوَحِّدَهُ وَ « ٢ . » نَعْبُدَهُ ، وَ « ٣ . » نَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَ بناءً على التوحيد والعبادة والخلع بما يأمركم يا جعفر !: « * » أَمَرَنَا بِــ « ١ . » صِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَ « ٢ . » أَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَ « ٣ . » صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ « ٤ . » حُسْنِ الْجِوَارِ ، وَ « ٥ . » الْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَ وبما ينهاكم يا جعفر !: « ١ . » نَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَ « ٢ . » قَوْلِ الزُّورِ ، وَ « ٣ . » أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَ « ٤ . » قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ ؛ وَ ثم بماذا أمركم : « * » أَمَرَنَا أَنْ : « ١ . » نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، « ٢ . » لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَ « * » أَمَرَنَا بِـ « ٣ . » الصَّلَاةِ وَ « ٤ . » الزَّكَاةِ وَ « ٥ . » الصِّيَامِ – قَالَتْ ( أم سلمة ) : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ – فَــ فكيف كان تصرفكم - يا جعفر - تجاه حزمة هذه المفاهيم ؛ وكتلة تلك المقاييس ومجموع تلك القناعات ؛ وهذه القيم العالية : « ١ . » صَدَّقْنَاهُ وَ « ٢ . » آمَنَّا بِهِ ، وَ « ٣ . » اتَّبَعْنَاهُ عَلَىٰ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ ، فَــ « ٤ . » عَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ ، فَــ « ٤ . ١ . » لَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَ : « ٥ . » حَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ، وَ « ٦ . » أَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا ، فماذا كان رد فعل قومكم يا سيدنا جعفر!: فَــ « * » عَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَــ ماذا فعلوا بكم يا جعفر ! : « ١ . » عَذَّبُونَا ، وَ « ٢ . » فَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا ، لِــ « ٣ . » يَرُدُّونَا إلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَىٰ ، وَ « ٤ . » أَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْ الْخَبَائِثِ ، فَــ ماذا ستفعلون يا جعفر !: « ١ . » لَمَّا قَهَرُونَا وَ « ٢ . » ظَلَمُونَا وَ « ٣ . » ضَيَّقُوا عَلَيْنَا ، وَ « ٤ . » حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، ماذا ستفعلون يا جعفر !: « ١ . » خَرَجْنَا إلَىٰ بِلَادِكَ ، وَ « ٢ . » اخْتَرْنَاكَ عَلَىٰ مَنْ سِوَاكَ ؛ وَ « ٣ . » رَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَ « ٤ . » رَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ . ******** بلاغة الفصحاء... وحكمة الحكماء .. وبرهان الأذكياء .. وحجة النبهاء .. وفصاحة العلماء : قَالَتْ ( أم سلمة ) : فَــ ماذا فعل اصحمة النجاشي الحبشي أمام تلك البلاغة والحكمة والبرهان والحجة والفصاحة : قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : « هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ » قَالَتْ : فَــ قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ :« نَعَمْ »؛ فَــ قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ « فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ » ، قَالَتْ : فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ سورة مريم:{ كهيعص } ماذا كان رد فعل الملك النصراني النجاشي!: قَالَتْ : فَــ : « ١ . » بَكَىٰ وَاَللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّىٰ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ، وَ « ٢ . » بَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّىٰ أَخْضَلُّوا مَصَاحِفَهُمْ ، حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ . ثُمَّ قَالَ ( لَهُمْ ) النَّجَاشِيُّ : « إنَّ هَذَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ، انْطَلِقَا ،فَلَا وَاَللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْكُمَا ، وَلَا يُكَادُونَ . ". [ * . ] الْوِشَايَةُ .. وَالسِّعَايَةُ: قَالَتْ ( السيدة الجليلة أم سلمة :" هند " راوية الحديث وشاهدة المواقف كلها ) : فَلَمّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ :" وَاَللهِ لَآتِيَنّهُ غَدًا عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ ". قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وَكَانَ أَتْقَى الرّجُلَيْنِ فِينَا :" لَا نَفْعَلُ؛ فَإِنّ لَهُمْ أَرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا ". قَالَ :" وَاَللهِ لَأُخْبِرَنّهُ أَنّهُمْ يزعمون أن عيسىٰ بن مَرْيَمَ عَبْدٌ " ، قَالَتْ: ثُمّ غَدًا عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَــ قَالَ لَهُ :" أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّهُمْ يَقُولُونَ فى عيسىٰ بن مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمّا يَقُولُونَ فِيهِ " . قَالَتْ: «„ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ، لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ ”» . قَالَتْ: «„ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قَطّ ”» . فَــ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: «„ مَاذَا تَقُولُونَ فى عيسىٰ بن مَرْيَمَ إذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ ”» . قَالُوا: «„ نَقُولُ - وَاَللهِ - [فيه] مَا قَالَ اللهُ، وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيّنَا، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ ”» . قَالَتْ: «„ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ”» ، قَالَ لَهُمْ: „ مَاذَا تَقُولُونَ فى عيسىٰ ابن مريم؟ ” . قالت: «„ فقال [له] جعفر ابن أَبِي طَالِبٍ: «„ نَقُولُ فِيهِ الّذِي جَاءَنَا بِهِ نبيّنا - صلّى الله عليه وسلم - : هُوَ : «„ ١ ”» عَبْدُ اللهِ ؛ وَ : «„ ٢ ”» رَسُولُهُ، وَ : «„ ٣ ”» رُوحُهُ، وَ : «„ ٤ ”» كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَىٰ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ: «„ فَضَرَبَ النّجَاشِيّ بِيَدِهِ إلَىٰ الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ”» ، ثُمّ قَالَ: „ وَاَللهِ مَا عَدَا عِيسَىٰ ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ ” ، ثم اصدر النجاشي أوامره : « „ ١. “» الأمر الأول : وجه كلامه إلىٰ بطارقته واساقفته قَالَتْ: «„ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ ”» ، فَــ قَالَ: „ وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاَللهِ، « „ ٢. “» الأمر الثاني لـلنجاشي : اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي ‟ - وَالشّيُومُ: الْآمِنُونَ- « „ ٣. “» الأمر الثالث لــلنجاشي : مَنْ سَبّكُمْ غرم، ثم قال: مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ، ثُمّ قَالَ: « „ ٤. “» الأمر الرابع لــلنجاشي : مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ مَا أُحِبّ أَنّ لِي دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَنّي آذَيْت رَجُلًا مِنْكُمْ- ‟. قَالَ ابْنُ هشام: ويقال: دبرى مِنْ ذَهَبٍ. وَيُقَالُ فَأَنْتُمْ سُيُومٌ، وَالدّبَرُ - بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبْلُ - « „ ٥. “» الأمر الخامس لــلنجاشي : „ رُدّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لى بها، فو الله مَا أَخَذَ اللهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: „ فَخَرَجَا مِنْ عنده مقبوحين، مردودا عليهما ما جاآ بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، مَعَ خَيْرِ جار ". (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ „ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “ سلسلة بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ أبحاث السيرة المحمدية العطرة علىٰ صاحبها أفضل السلامات وكامل الصلوات وعظيم الرحمات والتبريكات! د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - حُرِّرَ في يوم الخميس : 06 من شهر ربيع ثان 1443 من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق 11 من شهر نوفمبر عام 2021 من الميلاد العجيب للسيد المسيح ؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -. |
ترقيم البحث: ﴿ « „ ٩٥‟ » ﴾ ﴿ « „ ٩٥ ‟ » ﴾" الْمُجَلَّدُ السَّابِع .. « „ الْهِجْرَة ‟ » [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ („ و صَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً “) " الْهِجْرَةُ " " -*-*- الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ - أحداث العام: 6 قبل الهـجرة الشريفة ~ 616 بعد الميلاد العجيب -*-*- *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ „ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “ سلسلة بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء ؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ أبحاث السيرة المحمدية العطرة علىٰ صاحبها أفضل السلامات وكامل الصلوات وعظيم الرحمات والتبريكات! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى– حُرِّرَ في يوم الجمعة: ٧ من شهر ربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق ١٢ من شهر نوفمبر عام ٢٠٢١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ |
مُقَاطَعَةُ قُرَيْشٍ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــتنبيه: هذه البحوث تخص موقع :"ملتقى أهل العلم"؛ فلا تنقل إلا بإذن خاص من إدارة الموقع! ﴿ « „ ٩٦‟ » ﴾ [ ٧ ] " الْمُجَلَّدُ السَّابِع .." [ ٤ ] الْبَابُ الرَّابِعُ : [ " مُقَاطَعَةُ " قُرَيْشٍ لِـ بَنِي هَاشِمٍ وَ بَنِي الْمُطّلِبِ: ] أحداث سَنَةَ سَبْعٍ[(1)] مِنْ الْبَعْثَةِ التَّمْهِيدُ لِــ الْمُقَاطَعَةِ : صحيفة مقاطعة قريش لبني هاشم: أ . ) المقاطعة القُرشية لبني هاشم ؛ وبني عبدالمطلب في شِعبِ أبي طالب حدثتْ في مرحلةٍ مهمةٍ مِن مراحل الدعوة وفق التسلسلِ الزمني بين مفاصل وروابط أحداث السيرة النبوية [خاصة العهد المكي]، إذ أن هناك : * . ] سيرة محمديّة تبدء من عهد أبي البشر آدم -عليه السلام؛ وعلى رسولنا الصلاة والسلام والبركات والإنعام- مرواً بكافة السادة الأنبياء والمرسلين السابقين على خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين ].. وتكلمتُ عنها ... وآخرىٰ * . ] سيرة نبويّة تبدء من لحظة إثبات نبوته ووقت تبليغه بالرسالة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ... وتحتاجان -السيرة النبوية العطرة بــ جزئيها الكبيرين: السيرة النبوية العطرة قبل بعثته.. والسيرة النبوية بدءً من البعثة- منا لدراسة تفصيلية منهجية علمية إدراكية فهمية كي لا نقع في أخطاء كما يحدث الأن ومنذ زمن... ممن تلحف بوشاح الإسلام دون فهمه؛ وارتدي ***ابه دون إدرك وفهم صحيحيين؛ والأحداث المتوالية والمتلاحقة والمتشابكة إثناء فترة بعثة النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-تُظهر للمتتبع الفاحص الدارس بوضوح مدىٰ الجهد والصبر والبذل والعطاء الذي قدمه النبي الكريم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-والثلة الصالحة من صحابته -رضوان الله تعالى عليهم- كما أنها أحكام شرعية عملية ودروس وعبر مستفادة يحتاجها حامل الدعوة [ لا استخدم لفظ "الداعية" [كما نسمع في وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الإجتماعي؛ وتقديم شيخ جليل للدرس فوق المنابر]؛ إذ أن الآية القرآنية تخبر عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- فتقول: { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ... } [(2)] ؛ ومَن يأتي مِن بعده -عليه السلام- فهو يحمل ما دعا إليه المصطفى المجتبى المحتبى المرتضى] ... أكمل : إذ شكلت هذه المقاطعة حدثاً مفصلياً في :" التاريخ(!) الإسلامي " لتوثيق فترة بدايات الدعوة الإسلامية، وذلك لإظهار دين الله -تعالى- على يد نبيه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وذلك لما احتوته مِن إظهار التعنت القُرشي في البقاء علىٰ الجاهلية؛ والتمسك بتقاليد الأباء وعادات الأجداد وما توارثوه عبر الأجيال -وهذا مازال يحدث في بعض الأماكن بصور متعددة أو مختلفة- ؛ فقد كان : سبب وجود تلك المقاطعة في الأساس : - هدم الدين الجديد الذي بعثه الله -تعالى- لهداية البشرية جمعاء ، و - الضغط على أوائل المسلمين لتسليم نبيهم : - للقتل . و وما نجم عن المقاطعة مِن أحداث وحيثيات صبَّت في إعداد وبناء وتخريج الفئة الصادقة والمؤمنة الصابرة علىٰ الأذىٰ في سبيل نشر الدين ... وهذا لم تتوقعه أو تفهمه قُريش. و * . ] قبل الخوض في أسباب المقاطعة القُرشية لابد من البحث في الظروف التي تطلبت واستدعت أو فرضت وحتمت علىٰ قريش الاتفاق لــ إقرار مقاطعة بني هاشم ؛ وذلك لأن أي فعلٍ ذي نتائج سلبية وقوية في طبيعتها لا تصدر عفواً لمجرد أمر بسيط ؛ أي لابد من إيراد المقدمات التي قدمتها قُريش للرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- والتي في نظرهم كانت عروضاً مجزية ومغرية -حسب تصورهم الضيق - إلا أن الرفض الذي كان يقابلهم أدىٰ إلىٰ عجزهم عن استحداث عرض جديد مغرٍ يقبله النبي المرسل مِن قِبل السماء -وهذا في حقيقة أمره- أو أنه مثل أي رجل منهم يقبل ما يقدمونه مع ما تبدل وتعدل من وُصفه بالصادق الأمين ... وكذبا وزوراً في زعمهم بعد التبليغ ، فاضطروا إلىٰ أسلوب الحصار أو المقاطعة للإجبار بالقوة حتىٰ يترك نبي الدين الجديد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-رسول الإسلام - الذي كُلف أن ينشره من فوق سبع سماوات. ب . ) أما المقدمات المغرية التي قدمتها قريش للرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- والتي في نظرهم كانت عروضاً مجزية إلا أن الرفض الذي كان يقابلهم أدىٰ إلىٰ عجزهم عن تقديم المزيد أو ما يجعله -عليه السلام- في ظنهم يَقبل بتلك العروض ، فاضطروا إلىٰ أسلوب الحصار أو المقاطعة للإجبار بالقوة حتىٰ يترك النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- دعوته التي كُلف أن ينشرها من فوق سبع سماوات ... عرضَ كفارُ قريش علىٰ الرسول الكريم -الرجل وليس النبي الرسول- أن : [ أ . ] يزوجوه أفضل النساء، و [ ب . ] ينصبوه عليهم ؛ فيصير ملكاً، و أن : [ ج . ] يعطوه ما شاء من المال حتىٰ يترك سب آلهتهم ... ــــــــــــــــــــــــــــ وهنا نفهم أن العروض الثلاثة موجه إلى رجل وتغابوا عن أنه رسول مرسل ونبي يبلغ رسالة ربه؛ فالحديث من طرفهم عن ذكر - رجل - يرغب في النساء .. ويرغب في أن يصير ملكاً يتحكم ويأمر وينهي وأنه يصير أغناهم مالا وجاهٍ.. وهنا يبرز للمتابع لهذا الجزء من الأحداث ضيق أفق المعاند لدين الله -تعالى- وكانت المفاجأة هي الرفض.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إلا أن النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رفض تلك العروض وامتنع عن قبولها، فحاولوا منعه بطريقة آخرىٰ ... و الجدير بالذكر أنهم -قريش- اتخذوا عدة وسائل وأساليب وطرق ؛ فــ [ * . ] شكوه إلىٰ أبي طالب؛ عمه الشفيق عليه والشقيق لأبيه عبدالله بن عبدالمطلب، و [ * . ] عرضوا علىٰ أبي طالب إن هو أعطاهم ابن أخيه محمداً -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يعطوه أنهد فتىٰ في قريش : عمارة بن الوليد، ويقوموا بــ [ * . ] قتل محمد [النبي/الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ] وتعويضه بعمارة ... إلا أن قُريش لم تدرك الحقيقة الكامنة في نفس الرسول الكريم وما يستحوذ على عقله وفؤاده ولبه وقلبه وفهمه وإدراكه ووعيه ألا وهو :" تبليغ رسالة السماء " الأخيرة والخالدة التي بُعث لينشرها للعالم اجمع ، بشكل : «„ ملفتٍ للنظر ». وهذا العرض الملفت للنظر هو ما اثار حفيظتهم وأغضبهم ... لذا استمرت العروض القُرشية للنيل من محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [(3)]. ــــــــــــــــــــــــ وهذا أيضاً غاب عن حملة الدعوة اليوم.. إذ أن البحث هو تبليغ رسالة السماء للناس كافة.. في مشارق الأرض ومغاربها.. وانظر .. يوجد في القارة الأورُبية ما يقترب من خمسين مليون مسلم من أصول تركية وعربية وافغانية (آسيوية أفريقية) تسكن منذ سنوات تلك القارة العجوز ولا تجد حركة تبليغ الإسلام بشكله الصحيح وفق سيرته وهديه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بل تجد جماعة سياحية تسمى نفسها التبليغ والدعوة لا تحسن لغة القارة: من فرنسية وإيطالية وألمانية تجوب القارة شمالا وجنوباً تعني نفسها بحمل الدعوة دون طريقته وهديه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أو دون إحسان لغة القوم؛ وليست الإنجليزية وحدها هي لغة القارة أو فريق يوزع قرآن مترجم في الساحات والميادين دون عرض ونقاش أو محاورة غير المسلم وهناك ايضاً الجماعات الآخرى.. اقول (الرمادي): وهذا ليس تقليل من شأن المسلم الذي يريد رفع شأن الإسلام.. في بلاد الغرب أو العرب أو عند العجم.. ولكن ما ينزعج إليه المرء هو غياب الطريقة الشرعية النبوية في حمل الدعوة وتبليغها بشكل ملفت للنظر . ولعل قابل الايام يكون فيه الخير الوفير.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات! ـــ ولعل ما أفشل الكثير من الحركات الإسلامية بغض النظر عن ثوبها أو دثارها أو وشاحها أنها -الحركات الإسلامية- لم تستطع أن تقدم الإسلام في القرن الواحد والعشرين بشكل ملفت للنظر.. أو ما يسميه البعض -تجاوزا من طرفي- تجديد الخطاب الديني . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ إلا أن مساعيهم -صناديد قريش- جميعها باءت بالفشل. وقد كان موقف أبي طالب [آحدىٰ الشخصيات المحورية في حياة النبي-عليه السلام-؛ ستوجد كملف كامل في نهاية البحوث -بمشيئته تعالى ذكره ومن بعد إذنه وبفضله وكرمه ملاحق - ] في وجه المشركين من قُريش موقفاً محموداً مشكوراً، فقد منع الرسول الكريم، -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من أن تطاله قُريش بأذىٰ.. فزاد ذلك من قوة محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-للمضي فيما بعث من أجله، عند ذلك [ * . ] اجتمعت قُريش ورأت أنه لابد مِن الضغط الفعلي والمؤثر، إذ إن ما سبق كان مجرد محاولات مادية بالإغراء بــ المال أو النساء أو المُلك.. والتأثير باللسان؛ ولابد من القوة لتغيير الواقع الذي كان الرسول سائراً فيه من الدعوة إلىٰ الله -تعالى-. * . ] زادت حدة المواجهة بين قُريش والرسول-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ومن وقف معه فــ قد أورد ابن إسحاق في أسباب المقاطعة :"... فلما سمعت قريش بذلك ورأوا منه الجد وأيسوا منه، فأبدوا لبني عبدالمطلب الجفا. فــ قَالَ مُوسَىٰ بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ :" ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ اشْتَدُّوا عَلَىٰ [(4)] الْمُسْلِمِينَ كَأَشَدِّ مَا كَانُوا ، حَتَّى بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الْجُهْدُ ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ ، وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي مَكْرِهَا أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَانِيَةً ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ عَمَلَ الْقَوْمِ جَمَعَ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شِعْبَهُمْ ، وَأَمَرَهَمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادُوا قَتْلَهُ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً(!) ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا وَيَقِينًا، فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ ، اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَتَعَاقَدُوا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ وَبَنِي عَبْدِمَنَافٍ أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ ، وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُكَلّمُوهُمْ وَلَا يُجَالِسُوهُمْ ، وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ ، حَتّى يُسَلّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِلْقَتْلِ ، وَكَتَبُوا -فِي مَكْرِهِمْ- بِذَلِكَ صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ ، لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا ، وَلَا تَأْخُذُهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ ، حَتَّى يُسْلِمُوهُ لِلْقَتْلِ . وَعَلّقُوهَا فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ [(5)] وانطلق بهم - بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ - أبو طالب... رَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قُرَيْشًا أَظْهَرُوا لِبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ الْعَدَاوَةَ وَالشَّتْمَ ، فَجَمَعَ أَبُوطَالِبٍ رَهْطَهُ ، فَقَامُوا بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَدْعُونَ اللَّهَ عَلَىٰ مَنْ ظَلَمَهُمْ مِن قومهم لهم وفي قطيعتهم أرحامهم ، واجتماعهم على محاربتهم ، وتناولهم بسفك دمائهم... وَ قَالَ أَبُوطَالِبٍ : " اللهم إِنْ أَبَىٰ قَوْمُنَا إِلَّا الْبَغْيَ عَلَيْنَا فَعَجِّلْ نَصْرَنَا، وَحُلْ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الَّذِي يُرِيدُونَ مِنْ قَتْلِ ابْنِ أَخِي، ثُمَّ دَخَلَ بِآلِهِ الشِّعْبَ [(6)]. ثم أقبل إلىٰ جمع قُريش وهم ينظرون إليه وإلىٰ أصحابه، فقال أبوطالب:" ندعو برب هذا البيت علىٰ القاطع المنتهك للمحارم ... والله لتنتهين عن الذي تريدون أو لينزلنَّ اللهُ بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون ". فــ أجابوه:" إنكم يا بني عبدالمطلب، لا صلح بيننا ولا رحم إلا علىٰ قتل هذا الصبي السفيه"[(7)]. كانت قُريش مصرة علىٰ قتل [التصفية الجسدية بعد أن فشلوا في التشوية المعنوي] الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- على الرغم من محاولة أبي طالب السابقة بمنعهم. *.] ويقول ابن إسحاق في روايةٍ : " فلما قدم عمرو بن العاص، وعبدالله بن أبي ربيعة إلىٰ قُريش وأخبراهم بالذي قاله النجاشي لمحمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه اشتد وجدهم، وآذوا النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وأصحابه أذى شديداً، وضربوهم في كل طريق، وحصروهم في شعبهم"[(8)] ، إلا أن ابن هشام قد أورد عدة أسباب للمقاطعة القرشية في روايته عن ابن إسحاق، حيث جاء في الرواية أنه لما : " رأت قُريش أن أصحاب رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد ذهبوا إلى الحبشة وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه... و هنا اعتمدُ ما :" قَالَه ابْنُ هِشَامٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ : " فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا أَصَابُوا مِنْهُ أَمْنًا وَقَرَارًا ، وَأَنَّ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَنَعَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ[(9)]، وَعَادَ إِلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مِنَ عند النَّجَاشِيِّ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ مَنْعِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ وَأَمْنِهِمْ عِنْدَهُ[(10)] ... وَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَمّهُ ... وَ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب قَدْ أَسْلَمَ من بعده ، فَــ كَانَ هُوَ وَحَمْزَةُ -رضي الله تعالى عنهما- مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ ... وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَوُوا بِإِسْلَامِ حَمْزَةَ وَعُمَرَ[(11)] ، وَجَعَلَ الْإِسْلَامُ يَفْشُو فِي الْقَبَائِلِ[(12)] ، وَيَزِيدُ[(13)] ، أجمعوا علىٰ قتل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[(14)] . ولعلها تكون خطوة أخيرة ... وسبقتها آخرى : فَاجْتَمَعُوا وَأْتَمَرُوا فِي أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ[(15)]. *.] وأورد مضمون روايتا ابن إسحاق وابن هشام العديد من المصادر التاريخية ، فقد اجتمعت في جميع الروايات أسباب المقاطعة القرشية لبني هاشم كما جاءت عند ابن إسحاق وابن هشام لكن مع أختلاف الرواة كموسى ابن عقبة والزهري وابن إسحاق[(16)] . *. ] المقاطعة القُرشية وقعت لسبب مباشر ... و لــ أسباب غير مباشرة. أما *. ] السبب المباشر فيقع في سعي قُريش الدائم لــ : - « قَتل الرسول » -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- و : - « التخلص منه نهائياً »؛ و هذا ما تم بالفعل الإتفاق عليه -لاحقاً- وسأتعرض لهذه المفصلية من سيرته العطرة في قابل البحوث - إن شاء الله تعالى ويسر لي البحث - فـ... كانت المقاطعة لكي يعاني القوم من التعب والأذىٰ فبذلك يتخلوا عن نصرة النبي الكريم فيقوموا بقتله . أما : *. ] الأسباب غير المباشرة للمقاطعة فتتلخص بما يلي : *. ] إدراك قُريش أن ما تقوم به من أذىٰ للمسلمين لن يحول دون إقبال الناس علىٰ الإسلام... إذ رأت أن بني هاشم يقومون بحماية النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فلا تستطيع أن تصل لما تريد ، لذلك قررت أن توقع علىٰ بني هاشم عقوبة قاسية لتجبر بني هاشم علىٰ التخلي عن موقفهم في حماية النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وتضطرهم إلىٰ تسليمه أو الكف عن نصرته[(17)] ، ولأن قريش شعرت بخطورة الموقف الذي ينتظرها نتيجة فشلها في منع الرسول الكريم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من مواصلة الدعوة[(18)] . * أضف ما هو مهم للغاية نتيجة تسلسل الأحداث بشكل لم تتوقعه قريش مثل : ١ . ] إسلام عمر بن الخطاب ... وحمزة بن عبدالمطلب. فــ قد قال أبوجعفر الطبري : „ وأسلم عمر بن الخطاب - رحمه الله -، فلما أسلم وكان رجلا : جلداً ؛ جليداً ؛ منيعاً، وكان قد أسلم قبل ذلك حمزة بن عبدالمطلب ” [(19)] ، وكان لإسلامهما الأثر الكبير في وهن ألم بنفوس قُريش ، وايضاً في إرتفاع نفسية مَن أسلم قبلهما، إذ كانت لهما منزلة مرموقة ومكانة مهيبة في صفوف قريش ، وبإسلامهما قويت شوكة الإسلام ، وبإسلامهما سوف يتشجع مَن هو خائف في إعلان إسلامه. ٢ . ] حماية النجاشي للمسلمين الذين ذهبوا إليه ، وما تبع ذلك من فشل „ السفارة ” القُرشية في تسليم من عنده من المسلمين. فــ كان لهذا الأثر الكبير في تدعيم القوة الإسلامية ... أي أنه أصبح للإسلام يدٌ قوية خارج شبه جزيرة العرب في الحبشة ، عند النجاشي الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد كما وصفه النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ٣ . ] أرادت قُريش محاصرة بني هاشم في الشِّعب ومقاطعتهم من أجل التضييق عليهم، مما يدفعهم إلىٰ تسليم الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هذا من وجهة رأي قُريش- حتىٰ يظهروا أن أقارب الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هم من خذلوه ودفعوه إليهم لقتله أي أن الرفض للرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد بدأ منهم -أتباعه-(!) للخلاص من الأذى والإرهاق بسببه. ٤ . ] تغيير ميزان القوىٰ في قُريش حيث أن هذا الدين الجديد إذا ما نجح فسوف يسيطر به الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علىٰ زمام الأمور، وسوف تكون الامتيازات لبني هاشم لانتماء النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إليها وإبعاد سواهم وهذا ما كان يخشاه مشركو قُريش. إذ أن سلطة الجاة والسلطان والقوة المادية والمالية لقُريش ستزول وستآؤل لبني هاشم ولمحمد -الرجل- ولأتباعه دونهم. ٥ . ] انتشار الإسلام في القبائل[(20)] لكن الإسلام كان لا يزال في تلك المرحلة في مراحله „ المبكرة ” ، لكن ما أراد أن يوصله الطبري وابن كثير ومن قبلهم ابن إسحاق وأيضا ابن عبدالبر، عندما أوردوا أن الإسلام أخذ يفشو في القبائل، وقامت قريش وكتبت صحيفة أو اتفقوا على مقاطعة بني هاشم، و لعل المقصود بذلك هو : „ الجهر ” بالقرآن، خاصة أن قبل تلك الفترة كانوا يتذاكرون القرآن وأمور الدين : „ سراً ”و : „ خفية ”، ويؤيد ذلك ما جاءت به رواية تقي الدين المقريزي الذي قال : " فلما أسلم عمر -رضي الله عنه- قاتل قريشاً حتىٰ صلىٰ عندها ، وصلىٰ معه المسلمون، وقد قووا بإسلامه وإسلام حمزة -رضي الله عنهما-، و: „ جهروا ” بالقرآن ولم يكونوا قبل ذلك يقدرون أن يجهروا به ، ففشا الإسلام وكثر المسلمون ". [(21)] تَذْكرُ لنا المصادر المعتمدة عن السيرة النبوية[(22)] : " أَسْلَمَ حمزة عَمُّهُ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ ، وَفَشَا الْإِسْلَامُ فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْلُو وَالْأُمُورُ تَتَزَايَدُ ، أَجْمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَتَعَاقَدُوا عَلَىٰ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي عَبْدِمَنَافٍ : أَنْ : 1.]- „ لَا يُبَايِعُوهُمْ ” شَيْئًا ، وَ 2.] - : „ لَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ ” ، 3.]- : „ لَا يَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ ” وَ 4.] - : „ لَا يُنْكِحُوهُمْ ” [لَا يُنْكِحُوا : „ الزواج” من بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ] ، وَ 5.] - : „ لَا يُكَلِّمُوهُمْ ” ، وَ 6.] - : „ لَا يُجَالِسُوهُمْ ” ... حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ صَحِيفَةً [(23)] „ مكان صحيفة المقاطعة ” وَعَلَّقُوهَا فِي : - : „ سَقْفِ الْكَعْبَةِ ” فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ كَتَبُوا فِي صَحِيفَةٍ ، ثُمَّ تَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ عَلَّقُوا الصَّحِيفَةَ فِي : - „ جَوْفِ الْكَعْبَةِ ” (قَالَ الْوَاقِدِيُّ : وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ مُعَلَّقَةً فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ) ؛ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ[(24)] -*-*- ولإتمام هذه الجزئية من البحث : ذهبتْ بعض المصادر إلىٰ أن الصحيفة لم تكن معلقة في الكعبة ، وإنها كانت عند - „ أم الجلاس بنت مخربة الحنظلية ” ؛ خالة أبي جهل [(25)] . و قد ذكر أنها عند - „ أختها ” „ أم أبي جهل ” ؛ وهي „ أسماء ابنة مخربة التميمية ” ؛ أو - „ طعيمة بن عدي ”[(26)] . و الأقرب للصحة فإن مكانها في الكعبة؛ وذلك لأنه عندما تم نقض الصحيفة أمام الناس وجد أنها في الكعبة[(27)] " كَاتِبُ الصَّحِيفَةِ " يُقَالُ : كَتَبَهَا : " مَنْصُورَ بْنَ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ عَبْدِالدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ[(28)]، وَ يُقَالُ بل : " النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، ويزعمون : فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَــ شُلَّ بَعْضُ أَصَابِعِهِ . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ : كَانَ الَّذِي كَتَبَ الصَّحِيفَةَ : " طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ . وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ : " مَنْصُورُ بْنُ عِكْرِمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ الَّذِي شُلَّتْ يَدُهُ ، فَمَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ بَيْنَهَا : انْظُرُوا إِلَى مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ . وَ الصّحِيحُ أَنَّهُ : " بَغِيضُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمٍ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَشُلّتْ يَدُهُ[(29)]. - „ ما آل إليه مصير كاتب الصحيفة ” : هناك „ زعم ” كما ورد في النصوص السابقة أنه شُلت يده بعد دعاء النبي عليه ؛ وكنتُ قد تكلمتُ سابقاً كثيراً بأن الزعم الوارد في تلك النصوص لا يرتفع لدرجة التأكيد !.. فيبقىٰ كما هو : „أنهم يزعمون ” فَــ انْحَازَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ إِلَّا أبا لهب -لعنه الله- ، فَإِنَّهُ ظَاهَرَ قُرَيْشًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ [(30)]. " حُبِسٌ فِي شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ" : وَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ: شِعْبِ أبي طالب لَيْلَةَ هِلَالِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْبَعْثَةِ ؛ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ[(31)] فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ[(32)] ، وَبَقُوا مَحْبُوسِينَ وَمَحْصُورِينَ مُضَيَّقًا عَلَيْهِمْ جِدًّا مَقْطُوعًا عَنْهُمُ الْمِيرَةُ وَالْمَادَّةُ نَحْوَ ثَلَاثِ سِنِينَ ، حَتَّى بَلَغَهُمُ الْجَهْدُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ ، وَقَطَعُوا عَنْهُمُ الْأَسْوَاقَ ، فَلَا يَتْرُكُوا لَهُمْ طَعَامًا يَقَدَمُ مَكَّةَ وَلَا بَيْعًا إِلَّا بَادَرُوهُمْ إِلَيْهِ فَاشْتَرَوْهُ ؛ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا سَفْكَ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ... وَ سُمِعَ أَصْوَاتُ صِبْيَانِهِمْ بِالْبُكَاءِ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ[(33)]. وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَضَاجِعَهُمْ ، أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ ؛ حَتَّى يَرَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ بِهِ مَكْرًا وَاغْتِيَالًا لَهُ ، فَإِذَا نَوَّمَ النَّاسُ ، أَمَرَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إِخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَنَامَ عَلَيْهِ[(34)]، وَ هُنَاكَ عَمِلَ أبو طالب قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ ، وَأَوَّلُهَا : جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا * عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ[(35)] " نَقْضُ الصّحِيفَةِ ": وَكَانَتْ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رَاضٍ وَكَارِهٍ[(36)]... عن عروة بن الزبير قال: فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ ، تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، وَمِنْ بني قُصَيٍّ ، وَرِجَالٌ مِنْ سِوَاهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا الرَّحِمَ ، وَاسْتَخَفُّوا بِالْحَقِّ ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ مِنْ لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ مِنْ[(37)] الْغَدْرِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ[(38)] . فَسَعَى فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ أقوام من قريش - مَنْ كَانَ كَارِهًا لَهَا ، وَكَانَ الْقَائِمُ في أمر ذَلِكَ هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بن ربيعة بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ بن جذيمة بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ بن حسل بن عامر بن لؤي ، مَشَى فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ(*) ، ثُمَّ أَطْلَعَ اللَّهُ -تعالى- رَسُولَهُ -عليه السلام- عَلَى أَمْرِ صَحِيفَتِهِمْ ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهَا " الْأَرَضَةَ " فَأَكَلَتْ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ جَوْرٍ وَقَطِيعَةٍ وَظُلْمٍ إِلَّا ذِكْرَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَمَّهُ ، فَخَرَجَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ قَدْ قَالَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا خَلَّيْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا رَجَعْتُمْ عَنْ قَطِيعَتِنَا وَظُلِمْنَا .. قَالُوا : قَدْ أَنْصَفْتَ ، فَأَنْزَلُوا الصَّحِيفَةَ ، فَلَمَّا رَأَوُا الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ازْدَادُوا كُفْرًا إِلَى[(39)] كُفْرِهِمْ ، فَــ قَالَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ : إِنَّ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالسِّحْرِ غَيْرَنَا ، فَكَيْفَ تَرَوْنَ ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنَا أَقْرَبُ إِلَى الْجِبْتِ وَالسِّحْرِ مِنْ أَمْرِنَا ، وَلَوْلَا أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السِّحْرِ ، لَمْ تَفْسَدْ صَحِيفَتُكُمْ وَهِيَ فِي أَيْدِيكُمْ ؛ طَمَسَ اللَّهُ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ اسْمِهِ ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ بَغْيٍ تَرَكَهُ ، أَفَنَحْنُ السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ ؟ ! فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، وَبَنِي قُصَيٍّ ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ؛ مِنْهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِوَهُشَامُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ : نَحْنُ بُرَآءُ مِمَّا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ : هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ . وَ أَنْشَأَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ الشِّعْرَ فِي شَأْنِ صَحِيفَتِهِمْ ، وَيَمْتَدِحُ النَّفَرَ الَّذِينَ تَبَرَّؤُوا مِنْهَا ، وَنَقَضُوا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ ، وَيَمْتَدِحُ النَّجَاشِيَّ[(40)] قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إِنَّمَا كَانَتْ هِجْرَةُ الْحَبَشَةِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إِلَى الشِّعْبِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ فِي ذَلِكَ[(41)] . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . " معجزة النبي " : وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَىٰ صَحِيفَتِهِمُ " الْأَرَضَةَ " ، فَلَحَسَتْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، وَيُقَالُ : كَانَتْ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفِ الْبَيْتِ فَلَمْ تَتْرُكِ اسْمًا لِلَّهِ فِيهَا إِلَّا لَحَسَتْهُ ، وَبَقِيَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ شِرْكٍ وَظُلْمٍ وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ . ثُمّ أَطْلَعَ اللّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- رَسُولَهُ عَلَىٰ أَمْرِ وَالَّذِي صَنَعَ بِصَحِيفَتِهِمْ وَأَنّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ[(42)] ... و هناك رواية آخرى : فَأَكَلَتْ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ جَوْرٍ وَقَطِيعَةٍ وَظُلْمٍ إلّا ذِكْرَ اللّهِ -عَزّ وَجَلّ- فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَمّهُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي طَالِبٍ فَــ قَالَ أَبُو طَالِبٍ : لَا وَالثَّوَاقِبِ ، مَا كَذَبَنِي . فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَتِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ عَامِدِينَ لِجَمَاعَتِهِمْ ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ فَأَتَوْهُمْ لِيُعْطُوهُمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ : قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَكُمْ لَمْ نَذْكُرْهَا لَكُمْ ، فَأْتُوا بِصَحِيفَتِكُمُ الَّتِي تَعَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحٌ . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ، خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الصَّحِيفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا ، فَأَتَوْا بِصَحِيفَتِهِمْ مُعْجَبِينَ بِهَا ، لَا يَشُكُّونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَدْفُوعٌ إِلَيْهِمْ ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَهُمْ ، وَقَالُوا : قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا ، وَتَرْجِعُوا إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ قَوْمَكُمْ ، فَإِنَّمَا قَطَعَ بَيْنِنَا وَبَيْنَكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ ، جَعَلْتُمُوهُ خَطَرًا لِهَلَكَةِ قَوْمِكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ وَفَسَادِهُمْ . فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لِأُعْطِيَكُمْ أَمْرًا لَكُمْ فِيهِ نَصَفٌ ؛ إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكَذِبْنِي ، أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ ، وَمَحَا كُلَّ اسْمٍ هُوَ لَهُ فِيهَا ، وَتَرَكَ فِيهَا غَدْرَكُمْ وَقَطِيعَتَكُمْ إِيَّانَا ، وَتَظَاهُرَكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ ابْنُ أَخِي[(43)] كَمَا قَالَ ، فَأَفِيقُوا ، فَوَاللَّهِ لَا نُسْلِمُهُ أَبَدًا حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلًا ، دَفَعْنَاهُ إِلَيْكُمْ ، فَقَتَلْتُمُوهُ أَوِ اسْتَحْيَيْتُمْ . قَالُوا : قَدْ رَضِينَا بِالَّذِي تَقُولُ . فَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ ، فَوَجَدُوا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَخْبَرَ خَبَرَهَا ، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا قَطُّ إِلَّا سِحْرٌ مِنْ صَاحَبِكُمْ ، فَارْتَكَسُوا ، وَعَادُوا بِشَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ ، وَالشِّدَّةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى رَهْطِهِ ، ازْدَادُوا كُفْرًا إلَىٰ كُفْرِهِمْ[(44)]. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، حَتَّى جَهِدُوا ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ إِلَّا سِرًّا ، مُسْتَخْفِيًا بِهِ مَنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِيمَا يَذْكُرُونَ لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَهُ[(45)] غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا ، يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ ، وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ فِي الشِّعْبِ ، فَتَعَلَّقَ بِهِ ، وَ قَالَ : أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ ؟ ! وَاللَّهِ لَا تَذْهَبُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أَفْضَحَكَ بِمَكَّةَ . فَجَاءَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَقَالَ : مَا لَكَ وَلَهُ ؟ فَقَالَ : يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ . فَقَالَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ : طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ ، بَعَثَتْ إِلَيْهِ ، أَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا ؟ ! خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ . قَالَ : فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ- حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، فَأَخَذَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَحْيَ بِعِيرٍ ، فَضَرَبَهُ بِهِ فَشَجَّهُ ، وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ قَرِيبٌ يَرَى ذَلِكَ ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِهِمْ [(46)]... - „ الدعوة إلى الإسلام في مرحلة المقاطعة والحصار ” : وَفي ضوء تأزم الأوضاع على المقاطعين داخل الشعب استمر الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالدعوة إلى الله علىٰ الرغم من الأذى والجهد الذي أصاب بني هاشم وبني عبدالمطلب عامة والمسلمين خاصة... قال ابن إسحاق: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَسِرًّا وَجِهَارًا ، مُنَادِيًا بِأَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- ، لَا يَتَّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ[(47)] . وهذا دليل على الجانب الذي مارسه الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الدعوة إلى الله، و يعطي درساً لــ " حملة الدعوة " إلى الله كي يستمر في دعوته مهما كانت الصعوبات والعقبات، لأن ذلك قمة الصبر والجهاد في سبيل الله[(48)]. إلا أن قريشاً في ظل ذلك أخذوا يهمزون ويلمزون النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في الطريق فقد تتابع نزول الوحي[(49)] على النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- داخل الشعب ... قال ابن إسحاق:...فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْهَا ، وَقَامَ عَمُّهُ وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ دُونَهُ ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا أَرَادُوا مِنَ الْبَطْشِ بِهِ يَهْمِزُونَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيُخَاصِمُونَهُ ، وَجَعَلَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِي قُرَيْشٍ بِأَحْدَاثِهِمْ ، وَفِيمَنْ نَصَبَ لِعَدَاوَتِهِ ، مِنْهُمْ مَنْ سَمَّى لَنَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي عَامَّةٍ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ مِنَ الْكُفَّارِ[(50)] . فَــ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَبَا لَهَبٍ وَنُزُولَ السُّورَةِ فِيهِ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ بن وهب بن حذافة بن جمح إذا رأى رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- همزه ولمزه، وَنُزُولَ قَوْلِهِ تَعَالَى يفضحه[(51)] { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ }[(52)] السُّورَةِ بِكَمَالِهَا فِيهِ وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَنُزُولَ قَوْلِهِ تَعَالَى { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا }[(53)] فِيهِ ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَقَوْلَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا ، أَوْ لَنَسُبُّنَّ إِلَهَكَ . وَنُزُولَ قَوْلِ اللَّهِ فِيهِ { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }[(54)] وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : عَلْقَمَةُ بْنُ كَلَدَةَ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَجُلُوسَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي مَجَالِسِهِ ، حَيْثُ يَتْلُو الْقُرْآنَ وَيَدْعُو إِلَى اللَّهِ ، فَيَتْلُو عَلَيْهِمُ النَّضْرُ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ رُسْتُمَ وَأَسْفَنْدِيَارَ وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُرُوبِ فِي زَمَنِ الْفُرْسِ ، ثُمَّ يَقُولُ : وَاللَّهِ ، مَا مُحَمَّدٌ بِأَحْسَنَ حَدِيثًا مِنِّي ، وَمَا حَدِيثُهُ إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، اكْتَتَبَهَا كَمَا اكْتَتَبْتُهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }[(55)] وَقَوْلَهُ[(56)] { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [(57)]. ثم :" رجع بنو هاشم وبنو المطلب إلى مكة، وحصل الصلح برغم من أبي جهل عمرو بن هشام. وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الشِّعْبِ . قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ : بَعْدَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ مِنَ الْمَبْعَثِ ، وَ مَاتَ أبو طالب بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَ مَاتَتْ خديجة بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ [(58)] . ـــــــــــــــــــــــــــــــ الرجاء؛ مع الشكر : يراجع ما كتبته زنشره موقع ملتقى أهل العلم عن السيدة الجليلة "خديجة بنت خويلد! تحت عنوان: النجوم المضيئة والدرر البهيجة المنثورة على طريق السيدة خديجة ؛ صاحبة النسب والحسب والشرف والجمال والمال . السيدة الطاهرة « خديجة بنت خويلد » https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=123175 ـــــــــــــــــــــــــــــــ ذكرتُ في مطلع هذا البحث أن المقاطعة تمت في السنة السابعة مِن البعثة المحمدية ؛ و إتماماً لهذه الجزئية أكمل البحث والمراجعة تحت أضواء بحث للدكتور سعادة إذ يقول تحت عنوان : „ زمن المقاطعة ” : عند الحديث عن زمن المقاطعة القُرشية خلصت الدراسة [لــ د. علاء الدين كامل سعادة] إلىٰ ثلاث : „ 3 ” آراء حول تاريخ وقوعها . فــ قد جاء عند ابن سعد أن : [ 1 ] المقاطعة حدثت سنة 7 للبعثة (... حصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع [ 7 ] من حين تنبئ رسول الله، صلى الله عليه وسلم) [(59)] ووافقه في ذلك كل من البيهقي وابن عبدالبر وابن سيد الناس والمقريزي وعمر بن فهد. وجاء : [ 2 ] الرأي الثاني يقول بأن المقاطعة حدثت سنة [ 6 ] للبعثة. فقد أورد اليعقوبي (ثم حصرت قريش رسول الله وأهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ابن عبدمناف في الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم بعد ست [ 6 ] سنين من مبعثه) [(60)] . أما : [ 3 ] الرأي الثالث فقد جاء في رواية واحدة أوردها المسعودي، فقال عما حدث في سنة [ ٤٦ ] لعمر النبي (وفي سنة ست وأربعين كان حصار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم للنبي وبني عبدالمطلب في الشعب) [(61)] ، وبما أن المسعودي أورد أنه في سنة [ ٤١ ] لعمر النبي الكريم بعث نبياً فتكون المقاطعة حدثت سنة [ ٥ ] للبعثة. إن التباين في الروايات الثلاثة السابقة : - بين الأولى والثانية سنة واحدة أما - الثالثة فتتباين عن الثانية بسنة واحدة وعن الأولى بسنتين، و - بتدقيق الملاحظة يُرى أن رواية ابن سعد جاءت بسند في حين أن روايتي اليعقوبي والمسعودي لم توردا سنداً، لهذا بالإضافة إلى موافقة عدد من المؤرخين السابقين لرواية ابن سعد وإيرادها في كتبهم، و - زيادة في التوضيح فإن هناك حادثة تاريخية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمقاطعة القرشية، ولها تأثير كبير وفعال في مجريات المقاطعة ألا وهي : „ الهجرة إلى الحبشة ” : فــ قد تباينت الآراء كذلك في وقتها : - أهي معاصرة للمقاطعة أم : - هي قبلها : - أو بعدها، فــ قد جاء عدد من المؤرخين وأوردوا أن : „ الهجرة إلى الحبشة ” ؛ كانت قبل „ المقاطعة القرشية ” : „ أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا يونس بن محمد الظفري عن أبيه عن رجل من قومه قال: وأخبرنا عبيدالله بن العباس الهذلي عن الحارث بن الفضيل قالا:.. وكان مخرجهم -إلى الحبشة- في: [ رجب من السنة الخامسة ] من حين نبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم ” ؛ [(62)] و بناء على رواية ابن سعد هذه تكون : „ المقاطعة ” ؛ حدثت بعد سنتين [ ٢ ] من „ الهجرة إلى الحبشة ” ؛ وكذلك أورد اليعقوبي الهجرة إلى الحبشة قبل المقاطعة لكن [ دون ذكر تاريخ ] سنة الهجرة إلى الحبشة، وكذلك فعل الطبري والبيهقي وابن عبدالبر، (وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية كانت سنة خمس من المبعث) [(63)] . وأورد ابن هشام حديثه عن الهجرة إلى الحبشة بعد أن انتهى من عرض المقاطعة القرشية، أي أنه استناداً لابن هشام تكون الهجرة إلى الحبشة حدثت بعد المقاطعة القرشية إلا أن البلاذري وازن بين ما سبق (قالوا: ولما رد النجاشي عَمْرَا وعبدالله بن أبي ربيعة المخزومي إلى قريش بغير ما أرادوا وحقق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه وأسلم، ازدادوا على من بالشعب غيظاً وحنقاً) [(64)] يستفاد من هذه الرواية للبلاذري أن الحصار والمقاطعة كانتا واقعتين على الرسول وبني هاشم وبني عبدالمطلب، إلا أنهما ازدادتا فعلياً عندما رجع عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة وذلك إثر فشل : „ السفارة ” ؛ القرشية للنجاشي، و جاء في إمتاع الأسماع للمقريزي أن الهجرة الأولى كانت قبل المقاطعة، وأن الثانية كانت أثناء المقاطعة ورجعت بعد خروج المسلمين من الشِّعب[(64)] لكن الحلبي صاحب السيرة الحلبية وافق بين ذلك كله بشأن زمن المقاطعة في أنها السنة السابعة للبعثة ثم يذهب الحلبي ويحلل أن ذهاب عمرو بن العاص كان بعد الهجرة الثانية أي بعد دخول بني هاشم وبني عبدالمطلب إلى الشعب[(65)] ، و لعل رواية ابن سعد أقرب للصحة أن الهجرة كانت السنة الخامسة للبعثة واشتدت المقاطعة التي بدأت في السنة السابعة للبعثة على المقاطَعين[(66)]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ (*) أما بشأن حركة المعارضين للمقاطعة القرشية من حيث بدايتها، ونموها، وتطورها أيضا، فقد جاء ابن إسحاق برواية مفصلة لذلك الأمر من جوانب الحركة وتفاصيلها و أورد هذه الرواية عن ابن إسحاق : السهيلي والأصبهاني والطبري في حين جاء عمر بن فهد وابن شاكر الكتبي وابن الأثير برواية مشابهة لرواية ابن إسحاق في مضمونها، و أما رواية ابن إسحاق فيقول فيها: (ثم أنه قام في نقض الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش، ولم يبل أحد فيها بلاء أحسن ببلاء من هشام ابن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن خبيب بن خزيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبدمناف لأمه. وكان عمرو ونضلة أخوين لأم. وكان هشام لبني هاشم واصلا. وكان ذا شرف في قومه...ثم أنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبدالمطلب، فقال لزهير: "قد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت؟ لا يباعون ولا يباع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، ولا يأمنون ولا يؤمن عليهم.أما أني أحلف بالله، لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا". قال:"ويحك، فما أصنع؟ أنا رجل واحد". قال، فقال: "قد وجدت ثانيا". قال: "ومن هو؟" قال: "أنا أقوم معك".فقال له زهير: "أبغنا ثالثا". قال: فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فقال له:"يا مطعم، قد رضيت أن تهلك بطن من بني عبد مناف،وأنت شاهد على ذلك، موافق عليه؟ أما والله، لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها سراعا منكم" فقال: "ويحك، فما أصنع؟ إنما أنا رجل". فقال: "قد وجدت ثانيا". قال:"فمن هو؟" قال:"أنا". فقال:"أبغنا ثالثا". قال: "قد فعلت". قال:"ومن هو؟" قال: "زهير بن أبي أمية". قال: "فأبغنا رابعا، يتكلم معنا". قال: فذهب إلى أبي البختري بن هشام، فذكر قرابتهم وحقهم، فقال:"وهل معك من أحد يعين على هذا؟" قال: "نعم المطعم بن عدي وزهير ابن أبي أمية"، فقال: "أبغنا خامسا"، فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له زمعة: "هل معك على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد" فقال: نعم، ثم سمى له القوم. فتواعدوا عند حطم الحجون ليلا بأعلى مكة، فاجتمعوا هناك وأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها. فقال زهير: "أنا أبدؤكم. فأكون أولكم". فلما أصبحوا، غدوا على أنديتهم. وغدا زهير بن أبي أمية في حلة له، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، نأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم وبنو المطلب هلكى لا يباعون ولا يباع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم؟ والله لا أذق طعاما ولا شرابا حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة: فقال أبو جهل: كذبت والله،- وهو في ناحية المسجد،- لا تشق هذه الصحيفة: فقال زمعة بن الأسود: بل أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حين كتبت: فقال أبو البختري: صدق زمعة بن الأسود، لا نرضى بما كتب فيها، ولا نعرفه: فقال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله عز وجل منها، ومما كتب فيها. وقال هشام بن عمرومثل ما قالوا في نقضها وردها: فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل تشور فيه، يعنى بغير هذا المكان. وأبو طالب جالس في ناحية المسجد يرى ما يصنع القوم...) [(67)]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا : د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. « ذكر بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة » ". " أحداث سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْبَعْثَةِ ". [ ٤ ] الْبَابُ الرَّابِعُ : [ مُقَاطَعَةُ قُرَيْشٍ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ ] بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* „ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “ سلسلة بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾ أبحاث السيرة المحمدية العطرة علىٰ صاحبها أفضل السلامات وكامل الصلوات وعظيم الرحمات والتبريكات! د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى– حُرِّرَ في يوم الجمعة: ٧ من شهر ربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~الموافق ١٢ من شهر نوفمبر عام ٢٠٢١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ تنبيه: هذه البحوث تخص موقع :"ملتقى أهل العلم"؛ فلا تنقل إلا بإذن خاص من إدارة الموقع! |
الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟! : ﴿ « „ ٩٧ ‟ » ﴾" [ ٥ ] الْبَابُ الْخَامِسُ: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟ -*-*-*-*- [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ و „ صَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً “ |
الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟! ﴿ « „ ٩٧ ‟ » ﴾ [ ٥ ] الْبَابُ الْخَامِسُ: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟ التَّمْهِيدُ: قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ }[(1)] يُرِيدُ أَهْلَ مَكَّةَ. وَ الِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ .. وَ الْمَعْنَىٰ أَعْطَيْنَاهُمْ أَمْوَالًا لِيَشْكُرُوا لَا لِيَبْطَرُوا؛ فَلَمَّا بَطِرُوا وَعَادَوْا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَلَيْنَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ كَمَا بَلَوْنَا أَهْلَ الْجَنَّةِ الْمَعْرُوفِ خَبَرُهَا عِنْدَهُمْ. وَ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ عَلَىٰ فَرَاسِخَ [الفرسخ الواحد يعادل: 079 ,5 كيلومتر] مِنْ صَنْعَاءَ- وَ يُقَالُ بِفَرْسَخَيْنِ - وَ كَانَتْ لِرَجُلٍ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْهَا؛ فَلَمَّا مَاتَ صَارَتْ إِلَىٰ وَلَدِهِ، فَمَنَعُوا النَّاسَ خَيْرَهَا وَبَخِلُوا بِحَقِّ اللَّهِ فِيهَا؛ فَأَهْلَكَهَا اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُ مَا حَلَّ بِهَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ:„كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَنْعَاءَ فَرْسَخَانِ ؛ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَحْرَقَ جَنَّتَهُمْ‟. وَ قِيلَ : هِيَ جَنَّةٌ بِــ„ضَوْرَانَ‟ ، وَ „ضَوْرَانُ‟ عَلَىٰ فَرْسَخٍ مِنْ صَنْعَاءَ ، وَكَانَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْجَنَّةِ بَعْدَ رَفْعِ „عِيسَىٰ‟ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِيَسِيرٍ - وَكَانُوا بُخَلَاءَ - فَكَانُوا يَجُدُّونَ التَّمْرَ لَيْلًا مِنْ أَجْلِ الْمَسَاكِينِ، وَكَانُوا أَرَادُوا حَصَادَ زَرْعِهَا وَقَالُوا: لَا يَدْخُلُهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ، فَغَدَوْا عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدِ اقْتُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ؛ أَيْ كَاللَّيْلِ. وَ يُقَالُ أَيْضًا لِلنَّهَارِ صَرِيمٌ. فَإِنْ كَانَ أَرَادَ اللَّيْلَ فَلِا سْوِادِ مَوْضِعِهَا. وَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا مَوْضِعَهَا حَمْأَةً. وَ إِنْ كَانَ أَرَادَ بِالصَّرِيمِ النَّهَارَ فَلِذَهَابِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَنَقَاءِ الْأَرْضِ مِنْهُ. وَ كَانَ „الطَّائِفُ‟ الَّذِي طَافَ عَلَيْهَا „جِبْرِيلُ‟-عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَاقْتَلَعَهَا. فَيُقَالُ : إِنَّهُ طَافَ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ وَضَعَهَا حَيْثُ مَدِينَةَ „الطَّائِفِ‟ الْيَوْمَ؛ وَ لِذَلِكَ سُمِّيَتِالطَّائِفُ . وَ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ بَلْدَةٌ فِيهَا الشَّجَرُ وَالْأَعْنَابُ وَالْمَاءُ غَيْرَهَا. وَ قَالَ الْبَكْرِيُّ فِي الْمُعْجَمِ:„سُمِّيَتِ الطَّائِفُ لِأَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّدِفِ يُقَالُ لَهُ الدَّمُونُ، بَنَى حَائِطًا وَقَالَ:„قَدْ بَنَيْتُ لَكُمْ طَائِفًا حَوْلَ بَلَدِكُمْ‟؛ فَسُمِّيَتِ الطَّائِفُ‟. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .[(2)] *-*-*-* أبدءُ مع حضراتكم تمهيد بحوث خروج نبي آخر الزمان مِن مكة -مسقط رأسه وموطنه- المكرمة مهاجراً.. أحداث ما قبل الهجرة النبوية؛ و تحقيق ما قاله القس ورقة بن نوفل في اللحظات الأولىٰ من بعثته -عليه السلام- فَقد: " قَالَ وَرَقَةُ[(3)] „هَذَا –عن أول خمس آيات نزلت علىٰ قلب محمد في غار حراء من سورة العلق.. فقال : - النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَىٰ مُوسَىٰ .. يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ „يُخْرِجُكَ‟ قَوْمُكَ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- „أَوَمُخْرِجِيَّ‟هُمْ!؟.. فَقَالَ وَرَقَةُ„نَعَمْ..لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ.. وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا[(4)]‟ ". [هذه رواية الإمام البخاري في صحيحه؛ كتاب التعبير »؛ باب أول ما بدئ به رسول الله-صَلَّىٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من الوحي الرؤيا الصالحة ؛ جزء: (6)؛ صفحة: (2561)؛ من رواية أم المؤمنين أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما] [ ٥ . ١ . ] سنة الخروج : لم يتفق علماء السيرة علىٰ تحديد بدقة خُرُوج النَّبِي -صلىٰ الله عَلَيْهِ وَسلم- إِلَىٰ الطَّائِف؛ فمنهم مَن قال : [ ١ . ] القول الأول : قبل الهجرة بقليل - 0 ق. هـ.~ 621 م. سنة عشر مِن النُّبُوَّة[(5)] [ ٢ . ] القول الثاني : ومنهم مَن قال في العام الثالث قبل الهجرة [ 3 ق. هـ.]؛ وهنا يمكن القول عن الشهر القمري: أنه شوال؛ ما يقابل العام الميلادي: 620 م[(6)] ويتفق الجميع علىٰ الخروج إلىٰ الطائف كان بعد موت عمه وزوجه خديجة-رضي الله تعالى عنها-: [ ٣ . ] القول الثالث:" وَخُرُوجُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَىٰ الطَّائِفِ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ ، كَمَا قَرَّرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ [وَاللَّهُ أَعْلَمُ][(7)] [ ٥ . ٢ . ] سبب الخروج: [خَبَرُ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَىٰ الطَّائِفِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- .. [ ١ . ] السبب العام الأول : عَرْض نَفْسَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الزكيةعَلَىٰ الْقَبَائِلِ[(8)] [ ٢ . ] يَلْتَمِسُ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، والمنعة بهم مِن قومه، ورجاءَ أن يقبلوا منه ما جاءهم به مِن اللهّٰ -تعالى-.[(9)] وذلك بعد : [ أ . ] اشْتِدَادِ الْأَذَىٰ عَلَيْهِ؛ وَ [ ب . ] عَلَىٰ الْمُسْلِمِينَ فِي مَكَّةَ[(10)]... لما مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَزَوجته خَدِيجَة وذوت مِن شَجَرَة إعانتهما لَهُ أوراقها البهيجة.. لزم الْبَيْت.. وَأَقل الْخُرُوج.. وأسف عَلَيْهِمَا أسفاً يضطرب بحره ويموج.. ونالت مِنْهُ قُرَيْش وقابلوه بالخفة والطيش[(11)]. فــ «لَمَّا رَأَى عَلِيْهِ -الصَّلاَةُ وَالسّلامُ- اِسْتِهانَةَ قُرَيْشٍ بِهِ؛ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَىٰ ثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ يَرْجُو مِنْهُمْ: [ أ . ] نُصْرَتَهُ عَلَىٰ قَوْمِهِ وَ [ ب . ] مُسَاعَدَتَهُ حَتَّىٰ يُتَمِّمَ أَمْرَ رَبِّهِ، لِأَنَّهُمْ أقْرَبُ النَّاسِ إِلَىٰ مَكَّةَ، وَلَهُ فِيهِمْ خُؤُولَةٌ. فَــ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ وَمَعَهُ مَوْلَاهُ زَيْدٌ بْنُ حارِثَةَ، قَابَلَ رُؤَسَاءَهُمْ وَكَانُوا ثَلاثَةً.. فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نُصْرَتَهُ حَتَّىٰ يُؤَدِّيَ دَعْوَتَهُ. فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدَّا قَبِيحًا، وَلَمْ يَرَ مِنْهُمْ خَيْرًا[(12)]. [ ٥ . ٣ . ] تعرضه -الصَّلاَةُ وَالسّلامُ- لإيذائهم[(13)] فقام رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم فيما ذكر:“ إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي“.[(14)] وكرهَ رسولُ اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يبلغ قومه عنه، فيذئرِهُم ذلك عليه، فلم يفعلوا[(15)]، وَحِينَذاكَ طَلَبَ مِنْهُمْ أَلَّا يُشِيعُوا ذَلِكَ عَنْه، كَيْلَا تَعْلَمَ قُرَيْشٌ فَيَشْتَدَّ أَذَاهُمْ،لِأَنَّهُ اِسْتَعَانَ عَلَيهِمْ بِأَعْدَائِهِمْ. فَــ لَمْ تَفْعَلْ ثَقِيفُ مَا رَجَاهُ مِنْهُمْ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسّلامُ-، بَلْ أَرْسَلُوا سُفَهَاءَهُمْ وَغِلْمَانَهُمْ [وعبيدهم] يسبونه و يصيحون به، حتىٰ اجتمع عليه الناس[(16)]، يَقِفُونَ فِي وَجْهِهِ فِي الطَّرِيقِ وَيَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّىٰ أَدْمَوْا عَقِبَهُ »[(17)]. [ ٥ . ٣ . ]رميه بالحجارة[(18)] قال موسى بن عقبة: قعدوا له صفين علىٰ طريقه، فلما مر رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتىٰ أدموا رجليه... زاد سليمان التيمي: أنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كان إذا أذلقته الحجارة، قعد إلىٰ الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه، فإذا مشىٰ رجموه وهم يضحكون.[(19)] [ ٥ . ٤ . ] تفصيل الحادثة : عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوطَالِبٍ خَرَجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَىٰ الطَّائِفِ مَاشِيًاعَلَىٰ قَدَمَيْهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، فَخرج مَعَه زيد بن حَارِثَة إِلَىٰ الطَّائِف وصدع بالدعوة غير وَجل وَلَا خَائِف فَلم يجبهُ مِنْهُم أحد[(20)].. والطَّائفِ تَبعُد عن مكَّة نحوَ سِتِّينَ مِيلًا [ ٥٥٨ ,٩٦ كيلومترا]، سارها ماشِيًا علىٰ قَدميهِ جِيئةً وذِهابًا، ومعه مولاهُ زيدُ بنُ حارثةَ، وكان كُلَّما مَرَّ علىٰ قَبيلةٍ في الطَّريقِ دعاهُم إلىٰ الإسلامِ، فلمْ تُجبْ إليهِ واحدةٌ منها، فلمَّا انتهىٰ إلىٰ الطَّائفِ عَمَدَ إلىٰ رُؤسائِها فــدعاهُم فلمْ يَستجيبوا له، [ ٥ . ٥ . ] لقائه بكبراء ثقيف[(21)] فلما انتهىٰ إلىٰ الطائف عمد إلىٰ نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم أخوة ثلاثة: - عبد ياليل ، و - مسعود ، و - حبيب، بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول اللهّٰ- -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وكلمهم ما جاءهم له من نصرته علىٰ الإسلام والقيام معه علىٰ من خالف من قومه[(22)]. [ ٥ . ٦ . ] ردهم عليه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[(23)] فقال له أحدهم وهو يمرط ثياب الكعبة: " إن كان اللهّٰ أرسلك"[(24)]، و قال الآخر: "أما وجد اللهّٰ أحدًا يرسله غيرك؟"[(25)] و قال الثالث: " واللهّٰ لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا مِن اللهّٰ كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام(!)، ولئن كنت تكذب علىٰ اللهّٰ ما ينبغي أن أكلمك(!)"[(26)]. [ ٥ . ٧ . ] المرأة مِن قريش مِن بني جمح! وَعَنْرَقِيقَةَ قَالَتْ : لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَغِي النَّصْرَ بِالطَّائِفِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَمَرَتْ لَهُ بِشَرَابٍ مِنْ سَوِيقٍ ، فَشَرِبَ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :„لَا تَعْبُدِي طَاغِيَتَهُمْ ، وَلَا تَصَلِّي إِلَيْهَا‟. قُلْتُ : " إِذًا يَقْتُلُونِي "! قَالَ : „فَإِذَا قَالُوا لَكِ ذَلِكَ ، فَقُولِي : " [رَبِّي] رَبُّ هَذِهِ الطَّاغِيَةِ ، فَإِذَا صَلَّيْتِ فَوَلِّيهَا ظَهْرَكِ‟ . ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْ عِنْدِهِمْ ، قَالَتْ بِنْتُ رَقِيقَةَ : " فَأَخْبَرَنِي أَخَوَايَ سُفْيَانُ وَ وَهَبُ ابْنَيْ قَيْسِ بْنِ أَبَانَ ، قَالَا : لَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ خَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ قَالَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: „مَا فَعَلَتْ أُمُّكُمَا‟؟ . قُلْنَا: " هَلَكَتْ عَلَىٰ الْحَالِ الَّتِي تَرَكْتَهَا، قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : " لَقَدْ أَسْلَمَتْ أُمُّكُمَا إِذًا " [(27)]. [التاريخ الكبير للبخاري؛ وهب بن قيس بن ابان .. والحديث : ضعيفٌ] فأقام بين أهلِ الطَّائفِ عشرةَ أيَّامٍ، لا يَدَعُ أحدًا مِنْ أشرافهِم إلا جاءهُ وكَلَّمهُ، فقالوا: „اخرُجْ مِن بلادِنا”[(28)]. وأَغْرَوْا به سُفهاءَهُم[(29)]، و تشاءموا بقدوم طَائِره الميمون، فلمَّا أراد الخُروجَ تَبِعَهُ سُفهاؤهُم وعَبيدهُم يُسِبُّونَهُ ويُصيحونَ بهِ، حتَّىٰ اجتمع عَليهِ النَّاسُ، فوقَفوا له سِمَاطَيْنِ [أي صَفَّيْنِ] وجعلوا يَرمونهُ بالحِجارةِ، وبكِلماتٍ مِنَ السَّفَهِ، ورَجموا عَراقيبَهُ، حتَّىٰ اخْتَضَبَ نَعلاهُ بالدِّماءِ. [ ٥ . ٨ . ] تحمل زيد بن حارثة[(30)] وقال ابن سعد: وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتىٰ لقد شج في رأسه شجاجًا. وكان زيدُ بنُ حارثةَ يَقِيهِ بِنفسهِ حتَّىٰ أصابهُ شِجَاجٌ في رَأسهِ، ولم يزلْ بهِ السُّفهاءُ كذلك حتَّىٰ أَلجأوهُ إلىٰ حائطٍ [ بستان ] لــ:„عُتبةَ”؛ و :„شَيبةَ ابنيْ رَبيعةَ” علىٰ ثلاثةِ أميالٍ [ ٨٢٧٩, ٤ كيلومتر] مِنَ الطَّائفِ[(31)]. [ ٥ . ٩ . ] استناده إلىٰ بستان[(32)] قال ابن عقبة: فخلص منهم ورِجْلَاهُ تسيلان دمًا، فعمد إلىٰ حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل حَبلَة منه وهو مكروب موجع. [ ٥ . ١٠ . ] صاحبا البستان[(33)] وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما للهّٰ ورسوله. [ ٥ . ١١ . ] إفادته بقطف عنب[(34)] فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانياً يقال له: عداس، فقالا له: "خذ قطفًا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلىٰ ذلك الرجل فقل له يأكل منه"، ففعل عداس. [ ٥ . ١٢ . ] إقبال عداس بالقطف[(35)] ثم أقبل به حتىٰ وضعه بين يدي رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ثم قال له: " كل"، فــ لما وضع رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يده قال: “بسم اللهّٰ“، ثم أكل. [ ٥ . ١٣ . ] استغراب عداس[(36)] فنظر عداس في وجهه، ثم قال: "واللهّٰ (!).. إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد". [ ٥ . ١٤ . ] محادثة الرسول لعداس[(37)] فقال له رسول اللهّٰ--صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:„ومن أي البلاد أنت يا عداس، وما دينك؟‟، قال: " نصراني، وأنا من أهل نينوى"، فقال له رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :„من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متىٰ‟، قال له عداس: " وما يدريك ما يونس بن متىٰ؟! " قال رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : „ذاك أخي كان نبيًاّ، وأنا نبي‟. [ ٥ . ١٥ . ] تقبيل عداس للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [(38)] فأكب عداس على رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقبل رأسه ويديه وقدميه. [ ٥ . ١٦ . ] محادثة عداس مع صاحبا البستان[(39)] فلما جاءهما عداس، قالا له: " ويلك (!).. مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه!؟"، قال:" يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي"، قالا:" ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه". [ ٥ . ١٧ . ] رحمته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بهم[(40)] ورجع رسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في طريقِ مكَّة بعدَ خُروجهِ مِنَ الحائطِ كَئيبًا مَحزونًا، كَسيرَ القلبِ، فلمَّا بلغ قَرْنَ المنازلِ بعث الله إليه جبريلَ ومعه مَلَكُ الجبالِ، يَسْتَأْمِرُهُ أنْ يُطْبِقَ الأَخْشَبَيْنِ علىٰ أهلِ مكَّة، فقال النَّبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «„بل أرجو أنْ يُخرجَ الله- عزَّوجلَّ - من أصلابهِم مَنْ يَعبدُ الله- عزَّ وجلَّ - وحدَه لا يُشركُ بهِ شيئًا” ». وفي هذا الجوابِ الذي أَدلىٰ بهِ الرَّسولُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَتجلَّىٰ شَخصيَّتُه الفَذَّةُ، وما كان عَليهِ من خُلُقٍ عَظيمٍ. وجاء في الصحيح من حديث عائشة -رضي اللهّٰ عنها-، أنها قالت للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : " هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ "، فقال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : „لقد لقيت من قومك .. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي علىٰ ابن عبد ياَليِل بن عبد كلال فلم يجبني إلىٰ ما أردت،فانطلقت علىٰ وجهي وأنا مهموم، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني‟، فقال: إن اللهّٰ قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، فقال: يا محمد ذلك لك فما شئت، وإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:„بل أرجو أن يخرج اللهّٰ من أصلابهم من يعبد اللهّٰ لا يشرك به شيئاً‟.[(41)]، .. فَلَمْ يُجِيبُوهُ ، فَانْصَرَفَ فَأَتَىٰ ظِلَّ شَجَرَةٍ فَصَلَّىٰ رَكْعَتَيْنِ بعد رَدِّ ثَقِيفٍ لَهُ رَدًّا قَبِيحًا، وَإِغْرَائِهِمُ السُّفَهَاءَ وَالْأَطْفَالَ بِهِ، حَتَّىٰ أَدْمَوْا قَدَمَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحِجَارَةِ. فَتَوَجَّهَ إِلَىٰ رَبِّهِ بِذَلِكَ الِابْتِهَالِ الْمُؤَثِّرِ الْعَمِيقِ الْكَرِيمِ: " * . ]" الدُّعَاءُ الْحَسَنُ[(42)] ". [وَمِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ الطَّائِفِ: „أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‟] . ثُمَّ قَالَ :„اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي ، وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ ، أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي. أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي إِلَى عَدُوٍّ [ بِعِيدٍ ] يَتَجَهَّمُنِي ؟ أَمْ إِلَى قَرِيبٍ [عَدُوٍّ] مَلَّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي ، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي ، أُعُوذُ [بِنُورِ ] بِوَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَحِلَّ [ عَلَيَّ ] بِي سَخَطُكَ ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [بِكَ ]‟. قَالَ عِنْد مَا لَقِي من أهل الطَّائِف من شدَّة الْبلَاء وَالْكرب مَا لَقِي: رب إِن لم يكن بك غضب على فَلَا أبالى. إِلَى آخر الدُّعَاء، فَكَانَ مَطْلُوبَة رضَا ربه، وَبِه كَانَت تهون عَلَيْهِ الشدائد ». [ ٥ . ١٨ . ] إجارة الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ[(43)]، وذكر ابن هشام أن رسول اللهّٰ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلىٰ حراء، ثم بعث إلىٰ الأخنس بن شر يق لــ يجيره، فقال: أنا حليف، والحليف لا يجير، فــ بعث إلىٰ سهيل بن عمرو فقال: إن بني عامر لا تجير علىٰ بني كعب، فــ بعث إلىٰ المطعم بن عدي فأجابه إلىٰ ذلك، ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتىٰ أتوا المسجد، ثم بعث إلىٰ رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن ادخل،فدخل رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فطاف بالبيت وصلىٰ عنده، ثم انصرف إلىٰ منزله. ولأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدي، قال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أسارى بدر: „لو كان المطعم بن عدي حيًاّ ثم كلمني في هؤلاء النتنىٰ لتركتهم له‟.[(44)]، حِينَ رَجَعَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الطَّائِفِ وَدَخَلَ فِي جِوَارِ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ مَبْسُوطَةً ، وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهَا الْفَاكِهِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مُرْسَلٍ وَفِيهِ " أَنَّ الْمُطْعِمَ أَمَرَ أَرْبَعَةً مِنْ أَوْلَادِهِ فَلَبِسُوا السِّلَاحَ ، وَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ رُكْنٍ مِنَ الْكَعْبَةِ . فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ : أَنْتَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا تُخْفَرُ ذِمَّتُكَ".« وَأَقَامَ الرسول--صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِنَخْلَةٍ أَيَّامًا، فَــ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ - يَعْنِي قُرَيْشًا -وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟ فَــ قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « يَا زَيْدُ إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ ». ثُمَّ انْتَهَىٰ إِلَى حِرَاءَ فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إِلَىٰ مُطْعِمٍ بْنِ عَدِيٍّ: « أَدْخُلُ فِي جِوَارِكَ؟ » ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلَاحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ». :"وَفِي مطعم يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات أجرت رَسُول الله مِنْهُم فَأَصْبحُوا *عبيدك مَا لبّى مهل وأحرما فَلَو كَانَ مجدا يخلد الدَّهْر وَاحِدًا * مِن النَّاس أبقى مجده الدَّهْر مطعما[(45)] بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وإدراك مع فهم أحاديث الأحكام لسيد ولد آدم وآخر المرسلين ومتمم الأنبياء﴾ [٧] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداث العهد المكي! قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى- غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. »ذكر بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة« المرحلة المكية: أحداث السَنَةَ الثَالِث قبل الهجرة. [٥] الْبَابُ الْخَامِسُ: الــ مَسِيرُ إِلَىٰ الطَّائِفِ... خُروجُ رسولِ الله -صلَّى الله عَليهِ وسلَّم- إلىٰ الطَّائفِ . حُرِّرَ في يوم الجمعة: ٧ من الربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق: ١٢ من شهر نوفمبر عام ٢٠٢١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -.الذي بشر بمبعث النبي والرسول أحمد. |
ما أطلقَ عليه : „ عَامُ الْحُزْنِ ” ﴿ « „ ٩٨‟ » ﴾ الْمُقَدِّمَة:ما أطلقَ عليه : „ عَامُ الْحُزْنِ ” [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: أحداثٌ فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ؛ الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ. السنة العاشرة مِن البعثة ! [ ٧ ] الْبَابُ السَّابِعُ : العام: „ ٣ قبل الهـجرة الشريفة ~ 619 بعد الميلاد العجيب: « „ عَامُ الْحُزْنِ ” » : ــــــــــــــ الترتيب الزمني وتتابع سير الأحداث يلزماني.. ووحدة الموضوع حين التحدث عن تسلسل أحداث السيرة النبوية العطرة أن يكون الحديث عن ما سُميَّ عام الحزن أن يسبق الكلام عن: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفِ” إذ جعلتُه الباب الخامس مِن المجلد السابع الذي نقرأه الأن؛ ويعود هذا إلىٰ أنني أريد التركيز علىٰ مفاصل سيرة نبي وطريقة شرعية عملية للرسول دون سردها فقط متتالية.. لذا وجب التنبيه!.. إذ أن التحقيق؛ والرجوع إلىٰ كتب السيرة المعتبرة يبين أنه :" لما تُوفي أبوطالب؛ خرج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلىٰ الطائف؛ ماشياً علىٰ قدميه يدعوهم إلىٰ الإسلام؛ يبتغي عندهم: « „النصر” »[(1)].. فيكون المسير إلىٰ الطائف تم بعد موت أبي طالب وليس قبله.. ومن خلال أحداث الهجرة الأولىٰ والثانية للحبشة تخرج خطوات سير الدعوة مِن ضيق المكان -مبدء الرسالة ومنشؤها: مكة المكرمة- لتدخل مسيرة الدعوة إلىٰ فضاء تفاعلي جديد أوسع وأرحب.. مما يدعونا إلىٰ التأمل بعمق وإعادة النظر بوعي في العلاقات ليس فقط بين كيان إسلامي جديد ضعيف هَش لم تتماسك أركانه بعد ولم تتشكل صورته الكاملة وحياً مِن خالق الإنسان إلى كل إنسان علىٰ ظهر الأرض .. وبين كيان راسخ قائم بذاته يحمل مقومات البقاء والحياة : « „حكم النجاشي ونظامه” » -النصراني؛ وفق أدبيات الإسلام؛ والمسيحي وفق أدبيات بولس الرسول مؤسس المسيحية الحديثة- و: « „قساوسته” ».. بل والتأمل بعمق وإعادة النظر بوعي في العلاقات بين الأفراد مِن كلا الكيانين.. فقد قَالَ -عليه السلام- لَهُمْ -رضوان الله تعالىٰ عليهم- : « „لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ” » .. وهذا خروج من ضيق مكة وضيق افق رجالها... ومن خلال المسير إلى الطائف تمر أحداث السيرة؛ بل الدقة : الرسالة لإيجادها علىٰ أرض الواقع.. علىٰ أرض صلبة.. تمر بمفصلٍ جوهري -وهو الذي غاب عن الحركات والجماعات ذات الوشاح الإسلامي وليس المبدأ-؛ وهذا المفصل الجوهري هو طلب النصرة مِن أهل القوة والمنعة.. فَيَقُولُ: « „أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ لِأُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي” » . وهذا خروج آخر.. .. وما فاتني حين الحديث عن المسير إلىٰ الطائف في الباب الخامس مِن هذا المجلد السابع؛ [نشره موقع «ملتقى أهل العلم»] أن أثبتَ :" عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ؛ وَهُوَ الْعَدْوَانِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مشرق ثقيف، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا حِينَ أَتَاهُمْ، يبتغي عندهم : « „النصر” ».. قَالَ : فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، السورة.. حتىٰ ختمها.. فَوَعَيْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا مُشْرِكٌ، ثُمَّ قَرَأْتُهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَدَعَتْنِي ثَقِيفُ !؟، فَقَالُوا: "مَا سَمِعْتَ مِنَ هَذَا الرَّجُلِ!"، فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ: "نَحْنُ أَعْلَمُ بِصَاحِبِنَا، لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا يَقُولُ حَقٌّ لَتَابَعْنَاهُ"[(2)] -*-*- التَّمْهِيدُ : نحن مازلنا نتعايش مع العهد المكي؛ بمراحله ومفاصله.. إذ علىٰ أعمدته الراسخة علىٰ أرضية الإيمان.. وباسقة وعالية في سماء الأحكام العملية الشرعية المنبثقة مِن مبدأ الإسلام سينتقل نبي الإسلام ورسول السلام إلىٰ العهد المدني بسلاسة ويسر وسيبنىٰ الكيان المحمدي الجديد.. الذي ليس له مثيل من قبله ولا يشبهه كيان آخر من بعده.. فَفِي طَوَالِ الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ لَمْ يَتَنَزَّلْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ تَنْفِيذِيٌّ -وَإِنْ تَنَزَّلَتِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي عَنْ أَشْيَاءَ وَأَعْمَالٍ- وَلَكِنَّ الْأَحْكَامَ التَّنْفِيذِيَّةَ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْكَفَّارَاتِ لَمْ تَتَنَزَّلْ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الدَّوْلَةِ الْمُسْلِمَةِ [الأولىٰ] الَّتِي تَتَوَلَّىٰ تَنْفِيذَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ[(3)].. و غياب التأسي بأفعاله -والتأسي حكم شرعي في حقنا؛ سواء مِن باب الواجب والفرض أو المندوب والمستحب-؛ خاصة افعاله التنظيمية الحركية الدعوية التكتلية والانتقال مِن مرحلة إلىٰ آخرىٰ ومن عهد إلىٰ آخر.. مع مراعاة نقاط الإلتقاء ومفاصل الإنتقال.. أقول : غياب هذا أوقع الكثير مِن الحركات الإسلامية والجماعات في خطأ فادح بإرتكاب افعال مِن عند أنفسهم لا دليل شرعي علمي نبوي رسولي عليها والقيام بتصرفات لا تتفق مع المرحلة بمفاصلها؛ أو بتعبير أدق ليست مِن سُنته -صلى الله عليه وآله وسلم- وبالتالي فليست مِن سيرته وطريقته ولا من اسلوبه ولا مِن هديه؛ وما اصاب تلك الحركات والجماعات في مَقتلٍ هو خروجهم عن التقييد بالسيرة المحمدية والخطوات العملية الشرعية والكيفية الرسولية واستحداث نماذج غريبة عن الطريقة الرسولية الشرعية العملية والتي سار عليها نبي الهدى والرحمة -صلوات الله تعالىٰ وسلامه وبركاته ورحماته وإنعامه عليه وآله واتباعه-.. ولعل -خاصةً- أحداث العشرين سَنة الماضية تثبت صحة ما ذهبتُ إليه مِن القول! -*-*-* الْمُقَدِّمَة : أتحدث عن تلك الفترة الزمنيَّة العصيبة المؤلمة الموجعة المقلقة -لولا ثبات إيمان نبي الهدى والرحمة -عليه اسلام- وعقيدة رجال ونساء معه؛ رضوان الله تعالى عليهم- والتي بدأت بالحصار في شِّعْب أبي طالب، واستغرق الحصار ثلاث سنوات.. ثم المحاولات الكثيفة والمفاوضات السخيفة البائسة مِن قريش لإغراء النبي لوقف الدعوة، ثم وفاة أبي طالب عم الرسول ومناصره في مكة، ثم كانت تلك المصيبة مِن الصدمات التي لم يَنسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طَوَال حياته، ألا وهي مصيبة موت زوجته الوفيَّة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها! [(4)] .. مما يجعل المرء يتساءل : أين نساء اليوم منها -عليها الرضوان-!!؟.. فــ " عَامُ الْحُزْنِ : هو الْعَامُ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ خَدِيجَةُ(*)- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، وَأَبُو طَالِبٍ(*) فَسَمَّاهُ(!؟) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُزْنِ(!!!).. حَكَىٰ ذَلِكَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ : " وَمَاتَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ "[(5)] وهذا ما اثبته صاحب لسان العرب في موسوعته. وقبل مخرج النبي إلىٰ (يثرب) مدينته؛ والتي طيَّب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه بثلاث سنين- أي بعد البعثة بعشر سنوات- توفيت خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-[(8)].. وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ آمَنَتْ بِهِ[(9)].. فــ:" عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ.. وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ »[(10)]. و روى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه : لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين» وهو حديث حسن الإسناد[(11)]؛ و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ وَقَالَ : « أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ » . فَقَالُوا :" اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ » وَأَحْسَبُهُ قَالَ : « وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ »[(12)] و جاء برواية عَنْ عُرْوَةَ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : أَلَا أُبَشِّرُكِ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ : « سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَآسِيَةُ » ... و.. يتبقي مِن ولد خديجة أربع بنات وهن : - رقية؛ وكانت تحت عتبة بن أبي لهب.. فطلقها ؛ فتزوجها عثمان بن عفان؛ و - زينب وتزوجها أبو العاص بن الربيع من بني عبدشمس من بني أمية فأحسن مصاهرته. و - أم كلثوم و - فاطمة[(13)].. أما مسألة زواج النبي بعد وفاة خديجة فسأذكرها في موضعها؛ وارجوه - سبحانه وتعالى - أن يعصمني مِن الغفلة أو النسيان.. أما مسألة مرض ابي طالب ووفاته ومصيره في الآخرة[(14)] .. فمن المسائل الشائكة ذات شجون ! تفصيل المسـألة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَصَائِبُ بِهُلْكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ، يَشْكُو إلَيْهَا.. وَبِهُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَىٰ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ[(15)]. [ الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا ثَقُلَ بِهِ الْمَرَضُ، يَطْلُبُونَ عَهْدًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا اشْتَكَىٰ أَبُو طَالِبٍ، وَبَلَغَ قُرَيْشًا ثِقَلُهُ.. قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ: " إنَّ حَمْزَةَ وَعُمَرَ قَدْ أَسْلَمَا، وَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَانْطَلِقُوا بِنَا إلَى أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَأْخُذْ لَنَا عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، وَلْيُعْطِهِ مِنَّا، وَاَللَّهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزُّونَا أَمْرَنَا ". قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ ( بْنِ عَبَّاسٍ ) عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : " مَشَوْا إلَى أَبِي طَالِبٍ فَكَلَّمُوهُ؟ وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ: - عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَ - شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَ - أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَ - أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ،وَ - أَبُوسُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ"، فَقَالُوا :" يَا أَبَا طَالِبٍ، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى، وَتَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَادْعُهُ، فَخُذْ لَهُ مِنَّا، وَخُذْ لَنَا مِنْهُ، لِيَكُفَّ عَنَّا، وَنَكُفَّ عَنْهُ، وَلِيَدَعَنَا وَدِينَنَا، وَنَدَعَهُ وَدِينَهُ".. فَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَهُ. فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي: هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ، قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ، لِيُعْطُوكَ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « نَعَمْ ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ ». قَالَ : فَقَالَ أَبُوجَهْلٍ :" نَعَمْ وَأَبِيكَ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ "، قَالَ : « تَقُولُونَ : « „ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ” » ، وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ ». قَالَ : فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ؛ ثُمَّ قَالُوا : " أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ "، ( قَالَ ) : ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: " إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ " . قَالَ : ثُمَّ تَفَرَّقُوا[(16)]. [طَمَعُ الرَّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَدِيثُ ذَلِكَ ] فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " وَاَللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا"، قَالَ : فَلَمَّا قَالَهَا أَبُوطَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إسْلَامِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: « أَيْ عَمِّ، فَأَنْتَ فَقُلْهَا أَسْتَحِلَّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». قَالَ : فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ، قَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ السُّبَّةِ عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إنَّمَا قُلْتهَا جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا لَا أَقُولُهَا إلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا" . قَالَ : فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ قَالَ : نَظَرَ الْعَبَّاسُ إلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، قَالَ : فَأَصْغَى إلَيْهِ بِأُذُنِهِ، قَالَ : فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي. وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا "، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « لَمْ أَسْمَعْ ». [ مَا نَزَلَ فِيمَنْ طَلَبُوا الْعَهْدَ عَلَى الرَّسُولِ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ ] قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّهْطِ الَّذِينَ كَانُوا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا رَدُّوا: { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر } * { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاق }[(17)] إلَىٰ قَوْلِهِ تَعَالَىٰ: { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب } * { وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد }* { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق }[(18)]. ثُمَّ هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ ".[(19)]. فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّىٰ اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَثَرَ عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا.. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ : " لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَىٰ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ التُّرَابَ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَىٰ رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَىٰ بَنَاتِهِ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لَهَا : « لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكَ ». قَالَ : وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ : « مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّىٰ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ »[(20)]. اقول(الرمادي):" وحال رسول الله المؤيد من السماء يشبه حال أمته اليوم؛ ويفهم من الحديث أنه ما قام بعمل مادي.. من قتل أحد أو الإنتقام من الأبرياء ردا على ما فعله السفهاء به -عليه السلام- وهذا ما أردت تبيانه من مقدمة هذا الباب.. لذا فكل ما يحدث من افعال مادية وتصرفات عدوانية خطأ يخالف طريقته وسنته وهديه زمن العهد المكي؛ ونحن جميعاً اشبه ما نكون في هذه المرحلة! ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُون }[(21)].. أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ.. وَ نَزَلَ فِيهِ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(22)] . قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ }[(23)] قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَنْأَى عَنْهُ . وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: « „ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « [أَيْ] يَا عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ كلمةً] أُحَاجُّ[(24)] لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ » . فَقَالَا [أَبُوجَهْلٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ.] :" أَيْ [يَا] أَبَاطَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ! ".. قَالَ : [ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ ].. فَكَانَ آخَرَ كَلِمَةٍ أَنْ قَالَ : "عَلَى مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ [عَنْهُ] »، فَنَزَلَتْ: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم }[(25)] الْآيَتَيْنِ ، وَنَزَلَتْ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(26)] رواية مسلم .. وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ . و أبوطالب.. عمه كان السند الاجتماعي المهم.. والسند السياسي لرسول الله[(27)] وعليه فإن أباطالب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات كافراً، لا يوجد في ذلك خلاف معتبر بين أهل العلم، وقد روى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه[(28)] ما أثبته. و تتبقىٰ مسألة: .. زوجته « فاطمة بنت أسد » مِن أوائل الداخلين في الإسلام، وكيف سمح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببقائها علىٰ ذمته لحين وفاته؟". والإجابة عن هذه المسألة : أما سَمَاحُه -صلى الله عليه وسلم- ببقاء «فاطمة بنت أسد» في عصمة أبي طالب، فإن ذلك كان قبل تحريم بقاء المؤمنات تحت الكفار، لأن أباطالب مات عام الحزن(!)، وهو قبل الهجرة بثلاث سنين، وتحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار نزل في صلح الحديبية عام ستة من الهجرة. أخرج الشيخان عن المسور ومروان بن الحكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءت نساء من المؤمنات، فأنزل الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ }... إلىٰ قوله تعالىٰ: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }[(29)] وأخرج الواحدي عن ابن عباس قال: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية علىٰ أن مَن أتاه مِن أهل مكة رده إليهم.. ومَن أتىٰ مِن أهل مكة مِن أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك كتاباً وختموه، فجاءت : « „سبيعة بنت الحارث الأسلمية” » بعد الفراغ من الكتاب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافراً، فقال: "يا محمد رد علي امرأتي، فإنك قد شرطت علينا أن ترد علينا مَن أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد"، فأنزل الله هذه الآية... ومن بعد إذنه تعالىٰ سابحث صُلح الحديبية في قابل الأيام.. إن شاء الله! فوفاةُ أبي طالب، ونزول تحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار بينهما تسع سنين. والله أعلم.".[(30)] وَقَدْ حَكَى عَنْ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُمَنَافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَاطَالِبٍ، قَالَ :" كُنْتُ بِذِي الْمَجَازِ مَعَ ابْنِ أَخِي، فَعَطِشْتُ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَأَهْوَىٰ بِعَقِبِهِ إِلَىٰ الْأَرْضِ ، فَنَبَعَ الْمَاءُ فَشَرِبْتُ ". وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسُودُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا بِمَالٍ، إِلَّا: - أَبُوطَالِبٍ وَ - عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ". وَلِأَبِي طَالِبٍ شِعْرٌ جَيِّدٌ مُدَوَّنٌ فِي السِّيرَةِ وَغَيْرِهَا . وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ ، قَالَ : " رَأَيْتُ عَلِيًّا ضَحِكَ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ حَتَّىٰ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ "، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ: " ظَهَرَ عَلَيْنَا أَبُوطَالِبٍ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةَ .. فَقَالَ : "مَاذَا تَصْنَعَانِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ "، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ: "مَا بِالَّذِي تَصْنَعَانِ مِنْ بَأْسٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَعْلُونِي اسْتِي أَبَدًا"، فَضَحِكْتُ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِ أَبِي. وَرَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قُرَيْشًا أَظْهَرُوا لِبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ الْعَدَاوَةَ وَالشَّتْمَ، فَجَمَعَ أَبُوطَالِبٍ رَهْطَهُ، فَقَامُوا بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَدْعُونَ اللَّهَ عَلَىٰ مَنْ ظَلَمَهُمْ، وَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: " إِنْ أَبَى قَوْمُنَا إِلَّا الْبَغْيَ عَلَيْنَا فَعَجِّلْ نَصْرَنَا، وَحُلْ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الَّذِي يُرِيدُونَ مِنْ قَتْلِ ابْنِ أَخِي، ثُمَّ دَخَلَ بِآلِهِ الشِّعْبَ" . عَنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" مَا تَرْجُو لِأَبِي طَالِبٍ ؟ ". قَالَ :« كُلَّ الْخَيْرِ مِنْ رَبِّي » . قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي حَتَّى مَاتَ عَمِّي » . ــــــــــــــــــــــــ كَاعَّةٌ : جَمْعٌ كَائِعٍ، وَهُوَ الْجَبَانُ، يُقَالُ : كَعَّ : إِذَا جَبُنَ وَانْقَبَضَ . ــــــــــــــــــــــــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: « „ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمِّهِ : « قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » فَقَالَ :" لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يَقُولُونَ : إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(32)]. عَنِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: « „ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَاطَالِبٍ بِشَيْءٍ (!؟)، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ؟ ". قَالَ : « نَعَمْ . هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ »[(33)] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : يَقُولُ: وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُوطَالِبٍ فَقَالَ: « لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَجُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ »[(34)]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « „ أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُوطَالِبٍ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ” » [(35)]. وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: « „ لَمَّا مَاتَ أَبُوطَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ : " إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ ". قَالَ : « اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي » . فَأَتَيْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ ، ثُمَّ دَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهِنَّ مَا عَلَىٰ الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ” »[(36)] .. عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَزَادَ بَعْدَ اذْهَبْ فَوَارِهِ : فَقُلْتُ : إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا . قَالَ : « اذْهَبْ فَوَارِهِ »، وَفِي حَدِيثِ تَصْرِيحِ السَّمَاعِ مِنْ نَاجِيَةَ قَالَ : شَهِدْتُ عَلِيًّا يَقُولُ . وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ . وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ أَبُوطَالِبٍ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَفِيهٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ ، فَأَتَتْ بِنْتُهُ تَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَتَبْكِي فَجَعَلَ يَقُولُ : " أَيْ بُنَيَّةُ لَا تَبْكِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكِ " ، وَيَقُولُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ : " مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُوطَالِبٍ . [(37)]غَرِيبٌ مُرْسَلٌ . وَرُوِيَ عَنِابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَارَضَ جِنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : " وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يَا عَمِّ وَجُزِيتَ خَيْرًا " . تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيُّ. وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي عَنْهُ عِيسَى غُنْجَارٌ، وَالْفَضْلُ السِّينَانِيُّ . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَصَائِبُ بِهَلَاكِهِمَا . وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةُ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ ، كَانَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا . وكانت :" السند العاطفي والقلبي المهم جدًّا لرسول الله ".. ؛ بل المالي له؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ[(38)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ حمراء الشِّدق: الشدق جانب الفم ممَّا تحت الخد؛ والمعنى: أنها عجوز كبيرة جدًّا حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبقَ لشدقها بياض شيء من الأسنان إنما بقي فيه حمرة لثاتها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ .. ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ -عز وجل- بِهَا خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ: « مَا أَبْدَلَنِي اللهُ -عز وجل- خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ : 1.] آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَ 2.] صَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَ 3.] وَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَ 4.] رَزَقَنِي اللهُ -عَزَّ وجلَّ- وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ»[(39)] وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَنَّهُمَا تُوُفِّيَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَبِي طَالِبٍ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا . روى البخاري عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ -رحمه الله- قال: ( تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ رضي الله عنها قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ )[(40)] وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَاكِمُ أَنَّ مَوْتَهَا كَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامِ ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ . وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْأَسْدِيَةُ . قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ : كَانَتْ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ الْعَامِرِيَّةُ. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ تَحْتَ أَبِي هَالَةَ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي هَالَةَ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، ثُمَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : بَلْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهَالَةَ بَعْدَ عَتِيقٍ . وَكَانَتْ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ . وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ : كَانَ مَوْتُهَا فِي رَمَضَانَ، وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَقِيلَ : إِنَّهَا عَاشَتْ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً . وَقَالَ الزُّبَيْرُ : تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَقَامَتْ مَعَهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً . قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا، فَذَكَرَهَا يَوْمًا، فَاحْتَمَلَتْنِي الْغَيْرَةُ، فَقُلْتُ : لَقَدْ عَوَّضَكَ اللَّهُ مِنْ كَبِيرَةِ السِّنِّ، فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَبًا أَسْقَطْتُ فِي خَلَدِي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُولِكَ عَنِّي لَمْ أَعُدْ إِلَى ذِكْرِهَا بِسُوءٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَقِيتُ قَالَ : « كَيْفَ قُلْتِ، وَاللَّهِ لَقَدْ : 1.] آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَ 2.] آوَتْنِي إِذْ رَفَضَنِي النَّاسُ، وَ 3.] صَدَقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَ 4.] رُزِقْتُ مِنْهَا الْوَلَدُ، وَحُرِمْتُمُوهُ مِنِّي»، قَالَتْ : فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْرًا . عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا، وَمَا تَزَوَّجَنِي إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ[(41)] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ . وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: « „ أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : " هَذِهِ خَدِيجَةُ، أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامُ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ ” »[(42)] وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : سَمِعْتُ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: « „ خَيْرُ نِسَائِهَا : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ” »[(43)]. ومن الدقة العلمية في كتابة السيرة؛ ومن حسن وإحسان عرضها؛ فقد أخطأتُ في سرد أحدثها-كما سبق ونوهت- إذ بعد هلاك أبي طالب؛ عبدمناف بن عبدالمطلب كان ينبغي أن أتحدث عن : :" سَعْيُ الرَّسُولِ إلَىٰ ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الطَّائِفِ، يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ " ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ (*) شرح الغريب:" قَوْلُهُ : (أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْغَرْغَرَةِ قَوْلُهُ : ( أُحَاجُّ ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَأَصْلُهُ أُحَاجِجُ، وفِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ جاء بِلَفْظِ:" أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ". وَكَأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهِمَ مِنَ امْتِنَاعِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ لِوُقُوعِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ لَهُ الْمُحَاجَجَةَ. وَأَمَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ إِذْ لَمْ يَحْضُرْهُ حِينَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَيَّبَ قَلْبَهُ بِأَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهَا فَيَنْفَعَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ : فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : " لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ ... يَقُولُونَ : " مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إِلَّا جَزَعُ الْمَوْتِ".. لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ " وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ . قَوْلُهُ : فَنَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم } . وَنَزَلَتْ { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } أَمَّا نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ أَمَّا نُزُولُ الَّتِي قَبْلَهَا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْآيَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالِاسْتِغْفَارِ نَزَلَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِمُدَّةٍ، وَهِيَ عَامَّةٌ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ..} الْآيَةَ . وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وَ هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَيُضَعِّفُ مَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمَسْعُودِيِّ [ الْمَسْعُودِيُّ الْمُؤَرِّخُ شِيعِيٌّ قُحٌّ مِنْ دُعَاتِهِمْ] أَنَّهُ أَسْلَمَ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ . ". :" ولقد اختلف المؤرِّخون في تحديد الذي مات أولًا؛ هل هو أبو طالب، أم خديجة -رضي الله عنها-؟ فمنهم مَنْ قدَّم موت أبي طالب لأنَّه حدث بعد الخروج من الشِّعْب بستَّة أشهر؛ أي أنَّه حدث في رجب من السنة العاشرة، ثمَّ كانت وفاة خديجة رضي الله عنها؛ لأنَّه اشتُهر أنَّه حدث في رمضان من السنة العاشرة للنبوَّة. ومنهم مَنْ قدَّم وفاة خديجة -رضي الله عنها-، وجعل موت أبي طالب في شوال بعد خديجة بخمسة وثلاثين يومًا كما جاء في بعض الروايات، والمسألة فيها تفصيل وبحوث وإن كانت لا تهمُّ كثيرًا؛ لأنَّ المصيبتين حدثتا في وقتٍ قريبٍ جدًّا من بعضهما البعض، وكانت آثارهما مشتركة. والموت بصفةٍ عامَّةٍ مصيبةٌ كما سمَّاه الله -عزَّ وجلَّ- في كتابه العزيز؛ حيث نطق القرآن الكريم فقال: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ﴾ ولكن إن كان الموت بصفة عامة مصيبة فموت السيدة خديجة وأبي طالب كان مصيبة كبيرة جدًّا، وخاصة لقربهما -زمنياً- مِن بعضهما البعض، مما جعل(!؟) رسول الله -وهو الذي اشتهر بالتفاؤل والتخفيف عن أصحابه- يطلق علىٰ هذا العام الذي مات فيه أبو طالب والسيدة خديجة وهو العام العاشر مِن النبوة، يطلق عليه عام الحزن(!!).[(7)] ولكن موت هذين السندين الكبيرين جعل المصيبة أعظم؛ خاصَّةً لقرب موتهما من بعضهما البعض؛ ممَّا جعل المؤرخين يُطلقون على العام العاشر من النبوَّة: «عامَ الحزن»، وذكر بعضهم؛ قال ثعلب: «مات أبو طالب وخديجة في عامٍ واحد وهو عام الهجرة، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن». وقال ابن سيده: «وعام الحزن: العام الذي ماتت فيه خديجة وأبو طالب فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن حكى ذلك ثعلب عن ابن الأعرابي». وقال القسطلاني: «وكان صلى الله عليه وسلم يُسمِّي ذلك العام عام الحزن، فيما ذكر صاعد». أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق هذه التسمية، ولكنِّي لم أجد دليلًا بسندٍ صحيحٍ يُؤَكِّد ذلك.". فإنّ تسمية هذا العام بـ( عام الحزن ) إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ولا وجود لها في شيء من مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه كما فعله كثير من المصنِّفين. والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أطلق على هذا العام بأنّه عام الحزن هو " المواهب اللّدنيّة " للقسطلاني -رحمه الله-، وحين روى ذلك لم يزد على أن قال:" فيما ذكره صاعد "! وصاعد هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقاني -رحمه الله- في "شرحه" عليه (1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا. فلماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية على هذا العام ؟ كان ذلك في السّنة العاشرة من البعثة .. إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة -رضي الله عنها-، وأبو طالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام[(44)]. ". (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ (*) يتفق الجميع -سُنة وشيعة.. مسلمون ومستشرقون- على أن في سيرة نبي آخر الزمان والرسول الخاتم للمرسلين ومتمم الأنبياء وفي حياة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم شخصيات محورية لعبت دوراً هاماً وجوهرياً.. مفصلياً محورياً.. مما يستلزم مني تخصيص في نهاية البحوث مقالات عن تلك الشخصيات المحورية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وإدراك مع فهم أحاديث الأحكام لسيد ولد آدم وآخر المرسلين ومتمم الأنبياء والمبتعثين ﴾ [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداثُ » بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة« : [عَهْدِ النُّبُوَّةِ: الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ] [ ٧ ] الْبَابُ السَّابِعُ : „ ما أطلق عليه: عَامُ الْحُزْنِ ” . قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ - غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. حُرِّرَ في يوم الثلاثاء : ١١ ربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ~ الموافق : ١٦ من شهر نوفمبر عام ٢٠٦١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ |
بحث مكمل! :" من كرم رب العباد .. ورعاية مَن لا تأخذه سنة ولا نوم .. ورحمة من ارحم الراحمين.. فقد مَنَّ الرزاق الكريم عليَّ -وإثناء بحثي- بمطالعة موضوع مكمل لهذه الجزئية من البحث ... ما أطلق عليه عام الحزن .. وإليك البحث المكمل... ". |
منظر للمسجد النبوي! https://www.al-abdal.net/wp-content/...اية-البعثة.jpg "المسجد النبوي؛ بالمدينة المنورة؛ والتي طيَّب الله تعالى ثراها بمرقده-صلى الله عليه وآله وسلم- وبجواريه صاحبيه الصديق والفاروق-رضوان الله تعالى عليهما وسائر الأصحاب" |
تحقيق تسمية عام الحزن! " تعقيب" التسمية بــ عام الحزن: مِن كرم رب العباد ورعاية مَن لا تأخذه سنة ولا نوم ورحمة من ارحم الراحمين-سبحانه وتعالى-.. فقد مَنَّ الرزاق الكريم عليَّ -وإثناء بحثي- بمطالعة موضوع مكمل لهذه الجزئية من البحث ... مسألة ما أطلق عليه عام الحزن .. وإليك البحث المكمل... :" تحقيق تسمية عام الحزن: مِن التسميات المشهورة في كتب السيرة، إطلاق تسمية عام الحزن حيث عُرف العام العاشر من البعثة عند المتأخرين بــ عام الحزن، ذلك أن هذا العام قد شهد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وأبي طالب عمّ النبي محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان بين وفاتيهما أيام يسيرة، وذكروا أنه -صلى الله عليه وسلم- لشدة حزنه سَمى هذا العام عام الحزن.[(1)] فهل صح ذلك؟ ومن السادة أهل العلم مَن قال بأن النبي هو من سماه بــ عام الحزن أذكر على سبيل المثال ما : 1.] جاء في السيرة الحلبية :" باب : ذكر وفاة عمه أبي طالب، وزوجته (ص)([*)]. خديجة (ر)([*)]؛الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 490 ) قوله:" وكأن رسول الله (ص)([*)] يسمي ذلك العام عام الحزن ، ولزم بيته وأقل الخروج، وكانت مدة اقامتها معه (ص)([*)] خمسا وعشرين سنة على الصحيح." . ثم جاء في :"الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 521) -.... وفي السنة العاشرة من النبوة : مات أبوطالب وماتت خديجة (ر)([*)] وكان (ص)([*)] يسمى ذلك العام عام الحزن.". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ ([*)] لستُ ممن يرتاح لمثل هذه المختصرات؛ وقد أوردتها وفقا لما هو موجود في المصدر الذي رجعتُ إليه!.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ولعل إشكال النقل من المصادر القديمة دون التحقيق أوقع 2.] د. السرجاني في هذا الإشكال.. فقال : 1.]:" والموت مصيبة كما سماه الله U في كتابه حيث قال: { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]. ولكن إن كان الموت بصفة عامة مصيبة فموت السيدة خديجة وأبي طالب كان مصيبة كبيرة جدًّا، وخاصة لقربهما من بعضهما البعض، مما جعل رسول الله r - وهو الذي اشتهر بالتفاؤل والتخفيف عن أصحابه- يطلق على هذا العام الذي مات فيه أبوطالب والسيدة خديجة وهو العام العاشر من النبوة، يطلق عليه عام الحزن. وايضاً 2.] أبو زهرة في تفسيره :" زهرة التفاسير". -*-*-*- ومن السادة أهل العلم مَن قال بعدم تسميه -عليه السلام – هذا العام بعام الحزن: بحث د. العوشن في المسألة فكتب يقول : " لم تَردْ هذه التسمية في شيء من الأحاديث الصحيحة، بل و لا الضعيفة، ولا في شيء من كتب السيرة وشروحها، كــ - سيرة ابن إسحاق و - شرحها للسهيلي، ولم يذكر هذا اللفظ -فيما أعلم- أحد ممّن كتب في السيرة كــ - ابن القيم و - الذهبي و - ابن كثير، و لا غيرهم من شرّاح الأحاديث كــ - النووي و - ابن حجر -رحمهم الله-... قال الشيخ الساعاتي -رحمه الله- في الفتح الرباني: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسمي ذلك العام عام الحزن .. كذا في المواهب اللدنية .([انظر: الفتح الرباني (20/ 226).)]. وقال الشيخ الألباني في تعقيبه على البوطي في قوله: ( ولقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا العام (عام الحزن) لشدة ما كابد فيه من الشدائد في سبيل الدعوة ) .. قال الألباني -رحمه الله-: " مِن أي مصدر ٍ من المصادر الموثوقة أخذ الدكتور (البوطي) هذا الخبر؟ .. وهل إسناده -إن كان له إسناد- مما تقوم به الحجة؟ .. فإني [الألباني] بعد مزيد البحث لم أقف عليه ... والمصدر الوحيد الذي رأيته قد أورده إنما هو القَسطَلاّني في المواهب اللدنية فلم يزد على قوله: (فيما ذكره صاعد) وصاعد هذا هو ابن عبيد البجلي كما قال الزرقاني في شرحه عليه .. فما حال صاعد هذا؟ .. إنه مجهول لا يُعرف، ولم يوثقه أحد، بل أشار الحافظ (*)[ ابن حجر، حيث قال في التقريب عن صاعد: "مقبول". وقد نص في مقدمة التقريب على أن من وصفه بأنه مقبول فذلك حيث يتابع وإلا فليّن الحديث. (1/ 5).] .. أشار الحافظ إلى أنه ليّن الحديث إذا لم يتابع، كما هو حاله في هذا الخبر. على أن قول القسطلاني: (فيما ذكره صاعد) يُشعر أنه ذكره معلقًا بدون إسناد فيكون معضلًا، فيكون الخبر ضعيفًا لا يصح، حتى ولو كان صاعد معروفًا بالثقة والحفظ، وهيهات هيهات ([ دفاع عن الحديث والسيرة ص 18.)]". ا. هـ كلام الألباني. المنجد في جواب سؤال كتب يقول :" لم يثبت أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أو أحدا من أصحابه ، بل ولا من التابعين ، ومتقدمي الأئمة : أنه سَمى هذا العام بعام الحزن؛ ولم يُرو ذلك مسندا من وجه ، وغاية ما في الأمر أنها تسمية من العلماء . قال العيني رحمه الله في"عمدة القاري" (8/ 180): " توفّي أبوطَالب هُوَ وَ خَدِيجَة فِي أَيَّام ثَلَاثَة ، قَالَ صاعد فِي (كتاب الفصُوص) : فَكَانَ النَّبِي -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَمِّي ذَلِك الْعَام عَام الْحزن ، وَكَانَ ذَلِك وَقد أَتَى للنَّبِي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا " انتهى. و صاعد هذا : هو صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللُغوي ، ولم يكن صدوقا ، قال ابن بشكوال في "الصلة"(ص233) : " كان صاعد هذا يتهم بالكذب وقلة الصدق فيما يورده -عفى الله عنه- " انتهى . وقال الذهبي رحمه الله :"جمَع الفصوص عَلَى نحو "أمالي القالي " للمنصور، فأثابه عَليْهِ خمسة آلاف دينار. وكان متَّهَمًا في النَّقل ، فلهذا هجروا كتابه، وقد تخرَّج بِهِ جماعة مِن فُضلاء الأندلس ، لمّا ظهر كذبِه للمنصور رمى بكتابه في النّهر، ثمّ خرج مِن الأندلس في الفتنة وقصد صقلّية ، فمات بها " انتهى من "تاريخ الإسلام" (28/ 246) . وقال ابن سيده رحمه الله :" عام الحزَنِ : الْعَام الَّذِي مَاتَت فِيهِ خَدِيجَة وَ أَبُوطَالب ، فَسَماهُ رَسُول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَام الحزَنِ ، حكى ذَلِك ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي ، قَالَ: وَمَاتَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين " . انتهى من"المحكم" (3/ 225) . ومات ابن الأعرابي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، كما في "سير أعلام النبلاء" (9/ 75) ، وهو أعلى من نسب تسمية هذا العام بعام الحزن إلى النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.". قال د. العوشن:" ومن ناحية المتن فيبعد أن يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه بذلك، وقد مّر عليه صلى الله عليه وسلم والمسلمون من المحن والشدائد الكثير، قبل الهجرة وبعدها، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟.. قال: " لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب .. " الحديث[( البخاري، كتاب الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين (6/ 312 فتح)، مسلم (12/ 154 نووي).)]. وفي قصة بعثه صلى الله عليه وسلم سبعين رجلًا من أصحابه يُسَمَّون بالقرّاء إلى أحياء من سُليم فقتلوهم، قال أنس رضي الله عنه" فما رأيته وَجَد على أحدٍ ما وجد عليهم [( البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب دعاء الإِمام على من نكث عهدًا (6/ 272 فتح).)] ، حتى كان من شدة حزنه صلى الله عليه وسلم عليهم أنه مكث شهرًا كاملًا يدعو على قاتليهم، قال أنس رضي الله عنه "دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قَتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحًا حين يدعو على رِعْل ولحيان وعُصيّة عصت الله ورسوله [( البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة .. (7/ 389 فتح). )] ". وكانت هذه الحادثة المؤلمة التي قُتل فيها سبعون رجلًا، من الصحابة من قرّائهم قد وقعت في أوائل العام الرابع للهجرة، وسبقها بفترة قصيرة حادثة أخرى تُعرف بماء الرجيع لعشرة من الصحابة منهم: خبيب بن عدي و عاصم بن ثابت و زيد بن الدثنة و مرثد بن أبي مرثد وغيرهم رضي الله عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد أصيبوا في شوال من العام الثالث للهجرة (غزوة أحد) باستشهاد سبعين رجلًا كان منهم: حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، و مصعب بن عمير و أنس بن النضر، و عبدالله بن عمرو بن حرام (والد جابر)، و اليمان (والد حذيفة)، و عبدالله بن جبير أمير الرماة يومها، وغيرهم رضي الله عنهم بل شُجّ رأسه صلى الله عليه وسلم وكُسِرت رَباعيته ودمي وجهه الشريف [( مسلم، كتاب الجهاد والسيرة، غزوة أحد (12/ 148 نووي).)] . كل تلك الحوادث وقعت في أقل من ستة أشهر، واستُشهد خلالها ما يقارب من مائة وخمسين صحابيًا رضي الله عنهم ولم يُنقل أنه صلى الله عليه وسلم على شدة حزنه سمّاه بأي اسم يدل على الحزن أو نحوه. " انظر : *. ] د. محمد عبدالله العوشن؛ ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية؛[ . (67-69).] .. ونُشر أيضاً على صفحة د. السرجاني تحت عنوان عريض :"التاريخ الإسلامي ؛ صحح تاريخك : عام الحزن". *.] استشهد المنجد بما بحثه د. العوشن ] . و بحث :" عبدالحليم توميات في :" -السّيرة النّبويّة (32) عـام الحـزن.. وقال :" تسمية هذا العام بـ( عام الحزن ) إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا وجود لها في شيء من مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه كما فعله كثير من المصنِّفين. والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّصلّى الله عليه وسلّم أطلق على هذا العام بأنّه عام الحزن هو " المواهب اللّدنيّة " للقسطلاني رحمه الله، وحين روى ذلك لم يزد على أن قال:" فيما ذكره صاعد "! وصاعد هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقاني رحمه الله في"شرحه" عليه ( 1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا. فــ لماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية على هذا العام ؟ كان ذلك في السّنة العاشرة من البعثة .. إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة رضي الله عنها، وأبو طالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام. [نُشر : الاثنين 04 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 07 فيفري 2011؛ السّيرة النّبويّة (32) عـام الحـزن؛ عبدالحليم توميات ] وهناك مَن سلم مِن وقوفه في آحدى الصفين فتوقف عن أن ينسبه إلى أحد مثل صاحب :" الرحيق المختوم". فــ قال : :" ولأجل توالي مثل هذه الآلام في هذا العام سُمِّى بــ عام الحزن، وعُرف به في السيرة والتاريخ ». *-* *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* الإثنين، 17 ربيع الثاني، 1443هــ ~ 22 نوفمبر 2021م |
سَعْيُ الرَّسُولِ-عليه الصلاة والسلام- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ! ﴿ « „ ٩٩‟» ﴾ [ ٨ ] سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ * . ] اسْتِدْرَاكٌ : .. وقفتُ في نهاية الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ [ ٧ ] عند عام الحزن [نَشَرَهُ موقع ملتقى أهل العلم مشكورا ومأجوراً]؛ وما يجب عليَّ إثباته هنا :" إنّ تسمية هذا العام بـ : « عام الحزن » إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِدعن النبيّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولا وجود لها في شيء مِن مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، كما فعله كثير من المصنِّفين. والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أطلق علىٰ هذا العام بأنّه :„عام الحزن‟هو " المواهب اللّدنيّة" للقسطلاني رحمه الله، وحين روىٰ ذلك لم يزد علىٰ أن قال:" فيما ذكره صاعد "!... وصاعدٌ هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقانيرحمه الله في"شرحه" عليه (1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا. * . ] فلماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية علىٰ هذا العام؟[(1)] كان ذلك في السّنة العاشرة مِن البعثة .. إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة رضي الله عنها، وهلك عمه أبوطالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام[(2)]. وكانا يقفان بجواره-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ومساندته ونصرته.. وبغيابهما عن المشهد القائم المعاش -وقتذاك- والأحداث الجارية المتتالية-في زمانها- في مكة فقدَ رسولُ الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الناصر الإجتماعي و المؤيد الفعلي في مواجهة صناديد وكفار وعابدي أصنام.. وهو الذي يدعو إلى وحدانية الآله الخالق الرازق المحي المميت الذي بيده الخير وهو على كل شئ قدير.. وترك ما يعبدون من دون الله -تعالى- وعمه كان الحامي الخارجي و فقدَ الأنيس الداخلي و الناصر المعنوي و الصدر الدافئ حين عودته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلى بيته ليستريح قليلا مِن عناء المهاجمة والصدود والجفاء الخارجي.. وهنا الحديث عن محمد بن عبدالله الإنسان؛ فهو بشر من بني آدم.. صحيح أنه عليه السلام سيد ولد آدم لكن بداخله مشاعر إنسان وعواطف بشر وأحاسيس.. والذي أعانه على ذلك المصاب الأليم الشديد هو يقينه الجازم بأنه رسول الله تعالى وأنه المصطفى لتبيلغ آخر رسالات السماء وأنه المجتبى من الخلق أجمعين لتعلو راية التوحيد... لذا فقد اجتهد البعض بوصف الحالة النفسية التي مر بها الرسول الإنسان محمد بن عبدالله فتم عنونة هذه السنة بأنها :« عام الحزن ». -***- وأبدءُ مِن بعد إذنه -تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه – ومن بعد هدايته وتوفيقه: [الْمُجَلَّدُ : (٨)؛ الْبَابُ : (١): ﴿«„سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ‟ »﴾ . تَّمْهِيدٌ: عَرْضُ الرَّسُولِ[صلى الله عليه وآله وسلم]نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ: أدقُ مفصلٍ حيوي يربط بين آحدىٰ مراحل سنوات العهد المكي وآخرىٰ مِن السيرة النبوية المحمدية العطرة-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً-. أدقُ مفصل جوهري وأساسٍ هو وبلا آدنىٰ شكٍ واقل ارتياب : «„ عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ ‟» فقد اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. وتجمد المجتمع المكي وتصلب أمام الدعوة الجديدة منذ أن أعلنَ -عليه السلام- مبدأَ التوحيد وتكلم عن الربوبية الحقة وشرحَ حقيقة الآلوهية؛ وأخبرَ بعقيدة الإسلام الحنيف وبيَّن صحة الإيمان؛ ووجه العبادة لوجه الله-جل وعلا- وحده لا شريك ولا ند له لا مثيل له.. فلا صاحبة له ولا ولد، بدءاً مِن داخل البلد الحرام مسقط رأس خاتم الأنبياء؛ ومِن أمام :{.. أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين}[(3)].. بلد آخر المرسلين؛ ومبدء دعوة إسلام متمم المبتعثين.. ومنشأ التوحيد .. وصرف العبادة فقط لرب البيت العتيق بــ مكةَ المكرمة التي تشرفت كأطهر بقعة علىٰ الأرض بوجود البيت الحرام العتيق منذ بداية وجود الأرض كــ مخلوقة لله-تعالىٰ في سماه و تقدست اسماه-؛ ومِن ثم زيارة أبي البشر أجمعين آدم -عليه السلام- للكعبة المشرفة.. ثم زيارات بقية السادة المرسلين ولفيف النبلاء مِن الأنبياء إلىٰ أن ترك الخليل إبراهيم -جد محمد الأعلىٰ- أبنَه الأكبر مع أمه ذات الأصول المِصرية هاجر وطفلها -الجد الأكبر- لمحمدٍ إسماعيلَ بن إبراهيم.. وبناء الكعبة المشرفة على القواعد: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ }[(4)]..ثم تشرفت أخيراً وتزينت بمولد النبي الرسول المصطفىٰ المرتضىٰ المحتبىٰ المجتبىٰ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب.. .. اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. علىٰ أوائل المسلمين.. -ومعهم الرسول العظيم-؛ وهي مِن سنن الله -تعالى- في خلقه.. الذين أمنوا بالدين الجديد فخرجوا بعد العذاب المهين مِن وسط كفار قريش ومشركي مكة.. خرجوا إلىٰ شعب أبي طالب.. .. اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. فجاء مسير المصطفىٰ الهادي إلىٰ الطائف.. وبدءاً مِن هنا يبدءُ مفصل جوهري وانتقال حيوي إلىٰ تحرك جديد دعوي ؛ كأنه يخبر عن قرب انتهاء العهد المكي بمراحله ومفاصله لـتأسيس الدعوة الجديدة وبناء شخصية التكتل حول الرسول الأول؛ وهو -العهد المكي- العهد الأول في سير الخطوات العملية؛ ونستفيد نحن منها أنها السُنَّة التطبيقية والطريقة العملية في سير السيرة المحمدية النبوية والمنهجية الأحمدية الرسولية في البداية الفعلية والمنطقية في سير الدعوة؛ إذ بدأت بين : - أهله و - قومه و - عشيرته و - قبيلته.. ولاقى ما هو معروف منهم..فأمنت به قلة واتبعته ثلة.. وبقرب انتهاء هذا المفصل -يقترب مِن ثلاث سنوات-مِن العهد الأول المكي.. سيبدء ببطئ شديد يحتاج إلىٰ يقظة وإعمال فكر ووعي وبصيرة الخطوات الأولىٰ العملية للإنتقال إلىٰ العهد الثاني من عهدي النبوة : «„العهدالمدني‟ ».. .. الحديثُ هنا والبحثُ عن أدقُ مفصلٍ يربط بين آحدىٰ مراحل سنوات العهد المكي -العهد الأول- وآخرىٰ مِن السيرة النبوية المحمدية العطرة-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثيراً-.. وهذا المفصل هو ﴿«„ عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ‟».. .. وهو المقدمة الحتمية والتمهيد الأيديولوجي الفكري والاستراتيجي لما سيترتب عليه مِن بعد ذلك..أي قيام كيان لمجموعة الأفكار والقناعات لتفعيلها في المجتمع ولتنفيذها.. وكيان عملي لحزمة المبادئ وكتلة القيَّم والمقاييس لتطبيقها والتي أوحىٰ الله -تعالى- بها لخاتم رسله ومتمم مبتعثيه وآخر أنبياءه.. و هنا ينبغي علىٰ "حامل دعوة - ولا استخدم لفظة الداعية- الإسلام" -أفرادا أو أحزابا.. جماعات أو تكتلات يجب فهم كيفية الانتقال ما بين مرحلة وآخرىٰ.. وكيفية الربط ما بين مفاصل وروابط كل مرحلة بعينها.. ولعل غياب هذا الفهم الدقيق والربط الواعي المستنير للسيرة النبوية أوقع -اليوم- جماعات تدثرت بقشور إسلام وأحزاب تلبست وشاحه.. أوقعها في مسألة التزواج بين مبدأ الإسلام ومبادئ وضعية بشرية ومنذ أكثر مِن 90 عاما تخفق فيما تدعو إليه.. والتجربة المِصرية التي استغرقت ثوان مِن عمر الدهر؛ والتونسية التي تترنح كلما قامت.. خير دليل علىٰ صحة ما ذهبتُ إليه.. قلتُ(الرمادي) : في التمهيد لهذا البحث أنه اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. وتجمد المجتمع المكي وتصلب أمام دعوة الإسلام المحمدية وعلى سبيل المثال؛ وبإذنه -تعالى- سأفردُ فصلاً كاملاً عن: بدايات الأذىٰ مِن المشركين: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ النَّفَرُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ : 1.] أَبَا لَهَبٍ ، وَ 2.] الْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَ 3.] عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَ 4.] عَدِيَّ بْنَ حَمْرَاءَ الثَّقَفِيَّ ، وَ 5.] ابْنَ الْأَصْدَاءِ الْهُذَلِيَّ ؛ وَ كَانُواجِيرَانَهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ -فِيمَا ذَكِرَ ابن إسحاق- يَطْرَحُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمَ الشَّاةِ وَهُوَ يُصَلِّي ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَطْرَحُهَا فِي بُرْمَتِهِ إذَا نُصِبَتْ لَهُ ، حَتَّى اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجْرًا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْهُمْ إذَا صَلَّى ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَرَحُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَذَى ، كَمَا حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، يَخْرُجُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُودِ ، فَيَقِفُ بِهِ عَلَى بَابِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : «„يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا‟»: ثُمَّ يُلْقِيهِ فِي الطَّرِيقِ ".[(5)] [ طَمَعُ الْمُشْرِكِينَ فِي الرَّسُولِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيجَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَاطَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿„الْمَصَائِبُ‟﴾: بِــ - هُلْكِ خَدِيجَةَ ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ ، يَشْكُو إلَيْهَا ؛ وَبِــ - هُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَىٰ قَوْمِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ: ﴿٣﴾ سِنِينَ . فَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ ، حَتَّىٰ اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ ، فَنَثَرَ عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ :«„ لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَىٰ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ التُّرَابَ ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَىٰ رَأْسِهِ ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَىٰ بَنَاتِهِ ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا :«„ لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ(!) فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكَ‟ ». قَالَ : وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ:« „مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّىٰ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ” » ... .. وهذه المعاناة في سبيل حمل الدعوة تحتاج مني إلىٰ إعادة نظر ومِن ثم تفصيل.. ولعل إذا شاءت إرادة السماء يكون لي عودة حميدة طيبة في بحث هذا الموضوع.. والله-تعالىٰ- المستعان! ومما يلزمني إعادة النظر فيه مع التذكير والتنبيه .. ذلك الموقف الذي حدث في حالة مرض أبي طالب -الأخ الشقيق لعبدالله بن عبدالمطلب- والد محمد : ولعل هذا ما غاب عن مسلمي اليوم.. وفطن إليه أحد الذين كانوا يحاربون الله -تعالى- ويعادون رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن الموقف كما رواه ابن اسحاق واعتمده مِن بعده كافة أهل السير والتراجم .. أنتبه واسمع : * . ] بَعَثَ إلَيْهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَبُو طَالِبٍ ، فَجَاءَهُ . فَــقَالَ أَبُوطَالِبٍ : „يَا ابْنَ أَخِي : هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ ، قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ ، لِيُعْطُوكَ ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ‟. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ﴿„ نَعَمْ..«„كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ‟ »تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ‟﴾. أقول(الرمادي): يجب الانتباه أن قبيلة قريش في مكة والمناطق المحيطة بها أهل تجارة ورجال مواسم إذ يرون قوافل التجارة قادمة إليها وراحلة عنها؛ ويثبت القرآن الكريم والذكر الحكيم هذا المشهد لأن به دلالة قوية لما أريد أن اثبته ولتراجع كتب التفسير ومصادر التأويل؛ إذ نطق القرآن يقول :{ لإِيلاَفِ قُرَيْش }[*]{ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف}[(6)] فهم يملكون المال ولديهم السلطة علىٰ العبيد ولديهم السيطرة علىٰ بيت الله -تعالىٰ- العتيق في المواسم.. فإذا زاد المُلك ملكاً وتوسعت السلطة والسيطرة وزاد المال فهذا ما يسعىٰ إليه كل متملك ومالك.. فكانت الإجابة الفورية أن..قَالَ : فَــ قَالَ أَبُو جَهْلٍ :„نَعَمْ وَأَبِيكَ ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ‟، قَالَ -صلى الله عليه وآله وسلم-: تَقُولُونَ : [ أ . ] ﴿„لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‟﴾ ، وَ [ ب . ] ﴿„تَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‟﴾ . .. فهذه الثنائية : أ . ] آله واحد.. يعبد ويطاع أمره؛ ويبتعد عن نهيه؛ و: ب . ] خلع ما دونه.. وهذه هي مشكلة المشاكل عند البشر.. فالهوىٰ والميل والرغبة وتحقيق الغرائز وإشباعها وتركها علىٰ عناتها دون قيد أو شرط أو رقيب.. وحقيقتها انها آلهة من دونه فكان ردهم مباشرة الرفض.. ماذا فعلوا : قَالَ :"„ فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ ‟؛ ثُمَّ قَالُوا :„ أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا ، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ ‟ ( قَالَ ) : ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :„ إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَىٰ دِينِ آبَائِكُمْ ، حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ . قَالَ : ثُمَّ تَفَرَّقُوا‟. فمسألة توحيد الآله؛ ويندرج تحتها السمع لأوامره -هو فقط- والطاعة له -وحده دون سواه- رُفضت منذ اللحظة الأولىٰ من العرض النبوي! .. ثم تأتي مسألة آخرىٰ -تكاد تكون- حامية الوطيس بين أهل السنة ومَن يتبعهم وبين أهل الشيعة ومَن يتشيع معهم حول قضية لا تفيد وهي مسألة ما بعد الموت والحساب والعقاب؛ وهي مسألة: „ إيمان أبي طالب.. عم النبي.. مِن عدمها‟.. وفي حقيقة الأمر لا يترتب علىٰ بحثها أي فائدة سواء من حيث أحكام شرعية تكليفية عملية لنا؛ كما أنها لا تدخل في مسائل العقيدة عند المؤمنين والإيمان عند المسلمين ؛ والأصل في بحثها ونتائجها لا يترتب عليها قضية إيمان أو كفر لأحد منا أو منهم؛ وهي مسألة إيمان شخص واحد مِن عدمه وعقيدة أبي طالب -العم الحامي لنبي الله- وهي مسألة نفسية.. مسألة شجون وعواطف.. قد تُجرح مشاعر البعض ويتأذىٰ منها البعض.. فكيف بمَن قام بهذا الأفعال الجيدة والمواقف المحمودة مع ابن أخيه ثم يكون مصيره عذاب! لذا فهناك بحث : [ طَمَعُ الرَّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ ، وَحَدِيثُ ذَلِكَ ] فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :„ وَاَللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي ، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا‟، قَالَ: فَلَمَّا قَالَهَا أَبُوطَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إسْلَامِهِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ :«„أَيْ عَمِّ ، فَأَنْتَ ... فَقُلْهَا أَسْتَحِلَّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‟ » . قَالَ : فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، قَالَ :„يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ : „السُّبَّةِ‟ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي ، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إنَّمَا قُلْتهَا جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا ... لَا أَقُولُهَا إلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا‟. قَالَ : فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ .. قَالَ : نَظَرَ الْعَبَّاسُ إلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ ، قَالَ : فَأَصْغَىٰ إلَيْهِ بِأُذُنِهِ ، قَالَ فَقَالَ :„ يَا ابْنَ أَخِي وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا‟، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«„لَمْ أَسْمَعْ‟(!!!)» . [(7)] -**- منذ قليل تحدثتُ عن اليسير مِن بحث :" المسير إلىٰ الطائف " ثم تكلمتُ عن ما أطلق عليه :"عام الحزن".. ومِن هنا يبدء بحث جديد عميق أساسي وجوهري في خط سير السيرة المصطفوية والهدي المحمدي هي مسألة: ﴿«„النُّصرة‟»﴾؛ ما تسمىٰ بــ مسألة : ﴿«„طلب النُّصرة مِن أهل المنعة والقوة‟»﴾؛ وإليك البيان : 1.] عَنوَّنَ ابن هشام في سيرته :« „ سَعْيُ الرَّسُولِ إلَىٰ ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ‟ ». فقد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :"وَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَىٰ الطَّائِفِ "[(8)]، .. فما سبب خروجه -عليه السلام- !؟. يكمل ابن اسحاق القول فيثبت لنا : 1. ] يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ ، وَ 2. ] الْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَ رَجَاءَ أَنْ : 3. ] يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ "[(8)].. توجد مسألة تحتاج إلىٰ إلقاء أضواء عليها وهي : ﴿«„ نثبت -سبحانه وتعالىٰ- فؤادك -عليه السلام-‟»﴾.. ..وهذه متعلقة بقَصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين؛ ثم تأتي مسألة نزول القرآن منجماً علىٰ مدار ثلاث وعشرين سنة : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }[(10)] ثم تأتي مسألة آخرىٰ: ألا وهي مسألة الغيب؛ وهو ما لا يتمكن الإنسان بقدراته الذاتية أن يدركه بقواه العقلية المحدودة أو يراه بحاسة النظر والبصر أو يخاطبه فيكلمه ويسمعه.. كقضية محادثة الشيطان -دون مسألة وسوسته- والتأثير علىٰ الجن.. أو قضية مَن سبقنا من الأمم والشعوب وعلىٰ وجه الخصوص وبالتحديد مَن سبقه -عليه السلام- فهي غيب مطلق لنا نحن البشر؛ والحديث عنها مرتبط بما هو يقيني مِن النصوص -قطعية الثبوت أنها وحي مِن عند الله.. وقطعية الدلالة مِن حيث معناها و ما يفهم منها- وليست روايات وحكايات.. فتجد في قوله :{ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا }[(11)] وتجد :{ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون}[(12)] لماذا أراد الخالق -الذي أرسل محمدا رسولا ونبيا- أن يزيد مِن ثبات قلبه!؟.. ففي لحظة المحنة واثناء خروجه منها وقبيل دخوله مكة حدث أمر لحقه ثان كي تتحقق مسألة :«„ نثبت فؤادك ‟» فتجد قصة ملك الجبال والأخشبين -وهذا غيب- وتجد قصة الجن يستمعون القرآن ويؤمنون به -وهذا أيضاً غيب- ولولا أنه ذكر القرآن الكريم والذكر الحكيم هذه المسألة الأخيرة ما قلتُ بها. وتجد مقدمة لتهيئة نفسه -عليه السلام- في قصة عدَّاس النصراني وما فعله فقد قال ابن اسحاق: فَــقد أَنكَبَّ عَدَّاسٌ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ : 1.] - ﴿„ رَأْسَهُ ‟﴾ . وَ 2.] - ﴿„ يَدَيْهِ ‟﴾ . وَ 3.] - ﴿„ قَدَمَيْهِ ‟﴾ . [(13)] وهذه لا يحكمها قانون المصادفة؛ بل ترتيب مِن خبير عليم!. ثم نكمل القصة إذ :" قَالَ: يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ . فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَدَّاسٌ ، قَالَا لَهُ :"„وَيْلَكَ يَاعَدَّاسُ مَالَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ ؟ ‟ . قَالَ : يَا سَيِّدِي مَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرِ مَا يَعْلَمُهُ إلَّا نَبِيٌّ ، قَالَا لَهُ : وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ ، لَا ، يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ".[(14)] ثم يأتي ما يثبت الله-تعالىٰ- به فؤاده؛ وليس مِن باب المصادفة ؛ وأقصدُ : [ أَمْرُ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ ] قَالَ : ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ الطَّائِفِ رَاجِعًا إلَىٰ مَكَّةَ ، حِينَ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ ، حَتَّىٰ إذَا كَانَ بِنَخْلَةَ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي ، فَمَرَّ بِهِ النَّفَرُ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَهُمْ - فِيمَا ذَكِرَ ابن اسحاق - سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنِّ أَهْلِ نَصِيبِينَ فَاسْتَمَعُوا لَهُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَّوْا إلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَىٰ مَا سَمِعُوا . فَقَصَّ اللَّهُ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ اللَّهُ-عَزَّوَجَلَّ- :{ وَ إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ } إلَىٰ قَوْلِهِ-تَعَالَى-:{ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }[(15)]، وَقَالَ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ } [(16)]إلَىٰ آخِرِ الْقِصَّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .[(17)].. ومسألة الجن حتىٰ لا نذهب بعيداً غيب لم يطلع عليه إلا أنبياء ورسل خالق الإنسان والجن؛ وهي مسألة لا يبحث فيها بقدراتنا العقلية المحدودة ويكفينا ما ينبهنا إليه القرآن الكريم والذكر الحكيم علىٰ لسان :{ سُلَيْمَانَ } فــ { قَالَ .. وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب}[(18)] -***- أعود لمسألة البحث ؛ أقصد طلب النُّصرة مِن أهل القوة و رجال المنعة؛ فبالإضافة إلى ما ذكره ابن اسحاق - بعد مضي سنوات من دعوة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لأهل مكة وملاقاته منهم العنت والصدود ، وصبره علىٰ مواقفهم السلبية وأذاهم له، صبراً لا تتحمله الجبال الراسيات، أراد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نقل الدعوة إلىٰ القبائل خارج مكة لعله يجد بينهم آذاناً صاغية وقلوباً واعية ، فيؤمن به بعض وجهاء القبائل ، فينشر هدايته ،ويضمن ملاذاً لأتباعه من المستضعفين والمساكين ، لذلك ركَّز الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في دعوته علىٰ القبائل ورؤسائها [(19)]. - وفي العام [6 ق . هـ ~ 615 م]؛ عرض رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نفسه علىٰ القبائل مِن العرب أن يحموه ويناصروه علىٰ ماجاء به من الحق] ولأنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أخفىٰ رسالته(!)ثلاث سنين، ثم أعلن بها في الرابعة علىٰ ما تقدم، ودعا إلىٰ الإسلام عشر سنين يوافي الموسم كل عام، يتبع الحجاج في منازلهم -أي بمنىٰ والموقف- يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة، ويسأل عن منازلهم ويأتي إليهم في أسواق المواسم، وهي: * . ] - عكاظ، و * . ] - مجنة، و * . ] - ذو المجاز، فقد كانت العرب إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوّال، ثم تجيء إلىٰ سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوما، ثم تجيء سوق ذي المجاز فتقيم به إلىٰ أيام الحج يدعوهم إلىٰ أن يمنعوه حتىٰ يبلغ رسالات ربه. فعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال كان النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه علىٰ الناس في الموقف ويقول: « ألا رجل يعرض عليّ قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ».. و عن بعضهم رأيت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يهاجر إلىٰ المدينة يطوف علىٰ الناس في منازلهم -أي بمنىٰ- يقول: « يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا»، و وراءه رجل يقول:" يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم"، فسألت مَن هذا الرجل؟ فقيل أبو لهب يعني عمه. و في رواية عن أبي طارق -رضي الله تعالى عنه-قال: رأيت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بسوق ذي المجاز ي عرض نفسه علىٰ قبائل العرب يقول: « يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وخلفه رجل له غديرتان» أي ذؤابتان « يرجمه بالحجارة حتىٰ أدمي كعبه يقول:" يا أيها الناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب"، فسألت عنه، فقيل إنه غلام عبدالمطلب، فقلت ومَن الرجل الذي يرجمه؟ فقيل هو عمه عبدالعزى يعني أبا لهب» [(20)]. وفي السيرة الهشامية عن بعضهم قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقف في منازل القبائل من العرب فيقول : « „يابني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا به وتصدقوني، وتمنعوني حتىٰ أبين عن الله عز وجل ما بعثني به‟ »، قال: وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من قوله قال ذلك الرجل: "يا بني فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلىٰ أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلىٰ ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه"، فقلت لأبي: مَن هذا الرجل الذي يتبعه يرد عليه ما يقول؟ قال: هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب[(21)]. - يقول د. السرجاني[(22)] :"اتخذ الرسول الكريم طريقةً جديدة للحوار مع القبائل الزائرة لمكة، فأصبح يدعوهم إلىٰ نصرته واستضافته في قبائلهم، وبسؤال عام مفتوح نبدء البحث: فــ * . ] ماذا فعل رسول الله؟ ؛ و * . ] ماذا عن رد القبائل؟[(22)] أما د. الصلابي[(23)] وتحت عنوان عريض :" طواف النبي -صلى الله عليه وسلم- علىٰ القبائل طلباً للنُّصرة " فكتب يقول :" بعد رجوعه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن الطَّائف بدأ يعرض نفسه علىٰ القبائل في المواسم: * . ] يشرح لهم الإسلام، و * . ] يطلب منهم الإيواء، و * . ] النُّصرة، قلتُ(الرمادي): وغاية ذلك : * . ]حتَّىٰ يبلِّغ كلام الله - عزَّوجلَّ - .. وكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتحرَّك في: * . ] المواسم التِّجارية، و * . ] مواسم الحجِّ.. الَّتي تجتمع فيها القبائل وَفْق خطَّةٍ سياسيَّةٍ دعويَّةٍ واضحة المعالم، ومحدَّدة الأهداف، وكان يصاحبه أبوبكر الصِّدِّيق؛ الرَّجل الَّذي تخصَّص في معرفة أنساب العرب، وتاريخها، وكانا يقصدان «غُرَر النَّاس، ووجوه القبائل، وكان أبوبكر رضي الله عنه، يسأل وجوه القبائل، ويقول لهم: * . ] كيف العدد فيكم؟ و * . ] كيف المنعة فيكم؟ و * . ] كيف الحرب فيكم؟ .. وذلك قبل أن يتحدَّث رسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ويعرض دعوته»... .. ألتقطُ طرف الخيط مما كتبه د. السرجاني إذ يقول :" دعوة القبائل.. الإجراءات والمنهج: بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -بناءً علىٰ ما سبق- في تغيير طريقته في الدعوة تغييرًا خطيرًا؛ فهو لن يكتفي الآن بدعوة الناس إلىٰ الإسلام فقط كما كان يفعل من قبل؛ بل سيدعوهم كذلك إلىٰ النُّصرة ضدَّ قريش، وبشكل صريح! ولنراجع الروايتين اللتين تتعلَّقان بهذه المرحلة، وقد جاءت الروايتان عن طريق جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-، وهو -كما هو معروف- من أهل يثرب الذين لم يظهروا في الصورة إلا مؤخرًا؛ وذلك عندما أسلم سويد بن الصامت وإياس بن معاذ-رضي الله عنهما-؛ ولعلَّ جابرًا -رضي الله عنه-قد شاهد هذين الموقفين بنفسه، أو أن أحد أهل يثرب قد حكاهما له -شكٌ من السرجاني-، وقد حدَّد موعدهما في العام الحادي عشر من البعثة لأن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يطلب من أحدٍ النصرة قبل هذا العام لــ: - وجود أبي طالب معه؛ ثم إنه - لن يطلبها في الفترة المتبقية في العهد المكي لأنه سيجد نصرةً من أهل يثرب -أو المدينة- في هذا العام، كما سنتبيَّن في هذا الفصل بإذن الله؛ ومن ثَمَّ لن يكون هناك حاجة لطلبها من غيرهم، ثم إن الرواية الثانية فيها تحديد صريح حيث ذكر جابر - رضي الله عنه- ما يدلُّ على حدوث الموقف الأخير في العام الحادي عشر كما سيأتي. يقول جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ[(24)][أي الموسم؛ وفي رواية النسائي وابن ماجه: «يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ». والمقصود موسم الحج، فقد كانوا يحجون في الجاهلية] فَقَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ فَإِنَّ قريشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»[(25)] ويقول كذلك: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: «هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ ... فَإِنَّ قريشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي -عزوجل-؟» فَــ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: «مِمَّنْ أَنْتَ؟» فَـت قَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ. قَالَ:«فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟» قَالَ: نَعَمْ. ثمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ قَوْمُهُ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -فَقَالَ: آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ. قَالَ: «نَعَمْ». فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ[(26)] لقد أتىٰ وفد الأنصار -كما تقول الرواية- بعد انطلاق الرجل الهمداني، وكان هذا في شهر رجب، ومن المعروف أن أول قدومٍ لوفدالأنصار كان في العام الحادي عشر من البعثة؛ ولذلك تمَّ تحديد توقيت بداية هذه السياسة(!) النبوية الجديدة في دعوة الناس. يذهب د. السرجاني إلىٰ : إن هذا الذي يفعله رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُعدُّ في الواقع بمنزلة إعلان الحرب علىٰ مكة، فقد تقبل قبيلة قوية بالإسلام، وبالنصرة لرسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ثم تصطدم هذه القبيلة بعد ذلك مع أهل مكة المكذبين له، فتكون حربًا خطيرة، وكان رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - يعلم خطورة هذا الأمر؛ ومن ثَمَّ فإنه أراد أن يتكلم مع القبائل والأفراد دون أن تعلم قريش بهذا الحديث، وهذا أمر صعب؛ لأن قريشًا كانت تَتَتَبَّع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أثناء قدوم الحجيج والمعتمرين، وتُكَذِّبه في كل موطن، وكان الذي يقوم بهذا الأمر في معظم الأحيان عمُّه أبو لهب، ومن هنا فإن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -قرَّر أن يُغَيِّر نسبيًّا من طريقته في الدعوة مع القبائل الغريبة عن مكة. لقد كان من عادته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك أن يتحدَّث حديثًا عامًّا مع الناس جميعًا، فيتحدَّث في أمر الإسلام وسط الأسواق أو نحوها، ويسمعه الناس من كل القبائل؛ أما الآن فهو يُريد أن يتحدَّث بشكل خاصٍّ مع كل فرد أو قبيلة، ولا يتوجَّه بحديثه إلىٰ قبائل متعدِّدة في آنٍ واحد؛ حتىٰ لا يخرج أمره إلىٰ أهل مكة قدر المستطاع؛ خاصة أنه سيطلب النُّصرة، وقد تكون هناك مفاوضات سياسية أو عسكرية لا يستطيع البوح ببنودها أمام الناس جميعًا، وهذا دفع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ سرية الحديث مع الناس في هذه المرحلة. وقد تطلَّب هذا الأمر أن يقوم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ببعض الإجراءات التي تضمن تأمين مثل هذه اللقاءات، وتوفير أفضل فرص النجاح لها؛ وكان من هذه الأمور ما يلي: 1 .] أولًا: كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يذهب إلىٰ هذه القبائل ليلًا[(27)] فــ عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى. وقَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْحَجِّ، وَكَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَهَا... قَالَ: فَنِمْنَا تَلِكَ اللَّيْلَةَمَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّىٰ إذَا مَضَىٰ ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا [طائر خفيف الحركة] مُسْتَخْفِينَ، حَتَّىٰ اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ. وقال أبوحاتم: فلما كان الموسم جعل النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتبع القبائل يدعوهم إلىٰ الله، فاجتمع عنده بالليل اثنا عشر نقيبًا مِن الأنصار. ومرور رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -وأبي بكر الصديق-رضي الله عنه- في طرق مكة بعد أن نامت قريش في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه. .. وهذا كله.. حتىٰ لا يلفت أنظار القرشيين، أو أحيانًا يأتيهم في وقت الظهيرة، وهو وقت شديد الحرارة، وتقلُّ فيه حركة الأقدام في مكة. 2 .] ثانيًا: كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يأتي القبائل في منازلهم..[(28)] فــ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: «مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّىٰ أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الْجَنَّةُ؟». يأتيهم في منازلهم.. بعيدًا عن الكعبة، فإنه لكثرة القبائل كانت كل قبيلة تقيم مخيَّمًا خارج مكة ليتسع البلد الحرام لكل الزائرين، فكان رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - لا ينتظر أن يدخلوا إلى البيت الحرام ثمَّ يدعوهم؛ بل كان يذهب إليهم خارج مكة بعيدًا عن أعين المراقبين. 3 .] ثالثًا: وهذه نقطة مهمَّة للغاية، كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يصطحب معه : [ أ . ] أبابكر الصديق رضي الله عنه، وأحيانًا : [ ب . ] علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وذلك لإشعار القوم أنه ليس وحيدًا في مكة من ناحية، ومن ناحية أخرى أهمَّ وهي أن أبابكر الصديق كان يعرف أنساب القبائل، فكان يستطيع أن يُمَيِّز بين القبيلة القوية الشريفة والقبيلة الضعيفة القليلة، وهذا أمر في غاية الأهمية، فإن رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -سوف يطلب منهم النُّصرة، فإن ادَّعَوا القوة وهم ليسوا بأقوياء بَنَى رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حساباته علىٰ معلومات غير موثَّقة، فكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يسألهم سؤالًا مباشرًا عن عددهم وقوَّتهم، وأبو بكر يُؤَكِّد إجابتهم أو ينفيها، فإن وَجَد منهم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قوةً عَرَضَ عليهم الإسلام وطلب منهم النُّصرة، وإن وجد فيهم ضعفًا، عرض عليهم الإسلام ولم يطلب منهم النُّصرة، فهو يُريد أن يصل بدعوته إلىٰ كل إنسان؛ لكنه في الوقت نفسه يُقَدِّر الموقف السياسي العصيب الذي يمرُّ به، ويحسب لكل موقف حسابه المناسب. وهكذا بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جولاته من جديد، في نشاط وخِفَّة وحميَّة، وكأنَّ الأمور علىٰ خير ما يرام، وكأنه لم تكن هناك أحزان تلو أحزان، وكم نرىٰ من المسلمين مَنْ يعتذر عن العمل الصحيح الموافق لما أمر الله به وقام به رسوله لأن «ظروفه(!)» صعبة، وأحواله متعسرة! لكن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يعرف شيئًا عن هذا الاعتذار؛ بل يعمل بكل نشاط مهما كانت الظروف. بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نشاطه تقريبًا في شهر رجب من العام الحادي عشر من البعثة أو قبل ذلك بقليل، وقد أخذنا [الحديث مازال لــ د. السرجاني] ذلك التوقيت من إحدى روايتي جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، وقد ذكر فيها أن وفد الأنصار -أي الخزرج- جاء في رجب، وكان هذا بعد أن تواصل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع بعض القبائل، ثم كانت خاتمة اللقاءات مع قبيلة الخزرج كما سنشرح بعد قليل، وكانت القبائل العربية تتوافد علىٰ زيارة البيت الحرام طوال العام؛ ولكن يكثر قدومهم للعمرة في شهر رجب؛ لكونه من الأشهر الحرم، وهذا يُوَفِّر لهم أمانًا في السفر حيث تُعَظِّمه معظم القبائل، وتُحَرِّم فيه القتال، كما كانوا يتوافدون بكثافة كذلك في موسم الحج في ذي القعدة وذي الحجة. لقد تكلَّم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أمر الإسلام والنُّصرة في هذا الموسم مع عدد كبير من القبائل، فلم يكل ولم يمل -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولقد رفضوه جميعًا إلا أفرادًا قلائل من قبيلة واحدة! ومع ذلك فقد غيَّر هؤلاء الأفراد من مسار الأحداث، لا أقول [د. السرجاني] في الجزيرة العربية وحدها؛ بل في العالم أجمع! وكان هؤلاء الأفراد من قبيلة الخزرج اليثربية! فكان الإيمان الذي مهَّد لقيام الدولة الإسلامية. والواقع أنه ليست بين أيدينا تفصيلات كثيرة عن معظم هذه اللقاءات المهمَّة، ومع ذلك فما توافر لدينا من روايات يعطينا فوائد لا حصر لها، وسنقف وقفة مع كل قبيلة دعاها رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ثم نختم الحديث بشرح موقفه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع الخزرج في البحوث التالية بإذن الله[(29)]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [٨] الْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ : مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداثُ « بعثةالنبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ - [عَهْدِ النُّبُوَّةِ]؛ الدعوة في مَكةَ» : سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ؛ الْبَابُ الْأَوَّلُ : تَّمْهِيدٌ للْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ وَمَدْخَلٌ لَه! [بحوث الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ] قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ - غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. حُرِّرَ في يوم السبت: 22 مِن شهر ربيع الثانيٰ (الشهر الرابع) السنة 1443 مِن هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق 27 مِن شهر نوفمبر (الشهر الحادي عشر) العام 2021 مِن الميلاد العجيب للسيد :«المسيح عيسى؛ الرسول ابن مريم » العذراء الزهراء البتول - عليهما السلام - والذي بشر بمبعث النبي والرسول :« „أحمد‟ ». |
دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ ﴿ « „ ١٠٠‟» ﴾ (٨) [ الْمُجَلَّدُ الثَّامِنَ ] ( ٢ . ) الْبَابُ الثَّانِي: القسم الأول: [ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ ] . نطق القرآن يقول : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[فصلت:33] ... عني بها نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم(2). (١٠٠ ) [(1)] التَّمْهِيدُ: خلال زمن النبوة المحمدية ؛ وطوال عهد الرسالة الأحمدية[(2)] كان المصدر الوحيد والمنفرد والأوحد في تبليغ الدين الجديد ؛ رسالة الإسلام هو : وحي السماء في كل ما ينطق[(3)] به أو يقوله رسول رب العالمين [ﷺ] للبشر أجمعين.. ومِن ثم لكل زمان وحِين مِن بعده ومكان .. بغض النظر في أي قارة مِن قارات الأرض إلىٰ أن يرث الله -تعالى- الأرض ومَن عليها ، و أيضاً كل ما يفعله[ﷺ]؛ فقوله وفعله وتقريره المتعلق بأفعال العباد في الحياة الدنيا وتصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم وأقوالهم : وحي مِن عند الله -تعالى- ، أي : - آيات القرآن الحكيم ؛ ونص الذكر الكريم ؛ وألفاظ الفرقان المبين العظيم ؛ وهذا أولاً ؛ ثم - السُنَّة المحمدية القولية والفعلية والتقريرية ؛ أي النصوص الشرعية المثبتة والصحيحة؛ أي كل ما تتضمنته وتحويه رسالة الإسلام ، أي أحكام التبليغ ؛ بمعنىٰ كل ما يأتيه مِن الربِّ المالك الحاكم الآمر الناهي إلىٰ البشر الذين يرغبون في عبادته ، سواء تعلق الأمر بالعقائد والإيمان أو تعلق بالعبادات أو تعلق بالمعاملات والأحكام ؛ أو تعلق بالتعزير والعقوبات والحدود .. وكافة أنظمة الحياة : الإجتماعية والإقتصادية ... وكان الواسطة في تبليغ الرسالة أمين السماء الملك جبريل -عليه السلام- ينزل علىٰ قلب أمين الأرض والسماء محمد بن عبدالله[ﷺ]، هذا الوحي[(4)] كان يأتيه مِن السماء.. وعهد الرسالة المحمدية وزمن النبوة الأحمدية ينقسم إلىٰ : عهدين واضحين المعالم : أ . ] الأول منهما: العهد - الفترة(*)/ المرحلة(*)- المكي ، ــــــــــــــــــــــــــــــ (*) عند بعض السادة أهل العلم استخدامات -مصطلحات ولا مساحة في استخدام مصطلح عن آخر.. ولكن الدقة عندي استخدام مصطلح : " العهد ..".. ـــــــــــــــــــــــــــــ و ب . ] الثاني: العهد - الفترة/ المرحلة- المدني ؛ فيتخللهما - العهدان: المكي والمدني-.. وبينهما مقدمات وارهاصات وأحداث وتقسيمات.. وروابط ومفاصل ونقاط إلتقاء ونقاط إنتقال ؛ وتلعب شخصيات محورية دورها المنوط بها ، وهذه كلها طريق ومنهج وشريعة وكيفية إسلامية خالصة.. وهذه كله ينبغي بل يجب دراستها دراسة مستفيضة علمية وعملية كي نتمكن بيسر من استنباط أحكام عملية لأحسان تطبيقها! « ذِكْرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ».(3). في العهد - الفترة/المرحلة- المكي تجد أعباء الرسالة بأكملها يقوم بها ويدعو إليها ويبشر بها رسول الإسلام ونبي المرحمة محمد بن عبدالله[ﷺ].. قَالَ: الزُّهْرِيُّ :« دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى الْإِسْلَامِ سِرًّا وَجَهْرًا فَاسْتَجَابَ لِلَّهِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَحْدَاثِ الرِّجَالِ وَضُعَفَاءِ النَّاسِ(!) حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ، فَكَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ أَنَّ غُلَامَ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ لَيُكَلَّمُ مِنَ السَّمَاءِ.... فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى عَابَ اللَّهُ آلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا دُونَهُ، وَذَكَرَ هَلَاكَ آبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ فَشَنِفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ وَعَادَوْهُ ».(4) قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ».. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مُحَمَّدٌ عَلَى الصَّفَا يَهْتِفُ، فَأَقْبَلُوا وَاجْتَمَعُوا، فَـــ قَالُوا: مَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: « أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ ... أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ » قَالُوا: نَعَمْ،أَنْتَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُتَّهَمٍ، وَمَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَطُّ، قَالَ:" فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، يَا بَنِي زُهْرَةَ حَتَّى عَدَّدَ الْأَفْخَاذَ مِنْ قُرَيْشٍ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ، وَ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً وَلَا مِنَ الْآخِرَةِ نَصِيبًا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " قَالَ: يَقُولُ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }[المسد:1] السُّورَةَ كُلَّهَا"(5). وبعد حين يسير مِن الزمان يدخل بجواره ويزامله عبدالله بن أبي قحافة[(5)] -رضي الله تعالى عنه- : أبو بكر الصديق في الدعوة إلىٰ الدين الجديد : إسلام محمد[ﷺ]، فكان محمد[ﷺ] يدعو إلىٰ الدين الجديد في مكة وبجواره ايضاً صديقه عبدالله بن أبي قحافة ، و -حسب علمي؛ وما اطلعت عليه مِن مصادر- لم تذكر كتب السيرة أن قام أحد مِن المسلمين الأوائل -في العهد المكي- بما قام به عبدالله بن أبي قحافة في عرض الإيمان -الإسلام- علىٰ أحد من الناس[(6)] ؛ ولعل حادثة إيمان عُمر بن الخطاب قد تقترب مِن هذا المجال ولكن بتجوز يسير وأحداث مغايره ؛ فهي لم تكن بصريح الدعوة بل الحادثة تبين أنها كانت موقف حرج له إذ أن زوج أخت عُمر وزوجته -أخت عُمر- قد أسلما فذهب ليتأكد مِن الخبر!. ولعل لنا وقفة ومراجعة في المجلد المتعلق بالشخصيات المحورية في الإسلام!.. ثم تبين لي خطأ قولي هذا وضعف علمي ؛ إذ أنه بعد المراجعة والمطالعة ظهر لي بوضوح أنه : « لمَّا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ وَمَنْ مَعَهُ وَفَشَا أَمْرُهُ بِمَكَّةَ وَدَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَكَانَ : - أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو نَاحِيَةً سِرًّا، وَكَانَ : - سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ : - عُثْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ : - عُمَرُ يَدْعُو عَلَانِيَةً وَ: - حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ وَ: - أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ... فَـــ غَضِبَتْ قُرَيْشٌ مِنْ ذَلِكَ، وَظَهَرَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ، وَأَشْخَصَ بِهِ مِنْهُمْ رِجَالٌ فَبَادَوْهُ، وَتَسَتَّرَ آخَرُونَ».(6). عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنْ يُنَادِيَ النَّاسَ بِأَمْرِهِ وَأَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، فَكَانَ يَدْعُو مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا إِلَى أَنْ أُمِرَ بِظُهُورِالدُّعَاءِ"(7). عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ، قَالُوا: لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَجُلُوسَ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ ... فَــ مَشُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ، فَــ قَالُوا: أَنْتَ سَيُّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ رَأَيْتَ هَذَا الَّذِي فَعَلَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ مَعَ ابْنِ أَخِيكَ مِنْ تَرْكِهِمْ آلِهَتَنَا وَطَعْنِهِمْ عَلَيْنَا وَتَسْفِيهِهِمْ أَحْلَامَنَا ... وَ جَاءُوا بِــ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .. فَــ قَالُوا: قَدْ جِئْنَاكَ بِفَتَى قُرَيْشٍ جَمَالًا وَنَسَبًا وَنَهَادَةً وَشِعْرًا نَدْفَعُهُ إِلَيْكَ، فَيَكُونُ لَكَ نَصَرُهُ وَمِيرَاثُهُ، وَتَدْفَعُ إِلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ فَنَقْتُلُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْعَشِيرَةِ وَأَفْضَلُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ مَغَبَّةً، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللَّهِ مَا أَنْصَفْتُمُونِي.. تُعْطُوُنَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ .. وَأُعْطِيكُمُ ابْنَ أَخِي تَقْتُلُونَهُ، مَا هَذَا بِالنَّصَفِ تَسُومُونَنِي سَوْمَ الْعَرِيرِ الذَّلِيلِ، قَالُوا: فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَلْنُعْطِهِ النَّصَفَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُوطَالِبٍ .. فَــ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ عُمُومَتُكَ وَأَشْرَافُ قَوْمِكَ، وَقَدْ أَرَادُوا يُنْصِفُونَكَ، فَــ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: « قُولُوا أَسْمَعْ ».. قَالُوا: تَدَعَنَا وَآلِهَتَنَا وَنَدَعُكَ وَإِلَهَكَ، قَالَ أَبُوطَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ الْقَوْمُ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَــ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: « أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً إِنْ أَنْتُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمْ بِهَا الْعَرَبَ وَدَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ ».. فَــ قَالَ أَبُوجَهْلٍ: إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ مُرْبِحَةٌ، نَعَمْ وَأَبِيكَ لَنَقُولَنَّهَا وَعَشَرَ أَمْثَالِهَا، قَالَ:" قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ".. فَــ اشْمَأَزُّوا وَنَفَرُوا مِنْهَا وَغَضِبُوا وَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: اصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ يُرَادُ، وَ يُقَالُ: الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَ قَالُوا: لَا نَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَمَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُغْتَالَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فُقِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَجَاءَ أَبُو طَالِبٍ وَعُمُومَتُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَــ جَمَعَ فِتْيَانًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ثُمَّ قَالَ لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَدِيدَةً صَارِمَةً ثُمَّ لِيَتَّبِعُنِي إِذَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ كُلُّ فَتًى(8) مِنْكُمْ فَلْيَجْلِسْ إِلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَائِهِمْ فِيهِمُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَنْ شَرٍّ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ الْفِتْيَانُ: نَفْعَلُ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَوَجَدَ أَبَاطَالِبٍ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ: يَا زَيْدُ أَحْسَسْتَ ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ مَعَهُ آنِفًا، فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: لَا أَدْخُلُ بَيْتِي أَبَدًا حَتَّى أَرَاهُ .. فَخَرَجَ زَيْدٌ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَالصَّفَا وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَيْنَ كُنْتَ؟ أَكُنْتَ فِي خَيْرٍ؟ قَالَ:« نَعَم ْ» ، قَالَ: ادْخُلْ بَيْتَكَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُوطَالِبٍ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَوَقَفَ بِهِ عَلَى أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ وَمَعَهُ الْفِتْيَانُ الْهَاشِمِيُّونَ وَالْمُطَّلِبِيُّونَ، فَــ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ تَدْرُونَ مَا هَمَمْتُ بِهِ؟ قَالُوا: لَا، فَــ أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، وَقَالَ لِلْفِتْيَانِ: اكْشِفُوا عَمَّا فِي أَيْدِيكُمْ فَكَشَفُوا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَعَهُ حَدِيدَةٌ صَارِمَةٌ، فَــ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُمُوهُ مَا بَقِّيْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا حَتَّى نَتَفَانَى نَحْنُ وَأَنْتُمْ، فَانْكَسَرَ الْقَوْمُ وَكَانَ أَشَدَّهُمُ انْكِسَارًا أَبُوجَهْلٍ"(9) .. أقول(الرَّمَادِيُ) : كانت الأفكار والمفاهيم والقيّم والقناعات والمقاييس والأسس والمبادئ التي يدعو لها نبي الإسلام -في مهدها؛ وعلى قلتها وبمجموعها؛ وكان بها اليسير من آيات الأحكام والقليل من أحاديث الأحكام- كلها لا تحتاج إلى مزيد عناء فكر في فهمها أو جمعها ورصها بجوار بعضها البعض ؛ أو تأصيلها أو إفراد كل فكرة أو مفهوم أو قيمة أو مقياس أو قناعة أو أساس عقدي أو مبدأ أيديولوجي بكتاب.. ... أقول(الرَّمَادِيُ) : لا تحتاج كل مفردة مِن هذه إلى تأصيلها وتخريجها في بحث بعينه مستقل ؛ كما حدث بعد ذلك ـ فنسمع بأن صاحب العلم يذهب إلى هذا الرأي أو القول .. والعالم الآخر ذهب لقول آخر.. فنجد مَن كتب عن موضوع بعينه كالعقيدة أو آحدى مفاصلها أو جزئياتها ، أو العبادة وتفصيلاتها فنقرأ لمن كتب عن الطهارة أو الصلاة أو الزكاة أو الحج. إذ أن الأساس الأول والمتين هو -وما زال-: توحيد الإله والعبودية له وحده وربوبيته لكل مَن سواه مِن خلقه ، ثم فُهم مِن هذا كله حاكميته ، وهي ما يطلق عليها أوامر ونواه : الحلال والحرام.. الحسن والقبيح..الصواب والخطأ.. لذا فالأوائل مثل أبوجهل : عمرو بن هشام ، أو عبدالعزى بن عبدالمطلب : أبولهب وأمثالهم رفضوا الفكرة مِن أصلها[(7)] ووقفوا ضدها مِن اساسها بدليل نص القرآن الكريم ؛ والذكر الحكيم ؛ والفرقان العظيم المبين: { وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّاب} [ص:4] {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب} [ص:5] {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد} [ص:6] {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق} [ص:7] {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب} [ص:8]". بدليل :« أنَّ أَبُاطَالِبٍ قال للرسول :„يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ : يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ‟؛ فَقَالَ : «„يَا عَمِّ، إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ‟»؛ فما طلب منهم إلا كلمة واحدة فقط!! .. فــ قَالُوا :„وَمَا هِيَ؟؛ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا [أي عشر كلمات وليس كلمة واحدة فقط]، قَالَ :«„لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ‟»؛ قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ :„أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ‟. هذا الأثر ذكره بأبسط مِن هذا ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُوجَهْلٍ فَقَالُوا : „إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ‟؛ فَــ بَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْن َأَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رجل، قال فخشي أبوجهل لعنه الله إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ. فَــ قَالَ لَهُ أَبُوطَالِبٍ :„أَيِ ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ؟‟ ؛ قَالَ وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ قَالَ :«„يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ‟»؛ فــ فزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم :„كَلِمَةًوَاحِدَةً ... نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا .. فَقَالُوا وَمَا هِيَ؟‟ وَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ :„وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يا ابن أخي؟‟ ؛ قال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«„لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‟»؛ فَــ قَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : „أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ‟ ؛ قَالَ وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قوله : ". 《بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ》. وقال ابن كثير في تفسيره عقب سياقه ما عبارته: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ: - أَحْمَدُ وَ - النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَّادٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ - التِّرْمِذِيُّ وَ - النَّسَائِيُّ وَ - ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَ - ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا كُلُّهُمْ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْكُوفِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. انتهى. (وقد رواه الحاكمأيضا وصححه وأقره الذهبي. وقد ضعف الألباني الحديث في ضعيف الترمذي والسلسلة الضعيفة). ". و بدليل أنه كان يطلب من الناس كلمة واحدة إذ يَقُولُ : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، تُفْلِحُوا"(10). فالعرض من قِبل رسول الإسلام أن يقولوا :«كلمة »؛ و رفضهم أن يقولوها نابع مِن تبعاتها وليس مجرد النطق بها.. ونعود لبدايات الدعوة وأول الرسالة فقد جاء في صحيح مسلم : قَالَ: ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُوسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَاهُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، [وجاءت برواية :" أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً "(11). وفي كل المواضع] اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا،[رواية :"يَا [مَعْشَرَ؛ وفي باقي المواضع(12)]بَنِي عَبْدِمَنَافٍ! اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الله لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئاً "(13).] يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَاعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَاصَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَافَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي [مِنْ مَالِي(14)]بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»،".(15). وجاءت رواية :" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَــ هَتَفَ:«يَا صَبَاحَاهْ»،[(يا صباحاه) كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له] فَــ قَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَــ قَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ»، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَــ قَالَ:« أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ:« فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، قَالَ: فَقَالَ أَبُولَهَبٍ: تَبًّا لَكَ!... أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ :{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ }، كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ"(16): (ورهطك منهم المخلصين) قال الإمام النووي:" الظاهر أن هذا كان قرآنا أنزل ، ثم نسخت تلاوته ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري" (بسفح) سفح الجبل هو أسفله وقيل عرضه (تبت يدا أبي لهب) قال الراغب التب والتباب الاستمرار في الخسران وتبت يدا أبي لهب أي استمرت في خسرانه (تب) قال النووي :"معنى تب خسر (كذا قرأ الأعمش) معناه أن الأعمش زاد لفظه قد بخلاف القراءة المشهورة. ثم بعد حين ينبهعليه السلام لقضية هامة إذ يقول :" يَامَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ! (17)". والدعوة إلى الدين الجديد بواسطة نبي الإسلام في المحيط المكي لم تكن سرية بل السرية كانت في التكتل أي الأفراد الذين أمنوا بهذه الفكرة الجديدة على المجتمع المكي بما يحمل من افكار تعدد الألة .. لذلك علم عن البعض أنهم أمنوا بالدين الجديد فتم الوقوف ضدهم وصدهم عن تغير دين الأجداد وتقاليد الأباء وعرف الأجيال . ــــــــــــــــــــــــــــ السبت : 22 ربيع الثاني 1443 هــ ~ 27 نوفمبر 2021م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البحث المتمم للمائة الأولى؛ وفق فهرسة موقع ملتقى أهل العلم! (2) بناءً على النص القرآني الذي نطق به القرآن الكريم{..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..} وتمام الآية في سورة الصف تقول:" { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين } [الصف:6]. (3) اعتماداً على النص القرآني الذي يقول : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }[النجم:3] { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:4] { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم:3-5]. (4) { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } [النساء:163] + { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون } [يوسف:109] . (5)انظر : ابتعاث: 《آخر رسالات السماء》[76] ترقيم ملتقى أهل العلم. مشاركة : ( 352) . (6) انظر المصدر السابق ؛ الفقرة [7.] :" ذِكْرُ مَن ْأَسْلَمَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِدَعْوَةِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-] إصدار موقع ملتقى أهل العلم! (7) انظر قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا؛ ترقيم ملتقى أهل العلم [[78] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) |
رد: بُحُوثُ السيرة النبوية ﴿ « „ ١٠١‟» ﴾ النُّصْرَةُ [ ١٠١ ] التَّمْهِيدُ: الاخفاقُ الظاهر للعيان والذي مُنيت به تلك الجماعات ذات الوشاح الإسلامي؛ وذلك الفشل الذريع الذي اصاب العديد مِن تكتلاتٍ ترتدي الــجــلــبابَ الإسلامي خلال القرن الفائت على اختلاف توجهاتها وتعدد انتمائتها ؛ لإظهار الدين الحق وتبيان حقيقة الإسلام وحتى كتابة هذه السطور يعود هذا الاخفاق وذلك الفشل في أساسه لعدم التقييد الكامل بالسُنَّة النبوية العطرة الفعلية والقولية - على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات وعظيم التحيات - وإن كنتَ تسمع منهم أنهم يتمسكون بها ؛ اضف عدم التوفيق الواعي والمستنير بين خط سير الجماعة أو التكتل وبين خطوات سيرته -صلى الله عليه وآله وسلم- وهديّه ؛ يتوازىٰ مع هذا استحداث أو خلط أو مزج ما ليس منها عندهم وطريقته- عليه السلام - المعتمدة مِن مصادرها الموثقة للوصول إلىٰ أهداف اعلنوا من قبل عنها.. والتجربة المِصرية الآخيرة والتخبط في تونس الخضراء وضياع اتجاه البوصلة في إيران تجاورها باكستان وأفغانستان ليثبت صحة ما ذهبت إليه.. هذا بالنسبة للكتل والجماعات والأحزاب ذات الوشاح الإسلامي ؛ والعباءة الإسلامية ناهيك عن افراد الأمة.. فهم - مسلمو اليوم - يؤخذون بقشور المنهج ويعتمدون المواسم والمناسبات في حياتهم اليومية!! تحت شعار إحياء الإسلام ؛ مع حالة الضعف الشديد الذي طرأ على الذهان في فهم الإسلام.. وبناءً على حال تلك الكتل والأفراد فقد فسد المناخ العام للمسلمين وتبقت مسميات خالية من المضمون وهياكل فارغة من الموضوع.. إلا عند مَن رحم ربي وهم ثلة متبعثرون وقلة تشبه الأوائل من المسلمين في صدر الإسلام وفجره.. وهذه الثلة وتلك القلة هي التي تعمل لإيجاد إسلام النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- واستئناف الحياة المنهجية وفق الذكر الحكيم وفهماً للهدي النبوي الرسولي العظيم.. ومن هنا - قد - يبزغ نور فجر جديد! ... فبتسلسل أحداث ومواقف وتصرفات النبي الرسول محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- يتبين بوضوح تام عدم اقتصار الدعوة وعرضها علىٰ أهل مكة.. بل خرج وذهب -صلى الله عليه وآله وسلم - للطائف وتعمد -صلى الله عليه وآله وسلم- مقابلة ومخاطبة وفود الحج والعمرة القادمة من خارج مكة عارضاً -صلى الله عليه وآله وسلم-مبدأ الإسلام - التوحيد .. ونبوته - عليهم فقبلها مَن قبل وأهملها مَن أهمل.. ومن هنا يُفهم عالمية رسالته وأنها جاءت للعجم والعرب ولكل مَن يسكن المعمورة.. كما وأنها جاءت لاتباع الأنبياء السابقين عليه -صلى الله عليه وآله وسلم- دون استثناء .. وتعتمد طريقته وتلتزم كيفيته -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن الطريقة المحمدية كيفية ثابتة لأنها وحي مِن عند الله تعالىٰ .. أما الوسائل والأساليب فهي متغيرة وفق الزمان وتعود لتغير المكان.. فالحديث عن الإسلام في مكة المكرمة أو القاهرة يختلف عنه في طهران أو أنقرة.. كما يختلف بالضرورة عند الحديث عنه في برلين أو باريس أو أدنبرة .. ولعل هذا ما غاب عن حملة الدعوة .. ومَن يعتلي المنابر.. فأوقعنا في المأزق الذي نحن فيه الأن! .. فموقفه وحديثه -صلى الله عليه وآله وسلم- في مكة المكرمة في بيت عمه الشقيق لأبيه عبدالله بن عبدالمطلب أبي طالب؛ عبدمناف بن عبدالمطلب مع / أمام صناديد قريش وكبار رجال مكة.. اثناء مرض موته.. حين قال: « „ إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَىٰ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ” » وتدين بمعنىٰ :„خضع وذلّ وانقاد له” »[(1)].. والكلمة التي قصدها الرسول الأعظم-صلى الله عليه وآله وسلم- هي:„ التوحيد .. والنبوة”.. ويتضح الأمر أكثر كما قال ابن كثير: وفي رواية ابن جرير قال -صلى الله عليه وسلم-:«„ ياعم! إني أريدهم علىٰ كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية” »، ففزعوا لكلمته ولقوله ، فــ قال القوم: " كلمة واحدة! .. نعم وأبيك عشرا! " .. فــ قالوا: " وما هي؟ " ؛ و قال أبوطالب: " وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ " قال -صلى الله عليه وسلم- :« „لا إله إلا الله” » .. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم و هم يقولون:"أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب ". قال ابن كثير: ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن [(2)].. والشاهد مِن الحديث قوله- صلى الله عليه وسلم - لمشيخة قومه : [ 1. ]« „لا إله إلا الله” » ، [2 . ] «„كلمةتدين لكم بها العرب، وتملكون بها العجم” » ، أو:« „تؤدي لكم بها العجم الجزية”».. يعني أن العرب إنما تدين بالسمع والطاعة لأهل التوحيد، وبالتوحيد يكون العرب أئمة وملوكاً، وهذا هو ما يشهد به الواقع التاريخي! . فلقد كانت العرب تأنف أن يعطي بعضها بعضاً طاعة الإمارة ، كما قال الشافعي-رحمه الله- :„كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن يعطيَ بعضُها بعضاً طاعةَ الإمارة”[(3)] ."فلما دانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالطاعة، لم تكن ترىٰ ذلك يصلح لغير الرسول-صلى الله عليه وسلم- فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر، الذين أمَّرهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناةً، فيما لهم وعليهم "[(4)].فقال الله -تعالىٰ-: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَىٰ اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.. يعني - والله أعلم - إلىٰ ما قال الله والرسول ، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاءٌ نصاً فيهما ولا في واحد منهما ، رُدوه قياساً علىٰ أحدهما [(5)]. وقبيل الهجرة المباركة وقيام الكيان الأول التنفيذي في المدينة المنورة والتي طيَّب الله -تعالىٰ- ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه الصديق والفاروق -رضي الله تعالى عنهما- تمت صلاته -صلى الله عليه وآله وسلم- إماماً للأنبياء جميعاً في ليلة الإسراء عند المسجد الأقصىٰ خارج مكة في أرض فلسطين -مهبط الديانات التوحيدية السابقة - ومنبع الأنبياء ومعدن الرسل.. وهذه إشارة واضحة وعلامة فارقة في وضعيته بين الأنبياء - إماماً لهم جميعاً - وأتباعهم - يسيرون خلفه ويتبعونه - .. ثم مروره في رحلة المعراج - عروجه إلىٰ سدرة المنتهى - على ٰبعض السادة الأنبياء والمرسلين ومنادته بــ :„العبدالصالح”.. و يرافق هذه المناداة القول :„أوقد بعث!؟”.. ثُمَّ عُرِجَ [به] في كل سَّمَاءِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ:" مَنْ هَذَا؟ "، فَقَالَ: " جِبْرِيلُ " . قِيلَ: "وَمِنْ مَعَكَ؟ " ، قَالَ: " مُحَمَّدٌ ". قِيلَ:„أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟” ، قَالَ:"نعم ". قَالَ: " مَرْحَبًا بِهِ، وَإِنَّهُ لَنِعْمَ الْمَجِيءُ ". فَفُتِحَ لَنَا.[ أي السماء ] . ".[(6)] .. اقول(الرمادي) : هذه وأمثالها إضاءات في السيرة تثبت أهمية اعتبار أن إسلام محمد بن عبدالله-صلىالله عليه وآله وسلم- دين البشرية العالمي.. ثم إن الآيات القرآنية ونصوص السنة النبوية تتكاتف لتظهر هذه الرسالة بعالميتها للبشر أجمعين.. وهذا يستلزم صنف خاص من حملة الدعوة ، وطراز معين من رجال حمل الدعوة سوف يجيئون مِن بعده -صلى الله عليه وآله وسلم-يحسنون فهم الإسلام وصحة ودقة عرضه ويتمكنون من إبراز خصائصه بالمجادلة بالتي هي أحسن ، فيحملون مسؤولية هذه الرسالة لتبليغها بيضاء نقية لا شائبة فيها.. وهذا الصنف وذلك الطراز من الرجال ليسوا بأنبياء ولكنهم يحملونها بالكيفية الفهمية الإدراكية الاستيعابية التي أظهرها نبي الرسالة وطريقته والتي وضحها رسول خاتم النبوة -صلى الله عليه وآله وسلم- .. .. فحين أوجد-صلى الله عليه وآله وسلم- الكيان الإسلامي الأول التنفيذي لمجموعة القيّم ولكتلة المقاييس ولحزمة المفاهيم ومجموع القناعات والأفكار كَتَبَ وأعلنَ وثيقةَ المدينة.. وهي ليست خاصة - فقط - بالمسلمين بل لكل من يسكن يثرب التي اصحبت مدينة الرسول؛ -نقطة إنطلاق الدعوة- ثم بدء -صلى الله عليه وآله وسلم- في إرسال الرسائل لملوك الأرض ويخاطب حكامها عن الوضع الجديد.. وهذا دليل عملي بعد النظري - القولي - اللفظي- علىٰ كيفية حمل الرسالة وعلىٰ كيفية تبيِّنها وإخبار الآخرين بها.. .. وهذا - حمل الدعوة بشكل ملفت للنظر وتبيّان صحتها وإبراز خصائصها بالمجادلة بالتي هي أحسن - .. هذا مما أخفق فيه الكثير مِن مؤسسات تحمل شارة إسلامية وتتبع - انتماءً أو تمويلاً- دولاً ضمن منطقة جغرافية كان يُطلق عليها :„إسلامية ”. منذ عهد قريب.. .. .. بحثي هذا : « سَعْيُ الرَّسُولِ-صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ » بعرض نفسه الزكيّة السنيّة البهيّة العليّة علىٰ قبائل العرب في مواسمهم.. ويذهب إلىٰ خيامهم.. ومرابض إبلهم وأماكنهم.. وتعمد الذهاب إليهم وتلك الكثرة مِن مقابلاته لــ بطون العرب كما ذُكرت بين دفتي كُتب السيرة ومقابلتهم والحديث معهم لتؤكد مرة ثالثة - ونحن في الباب الثالث مِن المجلد الثامن - لتؤكد شرعيّة وسنيّة هذا المطلب؛ وأنه من طريقته المثلىٰ في حق مَن جاءوا مِن بعده -صلى الله عليه وآله وسلم-كمفصل أساسي وجوهري مِن مفاصل الدعوة وربط عضوي في هذه المرحلة - العهد المكي - في طلب النصرة مِن أهلها وأخذ الحماية - من رجالها - مِن مَن يصلح لتوصيل مبادئ هذه الرسالة الخاتمة للناس .. للعبور إلى العهد الثاني المدني وهي إضافة نبويّة سنيّة في سير خطوات سيرته بعد أن إنغلق المجتمع المكي أمام الدعوة.. فاستحداثها تنم عن عبقرية(!) الوحي -إذا جاز لي استخدام هذا التعبير دون أن يُفهم خطأ- .. لذا فدراسة السيرة المحمديّة النبويّة الرسوليّة دراسة إدراكية فهمية استيعابية - وليس فقط سردها كتاريخ جامد مغلق كأحداث مرت وانتهت يتذكرها التراثيون في مواسمها ويجترها الغافلون في مناسباتها -هذه الدراسة الإدراكية الفهمية الفقهية لسيرته - عليه السلام - تفتح ابواب العلم الشرعي الفقهي العملي في كيفية حمل الدعوة بين الناس جميعاً... والله -تعالى في سماه وتقدست اسماؤه- المستعان وعليه التوكل ومنه العون والتوفيق! .. ثم إن هذه الإضافة في خط سير الدعوة في العهد المكي شاركه فيها: أبوبكر الصديق؛ وعلي بن أبي طالب -رضي الله تعالىٰ عنهما-.. وكذلك مَن خرج معه في ذهابه إلىٰ الطائف.. وهي بالطبع خارج - مكة - .. .. وعليه يتبين لكاتب هذه السطور ومَن يتتبع خطوات السير من خلال منهج الكاتب في كيفية عرض السيرة النبوية الشريفة العطرة- على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم- أن طلب النصرة كما عنونها كُتّاب السيرة النبوية وأخذ العهد بالحماية لدعوته- صلى الله عليه وآله وسلم -من أهل الحماية والمنعة أنها مفصل اساسي وجوهري في سير الدعوة المحمديّة وتسلسل اراه منطقي بعد ان أنغلق مجتمع مكة عليه -صلى الله عليه وآله وسلم - في الخطوات العملية للوصول إلىٰ غاية تبليغ الدعوة الإسلامية الوليدة للناس.. .. وبناءً عليه فليس من السنة العمليّة وليس مِن السيرة الفعليّة النبويّة الاعتماد - فقط - علىٰ القوىٰ الذاتية لجماعة أو حزب أو تكتل إسلامي وهذا يظهر بوضوح في عهده النيّر وايضا ما يليه مِن أزمنة وعهود .. بل يجب طلب النصرة مِن أهلها وأخذ الحماية مِن رجالها .. وهي قوىٰ فاعلة مؤثرة في المجتمع أو الأمة تؤمن بفكر الجماعة أو الحزب وتعمل تحت أمرته ومعه للوصول لما يريد ... -**- .. أنه قد ١ . ] انغلق قلب وعقل المجتمع المكي - أول مكان لمهبط الوحي السماوي الآخير بالتكاليف الشرعية العقائدية والعملية لخاتمة الرسالات الآلهية للبشر أجمعين - انغلق أمام سماع أو فهم أو إدراك دعوة النبي الرسول محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- فآمن به قلة من البشر وثلة من الأوائل من بينهم : - ضعيف الحال لا يقام له في المجتمع وزنا .. أو - قوي الشكيمة يهاب جانبه ويخشىٰ ؛ لكنهم ظلوا ثلة مستضعفة لا يقدرون - بقدراتهم الذاتية المحدودة - الوقوف أمام صناديد مكة ورجال قريش .. .. ولكي يخرجوهم من ملتهم ويضيقوا عليهم قاموا بــ : ٢ . ] حصارهم في شِعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات متتاليات مَنعوا عنهم الطعام ولا يخالطوهم ولا يجالسوهم ولا يعاملوهم.. .. واستمرت الدعوة وسارت الرسالة.. في طريقها.. وقبل ذلك : ٣ . ] ضُيق عليهم الخناق فعُذِب الضعفاء منهم .. بل وقُتِلتْ أول شهيدة في الإسلام السيدة :" سمية ".. وتوالت الأحداث .. فــ : ٤ . ] هلك السند الخارجي لنبي الهدىٰ والرحمة .. عبدمناف بن عبدالمطلب ؛ أبو طالب ؛ الأخ الشقيق لــ عبدالله بن عبدالمطلب.. .. .. وهناك إشكال - بين الشيعة والسنة - في إيمانه بنبوة ابن أخيه ورسالته ؛ سابحثها - إذا شاء الله العلي القدير؛ ومن بعد إذنه وبتوفيقه وهدايته وإرشاده - في نهاية المجلدات .. في جزء ضمن بحوث الشخصيات المحورية في عهد النبوة وفي بحوث الشبهات.. و : ٥ . ] في نفس العام مات السند الداخلي: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله تعالى عنها وأرضاها-؛ وهو العام الذي أَطلق عليه بعض العلماء :" عام الحزن " .. ثم.. ٦ . ] خرج النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والــحــبــيــب المرتضىٰ والأحمد المحتبىٰ للطائف .. .. وبدءً مِن هذا المنعطف ستضاف إلىٰ خطوات الدعوة السابقة وسير حمل الرسالة في العهد المكي خطوة أساسية وعمل مبدع(!) جوهري وسير جديد سيترتب عليه بناء أول كيان تنفيذي لأفكار ومبادئ وقيّم وقناعات ومقاييس وأسس الدعوة الوليدة - رسالة إسلام للنبي الرسول محمد بن عبدالله - ألا وهي «„ طلب النصرة » من أهل القوة والمنعة و«„أخذ العهد ” » من رجال يحمون الدعوة! ٧ . ] عَنْون كُتَّاب السيرة النبويّة هذا المفصل الحيوي بين مراحل الدعوة تحت مسمىٰ : « عَرْضُ نَفْسِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ٰالْقَبَائِلِ »[(8)]. أو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: « أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ-صلى الله عليه وآله وسلم- أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ »[(9)] قال الإمام ابن حبان في كتابه „الثقات” : « إن الله (أمر رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعرض نفسه علىٰ قبائل العرب يدعوهم إلىٰ الله وحده، وأن لا يشركوا به شيئا، وينصروه، ويصدقوه؛ فكان يمر علىٰ مجالس العرب ومنازلهم؛ فإذا رأى قوماً وقف عليهم، وقال: [ ١ . ] « „ إني رسول الله إليكم ” »، [ ٢ . ] « „ يأمركم أن تعبدوا الله ” »، [ ٣ . ] « „ ولا تشركوا به شيئا ” »، [ ٤ . ] « „ وتصدقوني ” » .. وخلفه «عبدالعزى»=«أبو لهب بن عبدالمطلب» يقول لهم:" يا قوم!؛ لا تقبلوامنه؛ فإنه كذاب ... » [(10)]. عَرْضُ نَفْسِهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلَى الْقَبَائِلِ[(11)]: عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ:« „هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي” »[(12)]. العام الرابع قبل الهجرة النبوية: [(13)]. فأتاه رجلٌ فقال-صلى الله عليه وآله وسلم- له:«„من أنت” »؟ قال:" من همدان "، قال :« „فهل عند قومك من منعةٍ” » ؟ قال:"نعم".. ثم إنَّ الرجل خشىٰ أن يُخفره قومه فقال:" آتيهم فأخبرهم، ثم آتيك من قابلٍ "، قال:« „نعم” »، فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب[(14)]. -**- روىٰ البيهقي بسنده عن عروه بن الزبير قال: لما أفسد الله،-عَزَّ وجَلَّ-، صحيفة مكرهم خرج النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه فعاشوا وخالطوا الناس، ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في تلك السنين يعرض نفسه علىٰ قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه،[(15)]: " وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ السِّنِينِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ، لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَمْنَعُوهُ، وَيَقُولُ: لَا أُكره أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَاكَ [وفي رواية:"قبله"[(15)] ، ومن كره [وفي رواية :"كرهه"(15)] لم أكرهه، إنّما أُرِيدُ أَنْ تُحْرِزُونِي[(16)] ؛ :" في دلائل النبوّة للبيهقي، أي "تحفظوني"، وفي نسخة دار الكتب المصرية «تجيروني» . [وفي رواية :"تحوزوني"[(15)] مِمَّا يُرَادُبِي مِنَ الْقَتْلِ [في حاشية الأصل «الفتك» .،[فتحوزوني:[(15)] حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَحَتَّىٰ يَقْضِيَ اللَّهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ [منهم؛ ولا أتى على أحد من القبائل إلا قالوا:" قوم الرجل " [(15)] وَيَقُولُونَ: قَوْمُهُ أَعْلَمُ بِهِ، أَتَرَوْنَ [وفي رواية :" أفترىٰ"[(15)] أَنَّ رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ، وَلَفَظُوهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا ذَخَّرَ[4] [وفي رواية :"ادخر"[(15)] [(17)]اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ[(17)]. "وفي رواية:"ادخر الله-عَزَّ وجَلَّ-، للأنصار من البركة ".[(17)] [(15)]. -*-*- وَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ، وَابْتُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ مَا كَانَ، فَعَمَدَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ، رَجَاءَ أَنْ يُؤْوُوهُ.[(8)]راجع :"[٥]الْبَابُ الْخَامِسُ: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟"اصدارات: ملتقى أهل العلم].. -**- ومن هذه الإنطلاقة النبوية في سيرته يبدء بحثي: *.]:" قَال حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ يُحَدِّثُ أَبِي قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ شَابٌّ مَعَ أَبِي بِمِنًى، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقِفُ عَلَى الْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ : [ ١ . ] «„إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ” »، [ ٢ . ] «„يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ” » [ ٣ . ] «„لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ” »، وَ [ ٤ . ] «„أَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ” »، وَ [ ٥ . ] «„أَنْ تُؤْمِنُوا” » وَ [ ٦ . ] «„تُصَدِّقُونِي” » وَ [ ٧ . ] «„تَمْنَعُونِي ” » حَتَّىٰ [ ٨ . ] «„أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ” ».. قَالَ:" وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، لَهُ غَدِيرَتَانِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ عَدَنِيَّةٌ، فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: " يَا بَنِي فُلَانٍ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَدْعُوكُمْ إِلَىٰ أَنْ تَسْلَخُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَحُلَفَاءَكُمْ من الحيّ من بني مالك بن أُقَيْشٍ، إِلَىٰ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ " ، فَقُلْتُ لِأَبِي: " مَنْ هَذَا؟ " ؛ قَالَ: " هَذَا عَمُّهُ عَبْدُالْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ".[(18)]. [ * . ] وَقال ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ[(17)] [وفي رواية اسمه:«فليح» [(17)]، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ[(18)]. [ * . ] وَقال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّهُ أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلِهِمْ، إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَنُو عَبْدِاللَّهِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتَّىٰ إِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا[(19)]. [ * . ] وَقال البَعْضُ أَنَّهُ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَقْبَحَ رَدًّا مِنْهُمْ[(20)]. [ * . ] وَقال الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَيْحَرَةُ[(17)]؛ [وفي رواية:«سحرة» ]، [وفي آخرى: «صخرة» ]، والتصحيح من عند الذهبي في تاريخه؛ وتاريخ الطبري ونهاية الأرب للنويري] بْنُ فِرَاسٍ قالَ: " وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الْفَتَىٰ مِنْ قُرَيْشٍ لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ "، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَعْنَاكَ عَلَىٰ أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَىٰ مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ ". قَالَ:« „الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ” »، قَالَ: أَفَتُهْدَفُ[(21)] نُحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا، لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ[(22)]. قلت(الرمادي) : من استقراء هذه الحادثة الآخيرة يتبين ما ذهبتُ إليه من أن الفكرة الإسلامية لن تظل حبيسة في مكانها بل ستتسع! *.]حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت: [قدوم سويد بن صامت للحج؛[(15)] وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حدثني عاصم بن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ [الأنصاري، ثم الظفري [(15)] ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدٌ [إنما: [(15)] يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمُ "الْكَامِلَ" لِسِنِّهِ وَجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ[ وفي رواية: وشرفه ونسبه:[(15)]، فَتَصَدَّى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [حين سمع به: [(15)]وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ [ وإلى الإسلام:"[(15)] ، فَقَالَ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و َسَلَّمَ:« „وَمَا الَّذِي مَعَكَ” »؟ ، قَالَ: "مِجَلَّةُ لُقْمَانَ "، يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ، قَالَ:« „اعْرِضْهَا” »[عليَّ: [(15)] "، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ:«„إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْهُ، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ [تعالى] عَلَيَّ[ هو هدى ونور :[(15)]” »، فَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: " إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ "، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ، فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ:"إِنَّا لَنَرَىٰ أَنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ"، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ بُعَاثٍ[(23)]. وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَسُوَيْدٌ الَّذِي يَقُولُ: أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَىٰ * مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي مَقَالَتُهُ كَالشَّهْدِ مَا كان شاهدًا * وبالغيب مأثور علىٰ يغرة النَّحْرِ يَسُرُّكَ بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيمِهِ * تَمِيمَةُ غِشٍّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظَّهْرِ[(24)] تُبَيِّنُ لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ * مِنَ الْغِلِّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ[(25)] فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتَنِي * وَخَيْرُ الْمَوَالِي يريش ولا يبري[(26)] حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ: قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - أخي بني عبدالأشهل - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ [وفي رواية: نافعٍ: [(27)].[الأشهلي:[(15)]مَكَّةَ، وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ، فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىٰ قَوْمِهِمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ:«„هَلْ لَكُمْ إِلَىٰ خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ[إليه:[(27)]]؟” »قَالُوا:" وَمَا ذَاكَ؟"، قَالَ: [ ١ . ]«„أَنَا رَسُولُ اللَّهِ” » [ ٢ . ] «„بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ” »، [ ٣ . ] «„[أدعوهم إلىٰ أن” » [ ٤ . ] «„يعبدوه” » [ ٥ . ] «„ولا يشركوا به شيئًا” » [ ٦ . ] «„وأنزل عليَّ كتابًا” »،:[(27)]. ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسٌ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: " يَا قَوْمُ [وفي رواية: أي قومي[(27)]. هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ [إليه:[(27)]"، فَيَأْخُذُ أَبُو الْحَيْسَرِ حِفْنَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ [البطحاء]، فَيَضْرِبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ، وَقَالَ:"دَعْنَا مِنْكَ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا"، فَسَكَتَ، وَقَامَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُمْ وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ. قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِي أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلِّلُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبِّحُهُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانُوا لَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا. وَقَدْ كَانَ اسْتُشْعِرَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا سَمِعَ[(28)]. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- لِرَسُولِهِ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وقد افترق ملؤهم وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ -يَعْنِي وَجُرِّحُوا- قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ في دخولهم في الإسلام[(29)]. أخرجه البخاري. -**- . ٨ . ] روى ابن سعد بأسانيده المتعددة قالوا: أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله فذكر الحديث وفيه: حتى أراد الله إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعده، فساقه إلى هذا الحي من الأنصار لما أراد الله به من الكرامة، فانتهى إلى نفر منهم وهم يحلقون رؤوسهم، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فاستجابوا لله ولرسوله فأسرعوا وآمنوا وصدقوا وآووا ونصروا وواسوا، وكانوا والله أطول الناس ألسنة وأحدهم سيوفا ويقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة فمر علىٰ نفر من أهل يثرب نزول بمنىٰ ثمانية نفر، منهم: من بني النجار معاذ ابن عفراء، وأسعد بن زرارة، فعرض عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الإسلام فأسلموا وقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:« „تمنعون لي ظهري حتى أبلغ رسالة ربي؟” » فقالوا: يا رسول الله نحن مجتهدون لله ولرسوله، نحن، فاعلم، أعداء متباغضون، وإنما كانت وقعة بعاث، عام الأول، يوم من أيامنا اقتتلنا فيه، فإن تقدم ونحن كذا لا يكون لنا عليك اجتماع فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا، وموعدك الموسم العام المقبل.[(30)]. ٩ . ] عن عمر بن الخطاب قال: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على قبائل العرب قبيلة قبيلة في الموسم، ما يجد أحدا يجيبه، حتى جاء الله بهذا الحي من الأنصار[(15)]. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ بحوث السيرة النبوية الشريفة (٨) [الْمُجَلَّدُ الثَّامِنَ] : [دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ] (٣) الْبَابُ الثَّالِثُ : سَعْيُ الرَّسُولِ-صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) |
مسألة : «„تطبيق النظرية‟ » -*- [الْمُجَلَّدُالتَّاسِعُ] -*- بحث مسألة : «„تطبيق النظرية‟ » [١٠٢] [ أ . ] التَّمْهِيدُ: لا توجد نظرية -اطروحة- يتحدث عنها القرآن الكريم.. أو يتكلم عنها الذكر الحكيم.. أو نخبر عنها في السنة الشريفة المحمدية النبوية.. أو يتم الإخبار عنها في إسلام محمد -بعثة السماء الآخيرة إلىٰ أهل الأرض ومَن عليها- إلا ولها طريقة معينة في إيجادها علىٰ أرض الواقع المعاش؛ ولها كيفية خاصة في تحقيقها في الحياة؛ مع ملاحظة تغير الزمان واختلاف المكان وخصوصية الناس إثناء الفتوىٰ أو السير في طريق الدعوة وملاحظة تعدد الوسائل من عصر إلىٰ عصر آخر؛ واختلاف الأساليب من بقعة في الأرض إلى غيرها؛ كما تجد لهذه النظرية طريقة في تطبيقها وكيفية في تنفيذها.. إذ أن الإسلام -خاتم الرسالات السماوية؛ أو قل إن شئت متمم الرسالة التامة الكاملة لبني الإنسان- .. هذا الإسلام يتكون من : « أ» فكر [يعني: يتكون مِن مجموعة أفكار عن الآله والحياة والكون والإنسان] .. هذا الفكر منبثق عن عقيدة التوحيد؛ وأساسه مبني علىٰ مبدأ الوحدانية؛ التي تعني توحيد الإله فتترسخ عقيدة الربوبية [تعني : الرب.. المالك للحياة والكون والإنسان] فتسطع في الأفق بجلاء عقيدة الحاكمية لله الواحد الأحد؛ فــ يرافق هذه العقيدة [الإيمان] المتينة : « ب» طريقة عملية وكيفية تطبيقية وإخراج تنفيذي وأحكام تشريعية مِن جنس هذه الفكرة الأساسية؛ أي نظرية متماسكة الأطراف متينة الجوانب يصاحبها تطبيق جيد الإخراج مِن نوعها.. بــ معنىٰ طرح نظرية -سواء متعلقة بالعلاقة بين العبد وبين ربه [الآله] (العبادة بكافة اشكالها: سواءالروحية أو البدنية أو المالية) أو العلاقة المتعلقة بين الناس فيما بينهم بعضهم ببعض (العقود والمعاملات والتصرفات والحدود والعقوبات والتعزير)- أو العلاقة بين الإنسان وبين نفسه [ وتشمل الأخلاق والمطعومات والمشروبات والملبوسات ] أو العلاقة بين الإنسان وبين محيطه وبيئته ووسطه.. نظرية يصاحبها -يرافقها- تطبيق.. بــ معنىٰ طرح نظرية علىٰ الذهن البشري؛ قابلة للفهم بسهولة ويسر دون تعنت أو صعوبة إدراك ومشقة استيعاب.. اطروحة يسهل تعقلها وفهمها في كيفية تصور القول المنصوص في الكتاب الكريم؛ كــ مصدر أول ، أو الفعل أو التصرف يصاحبها مباشرة ويجاورها حالا طريقة عملية في إيجاد هذه النظرية وتفعيل تطبيقها.. السنة النبوية كــ مصدر ثان أو الفعل أوالتصرف مِن كليهما -أي النص القرآني أو النص النبوي- فيتمكن الإنسان العادي من ادراكها إدراكاً فهمياً استيعابياً.. يصاحبها؛ أي الفكرة أو النظرية -حتماً- مباشرة ويجاورها -حالا- طريقة تطبيقية عملية تنفيذية في إيجاد هذه النظرية -الفكرة- وتفعيل تطبيقها.. في واقع الحياة وفق متطلبات الإنسان؛ بغض الطرف عن مكانه وبيئته ومحيطه ووسطه وزمانه وعصره وقدراته البدنية [الرخص وأهل الأعذار] أو الادراكية الاستيعابية.. .. ولعل هذا الفهم لنظام الإسلام -النظرية والتطبيق- في عقول حامليه إذا غاب عن الادراك الآدمي إثناء القيام بعرض النظرية أو تطبيقها ؛ ولم يستوعبه الذهن البشري غابت النظرية -افكار الإسلام: أو اطروحات الإسلام لمعالجة مشاكل الإنسان والناس والناجمة عن التعامل أو التواجد أو مشاكل البيئة ومسائل تحيط بالإنسان- فــ بغياب النظرية -أطروحات الإسلام- تسقط الطريقة الفعلية والكيفية العملية؛ فتضيع فكرة الإسلام وطريقة إيجادها معاً ؛ وبالتالي يُفقد نظام الإسلام بأكمله.. فيظهر على السطح قشور وترى من بعيد أوراق شجر لا جذر لها ولا أصول ؛ مع بقاء مَن يدينون به اسمياً أو مَن يتمسكون بشعائره ومناسباته فيأخذون بجانب منه -يروق لهم- ويتركون جوانب عدة؛ فيبقىٰ ما اسميه : « إسلام المعابد »، « إسلام الكهنوت »، « إسلام المناسبات ». ــــــــــــــــــــــــــ - صَوَامِعُ: أماكن العبادة للرهبان؛ وَ - بِيَعٌ: للنصارى عامّة؛ وَ - صَلَوَاتٌ: أماكن العبادة لليهود وَ - مَسَاجِدُ للمسلمين.. وهي أماكن العبادة للرهبان، والنصارى، واليهود، والمسلمين! [(2)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ فالإسلام معالجات عملية واطروحات عقلية فهمية لما يتطلبه بدن الإنسان وما يحتاجه جسده وما يرغبه جسمه مِن احتياجات ورغبات وما تستلزمه روحه .. فإذا أُشبعت تلك الرغبات وتحصل الإنسان على تلك الاحتياجات بالقدر الكافي وفق نظام الإسلام بأكمله نتج عن ذلك هدوء النفس البشرية واطمئنان القلب الإنساني وسمت الروح الآدمية. ولتوضيح هذه القضية؛ اقول(الرَّمَادِيُّ) : طلب اللهُ-تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- حُسن عبادته؛ فأنزل بواسطة أمين السماء -جبرائيل- علىٰ قلب نبيه أمين السماء والأرض -عليهما السلام- قوله -تعالىٰ-: { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ .. } [البقرة:43] فيأتي الرسول فيقول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[(*)]. فتقترن نظرية -فكرة/اطروحة- العبادة لله الواحد الأحد وتتجاور مع كيفيتها العملية التطبيقية مِن خلال اقواله وأفعاله وتصرفاته -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-؛ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ [(*)] أخرجه : أ.] البخاري في صحيحه (605) 1: 226 ؛ كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة. عن مالك بن الحويرث. و ب.] أخرج مسلم حديث مالك في صحيحه (674) 1: 465 ؛ كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة. ولكن بدون ذكر هذه الجملة: «صلوا كما رأيتموني أصلي». ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ فــ فعله أنه : «„صلى‟» أمامهم كما علمه أمين السماء جبريل.. ومن ثم قوله هذا «..رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»فقرن بين ما عرضه من طلب العبادة [الفكرة] وبين كيفية العبادة [الطريقة/الكيفية] وبين الطلب من الله تعالى بعبادته.. و في مسألة : „الوضوء‟ قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَن توضأ نحو وضوئي هذا» .. فيتبين أن هناك قول يرافقه كيفية في تنفيذ هذا القول.. وهذا في مسألة عبادة الصلاة بكافة اركانها.. [مسألة واحدة من مسائل العبادات] و نظيره في عبادة آخرى (ثانية) قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بيّن الحج المأمور بفعله -عليه الصلاة والسلام-: «خذوا عني مناسككم» فما داوم عليه النبي-عليه الصلاة والسلام- ولم يتركه فهو واجب؛ لأنه بيان للواجب، وما تركه دل علىٰ أنه ليس بواجب، وأنه تركه لبيان الجواز جواز الترك والقيام بالفعل. وهكذا بقية المسائل.. .. فالإسلام -خاتم الرسالات السماوية للبشر كافة- إظهر فكرة -نظرية- أطروحة العبادة للناس وبيّنها ؛ ولمَن تكون العبادة الخالصة ؛ ونفي ما عداها؛ ولم يسكت؛ بل بيّن كيفية إخراج هذه العبادة مِن خلال افعال رسول الإسلام -عليه السلام-.. وهكذا بقية أعمال وتصرفات ومعاملات وأقوال الإنسان؛ ذلك الإنسان الذي يريد عن قناعة تامة ودون أدنىٰ اكراه أو إرغام أن يدخل في هذا الدين ويتمسك بهذا النظام العام؛ ويعتقد في صحته.. *-*-*-*-* تنبيه : بدأتُ كتابة هذا المدخل لما سوف يترتب عليه مِن تصرفات وأفعال يتأتىٰ منها قيام « كيان » جديد يبنىٰ علىٰ عقيدة الإسلام.. سيكون نقطة بدايته « يثرب » وستتحول إلى مدينته المنورة والتي طيّب الله تعالى ثراها بمرقده وبجواره صاحبيه ووزيريه الصديق والفاروق -رضي الله عنهما- ولا ينبغي لمَن لا يتفق معي في هذا الطرح أو كيفيته أن ينزعج أو يخشاه؛ فتوجد قاعدة عريضة اساسية في الإسلام وهي: «„لا إكراه في الدين‟ » و صحيح أن هناك نماذج عدة -سيئة- تجعل في قلب مَن هو خارج هذا الإطار الذي اتحدث عنه أو أعرضه حالة من الخوف والترقب.. ولكن عرض أطروحة الإسلام بالتي هي أحسن وبكيفية تتناسب مع السامع ثم من بعد ذلك عرض كيفية تطبيق إسلام محمد - خاتم الرسل وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين - تطبيقاً حقيقياً صحيحاً بفهم سيرته العطرة فهماً إدراكياً واعياً سوف يزيل كل لبس أو خوف أو قلق عند الجميع! -**- نعود لبحث هذا المجلد..[الْمُجَلَّدُالتَّاسِعُ] .. النقلة النوعية في خطاب خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -عليه السلام-.. هذه النقلة النوعية في خطابه للناس بعد إنتقاله مِن مخاطبته لــ - عشيرته ولــ - قومه -خاصة أهل مكة- وبــ - خروجه للطائف؛ ومخاطبتهم؛ ثم العودة في حماية رجل ليس مِن المسلمين [المطعم بن عدي].. وتعمده خطاب وفود الحجيج في أماكن مساكنهم ومواضع نصب خيامهم؛ و يلاحظ هنا تنوع الخطاب بشكل جذري.. فنتابع معاً كيفية العرض من قِبل النبي المصطفىٰ لمَن قابلهم : فــ حين كان يلتقي بوفدٍ أو شخص؛ نقرأ عند الزُّهْرِيِّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ ، لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ: - يُؤْوُوهُ وَ - يَمْنَعُوهُ[(3)].. فــ يُعَرِف نفسه الزكية البهية العلية بوضوح تام فيقول: [ ١ . ] « „أَنَا رَسُولُ اللَّهِ‟» . وفي رواية أكثر دقة : [ ١ . ] « „إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‟» . ثم يبين ما هو الواجب المنوط به؛ وما هو التكليف الذي كُلف به بعد اصطفائه واجتبائه واحتبائه واختياره مِن قِبل ربه رسول اللعالمين.. فيقول : [ ٢ . ] « „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ‟» . ويحدد هذا الدور.. وهذا الواجب.. وهذا التكليف فيقول: [ ٣ . ] « „أدعوهم إلىٰ أنْ‟ » [ ٤ . ] « „يعبدوه‟ » . وفي رواية : [٤.] « „يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ‟» . وفي رواية أكثر وضوحاً : [ ٤ . ] « „أَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‟ » ، ثم يضيف كي لا تختلط الأمور والمسائل: وَ [ ٥ . ] « „لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‟» وفي رواية : [ ٥ . ] « „ولا يشركوا به شيئًا‟» . وهذه الرواية مرجعها إلىٰ فقرة رقم [ ٢ . ]« „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ‟» . فيكون ترتيب الرواية : « „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ ولا يشركوا به شيئًا‟» . أما في حديثه مع كِنْدَةَ؛ فقد كان أوضح؛ فَــ قَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَجْلَحِ ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الْعَبَّاسِ [عم النبي]، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « „لَا أَرَى لِي عِنْدَكَ وَلَا عِنْدَ أَخِيكَ مَنَعَةً ، فَهَلْ أَنْتَ مُخْرِجِي إِلَى السُّوقِ غَدًا ، حَتَّى تُعَرِّفَنِي مَنَازِلَ قَبَائِلِ النَّاسِ ؟‟ » - وَكَانَتْ مَجْمَعَ الْعَرَبِ - قَالَ : فَقُلْتُ :„هَذِهِ كِنْدَةُ وَلَفُّهَا ، وَهِيَ أَفْضَلُ مَنْ يَحُجُّ الْبَيْتَ مِنَ الْيَمَنِ ، وَهَذِهِ مَنَازِلُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَهَذِهِ مَنَازِلُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ‟. قَالَ: فَبَدَأَ بِكِنْدَةَ فَأَتَاهُمْ ، فَقَالَ: « „مِمَّنِ الْقَوْمُ ؟‟ » . قَالُوا:„مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ‟ قَالَ:« „مِنْ أَيِّ الْيَمَنِ‟» قَالُوا:„مِنْ كِنْدَةَ‟ قَالَ: « „مِنْ أَيِّ كِنْدَةَ‟» قَالُوا:„مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ‟ قَالَ: «„فَهَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ ؟‟» قَالُوا:„وَمَا هُوَ ؟‟ .. قَالَ... [(4)] ثم يفصل الرد عليهم فــ يقول : [ ٦ . ] « „تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‟ » . [ ٦ . ] « „أَنْ تُؤْمِنُوا‟» . وَ [ ٧ . ] « „تُصَدِّقُونِي‟ » . ثم تأتي متطلبات المرحلة الجديدة والتي نحن بصدد بحثها -الأن- ودراستها مع تبيانها؛ واستخلاص الدروس والعبر منها لتفعيلها وتطبيقها والسير وفق هداها؛ وإن كان ينزعج البعض منها؛ كما اسلفتُ؛ إذ أن السيرة النبوية-على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل البركات- يحتاج فهمها إلىٰ دراسة واعية وبعمق ليحسن تطبيقها؛ فهي -السيرة المحمدية يجاورها ويرافقها السنة النبوية ليستا تاريخ مضىٰ وانتهىٰ بل هدي؛ وافعاله لنا إسوة؛ وطريقته لنا قدوة- فــ يبدء بالقول: [ ٨ . ] « „تَمْنَعُونِي‟ » . حَتَّىٰ [ ٩ . ] « „أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ‟» . ثم تأتي إضافة جوهرية مع وفد كِندة؛ إذ عرض عليهم ؛ [ ١٠ . ] « „وَتُقِيمُونَ الصَّلَاةَ‟ » ، ثم يخبرهم بــ [ ١١ . ] « „وأنزل عليَّ كتابًا‟ » ، [ ١١. ] « „وَتُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‟» ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ: [ ١٢. ] الْإِسْلَامَ ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،:. يتبين مِن الخطوات النبوية السابقة طريقته-عليه السلام- أو كيفيته في مرحلة جديدة أو مفصل يربط بين مرحلة بعينها ومرحلة آخرى تليها . فهو - „صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ”.- يعرض: «„١‟» الإسلام و : «„٢‟» يحتاج إلىٰ الإيواء ويريد ويطلب : «„٣‟» النصرة، وذلك قبل الهجرة.. " ليلة العقبة ": وهي التي بايع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ ، أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ ، وَ لَا يَسْمَعُ بِقَادِمٍ يَقْدَمُ مَكَّةَ مِنَ الْعَرَبِ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ إِلَّا تَصَدَّىٰ لَهُ ، وَدَعَاهُ إِلَىٰ اللَّهِ تَعَالَىٰ ، [(5)] وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ . قَالَ أَبُوزَرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " : بَابُ إِسْلَامِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ ، وَمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ هَانِئٍ الشَّجَرِيُّ ، ثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّهُ خَرَجَ هُوَ وَابْنُ خَالَتِهِ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ ، فَلَمَّا هَبَطَا مِنَ الثَّنِيَّةِ ، رَأَيَا رَجُلًا تَحْتَ شَجَرَةٍ . قَالَ : وَهَذَا قَبْلَ «خُرُوجِ السِّتَّةِ مِنَ الْأَنْصَارِ» قَالَ: „فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ كَلَّمْنَاهُ ، قُلْنَا : نَأْتِي هَذَا الرَّجُلَ نَسْتَوْدِعُهُ رَاحِلَتَيْنَا حَتَّى نَطُوفَ بِالْبَيْتِ.‟ فَجِئْنَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ تَسْلِيمَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَرَدَّ عَلَيْنَا تَسْلِيمَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ سَمِعْتُ بِالنَّبِيِّ . قَالَ: فَأَنْكَرْنَا . فَقُلْنَا: „ مَنْ أَنْتَ ؟ ‟ قَالَ: « „ انْزِلُوا ‟» . فَنَزَلُوا فَقُلْنَا :„أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يَدَّعِي مَا يَدَّعِي ، وَيَقُولُ مَا يَقُولُ ؟ ‟ قَالَ:« „أَنَا هُوَ ‟ » . قُلْنَا :„ فَاعْرِضْ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ ‟. فَعَرَضَ ، وَ قَالَ : « „مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ ؟ ‟» قُلْنَا :„خَلَقَهُنَّ اللَّهُ ‟. قَالَ : « „مَنْ خَلَقَكُمْ ؟ ‟ » قُلْنَا :„اللَّهُ‟. قَالَ : « „فَمِنْ عَمَلِ هَذِهِ الْأَصْنَامَ التِي تَعْبُدُونَ ؟ ‟» قُلْنَا :„نَحْنُ ‟. قَالَ : « „الْخَالِقُ أَحَقُّ بِالْعِبَادَةِ أَوِ الْمَخْلُوقُ ؟ ‟» قُلْنَا :„الْخَالِقُ ‟. قَالَ : « „فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنَّ تَعْبُدَكُمْ ، وَأَنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَعْبُدُوهُ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْتُمُوهُ ، وَ أَنَا أَدْعُو إِلَى : - عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَ - شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَ - أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَ - صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ - تَرْكِ الْعُدْوَانِ ، وَإِنْ غَضِبَ النَّاسُ ‟ » . فَقَالَا :„وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ بَاطِلًا ، لَكَانَ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ ، وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ ، فَأَمْسِكْ رَاحِلَتَيْنَا حَتَّى نَأْتِيَ الْبَيْتَ ‟ ». فَجَلَسَ عِنْدَهُ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ. قَالَ رَافِعٌ :„وَجِئْتَ الْبَيْتَ فَطُفْتُ ، وَأَخْرَجْتُ سَبْعَةَ قِدَاحٍ ، وَجَعَلْتُ لَهُ مِنْهَا قَدَحًا ، فَاسْتَقْبَلْتُ الْبَيْتَ ‟، فَقُلْتُ :„ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَخْرِجْ قِدْحَهُ . سَبْعَ مَرَّاتٍ ‟، فَضَرَبْتُ بِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَــ صِحْتُ :„أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ‟. فَــ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ ، وَ قَالُوا :„ مَجْنُونٌ ، رَجُلٌ صَبَأَ ‟. فَقُلْتُ :„ بَلْ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ ‟. ثُمَّ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَلَمَّا رَآنِي مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، قَالَ :„ لَقَدْ جِئْتَ بِوَجْهٍ مَا ذَهَبْتَ بِهِ ، رَافِعُ ‟. فَجِئْتُ وَآمَنْتُ ، وَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : - سُورَةَ " يُوسُفَ " وَ - " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" ، ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالْعَقِيقِ ، قَالَ مُعَاذٌ: „إِنِّي لَمْ أَطْرُقْ لَيْلًا قَطُّ ، فَبِتْ بِنَا حَتَّى نُصْبِحَ ‟. فَقُلْتُ : « „أَبِيتُ وَمَعِي مَا مَعِي مِنَ الْخَيْرِ؟! مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ‟. وَ كَانَ رَافِعٌ إِذَا خَرَجَ سَفَرًا ثُمَّ قَدِمَ عَرَّضَ قَوْمَهُ [إِسْنَادٌ وَسِيَاقٌ حَسَنٌ] .". [(6)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) بحوث السيرة النبوية الشريفة (٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]: [دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ] (١٠٢): [ أ . ] بحث : تطبيق النظرية (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) -*- |
استدراك! [١٠٢] [ ب .] وَفْدُ الْأَنْصَارِ [ ٩ ] [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ] استدراك: في الْبَابِ الثَّالِثِ؛ وتحت عنوان : « سَعْيُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ.. مِن الْمُجَلَّدِ الثَّامِن : دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآلهوسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ»؛ [اصدارات: ملتقىٰ أهل العلم: (السبت، ٢٢ ربيع الثاني، ١٤٤٣هــ ~ ٢٧ نوفمبر ٢٠٢١م)]. . . ذكرتُ :" .. خرج رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- في الموسم، فعرض نفسه علىٰ قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم. وكانت البداية برجل من هَمدان .. جاء في مسند الإمام أحمد؛ وسنن أبي داود؛ وسنن التّرمذي عن جابرِ بنِ عبدِاللهِ -رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: « „ هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ!؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي عزّ وجلّ‟ » . فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ، فقالَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ مِمَّنْ أَنْتَ ؟‟ » . فَقَالَ الرَّجُلُ: „ مِنْ هَمْدَانَ ‟ قَالَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ !؟‟ » . قَالَ: „ نَعَمْ ‟. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ [ يخفره: الخفر: هو ألا يَفُوا بما وعد به ؛ ولا يسعَى بذمّته] قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- فَقَالَ :„ آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ، ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ‟، قال-صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ نَعَمْ‟ » فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ ". -*- وهنا انبه إلىٰ وقفتين: 1 . ] - الوقفة الأولىٰ: وجوب خروج حامل الدعوة الإسلامية إلىٰ النّاس. فــ نرىٰ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لم يأمر بأن تُنصَب له خيمة بمِنًى، أو بسوق عُكاظ، يجلس فيها ثم ينتظر النّاس يأتونه! بل إنّه -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كان يذهب إلىٰ منازلهم بمنًى، وينزل عليهم في خيامهم يعرِض نفسه عليهم. والعَجَبُ مِن بعض مَن يرتقون المنابر -خاصة في القارة الأورُبية والأمريكيّتين - ولعل المانع أنهم لا يحسنون لغة القوم الذين يعيشون بين أظهرهم-، لا يخرجون إلىٰ النّاس، يدعونهم إلىٰ الخير، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، حتّىٰ إذا هدىٰ الله -عزّ وجلّ- كثيرا من الضُلاّل إلىٰ الحقّ بإذنه، وجاءوهم إلىٰ مساجدهم، ما وجدوا لهم أثرا، وما سمعوا لهم خبرا ! 2 . ] - الوقفة الثّانية: ربط النّاس من أوّل يوم بالله-سبحانه- وحده. تأمّل قوله: «„ الأَمْرُ إِلَى اللهِ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ‟».. إنّه خطاب لمن لم يؤمن بعدُ برسالته .. ولمن لم يُقِرّ بعدُ بتوحيد الله سبحانه وتعالى! إنّه -صلوات الله تعالىٰ عليه وآله وسلامه- يريد أن يربطهم مِن أوّل يوم بمن لا يحُول ولا يزول.. لا يريد أن يربطهم بوعود كاذبة، وزخارف زائفة .. كحال كثير من الدّاعين إلىٰ أنفسهم !".[(1)] -*-*-*- مدخل للمجلد التاسع : ما قام به نبيُّ الهدىٰ وحامل لواء التوحيد المبعوث رحمة للعالمين -صلوات الله تعالىٰ عليه وآله وسلامه- مِن افعال وتصرفات وتحركات وخروج لمقابلة وفد حجيج قادم إلىٰ مكةَ أو الحديث إلىٰ رجل شريف في قومه اثناء العهد المكي -خاصةً- إلا أنه كان يبحث عن آذانٍ صاغية، وقلوب واعية، وعقول مستنيرة وافهام ذكية وأيدٍ حانية تحمل هذا الدّين لتقدّمه إلىٰ التّائهين والحائرين .. .. توجد مواقف أو تصرفات اثناء سير الأحداث تغير الواقع تغييراً جذرياً.. -*- * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) الإثنين، 30 جمادى الأولى، 1443هــ ~ 03 يناير 2022م -*-* |
For best browsing ever, use Firefox. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي