ملتقى أهل العلم - هل لا دعاة صامتون !!

http://www.qurandoors.com/vb/images/smilies/basmala.gif

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ ثم أمـا بعــد:
إن من نعم الله على عبده أن يرزقه العلم؛ وإن من أعظم نعم الله عز وجل على العالم أن يرزقه العمل بعلمه .فما أعظمها من منزلة حين يصبح العالم من الذين قال الله فيهم:{ وجعلـــنا منهم أئمة يهـــــدون بأمرنا لما صبروا وكانـــــــوا بآياتنا يوقنــون }السجــــــدة؛24 ؛
وقال{وجعلـــــــناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقــــــام الصــلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابــــــدين }الأنبــــــياء 73 ؛
إن مما يعين الداعية ويؤلف القلوب عليه "حسن خلقه وجميل طبعه ، قال الله تعالى: في الثناء على نبيه صلى الله عليه وسلم { وإنك لعلى خلق عظيم }القلم4 ؛ وقال تعالى :{ وما أرسلناك الا رحمة للعالمين} الأنبياء 107؛
وقال عليه الصلاة والسلام: "أكمل المؤمنين أيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" أخرجه الطبراني في الصغير وصححه الألباني ؛ وقال عليه الصلاة والسلام." إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم "رواه أبو داود.
ألا وإنّ من أعظم ما ينبغي أن يتحلى به المسلمون عامة والعلماء خاصة .أخلاق مثل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخلاقه في عسره ويسره، وفي منشطه ومكرهه،
فقد كان عليه الصلاة والسلام .حسن الخلق حتى مع الأطفال فكان يلاطفهم ويلاعبهم. عن أنس رضي الله عنه ، قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وكان لي أخ يقال له : أبو عمير أحسبه قال : كان فطيما . قال : فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرآه ، قال : يا أبا عمير ، ما فعل النغير , قال : فكان يلعب به " رواه مسلم. بل مع الخدم والعبيد؛ فعن أنس رضي الله عنه قال:"خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم يقل لشيء فعلت لم فعلت ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته"رواه مسلم .
وكان صلوات ربي وسلامه عليه؛ أكثر الناس تبسما وأحسنهم بشرا لا يهوله شيء من أمور الدنيا ، يلبس ما وجد من المباح وكان متواضعا ، يركب ما تيسر. فمرة فرسا, ومرة بعيرا, ومرة بغلة,ومرة حمارا ، يمسح وجه فرسه بطرف كمه أو بطرف ردائه !!
كان رحيما صلوات الله وسلامه عليه ؛ يصل ذوي رحمه. لا يجفو على أحد , يقبل معذرة المعتذر, يمزح ولا يقول إلا حقا , كثير التبسم يرى اللّعب المباح فلا ينكره, يسابق أهله , يبدأ من لقيه بالسلام , لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر , وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس, لا يقابل أحدا بما يكره , ليس بفاحش ولا مفحش , لا يجزي بالسيئة السيئة, يعفو ويصفح, لا يحقر فقيرا لفقره ,و لا يهاب ملكا لملكه, يعظم النعمة وإن قلت, لا يذم منها شيئا, ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه, يحفظ جاره ويكرم ضيفه , وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم,صلوات ربي وسلامه عليه ؛؛؛
وقد كان ديدنه صلى الله عليه وسلم الإرشاد إلى التيسير دون التعسير, وإلى التبشير دون التنفير, بل وإلى العفو دون الإ نتقام فكان يقول:" يسروا ولا تعسروا ولا تنفروا" والقصص عنه صلوات الله وسلامه عليه في ذالك لاتحصى , منها : قصة الأعرابي الذي قال له . "أعطني من مال الله الذي أعطاك، لا من مال أبيك ولا من مال أمك" وقصة الأعرابي الذي جاء وبال في المسجد ؛ وقصة اليهودية التي وضعت له السم في كتف الشاة ؛ وقصته مع أهل الطائف. حين جاءه الوحي وقال:" إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال .بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا" وقصة الأعرابي الذي أخذ سيفه عليه الصلاة والسلام وقال:" من يمنعك مني .فسقط السيف فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقال. من يمنعك مني .قال كن خير آخذ قال أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . قال لا ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك . فخلى سبيله فجاء إلى أصحابه فقال جئتكم من عند خير الناس"وهي والله درر لاتحصى من مواقفه وعفوه عليه الصلاة والسلام. فما أحوجنا إلى الإقتداء بها !
أيها الأحبـــة في الله :لاشيء يأسر القلوب مثل الإحسان إليها, فإن النفوس البشرية جبلت على حب من أحسن إليها ، والميل إلى من يسعى في قضاء حاجاتها، ولكم أن تتأملوا قول الله تعالى عن إخوة يوسف:{قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير} يوسف ، 65؛
فالذي يدعو الناس بأخلاقه وأقواله وآدابه وشمائله؛ يتأثر الناس بدعوته، ولن يكون ذلك إلا بالعمل، أو ليست الدعوة بالفعل أبلغ منها بالقول .وقد قال بعضهم: " كونوا دعاة وأنتم صامتون " قالوا: كيف ندعو ونحن صامتون. قال: ادعوا الناس بأخلاقكم وسمتكم قبل أن تدعوهم بأقوالكم ، وكم من قدوة صالح دعا الناس بأخلاقه وأعماله قبل أن يدعوهم بقوله، والعكس بالعكس ،
فإذا كان الإحسان كذالك . فإن الجفاء وسوء الخلق على النقيض من ذالك . إذ تنفر منه الطباع وتبتعد منه الأجساد فلا يُرعى له سمع ولا يحفظ له جاه.
وقد قال بعضهم " ليس هناك حِملٌ أثقل من البر، من بّرك فقد أوثقك، ومن جفاك فقد أطلقك "
أحبـتي في الله "إن الصبر على الجفاء، وتحمّل سيئ الطباع من محاسن الأخلاق , بل من أجمل ما يتأثربه الأعداء قبل الأصدقاء , فعلى قدر صلاحك وطاعتك لله جل وعلا، تكون قدوة فيتأثر الناس بك ويطرح الله قبولك في قلوب عباده ؛؛
وأخـيرا :قال أبو يوسف رحمه الله: "أتيت مجلس أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فجلست فيه، فجاء رجل فقام في ناحية المجلس فجعل يسب أبا حنيفة ويشتمه، فما يقطع أبو حنيفة حديثه ولا التفت إلى كلامه، ولا أجابه أحد من أهل المجلس حتى فرغ أبو حنيفة من كلامه، وقام ليدخل داره، فلما بلغ أبو حنيفة إلى باب داره قام عند بابه واستقبل الرجل، وقال : هذه داري أريد الدخول، فإن كنت مستتم باقي كلامك فأتمه حتى لا يبقى شيء مما عندك تخاف عليه الفوت، فاستحيا الرجل، وقال : اجعلني في حل، فقال : أنت في حل" انتهى كلامه رحمه الله ؛
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لحسن الخلق وأن يجعلنا من عباده الصالحين إنه سميع قريب مجيب الدعـــــاء؛؛؛

"أترككم في حفظ الله ورعايته "

"المراجع"
دلائل النبوة للبيهقي؛
الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم؛
المدرس ومهارات التوجيه لمحمد بن عبد الله الدويش،